رواية عائشة الفصل العاشر 10 بقلم رانيا البحراوي

         


رواية عائشة

الفصل العاشر 10 

بقلم رانيا البحراوي


استتشقت عائشة هواء برائحة الوطن تدمع له العين ويأن له القلب، مصر بشعبها ذو الأبتسامة النابعة من القلب.


استقلت سيارة أجرة لكي تذهب إلى منزلها وقبل ان تصل إلى هناك، راسلت يوسف تخبره بوصولها وتسأله هل

هؤلاء الرجال اللذين سبقوا وسألوا عنها مازالوا يترددون على المنزل.


فرح يوسف جدا بعودتها وأخبرها انهم يأسوا من كثرة السؤال عنها منذ فترة طويلة. 


يوسف :أين انتِ الآن؟ 

عائشة :بالطريق إلى المنزل. 


سأنهي العمل سريعا وأمر لرؤيتك قبل الذهاب لبيع القهوة. 


عائشة :اشتقت لذلك المكان كثيرا، إذهب إلى هناك وسأرتاح قليلا ثم ألحق بك لكي أرى كيف اصبح المكان. 


يوسف :اتفقنا ولكن لا تتأخري. 


ماان وصلت عائشة لمنزلها وقامت بفتح الباب وانفجرت بالبكاء وكأنها إذا دخلت غرفة والدها سيستقبلها بأبتسامته الحنونة. 


ألقت بنفسها على سريره ولم تهتم لتلك الأتربة المتناثرة بكافة أنحاء الغرفة والمنزل. 


غفت عيناها وسمعت صوت والدها يناديها اش أوش أين الشاي؟ 


قامت تهرول لتعد له الشاي فرأت العنكبوت وقد بنى له بيتا بالمطبخ أخبرتها خيوطه بأنها لاتنسج إلا بهجران المكان بفقدان الأمان، أيام مضت دون أن تمضي ذكراها من بين الجدران لو نطقت تلك الجدران لتحدثت كيف مر الزمان وكم فقدنا من أمان، كم فقدنا من حنان تمنت عائشة لو تعانق تلك الجدران. 


لم تستطع عائشة النوم بالمنزل دون والديها فبدلت ملابسها وذهبت إلى يوسف. 


فرح يوسف جدا برؤيتها وقال :لم تتغيري مطلقا. 

عائشة:أنت تغيرت، أطلقت لحيتك، أرى أنها تليق بك اصبحت أكثر نضوجا. 


يوسف :نضج عقلي وفكري وتلك الأشياء التي كانت تبهرني بالماضي اكتشفت أنها بريقها لا يستمر بالعين كثيرا. 


عائشة :تمهل فلم اعتاد منك من قبل على كل هذا النضوج، أخبرني كيف حالك وحال والدتك وحال باقي الجيران فلم أرى احد منهم، ظلت عائشة تسال عن كل سكان الحي ولم تنسى النجار والبقال وصاحب المخبز. 


يوسف :دعيني التقط انفاسي، جميعهم بخير، اخبريني كيف حالك أنتِ، وماسبب استقرارك بالسعودية ألم تخبريني انكِ ستذهبين برحلة حج فقط. 


عائشة:هناك أشياء حدثت سأخبرك بها لاحقا. 

يوسف :أين والدتك الآن؟ 


عائشة :بالسعودية. 

يوسف :لماذا؟ ألم تعودي إلى مصر بشكل نهائي؟ 

عائشة :أتيت في زيارة سريعة وسأعود للسعودية قريبا. 


يوسف بفزع :لماذا؟ 

عائشة:هكذا يتطلب الأمر حاليا. 


يوسف بغضب :ماتلك الردود الغامضة، لم اعتاد منكِ على ذلك من قبل. 


ارادت عائشة تغير الموضوع وسألته عن خطيبته سهيلة ولماذا لم يتزوج إلى الآن؟ 


يوسف :اخبرتك منذ قليل انني اصبحت انضج،اكتشفت ان الجمال وحده غير كافي لأنشاء أسرة سعيدة، عندما تمت خطبتنا ومع اول مرة ازورها اختفى بريق جمالها بعيني عندما رأيتها كيف تعامل والديها. 


عائشة:كيف كانت تعاملهم؟ 

يوسف :وقعت عيني عليها وهي تحدق بوالدتها بغضب كي تتوقف عن الكلام وطلبت من والدها أن يذهب ويرد على اتصالاته بغرفة أخرى وكأن صوته يزعجها هذا ماأظهرته في المرة الأولى فقط غير انها لم تساعد والدتها مطلقا في تجهيز السفرة أو جمعها حتى لاتكسر اظافرها. 


حزنت عائشة فهي لاتحتمل ان يسئ أحدهم لوالديه. 


يوسف :كم ندمت لانني أحببتها في يوم من الأيام يبدو أنني حين كبرت معك ظننت ان كل الفتيات تتمتع بطيبة القلب مثلك. 


عائشة:كل فتاة بها مايميزها ولديها بعض العيوب عليك أن تجد من تتكيف مع عيوبها لا ان تغيرها وأنما تحبها كما هي حتى بعيوبها. 


يوسف:حاولت ولكن يبدو أنني كنت أبحث في الطريق المعاكس بينما كانت أمامي الفتاة التي تبهرني بكافة مميزتها عمي قلبي عن رؤيتها بذلك البريق الزائف الذي أبهر عيني وبمرور الأيام لم يستطع أن يبهر قلبي لأنه رائف غير حقيقي. 


يوسف أكتشف بعد غياب عائشة أنها هي التي كانت تضئ حياته وببعدها افتقدها وبرؤيتها تأكد أنها هي التي يبحث قلبه عنها. 


يوسف :ماذا عنكِ هل ارتبطي بأحد؟ 

عائشة:تزوجت. 

يوسف:ماذا؟ 

عائشة :تزوجت برجل سعودي ولدي منه طفل يدعى نور. 


تفاجئ يوسف كثيرا بسماع ذلك وسألها لماذا لم تخبره من قبل؟ 

عائشة :لم أخبر أحد لأنني فقدته سريعا بعد أيام من زواجنا. 


يوسف:أين الطفل الآن وكم عمره؟ 

عائشة :اربع سنوات؟ 


يوسف:ولكنك سافرت منذ اربع سنوات فقط. 

عائشة بارتباك:هو اصغر من ذلك ثلاث سنوات وثلاثة اشهر ولكنني اتعجل حتى اراه كبيرا. 


ارادت عائشة لفت انتباهه إلى موضوع آخر. 


عائشة :هل افتقدني أحد غير هؤلاء الرجال؟ 

يوسف :من هؤلاء الرجال؟ 

عائشة :إنهم من طرف قريب لي كره أن ارث أخيه. 

يوسف:هل يهددك أحدهم بشئ؟ 

عائشة :دعنا من ذلك وأجب عن سؤالي على افتقدني أحد غيرهم هل مثل عم إبراهيم (عامل النظافة) مثلا؟ زميلاتي المدربات والأطفال؟ 


يوسف بحزن :عم إبراهيم حزن جدا لفراقك لم أكن أعرف أنك كنتِ تقدمين له القهوة مجانا باخر اسبوع بالشهر 

عائشة :كنت ادفع ثمنها بنفسي. 

يوسف :اخبرني بذلك بأنه كان يرفض أخذها ولكنك اخبرتيه بأن ابنتك تدفع عنك، ليس هو فقط الأطفال لم يملوا من سؤالهم عنكِ وهذا الشخص الغامض خالد بيه كان يمر من هنا دائما ويسأل عنكِ ثم أصبح بعد ذلك يمر دون أن يسأل عنكِ ولكن عيناه كانت تجول المكان بحثا عنك. 


ضحكت وقالت :تذكرته ولكن لماذا يسأل عني؟ 

يوسف:يبدو أنه اعجب بكِ فكان لايشرب القهوة إلا من يدك الآن يكون المكان مغلق كل صباح فأصبح يمر مساءا ويشرب القهوة من يدي مضطرا. 


عائشة:إنسان غريب، كنت ارتجف برؤيته. 

يوسف:حدثني يوما عن شئ ولم افهمه؟ 


خافت عائشة وظنت أن خالد اخبره بحبها ليوسف بالماضي وحاولت تغيير الموضوع. 


يوسف :أخبرني انني سبب هروبك، لماذا ظن انني سبب تركك للبلد 

عائشة :لا أعلم. 


نسيت عائشة ذلك الحب الذي كان بقلبها ليوسف واحتل قلبها حبها لجمال وذكراه التي لاتفارق عقلها مازالت تحزن عليه وترى في نور أنه قطعة منه وان واجبها في حمايته أهم من الزواج والحب بالنسبة لها. 


اتصلت والدة عائشة في هذه اللحظة لتطمئن على عائشة واراد نور التحدث معها. 


نور :اش اوش متى ستأتي ولماذا لم تأخذيني معك. 

تحدثت عائشة مع نور وأخبرته أن ينهي طعامه ولا يرهق ماما. 


شعر يوسف بذلك الغموض الذي يحيط بعائشة وانزعج من ذلك الشعور فكانت بمثابة المرآة بالنسبة له، كلما نظر إليها عرف ماالذي يمر بعقلها وكانت تحكي له كل تفاصيل حياتها دون أن تخفي عنه شيئا، الآن تخبره انها تزوجت ومات زوجها وانجبت كأنها ليست صديقة طفولته التي يعرفها. 


أنهت عائشة الإتصال وتجولت بالمكان ترى ماالذي تغير.


يوسف :قمت بتغير الطاولات والمقاعد واشتريت ماكينة اسبرسو جديدة.


عائشة :كل شئ تغير إلا تلك السيارة لا تفكر في تغييرها إنها ذكرى أبي.


يوسف :أعلم ذلك  لا تخافي لن اغيرها، كل شئ تغير حتى أنتِ. 

ولكي تهرب عائشة قالت :سأعود إلى المنزل الآن كي استريح.


بينما تأخذ عائشة حقيبتها وتستعد للذهاب توقفت سيارة سوداء زجاجها قاتم اللون.


يوسف:إنها سيارة خالد بيه، جدد سيارته ولكنها لا تختلف كثيرا عن التي تسبقها، اتسائل ماذا ستكون ردة فعله عندما يراكِ؟


نزل رجب السائق تفاجئ برؤيتها تذكرها على الفور وفرح برؤيتها.

رجب :كيف حالك يابنيتي 

عائشة :امازلت تعمل مع هذا الرجل؟

رجب :إن الشدة تضح عليه ولكنه طيب القلب.


فتح خالد النافذة ليتفقد عودة إبراهيم فرأى عائشة.

نزل خالد من سيارته مسرعا، ليرى هل هي عائشة حقا أم أنها فتاة تشبهها، بالاقتراب تأكد انها هي فلا توجد فتاة تشبهها، عائشة تملأ المكان بهجة وعرف أنها هي بسماع ضحكات ابراهيم ويوسف.


لم تراه عائشة وهو يقترب لانها كانت منشغلة بالحديث مع إبراهيم وتفاجئت بوجوده امامها ففزعت وقالت :ماما.


ضحك خالد وسألها :أين ذهبتي ولماذا؟

 اضأت السعادة  وجهه برؤيتها، لمعت عيناه وأختفت أحزانه، نظر على الفور إلى يدها وازدات فرحته عندما لم يجد بيدها خاتم خطبة أو زواج.


انشغل يوسف بتحضير القهوة وطلب خالد منها التحدث قليلا.


جلس على إحدى الطاولات وطلب من رجب العودة إلى السيارة لانه سيتناول قهوته هنا.


ظلت عائشة بمكانها وقف خالد مرة أخرى وحرك لها المقعد لكي تجلس معه.


عائشة بابتسامة :هذه المرة الأولى التي يحرك أحدهم المقعد لأجلي مثل الأفلام.


ضحك خالد قدم يوسف القهوة وجلس معهم على نفس الطاولة انزعج خالد واخبره أنه يريد التحدث مع عائشة.


رفض يوسف ولكن بعد دقائق توافد الزبائن عليه وانشغل بهم.


خالد :أين ذهبتي؟

عائشة :ذهبت لأداء فريضة الحج برفقة والدتي ثم فضلنا البقاء هناك.


خالد:سألت عنكِ كثيرا؟

عائشة :لماذا؟

خالد :لماذا! تتسائلين حقا لماذا؟ ألا تعرفين السبب؟ 

عائشة:لا أعرف. 

خالد :أعجبت بكِ حقا وكنت انتظر حتى تتجاوزين حبك ليوسف لكي أخبرك بمشاعري، هل مازلتِ تفكرين به؟


عائشة :لا أفكر به أو بغيره أنا لا أفكر بالزواج أو الارتباط لدي مسئولية أهم بكثير. 


خالد:ماهي هذه المسئولية؟ 

عائشة بارتباك :ليس من شأنك. 


خالد :هذه ليست إجابة سؤالي. 


عائشة :أنا من يقرر ذلك. 

خالد :وماذا عن اعجابي بكِ؟ 

عائشة :اسفة لست مستعدة للارتباط. 


حزن خالد ولكنه لم ييأس وطلب رقم هاتفها وأصر على ذلك لأنه سبق وطلبه من يوسف وكان يرفض دائما. 


رفضت عائشة في بادئ الأمر ولكن بالنهاية منحته رقمها حتى تتخلص من اصراره. 


باليوم التالي استيقظت عائشة مبكرا وذهبت إلى المجلس الحسبي وعلمت ان الإجراءات لسحب المال كثيرة جدا وهناك سيدات احبطن من هذه الإجراءات 

وهناك سيدة اخبرتها لابد وأن تتصرف لأنها اذا انتظرت صرف المصروفات الدراسية من المجلس قد يمر الوقت ولاتستطيع التقديم ويضيع ابنها عام من عمره، غير أن هناك موظف اشترط عليها رؤية الطفل قبل صرف المال للتأكد من أنه على قيد الحياة. 


لم ينتبه الموظف المكلف من قبل شقيق جمال بوجود عائشة فقد مر الأمر وقت طويل. 


باقي ج١٠

اتصلت عائشة بوالدتها وأخبرتها بضرورة عودة نور لانهاء لكي توافق المحكمة على سحب المال.


الأم :هل العودة آمنة بالنسبة للنور ولكِ؟

عائشة:اطمئني ياامي سألت يوسف والجيران وعلمت ان شقيق جمال ترك البحث عنا، عليكِ ان تأتي خلال هذا الاسبوع، سأقوم بحجز تذاكر الطيران واخبرك بالموعد.


في اليوم التالي ذهب خالد لشراء القهوة ولكنه لم يرى عائشة اتصل بها ولم تجيب وذلك لأنها نسيت تسجيل اسمه، قام خالد بمراسلتها وكانت نائمة بسبب ارهاقها صباحا بالمجلس الحسبي.


مر بعض الوقت

استيقظت عائشة ورأت رسالة خالد وقد كتب بها اريد الاطمئنان عليكِ، ارجو الإتصال بي.


اتصلت عائشة وسمعت بجانبه ضوضاء وكأنها مشاجرة. 

عائشة :سانهي الاتصال حتي تنهي مشاجرتك فلا اسمع شيئا. 


خالد:لا اتشاجر انه صوت التلفاز. 

عائشة :ماذا تريد؟ 

خالد :لا اريد شيئا سوى سماع صوتك والاطمئنان عليكِ، أخشى أن استيقظ يوما اكتشف انكِ تركتي البلاد مثلما حدث بالسابق. 


عائشة :هذا ماسيحدث بالفعل فزيارتي للقاهرة مؤقتة. 

خالد:لماذا؟ 


عائشة :ليس من شأنك؟ 

خالد:هذه ليست إجابة سؤالي. 


ضحكت عائشة لأن هذا الحوار دائما ما يتكرر بينهم. 


خالد :تمنيت كثيرا عودة ضحكتك، الشئ الوحيد الذي تغير بكِ منذ عودتك هو انطفاء ضحكتك وهناك شيئا آخر 


عائشة :ماهو؟ 

خالد :ازداتِ جمالا. 


خجلت عائشة من كلماته وأنهت الاتصال. 


شعر خالد أن عائشة هي النور الذي سيضئ له حياته وقرر أنه سيبذل أقصى جهده حتى يفوز بحبها. 


مر اسبوع تقريبا 

لم يمر يوما دون أن تذهب عائشة إلى المجلس الحسبي لمتابعة الإجراءات وعادت والدتها واستقبلتها عائشة بالمطار وقفز نور إلى حضنها يبدو أنه افتقدها. 


في اليوم التالي 

قررت عائشة ان تساعد يوسف في بيع القهوة طوال فترة اقامتها بالقاهرة كي تزيد من دخلها أخذت منه المفتاح واستيقظت صباحا لفتح المكان ولكنها قبل أن تذهب إلى بيع القهوة ذهبت إلى الجامعة فقد قامت بتأجيل الدراسة طيلة السنوات السابقة. 


رفعت عائشة التأجيل وقررت ان تستانف دراستها مرة أخرى فقد كبر نور وتستطيع تركه مع والدتها بالسعودية والعودة في فترة الامتحانات فقط. 


بالجامعة اتصل عليها نور يخبرها أنه انزعج منها لأنها تركته مرة أخرى. 


لم تذهب عائشة لبيع القهوة وعادت إلى المنزل. 


أخبرت يوسف أنها لم تستطع فتح المكان فسألها عن المفتاح. 


عائشة :انه معي سأتي إليك لاجلبه لك. 


تشبث نور بها ولم يتركها فأخذته معها. 


بقيت عائشة لكي تساعد يوسف في فتح المكان وهناك تعرف على نور وأحبه كثيرا. 


طلب نور مساعدتهم فقام يوسف باعطاءه فوطة وطلب منه تنظيف الطاولات وعندما يجلس أحد الزبائن اسأله ماذا يطلب؟ 


مر خالد بهذه الاثناء وعندما رأى عائشة نزل من السيارة ليشتري القهوة بنفسه، جلس على الطاولة فأقترب منه نور وسأله ماذا تريد؟ 


خالد :قهوتي المعتادة. 


قال نور :حاضر فأكتشف خالد أن نور الدغ في حر الراء مثله فضحك له وقال تتكلم مثلي. 


نور :أنا تكلمت اولا انت الذي تتكلم مثلي. 


خالد :من أنت؟ نظر خالد ليوسف وسأله هل هذا ابنك؟ 


ردت عائشة وقالت :لا أنه ابني أنا. 


             الفصل الحادي عشر من هنا 

لقراءة باقي الفصول من هنا

تعليقات



<>