رواية إعلان ممول
الفصل الخامس عشر 15
بقلم رحمة نبيل & فاطمة طه سلطان
صلو على نبي الرحمة.
كان من المقدر ينزل فصلين، لكن اعذروني قضيت يوم طويل بالخارج وللتو عدت مع صداع رهيب وفاطمة اعانها الله مشغولة بعض الشيء، لذلك باذن الله اعوضكم المرة الجاية لو الأمور اتيسرت .
قراءة ممتعة
__________
نظر داوود لوالدته وشقيقه وتنفس بصوت مرتفع وألقى كلماته دون أن يعلم ما يحدث له :
_ أنا موافق على موضوع الخطوبة..
لحظة!!!
هل ما سمعته حقيقة؟! أم أنها تتوهم؟!!..
سألت (جيهان) حامد الذي كان يقف بجانبها ببلاهة شديدة :
_هو اللي أنا سمعته ده صح يا واد يا حامد؟!!.
هز حامد رأسه في إيجاب مما جعل داوود يتحدث مؤكدًا على حديثه بشيء يدفعه من الداخل لا يفهمه حقًا، ولا يعرف ما الذي حدث بين ليلة وضحاها:
_أيوة يا ماما أنا موافق أتقدم لأفكار علشان اللي أنتِ قولتيه قدام الناس.
خرجت (زغروطة) رنانة من فم جيهان جعلت حامد يضع يده على أذنيه من قوتها، والتي قالت بعدها في حبٍ وهي تأخذه في أحضانها:
_ابني حبيبي داوود، اللي طول عمره مريح قلبي وعمره ما زعلني طول عمره متربي ربنا يخليك ليا يا ضنايا.
ضحك داوود وهو في حضن والدته التي تقوم بحبه وأحيانًا بكرهه فهذا يعتمد على الموقف نفسه، وعلى حسب رؤيتها للأمر هل هو ازعجها أم لا؟!.
أبتعدت جيهان عنه..
ووضعت يدها على رأسه قائلة بتوجس وقد تذكرت :
_واد يا حامد جس أخوك كده شوفه سخن ولا أيه؟!.
وضع حامد يده على رأس داوود متمتمًا بنبرة مسرحية فهو لا يفهم ما الذي ترغب والدته فعله:
_لا مش سخن يا ماما، زي الفل أهو.
تمتم داوود بعدم فهم:
_في أيه يا أما؟!!...
تحدثت جيهان في نبرة متوجسة وقلقة، جادة إلى أقصى حد:
_أحسن تكون الست اللي اسمها سكر ولا شاي دي عملت ليك يا ابني عمل، دي كانت مصممة أن أنتَ اللي في الكوشة جنب أفكار وأنكم جنب بعض، شكلها ليها صلة كبيرة مع اللهم أحفظنا يعني.
ثم أسترسلت حديثها بفزع:
_أحسن تكون البت أفكار أخدت قطرك ولا حاجة وأمها عملت ليك حاجة مهوا مش طبيعي تيجي تقولي تاني يوم أنا موافق.
لم يتمالك حامد نفسه ولم يستطع السيطرة على ضحكاته وكأنه قد خرج من همه بسبب كلمات والدته وبدأت الصورة تضح له قليلا ولكن والدته تضحكه على أية حال...
بينما داوود تحدث ساخرًا:
_يا أمي بطلي تفكري بالطريقة دي وبعدين أنا وافقت مني لنفسي هديها فرصة أعرفها بعيدًا عن أي حاجة وهو مجرد تعارف هنشوف هيوصلنا لفين.
مالت جيهان على حامد قائلة في نبرة هامسة:
_أقطع دراعي يا واد يا حامد أنه مجرد ما هيروح هيكتب على البت دي أمها شكل سرها باتع ده أنا هرقي نفسي قبل ما أدخل بيتهم تاني دي ولية عقربة وشكلها شديدة.
هتف حامد مداعبًا والدته في نبرة مرحة لا تصل إلى داوود:
-والله شوقتوني أشوف الست دي.
قاطع داوود هذا الهمس في نبرة هادئة:
_ربنا يهني سعيد بسعيدة أقعدوا كده ودودوا في ودن بعض وأرجعوا اشتكوا أنا على العموم داخل أنام ساعتين.
غمغمت جيهان في استغراب وهي ترمقه بنظرات مغتاظة:
_طب والبت أفكار هنروح ليها أمتى؟!..
قال داوود بلا وعي منه وبتلقائية شديدة وهو يتوجه صوب الغرفة:
_بكرا بقا....
وبعد رحيله قالت جيهان وهي تجذب حامد خلفها ناحية المطبخ وهي تمسكه من يده وكأنه طفل صغير:
_تعالى نبخر البيت يا ابني ونشغل سورة البقرة...
____________
خرجت سكر من الغرفة الخاصة بها في الصباح وهي تردد بعض الأدعية الصباحية المعتاد سماعها في بعض المناطق، تتحرك بصعوبة بسبب وجع فقراتها :
_ يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم، بتاع الروبابيكيا معداش انهاردة ولا ايه ؟؟ راحت عليا نومة بسببه الله يسامحه.
فجأة توقفت عن الحديث شاهقة برعب حينما أبصرت جسد ابنتها تجلس وسط بهو المنزل الضيق وحولها حقائب من أدوات الزينة التي كانت قد ألقتها فوق خزانتها حينما عادت للعمل .
_ بسم الله الحفيظ، ايه اللي لسه مقعدك هنا يا بنتي؟؟ مروحتيش الشغل ليه يا للي اقول عليكِ ايه ؟! عايزة المدير يطردك ونتشرد ومنلاقيش ناكل تاني؟؟.
رفعت أفكار عيونها لوالدتها، ثم تمطأت بكسل فهي لم تحظى سوى بساعات نوم قليلة طوال اليوم بسبب تفكيرها بما حدث معها، وهل كان يستحق هربها من العمل أم لا؟!
حسنًا على أية حال كان داوود سيطردها في نهاية المطاف، فلا ضير أن تسبقه هي وتعود لعملها وشغفها الذي نمى داخلها في نصف ساعة فقط .
_ مش هروح الشغل تاني يا أما.
ضربت سكر صدرها بفزع مرددة :
_ اتطردتي يا حزينة تاني ؟؟
_ لا أنا استقالت بنفسي محدش طردني .
فجأة انتفضت حينما شعرت بعكاز والدتها يهبط فوق رأسها وهي تقول بغضب :
_ ومالك مبسوطة كده ليه يا كبد امك ؟؟ هنصرف ونأكل منين ياختي ؟!
تأوهت أفكار بغيظٍ شديد :
_ ايه ياما الهزار التقيل ده بس ؟؟ أما تنامي من غير عشاء ابقي اتكلمي، أنا اساسا هرجع افتح الكوافير الحريمي بتاعي تاني، بلا قلة قيمة وبهدلة بيوت .
أدركت والدتها سوء مزاجية ابنتها لتجلس على الأريكة جوارها مرددة بحنان غريب لا يتناسب البتة مع تصرفاتها السابقة :
_ مالك يا حبيبتي، مالك يابنتي شكلك كده دبلان ؟! الواد اللي وشه مقلوب طول الوقت ده هو اللي نكد عليكِ كده ؟!
نفت أفكار برأسها ثم أخذت تقص على والدتها ما حدث بالكامل وحينما صمتت قالت بعد تنهيدة طويلة :
_ وعشان كده سيبت الشغل وقعدت .
وعقل سكر لم يخرج سوى باستنتاج وحيد لما قالت :
_ سيبتي الشغل عشان هتتجوزي؟؟ لا بقولك ايه يا بنت بطني، لو فاكرة أنك لما تتجوزي هتتدلعي وتقعدي في البيت تبقي غلطانة، شغلك أولا ثم جوزك، اه مش عايزين مرقعة فارغة .
_ ياما أنا بقولك ايه وأنتِ تقولي ايه، بقولك أمه اللي لبستنا في الجوازة دي وهو لو عرف هيطين عيشتي .
شهقت سكر تقول بحدة :
_ ليه فاكرنا ايه الاستاذ ده منشبهش ولا منشبهش ؟؟
فجأة انتفض الاثنان على صوت رجولي يصدح بالقرب من الباب الداخلي للمنزل :
_ هو مين ده اللي فاكرنا منشبهش ؟؟
تحركت أنظار افكار بسرعة صوب ذلك الجسد الذي يقف أمامهم لتقول بملامح منكمشة وهادئة بعض الشيء :
_ مش حد، ده أنا وأمك كنا بنتكلم في حوار كده عادي ..
كان يبدو واضحًا للغبي أن افكار تحاول تلاشي أي تدخل من شقيقها الأكبر، أبعدت عيونها عنه وهي تعيد ترتيب ما يقبع في يدها، لكن فجأة رفعت رأسها بحدة لوالدتها التي قالت بحسن نية ودون أن تعلم شيئًا ..
_ ده المدير اللي اختك بتشتغل عنده واللي أمه عايزة تجوزه اختك .
اتسعت أعين افكار من حديث والدتها وقبل قول كلمة انتفض جسدها على صوت شقيقها الصاخب وهو يقول بجنون وهو لا يفهم أي شيء من الأساس، حتى لا يعرف مع من تعمل شقيقته بالضبط:
" وهي الحلوة رايحة تشتغل ولا توقع المدير ؟؟ ايه شغل الرخص ده ؟؟
انتفض جسد افكار بقوة تقف قبالة شقيقها تصرخ دون ذرة خوف:
_ اخرس قطع لسانك ولسان أي حد يقول عني كلمة عاطلة، الرخص ده ليه ناسه يا حبيبي وهما عارفين نفسهم، وانا الحمدلله في حياتي كلها ما عملت حركة رخص وعايشة بشرفي الدور والباقي على اللي رافع الرخص شعار في حياته.
اشتعل عيون شقيقها يهسهس جوار أذنها بشر :
_ قصدك ايه ؟؟
_ اللي فهمته يا غالي ويلا شد عجلك عشان عندي شغل ودلوقتي البيت هيتملي نسوان ومينفعش تكون موجود ..
نظر لها شقيقها بشر وقال :
_ بتطرديني من بيت ابويا يا أفكار؟؟
_ لا مش بطردك يا حبيبي بس انت اكيد مترضاش تفضل واقف والبيت كله نسوان، ثم بيت ابوك مين يا ضنايا ؟؟ مش ده البيت اللي كان أبوك الله يرحمه واخده إيجار قديم وأنا اللي بعدين اتملكته علشان منترميش أنا وأمك في الشارع وولا أنتَ ولا اخوك دفع جنية ولا فكر يساعدنا.
صمت شقيقها وهو يتنفس بحدة :
_ على العموم أنا كنت جاي اشوف امك ومفكر أنها لوحدها، مهانش عليا تكون لوحدها .
_ أصيل يا حبيبي .
تجاهل بسمة افكار المستفزة وهو يقبل رأس والدته ثم همس لها بكلمات بصوت منخفض كي لا تسمعه افكار وبعدها ابتعد، لتقول سكر وهي تربت على ظهره :
_ ماشي يا قلب أمك روح أنت وأما افكار تمشي من البيت هرن عليك تيجي عشان تقعد معايا لوحدك وتقولي الموضوع المهم اللي عندك .
اتسعت عينه لتطلق افكار ضحكات صاخبة وهي تقول :
_ الله يباركلك يا سكر مش بتستري خالص، كده بوظتي خطة الشاب ؟؟ على العموم ريح نفسك يا حبيبي لازقة ليكم ومش متحركة، لو عايز حاجة من امك ابقى تعالى خدها وأنا قاعدة .
رماها شقيقها بشر ثم تحرك للخارج تحت أنظار أفكار المغتاظة، تنفست بصوت مرتفع تتحرك بعيدًا عن البهو كي ترتب الغرفة استعدادًا لاستقبال النساء مرة أخرى ...
____________
على وشك أن ترتكب جناية منذ ليلة أمس...
لم تقم بإزعاجها، بل هي من فعلت ذلك بكل براعة، لم تحقق شيئًا مما كانت تريده وهو النيل منها، تلك المرأة التي منذ خطبتها بابنها لم تحبها يومًا، دومًا تشعر بالضيق تجاهها وكان الشعور متبادل فكانت جيهان تمنح حبها وتعاملها اللين للجميع عداها !!.
لقد قامت بدعوتها ولم تتوقع إتيانها ظنت أنها لن تأخذ تلك الدعوة على محمل الجد رُبما تنزعج فقط لكن لم يأتي في عقلها بأنها سوف تأتي ومعها تلك الشمطاء، بالإضافة إلى إعلانها الصريح جدًا بأن داوود سيتزوجها...
منذ رؤيتها في السوق وقتها شعرت بأن تواجد تلك الفتاة مع داوود شيء عجيب!!
ولكن كيف؟!!..
ومن تلك الفتاة التي ولجت إلى حياته بعدها فهي تعرف جيدًا بأن داوود ليس من أنواع الرجال الذي قد يسمح لأمراة تدخل حياته بسهولة هي نفسها سعت كثيرًا وكثيرًا حتى يراها ويشعر بها كانت تتردد يوميًا تقريبًا على المتجر الخاص به والذي كان يذهب له قليلًا بسبب عمله في البنك، فكانت تتحين أوقات وجوده، يوم لأنها تريد شراء عطر مميز لوالدها..
واليوم الأخر هدية إلى صديقتها وأحيانًا تتفق مع صديقتها بأن تذهب معها من أجل شراء عطر لوالدها او خطيبها فعلت الكثير والكثير لجذب رضاه..
توقفت عن تلك الأفكار، ثم أخذت نفس طويل فهي ستموت من فرط تفكيرها في الأمر بتلك الطريقة.
دخلت والدتها الغرفة متمتمة حينما وجدتها على تلك الحالة:
_أيه مالك يا روضة ؟!.
كانت تسأل سؤال تعرف إجابته لذلك تحدثت روضة بغضب شديد:
_يعني أنتِ مش عارفة أيه اللي فارسني يا ماما من امبارح؟! والله لأوريه.
تحدثت والدتها في سخرية:
_توري مين؟!.
_داوود وأمه.
غمغمت والدتها في انفعال:
_أنتِ مالك بيهم أصلا؟!! عزومتك ليهم من الاول غلط العيب على أبوكي اللي ماشي وراكي في كل حاجة وبعدين مش داوود ده اللي أنتِ سبتيه وقلبتي عليه مرة واحدة علشان سبب تافه وأنتِ عارفة أنه استحالة يعمل كده، شاغله بالك بيه ليه دلوقت ياست هانم؟؟.
أردفت روضة بجنون وعتاب غريب:
_هو أنا كل ما أتكلم كلمة تقعدي تلومي فيا، ده أنتِ أمي حتى.
_هو علشان أكون أمك أعوم على عومك وامشي على هواكي وأوافقك على العك اللي بتعمليه؟! ركزي في حياتك وفي الراجل اللي أنتِ لابسه دبلته وملكيش دعوة بحاجة تانية ربنا يهديكي يا بنتي.
نهضت روضة وتوجهت صوب الخزانة وأخذت ملابس لها حتى تأخذ حمام بارد لعل الماء البارد يخمد النار المشتعلة بداخلها وحتى تهرب من والدتها حتى لا يدب شجار بينهما لا تعرف نهايته فهى لا تتحمل أي شيء.
___________
صنعت كوب شاي لها ولحامد بعد نوم داوود وقرار حامد بأنه لن يذهب إلى المعرض اليوم هو فقط يريد العيش والجلوس في هدوء دون الاختلاط بأي حد أو سماع أي شيء قد يُعكر صفوه..
جلست جيهان قائلة في إرهاق:
_الواحد مبقاش حمل يقف يعمل حتى كوبيتين شاي.
ابتسم حامد ثم غمغم بهدوء:
_كنتي قولتيلي وأنا أعملك ياست الكُل هو أنا يهمني غير راحتك و....
قاطعته جيهان في تهكم وهي تنظر له نظرات ساخطة:
_أيوة بقا أدخل في دور الملاك اللي مش لايق عليك هو في حد غيرك معلي ليا الضغط؟!..
أنقلبت ملامح حامد المبتسمة إلى أخرى منزعجة وبعد أن تفرست والدته ملامحه ورأت هذا التغيير الجذري...
غمغمت جيهان في نبرة هادئة محاولة الخفض من انفعالها:
_هتروح ترجع مراتك امتى؟! هو أنتم لحقتم يا ابني؟!.
بلا اهتمام كان حامد يقول:
_بعدين.
نظرت له جيهان في عدم فهم:
_هو أيه اللي بعدين يا حامد؟! عيب عليك مينفعش تسيب مراتك كده لازم تروح تراضيها وترجعها بيتكم مش هيبقى خراب من كله وخلي مشاكلكم جوا بيتكم.
أردف حامد بنبرة جادة نادرًا ما يستعملها:
_ماما أنا محتاج أصفي دماغي شوية أنا محتاج أفصل لو روحت رجعتها هنتخانق تاني برضو هي محتاجة تصفى وأنا محتاح أصفى وكل واحد يهدى ويخرج اللي جواه، لو أحنا الاتنين مولعين الدنيا هتخرب.
_البعد بيولد الجفاء يا ابني...
لو كان كذلك حقًا...
لِم لم يبرد قلبه من ناحية ألاء؟؟!
لِمَ لم ينساها؟!!!!..
___________
على الجانب الأخر أمنية كانت تتحدث بجنون:
_أياكِ تكلميه يا ماما وترخصيني لو مجاش منه لنفسه أنا مش عايزاه مش هقلل من كرامتي.
كادت والدتها أن تتحدث بمثلها الشهير الذي تتبعه بعض النساء دون إدراك لمعنى تلك الكلمات، كلمات معناها مريب، لكن البعض مقتنع بها تمام الاقتناع .
"مفيش كرامة بين الراجل ومراته".
لكن أوقفتها أمنية بإشارة من يدها وهي تستلقي على الفراش:
_أرجوكي سبيني أمشي حياتي زي ما أنا عايزة وسبيني لوحدي..
بقلة حيلة تركتها والدتها مؤجلة الحديث معها إلى وقت أخر...
______________
يجلس في المنزل في انتظار انتهاء والدته من تحضير الطعام كي يتناول غداءه ويعود مجددًا لمحله لحين انتهاء فترة العمل، لكنه أحب أن يستغل تلك الفترة ويتحدث مع ابن شقيقه حول ما حدث بخطبة آلاء...
_ تعالى يا علي عايزك ..
اقترب منه علي " طفل حامد البكري"، ثم جلس جوار عمه مبتسمًا بلطف يقول :
_ نعم يا عمو ..
ابتسم له داوود يضمه أسفل ذراعه بلطف شديد، ثم مال عليه يقبل رأسه قائلًا بود ولهجة لينة حنونة :
_ مش احنا اتفقنا يا علي أن احنا كبار وعاقلين وكمان صحاب وأي حاجة تقولي عليها ؟؟
اومأ علي موافقًا حديث عمه، ليبتسم له داوود أكثر ويقول :
_ طيب ليه عملت اللي عملته في خطوبة والدتك يا علي ؟! دي حركات ناس كبار وعاقلين ؟!
نظر علي أرضًا يشعر بالخجل من عمه، ليتنهد داوود :
_ علي يا حبيبي اللي عملته أنت واخوك غلط، مينفعش نتدخل في حوارات بابا أو ماما، هما كبار وبيعرفوا يصرفوا أمورهم، وكمان باللي أنتَ عملته ده ظلمت ماما، أنت حابب تظلمها ؟؟
اتسعت عين الصغير من كلمات عمه :
_ اظلمها ؟؟ أنا بس مكنتش حابب تتجوز حد غير بابا .
شعر داوود أن أفكار الصغار معقدة وهو لا يود أن يقحمه في أمور تفوق عمره وتفكيره :
_ حبيبي دي أمور كبار، بابا وماما ناس عاقلين وعارفين اللي عايزينه وللاسف متفقوش مع بعض وعشان كده افترقوا بالحسنى وكل واحد منهم عايز يعيش حياته بهدوء، وده مش معناه أنهم نسيوكم، لا أنتم لسه عيالهم وهما لسه بابا وماما، لكن لو احنا مش سعداء مع بعض مينفعش نجبر نفسنا نعيش سوا صح ؟؟
اومأ الصغير وهو يفكر في كلماته عمه ليكمل داوود :
_ بابا وماما للاسف مش مستريحين مع بعض وعشان كده قرروا ينفصلوا وكل واحد يعيش مع اللي هيسعده، وباللي عملتوه ده وقفتوا في وش سعادة ماما وزعلتوها، حتى لو بتغيروا على ماما وعايزينها ليكم لوحدكم، روحوا وكلموها وهي تفهمكم بالراحة مش تعملوا اللي عملتوه ده، احنا ناس كبار ومحترمين ومش هنفرح لما حد يقول إن تربية آلاء وحامد مش كويسة صح؟!.
هز علي رأسه بنعم ينظر أرضًا خجلًا مما فعل، وداوود ضم رأسه له مقبلًا إياها بحب :
_ جدع يا علي، ياريت تروح مع اخوك بكرا و تعتذر لماما عشان اللي عملتوه غلط .
هز الصغير رأسه، ثم ضم خصر داوود يقول بحب :
_ حاضر يا عمو بس متزعلش مننا عشان احنا بنحبك اوي.
_ حبيبي انا مش زعلان منكم خالص .
ابتسم علي ثم قال :
_ احنا كلنا بنحبك اوي أنت وافكار .
شرد داوود بمجرد ذكر اسم أفكار، يشعر بفراغ وخواء غريب في المنزل لغيابها، يبدو أنه اعتاد ضوضائها ووجودها حوله، ابتسم قائلًا .
_ بتحبوا افكار ؟!
_ اوي اوي يا عمو أفكار دي صاحبتنا اساسا بتحبنا اوي واحنا كمان بنحبها، بس مش عارف هي فين ؟؟ هي ليه سابت البيت وسابتنا ؟؟
ابتسم له داوود ثم قال بهدوء :
_ لا يا سيدي هي بس استأذنت يوم عشان تعبانة، وانا بكرا هروح ليها عشان اخطبها بإذن الله، وأنتم في الوقت ده تروحوا لماما اعتذروا ليها .
انتفض الصغير بسعادة كبيرة يصرخ دون تصديق وهو يركض في المنزل تحت أعين داوود المصدومة :
_ عمو داوود هيتجوز افكار وهيجيبها تعيش معانا على طول وتعملنا كنافة يا زياد .
اتسعت أعين داوود بصدمة مما يحدث قبل أن تصل له صرخات سعيدة من الصغار يرددون أن افكار ستعيش معهم للأبد وتصنع لهم حلوى الكنافة يوميًا.
التوى ثغر داوود يردد بحنق :
_ بتوع مصلحتكم زي ابوكم بالضبط.
___________
في اليوم التالي.
كان الجميع يقف أمام المنزل ينتظر داوود الذي خرج يرتدي بدلة راقية وجميلة وقد كان في أكثر حالاته تألقًا، وبمجرد أن خرجت أخذت جيهان تطلق زغاريد عالية رسمت بسمة واسعة على فم داوود دون أن يشعر.
توتر كبير يشعر به ولهفة غريبة لم يشعرها سابقًا ولا حتى في خطبته الاولى من روضة، تنهد ينظر لحامد الذي كان يرتدي قميص وبنطال خامة الجينز يبتسم له :
_ ايه الحلاوة دي يا داوود ؟؟
_ تسلم يا حامد، أنتَ كمان شياكة انهاردة .
ابتسمت جيهان ثم أخذت تتلو الآيات تحصن ابناءها وهي تردد :
_ ربنا يبعد عنكم كل عين يا حبايبي يارب، وجوازتك تكمل على خير يا داوود، ويهديلك الحال يا حامد.
رفع حامد حاجبه ثم قال :
_ العيال عند امهم صح ؟؟
هزت جيهان رأسها بايجاب ليغلق حامد باب المنزل بالمفتاح يتحرك صوب سيارته قائلًا :
_ طب يلا عشان منتأخرش على الناس .
تبعه داوود يقول ساخرًا:
_ نتأخر ايه؟؟ هما ميعرفوش اساسا أننا رايحين، امك بتتبع خطة الهجوم وعايزانا نطب عليهم عشان ميعرفوش يهربوا مننا، بصراحة أنا كنت بفضل أننا نقولهم الأول.
عقبت جيهان بعفوية:
_لا خليها مفاجأة كده يا ابني هيفرحوا أكتر.
أطلق حامد ضحكات مرتفعة بينما جيهان رمقت ابنيها بغيظ شديد تسير معهما صوب السيارة وداوود ضمها بحب شديد يهمس لها :
_ يلا يارب بس تكوني راضية يا حجة .
ابتسمت له جيهان بسمة واسعة :
_ طول عمري راضية عنكم يا حبيبي.
وعند أفكار .
كانت تجلس كعادتها في الغرفة التي تطل على الشارع الرئيسي، وعلى النافذة هناك نساء تجلس حتى تجف وجوههن كما اخبرتهن افكار، وفي ركن الغرفة تجلس سكر كعادتها وحولها النساء بفناجين القهوة الفارغة كي تمارس هوايتها المفضلة دون وضع اعتبار لأي شيء أو لحرمانية ما تفعل، وكيف تدري ذلك وقد نشأت سكر وغيرها من النساء في تلك الغرفة في بيئة خصبة لنمو وانتشار الجهل كما لو كان وباء سريع الانتشار .
مشهد يتكرر مجددًا وكأن الشريط يُعاد .
_ يووه ما تثبتي يا ستي خليني اعرف ارسملك الانيانير ( الايلاينر ) شغلة ايه الهباب دي بس ؟!
ابتسمت السيدة والتي كانت تضع رأسها على فخد أفكار:
_ بالك يا بت يا أفكار لو الميكب ده عجب جوزي ليكي الحلاوة ومش هعمل غير عندك .
امتصت أفكار شفتيها وهي تجذب رأس السيدة أكثر كأنها ستخلعها :
_ ألا يعجبه، ده هيعجبه ويعجبه ويعجبه، ولو معجبوش يبقى مش بيفهم، أنتِ بتتعاملي مع اجدعها كوافيرة حريمي في المنطقة يا ختي .
تحدثت امرأة ممن يجلسون على النافذة :
_ اجدع كوافيرة أيه بس يا افكار، هو أنتِ كنتِ تعرفي حاجة ؟؟ ده أنتِ لسه فاتحة المكان من كام يوم بس .
نظرت لها أفكار تقول بحاجب مرفوع :
_ عشان ياختي مكنتش بشتغل غير مع الممثلين والناس الهاي بس، بروفيشنال يعني، بس قولت في الآخر اجي انضف ستات حارتي أولى من الممثلين دول، طب تعرفي اسم الله عليها الممثلة اللي بتلبس جلد النمر دي؟
_ ياسمين صبري ؟؟
_ أيوة هي دي، اهي دي مترضاش ايد تندب في وشها غيري، تموت كده ولا تقبل أن أي واحدة تعملها ميكب ارتست غيري، طب دي مرة كانت هتأجل مسلسلها بتاع رمضان عشان قولتلها مش فاضية احطلك ميكب ارتست، ياختي هرتني اتصالات وكل شوية تتحايل عليا.
اتسعت عين السيدة تقول بلهفة :
_ بجد يا بت يا افكار ؟!
مضغت أفكار العلكة تقول بتكبر واضح تروج لعملها بطريقة احترافية :
_ يووه وأنا هكدب عليكِ، من امتى وأنا بكدب عليكم يعني ؟؟
كادت السيدة تتحدث لولا صوت سيدة تقول بصوت مرتفع :
_ الله مش ده نفسه عريس أفكار ؟؟ ده جايب أمه وواحد أقرع معاه وورد وجايين، يكونش هيلبسوا الدبل؟؟ مفيش فايدة فيكي يا أفكار برضو مصممة تشتغلي في الأيام المهمة.
رفعت أفكار عيونها بتعجب صوب النساء لتسمع صوت الهمسات تزداد، ثم فجأة اندلعت أصوات الزغاريد عاليًا مما جعلها تبعد رأس المرأة عنها تتحرك صوب النافذة تنظر منها لتصدم بوجود داوود ببدلة سوداء وقميص أسود وهيئة مدمرة، يحمل بين يديه بعض الورود وجواره جيهان تقف مبتسمة وحامد يحمل حقائب كثيرة.
اتسعت عيونها لا تفهم ما يحدث، خرجت من المنزل بعدما بصقت العلكة، وهي تردد بعدم فهم :
_ هو فيه ايه ؟؟
وقفت أمام المنزل لترى داوود يتوقف أمامها مبتسمًا بسمة غريبة عليه تحديدًا أمامها، نظرت أفكار خلفه لحامد وجيهان :
_ ايه جايب المرة دي اخوك زيادة عشان تقنعني ارجع الشغل يعني ؟! لا بقولك ايه الحوارات دي مش هتاكل معايا تاني ولو زودت مرتبي للضعفين، أنا اتنازلت مرة ومش هعملها تاني و...
قاطعها داوود ليقول ببسمة ودون مقدمات يقاطعها قبل الانجراف في خطبة عصماء من لسانها :
_ لا المرة دي مش جاي عشان الشغل، المرة دي جاي عشان اتقدم بجد يا أفكار ....
____يتبع____
وكأن المشاهد القديمة تُعاد، كي تغير الماضي وتحسنه، نفس المشهد لكن النتيجة مختلفة .
للبنات اللي بتحب الروايات اللطيفة والرومانسية والاجتماعية وشوية كوميدي، هتلاقي فاطمة منزلة رواية جديدة اسمها ديجور الهوى، الرواية رائعة بكل المقاييس سوا بأبطالها أو القصص، واللي حقيقي حبكتها رائعة، والبطلة مختلفة شوية لأنها راقصة وحوارات كتير في إطار رومانسي كوميدي اجتماعي .
