رواية إعلان ممول الفصل الحادي عشر 11 بقلم رحمة نبيل & فاطمة طه سلطان

       


رواية إعلان ممول

الفصل الحادي عشر 11

بقلم رحمة نبيل & فاطمة طه سلطان


صلو على نبي الرحمة.


__________


أستدار الاثنان صوب داوود الذي كان يرمقهما بشر كبير، وهم شعروا بالخوف من نظراته، وداوود تقدم منهما يقول بشر موجهًا إصبعه صوب وجه افكار، وكل ما يدور في عقل أن تلك الفتاة أمامه لن تتوقف يومًا حتى تهدم منزله أعلى رؤوسهم، تتفنن في الخروج بأفكار كارثية لتحضر لهم مصائب من حيث لا يعلمون :


_ هو أنتِ دماغك دي ايه ؟؟ محشية بلاوي ومصايب ومنكرات؟!


شهقت أفكار بحنق مدافعة عن نفسها:


_ منكرات ؟؟ ليه مخبية خمارة في شعري؟؟.


صرخ في وجهها غاضبًا منها لما تفعل بنفسها وما تلقي بنفسها إليه :


_ لا مخبية أفكار سودة كلها غلط في غلط، اسمك أفكار وكل فكرة فيهم أسوء من اللي قبلها، مش فاهم أنتِ عايشة ازاي مع كمية الغلط اللي في حياتك دي ؟؟


فتحت أفكار عيونها بصدمة من كلماته :


_ غلط ايه !! أنت بتقول ايه أنا مش ...


قاطعها داوود منفعلًا ولا يدري سبب غضبه في هذه اللحظة :


_ أنتِ يابنتي مش حاسة بجد بكل الأفكار السيئة اللي أنتِ غارزة فيها؟! وبيئتك الغريبة وأفكارك اللي بتدل على جهلك ودماغك الفاضية، ومش مكفيكِ كل ده وجاية تسحبي أهلي معاكِ، لو سمحتِ ملكيش دعوة بيهم ولا ليكي دعوة بمشاكلنا العائلية.


شعرت أفكار بالصدمة من نظرته لها :


_ أنت بتتكلم كده على أساس أيه بالضبط ؟؟ أنا يعني اللي اخترت بيئتي ؟؟ لو كان كده فحقك عليا كان ذوقي زبالة واخترت اتولد وسط الجهل والفقر وبعدين أنا أفكاري مش غلط ومسمحش ليك.


تنفس داوود يشعر بالارهاق والصدمة مما قال في حين أن حامد والذي قد نساه الاثنان في خضم نقاشهم، كان يشاهدهم بحسرة :


_ يا جماعة الله يكرمكم خلوكم معايا وحلولي مشاكلي قبل ما تكملوا .


لكن أحدٌ منهم لم ينتبه له، بل ازدادت النظرات بينهما حدة وقالت أفكار بغضب قلما يظهر منها :


_ لو جهلي معصبك اوي كده مقعدني عندك ليه؟ اطردني وريح نفسك وريحني..


مسح داوود وجهه يحاول تبرير ما قال منذ ثواني :


_ أفكار أنا...


لكنها لم تسمح له تتحرك بعيدًا تاركة إياه ينظر لأثرها بحزن وغضب من نفسه، يبدو أن قد بالغ في كلماته...


وما هي إلا ثواني وبدأ يسب ذاته متحركًا صوب غرفته تحت أنظار حامد الذي كان يشعر بالحنق مما حدث :


_ طب وأنا ؟؟؟ اعمل ايه طيب ؟؟؟


صمت يزفر بضيق ثم تذكر كلمات وخطة أفكار غير المكتملة لترتسم بسمة مخيفة أعلى شفتيه:


_ وماله نجرب ...


______________


العودة إلى المنزل لا تجعله يشعر بالراحة إطلاقًا...

وكأنه سيتم وضعه في القفص بعد غيابه، وأنه قد وجد الحرية في منزل والدته، سخر من نفسه فالأمر يُعاد من جديد نفس الشعور الذي كان يراوده عند عودته إلى المنزل ومقابلة ألاء...


خلع حذائه ووضعه مكانه وكاد يتوجه إلى غرفة النوم ولكن استوقفه صوت وسط الاضاءة الخافتة وهي تقول:


_ما لسه بدري يا أستاذ حامد؟!.


سار حامد بضعة خطوات وأقترب منها ثم ترك قُبلة على رأسها وجلس بجانبها متمتمًا:


_معلش يا حبيبتي أنا انشغلت عنك الفترة اللي فاتت بس ماما مكنتش قادرة على الولاد لوحدها هي وداوود وقولتلك البنت اللي كانت بتساعدها مشيت ولما رجعت البيت تاني أنا رجعتلك علطول أهو.


غمغمت أمنية بسخرية وانفعال طفيف:


_والمفروض أنا عبيطة علشان أصدق حاجة زي دي صح؟!!.


نظر لها محاولا كتم غضبه مقدرًا أنه انشغل عنها وحاول أن يتحدث بنبرة لطيفة:


_هكدب عليكي ليه يا أمنية؟! ده اللي حصل ولو مش مصدقاني تقدري تسألي ماما أو داوود، وبعدين المفروض في ثقة بينا ولا أيه؟!.


_من ساعة ما اتجوزنا يا حامد وأنا مش شايفة أي حاجة تخليني أقدر أثق فيك أنتَ بتبعد عني كل يوم عن التاني وكل شوية ليك حجة جديدة وأنا زهقت وقرفت.


أردف حامد بضيقٍ:


_أنا جنبك يا حبيبتي وبعدت فين بس؟! هي الظروف مش أكتر.


نهضت وهي تقول في انفعال وقد يأست من كل تلك الحجج الواهية :


_أنا قايمة ألم هدومي علشان تروح تقعد جنب عيالك براحتك وأنا اروح اقعد مع أهلي، وأنتَ روح اهتم بعيالك ولما تعرف أنك اتجوزت واحدة المفروض تكون في حساباتك ابقي عرفني يا حبيبي.


قال حامد بعد أن نهض هو الأخر ووقف أمامها:


_اعقلي شوية يا أمنية أنتِ مش عيلة صغيرة ومن الاول عارفة أني مخلف بدل العيل ثلاثة واني طبيعي هفضل ملزوم بيهم حتى لو طلقت أمهم.


ضحكت بسخرية وهي تتحدث باستنكار شديد:


_ايوة أمهم اللي أنتَ لسه حاططها في دماغك لو عايز ترجعلها يا حبيبي روح ارجعلها وطلقني وريح نفسك والباب يفوت ألف جمل لو هتبيعني وهتكون مش عايزني مش هعوزك يا حامد.


أردف حامد ساخرًا وهو يشعر بالضيق:


_خليكي في بيتك يا أمنية بدل ما تروحي تنكدي على أهلك علشان أنتِ غاوية نكد، وشيلي ألاء من دماغك ألاء أصلا هتتجوز فريحي نفسك وخرجيها من دماغك، وأنا رايح اقعد عند أمي لغاية ما تعقلي وتراجعي كلامي في دماغك أنا مش هبقى على حد ينكد عليا عيشتي وغاوي نكد وده كان سبب طلاقي وجوازي منك، لما تعقلي كده وتعرفي إني عايز اعيش في روقان كلميني وأنا هجيلك.


أنهى حديثه ورحل تحت جنونه تاركًا أياها في صدمة من تهديده الواضح والصريح لها بأنه سيقوم بتركها إذا استمرت في نهج زوجته؟!!!!!!!..

هل هذا ما كان يقصده؟!..

بينما هو رحل ليفكر في تنفيذ فكرة تلك المعتوهة المسماة بأفكار.


_________


تجلس على فراشها منذ عودتها تبكي في صمت، دون قول كلمة واحدة كعادتها أو تقوم بالشكوى من الحياة وما تفرضه عليها من صعوبات لأول مرة تبكي في صمت وتشعر بالقهر الرهيب، واجهت الكثير من الأشياء المحزنة في حياتها، وبكت كثيرًا ولكن للمرة الأولى بعد وفاة والدها تشعر بهذا الألم يؤجج صدرها وقلبها.

هل يراها شيطانة؟!..

هي ليست انسانة جيدة في نظره، في الواقع هي لا شيء أيضًا، يراها مذنبة فتاة غير عاقلة غارقة في الأخطاء!!!


ولجت إلى الغرفة والدتها سكر تستند على عكازها التي تستخدمه أحيانًا، منذ عودة ابنتها وهي تعرف جيدًا بأن هناك شيء أصابها هي تشعر بها جيدًا وهي خير من يعرفها فجلست بجانبها على الفراش متمتمة بتردد:


_مالك يا بنتي بس أيه اللي صابك، المهزق اللي اسمه محمد كلمك تاني ولا أيه؟!.


قالت افكارة بنبرة هادئة رغم الدموع التي تهبط من عيناها:


_ولا كلمني ولا عبرني ولا يفرق معايا اصلا في داهية هو وامه.


_طيب مالك يا بنتي بس هتخبي على سكر حبيبتك لو مقولتيش لامك هتقولي لمين يا روح قلبي؟!.


استرسلت حديثها بتأثر بالغ وهي تلقي نظرة على المناديل الورقية المستخدمة والمبتلة الموجودة بجانب ابنتها على الفراش وفي سلة المهملات المتواجدة غلى الارض:


_وبعدين براحة على المناديل يا بنتي أنتِ عارفة علبة المناديل بكام؟!.


تحدثت أفكار في ضيقٍ ولم تمرح كما كانت تظن سكر:


_يعني كل اللي همك المناديل بكام ومش هامك أيه اللي مزعلني؟!! وبعدين أنا اللي دافعة فلوسها.


ضربت سكر بعكازها الارض قائلة في حسرة:


_كمان هتذليني على اللقمة وعلى أنك بتصرفي عليا دي أخرتها يا أفكار يا بنتي يا عكازي اللي المفروض يسندني؟!.


لن تنتهي والدتها ولن تتوقف قبل أن تجعلها تقتل حالها.....


_يا اما ارجوكي مش وقته أنا اللي فيا مش في حد، بلاش التلكيك والكلام ده سبيني لوحدي ياريت.


غمغمت سكر في حنان:


_اسيبك لوحدك ده ايه وبعدين أنتِ مش عارفة حركات أمك يعني؟! أنا بعمل كل ده علشان تفكي يا بنتي وتتكلمي معايا أيه اللي عامل فيكي كده قوليلي؟! واللي مضايقك أكله بسناني هو أنا عندي أغلى منك.


بكت أفكار وهي تقول بانفجار وبنبرة مهتزة ومرتجفة وكأنها طفلة صغيرة:


_في أني وحشة يا ماما شوفت نفسي إني وحشة اوي بسببه.


أنهت حديثها في بكاء شديد مما جعل سكر تأخذها في أحضانها بقلق فابنتها لا تصل إلى تلك الحالة إلا لو هناك كارثة.


فهي مرت بالكثير والكثير ولم ترى ابنتها بتلك الحالة أبدًا...


_مين المهزق اللي امه لسه مخلفتهوش وضايق بنت سكر، قطع لسانه اللي قالك كده؟!.


غمغمت أفكار بنبرة مختنقة:

_داوود طلعني وحشة اوي قدام نفسي ياما خلاني أحس ان كل حاجة في حياتي غلط وأن كل أفكاري سوداء.


_هو الواد ده ابن جيهان من ساعة ما اتعصب ساعة الفنجان وأنا عرفت أنه مش سهل ومنزليش من زور أكمن امك بتفهم في الناس والواد ده معدنه مش حلو.


تحدثت أفكار في توسل وكأنها تريد لأحد أن يخبرها بأنها فتاة جيدة ترغب في سماع ذلك:


_يا اما أنا مش بهزر بجد أنا مضايقة أوي قالي كلام يضايق وأول مرة أحس أنه معاه حق.


_كسر حقه، أنتِ ست البنات كلهم يا أفكار يا بنتي وبنت بمليون راجل كفايا أنك شايلاني ومستحملة عقل أمك اللي خافف في عز أن اخواتك الرجالة مبيسألوش فيا.


أبتسمت أفكار بألم وعقلها لا يصدق فنادرًا ما تتحدث والدتها بتلك الجدية:


_متقوليش على نفسك كده يا امي ده أنتِ البركة بتاعتنا أنا مليش غيرك يا حبيبتي ده واجبي.


_أنتِ أحسن بنت في الدنيا وبقولك أيه سيبي الشغل عند الواد ابن جيهان ده هو كل شوية هيرجعك مضايقة هو فاكر نفسه مين ده؟! بكرا يجيلك شغل غيره.


حديث والدتها صحيح فلتترك العمل لما تتمسك به؟!...

لكن هناك شيء بداخلها يمنعها من ذلك تحاول تفسيره بأنه احتياج مادي رُبما ولأنها تعلم أنها لن تجد عمل بسهولة والمرتب جيد جدًا وهي لا تفعل مجهود كبير مقارنة بأي عمل أخر..


ثم أسترسلت سكر حديثها في جدية:


_وبعدين أنا اصلا لما مسكت فنجانه اللهم أحفظنا يا بت يا أفكار شوفت سواد الواد ده مش سالك.


ضحكت أفكار من وسط دموعها قائلة:


_يا امي بطلي بقا قراءة الفنجان دي شكلها هي اللي جايبة لينا الكافية.


تحدثت سكر بجدية شديدة:


_خلاص سيبك من الفنجان هاتيلنا حتة من قطره قبل ما تسيبي الشغل وأنا هشتغل له في الأزرق.


أردفت أفكار في استنكار من افكار والدتها المريبة :


_يعني أنا بقولك تبطلي قراءة الفنجان علشان جايبة لينا الكافية تقوليلي هشتغل له في الأزرق يا أمي أنتِ لو بتعرفي تشتغلي في الازرق مكنش ده بقا حالنا.


قالت سكر مدافعة عن نفسها في حنان:


_يابت بهزر معاكي وبعدين يلا نقوم نعمل لينا فنجانين قهوة.


_يالهوي عليا، يعني بقولك ايه وتقوليلي ايه.


_خلاص نعمل شاي مدام القهوة بتعصبك يا بنتي.


نهضت أفكار مع والدتها وتوجهت صوب المطبخ محاولة أن ينتهي ضيقها فهي تعرف نفسها هي انسانة جيدة ترغب دومًا في مساعدة من حولها لم تفضل نفسها يومًا، نعم رُبما طريقتها مختلفة واسلوبها مختلف لكن كل ذلك بسبب ظروف حياتها التي مرت بها، لم تكن دومًا تعامل نفسها بأنها فتاة بل دومًا تجد نفسها رجل عليه الحفاظ على البيت والبحث عن لقمة العيش......


تريده إخباره بأنها فتاة جيدة ولكن نفضت تلك الأفكار فمن هو داوود حتى تثبت نفسها له؟!! 

هو رب عاملها ليس أكثر....


_____________


يجلس على فراشه وداخل عقله تدور مطاحن الذنب دون هوادة، كيف استطاع أن يحدثها بمثل تلك النبرة التي ستعطيها صورة هو لا يرغب في إيصالها، هكذا قد تعتقد به ما لا يقصد، لكنه بكل غباء أثبته، أثبت لها أنه يحتقرها وينبذها ويستنكر كل ما تفعل، وهو يشهد الله أنه يومًا لم ينظر لها بهذه الطريقة.


تنهد بصوت مرتفع يحاول أن يلغي شعور الذنب يقنع نفسه بحجج واهية لا أساس لها :


_ اكيد هي مش هتعلق على الكلمة وهتفهم إني مش قصدي حاجة، وهي أفكار عادي يعني ..


أبتلع ريقه وفي ثواني مرت لمحة لعيونها ونظراتها صوبه ليقول بتوبيخ :


_ لا مش عادي، مش عادي خالص مكنش ينفع تقول اللي قولته يا غبي .


واخيرًا صمت صوته الداخلي ليرتفع بالمقابل صوت آخر أشد قوة ولذوعًا، صوت ضميره الذي لم يتوانى لحظة عن تأنيبه بشدة عمل فعل ودون أن يشعر حمل هاتفه وامسكه ينظر له بشرود وداخل عقله لا يوجد سوى شيء واحد فقط ..


أن يصمت صوت ضميره وهذا لن يحدث إلا عندما يعتذر منها، لكن كيف يفعل ذلك، هل ينتظر للغد أم يتحدث معها الآن في الهاتف بعدما أجرى لها اتصالًا في وقت غير مناسب البتة ؟!


وفجأة عند تلك الفكرة انتفض جسده يحدق في الهاتف بصدمة كبيرة لا يصدق أنه اتصل بها، متى فعل ذلك ؟؟ هو لم يستوعب متى حمل الهاتف في الأساس، يالله ما الذي أصابه ؟!


وقبل أن يبادر بإغلاق المكالمة اختض جسده على صوت ناعس صادر من الجهة الأخرى :


_ الو ...


ابتلع داوود ريقه بصدمة وهو يحشر عقله في الزاوية يحاول أن يخرج منه بأي حجة تبرر اتصاله بها في هذا الوقت ..


وهي دون أن تقرأ الاسم أجابت:


_ ما ترد ردت المياة في زورك، متصل عشان تسمعني سكوتك ؟!


ورغم غيظه من وقاحتها إلا أنه تنحنح بهدوء شديد وهو يتحدث بصوت منخفض :


_ لا أنا بس كنت متصل عشان كنت ...كنت عايز...اصل...كنت عايز كوباية شاي .


وصل له صوت أفكار الناعس وبدأت تستوعب أنه داوود فهي تعرف نبرة صوته المميزة ونظرت إلى الهاتف لتجد اسمه يزين الشاشة :


_ اجي اعملك الشاي يعني ولا ايه ؟! عايز ايه أنت في ليلتك دي ؟!


_ لا أنا بس مكنتش لاقي برطمان السكر فبسألك يعني هو فين باين أنك غيرتي نظام المطبخ.


وصلت له سبة عبر الهاتف جعلته يبعده عنه بأعين متسعة وصدمة كبيرة، وقد على صراخ أفكار فيه :


_ متصل بيا ومصحيني من أحلاها نومة عشان مش عارف فين السكر ؟! 


_ وأنا....أنا يعني اعرف منين أنك نايمة .


_ اه صح ازاي يخطر على بالك أن فيه انسان نايم الساعة واحدة بعد منتصف الليل، شيء غريب فعلا.


أبتلع ريقه وهو يبحث داخل عقله الاحمق عن حجة أخرى :


_انا قولت هجرب وأنتِ لو صاحية هتردي، بعدين أنتِ فتحتي بسرعة كأنك نايمة على التليفون .


_ أنا نومي خفيف، قصره برطمان السكر في الرف الوسطاني على ايدك اليمين، حلو كده ؟!


ابتسم داوود بسمة صغيرة يردد بهدوء :


_ حلو ..


وقبل أن يسمح لها حتى بغلق الهاتف سارع داوود بالقول دون شعور :


_ أنا آسف..


قابله صمت من الجهة الأخرى ليبتسم مدركًا أنه صدمها بمبادرته، محقة فهو صدم نفسه قبلها، لكنه لن يتمكن من النوم هانئًا قبل أن يعتذر منها...


لكن فجأة فزع عن فراشه حين سماع صوتها الحانق الصارخ :


_ آسف بعد ايه يا عسل ما أنت خلاص طيرت النوم من عيوني، يصحيني وبعدين يقولي آسف.


اتسعت أعين داوود بصدمة من ردها :


_ لا مش قصدي على كده انا قصدي إني آسف على ...


_ خلاص خلصنا مش حوار هو روح اعمل الشاي ومتدوشنيش عايزة اتخمد .


وقبل أن تغلق الهاتف قال بسرعة :


_ آسف على كلامي ليكِ النهاردة مكنش قصدي والله، حقك عليا، سلام .


وهكذا أغلق الهاتف بكل بساطة وهو يتنفس ببسمة واسعة مرتاحة :


_ عملت اللي عليا الحمدلله، كده انام مرتاح البال ....


وعلى الطرف الآخر كانت هي متسعة الأعين فاغرة الفاه لل تصدق ما وصل لها منذ ثواني منه .

___________________


وفي الصباح التالي ..


استيقظ داوود وتحرك صوب الخارج كي يتناول فطوره ويرحل لعمله، لكنه اصطدم فجأة بافكار التي تراجعت للخلف تقول بحنق :


_ ما تفتح يا جدع أنتَ ماشي تدوس على خلق الله في طريقك، يلا عشان تفطر .


تحرك خلفها داوود وهو يشعر أنه هو من يعمل لديها وليس العكس، جلس على الطاولة في المطبخ يقول بهدوء :


_ امال فين الباقيين ؟!


_ الاولاد وجيحي فطروا من بدري متبقاش غيرك ..


صمتت ثواني ثم قالت بسخرية :


_ تحب اعملك شاي ؟؟


نظر لها بعدم فهم لتحمل هي وعاء السكر تشير :


_ عرفت السكر فين ؟؟


غص داوود في طعامه يتذكر اتصال البارحة، لكنه هز رأسه بكل هدوء :


_ أيوة عرفت، تسلمي تعبتك معايا .


_ لا يا خويا متعبتنيش معاك، أنت صحيتني من النوم .


نظر لها بحنق ولم يتحدث وشرع يتناول فطوره، لكنها لم تصمت إذ أخذت تشير على جميع الأشياء داخل المطبخ وهي تقول :


_ وهنا الكمون والفلفل وكل التوابل اللي ممكن تحتاجها، والرف اللي تحت ده هتلاقي فيه السكر والقهوة والشاي، وعلى ايدك الشمال هتلاقي عندك لوازم الشوربة حبهان وورق لورى وكل ده عشان لو نفسك في نص الليل هفتك على شوية شوربة سخنين متبقاش تصحي خلق الله معاك .


زفر داوود منتفضًا عن المقعد يقول بغيظ :


_ خلاص آسف، قولت آسف ميت مرة، اقولك اول واخر مرة اتصل بيكِ يا افكار، ندمتيني إني رفعت سماعة التليفون يا شيخة .


نظر لها بحنق وغضب ثم رحل، ولكنه عاد مجددًا بسرعة يقول :


_ واحدة مستفزة ..


ختم حديثه يرحل تاركًا أفكار تضحك بصوت مرتفع خلفه وهي تهز رأسها بيأس عليه، تدرك جيدًا أنه داخله يمتلك شخصًا حنونًا طيب القلب، ولكنه فظ أحيانًا...


تنهدت وهي تجلس لتتناول فطورها مبتسمة بسمة صغيرة ...


__________


"بتعملي ايه؟!".


_اهو كنت قاعدة مع ماما بنرتب الدعوات ولما أتصلت دخلت جوا ورديت عليك.


أتاها صوته الساخر:


"غريبة يعني أنك مصممة تعملي دعوات كارت والكلام ده بطل في الغالب كله بيعمل دعوة على اي ابلكيشن وينزلها للكل وخلاص".


لم تعجبها سخريته من تفكيرها ولكنها هتفت في نبرة هادئة:


_لا أنا بحسها أشيك وأقيم أن كل واحد يروحله دعوة بأسمه وبعدين أنا كنت عايزة أكلمك في موضوع كده.


"اتفضلي يا حبيبتي".


_أنا عايزة أكون بشعري يوم الخطوبة...


وبلا وعي منها أخذت تقدم تبريرات قبل أن تسمع رفضه كأي رجل كما كانت تتوقع:


_يعني مش عايزاك تزعل كل البنات بتبقى أحسن بشعرها في الصور وفي كل حاجة يعني وبعدين ده يوم في الأول والأخر.


أجاب على حديثها موافقًا:


"خلاص اعملي اللي أنتِ عايزاه يا حبيبتي مادام هيريحك، أنا هقفل دلوقتي علشان أنا بس سايق لما أوصل هكلمك".


_خلاص ماشي سلام.


"سلام".


أنتهت المكالمة بينهما بسلام، وهي تشعر بالسعادة العارمة يبدو أن ياسر غير داوود الذي كان يتفنن لأن يتحكم بها، هو يريد راحتها وأن تصبح هيئتها جميلة ولا يجادلها من أجل أمر تريده.


ابتسمت ثم تركت الهاتف وخرجت من الحجرة لتجد والدتها جالسة على الأريكة ملتقطة أحد الأوراق تنظر لها في بلاهة ومجرد ما أن وجدت ابنتها أمامها صرخت في انفعال:


_أنتِ يا بنت أنتِ أيه اللي هببتيه ده؟!.


توترت روضة وأتى في عقلها فورًا ما فعلته ومع ذلك أجابت على والدتها بثبات:


_في أيه يا ماما عملت ايه يعني؟!.


_أنتِ عاملة دعوة هتبعتيها لعيلة داوود؟!...


هزت رأسها في إيجاب مما جعل والدتها تعقب بجنون:


_أنتِ اتجننتي ولا جرا لعقلك أيه؟.


_اتجننت ليه يا ماما بس؟! ايه المشكلة لما أعزم عيلة داوود مهوا جارنا هو ومامته ونعرفهم من سنين.


خرجت ضحكة ساخرة من والدتها قبل أن تقول:


_مفيش حاجة يا بنتي خالص بمنتهي البساطة كل الحكاية أنه كان خطيبك مش أكتر.


_أديكي قولتي كان، وبعدين المواضيع دي قدمت دلوقتي كل واحد بيعزم اللي كان خاطبها واللي كان متجوزها والعكس صحيح، يعني مبقاش حد حاطط الكلام ده في دماغه الناس فاهمة أن في الاول والاخر نصيب.


صرخت والدتها في انفعال:


_أنتِ عايزة تعملي مشكلة صح؟!! ولا عايزة ايه بالظبط مبقتش افهمك وبلاش كلام الأغاني وكل شيء قسمة ونصيب ويجوا خطوبتك عادي ده كلام فارغ..


قاطعتها روضة بإصرار:


_هعزمهم يا ماما وهبعت ليهم الدعوة النهاردة، لازم يفهموا ويعرفوا أن جه اللي يقدرني واللي بيحبني بجد، حتى لو مش هيجوا كفايا أن الخبر يوصل لغايت عندهم.


أدركت والدتها في تلك اللحظة أن ابنتها تخطط لشيء لن يكون بالسار أبدًا، وللحظة شعرت بالحسرة وهي تراها تتدحرج صوب الهاوية دون أن تستطيع مساعدتها، ووالدها هو من يدحرجها على منحدر أفكارها .


فقط تأمل أن ينتهي كل شيء على خير، وألا ينتهي ذلك المنحدر بسور تصطدم به بقوة ويهشم جسدها .


___________


فتحت جيهان الباب لتجد أمامها طفل صغير من أبناء أحدى النساء التي تعرفهم ليعطيها ظرف ورقي مكتوب عليه اسم العائلة، وأخبرها بأن روضة أخبرته بأن يعطيه أياها ثم ركض...


_من امتى الحداية بتحدف كتاكيت!!


كان هذا تعقيب جيهان وهي تغلق الباب، وتفتح الظرف أخرجت الورقة المتواجدة بداخله  بفضول وعفوية شديدة وأثناء قرأتها للورقة بعيناها شهقت غير مصدقة وقاحتها.


شهقة هرعت على أثرها افكار وهي تراقب ما يحدث أمامها ..........


           الفصل الثاني عشر والثالث عشر من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا 

تعليقات



<>