رواية إعلان ممول
الفصل الرابع 4
بقلم رحمة نبيل & فاطمة طه سلطان
ثلاثة أشهر ...ثلاثة أشهر وهي تعاني من هذا العذاب فقط لأنها أنجبت صبيًا لا يستطيع التفكير بشكل سليم، أياليتها ابتاعت خروفًا وقامت بتربيته، ثم استفادت بلحمه فيما بعد، ليتها وليتها، امنيات كثيرة كانت تدور في عقل جيهان في هذه اللحظة، لكن الأمنية الاثمن والتي كانت تتمناها بكل كيانها هي أن تتوقف تلك الضوضاء دقائق، دقائق قليلة فقط تتنفس فيها براحة.
فجأة شعرت جيهان بكرة تُقذف في وجهها ومن ثم صوت حفيدها الأكبر يردد ببسمة بلهاء تشبه ولدها :
_ آسف يا تيتة، جات بالغلط .
أمسكت جيهان الكرة بين أناملها تشعر بكامل غضبها يتصاعد منهم وهي تصرخ :
_ والله انا اللي جيت على العيلة دي بالغلط، يارب صبرني يارب، أنا مبقتش قادرة خلاص هطق يا ناس، هطق يا عالم .
سحب منها الصبي الكرة وركض بعيدًا دون أن يهتم بصراخ جدته، فهذه حالتها منذ تولت هي رعايتهم قبل ثلاثة أشهر حينما تركتهم والدتهم وكذلك تخلى عنهم والدهم ..
نهضت جيهان من مكانها وقد شُحنت بطاقة غضب مهولة وهي تصرخ مع نفسها :
_ ما أنا لو كنت ربيت ابوكم مكانش سابكم كده، انما اقول ايه، واطي مترباش، رايح يرميكم عشان الست هانم اللي اتجوزها، وقال ايه ذنبها ايه تربي عيال واحدة تانية، ذنبها أنها اتجوزت نطع زيه .
أنهت حديثها تقف أمام التلفاز بعدما استطاعت الهروب منهم، وها هي لحظتها المفضلة، سوف تسترخي أمام التلفاز وتشاهد " الشيف الشربيني " وتدون المزيد والمزيد من الوصفات، لكن مهلا اين هو جهاز التحكم ؟؟
_ اه يا شوية شياطين ...فين الريموت ؟؟؟
خرجت من الغرفة تصرخ :
_ أنت يا ولد أنت وهو فين الريموت عايزة اتفرج على البرنامج .
تحدث أحدهم وهو يقفز على الأريكة أمامه وقال ببسمة واسعة وكأنه قام بإنجازٍ ما :
_ معرفش أنا شوفته مكسور جنب الباسكت بتاعة الزبالة .
شهقت جيهان بصدمة وهي تركض صوب سلة المهملات لترى الجهاز التحكم محطم أشلاء، ارتفعت صرخاتها :
_ اه يا ولاد الـ...، بس خلاص لغاية هنا وخلاص، أنا هشوفلكم صرفة أنا معتش قدكم، لغاية التلفزيون وجبتم الناهية.
وبالفعل أمسكت هاتفها لتحادث حامد وبعد رنات عديدة، لم تصل لشيء منه أبعدت الهاتف بتذمر :
_ طبعا تلاقيه غرقان في العسل وسايبني أنا هنا غرقانة في الطين، بس ماشي يا حامد يا بن بطني أما المحك بس .
ومن ثم لم تجد أمامها سواه هو، منقذها من كل الأزمات....
كان داوود يجلس في مكتبه رفقة صديقه يتحدثان في أمور عديدة ومختلفة حتى على رنين هاتفه، أجاب بعد ثواني وهو يقول :
_ السلام عليكم.
وفجأة سمع صرخات والدته تكاد تفجر سماعة هاتفه وهو يبعده عنه قليلًا يغمض عينيه :
_ يا امي اهدي طيب، وقوليلي أنا اعمل ايه؟؟ كلمي ابوهم وهو يتصرف .
صمت قليلًا يستمع حديث والدته ليصرخ بفزع :
_ طب وانا مالي، تغضبي عليا أنا ليه ؟؟ هما عيالي ؟؟ ما تشوفي حامد اللي جابهم ونسيهم.
نفخ بتعب :
_ لا يا امي مش بعصيكِ طبعًا، بس انا ذنبي ايه اشيل شيلة حامد، طب اهدي بس وقوليلي عايزاني اعمل ايه ؟!
_ تشوفلك صرفة معاهم أو مع اخوك، اعمل اي حاجة المهم ارجع اشوف الشيف الشربيني في سلام زي الاول .
رفع داوود حاجبه بتعجب ومن ثم استدار في جلسته وهو يولي ظهره لرفيقه :
_ مش فاهم يا امي ايه علاقة كل ده بالشيف الشربيني، ما تتفرجي عليه براحتك ولا الاولاد محرجين عليكِ ما تشوفيهوش ولا ايه ؟!
_ الأساتذة ولاد اخوك اللي جايين يفسدوا عليا آخر ايامي، كسروا الريموت ومش عارفة اغير من قناة الكرتون .
ابتسم داوود على والدته وقال ببساطة وكأنه وجد حلًا لكل ذلك :
_ طب حاضر هجبلك ريموت جديد مبسوطة كده ؟؟
وفجأة انتفض على صرخات والدته التي طفح كيلها :
_ هو أنت فاكرني واحدة من عيال اخوك هتراضيني بشكولاتة ؟! أنا عايزة حل جذري يا داوود، يا تشوف دادة ليهم، يا تشوفلي أنا دار مسنين وارتاح .
_ يا امي حسك معانا في البيت، منقدرش طبعا، طيب طيب اقفلي وانا هشوف الحوار ده .
اغلق داوود هاتفه وهو يلقي بجسده مرة أخرى على مقعده تحت أعين سيف الذي كان قد علم مشكلته تقريبًا :
_ ايه عيال اخوك تاني ؟!
نفخ داوود بسأم وقد كدر هذا الأمر أيامه منذ ثلاثة أشهر، لا يدري هل يعتني بهم ليعوضهم طيش والديهم، أم يراضي والدته التي تعاني معهم أثناء عمله، ام يهتم لنفسه التي ضاعت بين هذا وذاك ؟!
_ تعبت يا سيف ومش عارف اعمل ايه ؟؟ مش عارف اجيبها منين ولا منين، وبدأت أفكر فعلا في حوار الدادة دي وهكلم أي مكان متخصص في الحاجات دي يبعتلي واحدة .
تفهم سيف ما يمر به صديقه لذلك ربت عليه بمؤازرة :
_ أنا فاهمك يا داوود، لكن نصيحة من واحد شاف مرمطة أخته على الدادات، بلاش تروح أي مكان من الأماكن دي لأنه هتفضل تبدل في الستات اكتر ما بتبدل شرباتك .
نظر له داوود بعدم فهم ليوضح له صديقه أكثر :
_ يعني أنت عارف أن مريم عشان شغلها بتحتاج حد يقعد بالاولاد فبدأت تروح مكاتب خاصة بالبيبي سيتر وهكذا وكان كل مرة يبعتوا واحدة يطلع فيها عيب وتمشي وهكذا، لغاية ما مريم راحت لواحد بتاع اعلانات ممولة على الفيس والسوشيال عملها اعلان محترم، حطت كل شروطها اللي مناسبة ليها ونزلته وبس يا سيدي جالها واحدة مناسبة أخيرا .
نظر له داوود وقال كأنه يحدث نفسه :
_ يعني اعمل اعلان ممول ؟!
هز صديقه رأسه يشجعه على الأمر :
_ بالضبط، اعمل اعلان وتوكل على الله ...
____________
ولج إلى شقة الزوجية فهو تزوج أمنية منذ شهرين تقريبًا، فقام بتأجير تلك الشقة من أجل أن تكن شقة الزوجية فهي رفضت رفضًا تامًا بأن يسكنا في بيت العائلة، كونها لن تستطيع أخذ راحتها وكونها تدرك جبدًا بأن بقاءه بجانب أولاده طوال اليوم شيء سيشغله ولن يجعلها تشعر بأنها عروس جديدة يجب أن تتمتع مع زوجها في حرية، هي لا تمنعه اولاد لكن حقها أن تقضي أول أيام زواجها في سعادة كأي فتاة، خاصة أن تلك هي زيجتها الاولى ...
كان الشقة معطرة كالعادة الأضواء خافتة ورومانسية على حد وصف زوجته، فهي تهتم الاهتمام الذي يشعره برجولته وكيانه، ومع ذلك عودته إلى المنزل تلك تجعله يشعر بالكثير من المشاعر المتناقضة، فهو على الرغم من سعادته وشعوره بأن جميع احتياجاته تلبيها زوجته من أكبر شيء لأصغر شيء ولكن دخول المنزل دون سماع صوت أولادته شيء يؤلم جزء من قلبه، حنى رائحة طعام زوجته ألاء يفتقدها دون إرادة منه .
خرجت بسمة من الغرفة تبتسم ابتسامة أنثوية رائعة ترتدي فستانًا من الحرير يخطف الأنظار وأقتربت صوبه قائلة في عفوية:
-أنتَ جيت يا حامد؟!.
هز حامد رأسه في هدوء وبادلها الابتسام فأقتربت منه وحاوطت عنقه متمتمة:
_ايه اللي أخرك كده؟!.
أحابها في نبرة خافتة وهو يحاوط خصرها بحنان :
_كنت عند ماما بشوفها وبشوف العيال، أصلها طول اليوم بتشكتي منهم بس الحمدلله سمعت أن داوود هيتصرف وهيجيب حد يقعد معاهم.
_حلو جدًا علشان طنط ترتاح شوية.
ثم غمغمت في دلال:
_بس متتاخرش عليا تاني علشان بقعد زهقانه من غيرك وبحسب وقت شغلك بالعافية عقبال ما يخلص وبعد الدقايق مبقدرش أقعد من غيرك.
أبتسم لها في هدوء وثقة، رُبما حديثها يبدو تافهًا لبعض الناس، أو غير مهمًا ولكنه يعزز نقطة لديه ويقوي غرورة بشكل كبير تحديدًا بأنه كان شخص يعاني من فقده لتلك الكلمات، ولكنه عاتبها:
_مهو لو كنا في البيت هناك مكنتش أتأخرت عليكي ولا حسيتي بحاجة، بصراحة بقا أنا لسه مش واخد على القعاد هنا.
_بكرة تأخد عليه يا قلبي.
رفع حاجبيه قائلا:
_بكرة هاخد عليه؟! مش كنا أتفقنا أننا هنا مؤقتًا علشان في الاول بس.
هزت رأسها في تأكيد:
_أيوة طبعا علشان بس أحس أني عروسة وبعدين هنقعد هناك مع طنط.
_____________
صرخت للمرة التي لا تعرف عددها، فكلما اخرجت قطع الدجاج المقلية من الزيت يأتي الصغار ويأخذوا منها ولم يتركوا "المحشي" حتى ...
وأخرهم كان شقيق العروس الأصغر مما جعلها تمسك يده قائلة في عنفٍ:
_أنتَ مين يا ولا؟!! مش أنتَ أخو العروسة؟!.
رد عليها الصبي الذي يبلغ من العمر عشرة سنوات في نبرة عالية وصوتٍ مرتفعة :
_أيوة أنا، عايزة أيه يا ست أنتِ؟!.
ست؟! أنا ست؟!!! هكون عايزة أيه يا ابن...
كادت أن تخرج الكلمات البذيئة من لسانها ولكنها تحاملت قائلة وهى تكز على أسنانها:
_يا ابن الناس الكويسة، ناديلي أمك يالا، وبقولك ايه لو لمحتك بتيجي تمد إيدك على الفراخ أو اي حد من العيال اللي برا جه ياخدله صباع محشي أو كفتة أنا هعقلك على باب القهوة اللي على الناصية لا ميغركوش الإيشارب اللي أنا ربطاه على رأسي ده أنا عربجية يالا، فاهم!؟!.
بالفعل شعر الطفل بالخوف قليلًا وقرأت ذلك في عيناه فغمغمت في شجاعة أكثر حينما رأت تأثيرها عليه:
_حلو شكلك فاهم يلا ناديلي أمك أجري.
ركض الطفل في سرعة من أمره وأختفى في ثواني، وأستكملت أفكار صُنع الطعام فبجانب عملها الأساسي التي تركته منذ عده أشهر كانت تقوم بصنع الطعام في الأفراح وتقوم بعمل بعض المشغولات اليدوية وبيعها على مواقع التواصل الاجتماعي، وحاولت أن تكثف أوقاتها في تلك الهوايات التي كانت يومًا عمل إضافي حتى تحصل على عمل دائم فلا تستطيع الاعتماد كليًا على تلك الأشياء...
وأتت والده العروس "أم عبدالله" قائلة:
_في أيه يا أفكار، مالك بتشخطي في العيال كده ليه؟!.
تحدثت أفكار في ضيقٍ:
_مهوا مش معقول يا أم عبدالله كل ما أعمل حاجة يجي يأكلوها وبيأكلوا كمان من الإطباق اللي اتظبطت.
_ياستي ما شاء الله ما تسيبي العيال تأكل.
غمغمت أفكار ساخرة فهى أكثر شخص يغضب من شقاوة الصغار:
_أم عبدالله انا بحب اشتغل في رواقة ومبحبش الوش ولا التنطيط، ولا بحب محايلة العيال، خليهم يركنوا في اي جنب علشان نخلص كده مش هتلاقي حاجة ياكلوها ضيوفك في الحنة، وبعدين دول مش عيال دول شياطين.
عقبت أم عبدالله على حديثها بعد ضحمة مائعة خرجت منها:
_ياختي ده الأطفال أحباب الله بكرة ربنا يديكي.
غمغمت أفكار في ثبات:
_المهم بس متخليش حد يدخل وحضري الحساب أنا ساعة وهمشي.
قالت أم عبدالله في عتاب:
_اخس عليكي يا أفكار أنتِ دايما حماقية وحامية في الفلوس كده، ده أحنا حتى ولاد حتة واحدة مش كفايا مرضتيش تعملي ليا أي واجب.
_أنا عاملة معاكي أحلى واجب.
-فين الواجب ده وأنتِ واخده أزيد من فرح البت شيماء؟!
أستطردت أفكار ساخرة:
_يا أم عبدالله ده فرح شيماء كان من أربع سنين الحاجة غليت وولعت، وبعدين أنتِ بس لو تخفي عيال مكنش ده بقى حالك.
ضحكت أم عبدالله البالغة من العمر خمسة وأربعون عامًا:
_أخف أيه؟! ده أنا ناوية بعد فرح البت سوسن، أسمع كلام أبو عبدالله وأجيب السادس، البيت بيفضى عليا يا أفكار.
_ ربنا يعين ابو عبدالله عليكم ويعرف يأكلكم
قالت أم عبدالله في مرحٍ:
_ أيوة يا ختي ادعيله ربنا يرزقه، يلا هروح أشوف المعازيم عقبال ما تكوني خلصتي.
عقبت أفكار في تهكم :
_ هيرزقه بس أنتم خفوا شوية لاحسن وزارة التموين شوية وهتشيل المواطن نفسه من البطاقة بسبب أنتِ وجوزك وعيالك والأزمة اللي عملتوها .
أمسكت هاتفها وهى مستمرة بقلي الدجاج وأخذت تبحث فمنذ أن أصبحت تبحث عن فرص عمل بات يأتي لها كثير من الإعلانات الممولة، وترسل لهم ولكن في الغالب لا يقبل بها أحد بسبب حصولها على الشهادة الاعدادية فقط، ورُبما هذا ما جعل صاحب شركة الشحن يستغنى عنها بسهولة على الرغم من كفائتها في العمل.
أستوقفها إعلان عن شخص يريد جليسة لثلاثة أطفال أخذت تقرأ الإعلان في سعادة فهي تعلم من العنوان بأنها ليست مهنة بالصعبة عليها، بالتأكيد لن يطلبوا منها شهادات جامعية وغيرها، وقرأت الشروط أولها
"الثبات الانفعالي واللباقة في الحديث والقدرة علي التعامل مع الأطفال" وبجانبها يذكر أعمارهم:
_سبحان الله كأنه بيحكي عني، ده مفيش أكثر من الثبات الانفعالي عندي، ده الأطفال دول أحباب الله يا شيخ.
قرأت الشرط الثاني "تجيد اللغة الإنجليزية" مما جعلها تعقب ساخرة:
_ انجليزي ليه هما بيحضروا الدكتوراه ده عيال اكبر واحد فيهم مجابش عشر سنين، وبعدين it's easy يعني اللي بعده وربنا ما أنا عاتقة الشغلانة دي.
الشرط الثالث والأخير هو عدد الساعات التي تعتبر اليوم بأكمله من عودتهما من المدرسة حتي نومهما مما جعلها تعقب:
_انا لاجئة للشغلانة دي....توكلنا على الله .
وبالفعل بدأت ترسل لصاحب الإعلان أكثر من عشر رسائل وكلما تنظر وتجده لم يجيب عليها ترسل له رسالة اخرى، حتى لا يختار أحد غيرها، فهي في أشد الحاجة لهذا العمل....
_____________
طلقها، تألم قلبها لا يتحمل فراقه عنها وكونها تعرف جيدًا بأنه تزوج وبين أحضان أخرى، وهناك أمراة غيرها في حياته شيء كلما تفكر به يجن جنونها وللأسف الشديد لا تستطيع الاعتراف بذلك أمام أحد، بل تظل تخبر الجميع بأنها لم تشتق له وكل ما يهمها هو أولادها فقط الذين تذهب لزيارتهما مرتين في الأسبوع فقط بأمر من أبيها فلو عليها لتذهب لهما وتقضي معهما اليوم بأكمله ولكنه يرفض ذلك فهي اتخذت قرار ويجب أن تنفذه لا مجال للعواطف ويجب عليه بأن يتحمل مسؤولية صغاره مثلما تحدى الجميع وأستكمل في زيجته الثانية وطلقها تحت ضغط منها..
لم تقبل بأن تبقى على ذمته بينما هناك أمراة أخرى تدخل حياته...
اليوم جاء والدها من العمل وبعد تناولهما العشاء وصنعت لوالدها كوب الشاي ثم جلست معه ومع ووالدتها بدأ هو الحديث قائلا:
_النهاردة كنت عند محمد صاحبي وعرفت أن بنته لسه شغاله في شركة وعايزين ناس كتير لأن الشركة لسه جديدة وأنا شايف أن تروحي يا ألاء وتشوفي الدنيا مش معقول هتفضلي حابسة نفسك كده في البيت بقالك شهور على الحال ده لازم تشوفي حالك وشغلك.
شعرت ألاء بالتوتر، لا ترى ذاتها أمراة عاملة أبدًا، فحتى دراستها أخذت الجامعة بصعوبة بتقدير مقبول بعد أن تزوجت، حياتها كانت نزرتها لذاتها طوال الوقت بأنها أم وزوجة وكانت مرتبة الأمومة عندها أهم من أي شيء وترى أنها خُلقت لتعطي أولادها وقتها بأكمله.
لم تعطيها والدتها فرصة للحديث بل عقبت ساخرة:
_خليك أنتَ ورا البت كده لغايت ما هتوديها في داهية بنصايحك دي.
تحدث طلعت وهو يدافع عن نفسه تحت نظرات ألاء التي تراقبهما:
_مالها نصايحي يعني يا فوزية؟! مش لازم البت تشوف حالها بقا هتفضل قاعدة تندب في حظها لازم يكون ليها كيان وحاجة تصحى كل يوم تعملها ويكون ليها حياة دي كانت حابسة نفسها في البيت معاه ومع العيال وياريته قدر ده.
تمتمت فوزية في ضيقٍ:
-بنتك اللي غلطانة لما الراجل يشحت منها الأهتمام وهي متعبرهوش منتظر ايه؛ وياريتها وقفت على كده وبس صممت على الطلاق كان ممكن يكون في مفاوضات لكن أنتَ وبنتك أتهورتوا وكمان سايبة العيال مع ست كبيرة مبتقدرش تقوم تجيب كوباية مياة لنفسها هترعي عيال في السن ده ازاي.
أجاب طلعت في هدوء:
_بنتي أتجوزته لوحدها يبقى تطلع من الجوازة لوحدها وتشوف حياتها مين هيتجوز واحدة معاها عيال ؟؟
تحدثت ألاء في كبرياء زيّن لها حديث والدها وجمله أفعال حامد معها :
_بابا عنده حق وأنا مغلطتش يا ماما، ما أنا معايا مريم كمان، هعملهم ايه تاني؟!! زي ما هو كان عايز يشوف نفسه يشوفها أنا بس سيبتله الكبار علشان عارفة انهم لو وقفوا على صوابع رجلهم مش هيقدروا يراعوا مريم.
_بقولك أيه أنا كلامي بيقف ليكي في الزور أنتِ وأبوكوا أعملوا اللي تعملوه أنا قولت اللي يريح ضميري وأنتم مش سامعين الكلام بكرا تعيطي أن بيتك أتخرب بسبب عِندك.
________________
بعد يوم عمل شاق، كل ما يحتاجه الشخص هو حمام دافئ ووجبة ساخنة ومن ثم فراش مريح ليلقي بنفسه بين أغطيته وينال قسطًا من الراحة، وهذا ما كان يلزم داوود، لكنه ولسوء الحظ لم يحصل عليه، بل كل ما قابله حينما خط للمنزل اصوات اطفال وضحكات كبار وضوضاء في كل مكان كما لو كان قد دخل أحد الموالد الشعبية دون إدراك .
نظر حوله بأعين مصدومة وهو يبحث عن وجه والدته لكن كل ما اصطدم به هو " تيمور " صبي القهوة المجاورة للمنزل وهو يمر بين الحشود حاملًا أعلى كتفيه صندوق مشروبات باردة مرددًا بصوت جهوري لينافس اصوات الجميع :
_ حاجة ساقعة، حاجة ساقعة، أي حاجة ساقعة .
وقبل أن يمر من أمام داوود امسكه وهو يقول بصدمة لوجوده :
_ تعالى هنا هو فرح؟! أنت بتعمل ايه هنا في البيت يا تيمور ؟؟
حاول تيمور ابعاد يد داوود عنه وهو يردد :
_ الله وهي جات عليا يا استاذ داوود، ما الحارة كلها هنا، عندك بياع غزل البنات وبتاع الفشار في اوضة الضيوف ولا هي كلها بقت تيجي على الغلبان .
حدق به داوود وهو يفتح عينيه يحاول استيعاب ما يحدث :
_ هو أنتم فتحتم مولد في البيت ولا ايه ؟؟ ايه ده كله ؟؟ فيه ايه عشان ده كله ؟؟
ابتسم تيمور يعدل من وضعية الصندوق أعلى كتفه :
_ اصل عقبالك يارب انهاردة عيد ميلاد الحجة امك، والحارة كلها جات تهنيها وتبارك لها وتعمل الواجب .
أنهى تيمور حديثه وهو يتحرك من أمام داوود مستغلًا ملامحه الشاحبة بصدمة وهو يحدق بالجميع وصوته يعلو في الأجواء :
_ حاجة ساقعة ...حاجة ساقعة .
ردد داوود بملامح جاهلة لما يحدث :
_ عيد ميلاد الحجة امي ؟؟ ده لو عيد ميلاد أبو تريكة مش هيبقى بالشكل ده .
ضرب داوود كف بكف وهو يبحث بين الوجوه عن والدته، التي اختفت في تلك اللحظة، كان الجميع يحمل اطباق حلوى في جميع أركان المنزل، والفتيات، عدد كبير من الفتيات في جميع أنحاء المكان وكأنه حمام نسائي .
واخيرًا أبصر وجه والدته تقف بعيدًا مع مجموعة من السيدات وهي تتضاحك غير آبهة لما يحدث حولها، ركض ناحيتها وهو ينادي :
_ امي ...يا امي .
انتبهت له جيهان لتتسع بسمتها وهي تقول :
_ اهو داوود جه اهو، تعالى يا داوود يا حبيبي سلم على بنت طنط نجوى .
اقترب منهم داوود وحياهم باقتضاب هامسًا في أذن والدته :
_ معلش عايزك في كلمة بعيد عن الدوشة دي .
نظرت له والدته وردت بحنق :
_ مش وقته، مش شايفني واقفة مع النسوان ؟! اقولك روح خد لفة كده في البيت شوف يمكن تعجبك واحدة من البنات اللي هنا .
جذب داوود مرفق والدته برفق وهو يقول من بين أسنانه :
_ هي طماطم، يا امي بقولك عايزك الله يكرمك قبل ما انفجر في الكل هنا .
تحركت معه جيهان حينما رأت الغضب قد بدأ يخط فوق ملامحه وهي تعلم جيدًا أنه حينما يغضب لا يبصر أمامه أحد، استأذنت من النساء وهي تسير معه :
_ عايز ايه يابني مش عارف تصبر لما اخلص كلام معاهم .
أشار داوود لما يحدث حوله وقال :
_ ايه اللي بيحصل ده ؟! فاتحة مولد في البيت ؟؟ مولد يا اما ؟!
قالت جيهان وهي تنظر حولها للجميع السعيد وقالت :
_ مولد ايه يابني ده عيد ميلادي؟؟
_ عيد...يوم ميلادك ايه ؟؟ مش يوم ميلادك كان من شهر ؟! ولا هو أنتِ بتتولدي كل شهر ولا ايه الحوار، ثم بزمتك ده عيد ميلاد ؟! ايه الهيصة دي ؟! ده الاستاد مش بيكون زحمة كده .
صمت قليلًا ثم تساءل :
_ والعيال فين ؟؟ اوعوا يكونوا تاهوا في المولد ده ؟؟
أشارت والدته خلفه صوب أحد الأشخاص الذي يرتدي دبًا محشوًا :
_ لا هناك بيلعبوا مع ميكي، المهم سيبك منهم وقولي مفيش بنت كده ولا كده عجبتك !!
حدق فيها داوود بعجب لتضيف والدته حتة توضح الصورة أمامه :
_ أنا قولت اعمل مناسبة الم فيها بنات الحارة كلهم عشان تشوف وتختار اللي تعجبك ونروح نخطبها ليك، وكفاية قعدتك دي يا بني، ها عجبك حد ؟!
وهنا أدرك السر وراء كل ذلك، والدته أقامت ذلك المولد لأجل ايجاد عروسة له.
_ عشان كده عملتي المولد ده كله ؟؟ وهو انا لو عايز اتجوز هتجوز من مولد يا امي ؟! ليه طبال ؟! بقولك ايه عشان متعصبش، لو سمحتي فضي البيت كله عشان انا راجع من الشغل تعبان وعايز استريح .
قالت والدته وهي تحاول اقناعه :
_ طب بس شوف و...
نظر لها داودد وقد بلغ منه الغضب مبلغه صارخًا :
_ يا امي لو سمحتي مش عايز اهين أو اطرد حد، لو سمحتي فضي المولد ده .
وقد كان فبعد ساعة ونصف تقريبا ومع رحيل آخر شخص أغلقت جيهان الباب وهي تنظر صوب الأطفال الذين ناموا من التعب أعلى الارائك وقالت :
_ الاولاد انبسطوا انهاردة .
صمتت وهي ترى ابنها يجلس بتحفز على مقعده يرمقها بنظرات لائمة غاضبة يحاول تقليلها .
_ ممكن اعرف ايه اللي حصل انهاردة؟ ارجع البيت ألاقي بتاع الكازوزة معدي ؟! ده انا كان ناقص اروح الحمام الاقي واحد قاعدلي بكرسي وتذاكر قدامه، ما هي بقت حديقة عامة .
تنهدت جيهان وقالت بحنق :
_ اعمل ايه ؟؟ ما أنت اللي من وقت خطوبتك باللي ما تتسمى دي وأنت قافل على نفسك لا راضي تروح لحد .
_ فقولتي تجيبي الحارة كلها ليا.
_ أنا عملت كده يمكن تشوف واحدة تعجبك وتتجوز، مش لو كنت اتجوزت كان زمان مراتك متمرطة معايا في تربية عيال اخوك ؟؟
فتح داوود عينيه بصدمة وهو يردد باستنكار :
_ وانا هتجوز عشان اجيبها تتمرمط في عيال اخويا ؟؟ أنتِ بتقولي ايه يا امي وهي ذنبها ايه ؟؟ ده امهم سابتهم وابوهم قال مش هوقف نفسي عليهم، نقوم نجيب بنات الناس نمرمطهم .
تنهدت والدته وهي تلقي نفسها على الأريكة جوار احفادها تربت على خصلاتهم بحنان وحب رغم صراخها الدائم بسببهم :
_ اعمل ايه يا بني، ما أنا كبرت ومبقتش حمل تربية العيال، واخوك محدش يعتمد عليه، وانا خايفة على العيال دول من البهدلة .
زفر داوود وهو يقول :
_ وانا ميرضنيش ولاد اخويا يتمرمطوا وانا عايش يا اما، مهما كان دول من لحمي، عشان كده انا عملت اعلان وفيه دادة بكرة هقابلها عشان الشغل ولو تمام هعينها تاخد بالها منهم ومن كل حاجة تخصهم وانا هدفعلها، بس مش انا اللي امرمط واحدة معايا باسم امها زوجتي .
ابتسمت والدته وهي تهز رأسها ومن ثم قالت :
_ تمام يابني، ربنا يريح قلبك زي ما مريحني كده، يلا تعالى معايا ننيم الاولاد وبكرة نشوف الدادة دي ايه حوارها ....
______________
في صباح اليوم التالي كانت تقف أمام المنزل الذي وضع عنوانه في اعلان التوظيف، عدلت افكار من هيئتها وهي تناظر ذلك المنزل الرائع أمامها مبتسمة .
_ يا حلاوة، اللهم صلي على النبي، ايه البيوت اللي تشرح القلب دي ؟؟
تحركت الهوينة صوب جرس الباب وهي تنظر في ساعة يدها القديمة والتي حازت عليها منذ سنوات طويلة حينما استلزم أحد الأعمال وجود ساعة معها .
تنفست بعمق لتهدأ :
_ اهدي يا افكار بإذن الله تاخدي الوظيفة دي، احنا جينا على الوقت نعمل المقابلة ونبدأ نشتغل و...
كانت ترن الجرس وهي تتحدث وقبل أن تكمل جملتها فُتح الباب لتقابلها سيدة كبيرة في العمر وقد كانت ملامحها غاضبة مقتضبة وهي تقول بحنق :
_ أيوة ؟!
ابتلعت افكار ريقها وهي تشير صوب نفسها :
_ أنا ..أنا الدادة اللي كلمتكم عشان...
وقبل حتى أن تكمل جملتها كانت جيهان تجذبها صوب الداخل بقوة وهي تتحدث وكأنها وجدت القشة التي ستنقذها من الغرق :
_ أخيرًا جيتي، تعالي ساعديني مع شوية الهمج دول .
نظرت افكار ليد تلك المرأة التي تجذب ثيابها بهذا الشكل وهي تحاول الحديث :
_ أيوة بس مش هنتفق الأو....
قاطعها منزل غرفة الأطفال التي كانت تشبه منقطة القرود داخل حديقة الحيوان والأطفال يقفزون هنا وهناك، ودون أي تفاهم ألقتها السيدة في الغرفة وهي تغلقها عليها وقالت من الخارج :
_ اتصرفي معاهم أنا جبت اخري منهم ...
كانت جيهان تجلس أمام التلفاز تحمل المدونة الخاصة بوصفاتها تستمع بذلك الهدوء المريب والذي عم المنزل منذ ساعة، أي منذ جاءت تلك المربية .
ابتسمت وهي تنظر خارج الغرفة مرددة :
_اول مرة تجيب حاجة عدلة يا داوود يا بني، دي شكلها خبرة مع الاطفال والله .
ابتسمت وهي تسمع الشيف في التلفاز بدأ في سرد المكونات لتقول :
_ يوووه واحدة واحدة يا خويا فيه متابعين بيكتبوا وراك ..
ومرت ساعة أخرى، وقد أنهت افكار ما يجب فعله من واجبات وغيرهم مع هؤلاء القرود الصغار واجبرتهم على التزام الغرفة للانتهاء من باقي المذاكرة، فهؤلاء ومهما بلغوا من الهمجية لن يصلوا لنصف همجية الاطفال في حارتها والتي كانت تعتني بهم لحين عودة أمهاتهم من السوق .
سارت في المنزل لا تدري أين تذهب حتى سمعت صوت يصدر من أحدى الجهات، سارت صوبه لتجد تلك المرأة الكبيرة تتوسط أريكة مريحة امام التلفاز هي تتحدث في الهاتف بجدية :
_ يا شيف بقولك عايزة وصفى البسبوسة بعين الجمل يا خويا، اللي هي عملتها من اسبوعين في برنامج ( طبق حلويات على سفرة الست عنايات ) .....أيوة يا خويا هو ده...طيب انا هقفل التليفون وأنت قول وانا هكتب وراك في امان الله .
أغلقت جيهان الهاتف لتبصر تلك الفتاة تقف أمامها :
_ ايه خلصتي يا ...اسمك ايه قولتيلي ؟؟
ابتسمت افكار وقالت ببسمة :
_ افكار يا هانم
_ أيوة أيوة اسمك غريب يا افكار، ما علينا، خلصتي مع الاولاد ؟!
هزت افكار رأسها وقالت :
_ أيوة خلصت معاهم وهما دلوقتي بيعملوا الواجب .
ابتسمت لها جيهان بتقدير وقالت :
_ عال عال، طيب يلا روحي بقى جهزي لينا لقمة نأكلها سوا .
تعجبت افكار من حديثها، فحسب الاعلان هي ستعمل مربية اطفال لا اكثر ولا اقل :
_ احضر الاكل ؟!
_ ايه مش بتعرفي تطبخي ولا ايه !!
_ لا لا بعرف طبعا، بس هو ...
قاطعتها جيهان وهو تلوح بالدفتر :
_ مبسش، روحي يلا اعملي اكل لاحسن الواحد واقع من الجوع، هتلاقي كل الطلبات عندك في المطبخ اعملي اللي يجي معاكِ .
هزت افكار رأسها وهي مازالت تنظر لها بتشوش ورغم ذلك تحركت صوب المطبخ لتبدأ مرحلة جديدة في ذلك العمل الغريب، بينما جيهان اتأكت على الأريكة تتنفس براحة وهي تردد :
_ واخيرًا السلام النفسي ...
بعد انتهاء عمله، عاد داوود للمنزل وهو يتنفس بتعب شديد، ينظر في ساعة هاتفه وقد تأخرت تلك الفتاة عن معادها، فقد ابلغها عبر الرسائل أن تأتي لمحله الخاص في نفس الحارة ولكنها لم تأت، الآن سيضطر لسماع تذمر والدته ليوم آخر.
لكن وعلى عكس توقعه وجد والدته تجلس براحة كعادتها ايام الخوالي على الأريكة وهي تدون المزيد والمزيد من الوصفات التي لم تر النور بعد .
جلس جوارها يلقي بالمفاتيح على الطاولة :
_ مساء الخير .
_ مساء النور يا حبيبي، عامل ايه ؟!
تعجب داوود أكثر من مزاج والدته الرائع :
_ الحمدلله زي الفل، ايه مش سامع يعني صوت الاولاد في المكان ولا شايفك رابطة دماغك من الصداع .
ابتسمت له جيهان وهي تلقي بالمدونة والقلم على الطاولة وقالت ببسمة واسعة :
_ لا خلاص من وقت ما المربية جات وانا بقيت عايشة زي الملكة، تخيل الولاد ما اخدوش في أيدها نص ساعة وكانوا خلصوا كل الواجبات واكلوا وناموا كمان .
_ مربية ؟؟ مربية ايه ؟؟ هي جات ده انا كنت مستنيها من الصبح عشان اقابلها واتفق معاها .
هزت جيهان رأسها وهي تقول ببسمة :
_ أيوة ربنا يكرمها يارب جات من هنا وانا ارتحت من هنا شكلها شاطرة اوي البنت دي، أنا حبيتها اوي .
هز داوود رأسه وقد بنى فكرة رائعة عن الفتاة قبل رؤيتها فوالدته ذات ذوق صعب، لا ينال أي شيء اعجابها بسهولة .
_ تمام، طب هي لسه هنا ولا روحت؟ كنت عايز اتفق معاها على المرتب .
هزت والدته رأسها وهي تبدل محطة الطبخ لأخرى خاصة بالمسلسلات الدرامية :
_ لا دي في المطبخ بتطبخ .
انتفض جسد داوود جزئيًا وقال بدهشة :
_ بتطبخ ؟؟ بتطبخ ايه يا امي ؟؟ دي جاية دادة مش طباخة .
ادعت جيهان المسكنة وهي تردد بجدية :
_ وانا اعمل ايه يابني دي هي الله يكرمها خلصت مع العيال وأصرت أنها تدخل تعمل الاكل بنفسها، اقولها يابنتي يهديكِ يرضيكِ تقولي والله يا جيجي لانا اللي اعملك الاكل، يابنتي هتتعبي نفسك، تقولي تعبك راحة يا جيجي .
تشنج داوود بعدم تصديق لحديث والدته :
_ جيجي؟!
هزت والدته رأسها وقالت :
_ أيوة، مش قولتلك البنت شاطرة .
نظر داوود لحالتها تلك وهو يقول بريبة :
_ لا شاطرة ايه ؟؟ دي وصلت لجيجي يعني خارقة .
وقبل ان يضيف جملة أخرى سمع صوتًا نسائيًا يهتف من الخلف :
_ الاكل خلص تحبي اغرفه دلوقتي يا جيجي ؟؟
ضيق داوود ما بين حاجبيه وصوتًا داخليًا يخبره أن هذا الصوت مألوفًا له، استدار ببطء صوب تلك الفتاة الخارقة وهو يردد :
_ مساء الخير يا......
وصمت فجأة حينما أبصر وجهها وهي تصممت لرؤية محياه واتسعت عيناها وهي تتذكر ملامحه رغم مرور اشهر على تلك المقابلة بينهما ..
نظر الإثنان لبعضها البعض بصدمة واستنكار شديد صارخين بتذكر :
_ أنت ؟؟
_ أنتِ ؟!
