رواية إعلان ممول الفصل الثالث 3 بقلم رحمة نبيل & فاطمة طه سلطان

        


رواية إعلان ممول

الفصل الثالث 3

بقلم رحمة نبيل & فاطمة طه سلطان



صلوا على نبي الرحمة 

_________________


صمتت وبأي عين تتحدث، فهذه الورقة بين أصابعه لا تدل سوى أنها اخطأت مجددًا وللمرة التي لا تعلم عددها، حاولت أن تدفن صدمتها خلف صراخها، لربما تتخلص من تلك المصيبة التي ألقيت على رأسها ...


_ اسمع يا استاذ احنا شركة محترمة وعمرها ما حصلت أننا بدلنا أي شحنة، أحنا هنا عندنا فريق من أكفأ الفرق في مجال الشحن.


استشاط داوود من عنادها رغم أنه يحمل دليله بين أصابعه :


_ أنا مش شغال في فريق الجودة عشان حضرتك تحكيلي انجازات الشركة، أنا بس جاي عشان اعرف الشخص المتخلف اللي عمل كده .


انفجرت افكار في وجهه حانقة من سبته تدافع بشراسة عن نفسها :


_ احترم نفسك يا بني آدم، ده أنت اللي متخلف وستين متخلف .


اقترب داوود يقف قبالتها وهي كذلك حتى أصبح الاثنان كما لو كانا في حلبة مصارعة وعلى وشك القتال :


_ وأنتِ مالك محموقة كده ليه ؟؟ يكونش المتخلف من باقي عيلتك ولا تكونيش أنتِ نفسك المتخلف ده ؟!


ازداد غضب افكار وبشدة منه :


_ اهو أنت، بعدين مش فاهمة مالك عامل الحوار ده كله عشان مجرد اوردر اتسلم بالغلط، ايه وصلك قنبلة ولا سلاح نووي عشان تعمل كل الحوارات دي ؟؟ ما كنت تيجي بهدوء وتسلم الطرد اللي وصل غلط واحنا هنعوضك .


سخر داوود وضحكته انطلقت بقوة في المكان :


_ تعوضوني؟ تعوضوني عن ايه ولا ايه ؟؟ أنا بسببكم بيتي اتخرب وسمعتي بقت في الأرض .


_ ليه كنا بعتنالك شحنة مخدرات ولا ايه ؟!


صرخ داوود بأعلى صوته حتى اجتمع جميع من بالشركة حولهم :


_ يعني غلطانة وكمان بجحة، أنتِ المفروض اساسا تعتذري وتحطي عينك في الارض بعد  غلطتك دي مش تبجحي .


وما كادت افكار تذيقه من ويل لسانها حتى سمع الجميع صوتًا مهيبًا يردد :


_ فيه ايه هنا ؟! ايه الدوشة دي ؟!


استدار الجميع صوب المدير والذي رمقهم بحزم وقوة، ثم حول نظره صوب داوود الغاضب مستفسرًا :


_ خير يا استاذ بتزعق بالشكل ده ليه ؟؟


استدار له داوود بتحفز وهو يحرك الورقة في وجهه:


_ بزعق عشان بيتي اللي اتخرب على ايد موظفين الشركة دي، بقى أنا أطلب اوردر يوصلي واحد تاني؟؟ دي لو شركة فاتحة في خرابة كانت عملت شغلها احسن من كده .


نظر له المدير ثواني قبل أن يطالبه بإعطاءه الورقة، وبالفعل اخذها منه يحاول التأكد أن شركته هي من أوصلت طرده ثم قال بصوت هادئ مخيف :


_ مين اللي كان مسؤول عن الطلب ده ؟؟


وصمت طويل عم المكان والجميع بدأوا يحدقون في بعضهم البعض حتى استقرت الأنظار على أفكار التي تمنت لو تبتلعها الأرض أسفلها وهي تسمع صوت مديرها يردد بتوعد :


_ أنتِ تاني يا افكار ؟؟


فزعت أفكار وهي تردد مبررة :


_ والله يا فندم هو ...


_ بلاش مبررات كتير لاني شبعت مبررات، اتفضلي صفي حساباتك وروحي .


بُهت وجه افكار مما حصل وارتعش صوتها :


_ بس يا فندم أنا مكانش قـ 


قاطعها المدير مجددًا :


_ خلصنا يا افكار غلطة زي دي ممكن تضيع سمعة الشركة .


نظر بعدها لداوود الذي كان صامتًا بصدمة مما حدث وقال :


_ لو سمحت سيب بياناتك مع الموظف اللي في الاستقبال واحنا هنحل المشكلة ونرجع لحضرتك الاوردر الصح، واتمنى تكون راضي .


أنهى حديثه منصرفًا من أمام الجميع تاركًا أنظار الشفقة تحلق فوق رأس افكار، وداوود الذي لم يظن أن يقوده غضبه وسخطه للتسبب في قطع عمل أحدهم ...


______________


_أنتِ بتتكلمي بجد يا بت أنتِ؟!.


قالت والدة "روضة" تلك الكلمات وهى تقوم بطهي الطعام وابنتها تقص لها ما حدث.


تمتمت روضة في دفاع عن ذاتها:


_يعني قليل الادب يجيبلي هدية زي دي وعايزاني أسكت يعني؟! وهو طول النهار بيدعي عليا الفضيلة؟! ويقولي نفسي تلبسيهم قدامي لما اجيلكوا ده مترباش ولا أمه العقربة دي عرفت تربيه.


عقبت والدتها في عدم تصديق:


_أنا مش مصدقة اللي بتقوليه يا بنتي.


_يا ماما هو أنا هتبلى عليه أسالي حتى سلمى ده أنا الدم جرى في عروقي وروحتله فورًا وزعقت معاه وقولتله مش عايزاك.


سألتها والدتها في عفوية:


_هو أنتِ عرفتي أبوكي اللي حصل؟!.


هزت روضة رأسها في نفي ثم قالت في لا مبالاة:


_لا لسه هقوله وبعدين بابا مش هيقول حاجة ده هيفرح أني سيبته، مكنش موافق عليه إلا علشاني ومكنش نازله من زور وفعلا طلع بابا اللي عنده حق داوود ده مش سالك.


تنهدت والدتها في ضيقٍ فهى ترى في داوود الشاب الصالح التي كان يحاول تغيير ابنتها المدللة:


-اللي فيه الخير يقدمه ربنا يا بنتي..


تحدثت روضة في تردد:


_يارب، وبعدين صحيح هتعزموا عمتو وياسر امتى؟.


غمغمت والدتها في لامبالاة:


_مش عارفة زي ما أبوكي يتفق معاهم.


ثم أسترسلت حديثها في شكٍ فهى خير من يعرف ابنتها فهى نادرًا ما تهتم:


_وبعدين أنتِ مالك أصلا شاغلة بالك بالموضوع ليه؟! أنا عمرى ما شوفت واحدة خطوبتها اتفركشت قاعدة بتفكر هنعزم مين ومنعزمش مين؟!.


قالت روضة في حرج:


_مش عمتي وأبن عمتي ولازم اهتم بيهم وده واحد جاي من سفر مش بنشوفه غير كل فين وفين.


ثم قالت في صراحة مُطلقة فهي تود أن تكسب رضى الجميع عن الأمر مقدمًا قبل أن تقدم على شيء :


_بصراحة بقا أنا حاسة إني معجبة بياسر يا ماما.


صاحت والدتها في غيظٍ:


_أنا مش عارفة أنتِ هتتغيري امتى وتحترمي نفسك يعني كرفتي للراجل ولما صدقتي عمل غلطة من غير ما تفهمي ايه اللي حصل، ودلوقتي علشان الهانم حاطة أملها في حاجة تانية.


حاولت روضة اقناع والدتها متمتمة:


_محدش بيقدر يتحكم في قلبه وأنا لما شوقته حسيت في حاجة غلط وأنا شايفة أن ده أحسن ليا ولداوود مش أحسن ما نتجوز وأكون بفكر في حد تاني؟!.


_______________


صعدت جيهان قاصدة شقة إبنها الأكبر، لتجلس مع ألاء وأحفادها ولكونها تعرف جيدًا أنه في العمل الآن فرُبما تستطيع أن تتحدث معها بحرية وأن تلفت نظرها إلى بعض النقاط دون قول أي شيء صريح.


وبالفعل جلست معها ورحبت بها ألاء، فنادرًا ما تصعد جيهان إلى الأعلى فتنتظر إتيانهم حتى لا تطفل عليها في النهاية هى أمراة وتعرف رغبة كل فتاة في الاستقلال وألا تشعر في أنها تقطن في بيت عائلة.


كان الولدان يلعبان في غرفتهما بينما ألاء صنعت كوب قهوة لجيهان وجلست على الاريكة، و صغيرتها "مريم" متواجدة في أحضان جدتها.


أردفت ألاء في حرجٍ:


_أسفة والله يا ماما البيت مكركب شوية بسبب العيال وعلشان أم محمد بنتها تعبانة ومجاتش بقالها يومين.


أبتسمت لها جيهان وقالت في حكمة:


_عادي يابنتي اللي عندهم عيال دايما بيتهم مكركب ده أنا زمان داوود وحامد مكنوش بيخلوا حتة في البيت إلا ويبهدلوها حتى لو لسه مروقة تحسي أنك معملتيش حاجة، خليهم يلعبوا ويعيشوا سنهم.


بادلتها الابتسامة ثم سألتها بعد تردد قصير لصدمتها من وجودها دون سبب أو علم مسبق كما اعتادت منذ سنوات :


_هو في حاجة يا طنط؟؟


خاطبت جيهان ذاتها قائلة:-


" الله يخربيتك يا جيهان خلاص كبرتي وخرفتي والبت قفشت كل حاجة في ثواني من غير ما تفتحي بقك" 


ولكنها سألتها في دهشة أجادت صُنعها:


_ليه يابنتي؟!


_أصل مش من عوايد حضرتك تطلعي دايما بتتصلي بينا تطمني علينا وتقوليلي لما تفضي أنزلي.


غمغمت جيهان في ثبات:


_عادي يا حبيبتي قولت أطلع كده وأتحرك شوية بدل القعدة اللي هتكسحني بدري وأنا في عز شبابي، وأطلع أتكلم معاكي شوية ولا انا ضيف تقيل ولا أيه؟!.


قالت الأخيرة في مشاغبة، فردت ألاء عليها في سرعة من أمرها فلا شك انها محظوظة بوالدة زوجها:


_لا طبعا يا طنط ازاي ده أنتِ نورتي والله العظيم.


_البيت منور بيكي يا حبيبتي والله، ربنا يعلم معزتك في قلبي يا آلاء وقد ايه انا بحبك زي بنتي، وأنا لو عندي بنت عمري ما هبخل عليها بنصيحة، وانا شايفة يا بنتي انك لازم تغيري من نفسك شوية.


رددت ألاء حديثها كالبغبغاء:


_أغير من نفسي شوية؟! يعني أيه؟!.


شعرت جيهان بحماقتها فهي على ما يبدو بدل من أن تصلح الأمر تقوم بافسادها:


_قصدي يعني أنا شايفاكي مهتمة بالعيال على حساب نفسك وده غلط هيجي في وقت طاقتك هتخلص يا حبيبتي وحتى هما مش هتعرفي تقدمي ليهم حاجة، فقصدي تنزلي تخرجي وتأخدي جوزك معاكِ، ولا تغيري لون شعرك، أو تروحي تعملي تنظيف بشرة وتدلعي نفسك كده تجيبللك كام حاجة جديدة، أنا اللي هقولك يعني ده أنا دقة قديمة حتى.


سألتها ألاء في وضوح فقد أحتدم غيظها على أخره واشتعل الغضب داخلها وحدسها بنبأها أن خلف حروفها تختبئ كلمات حامد :


_هو حامد اشتكى ليكِ ولا قالك حاجة؟!.


هزت جيهان رأسها نافية ثم أستطردت:


_لا يابنتي مقالش ليا حاجة أنا بنصحك كأنك بنتي بالظبط، أنا مش محتاجة حد يقولي حاجة أنا شايفة بعيني كل حاجة والمثل بيقول أكبر منك بيوم يعرف عنك بسنة.


ثم أسترسلت حديثها في نصح وإرشاد لعلها تستمتع لها:

_يعني  لو تخلي العيال تبات معايا النهاردة...


رفعت ألاء حاجبيها وقالت في عدم فهم مقاطعة أياها:


_تبات عندك ليه يا طنط؟!.


قالت جيهان في توضيح:


_يعني اخدهم تريحي بالك منهم شوية وتعملي عشا حلو لجوزك وتتصلي بيه تخليه يجي بدري هتبقوا لوحدكم، تاخدي دش حلو كده وتلبسي حاجة حلوة وتستنيه وتتكلمي معاه وتحاولي تقربي منه بدل ما أنتم كل شوية في شد مع بعض كده، أنتم لسه صغيرين يا حبيبتي يعني لازم تتمتعي بحياتك مش يومك كله يكون للولاد.


ابتلعت ريقها وأسترسلت حديثها:


_زي ما ولادك ليهم حق عليكي انهم يشوفوا أم كويسة مهتمة بيهم وبتراعيهم، جوزك كمان عليه ليكي حق ونفسك ليها حق، لازم تتمتعي بشبابك مع جوزك كده، أنتِ حصرتي نفسك في الدايرة دي بدري أوي يابنتي.


_يا طنط أنا بعمل اللي عليا بس......


قاطعتها جيهان في تفسير:


_اللي عليكِ مش أنك تكوني أم كويسة وبس فيه راجل في حياتك محتاجة تشوفي طلباته وتهتمي بيه، وبعدين الست مبتحسش أنها ست غير لما تشغل عقل وقلب جوزها، اعتبريه ابنك الرابع يا ألاء وكل اسبوع كده اخرجي معاه يوم وسيبي العيال عندي أو عند أمك، ويعني مشي الدنيا، الرجالة هبلة وبيضحك عليها بسهولة.


عقبت ألاء على حديثها في احترام رغم أنها تتوعد له فعلى ما يبدو أنه يخبر عائلته بأي شجار يدور بينهما، لن ترحمه:


_عندك حق يا ماما خلي العيال يباتوا عندك النهاردة.


____________


وعلى نفس الأريكة وبنفس الوضع كانت افكار تنتحب وتندب حظها العثر الذي يعيق كل شيء في حياتها، تضرب فخذيها باكية بحسرة على وظيفة كانت تدر عليها مالًا يكفيها شر السؤال .


_ أه يا مرارك يا أفكار ياللي عمر ما حاجة كملت ليكِ على خير يا افكار .


بكت وهي تجذب بعض المناديل تجفف وجهها بتعب :


_ يعني يارب خطوبة وشغل في اسبوع واحد، حظ ايه المنيل ده ياربي ؟!


خرجت والدتها في ذلك الوقت لتراها تبكي وتندب كعادتها، زفرت بحنق تتحرك بصعوبة صوبها ثم وحينما استقرت على الأريكة قالت :


_ خير يا افكار على ايه الندب المرة دي؟؟ المعفن فسخ خطوبته منك تاني ولا ايه ؟؟


نظرت افكار لوالدتها من بين دموعها تردد بوجع :


_ انطردت من الشركة ياما، شوفتي حظ بنتك اللي زي وشها؟! أنا عارفة إن مش مكتوبلي افرح .


_ يابنتي كفاية ندب بقى، هعيش آخر ايامي في حزن وقهر، ده انا كل يوم اصحى على عياطك وندبك.


نظرت لها افكار بحنق وقد سائها أن تقلل والدتها من أحزانها :


_ كده ياما ؟؟ ده بدل ما تاخديني في حضنك وتقوليلي ولا يهمك يا افكار؟! بكرة ربنا يعوضك يا افكار ؟!


لوت سكر شفتيها  :


_ شوفي كل ده عشان مش راضية عنك، ما أنتِ لو كنتِ جبتيلي الراديو اللي نفسي فيه، كان ربنا باركلك ومحصلش اي حاجة من ده .


رفعت افكار عينها لها وهي تردد بسخط :


_ يعني كل اللي بيحصل في حياتي ده بسبب راديو ؟! فسخت خطوبتي وانطردت من وظيفتي عشان راديو يا ما ؟؟ امال لو كان تلفزيون كان اتخسف بيا الأرض ؟


تنهدت سكر وهي تقول وقد أثار مظهر ابنتها حزنها :


_ لا ياضنايا اكيد مش بسبب الراديو بس، ده تلاقيه عمل يا حبيبتي، عمل عملاه واحدة من نسوان الحتة الشوم دي وهو اللي موقف حالك بالشكل ده .


والصوت الساخر الذي خرج من حنجرة أفكار كان أبلغ رد على ادعاء والدتها والتي تخبرها أن حياتها البائسة قد أثارت حقد أحدهم لدرجة لعنها بعملٍ ما ...


_ عمل ؟! وده على ايه يا ما ؟؟ على الفلوس اللي مش عارفين نحطها فين ؟؟ ولا على طابور العرسان اللي واقف على الباب مستني إشارة مني، ولا يكونش على شعري الاصفر وعيوني الزرقة ؟! 


نظرت لها سكر ثواني قبل أن تقول باقتناع :


_ يابت افهمي ما هو العمل ده هو اللي معطل كل الحاجات دي ؟!


ضحكت افكار تمسح دموعها :


_ معطل ايه ؟؟ ياما أنا حياتي اساسا خربانة بدون اعمال، اساسا العمل لو دخل حياتي مش هيلاقي حاجة يخربها فيها .


نهضت والدتها ببطء شديد جراء عمرها تردد بحنق وتهكم :


_ أنتِ حرة أنا قولتلك اللي فيها صدقتي أو لا  مش مشكلتي .


_ مش مشكلتك يا ولية يا مفترية؟! ده انا بنتك ضناكي اللي جبتيها على آخر العمر عشان تبهدليها.


أنهت حديثها وهي تعتدل في جلستها تستغفر ربها محاولة التفكير في حل لكل تلك المشاكل التي سقطت على رأسها مرة واحدة، وفجأة تذكرت ذلك الرجل الذي جاء لعملها وتسبب في طردها :


_ اقول عليك ايه يا بعيد ...روح الله يسامحك.


_______________


يجلس حزينًا في متجره، قامت روضة بحظره من جميع حساباتها على مواقع التواصل الإجتماعي لا يجد أي شيء قد يمكنه من التواصل معها، ولا يدري لِم هناك شيء بداخله لم يدفعه للذهاب إلى بيت والدتها والتبرير لها، بل ما يجعله يشعر بالدهشة من ذاته ان تلك الفتاة الحمقاء عالقة في ذهنه، يشعر بالذنب الشديد تجاهها، فالنهاية هو تسبب بأنها فقدت عملها وضميره يؤنبه من وقت عودته، فهو يُدرك جيدًا أن فتاة في هيئتها وتتحمل ذلك العمل بالتأكيد هى شخص لا يعمل رفاهية ولديه التزامات.


أتصل بصديقه سيف وأخبره بأن يأتي له فهو يشعر بالضيق الشديد حتى أنه يغلق على ذاته باب المتجر حتى لا يلج أي أحد له فهو ليس بحالة تسمح له بمقابلة أحد، بعد ساعة من إتصاله بصديقه كان أتى له.


وأخذ يقص له خيباته واستمع صديقه جيدًا فهو مستمع جيد له، وعقب سيف حينما أنتهى صديقه نهائيًا من حديثه:


_أتكلم ولا هتلوي بوزك؟!.


قال داوود في استسلام:


_أتكلم.


أردف سيف في عفوية وصراحة شديدة:


_روضة واضح اوي أنها كانت بتتلكك ليك يا داوود، مفيش واحدة بتحب واحد هتعمل مشكلة على حاجة تافهة زي دي خصوصا أنها عارفة ومتأكدة أنك استحالة تعمل حاجة زي دي، وكان لازم تسمعك، لكنها زي ما صدقت، علشان كده يا صاحبي فكك منها وخلاص بقى هي مش نصيبك.


أبتسم داوود في ضيقٍ على ما يبدو أن الجميع كان يشعر بأنها لا تناسبه عداه هو الذي لم يشعر بذلك، أي مغفل كان؟!.


_مهوا أنا مش مضايق علشان روضة بس البت اللي روحت ليهم شركة الشحن بعد ما أصريت على الصفحة تديني أسمعها المدير مشاها وأنا حاسس بالذنب الله اعلم بنت زيها بتشتغل شغلانة زي دي محتاجة ازاي، بس أنا كنت رايح متعصب أوي والراجل لما صدق باين، بجد مخنوق أوي وحاسس إني اتسرعت.


استطرد سيف في تهكم من صديقه :


_ياعم فكك بقى هو أنتَ مخلوق علشان تحس بالذنب وبس؟؟


_لا أنا شايف أنه لازم أروح وأتكلم مع الراجل يمكن أكون سبب في أنها ترجع.


أردف سيف في اعتراض:


_أنا شايف أنك مكبر الموضوع وبعدين ما البت فعلا غلطانة.


_هروح أجرب لأخر مرة احتياطي برضو.


بعد مرور ساعة ونص، كان داوود يجلس في مقر شركة الشحن مع صاحبها ليخبره بأن تلك الفتاة جديدة وأنه لم يكن الشخص الوحيد التي قامت بتبديل صندوقه، وأنها تلحق الخسارة بالعمل ولابد أن يتم فصلها وحدث ما كان صحيحًا.


خرج داوود ليجد صديقه يقف مستندًا على السيارة فقال:


_اهو الحمدلله طلعت خاربة حاجات كتير مش أنا السبب بس كده الواحد يقدر ميحسش بعذاب الضمير وأنام وأنا مستريح.


______________


كانت تجلس في بهو منزلها تترقب وصوله وهي تجلس على جمر، كلمات والدته تتكرر في أذنها لتثير شياطينها، ذلك الرجل الذي لا يعلم للرجولة طريق يذهب ويبكي لوالدته كطفلٍ، ويشتكيها لديها، لتأتي والدته تطالبها بترك الاطفال لديها مشفقة عليها ...


فجأة انتفضت على صوت غلق الباب وظهور وجه زوجها في مرمى بصرها لتندفع صوبه كالبركان الثائر بعد سنوات من الخمول :


_ واخيرًا شرفت يا استاذ ؟! 


تعجب حامد من ملامحها المتحفزة الغاضبة، وتعجب أكثر من بقائها حتى هذا الوقت مستيقظة وهي التي تتحين الفرص للهروب منه، هل ...هل علمت بأمر زواجه؟! 


نظر لها قليلاً قبل أن يقول :


_ اهلا يا آلاء، غريبة يعني لسه صاحية .


كان يتحدث وهو يتحرك بعيدًا عنها صوب المطبخ للحصول على كوبٍ من الماء يروي عطشه ويساعد في ترطيب حلقه الذي جف خوفًا من معرفتها والوقوف في وجهه .


_ أنت ايه يا اخي ؟؟ جبل مش بتحس ؟؟ يعني فوق ما أنا تعبانة معاك ومع عيالك ومستحملة وساكتة تعمل عملتك دي ؟!


استدار لها حامد وقد شحب وجهه يخمن ما حدث لتصل لتلك المرحلة من الغضب لا بد أن والدته أخبرتها بأمر زواجه :


_ هي امي كلمتك ؟؟


ابتسمت آلاء ساخرة :


_ طب كويس إن أنت عارف اللي حصل وفرت عليا كتير .


تسرع حامد وهو يقول محاولًا التماسك :


_ الموضوع ده يخصني لوحدي و...


هنا وانفجرت الاء في وجهه بعدما نفذت قدرتها على التحمل، يقف أمامها ويتبجح أنه يذهب ويشتكي لوالدته منها، لتبدو في نظر الجميع سيدة لا قلب لها ولا تستطيع إدارة منزلها :


_ لا يا حامد ...لا مش يخصك لوحدك، لما تروح تشتكي لامك زي العيل الصغير أن مراتك مش واخدة بالها منك يبقى مش يخصك لوحدك .


_ اشتكي لامي منك ؟؟


كانت تلك الكلمات المتعجبة صادرة من حامد والذي لا يفهم ما تقصده تلك المرأة، هل أخطأ الفهم وهي الآن لاتشاجره لأمر زواجه !؟


_ أنتِ بتتكلمي في ايه بالضبط ؟!


تخصرت حانقة وهي تحاول كبت سبة كادت تخرج منها لادعاءه الجهل :


_ والله ايه؟ يعني مش عارف بتكلم في ايه يا خويا ؟؟ بتكلم في امك اللي جاية تقولي اسيب العيال عندها واهتم بيك شوية، وبتبصلي كأني عاملة جريمة، وكل ده عشان ايه ؟؟ عشان بهتم بعيالي زي اي ام ؟؟ ارميهم يعني عشان ترتاحوا ؟!


استفزت حامد بدفاعها عن نفسها وتبرير ما تفعل وكأنه هو الصحيح، تتحدث وكأن مهمتها في الحياة تلخصت بالكامل في تربية الأطفال، ماذا عنه ؟! الا حق له أن ينال اهتمامًا منها كما تفعل مع أطفاله ؟! هل تزوج بمربية ؟! 


ثار في وجهها وقد انفلت غضبه :


_ لا يا هانم مش بقولك ترميهم، بس على الاقل تفتكري أنك زوجة كمان مش بس ام، تقدري تقوليلي آخر مرة لبستي لبس زي باقي الستات كان امتى ؟! ولا اخر مرة رجعت لقيتك مستنياني كان امتى؟! 


صرخ بأعلى صوت لديه وقد برزت عروقه :


_ آخر مرة حسستيني فيها اني مهم عندك كانت امتى يا آلاء ؟؟ أنا حاسس اني عايش مع خدامة كل همها المسيح والطبيخ والعيال، مش شايفة غير نفسها وعيالها وانا مليش مكان بينكم واولع.


صُدمت آلاء من صراخه واتهامه لها، لِم لا يفهم أنها تفعل كل ذلك لأجل اولادها شأنها كشأن أي امرأة أخرى، تعوضهم غيابه وتحنو عليهم بعدما نبذهم والدهم الغير مسؤول  :


_ أنت واحد اناني مش شايف غير نفسك، مش شايف عيالك ولا تعرف عنهم حاجة، كل همك نفسك وبس، لا بتقعد مع عيالك ولا بتحن عليهم زي أي اب، ده أنت حتى يا اخي متعرفش هما في سنة كام، وفي الآخر جاي تلومني اني بحاول اعوضهم عن غيابك ؟!


مسح حامد وجهه وقد فاض به الكيل، تقف أمامه وتتبجح أن ما تفعله هو الصحيح وأنه هو الاناني بعد كل شيء :


_ عندك حق يا آلاء أنا فعلا اناني ومش شايف غير نفسي، وعشان اديكي فرصتك تأدي دورك كأم على أكمل وجه، أنا برفع عنك مسؤوليتك كزوجة ده لو كنتِ بتعملي المسؤولية دي اساسا، وهديها لغيرك .


صمتت الاء تحاول تبين ما يقصد من حديثه ذاك، اقتربت منه خطوات صغيرة علها لم تسمع ما قال :


_ تديها لغيري يعني ايه ؟!


_ يعني اللي فهمتيه يا آلاء، أنا هتجوز تاني، وقريب اوي .


شحب وجه الاء من اللامبالاة التي يتحدث بها ورددت بخوفت وكأنها إن تحدثت بصوت عالي سيتحقق حديثها :


_ تتجوز عليا ؟! عشان بس بهتم بالعيال ؟! 


ارتفع صوتها تدريجيًا حتى بدأت بالصراخ:


_ تتجوز عليا بعد كل السنين دي يا حامد ؟؟ بعد ما ضحيت بمستقبلي عشان اربيلك عيالك ؟!


_ دلوقتي بقوا عيالي ؟! واه يا آلاء هتجوز عليكِ عشان العيشة معاكِ مبقتش تنطاق.


هزت آلاء رأسها وهي تتحرك كالمجنونة أمامه، ثم رفعت نظرها له تردد بجدية :


_ تمام يا حامد، تمام يا عريس، مبارك عليك وياريت تكون فهمت عروستك أنها هتدخل على ضرة وهتربي عيالك .


انكمشت ملامح حامد بتساؤل :


_ تربي عيالي ؟!


ابتسمت ألاء بحقد وقد احترق وانكوي قلبها على تلك السنين التي تخلت فيها عن نفسها لأجله ولأجل اطفالهم وفي المقابل يتركها هو ترثي نفسها وحياتها ليتنعم بحياته مع أخرى غير آبهًا بها أو بمشاعرها :


_ مش أنت دايما مش حابب تضيع مستقبلك مع واحدة زيي؟؟ وانا كمان يا حامد مش هدفن نفسي هنا كزوجة تانية ومربية لعيالك، شيل شيلتك يا عريس وابقى وريني هتعرف تعيش ازاي من غيري ؟!


أنهت حديثها وهي تبتعد عنه ليلحق بها يمسكها من ذراعها بقوة وعينه تركزت في خاصتها :


_ قصدك ايه يا آلاء ؟؟


ابتسمت آلاء بحسرة وقهر تلقي في وجهه قرار نتج عن قهرها وحسرتها مقابل قرارٍ منه نتج عن غضبه وملله، وتناسى الاثنان أن هناك بين حسرتها وغضبه فجوة ابتلعت اطفالًا لا ذنب لهم :


_ قصدي اني هسيبلك البيت والعيال وابقي وريني هتشيلهم ازاي يا سيد الرجالة،  واه متنساش تبعتلي ورقتي على بيت ابويا، طلقني يا حامد .........


                       الفصل الرابع من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا 

تعليقات



<>