رواية إعلان ممول
الفصل الرابع والعشرون 24
بقلم رحمة نبيل & فاطمة طه سلطان
صلوا على نبي الرحمة ...
__________
وقبل أن تنطق بكلمة واحدة اتسعت عيونها بصدمة حينما وقعت على ذلك الذي كان متصنمًا على باب منزلها بملامح شاحبة، لا يا الله ليس هو، لا ليس هو ..
همست بصدمة وقد كاد قلبها يتوقف :
_ داوود ؟؟؟
تحدث داوود بهدوء وكأنه لم يسمع شيء، فهو يدرك أن رؤيته وسماعه لما حدث الآن سيسبب له جرحًا في كرامتها لن يندمل :
_مساء الخير، أنا أسف اني جيت من غير ميعاد بس أنا كنت جاي اتكلم معاكِ.
هنا تحدث راضي مستعدًا للهبوط:
_أنا لازم أروح أحسن نهى مستنياني في البيت النهاردة ميعاد الاستشارة بتاعت أحمد، السلام عليكم.
وبالفعل رحل في سرعة من أمره قبل أن يعقب أحد على حديثه فهو يريد الهروب، ظنًا أن داوود علم بفعلته...
تمتمت أفكار بتعجب، لا تنتبه لنظرات داوود على طيف راضي الراحل فهو يترك المنزل حينما أتى هو، أي رجل يمتلك تلك المشاعر الباردة ولا يشعر بالغيرة على نساء منزله:
_أنتَ بتعمل أيه هنا يا داوود؟!.
_زي ما قولت جيت أتكلم معاكِ.
تحدثت أفكار وكأنها تلومه على فعلته بكل سذاجة:
_جاي تتكلم بعد أيه؟! ده أنتَ لولا أنك اتكسفت كنت قمت زغرطت إني هسيبك، ده أنا قدمت ليك فرصة حياتك أنك تخلص مني.
ضيق داوود عيناه قائلا بعدم فهم:
_ايه اللي أنتِ بتقوليه ده؟!.
_بقول اللي فهمته من سكوتك يا داوود.
استوعبت أنها تكون بالفعل تعاتبه كانت على وشك أن تصفع ذاتها أي حماقة بها؟!!..
تمتمت أفكار بنبرة هادئة ذات كبرياء:
_خلاص انا اديت ليك الشبكة وكل واحد يروح لحاله ربنا يرزقك باللي احسن مني أنتَ تستاهل كل خير.
أردف داوود بنبرة جادة:
_أيوة ما أنا جاي أفهم ليه عملتي كده؟! مهوا مفيش حد بيقرر يسيب حد من غير سبب اكيد في سبب ويهمني أعرفه.
خجلت من أن تخبره بفعله شقيقها ظنًا أنه لم ينتبه لما قيل، فأكتفت بقول:
_حسيت أننا مش شبه بعض وأنك مكمل معايا أو جيت حتى تتقدملي علشان اللي والدتك عملته وقالته فأنا حبيت أخلصك من العبء ده.
_افكار انا شاريكي وعايزك زوجة ليا وحتى اختلافك ده أنا حابه ولو بساعدك في شوية حاجات تتغيري فيها ده علشان نفسك مش علشاني، أنا عايزك يا أفكار ومتمسك بيكي وحتى لو في الأول يمكن كانت من ضمن الاسباب امي بس هي مكنتش كلها أنا صليت ونمت بعدها صحيت وأنا من ساعتها مرتاحلك.
أبتلع ريقه ثم أسترسل حديثه بمشاعر فياضة لا يدري من أين أتت له:
_أنا قابلك بكل حاجة فيكي يا أفكار، قابلك وعايزك وشاريكي، بلاش تخلي الافكار الوحشة تخلينا نسيب بعض، أنا متمسك بيكي...
ثم مد يده بالعلبة التي لم تلاحظها أفكار:
_خدي شبكتك يا أفكار والله أنا ما فارق معايا أي حاجة غيرك وغير انك تكوني شريكة حياتي ولا يهمني أي حاجة غير كده أنا اتشرف بوجودك في حياتي انا اللي هكون محظوظ لو اخدتي شبكتك ورجعتيلي ..
جاءت سكر من الداخل تصرخ بجنون بعد أن لمحته من بعيد من أسفل نظارتها الطبية التي أحيانًا ترتديها:
_يا واطي جاي للبت تعمل ايه بعد ما اخدت غرضك منها اخدتها لحم ورميتها عضم جاي ليه بعد ما سبتها والله لاجوزها سيد سيدك وبكرة تشوف أنت والاقرع اخوك .
تحدث داوود مستنكرًا حينما أقتربت منه تلك العجوز:
_ياستي لحم ايه اللي اخدته وعضم ايه اللي رجعته، وبعدين بنتك هي اللي سيباني أصلا.
نظرت سكر إلى ابنتها قائلة:
_هو أنتِ اللي سيباه؟!.
هزت أفكار رأسها بإيجاب وهنا عقبت سكر:
_مهو العيب فيك برضو لولا انك سايبلها السايب في السايب ومش شاكمها مكنتش عملت كده.
تحدث داوود في سخرية:
_يا سكر خليكي محضر خير، وقوليلها تأخد شبكتها بقا وتغزي الشيطان.
أردفت سكر بنبرة عجيبة ولأول مرة تشكر به:
_خدي الشبكة بقا يا بنتي علشان هو غلبان اهو وشكله شاريكي والله وشه سمح....
تمتم داوود غير مصدقًا:
_أخيرًا شكرتي فيا.
_لا عايزة أخلص من زنك في فيلم جاي دلوقتي هندي للمثل اسمه ايه ده بحبه اوي، وعايزة اتفرج عليه على رواقه وهي من امبارح منكده عليا يلا صالحيه بقت وبلاش شغل البنات المايعة ده.
مد داوود يده لها بالشبكة لتحملها مجبرة على أن تعود في قرارها فقد جاء راغبًا بها حقًا، ولأنها ترغب به كذلك لتكن صادقة
_صافية لبن.
قال داوود تلك الكلمات فعقبت سكر قبل أن تعقب افكار:
_كنافة وبسبوسة بالقشطة تجيبهم معاك المرة الجاية.
ضحك داوود مغمغمًا:
_حاضر.
____________
مرت ألاء من جانب المعرض الخاص بحامد وعائلته وكان هو يقف أمامه بمجرد أن شاهدها نادى عليها ثم سار بضعة خطوات بسرعة حتى يقف أمامها ويمنعها قائلا:
_ألاء أنا عايز أتكلم معاكِ.
قالت ألاء بجمود شديد قبل أن تتخطاه وترحل وكأنها لم ترى شيئًا:
_مليش كلام معاك...
رحلت وأخذ يراقب طيفها بحزن شديد، ثم ولج مرة أخرى للمعرض بينما هي صعدت إلى المنزل بعد إرهاق ويوم طويل في العمل وكان والدتها يجلس على الأريكة أمام التلفاز وبمجرد رؤيتها قال بانزعاج:
_واخرتها أيه بقا؟!.
بعد فهم كانت ألاء تعقب على حديث والدها:
_اخرتها في أيه؟!.
تحدث والدها بتوضيح:
_العريس اللي قولتلك عليه من كام يوم أتصل بيا وعايز يعرف رأيك.
غمغمت ألاء بانزعاج شديد:
_بابا أنا مش عايزة أتجوز أنا حرة.
_هتفضلي كده قاعدة ترفضي في أي حد كده فرصتك بتقل يا بنتي حرام عليكي هتفضلي قاعدة على ذكرى سي حامد.
جاءت والدتها المنقذة لها في تلك المواقف من المطبخ قائلة بسخرية:
_يا راجل أنتَ ما تسيب البنت على راحتها هو أنتَ بتجيب العرسان دي منين مش فاهمة؟!.
رد زوجها عليها بانفعال:
_أهو محدش خارب الدنيا وخارب دماغ بنتك غيرك.
تركتهما الاء وانسحبت بخطوات غير محسوسة تبحث عن ابنتها مريم لتجدها نائمة بغرفتها...
بينما في الخارج كان النقاش في ذروته..
_أنا عايزة مصلحة بنتي ومصلحة بنتي أنها متدخلش راجل غريب في حياتها دلوقتي لأن لسه قراراتها مش موزونة ولسة مفاقتش من اللي حصل ولو عايز ليها الخير مفيش خير أحسن من أنها ترجع لأبو عيالها غير كده الأحسن تفضل في بيت أبوها.
تحدث زوجها بثورة:
_اه ترجع للواد الصايع ده تاني هو ده الصح؟! ده كانوا كل يوم يتخانقوا ويفرجوا الخلق عليهم، وبعدين يعني هو جه أتكلم في رجوع اساسا أو حاول؟!
_أنا رايحة أشوف البشاميل اللي في الفُرن وأنتَ اتفرج على الماتش وملكش دعوة بالبت.
صرخ زوجها بغضب:
_ماشي ياختي امشي شكلهم جابو جون فينا...
__________
_أفكار رجعت يا ماما ليا واخدت الدهب.
كانت يتحدث بحماس رهيب منذ عودته إلى المنزل وجلوسه بجانب والدته التي لا تستطيع أن تحصى عدد مرات إخباره لها بتلك الجملة...
تحدثت جيهان بفضول:
_بس أيه اللي خلاها تعمل كده من الأول؟!..
لم يرد أن يخبر والدته بهذا الأمر كونه يدرك جيدًا أن أفكار تخجل منه ولأن والدته من الممكن جدًا أن تخبر أفكار بالأمر ..
تحدث داوود متهربًا من الإجابة:
_مش مهم يا أمي المهم أننا اتصالحنا.
لم تهتم جيهان كثيرًا بمعرفة السبب لأنها علمت أنه لا يود الحديث في الأمر..
فقالت بجدية نادرًا ما تستعملها:
_ربنا يهدي سيركم يا ابني أفكار أصيلة ومحترمة ودي أهم صفتين يا ابني وبتحب من قلبها.
هز رأسه في إيجاب هي حقًا كذلك..
لمحت جيهان في عينه فرحة وسعادة حقيقية، سعادة لم تستشعرها أثناء خطبته مع روضة..
تحدث داوود بحماس حقيقي:
_اللهم امين يا أمي وبعدين أنا عايز أسرع في الجواز شوية مفيش داعي نستنى على المدة اللي كنا قايلين ولا أيه؟!.
تمتمت جيهان بحيادية:
_اللي تشوفه يا حبيبي شوف عروستك واتفقوا مع بعض واللي يريحكم اعملوه، ربنا يريح قلبك يا ابني زي ما أنتَ علطول مريح اللي حواليك.
ألتقط داوود كف يد والدته وقام بتقبيله متمتمًا في سعادة تحتله بسبب عودة افكار له فهو ادرك اليوم انها تعني له الكثير:
_اللهم امين يا امي.
______________
بعد ساعات قليلة .
ابتسم وهو متسطح على فراشه وقد بدأت مشاعره تجاه افكار تزدهر وبقوة داخل صدره، ياالله هو يشعر بسعادة كبيرة، سعادة لا يعلم لها سببًا، او يعلم، لكنه في هذه اللحظة لا يود التفكير بها كثيرًا بل يود فقط أن يحياها بكل بساطة.
أمسك هاتفه وشعور بالاشتياق يدفعه للحديث معها، وكذلك فعل حين رفع الهاتف على أذنه ولم ينتظر كثيرًا ما وصل له صوتها :
_ الو السلام عليكم..
_ وعليكم السلام، ازيك يا افكار ؟؟
جاهدت افكار ضحكة كادت تخرج منها :
_ أنا بخير الحمدلله، مش أنت كنت لسه عندي من كام ساعة .
ابتسم داوود يقول ببساطة :
_ أيوة بس حسيت اني عايز اكلمك، ايه رأيك اجيلك بليل نقعد سوا ؟؟
صمتت افكار ثواني وكأنها تفكر في عرضه والذي لم تكن لترفضه يومًا، إلا أنها فعلت حين قالت بتردد :
_ والله كان على عيني بس انا عندي امتحان وعايزة اذاكر يا داوود .
ابتسم داوود ينتفض عن فراشه وإصراره على رؤيتها يزداد أكثر وأكثر:
_ خلاص هاجي اذاكرلك، ايه رأيك ؟؟
_ أيوة بس أنت....
ولم تكد تكمل كلماتها حتى قاطعها داوود يقول بلهفة :
_ تمام هجيلك انهاردة بليل اذاكرلك، يلا باي .
واغلق الهاتف قاطعًا عليها أي محاولة في رفض ذهابه لها، ابتسم ينظر للهاتف، ثم نهض كي يتجهز ويجهز ثيابه، وكل ما يحتاجه ..
وبالفعل بعد ساعات كان داوود يستقل سيارته متجهًا صوب منزل افكار، توقف كعادته خارج المنطقة، ومن ثم حمل الاشياء التي أحضرها لها يتحرك صوب المنزل يحيي جيرانها ببسمة صغيرة وقد بدأ الجميع يعتاد عليه ويألفه في المكان .
توقف أمام الباب يطرقه بخفة، وما هي إلا ثواني حتى وجد وجه سكر يطل عليه وهي ترمقه بعدم رضى وكأنها ترفض مجيئه :
_ عايز ايه ؟!
رفع داوود حقائب الحلوى في وجهها يقول مبتسمًا :
_ افكار هنا يا سكر ؟!
وفي لحظات ارتسمت بسمة واسعة وترحيب حار على وجه سكر تلتقط منه الحقائب بلهفة طفلة :
_ أيوة يا بني يا حبيبي جوا اتفضل .
ضحك داوود على تصرفات سكر وهو يعطيها الحقائب فإن كان هنا عامل مشترك بينه وبين افكار فهي سكر وجيهان، نفس التفكير ونفس التصرفات، أشخاص قد يظهر عليهم الشدة والحزم، لكنهم من الداخل مجرد كائنات رخوة يسهل عليك مراضاتهم، وهو ورغم كل تصرفات سكر، إلا أنه احبها كوالدته .
تحرك صوب غرفة الضيوف حيث كانت افكار تدرس حوار النافذة، ابتسم يتنحنح بصوت مرتفع لتنتفض أفكار وتنظر صوبه وسرعان ما ابتسمت تردد اسمه :
_ داوود .
ابتسم داوود يتحرك صوبها :
_عاملة ليه دلوقتي يا افكار؟!
ابتسمت افكار وهي تشير على مقعد مقابلها تقول بسعادة طاغية لوجوده رغم أنها هي من تمنعت عن رؤيته بحجة دروسها :
_ أنا بخير، أنت عامل ايه ؟؟ .
_ الحمدلله في زحام من النعم، المهم قوليلي وصلتي لايه في المذاكرة بتاعتك ؟!
ابتسمت لاهتمامه الشديد بدراستها، أوليس هو من حارب لأجلها من الأساس :
_ كويس الحمدلله بس فيه كام حاجة كده معصلجين معايا.
أمسك من يدها كتابها الذي كانت تدرس به، ثم نظر له دقائق يتساءل:
_ ايه اللي مش واضح ليكِ ؟!
ابتسمت وهي ترى تركيزه الشديد أمامه تقول :
_ العملية الحسابية دي، بتعرف تعملها ؟؟
ابتسم داوود، ثم رفع نظراته لها يقول بمزاح معها :
_ تفتكري يا افكار أنا خريج ايه ؟؟
نظرت له افكار واطالت النظر في وجهه، لكن ليس تفكيرًا في سؤاله، بل تأملًا لملامحه المريحة، هو وسيم بشكل مريح للنفس، هي حتى هذه اللحظة لا تصدق أنها من بين جميع الأشخاص خرجت به، حاولت أن تتنفس بشكل طبيعي، قبل أن تنتفض على صوت ضحكات داوود العالية والذي انتبه لشرودها وجهه :
_ايه بتشبهي على دراستي من ملامحي ؟!
فركت أفكار أناملها خجلًا تتلاشى النظر له محمرة الوجنتين :
_ لا أنا بس سرحت شوية و...
صمتت تبتلع ريقها، ثم نظرت لملامحه ببسمة :
_ كنت خريج كلية عطور؟؟
وكان دور داوود هذه المرة ليطيل النظر في وجهها قبل أن ينفجر ضاحكًا، هذه الفتاة لا تنفك تبهره بردودها الغير متوقعة :
_ كلية عطور ايه بس يا افكار، مفيش حاجة اسمها كده، العطور دي موهبة عندي من صغري كنت بحب اعمل عطري لنفسي وبحب اخلط روايح مختلفة عشان استخرج عطر جديد خالص، إنما أنا دراستي كانت تجارة انجليزي، واشتغلت فترة محاسب في بنك قبل ما اسيبه عشان شبه حرمانية في العمل .
نظرت له افكار بانبهار وتقدير، وكأنه بطل خارق، وهذه النظرات لم تساعد داوود بالمرة على الاحتمال، ودون إرادته قارن بين نظراتها الفخورة تلك، ونظرات الاستنكار التي علت ملامح الآخرين فور معرفتهم بخبر تركه للعمل .
_ أنت بجد طيب اوي يا داوود وكويس اوي، يارب ابقى زيك .
ابتسم لها داوود وقد رقص قلبه سعادة أنها تنظر لها بنظرات القدوة وتفتخر به :
_ هتبقي احسن مني يا أفكار أنا متأكد، لانك طيبة وذكية اوي .
ابتسمت له تسمعه يقول بجدية :
_ بكرة الصبح هاجي عشان اوصلك الامتحان و...
وقبل أن يكمل جملته سمع صرخة سكر تقاطعهم، إذ على صوت صرخاتها في المنزل بأكمله وهي تستنجد بالجميع .
انتفض جسد أفكار برعب تركض وخلفها داوود الذي سارع لرؤية ما يحدث، خرجا كلاهما ليبصرا سكر تجلس على الأريكة في البهو وهي تصرخ :
_ عايز يقتلني، اللي أنتِ جيباه عشان تتجوزيه عايز يقتلني عشان يستفرد بيكِ ويورثني، داسس ليا كراتيه بالشطة واللمون عشان يخلص عليا .
اتسعت أعين داوود وهو يرى افكار تسارع وتعطي والدتها مياه
_ اورثك ايه بس هو أنا من باقية عيلتك ؟؟ بعدين يعني أنتِ مشوفتيش الكيس واكلتيه أنا ذنبي ايه ؟؟ أنا كنت جايبة لأفكار اساسا عشان هي بتحبه .
دفعت سكر افكار جانبًا بقوة لتسقط على الأريكة وهي تنهض تقف أمام داوود تصرخ في وجهه :
_ أيوة تورثني، ما هي افكار بنتي ولما هي تورثني وأنت تتجوزها عشان تنصب عليها وتاخد فلوسها يبقى عايز تورثني، بعدين أنت اللي داسس ليا الكيس عند وانا عارفة، امك هي اللي سلطتك تعمل كده .
اتسعت أعين داوود من حديثها وزجها لوالدته في الحديث :
_ وامي مالها بكيس الكاراتيه؟
_ مالها ؟؟ تلاقيها هي اللي راحت اشترت كيس البوزو اللي بالشطة ده مخصوص عشان تخلصوا عليا ويخلالكم الجو.
ضرب داوود كف بالآخر:
_ لا حول ولا قوة إلا بالله، يا ستي واحنا هنخلص عليكِ بتاع ايه ؟؟ أنتِ بس اللي عايشة في جو المؤامرة .
صرخت سكر وهي تحاول الهجوم عليه اولا افكار التي كعادتها توقفت أمامهما :
_ أنت قصدك ايه يا قليل الادب ؟؟ قصدك إني مجنونة ؟؟ مش بعيد تجيبلي مستشفى المجانين تاخدني عشان يخلالك الجو .
صرخ داوود وقد وصل لحافة صبره :
_ يا دي أم الجو اللي هيخلى لينا ؟؟ يا حجة هو حد قالك انك قاعدة على قلبي؟ هو أنا جيت جنبك اساسا، متخرجيش الواحد عن شعوره .
حاولت سكر أن تفلت من بين قبضة ابنتها :
_ ولو خرجت هتعمل ايه يعني ؟! انت بتهددني ؟؟ اهو اشهدي على الجدع اللي جيباه من الشوراع عشان تتجوزيه ؟؟
صدم منها داوود يصرخ باستنكار :
_ شوارع ؟؟
وقفت له افكار تربت على صدرها وهي تقول :
_ حقك عليا أنا، ست كبيرة معلش .
لكن كالعادة كان الشجار محتدمًا بين داوود وسكر والذي كان ضحيته افكار التي تقف في المنتصف تحاول الفصل بينهما، حتى رضخ لها داوود وغادر المنزل وهو يصرخ بنفس الكلمات ككل مرة تنتهي بشجار بينهما :
_ والله لولا أنك ست كبيرة أنا كان ليا تصرف تاني معاكِ .
نظرت له افكار بمراضاة :
_ معلش يا داوود حقك عليا ..
غادر داوود ينفث بغضب وهي تراقبه حتى تحرك لتتنفس الصعداء، ومن ثم عادت للمنزل لتجد والدتها تتمتم بغضب وهي تتحرك مجددًا صوب مقعدها، ثم حملت نفس كيس التسالي الذي كاد يتسبب في كارثة تكمله بكل استمتاع تقول مبتسمة :
_ تعرفي يا بت يا افكار اكتر طعم بحبه ايه في البوزو ؟؟ الشطة والليمون...
_________________
بعد عاصفة الامس، ها هي ملامح داوود صافية كالعادة حين استقبلها أمام حارتها بالسيارة كي يوصلها للامتحان الخاص بها .
ابتسم لها مرحبًا لتقترب هي معتذرة :
_ معلش يا داوود على اللي حصل امبارح والله امي كـ
فتح داوود باب السيارة لأفكار يقول ضاحكًا :
_ اركبي يا افكار اركبي، اكيد يعني مش هزعل من سكر، ده انا بقيت حافظها اكتر منك .
صعدت افكار السيارة وهي تبتسم له براحة تقدر له تعامله هذا وتفهمه لحالة والدتها والتي تكون كل ثانية بواحدة مختلفة .
تحرك داوود صوب المركز الخاص بالامتحانات يردد بجدية :
_ جاهزة للامتحان ؟!
ابتسمت له افكار تهز رأسها، ثم قالت :
_ أيوة جاهزة وكمان الفيديو اللي بعته ليا امبارح وانت بتشرح العملية الحسابية كان مفيد اوي وبجد فهمت جدا .
نظر لها داوود بحنان يتذكر حين عودته أنه لم يخبرها كيف تحل تلك المسألة الحسابية، لذلك ثبت هاتفه على الطاولة وقام بشرحها لأجلها بشكل مفصل وأرسل لها التسجيل .
وصل داوود أمام المركز ليهبط من السيارة وهي هبطت، نظرت له تشعر بتوتر غير طبيعي :
_ مالك يا افكار ؟! اهدي كده أنتِ شاطرة وبإذن الله هتحطمي رقمك السابق وتجيبي اكتر من ٥ ونص .
ضحكت افكار دون إرادة منها تحاول أن تهدأ ثم قالت :
_ يارب يا داوود دعواتك ليا .
_ بدعيلك، يلا ادخلي واهدي شوية وأنا هستناكِ هنا .
عارضات افكار بقوة :
_ لا روح أنت وأنا أما اخلص هاخد تاكسي واتصل بيك اطمنك، عشان شغلك يا داوود و...
قاطعها داوود وهو يشير لها بالتحرك :
_ أنا واخد إجازة ووقفت صاحبي في المحل، يلا بقى متضيعيش وقت وارفعي راسي .
ابتسمت له بحب شديد، ثم تحركت صوب المركز بسرعة كبيرة وضربات قلبها تعلو معلنة ولادة عشق كبير تجاه ذلك الرقيق القلب الحنون .
وداوود استند على السيارة يراقبها داعيًا داخله أن تتوفق فقط لأجل تعبها وكي لا تحزن .
تنهد يمسح وجهه ينظر لساعة يده حتى يعلم متى يبدأ موعد الامتحان الخاص بها، لكن فجأة سمع صوت موسيقى صاخبة في الجوار، رفع رأسه بتعجب ليرى سيارة أجرة تقترب منه وصوت موسيقى إنجليزية حماسية تخرج منها .
ثواني وتوقفت السيارة ليراها تلفظ جسد سكر خارجها، وسكر خرجت ببطء وبحركات غريبة، تبتسم بسمة جانبية وهي ترتدي نظارة سوداء، ثم تحركت صوبه بحركات بطيئة كذلك وكأنها في أحد مشاهد الأكشن في هوليوود..
وحين توقفت سكر أمامه قالت :
_ مفاجأة مش كده ؟؟
كل ذلك وداوود يتابعه ببلاهة، لا يستوعب ما يحدث، هذه المرة الأولى التي يرى بها سكر خارج منزلها وهنا؟؟
_ سكر ؟؟
_ أيوة سكر، ايه فكرت أنك أنت لوحدك اللي مهتم ببنتي ؟؟
نظر لها بعدم فهم، لتنزع هي نظارتها السوداء وهي تضغط بها على صدره تهتف من أسفل أسنانها :
_ لو عقلك خلاك تتخيل أنك هتاخد مكاني عند بنتي، تبقى عبيط .
نظر داوود صوب النظارة التي تمسكها، ومن ثم رفع عيونه لنا باستنكار :
_ أنتِ كنتِ مطبقة على MBC2 مش كده ؟؟
ابتسمت سكر تتجاهله وهي تستند على السيارة جواره تقول :
_ لا MBC اكشن .
ابتسم عليها داوود يضم ذراعيه لصدره لتفعل هي نفس الشيء، انطلقت ضحكات داوود الصاخبة ترن في المكان، ثم قال :
_ بس حلوة الدخلة، والنضارة دي، جبتيها منين ؟؟
نظرت له سكر مبتسمة :
_ دي بتاعة الواد خليل بعت واحد من عيال الشارع يجيبها منه، عجبتك !؟
_ زي العسل يا سكر .
ابتسمت سكر وكأنها للتو نالت غزلًا خضب وجنتيها ..
______________
بعد ساعتين تقريبًا..
خرجت افكار بسعادة وراحة بعدما استطاعت الإجابة على أغلبية الأسئلة وركضت لتزف الخبر لداوود، لكن حين أصبحت أمام المركز أبصرت وللعجب شجار عنيف بين والدتها وداوود، إذ أن صوت والدتها كان يرن في الأجواء وداوود يتنفس بعنف أمامها..
زفرت سكر ثم ابتسمت تقول :
_ وبنتي دي أنا هخليك تطلقها، أما بهدلتك في المحاكم وفضحتك مبقاش سكر .
ضرب داوود كفيه يصرخ بجنون وقد حاول طوال الساعتين أن يصبر نفسه عليها، لكن عند نقطة معينة نفذ صبر لتحتدم المعركة بينهما :
_ يا ختي مش لما اتجوز بنتك الاول بعدين يبقى اعملي اللي تعمليه؟! بعدين أنا مش فاهم أنت قارشة ملحتي ليه عايز افهم، هو أنا قاتل ليكِ قتيل ؟!
_ أنت طول عمرك مش مريحني ياض أنا من اول يوم شوفتك فيه قولت أنك فيك حاجة مش طبيعية .
وقبل أن يأتيها الرد من داوود تدخلت افكار بسرعة تحيل بينهما بعدم فهم :
_ فيه ايه ؟؟ هو أنتم كل ما تلمحوا وش بعض تتخانقوا زي الديوك الرومي ؟!
نظرت لوالدتها باستنكار :
_ أنتِ بتعملي ايه هنا يا سكر ؟! خرجتي وجيتي ازاي ؟؟
ابتسمت سكر بفخر :
_ جيت زي ما جيت .
صمتت ثواني ثم قالت بحدة وهي تصفع كتف افكار بقوة :
_ بعدين هو ايه اللي جابني ؟؟ مش عشان اقف استناكِ لما تخلصي امتحانات زي ما نسوان الحارة بتعمل مع عيالهم في الثانوية العامة؟! يعني مش كفاية حرمتيني من الشعور ده يا ساقطة، جاية دلوقتي مستكترة عليا اعيش التوتر بتاع الامتحانات !!
أمسكت أفكار كتفها بصدمة وهي تحاول الابتعاد عن مرمى كفها، لتردد :
_ لا يا امي لا عاش ولا كان اللي يمنعك، أنا بس عشان الضغط يا غالية ميعلاش عليكِ بسبب التوتر .
سخر داوود منها :
_ ضغط ايه اللي يعلى عليها ؟؟ دي جاية تعليلي ضغطي أنا، بعدين دي ملحقتش تتوتر وفجأة مسكت فيا كأني عاملها مصيبة .
نظرت له سكر وكادت تجيب لولا افكار التي تمسكت بكفها تقبله هامسة كي تتجنب احتدام شجار اخر :
_ معلش يا امي امسحيها فيا، هو واحد مش كويس .
زم داوود شفتيه ليجد افكار تنظر له غامزة إياه برجاء، ليبتسم بغيظ شديد يضم يديه لصدره :
_ أيوة فعلا أنا متربتش امي كانت مشغولة مع الشيف الشربيني وسابتني من غير تربية .
ابتسمت سكر وقد ارضتها هذه الإجابة، لتتنفس افكار الصعداء وهي تقول :
_ طب الحمدلله عرفنا العيب جاي منين، والغلط من مين، خلينا نمشي قبل ما الدنيا تولع تاني .
نظر لها داوود بحنان يستوعب الآن انتهاء امتحانها :
_ الأول طمنيني عملتي ايه ؟؟
_ الحمدلله يا داوود الامتحان كان لذيذ وعدى على خير .
هنئها داوود بعيونه مبتسمًا، ثم نظر لها ولسكر التي كانت ترمقهم في انتظار الرحيل، ليقول فجأة داوود بعدما اندفع له شعور قوي أنه يود تقضية اليوم بأكمله مع افكار وبالطبع مع سكر ...
_ ايه رأيكم أخدكم بالمناسبة السعيدة دي واعزمكم عزومة حلوة على شرف افكار ؟؟؟؟
