أخر الاخبار

رواية ابنة القمر الفصل الاول 1 بقلم فاطمه الألفي

 


رواية ابنة القمر

الفصل الاول 1

بقلم فاطمه الألفي 


لا تكره الشمس ولكن تحلم باليوم الذي تعانق به أشعتها الذهبية، ولكن تخشى حدوث ذلك.

لم تسلم من كثرة الأقاويل حولها، تتعرض دائما لتنمر ولكن أرادت أن تتحدى نفسها وتثبت للجميع بأنها القوية، التي تقدر على التحدي وتتغلب على معاناتها.

"وتين" فتاة جميلة بملامح جذابة تمتلك وجها مستديرا كالقمر وشديدة البياض تتميز بالنمش الكثيف وذات شعر أحمر في الثانية والعشرين من عمرها، تعاني مرض متلازمة جفاف الجلد المصطبغ، هو حساسية مفرطة من الأشعة فوق البنفسجية القادمة من أشعة الشمس أو من بعض الإضاءات المعينة.

وإذا لم يتم حجبه، يتطور المرض ويتحول مع مرور الوقت إلى سرطان الجلد، ويطلق على حاملي المرض (أطفال القمر). 


كانت تجلس بغرفتها كعادتها، فتلك الغرفة الصغيرة هي عالمها الخاص، تجلس أعلي مقعدها خلف  مكتبها الصغير وتنظر لشاشة الحاسوب باهتمام وتدق بأناملها الرقيقة أعلى لوحة المفاتيح بعض الكلمات التي تريد البوح بها من خلال تلك الشاشة؛ فهذه وسيلتها الوحيدة للتواصل مع العالم الخارجي؛ فهي تشعر بالغربة وسط العالم المحيط بها.

تشعر بأن القريب يبغضها وينفر منها، فماذا عن الغرباء التي لم تعرفهم.

دقت بأناملها ما تكنه داخلها من شعور خفي.

(تلك الحياة هي غربتي، لم أحسها منذ أن كنت طفلة صغيرة وأنا حبيسة غرفتي وأشعر بالغربة؛ فكل من حولي ينظر لي وكأنني منبوذة؛ فأنظر إلى نفسي في المرآة وأدقق النظر بوجهي، ولكن لم أشعر بالنفور أو القبح.

فقد ميزني الله تعالي بوجه حسن، ولكن أتساءل داخلي كل ليلة وأنا بين جدران تلك الغرفة ماذا يرون بوجهي كي يجعل الجميع ينفرون من لقائي والتطلع إلى وجهي؟!


فالشخص الوحيد الذي ينظر لي بحب حقيقي هي والدتي الغالية، هي جسر أماني وعالمي الجميل.

أحبك يا أمي يا أعظم نساء الكون، يا بئر أماني ومنبع حناني)

****


"حاتم شريف" كابتن طيار، أربعة وثلاثون عامًا، ذو بشرة قمحية وعينين بلون أوارق الشجر الأخضر، شعر بني ناعم ولحية وشارب يزيدون من وسامته، متعدد العلاقات بالجنس الآخر.


بمدينة روما الساحرة، كان داخل غرفته بالفندق ينعم ببعض الوقت مع الفتاة التي تعرف عليها ليلا داخل الملهي الملحق بالفندق، واصطحبها معه لغرفته لقضاء وقت ممتع  معا.


استيقظ حاتم من نومه، ألقى نظرة خاطفة على الفتاة التي جانبه بالفراش ثم نهض ليدلف داخل المرحاض لينعش جسده بالماء البارد قبل أن يستعد لمغادرة الفندق ومن ثم يتوجه إلى مطار روما فلديه رحلة على متن الطائرة العائدة إلى القاهرة.


وبعدما بدل ثيابه وارتدى بذلته الخاصة ككابتن طيار، اقتربت منه تلك الفتاة وهمست أمام شفتيه بعد أن طبعت قبلة رقيقة أعلاهما:

-مذهل بهذه الثياب.

ابتسم بغرور وهتف وهو يضع الكاب أعلى خصله البنية:

-أنا مذهل في جميع أحوالي.

-سوف أشتاق إليك.

طبع قبله رقيقة أعلى وجنتها وقال وهو يهم بمغادرة الغرفة: 

-وانا أيضاً سوف أشتاق إليكِ عزيزتي.

- هل سنلتقي مرة أخرى؟

لاحت شبه ابتسامة وقال ساخرا: 

-ولمَ لا؟

ثم غادر الفندق على الفور وهو يسحب حقيبته خلفه، يتنفس الصعداء ويهمس داخله: 

-لقاء ثاني! تتوهم ذلك، هو لقاء واحد وكفى، أنا مثل الطير أُغرد من غصن لغصن آخر بلا أغلال تُقيدني.

**

"بالقاهرة داخل منزل حورية"

طرقت والدتها باب غرفتها ثم دلفت برفق، تركت الحاسوب وتطلعت إلى وجه والدتها البشوش، لتقف "حورية" خلف ابنتها وهي تحاوط كتفها ومالت على أذنها قائلة:

- حبيبة ماما، ممكن ترك الحاسوب من يدكِ الآن وتخرجين لتجلسي مع أولاد خالتك؛ فالجميع ينتظرك وأنا سوف أصنع البيتزا الشهية لتناول العشاء معًا.


أغلقت الحاسوب على مضض ثم هزت راسها بالإيجاب:

-سوف ألحق بكِ.

تركت حورية الغرفة ثم توجهت إلى المطبخ لتعد لهم وجبة العشاء، اما عن وتين؛ فزفرت بضيق وهي تغادر غرفتها متوجهة لغرفة الصالون لكي ترحب بخالتها وابنيها التي لم تسلم من سخافة لسانهما السليط؛ فهي تبغض التعامل معهما من أجل أنهما دائما الاستهزاء بها.

وقبل أن تدلف لداخل الغرفة استمعت لهمسات خالتها وهي تقول لابنها البكر "نادر":

-ما رأيك في ابنة خالتك؟ اريدك أن تتزوجها فلن تجد فتاة مثلها، فلديها من الجمال ما يسر الناظرين وعلى خلق حسن، حقا فتاة لا مثيل لها وإذا قبلت بها فستظل دعواتي تلاحقك.

ضحك نادر بصخب ثم نظر لوالدته:

-حقا تريدين أن أتزوج ابنة خالتي "وتين"!

ثم استطرد قائلا باستهزاء مبطن: 

-وماذا أفعل بها إذن؟ أنا أريد زوجة أظهرها لكل من حولِي، أصطحبها معي بكل مكان، وابنة شقيقتك لن تكون الزوجة المناسبة لي.

 ضحكت شقيقته ومالت على نادر قائلة بمرح:

- يا للعجب! فإذا تزوجت بها فتكون زوجة في الليل فقط.

أردفت قائلة بسخافة:

-ولكن عليك أن ترضى بها وتتزوج بغيرها  زوجة بالنهار وتترك وتين لظلام الليل التي تعشقه؛ فسوف تكون 

محظوظاً يا اخي.

هتفت والدتهما بغضب:

-اصمتا، لا أريد سماع تلك الترهات، أجننتما؟ لماذا تتحدثان عن ابنة شقيقتي بهذا الاستهزاء؟

ثم رمقت "نادر" بنظرات غاضبة: 

-وأنت من أين علمت بأنها سوف توافق عليك زوجًا لها؟ ألا ترى نفسك وأفعالك الحمقاء؟ فأنت زير نساء والله لا أرضى بك لوتين فأنت لم تدرك قيمة تلك الجوهرة النادرة.

انسابت دموعها وعادت أدراجها إلى حيث غرفتها فقد سئمت ذلك التنمر الذي يلاحقها منذ أن كانت فتاة صغيرة بالروضة وإلى الآن لم تسلم من نظرات المقربين.

**

بمكان آخر بعيداً عن ازدحام القاهرة وشوارعها  بمدينة "العالمين" كان شاب وسيم يسبح داخل حمام السباحة الملحق بفيلته، شاب قمحي طويل القامة بجسم رياضي، ذو ثلاثين عاما.

يتميز بشعره الأسود الكثيف الذي يغطي عنقه وعينين بلون العسل وغمازة بذقنه تزيد من وسامته.

أتت الخادمة تهتف منادية إياه:

-سيد "أمان" "أشرقت" هانم هاتفتك كثيرًا وأخبرتني بضرورة الاتصال بها.  

كان يسترخي بجسده داخل المسبح ولكن عندما ركضت إليه الخادمة وهي تحمل بيدها هاتفه الخاص، نهض من المسبح ثم التقط منها المنشفة وضعها أعلى شعره المبتل وسحب البرنس الخاص به وارتداه، ثم التقط منها الهاتف وهو يضعه أعلى أذنه واشاح بيده لكي تغادر:

-حسنا، عودي إلى عملك.

بعدما غادرت الخادمة المكان جلس أعلى المقعد يرتشف القليل من كوب العصير الذي أمامه ثم ضغط زر الاتصال ليستمع لصوتها الجلي الذي كاد أن يخترق أذنه وهي تصيح به:

-لماذا لم تأت إلى الآن؟ أنسيت أمر الافتتاح غدًا وانت ما زلت  تتنزه؟ أريد حضورك على الفور، استقل أول طائرة للعودة، فهمت!

لم تعطه فرصة للحديث فقد أغلقت الهاتف بعد أن أصدرت أوامرها. 

زفر بضيق وهو ينهض من مجلسه ثم سار بخطوات واسعة ليدلف داخل الفيلا ثم الصعود إلى حيث غرفته وهو يحدث نفسه قائلا:

- الهانم أصدرت الفرمان ووجب عليّ التنفيذ.

سحب منشفة ودلف لداخل المرحاض لينعش جسده بالماء البارد لعله يخمد ثورة غضبه فقد سئم ذلك التسلط المقيد به من والدته؛ فمنذ أن كان طفلاً صغيراً لم يتعد عمر الثامنة وهو يعاني ذلك الجفاء وتلك القسوة التي تعامله بها والدته، ولا يعلم ماذا اقترف من ذنب لتعامله هذه المعاملة؛ فقد تمنى أن يتنعم بأحضانها الدافئة وتغمره بحنانها وتمطره من وابل المشاعر الذي افتقدها منذ الصغر.

ولكن هيهات فهذه السيدة القاسية جعلته يسأم تلك الحياة كأنه جسد بلا روح، آلة إلكترونية تنفذ أوامر صاحبها فقط.

**

بعدما أغلقت الهاتف نظرت لزوجها بضيق: 

-لا أعلم متى سيهتم بعمله؟

هتف خالد مدافعاً عن أمان:

-أخبرتك مراراً بأن عليكِ أن تُحسني من أسلوبك تجاه أمان، هو شاب ناضج ويعلم علم اليقين بمصلحته، اتركيه يفعل ما يحلو له، لا داعي للتحكم المستمر بكل تصرفاته وأفعاله، دعيه وشأنه.

أعلم أنه يهتم بشئون عمله، ولم يحدث شيئاً إذا ذهب ليستمتع قليلاً بعيداً عن توتر العمل؛ فهو لم يُرِح أعصابه منذ اقتراب ذلك الافتتاح؛ فهو يشعر بالضغط الزائد وعليه الراحة.

نظرت له مستنكرة حديثه ثم قالت وهي تنهض من جانبه:  

-خالد لا تتدخل، أنا أعلم جيداً كيف أتعامل مع أبنائي، تابع أنت عملك.

هز رأسه بأسى ثم التقط هاتفه وأجرى اتصالاً بسكرتيرته الخاصة قائلا: 

-هل أرسلتِ دعوات الحفل "نرمين"؟

صمت قليلا ثم أردف قائلا:

- تولي كل شيء يخص الحفل إلى أن يأتي أمان، حسنا إلى اللقاء.

ثم أغلق الهاتف وصعد إلى الطابق الثاني، قبل أن يدلف لغرفته سارت قدماه إلى حيث الغرفة الخاصة بابنه.

طرق بابه برفق ثم دلف بهدوء، وجد "رحيل" شاردا وهو يمسك بفرشاة الألوان ويخط بها اللوحة المثبتة أعلى الحامل الخشبي.


ربت على كتفه برفق لينظر له "رحيل" بابتسامته الودودة:

-مرحبا، والدي العزيز في غرفتي المتواضعة!

ثم أشار بالفرشاة إلى اللوحة التي يرسمها قائلا:

-ما رأيك والدي الحبيب في إبداع فلذة كبدك؟

دقق خالد النظر في تلك اللوحة ثم همس بتساؤل:

-ماذا رسمت بني؟

أمسك رحيل الفرشاة ثم أشار على لوحته:

-هذه السماء الصافية وهنا وضعت الغيوم وبجانبهم القمر يضيئ السماء، ولكن لا أعلم بماذا أطلق على تلك اللوحة أبي؟  

ثم أردف قائلا: 

-أشعر بالحيرة في اختيار اسم يليق بجمالها، ما رأيك في  غيوم القمر؟

هز خالد رأسه ثم قال بشرود وهمس بصوت خافت: 

-سوف تكون أكثر جمالاً إذا رسمت وجه فتاة في هذا القمر وتصبح الفتاة هي التي تنير ظلمة السماء وسط الغيوم.

أعجبت رحيل بأفكار والده ليهتف بحماس:

-رائعة تلك الفكرة وسوف أنفذها. 

ربت خالد على كتفه ثم قال قبل أن يغادر الغرفة:

 -سأخلد للنوم، تصبح على خير بني.

-وحضرتك من أهل الخير أبي.

**


بمنزل حورية بعد أن انتهت من طهي البيتزا، دلفت لغرفة الصالون ونظرت حولها بغرابة ثم هتفت بتساؤل:

-أين "وتين" ألم تغادر غرفتها بعد؟

هتفت شقيقتها بتوتر:

- لا بد وأنها خلدت للنوم، دعيها تنعم بالراحة.

-لا لم تنم الآن.  

قالتها حورية وهي تسير في خطواتها لتتوجه إلى غرفة ابنتها:

-سوف أتفقدها.

نظرت "سندس" لابنيها بضيق ثم همست بصوت خافت:

-سامحكما الله، أتمني ألا تكون قد سمعت ترهاتكما الفارغة. 

**

همست حورية وهي تجذب ابنتها من الفراش قائلة:

-صغيرتي الجميلة هيا استيقظي لتجلسي معنا بالخارج، صنعت لكِ بيتزا الدجاج  التي تعشقينها، هيا انهضي.

أخفت دموعها عن والدتها ثم سارت جانبها وحاولت رسم ابتسامتها الرقيقة وهي تصافح خالتها وابنيها.

رمقتها مريم بنظرات مبهمة، جلست على مضض وتناولت العشاء معهم دون أن تتفوه بكلمة؛ فقد كانت مجروحة بسبب ما قاله ابن خالتها وظلت شاردة،

 فهل ستظل حياتها هكذا؟ تعيش على الهامش لا يشعر بها أحد ولا تحاول أن تقترب من العالم الخارجي؟ فهي تشعر بأنها منبوذة وأنها محطمة من 

الداخل ولم تقدر على مواجهة من حولها.

**

عاد "أمان" فجراً  بعد أن لبى رغبة والدته، كان يشعر بالإرهاق بسبب قيادته لسيارته؛ فلم يجد طيران فقرر أن يعود بسيارته من أجل أن يتلاشى غضب والدته.

 ثم صعد إلى حيث غرفته لينام قليلاً قبل أن يذهب لعمله في الصباح فعليه أن يستقل فراشه ليريح جسده المتعب من عناء القيادة المتواصلة لعده ساعات، 

علي الفور أغمض عينيه ليذهب في ثبات عميق.

**

"الدنيا لحظات وذكريات تمر اللحظات وتبقي الذكريات داخلنا؛ حتى نقيم انفسنا 

ونذكرها بخيرها وشرها وما ذلك على قلب الانسان وهو يمرر شريط ذكرياته على رأسه ويبتسم للظريف منها ويضحك للمحزن فيها لأنه من الله"

أنهت وتين كلماتها ثَم اغلقت الحاسوب وتوجهت إلى فراشها دثرت نفسها داخله ثم احتضنت وسادتها وهي تتنهد بعمق ثم أغمضت عينيها وهي تشعر 

بالسلام الداخلي بعدما قررت أن تتقبل حياتها كما هي.

ليس عليها فعل شيء من أجل أن يتقبلها الآخرون.

**


في صباح اليوم التالي

هتفت أشرقت بصوت عالِ وهي تنادي الخادمة: 

-زيزي اصعدي إلي غرفة أمان وايقظيه

هتف خالد وهو ينظر لزوجته بسأم:

 -اتركيه ينعم بنوم هادئ، فهو لم يعد إلا بعد أذان الفجر، ولا بد وأنه متعب بسبب قيادته طوال الليل وجسده يحتاج إلى قسط من الراحة.

لوت ثغرها بضجر ثم قالت:

-بعد انتهاء العرض يفعل ما يشاء، لكن الآن لدينا أعمال مهمة ولا يوجد وقت للراحة.

أتى رحيل في ذلك الوقت وهو يحمل دفتره الخاص بالرسم ثم قال وهو ينظر لوالديه:

-صباح الخير.

- صباح الخير بني، اجلس تناول فطارك.  

قالها خالد وهو ينظر لرحيل.

التقط رحيل قطعة خبز ثم دهنها بالمربى وقضم منها قضمة ثم قال:

-ليس لدي وقت، اليوم لدي اختبار بالجامعة.

قاطعته أشرقت بضيق:

-لا تفعل هذه الحماقات اجلس وتناول طعامك بأدب، لا بهذا الشكل المقذذ للعين، تعامل بأنك شاب أرستقراطي. 

لوى رحيل ثغره ثم أكمل تناول الخبز وسار بخطوات مبتعدة ثم لوح بيده 

مودعا والده: 

-إلى اللقاء والدي العزيز.

 تجاهل تماماً حديث والدته الفج، فهو شاب ويريد أن يفعل ما يحلو له 

دون قيود تلك السيدة المغلفة بالجليد وقسوة القلب.

**

طرقت زيزي غرفة أمان بهدوء ثم دلفت للداخل وأغلقـت الباب خلفها،

 سارت إلى حيث فراشه ظلت تتطلع إليه بحب ثم رفعت أناملها تمسح على 

خصله السوداء.

فتح أمان عينيه عندما شعر بشيء يداعب شعره، ابتعدت عنه بصدمة ثم بلعت ريقها وهتفت بتوتر:

-أشرقت هانم تنتظرك بالأسفل.  

ثم سارت بخطوات مبتعدة ليصرخ أمان مناديا إياها بصوته الحاد: 

- لا أريد منكِ أن تقتحمي غرفتي ثانية، لا تدخلي قبل أن آذن لكِ فهمتِ؟

هزت رأسها باضطراب ثم غادرت الغرفة ركضا تحاول استجماع شتاتها الذي 

تبعثر في حضرته، فمنذ أن خطت بقدمها داخل هذا المنزل الضخم وهي 

تتودد له وهو دائما يصدها ويتحاشى النظر إليها، وهي لم تكف عن التقرب 

منه؛ فلديها أحلام وطموحات رسمتها بخيالها المريض بأن تصبح في يوم 

سيدة ذلك القصر وتكون هي الملكة المتوجة على عرش قلبه، تريد أن تنهار 

حصونه ويغدقها بعشقه التي طالما حلمت به؛ ولكن هذه مجرد أحلام 

واهية من نسيج خيالها.

**

"بمنزل حورية" 

دلفت لغرفة ابنتها لكي تُوقظها قبل أن تذهب إلى متجر الزهور خاصتها،

همست بجانب صغيرتها بحب وهي تمسد على ذراعيها برفق:

- ملاكي، أنا ذاهبة إلى المتجر الان، هل تريدين مني شيئًا قبل أن أُغادر؟ 

نهضت من فراشها، طبعت قبلة حانية أعلى وجنتيها ثم عادت لنومها 

وهي تقول: 

-لا أريد سوى الاهتمام بصحتك حوريتي. 

ابتسمت حورية ثم عادت أدراجها تغادر غرفة ابنتها بل تغادر المنزل بأكمله،

لتهبط إلى حيث الطابق الأرضي لتفتحت باب متجرها الخاص بالزهور،

وتبدأ نهارها بالاعتناء بتلك الزهور التي أصبحت جزءا من حياتها اليومية.

**

تلملمت وتين في فراشها بعدما غادرت والدتها المنزل، نهضت مسرعة وقفت 

خلف نافذتها تتطلع للخارج بلهفة طفل صغير، رفعت مقلتيها الزرقاوين

تطالع الشمس في الأفق، لاحت ابتسامتها ثم بحثت عن دفترها وأحضرت 

قلمها وعادت إلى حيث مكانها خلف النافذة تراقب بصمت الشمس 

وأشعتها الذهبية المسلطة على زجاج شرفتها وتنتابها مشاعر السعادة وهي 

تخط بقلمها ما تشعر به الآن 

"حبيب أريده، قلب أُحبه، عقل أُعجب به"

هذا كل ما أبحث عنه.

حبيبي أين أنت؟ 

أين تكون؟

ومن تكون؟

لقد طال انتظاري لك 

أُحبك قبل أن أراك 

أعشقك قبل أن أفكر بك 

أين أنت الان؟ 

إلى لقاء أريده 

إلى لقاء أنتظره

إلى اللقاء.

                الفصل الثاني من هنا 

لقراءة باقي الفصول من هنا 



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close