رواية إعلان ممول الفصل الرابع عشر 14 بقلم رحمة نبيل & فاطمة طه سلطان

        


رواية إعلان ممول

الفصل الرابع عشر 14 

بقلم رحمة نبيل & فاطمة طه سلطان




صلوا على نبي الرحمة .


لو فيه تفاعل كويس هننزل الثلاثاء باذن الله فصلين بدل فصل واحد .

____________


راقبت جيهان باستمتاع كبير ملامح روضة التي اسودت فجأة بمجرد سماعها للخبر ورؤيتها لأفكار المصدومة مثلها أمام عينيها، وجيهان تلك الخبيثة لم تكتفي ولم تطفئ نيرانها تلك النظرات، بل أرادت المزيد والمزيد :


_ داوود حبيبي اول ما شاف أفكار كده وقف اسم الله عليه مش قادر ياخد نفسه، تقوليش روحه حست أن هي دي اللي هيكمل معاها ؟؟ الواد عيونه لمعت كده وشهق وقال هي دي يا ماما هي دي نصي التاني .


كانت افكار تستمع للحديث وكأن جيهان تتحدث عن شخصين آخرين، داوود آخر وافكار أخرى:


_ دي أنا ؟؟


نغزتها جيهان بقوة تحدجها بنظرات محذرة :


_ المهم أنك كده كده معزومة يا روضة يا حبيبتي على الخطوبة ومن بعدها على طول كتب الكتاب لاحسن كده كده داوود قال مش عايز خطوبة طويلة، اصل بيني وبينك الخطوبات الطويلة دي للناس اللي عايزين نعرف اصلهم ونطمن ليهم، إنما داوود كده كده عارف افكار وحافظها وهما الاتنين ولفوا على بعض وزي السمنة على العسل 


مالت افكار على جيهان تتحدث بصدمة من كم الكلمات الكاذبة التي خرجت للتو من فمها :


_ ولفنا ايه يا حجة جيجي ؟! ده ابنك لما بيشوفني بيبقى زي الطور اللي شاف قماشة حمرا، بعدين سمنة على عسل ايه؟ قولي بنزين على شرار، يا حجة كفاية كدب،  كده الموضوع بيوسع منك .


حذرتها جيهان بعيونها وهي تكمل :


_ بس أنتِ والله ما أسبيبها تفرسني ..


_ وأنتِ عشان متفرسكيش تقومي تلبسيني أنا في حيطة مع ابنك ؟؟ ده مش بعيد يخلص علينا احنا الاتنين، ده مش بيطيق يسمع اسمي في بيتكم .


حدجتها جيهان بشر ثم نظرت لروضة التي كانت شاحبة تقول ببسمة :


_ روحي يا حبيبتي شوفي والدتك لاحسن شكلها كده على نار، وخطيبك كمان الحقيه لاحسن شوية وممكن يمشي .


نظرت روضة خلفها، ثم لجيهان دون أن تدري ما تقول، جاءت لتثير حنقها، فاثارت هي غضبها، تحركت صوب خطيبها تقف أمامه تمد يدها ليلبسها الخاتم الصغير والذي جعلها تقارن دون إرادتها بينه وبين تلك المصوغات التي أحضرها داوود لها، بل إنه يومها ترك لها حرية اختيار ما تريد وهو يمنحها بسمة هادئة يخبرها أن تنتقي ما تشاء ..


شتان بينه وبين ما حدث مع ابن عمتها .


فجأة انتفضت داخلها وهي تهمس لنفسها أن كل ذلك لفترة مؤقتة، ايام قليلة فقط وتحصل على المزيد والمزيد من ابن عمتها .


ابتسمت جيهان وهي تنظر لروضة بسخرية هامسة :


_ هو ده اللي سابت ابني عشانه ؟! عيل مش عارف يسند نفسه؟! يلا ربنا يهديهم ويسعدهم، ويبعدهم عن سكة ابني .


كانت تتحدث وهي تنظر لهم، بينما أفكار جوارها تفكر في الخطة التي ستتبعها لضمان سرعة هروبها من منزلهم قبل عودة داوود ومعرفته ما حدث، فهو سيعلم بأي شكل من الاشكال، وهي لن تنتظر لترى ردة فعله بل ستختفي من المنزل في ثواني معدودة تجنبًا لغضبه.....


____________________


_سيبتي البيت يا خايبة؟!..


لم تكف والدتها عن تكرار تلك الجملة منذ إتيانها على وشك أن تقتل نفسها حتى تتوقف والدتها..


_اه باين من شنطتي اللي جاية جراها ورايا إني سايبة البيت ومش راجعة لحامد يا ماما غير لما يجي لغاية هنا يعتذر مني ويقول أنا غلطت في حقك يا أمنية غير كده مش راجعة.


رمقتها والدتها بنظرات مستنكرة ثم قالت في غضب شديد:


_مهما حصل مكنش ينفع تسيبي البيت أبدًا كان ممكن تعلميه الأدب وأنتِ....


قاطعتها أمنية بجنون وهي تنهض من فوق فراشها بأعين متورمة من كثرة البكاء:


_أنتِ لسه هتقوليلي مكنش ينفع؟!!! ده ساب ليا البيت وأنا حطيت الجزمة في بوقي وروحت زي ما قولتليي علشان اصالحه وعلشان منكدش عليه، علشان ميبقاش مصيري زي الاولانية، أتاريه بيشتغلني، روحت لقيت حبيبة القلب هناك وتقوليلي لسه مكنش ينفع أسيب البيت.


حاولت والدتها تلطيف الأجواء وهي تمسك يدها وتحعلها تجلس مرة أخرى وتمسح دموعها بأناملها:


_يا عبيطة اهدي كده، أنا عايزة مصلحتك وبعدين يعني حتى لو لقتيها هي كانت معاه لوحدهم؟! وارد جدًا تكون جاية تشوف العيال ولا حاجة في بينهم عيال وطبيعي أنهم يتقابلوا...


ضغطت والدتها على الجرح دون أن تدرك ذلك..

مما جعل ألاء تتحدث بجنون:


_ماما متحاوليش تقنعيني بحاجة عكس اللي شوفته واللي أنا حساه.


تحدثت والدتها في نفاذ صبر وقلق من أن تفشل زيجة ابنتها بتلك السرعة الرهيبة ولأن حامد لن تجد مثله مرة أخرى ظروفه مناسبة لها تمامًا:


_بقولك أيه يا أمنية من الاخر حتى لو عايز يرجعها المفروض متعترضيش دي أم عياله ويعدل ما بينكم وخلاص؟!.


عقبت أمنية على حديث والدتها في ذهول:


_أيه؟!.


بقسوة كانت ترد عليها والدتها:


_زي ما سمعتي، أنتِ عارفة كويس أن حامد كويس ومحترم، وعريس لقطة لأي حد، وكمان لا هيقولك خلفه ولا غيره نسيتي قريبنا اللي سابك لما عرف قبل الفرح موضوع الخلفة؟! وراح طلقك قبل الفرح بأربع ايام؟! حامد محترم ولقطة رغم موضوع الخلفة إلا أنه....


قاطعتها أمنية بألم:


_حامد ميعرفش اصلا موضوع الخلفة يا ماما.


_ازاي؟!..


أسترسلت والدتها متذكرة كلمات ابنتها لها:


_ده أنتِ قولتلي أنك عرفتيه وأنه موافق.


_قولت كده علشان محدش فيكم يتكلم في حاجة تاني وتجرحوني، دي حاجة مش بأيدي وبعدين الدكاترة قالوا يمكن يكون فيه أمل لو أتعالجت ومرضتش أعرفه علشان محسسوش إني قبلت الجوازة بسب ضغطكم علشان موضوع الخلفة حبيت أحسسه باللي مراته مكنتش محسساه بيه أن رغم أنه متجوز ومعاه عيال أنا مفيش حاجة نقصاني وحبيته.


أردفت والدتها في نبرة عادية:


_خلاص مش مشكلة متشليش هم معتقدش أنه هيفكر في الخلفة ولو فكر ياستي روحي معاه للدكتور وكأنك أول مرة تعرفي محلولة، المهم بلاش تقفي معاه على الواحدة وفُكي كده وحتى لو عايز يرجع لمراته متزعليش عادي طبيعي يحن ليها دي أم عياله، وكده كده كان هيتجوزك عليها لولا أنها طلبت الطلاق 


وهذا ما تعلمه هي، تدرك أنها كانت ستصبح الثانية وارتضت تلك المذلة رغم أنفها، بعدما دفع قريبها بلقب مطلقة لحالتها الاجتماعية ودون أن تتزوج حتى، ارتضت الأمر ورضخت، لكن قدر الله أن تكون هي زوجته الوحيد فحاولت بذل كامل جهدها لتحيا كما أي انثى، لكن حتى وهي وحيدة كان حامد ينبذها، يتركها وحيدة في المنزل دون أن يعطيها ذرة اهتمام واحدة إلا من بضع ساعات حين عودته، ماذا إن شاركتها واحدة به ؟؟ وتلك الواحد يعشقها كما يظهر ؟؟


لن تصبح فقط مجرد زوجة بالاسم، بل لربما دهس أنوثتها أسفل اقدام إهماله وتناسى حقيقة زواجهما، وهي لن توافق بهذا :


_حامد لو حب يرجع ليها تاني أنا هطلق.


وضعت والدتها يدها على فمها قائلة في رفض تام وبجدية:


_حسك عينك أسمعك تقوليها عايزة تشمتي عمك وابنه فينا ولا أيه؟! مش هتطلقي ولا غيره كلها كام يوم وتهدي وحامد يهدي وهيجي يصالحك ولو مجاش أنا اللي هكلمه...


نظرت لها ابنتها برفض تنتفض عن مقعدها وهي تركض لغرفتها تود الانعزال بذاتها تلعق جروحها وترمم أنوثتها، وتطيب خاطر تلك الأم داخل والتي كُتب عليها أن تظل مسجونة إلا أن يأذن الله بعكس ذلك ......


 _______________


دخلت المنزل بسرعة مخيفة وهي تركض في أنحاء المكان تردد بجدية كبيرة :


_ لازم اختفي أنا ممكن اروح الجبل اعيش بين المطاريد أو اسافر البلد عند عيلتي و....


توقفت عما تفعل وهي تقول بصدمة :


_ أنا معنديش عيلة في البلد ...خلاص هروح أي قرية ريفية واشتغل في مزرعة، هختفي من وشه قبل ما يعرف اللي حصل ويطلعهم عليا .


كانت جيهان تراقب ما تفعل افكار بعدم فهم، تتحرك هنا وهناك تجمع أشياء كثيرة و هي تتحدث مع نفسها بفزع وبملامح شاحبة وكأن أحدهم انبأها بأن موتها في طريقه إليها..


_ ايه يابنتي فيه ايه ؟؟ مالك مسروعة على ايه ؟!


توقفت افكار عما تفعل وقالت برعب :


_ مسروعة على ايه ؟؟ ده ابنك يطيق العمى ولا يطيقني والود وده يمسك رقبتي يفصلها عن جسمي، ما أنتِ اصلك مش بتشوفي بيبصلي ازاي لما انطق كلمة أو اعمل حاجة مش عجباه، تقومي تقولي قدام كل الستات وخطيبته القديمة اني هبقى مراته ؟! ده يبقى كرم منه أما خلص عليا وتواني. 


أنهت حديثها وهي تدخل لإحدى الغرف تبدل ثيابها، ثم وضعت الحجاب أعلى رأسها تتخيل ردة فعل داوود العاصفة، فهي تعلم أنه من ذلك النوع الهادئ، لكن حينما تثور ثائرته سيحيل المكان لجحيم، أولم تره بالفعل حينما غضب لثواني معدودة من حامد، ثواني فقط ورأت جحيم يعلو وجهه ..


ابتلعت ريقها ترفض أن تنتظر لتعلم ردة فعله على ما حدث، سيغضب، بالطبع سيفعل، فحتى إن كان عاشقًا لها فلن يحب أن تضعه والدته في مثل هذا الموقف، فما بالكم وهو يشتعل غضبًا كلما رآها ..


_ قاعدة تقول سمنة على عسل سمنة على عسل، لما ابنها هيجي يعملني سمنة .


تنفست بصوت مرتفع وهي تنظر لجيهان تعطيها الثوب قائلة:


_ اتفضلي يا حجة جيجي ده فستانك، فلوسي ابقوا ابعتوها فودافون كاش، هبعتلك الرقم واتساب، بس لما يهدى مش لازم دلوقتي عشان ميتعصبش ويحلف ما يبعتلي .


رمقتها جيهان باستنكار لما تفعل :


_ يا بنتي فيه ايه ما تهدي كده، محسساني أن الواد هيجي ياكلك، بعدين يعني حصل ايه لكل ده، ده عادي يعني أنا هقوله على الموضوع وهو هيفهم ..


ألقت افكار حقيبتها ارضًا تقول :


_ الظاهر يا جيجي أنك مش فاهمة، ابنك ...يطيق العمى ولا يطيقني ده جه آخر مرة رجعني الشغل على حباب عينه يا ختي  .


تنفست جيهان بحنق :


_ أنتِ اوفر على فكرة، هو عادي و....


توقفت عن الحديث حينما قاطعتها افكار وهي تحمل حقيبتها :


_ طيب انا هسيبك تستقبلي العادي، ده ابنك ...ابنك يعني آخره زعيق من غير أذية إنما أنا لا، يا روح ما بعدك روح، أنا لميت كل حاجتي .


_ حاجة ايه دي اللي رايحة جاية تلميها يابنتي ؟!


_ الخيط بتاعي، بس فيه فردة شبشب مش لقياها، الله يكرمك لو لقيتيها خبيها وانا يبقى اجي أخدها، ودلوقتي فوتك بعافية.


ختمت حديثها تركض للخارج بسرعة كبيرة ولم تنتبه لداوود الذي كادت تسقطه ارضًا، نظر لها داوود بعدم فهم لشحوب وجهها :


_  فيه ايه يا افكار مالك ؟؟


نظرت له ثواني قبل أن تقول بهدوء :


_ عندك امك جوا اعرف منها، سلام .


نظر لها داوود بعدم فهم وهو يتحرك لداخل المنزل مشيرًا على الباب :


_ هي مالها افكار كده خارجة كأن فيه عفريت بيجري وراها، حصل ايه ؟!


ظهر التوتر والخوف على ملامح جيهان التي حاولت فتح فمها والحديث بما حصل، لكنها فشلت بسبب نظرات داوود المراقبة وهذا لم يساعد داوود ابدا في الاطمئنان ..


إذ اقترب من والدته يقول بريبة :


_ حصل ايه يا امي، عملتي ايه أنتِ والمصيبة اللي اسمها افكار ؟!


رفعت جيهان يدها تحاول الكلام :


_ هو ...هو يابني والله ...اللي حصل أنه غضب عننا يعني الموقف هو اللي حكمنا .


_ أيوة الموقف واللي حصل، ايه اللي حصل ؟! وايه الموقف ؟؟


ابتلعت ريقها وهو اقترب اكثر يقول بريبة وملامح بدأت تحتد :


_ عملتي ايه يا حجة جيجي ؟؟ 


نظرت له جيهان ثواني قبل أن تقول دفعة واحدة ودون توقف وكأنها تود إزاحة المصيبة عن كاهلها :


_ اصل احنا كنا في خطوبة روضة ...


اقترب منها داوود يقول بأعين متسعة يتساءل متمنيًا أن تكذب ظنه :


_ روضة مين ؟؟


_ روضة ..خطيبتك القديمة.


_ روحتي خطوبتها ؟؟


ابتسمت له بغباء :


_ لا استنى متتعصبش دلوقتي ما هو مش دي المشكلة، المشكلة إن هناك البت قلت ادبها وقعدت تلقح عليك يا حبيبي وأنت عارف انا مطيقش عليك الهوا هي تطول بنت الـ


ازداد غضب داوود يقول بصوت محتد:


_ اخلصي يا امي عملتي ايه ليها ؟؟


كان يتحدث بنفاذ صبر لتأتيه الصدمة وهو يسمع حديث جيهان تقول بصوت منخفض :


_ قولتلها أن خطوبتك بعد اسبوع على أفكار .


أنهت حديثها وهي تخفي وجهها ليظل داوود صامت، ثانية والثانية والثالثة حتى اهتزت جدران المنزل بصرخاته وهو يقول بجنون :


_ عملتــــــــوا ايـــــه ؟؟؟؟


__________________


مستلقي على الفراش بجانب طفله زياد بينما على الفراش الأخر ينام علي منذ وقت طويل قد خلد للنوم..


تاركينه يفكر في كل ما يحدث في حياته تحديدًا خلال الأشهر الأخيرة..


هل أرتكب خطأ حينما تزوج من أمنية؟!.

ما الخطأ الذي أرتكبه لم تشعر به زوجته لم تهتم لرغباته لم تعطيه الاهتمام الذي يستحقه كزوج بل قامت بالسخرية من طلباته، فتزوج من غيرها .


تزوج باكرًا ولكنه مازال شابًا يريد الشعور بالحب والاهتمام الذي لم تستطع ألاء فهمه أبدًا..


كلا، خاطب نفسه منزعجًا من اتهامه الثقيل النابع من قلبه الذي يخبره بأنه قام بظلمها بل هي من أجرمت في حقه لقد حاول معها أكثر من مرة ولكنها لم تبدي أي ردة فعل....


حاول وصف نفسه بأنه قد تسرع..

لم يتسرع في الطلاق منها لأنه أعطاها أكثر من فرصة ولكن من الممكن أنه قد تسرع في الزواج من أخرى وهو لم يتعافى بعد، بل لم يمهل نفسه الوقت لنسيانها فهو مازال يعشقها كالمجنون..


نعم يعترف لنفسه بأنه يعشقها لم يتحمل الفكرة بأنها قد تكون لغيره، فعل ذلك هو بكل حماقة منه وغرور رجل أحمق ولكنه لن يتحمل أن تكون ألاء لغيره..


ثم سأل نفسه في سخرية:


"طب وأمنية يا حامد؟!"..


أمنية!!!

لقد نساها وأهملها وكأنه يقوم بدور ألاء في تلك العلاقة!!


بات ظالمًا بعد أن كان مظلومًا..

هل كان مظلومًا حقًا ؟!


ولكن ما الذي يقع على عاتقه الآن؟!.

فهو لا يستطيع العودة بالزمن لتصحيح أخطائه بتلك السهولة....


الكثير من الاسئلة والحيرة التي لا يمتلك لها إجابات لذلك قرر أن يحاول النوم لا فائدة من اللوم والعتاب في بعض الأحيان فهو لن يستطيع تغيير شيء الآن على الأقل حتى لا يقوم بتزويد اخطائه، ويزيد طينه بلة....


______________


يبدو أن القلوب مترابطة ومتعانقة بشكل لا يفهمه  أصحابها...


تجلس ألاء على الفراش في أحضانها صغيرتها مريم النائمة تسأل نفسها هل كان يستحق الأمر؟!!


هل والدتها كانت محقة من البداية حينما أخبرتها بأنها السبب في خسارة زوجها وأنها هي بإهمالها له هي من أعطت الفرصة لغيرها للتواجد في حياته وأنها هي من دفعت زوجها لفعل ذلك لأنها لم تهتم به؟!!.


ما الخطأ التي أقترفته؟!

كان يجب عليه أن يُقدر بأنها أم لثلاثة أطفال، نعم تحبه ولكنه ظل يحاول الظهور في موضع الفتى المدلل ولم يقدر حجم المسؤولية التي تقع على عاتقه وعاتقها يريدها فقط أن تتفرغ له ولكن كيف عليها أن تفعل ذلك؟!!!


لقد كبرت عائلتهما حتى ولو كان هناك من يساعدها تظل مسؤولية كبيرة عليها...


تذكرت أفعاله في خطبتها هو وأولادها لا تصدق هذا الهراء لقد قام بفضحها بشكل رسمي بمساعدة أطفالها..


وكذلك تذكرت شجاراته في منتصف الشارع على مرأى ومسمع من الجميع، وتحدثه بما لم يكن يجب أن يعبر جدران منزلهما، وهي فعلت المثل دون وعي .

كلاهما مخطئ بشكل يجعل من المستحيل تصحيح ما اخطأوا به .


هي أخطأت وهو ماذا فعل ؟؟

لا يرغب في زواجها بل يفعل هو ذلك ويتزوج من تلك الشمطاء التي تريد قتلها مثلما يريد؟!..


تنهدت بضيقٍ ثم قررت أن تخلد إلى النوم وتترك حنقها وغضبها وكل ما تريد التفكير به في الغد...


__________


تمتم داوود بحرج شديد وهو ينظر بخجل إلى صديقه المقرب سيف والذي بمنزله شقيق له:


_والله أنا مش عايز أتقل عليك....


قاطعه سيف بسخرية في البداية، ثم أسترسل حديثه بهدوء محاولا أن يرفه عن نفس صديقه بعدما قام داوود بقص كل ما حدث له مع والدته:


_والله  عيب عليك، بطل الكلام اللي ملهوش لازمة ده وبعدين ده أنا ياما أتحايلت عليك علشان تيجي تبات معايا ما أنتَ عارف أنا علطول بايت لوحدي وأبويا وأمي وأخواتي البنات في الشقة تحت.


أبتسم داوود له فبادله سيف الإبتسامة وهو يقول:


_والله ده أنا المفروض أشكر أم حامد أو طنط جيجي علشان متزعلش أنها السبب أن داوود باشا هيبات معايا النهاردة.


أنقلبت ملامحه إلى أخرى عابسة وكأن ذكر سيف إلى اسم والدته كان يكفي ليجعل شجارهم يمر أمام عينه مرة أخرى..


_متفكرنيش يا سيف، أنا بجد مش مصدق اللي حصل ومش عارف ازاي تعمل كده.


يدرك سيف جيدًا بأن والدة داوود قد أخطأت خطأ كبير رُبما لو كان مكان داوود لقامت الحرب..

لكن ليس بوسعه أن يقوم بإشعال ناره أكثر بل على العكس هو يحاول التفكير في أي كلمات قد تجدي نفعًا وتجعل صديقه يشعر بالسكينة والهدوء...

ولأنه يعرف جيدًا بأن والدة داوود غريبة الأطوار والأمر يبدو أنه تزايد معها حينما كبرت في السن..


_أنا عارف يا داوود أن اللي حصل غلط بس يعني نحاول نفكر في الموضوع بشكل إيجابي.


خرجت ضحكة ساخرة من داوود وهو يقول:


_أه إيجابي اه، يعني لما أمي تروح خطوبة اللي كانت خطيبتي لا ومش بس كده تأخد المصيبة اللي اسمها أفكار معاها لا لا امي بتضحي مش بس كده تروح قايلالهم دي خطيبة داوود المفروض أنا أخد الأمور ببساطة صح؟!.


_هو أفكار دي يعني وحشة أوي كده؟!.


ضيق داوود عينه من هذا السؤال العجيب وعقد حاجبيه وهو يقول:


_قصدك أيه؟! هي المشكلة في حلوة ولا وحشة ولا المشكلة في اللي أمي عملته؟!.


تحدث سيف في عقلانية:


_مش القصد يعني حابب أعرف أنتَ شايفها شكلًا وكل حاجة ازاي، يعني فضول من كتر كلامك عليها ومن كتر حب أمك ليها حاسس أنك ظالمها شوية مهوا مفيش حد كله عيوب كده أكيد فيها مميزات أنتَ مش واخد بالك منها.


لوح داوود بيده دون اهتمام:


_فيها اللي فيها دي مش مشكلتي.


شعر سيف بأن صديقه يتهرب من الإجابة مما جعله يهتف في إصرار:


_بجد قولي شايفها ازاي شكلك ورأيك فيها وحاول تكون صريح بلاش تأفور وتكبر المواضيع.


أخذ داوود نفس طويل وحاول أن يجد مميزاتها فأخذ يسرد رغمًا عنه:


_أنا مقولتش أنها وحشة اوي، لو هتكلم من ناحية الشكل من كتر عمايلها مكنش عندي وقت أركز في شكلها ولا ده يهمني، بس هي فيها عيوب يمكن مش عيوب يمكن دي من طريقة تربيتها هي مختلفة عني خالص مختلفة عن أسلوب حياتنا تمامًا.


عقب سيف في حديث صديقه بنبرة هادئة تبث الراحة والطمأنينة في نفس صديقه:


_أيوة مختلفة عشان ده الطبيعي أنا عارف أنك ممكن تكون شايل منها بسبب أنها السبب في انفصالك عن روضة بس حاول تفكر في الموضوع بشكل تاني وكأن كل ده كان مقدر ومكتوب علشان أفكار دي تدخل حياتك ويحصل كل اللي حصل ده علشان حكمة أنتَ مش فاهمها، فكر مع نفسك يا داوود وأدخل نام وأهم حاجة تصالح أمك.


لم يقتنع ولكن دون وعي منه كان يعقب:


_أنا هصلي ركعتين وهخش أنام أحسن لأن التفكير هيجنني.


وبالفعل تحرك وهو يفكر للمرة الأولى في افكار كأنثى وليس ككارثة يتعامل معها في حياته، وللعجب وجد نفسه يبتسم دون وعي متذكرًا مواقفها ومساعدتها لوالدته .


___________________


في الصباح التالي .


يجلس على الفراش منذ ساعات دون حركة واحدة، نام بحالة واستيقظ بأخرى، لا يدري ما يحدث معه، أو ما يشعر به، تنفس بصوت مرتفع يمسح وجهه وهو يحدث نفسه بذهول :


_ ايه اللي بيحصل ؟؟ يكونش عملت ليا عمل طيب ؟؟


ثواني وسمع صوت رفيقه يصرخ من الخارج باسمه :


_ يا بني بقالي ساعة بناديك، مش هتيجي ولا ايه ؟؟ تعالى نفطر وبعدين سيبها على ربك وهو يدبرها و...


دخل سيف عليه وهو يتحدث بجدية، لكن فجأة قاطع حديثها صوت داوود الذي نظر له بريبة نظرات غريبة خاوية يقول :


_ أنا موافق، حاسس اني موافق .


نظر له سيف بعدم فهم ولم يدرك ما قال، لكنه اكمل ببساطة حديثه وهو يشير للخارج:


_ أنا جايب طعمية سخنة ومسقعة و...


_ أنا موافق... أنا موافق يا سيف .


قال داوود كلماته وهو ينهض عن الفراش ينفض عنه غبار الكسل وهو يردد بجدية وبلهفة :


_ أنا حاسس اني مستريح للموضوع، مش عارف ازاي بس انا مستريح وموافق .


حدق به سيف بصدمة وهو يراه يرتدي الحذاء ويخرج من الغرفة يقول بسرعة كبيرة حتى أنه كاد لا يفهم كلماته :


_ هروح اكلم امي وأشوف الموضوع ده معاها ولو كده هروح اتقدم ليها، و...


توقف عن الحديث ينظر لصديقه بريبة من نفسه :


_ هو ده طبيعي اللي بيحصل ؟! اني انام وأنا رافض الموضوع واصحى وانا مستريح ليه ؟!


هز سيف كتفه بجهل لا يدري ما يقول، ليتحرك داوود للخارج وهو لا يفهم حتى نفسه، هل ما يشعر به طبيعي، هو لا ينفر من أفكار أو يكرهها، لكنها تستفز كل ذرات صبره دون حتى أن تتحدث .


تنفس وهو يتوقف امام منزله بعد دقائق، دخل إليه ليجد الفوضى تعمه ووالدته قد أزالت جميع المفروشات وحركت جميع الاثاث في حملة تنظيف لم يرها منذ عامه العاشر ...


نظر في الارجاء بعدم فهم، يسير هنا وهناك يبحث عن والدته والتي سرعان ما ظهرت وهي تردد بصوت مرتفع بعدما ابصرته :


_ روح يا داوود يا بني الله يسامحك يا اخي دايما كده واجع قلبي .


أشارت داوود لنفسه بصدمة :


_ أنا ؟؟


لكن جيهان أكملت التحرك في كل المنزل وهي تقول بغيظ :


_ على طول كده، تيجي على البنت الغلبانة وتتعبني معاك، الله يسامحك يا اخي، فيها ايه يعني لو كنت اتخطبت ليها كام شهر وبعدين اتجوزتوا، الله يسامحك يابني ...


نظر لها داوود دون فهم، لكنه قال فجأة بلا أي مقدمات أو تمهيد :


_ أنا موافق .


لكن جيهان لم تنتبه لكلماته :


_ وبعدين ترجع تتكلم على الـ....ايه ؟؟ أنت قولت ايه ؟!


كانت تتحدث بصدمة واعين متسعة بعدما تركت كل شيء ليسقط ارضًا محدثًا صوتًا صاخبًا في نفس لحظة نزول حامد على الدرج وهو يفرك عيونه بنعاس :


_ فيه ايه هو العيد بكرة ولا ايه ؟؟


لوحت جيهان بيدها له أن يصمت :


_ اششش اصبر أنت لسه دورك جاي، أنا قعدالكم أنتم الاتنين انهاردة..... وأنت كنت بتقول ايه !! أنا سمعت صح ؟!


نظر داوود لوالدته وشقيقه وتنفس بصوت مرتفع وألقى كلماته دون أن يعلم ما يحدث له :


_ أنا موافق على موضوع الخطوبة ...


_____________________


ربما لحظة جنون قد تعيد حياتك لمسارها الطبيعي، أو ربما تلك اللحظة هي ما يعيد لك تعقلك ....


الفصل الخامس عشر من هنا 

تعليقات



<>