رواية إعلان ممول
الفصل السادس 6
بقلم رحمة نبيل & فاطمة طه سلطان
صلوا على نبي الرحمة
______________
كان داوود يراقب ملامح البلاهة على وجهها، يراها تحدق فيه بأعين متسعة وفاه مفغور كما لو أنه انبأها للتو أن السماء تُمطر فطيرًا، أو أن البحر قد تلون بالاسود .
_ كام ؟؟ قولت كام ؟!
ضم ذراعيه لصدره بغضب ما يزال يشتغل داخله :
_ زي ما سمعتي يا آنسة، الازازة اللي كسرتيها دي تبقى زيت عطري خام بمرتبك لمدة تلات شهور، ها تحبي تعوضيني زي ما قولتي على الجزمة ؟؟
نظرت له افكار ثواني دون ردة فعل قبل أن يلتوي ثغرها بقوة وتبدأ امارات البكاء تنتشر أعلى وجهها :
_ تلات شهور ايه ؟؟ ليه كسرت ازاز مايه دهب؟ حرام عليك يا باشا ده انا مسكينة وعلى باب الله، لما تاخد مني مرتب تلات شهور اعيش ازاي؟!
أنهت حديثها وهي تنخرط في موجة ندب وتحسر معتادة منها، لكن ليس أمام والدتها كالعادة، بل هذه المرة كانت أمام داوود الذي فغر فاهه وهو يعود للخلف ينظر لها بعدم فهم وهي تزيد من كلمات الندب والعويل :
_ أنا كان قلبي حاسس انك مش طايقني من اليوم اياه، يعني مش مكفيك قطعت عيشي قبل كده وجاي دلوقتي تخرب عليا في شغلي الجديد .
صمتت قبل أن تعض شفتيها بقوة، تمسح دموعها تنهض من مكانها تكمل ذلك الدور الدرامي الذي تتقنه أكثر من أي شيء في حياتها، وداوود فقط يشاهد العرض مصدومًا من قدرتها على التمثيل بهذه الحرفية يفكر أين هم المخرجين من تلك الموهبة الفزة ؟؟
سمع صوتها تجمع بكرات الخيط الخاصة بها :
_ بس خلاص يا باشا طالما أنت اساسا شكلك كده لسه شايل في قلبك ضغينة من وقت الغلط بتاع الشغل الاول ومش طايقني هنا، فقول من غير كل الحوارات بتاعة الكولونيا بتاعتك .
افتر ثغر داوود عن بسمة غير مصدقة :
_ الفيلم ده كله ليه طيب ؟! كل ده عشان بقولك سعر الازازة اللي كسرتيها ؟!
نظرت له تعيش دور الضحية جيدًا :
_ لا عشان أنا حاسة اساسا أنك مش قابل اعيش حياتي زي البشر، في الاول اتسببت في طردي من وظيفة كانت معيشاني أنا وأمي المريضة ودلوقتي عايز تقطع عيشي من عندك بسبب ازازة كولونيا.
ها هي مجددًا تتلاعب بمهارة على شعور الذنب لدى داوود، والذي تتمثل كل نقاط ضعفه في أنه لا يطيق أن يكون سببًا في مشقة أي إنسان في هذه الحياة، لذلك سارع بالقول :
_ والله ابدا أنا مجبتش سيرة قطع ارزاق أنا بس كنت بقولك أن البرفان غالي مش اكتر .
_ عرفنا أنه غالي، بس لا يمكن يكون اغلى من كرامتي .
رفع حاجبه مدهوشًا من مدى تحريفها للكلمات :
_ كرامتك ايه ؟؟ أنا جيت جنب كرامتك دلوقتي ؟! انا عملت ايه ؟؟
نظرت له بطرف عينيها تكمل دورها بمهارة فنان مخضرم :
_ حضرتك بتحاول تقلل مني قدام نفسي أن شغل تلات شهور بتمن ازازة كولونيا، تقدر تقولي اصرف على نفسي وامي ازاي التلات شهور دول ؟؟
مسح داوود وجهه يحاول الانتهاء من كل ذلك فهو يعلم أنه في النهاية لن يصل لشيء معها :
_ خلاص انا اسف، مكانش قصدي، يا ستي مش هاخد منك حق ازازة الزيت، بس الله يكرمك بعد كده متقربيش من اوضتي عشان بسيب فيها حاجات غالية
_ تمام اتفقنا .
ابتسم داوود يتنهد براحة وقد نفض عنه شعوره بالذنب ...
ثم نظر لها ثواني قبل أن يستأذن ويرحل وبمجرد أن خرج وتحرك صوب عمله كان يفكر في الطريقة التي سيحضر بها نفس الزجاجة مجددًا و...
توقف فجأة عن التفكير حينما استوعب أنها للتو جعلته هو من يشعر بالذنب ويعتذر ويترجاها ألا تحزن، وهي في النهاية من اخطأت .
___________
كان يمشي بخطوات سريعة وغاضبة جدًا، كيف ستتزوج رجل غيره؟!!
نعم ينكر عليها الفعل الذي فعله هو بنفسه فهو تزوج من أمراة غيرها، ومع ذلك لا يريدها أن تتزوج، على وشك أن يُصاب بالجنون منذ أن أخبره ابنه الأكبر ووالدته عن ذلك الرجل..
موعد تواجده أمام المنزل الذي كان على وشك أن يقتحمه ليتشاجر معها دون أي وجه حق وهو يعلم ذلك ولكن النار تأكله من الداخل ولا يتحمل أبدًا ما يحدث، صادف موعد عودتها من السوق لشراء بعض احتياجات والدتها ووجدتها فرصة حتى تنفرد بذاتها..
وما أن رأته ووقفت أمامه وهو ينظر لها متأهبًا للنزاع على أكمل وجه لا يتخيل حتى كيف يمكنها أن تكن لرجل غيره..
_حامد!!.
تحدث حامد منفعلا:
_أيوة حامد يا هانم، إيه فيه عروسة تنزل بنفسها تحيب حاجات السوق؟!
طريقته لم تعجبها نهائيًا، فهى نست هذا الأمر!!
ذلك العريس الذي تقدم لخطبتها ويحاول ولدها اقناعها، رُبما لم تنس بقدر ما اندهشت بأن حامد يعلم.
_عروسة أيه وأيه الطريقة اللي بتتكلم بيها دي؟!.
تحدث حامد ساخرًا:
_يعني الهانم مش عارفة؟! مبروك يا عروسة مش هتتجوزي ولا أنا غلطان؟!
كان صوته عاليًا بالفعل لدرجة أنه جذب أنظار بعض المار من النساء والرجال وكونهم يعرفون جيدًا من هو حامد وأنها طليقته..
أسترسل حامد حديثه في غضب جامح :
_أنا ميهمنيش تتجوزي ولا يهمني تترهبني، بس على الأقل اتكسفي قدام عيالك مش قاعده ترفجيهم على عريسك..
صرخت به آلاء بانفعال شديد على الرغم من أنها لا توافق على الزواج للمرة الثانية لأنها ببساطة لا ترى رجل غير هذا الثور الذي يقف أمامها ولكن طريقته أغضبتها:
_وأتكسف ليه يا حبيبي هعمل حاجة في الحرام؟! وأنتَ متكسفتش ليه لما روحت أتجوزت الشملولة اللي عرفتها وأنا لسه على ذمتك، أنا مبعملش حاجة غلط ولا حرام أخاف منها.
تحدث حامد وهو يكز على أسنانه:
متخلنيش أتغابى عليكِ يا آلاء.
وضعت آلاء يظها في جانبيها وقهقهت ساخرة:
_وريني أخرك ايه يا حامد.
قالت أمراة تقف بجانبهم ولكنهما كان في عالم أخر لا يهتموا بهذا الحذد الذي تجمع حولهما:
_عيب كده يا حامد يا ابني دي أم عيالك.
هدر حامد في غيظٍ:
_بتقوليلي أنا بس اللي عيب ما تقوليلها هي يا حجة.
صرخت آلاء في انفعال شديد:
_عيب ليه يا حبيبي؟! طب أنا هتجوز غصب عنك يا حامد زي ما أنتَ عملت هعمل وكله بشرع ربنا.
_وريني هتعمليها ازاي.......
تحدث رجل في نبرة جادة وهو يتدخل في الحديث:
_حقها تتجوز..
عقبت ألاء على حديث هذا الرجل:
_قوله يا حج.
قال حامد غاضبًا:
_أنتَ مالك يا راجل أنتَ واحد ومراته بيتخانقوا بتدخل في أم الحوار ليه؟.
تحدثت آلاء في شراسة وهي تصحح حديثه:
-أسمها طليقته، طليقته أوعى تنسى.
______________
استيقظت من نومها بعد أن فتحت النوافذ المتواجدة في غرفتها، فأجبرت جيهان على الاستيقاظ من غفوتها القصيرة وأخذت حمام دافئ.
قامت أفكار بترتيب غرفتها، ثم صنعت الافطار الخاص بها وقهوتها المفضلة ووضعتهما على الطاولة المتواجدة أمام الأريكة المفضلة والمحببة إلى قلبها وجاءت جيهان بكل فخامة وكبرياء وجلست على الأريكة وبدأت في تناول الطعام وهي تراقب أفكار الصامتة ولكنها كانت مرتبكة جدًا، في الصباح وقبل غفوة جيهان لم تسنح لها الفرصة بالحديث .
والآن وبعدما استيقظت، هي مازالت لا تعرف ردة فعل والدته على ما فعلته بالتأكيد أخبرها عن أنها السبب في فسخ خطبته، بالتأكيد ستتغير معاملتها لها، هذا الشيء الذي جعلتها تأتي مبكرًا مستخدمة هذا المفتاح التي أعطته لها دون أن تخبر داوود الذي لن يعجبه بأن تأخذ فتاة غريبة مفتاح المنزل بل سيصف والدته بالتهور ورُبما الحماقة لكنه يخجل من قولها ويهذب نفسه إلى أقصى درجة.
تمتمت جيهان في تهكم:
_هو أنتِ هتفضلي مبحلقة فيا ولا ايه؟! باصة في الأكل؟!.
عقبت أفكار على حديثها في إحترام:
_لا أبص أيه، أنا بس كنت سرحانة حضرتك.
أمتصت جيهان شفتيها ثم قالت في شكٍ ومشاغبة وهي تتقمص الدور على أكمل وجه:
_متأكدة انك مش باصة في أكلي؟.
تلفظت أفكار في سرعة:
_لا والله حضرتك، أيكش ما أوعي أروح بيتنا ولا يفرمني قطر، ولا عربية تخبطني مش ببص في أكل حضرتك.
صاحت جيهان بغضبٍ وهي تنظر لها في عيون غاضبة فهي امراة غريبة الأطوار وسريعة الغضب في كثير من الأوقات:
_يالهوي عليكي، أنتِ بت بومة كده ليه؟! كل دي حوادث مرة واحدة، ما تبصي في أكلي أسهل.
ثم قالت في أمرٍ:
_بعدين بلاش حضرتك، حضرتك هو أنتِ ملبوسة يابنتي ؟!
-أسفة.
تحدثت جيهان في توضيح لتعاليمها وقوانينها المنزلية:
_بقولك أيه يا أفكار يا حبيبتي أنا لما شوفتك دخلتي قلبي كده وربعتي جوا، لكن أنا اللي يخش بيتي لازم يكون حد فرفوش كده، حاكم أنا أكره النكد قد عنيا، وربنا رازقني بعيال تاعبين قلبي والضغط عندي على طول عالي ومش حمل نكد حد جديد.
_حاضر.
أبتلعت أفكار ريقها ثم عادت تسترسل حديثها في شجاعة مؤقتة:
_أنا بصراحة كده عايزة أعتذرلك على اللي عملته في حقكم وده لأني بصراحة حبيت حضرتك جدًا فلازم اعتذر.
تجاهلت جيهان لقب "حضرتك" وضربت على صدرها في عنف، ثم قالت وهي على وشك أن تصاب بأزمة قلبية وقد بدأت الأفكار السيئة كلها تتدافع لعقلها :
_أوعي تكوني كسرتي كوباية وجاية تعتذريلي بقولك أيه كوبيات جيجي في كافة وبرفانات داوود في كافة تانية ومتجيش جنب كوباياتي .
هزت افكار رأسها في توتر نافية ذلك لتقوم جيهان باستكمال تحقيقها وأكثر الأشياء التي قد تؤلمها:
_ مهو مدام مكسرتيش كوباية يبقى جرحتي الطاسة التيفال وأنتِ بتعملي الفطار صح؟!.
هزت رأسها للمرة الثانية بأنها لم تفعل مما جعل جيهان تصيح:
_يبقى حطيتي مسحوق الغسالة العادية في الغسالة الاوتوماتيك، قلبي هيقف انطقي بسرعة قولي عملتي أيه بدل ما أخش في احتمالات أسوء من كده.
تحدثت أفكار بالسبب الأساسي والذي عرفته فيما بعد :
_إني كنت السبب في خطوبة أستاذ داوود من خطيبته والله اللي حصل غصب عني، أنا عارفة أنك حضرتك اكيد هتكرهي وجودي بس أنا بجد محتاجة الشغل ده جدًا، وعارفة أنك اكيد زي أي أم عايزة تفرحي بابنك خصوصا لو كان فرحه قرب.
قهقهت جيهان، وضحكت كما لم تفعل منذ سنوات طويلة مما جعل أفكار تظن بأنها مجنونة لا أكثر أما ستقوم بطردها بعد أن تستيقظ من صدمتها..
أردفت جيهان بعد أن حاولت السيطرة بصعوبة بالغة على ضحكاتها:
_رغم إني معرفكيش يا أفكار كويس إلا إني أبصم ليكي بالعشرة أن دي من أحسن الحاجات اللي عملتيها في حياتك والله يا بنتي.
أبتسمت أفكار في إرتباك وسألتها في تردد:
_يعني ايه؟! يعني حضرتك مش زعلانة من اللي حصل؟!.
_أزعل ده أيه؟! ده أنتِ عملتي اللي أنا معرفتش أعمله لأول مرة حد يتفوق عليا بس مش مشكلة المهم البت التقيلة دي بعدت عننا، كانت تقطع الخميرة من البيت بشوفها عفاريت الدنيا بتنطنط في وشي وكانت طماعة وابني على نياته.
قالت أفكار في فضول لم تستطيع كبحه وهي تنهض وتأخذ فنجان القهوة من فوق الطاولة:
_لا حيث كدة بقا أنتِ تكملي فطارك يا جيجي وأنا هعملك فنجان قهوة بدل اللي برد ده واجيلك وتحكيلي من الاول.
هزت جيهان رأسها في موافقة فهي تعشق الثرثرة على أي حال، وبالفعل أنهت جيهان فطورها وما أن أنتهت منه كانت أفكار تأتي بالقهوة، ثم أخذت جيهان تتناولها في متعة شديدة، هذا يصنف من أفضل أكواب القهوة التي قد تناولتها طوال حياتها وأثناء شربه كانت تقص لها حكاية داوود وخطيبته الشمطاء التي لم تحبها يومًا....
لكن حينما أنتهت من اخر رشفة فيه هتفت مبدية إعجباها الشديد:
_تسلم إيدك يابت يا أفكار ده من أحلى فناجين القهوة اللي شربتها.
أردفت أفكار في عفوية شديدة:
_الله يسلمك أومال لو شوفتي بقا فنجان القهوة اللي
أمي بتعمله، بتاعي ميجيش فيها حاجة وكمان هي أحسن حد يقرأ فنجان.
قالت جيهان في شوقٍ تتذكر تلك الأيام القديمة :
_ياه شوقتيني أقابل مامتك في يوم من الأيام وتقرأ ليا الفنجان، فات خمسة وعشرين سنة ومقرأتش فنجان أخر واحدة قرأت ليا كانت جارتي الله يمسيها بالخير بس دلوقتي عزلت، ساعتها جوزي طين عيشتي وقعد يقولي حرام، وداوود وقتها كان هينزل البيت فوق دماغي لما عرف، ايام والله .
طال الحديث بينهما وبدأ يتشعب لأمور كثيرة ومختلفة، وقد انسجمت جيهان مع أفكار وألفت الحديث معها، تعالت ضحكات الاثنتين بصخب وجيهان تراقب افكار تقوم بقطف اوراق الملوخية :
_ طب والله أنتِ جدعة يابت يا افكار وبميت راجل، قال تجيبي أجهزة لامه قال، ده عبيط ده ولا ايه ؟!
التوى ثغر أفكار بحنق شديد :
_ والله يا هانم الكل شايفة عبيط، إلا أمه شيفاه بطه بكشك حبيب أمه .
ضحكت جيهان أكثر وهي تردد :
_ يلا اهو ربنا نجاكِ من الجوازة الشوم دي .
وقبل أن تجيبها افكار ارتفع صوت صياح صبي في بهو المنزل الخارجي والذي رنّ صداه في البيت بأكمله وهو يقول بصوت جهوري :
_ يا ست جيهان الحقي الاستاذ حامد بيتخانق عند بيت أبلة آلاء..
انتفضت جيهان من مكانها وهي تركض صوب البهو الخارجي وخلفها افكار التي لحقت بها تهتف بعدم فهم :
_ مين حامد ده والاء مين !!
_ دي جوازة شوم تانية، ربنا يتوب عليا من بلاويها ..
خرجت جيهان تمسك الصبي من ثيابه تدفعه للخارج بلهفة :
_ أنت جاي تقولي أنا ؟؟ ما تروح يابني نادي لداوود وقوله يلحق اخوه .
ركض الصبي ينفذ أوامر جيهان بسرعة الصارخ بينما تحركت جيهان بشبه هرولة خارج أسوار المنزل وخلفها افكار التي لم تفهم شيئًا مما يحدث، لكنها سارت خلفها حتى إذا احتاجت إليها .
ثواني حتى توقف الاثنان أمام أحد المنازل التي نشبت على اعتابه شجارات صاخبة بين العديد من الأشخاص لا تعلم منهم سوى شقيق داوود الذي ركضت له جيهان تحاول جذبه بعيدًا عن فتاة أخرى وهو لا يتوقف عن الصياح :
_ براحتك يا آلاء، لكن بعيد عن عيالي وإلا والله لهيكون ليا تصرف تاني معاكِ .
صاحت آلاء في المقابل بقهر لتهديده لها بهذا الشكل وأمام الجميع :
_ ما هو براحتي يا حامد امال براحة مين؟! بعدين عيال مين يا ابو عيال ؟! دلوقتي افتكرت أنهم عيالك يا حبيبي ؟؟ الله يرحم ايام ما كنت بتشوفهم في صلاة العيد بس عشان تديهم العدية.
وقبل أن ينهرها حامد بردٍ يصمتها، تدخلت افكار كعادتها أثناء فض شجارات حارتها المتتالية :
_ يا جماعة مش كده ده شيطان ودخل بينكم، يسوى ايه تخربوا بيتكم عشان شوية كلام زي ده .
صرخ حامد لا يرى ابعد من غضبه وهو يود لو يقفز ويجذب آلاء من حجابها ويلقيها في منزلهم ساجنًا إياها بلا خلاص :
_ الأستاذة المحترمة ما صدقت تخلص العدة وجريت على طول تدور على عريس ..
نظرت افكار لالاء وهي تستنكر عليها هذا الفعل :
_ لا لا مينفعش يا مدام كده بلاش تسرع في الحوارات دي .
لكن آلاء لم تصمت وهي تدافع عن نفسها أمام افكار دون شعور :
_ يا سلام ؟! ما الاستاذ المحترم مستناش حتى يطلقني وكان متجوز عليا .
نظرت افكار لحامد بحنق :
_ لا لا مينفعش يا استاذ كده ..
صرخ حامد بجنون في وجه آلاء وقد اعماه غضبه عن التصرفات الصحيحة أو الخاطئة نسى أنهما في منتصف الطريق وليس في المنزل تجاهلوا كل شيء ولم يروا إلا غضبهم :
_ وانا يعني كنت لقيت اللي ياخد باله مني عشان مبصش برة .
نظرت افكار لالاء باستفسار :
_ ايه يا مدام مكنتش بتغسلي ليه شرباته ولا ايه ؟!
اجابتها آلاء بقهر وقد شعرت به يجرحها وأمام الجميع في منتصف الطريق ولم يضع أي اعتبار أنها كانت في يوم من الأيام زوجته، والآن هي والدة أطفاله :
_ الاستاذ مش عاجبة اني تعبانة وطالع عيني عشان يجي يتأمر.
نظرت له افكار وودت لو تبصق في وجهه :
_ تصدق أنت راجل ناقص ؟؟ أنتِ كنتِ مستحملاه ازاي ؟!
صرخ حامد بجنون في وجهها :
_ هي اللي مستحملاني برضو ؟؟
هزت الاء رأسها واجابته بسخرية :
_ كتر خيري والله، وياريت نفع معاك .
تدخلت مجددًا افكار تزيد من الطين بلة :
_ والله أنتم فعلا خسارة في بعض، أنا شايفة إن الانفصال افضل حل، هو راجل ناقص وأنتِ ست خلقك في مناخيرك متنفعوش لبعض .
وفي ثواني أتت كلمات افكار ثمارها حينما اشتعل الشجار أكثر وأكثر عن سابقه وهي ما تزال تقف في المنتصف تساهم في تزويد نيرانهم بالحطب، في الوقت الذي وصل به داوود سريعًا ليُصدم بذلك المشهد ...
تحرك صوبهم وهو ينظر لافكار بغضب :
_ أنتِ بتعملي ايه هنا ؟؟
صرخت افكار وهي تحاول إبعادهم عن بعضهم باستنكار :
_ بشوف العالم اللي متربتش دي .
اشتعل غضب داوود وقد وصلت حمم بركانه للفوهة وهو يصرخ بجنون في وجه افكار :
_ ارجعي البيت يا مصيبة أنتِ، مش همشي الملم البلاوي من وراكِ .
رمقته افكار بحنق قبل أن تتحرك بعيدًا عن الشجار تاركة له حرية التدخل والتصرف لفض الأمر :
_ يارب تولعوا في بعض ...
_____________
بعد أن تقدم لخطبتها رسميًا، كانت صدمة تحديدًا لوالدة روضة التي لا تقبل بتلك العلاقة مُطلقًا، ولكن رأيها لم يشكل فارقًا مع ابنتها المغرمة به وزوجها الذي يراه الزوج الرائع لابنته..
الشرط الوحيد التي وضعته والدة روضة لهما هو أن يكن هناك فترة تعارف مناسبة قبل أن يقام حفل الخطبة بطريقة رسمية ووافق زوجها على مضض حتى يتخلص من أزعاجها المستمر له وكلماتها الحادة.
اليوم أستأذن ياسر عمه بأن يقوم بدعوة "روضة" لتناول الطعام سويًا حتى تكن فترة تعارف حقيقية ولم يكن هذا اقتراحه بكامل أرادته بل كان هذا نابع من إلحاح روضة المستمر عليه، وقرر أنه لا بأس سيتناول طعام جيد في النهاية وسيكن يوم لطيف إذا كانت تريد بهذا الشكل لتفعل ليست مشكلة بالنسبة له...
تجلس على المقعد أمامه ويتناول هو الطعام معها في لذة وسعادة ويتحدث معها في مواضيع مختلفة وقال في وسط حديثه:
_بس أنتِ غريبة أنك وافقتي عليا مع أني أعرف أن في بينك وبين خطيبك الاولاني قصة حب.
أبتلعت الطعام في صعوبة ثم قالت في توتر:
_لا ولا قصة حب ولا غيره هو كان عاجب ماما وشافته متدين وكده وعلشان كده وافقت بيه بس هو طلع غير كده خالص، وأهو تجربة وعدت خلينا في اللي جاي أحسن...
وافقها ياسر الرأي وغمغم بهدوء شديد وصوت خافت بعض الشيء:
_على فكرة أنا حابب أصارحك بحاجة علشان نكون داخلين على نور.
_تصارحني بأيه؟!.
أردف ياسر في ثبات وكأنه يضمنها :
_أنا أتجوزت أربع مرات قبل كده.
شحبت ملامح وجه روضة في ثواني، أي زواج هذا الذي يحكي عنه؟!!.
وتزوج من أربعة؟!!!
قالت روضة في استنكار:
_أنتَ بتهزر معايا صح جواز أيه؟!.
تحدث ياسر في وقاحة شديدة:
_لا والله مش بهزر أنا أتجوزت أربع مرات قبل كده.
غمغمت روضة في عدم تصديق:
_ازاي؟!!! عمرنا ما سمعنا أنك أتجوزت.
_يعني كانت جوازات عرفي كلها وانا مسافر وواحدة هنا
رددت كلماته في بطء شاعرة أن قلبها سيتوقف :
_عرفي!!.
هز ياسر رأسه مؤكدًا حديثه ثم أضاف في سلاسة ونيرته خرجت حزينة مهمومة :
_بصراحة كنت بحب أجرب اللي معايا لو حسيتها بتحبني علشان أنا ياسر مش علشان فلوسي كنت هكمل معاها الجوازة لكن كل واحده أتجوزتها كانت باصة للي معايا محدش فيهم بص ليا ولا حبني علشان كده كل الجوازات دي مكملتش، لكن أنتِ بنت خالي وأنا متأكد في تربيتك وأصلك وعارف كويس أنك عمرك ما هتبصي لفلوسي لأنك بني أدمه شبعانة ونضيفة ومتربية، أنا محبتش نبدأ حياتنا بكذب على بعض وحسيت إني لازم أعرفك.
أبتلع ريقه وأسترسل حديثه في خفوتٍ:
_لازم أعرفك أيه أكتر حاجة بضايقني أن الست اللي قدامي تحسسني أنها مش عارفة تتصرف لوحدها أو أنها بتستغل الراجل اللي معاها، وبكره البخل وبكره أي حد بخيل خصوصًا الست، بحبها نزيهة وبتحب تدلع نفسها واللي حواليها وأن تكون أخر حاجة تهمها الفلوس، وياريت المعلومة اللي قولتها دي متبوظش جوازتنا.
تحدثت روضة في حيرة شديدة وقد شعرت بصدمة ضربت رأسها، ما الذي يتحدث عنه في هذه اللحظة ؟؟ هل تقبل به بعد كل ما علمت ؟؟ لكنه اعترف في النهاية وهذا يعني حسن نيته صحيح ؟؟
_أنا مش عارفة أقولك أيه يا ياسر.
غمغم ياسر في هدوء شديد :
_تقوليلي أن اللي فات ميهمكيش، وصدقيني أنا شايف فيكي الزوجة الصالحة اللي تشيل أسمي وتجيب ليا عيال تورثني، وشايف إني استأمنك على شرفي وعلى عرضي واسمي.
خجلت قليلا من عبارته البسيطة ثم سألته:
_هو أنتَ لو يعني موضوعنا مشي على خير هنسافر أنا وأنتَ ؟؟
_يعني نص السنة هنبقى هناك ونص السنة هنبقى هنا، هنظبطها.
قالت روضة في هدوء ومازالت الحيرة والتردد يعلوان وجهها، لكن رغبتها في زفاف الاحلام تتغلب على أية اعتبارات، لذا رأت أن تنهي هذا النقاش حتى تستقر على قرار :
_أنا شايفة أننا نطلب الشيك أحنا أتاخرنا اوي ومخلصين أكل من بدري والكلام أخدنا.
أعلن هاتفه عن رسالة من والدته ليزفر ياسر بصوت مرتفع قائلًا وكأنه يتحدث لنفسه :
_ بكره انا الرسايل من البنك كل ما حد يعملي تحويل لازم أتصل بالبنك وحوارات، هخرج اتكلم برا براحتي اطلبي الحساب عقبال ما أخلص وأجي.
هزت رأسها في إيجاب وبالفعل أشارت إلى النادل ليأتي لها بالفاتورة وسلمها الدفتر المصنوع من الجلد، كادت تضعه أمامها وتنتظره، لكن فجأة فتحته وحديثه يرن في عقلها ...
"_لازم أعرفك أيه أكتر حاجة بضايقني أن الست اللي قدامي تحسسني أنها مش عارفة تتصرف لوحدها أو أنها بتستغل الراجل اللي معاها، وبكره البخل وبكره أي حد بخيل خصوصًا الست بحبها نزيهه وبتحب تدلع نفسها واللي حواليها وأن تكون أخر حاجة تهمها الفلوس"..
أخرجت المحفظة من حقيبتها وقررت أن تقوم بدفع الحساب وبالفعل وضعت النقود، ثم أغلقت الدفتر وسلمته للنادل وجاء ياسر في هدوء قائلا على الرغم من أنه قد رأها من بعيد تفعل ذلك:
_جابولك الحساب؟!.
_أه جابوه وأنا حاسبت.
زفر ياسر متحدثًا بانفعال شديد يظهر رفضه الشديد :
_حاسبتي أزاي ده؟! وأنا مليش لازمة ازاي تحاسبي وأنا موجود ؟؟
توترت روضة من انفعاله ثم قالت:
_خلاص يا ياسر عادي أحنا هنبقى واحد أنا أو أنتَ مش فارقة وبعدين مرة تانية أعزمني أنتَ..
___________
ابتعدت عن النافذة المطلة على الشارع الرئيسي وقد يأست من عودة زوجها، فمنذ غادر صباحًا لم تر وجهه على عكس العادة .
نفخت بيأس وهي تقرر أن تذهب لزيارة حماتها وتستفسر منها على مكان زوجها العزيز .
وسريعًا وضعت ملحفة سوداء أعلى جسدها تخفي بها تلك الثياب المنزلية التي تتفنن في انتقائها بنفسها لأجل إشعال جنون حامد بها .
خرجت من المنزل تغلق بابه خلفها، ومن ثم سارت الهوينة في الحارة، تتمختر براحة شديدة حتى وصلت على اعتاب منزل زوجها الذي نبذته كي لا تصبح أسفل أعين حماتها وتتقيد حركتها...
وقفت أمام الباب تطرقه منتظرة الرد بفارغ الصبر ...
في تلك اللحظات كانت افكار تستعد للرحيل وهي تودع جيهان، ثم تحركت صوب الباب الداخلي للمنزل تتفحص حقيبتها كي تتأكد أنها لم تنس شيئًا، وحينما كادت تفتح الباب سمعت طرقًا عليه .
فتحت افكار الباب وهي تستقبل فتاة تتشح بالاسود وتقف بشكل متعرج تقول ببسمة مغوية:
_ مساء الخير يا شاطرة طنط جيهان هنا ؟!
نظرت لها افكار من أعلى لاسفل بتفحص :
_ طنط جيهان جوا، اقولها مين ؟!
تحدثت أمنية وهي تدخل المنزل بصوت هادئ مبتسمة :
_ قوليلها أمنية جات عشان تسألها على حامد .
وبمجرد سماع افكار لاسم حامد حتى امتصت شفتيها بقوة وبانت ملامح الحسرة والقهر أعلى وجهها، وشرعت تمارس هوايتها المفضلة، ألا وهي الندب والنحيب :
_ سي حامد ؟؟ عيني عليه حظه قليل في الدنيا يا هانم .
نظرت لها أمنية بعدم فهم وقالت :
_ ليه كده ؟؟ حصل ايه ؟!
_ حصل ايه ؟؟ ده حصل وحصل وحصل يا ست هانم، انهاردة حصلت خناقة في الحارة بين سي حامد ومراته اللهي ربنا يهدي سرهم يارب ويبعد عنهم ولاد الحرام اللي دخلوا بينهم ..
اتسعت عين أمنية بعدم فهم :
_ مراته ؟!
هزت رأسها تقول بحسرة :
_ أيوة مراته الست الاء، ست زي حتة الدهب لو عاش يدور على واحدة زيها ما هيلاقي ضفرها، طب والله اقطع دراعي أما كانت فيه ست حرباية في الموضوع، هي تلاقيها ست دخلت لفت على حامد وخطفته من مراته، بس على مين يمهل ولا يهمل، بكرة ربنا يوريها الويل ويجمع شملهم تاني .
كانت أمينة تنظر لها بشر وعيون متسعة بغضب في اللحظة التي ارتفع بها صوت جيهان تقول بتعجب :
_ ايه ده أمنية عندنا في البيت ؟؟ خير يابنتي ؟؟
نظرت افكار لجيهان بفضول وهي تقول :
_ حضرتك تعرفيها يا ست جيهان ؟!
قالت جيهان متعجبة تعابير وجه أمنية التي كانت توحي بقرب انفجار مخيف ..
_ أيوة دي أمنية مرات حامد ....
وعند تلك الكلمات رأت افكار نهايتها في ذلك المنزل لاعنة لسانها الطويل وهي تهمس بصدمة مبتلعة ريقها :
_ مراته ؟؟؟؟؟
