رواية إعلان ممول
الفصل الخامس 5
بقلم رحمة نبيل & فاطمة طه سلطان
صلوا على نبي الرحمة ...
________________
كانت الصدمة تعلو رؤوس الاثنين حينما ابصروا وجوه بعضهم البعض، داوود لا يصدق أنه وبعد كل تلك الشهور التقى بمن دمرت سمعته واسمه، وسببت له ارقًا وشعورًا قاتلًا بالذنب، داخل منزل .
وأفكار تحدق به وهي لا تعي أن من يقف أمامها الآن هو نفسه من تسبب في تسريحها من العمل قبل ثلاثة أشهر..
حركت جيهان أنظارها فيما بينهما وهي تقول بتعجب :
_ ايه مالكم هتاكلوا بعض كده ؟! هي مش اول مرة تشوفوا بعض ؟؟
وضعت افكار صينية الطعام أعلى الطاولة بقوة ونظراتها اللائمة تحلق حول رأس داوود والذي بدأ شعوره بالذنب يتدافع داخله مجددًا وهو يستمع لصوتها تقول بحنق :
_ لا يا هانم احنا اتقابلنا قبل كده، وابن حضرتك عمل فيا خدمة لا يمكن انساها ليه العمر كله .
ابتسمت جيهان وهي تربت أعلى كتفه ابنها في فخر شديد :
_ حبيبي طول عمره صاحب واجب وبيساعد الكل، ربنا يحميه لشبابه يارب .
وكان الرد من أفكار بسمة ساخرة :
_امال يا هانم صاحب واجب اوي .
حاول داوود دفع ذلك الشعور المقيت بالذنب جانبًا ويُذكّر نفسه أنه لم يخطأ، بل هي من أخطأت في حقه ودمرت اسمه وسمعته أمام من كانت في يومٍ ما مخطوبته، لذلك رفع رأسه وهو يقول بجدية متجاوزًا كل ذلك :
_ أنتِ بقى اللي جاية للوظيفة هنا ؟!
التوى ثغرها بحنق :
_ أيوة يا باشا أنا اللي جاية.
هز داوود رأسه وهو ينظر صوب والدته التي جلست وانشغلت بتناول الطعام تردد بنهم شديد واستمتاع :
_ ونفسها حلو كمان في الاكل .
أعاد داوود نظراته جهة افكار التي كانت تراقب والدته ببسمة فخورة، تنحنح يجذب انتباهها :
_ أنا المفروض كنت بعتلك اني هقابلك في المحل بتاعي على اول الشارع، بس حضرتك مردتيش .
_ أيوة التليفون بتاعي تقريبا بيعلق، بس انا خلاص يعني جيت للست والدتك واستلمت منها الشغل وبدأت فيه كمان .
تحدثت جيهان من بين مضغاتها :
_ أيوة فعلا هي استلمت الشغل مني، بس انا فكرتها قابلتك .
هز داوود رأسه يجلس على أحد المقاعد، ثم أشار لها أن تجلس أمامه ليجري لها مقابلة متأخرة، مقابلة بعد استلام العمل .
_ قوليلي بقى يا ...
سارعت افكار بالقول :
_ افكار، اسمي افكار .
تعجب داوود اسمها، لكنه لم يعلق كثيرًا، رغم أن هناك تساؤل كان على أبواب شفتيه :
_ تمام، قرأتي شروط الوظيفة طبعًا .
_ أيوة كلها وحفظتها كمان .
هز رأسه وهو يشعر بسخافة ذلك اللقاء، هو من قبل لم يوضع بمثل هذا الموقف، حاول أن يسألها في تفاصيل خبراتها :
_ تمام أنا كنت كاتب أننا محتاجين شخص عنده صبر وواعي ومسؤول و معاه انجليزي لأن الأطفال بيحتاجوا اوقات شخص يذاكر ليهم لأنهم في مدارس لغات، اعتقد كل ده متوافر فيكِ صح ؟!
ورغم بلاهة التعبيرات أعلى وجهها إلا أنها هزت رأسها وهي تردد :
_ أيوة طبعًا امال .
رفع داوود حاجبه بشك :
_ معاكِ انجليزي كويس؟؟
علت نظرة كبرياء وثقة عيون افكار وهي تضع قدم أعلى الاخرى بتكبر تستعرض خبرة لا تمتلكها ضاغطة على حروفها بقوة :
_ اوف كورس سيير .
_ سيير ؟؟
ابتسمت له افكار وهي توضح مقصدها من تلك الكلمة فهو يبدو ابلهًا لا يفقه في اللغة شيئًا :
_ أيوة سيير يعني سيد .
تشنج وجه داوود بعدم فهم :
_ سيير ايه يابنتي هو أنا جذماتي ؟؟ هي دي خبرتك في الانجليزي ؟! ايه اللي بتقوليه ده ؟!
_ أنا مش فاهمة أنت ماسك في الموضوع كده ليه ؟؟ ما أنا لغتي زي الفل اهو، طب ده انا كنت اتفرج على الفيلم الاجنبي اقعد أردد الحوار بتاع الابطال ولا اجدعها أجنبية .
مسح داوود وجهه لا يفهم ما تريده من ذلك الحوار :
_ مش فاهم يعني انتِ مش واخدة كورسات ولا اي حاجة؟! يعني ده تعليم ذاتي ؟!
_ اوف كورس، اوف كورس .
_ يابنتي هو ايه اللي of course هو كل ما اقولك حاجة تقوليلي of course، هو ده اخرك في الانجليزي ؟
زفرت هي بملل شديد :
_ هو يعني الموضوع ده مهم ؟؟ مش أنت اهم حاجة عندك حد يشكم العيال اللي متربوش دول ؟؟
فتح داوود فمه وعيونه بصدمة من حديثها على أبناء شقيقه :
_ متربوش ؟؟
لكن افكار كانت تكمل حديثها دون اهتمام :
_ خلاص يا سيدي مع أول مرتب هتديه ليا هاخد بيه كورس انجليزي تمام كده ؟؟ هديت ؟؟
نظر لها وهو يشعر أنها لا تناسب العمل بأي شكل من الاشكال، لكن شعوره أنه قد يتسبب لها في خسارة عمل آخر وقطع عيشها جعله يتراجع عن الكلام، وشجعه سعادة والدته وحديثها عنها أنها ماهرة في التعامل مع الاطفال لذلك قال بهدوء وهو يتنهد بصوت مرتفع :
_ تمام كده، مبارك عليكِ الوظيفة .
_______________________
بعد ساعات .
تربط رأسها بطريقة مضحكة وتجلس على الأرض بجانب الأريكة المتهالكة التي تجلس فوقها أمها وهي ممسكة بفنجان القهوة التي قامت ابنتها بشربه وتريد أن تقرأ لها الفأل فهي ووالدتها مغرمين به، خصيصًا والدتها التي تقوم بجمع اغلب نساء الحارة وتقوم بقراءة الفنجان لهما كل خميس حتى أنها أحيانًا تأخذ نقودًا منهم مقابل ذلك وبعضهم مهووس بها ويرى بأنها ترى أشياء كثيرة صحيحة وتحدث معهم لذلك يدفعون لها ما تريده حتى تقرأ لهم، ومن حين لأخر تظهر لها منافسة ولكنها لم تكن بقوتها.
فهذا كان المعتاد في مثل تلك الأماكن، حيث ينتشر الفقر متسيدًا المنطقة ومعه أتباعه المخلصين، الجهل واليأس، فما لهؤلاء المساكين من ملجأ لهم سوى أن يتمسكوا يآمال واهمة مرسومة داخل قاع فنجان قهوة.
والآن تمسك بفنجان ابنتها "أفكار" وقد مرت خمس دقائق تقريبًا وهي على نفس الحال تنظر في الفنجان ولا تتفوه بأي شيء، مما جعل أفكار تتحدث في سخرية:
_في أيه ياما قلقتيني ما تقولي في ايه باصة في الفنجان وساكتة قوليلي حصل أيه عرفيني بختي المنيل هيوديني على فين؟!
أردفت سكر في صدمة:
_أنا مش هقدر أتكلم يا بنتي.
ضربت أفكار على صدرها في توتر وأهتز قلبها قلقًا فماذا رأت والدتها حتى تقول ذلك؟؟ هل هناك شيئًا سيئًا سيحدث لها ؟!
_ في أيه يا أما أنا اتوغوشت، للدرجاتي فيه مصيبة؟! وبعدين هيحصلي أيه أكتر من اللي حصلي جوازتي واتفركشت، وشغل وطردوني منه، وفي الاخر الشغل اللي فكراه هينصرني طلع هو سبب طردي بس زي الجزمة مضطره أستحمل، قوليلي بقى شايفة أيه أنا قلبي وقع في رجليا.
صاحت والدتها في عنفٍ وتهكم:
_مش شايفة حاجة يا بنت الغبية قولتلك كذا مرة متقعديش تندبي في حظك بتسحبي الطاقة اللي حواليا وتنرفزيني.
قبلت أفكار كف والدتها وأعتذرت منها متمتمة:
_أسفة يا ست الكل عرفيني بقى شايفة ايه؟!.
سخرت سكر منها وهي تقوم بوضع الفنجان على الطاولة:
_هو أنا اللي سمعي تقيل ولا أنتِ؟! بقولك مش شايفة حاجة، انا مش بشوف غير لما أخد فلوس ثمن قرايتي للفنجان هو أنا همقق عيني فيه ومن غير ما تدفعي.
أردفت أفكار في تهكم صريح:
_جرا أيه يا أمي هو اللي أنتِ بتعمليه مع سكان الحتة هتطلعيه عليا؟! وبعدين فلوس ايه اللي هتاخديها مني، مش كفايا الراديو اللي خلتيني أجيبه علشان تبطلي تدعي عليا بأني أخلف ابنة عاقة زيي في الرايحة والجاية كمان عايزة فلوس علشان تقولي كلمتين.
_هتحطي الفلوس يا بنتي هقرأ الفنجان، مش هتحطي مش هقرأ، اللي معهوش ميلزموش.
وضعت أفكار يدها في جيب بنطالها المنزلي وأخرجت منه ورقة قدرها خمسين جنيهًا ووضعتها أسفل الطبق الصغير ثم قالت:
_يارب نخلص ونقول أي كلمتين علشان أخش اتخمد.
تمتمت والدتها في هدوء وهي وترتدي نظارتها الطبية وأمسكت الفنجان وبدأت تقرأ في تركيز، وافكار ترمقها بغيظ :
_لبستي النضارة وفوقتي صحيح الفلوس بتغير النفوس.
_اسكتي بقا علشان أقرا بضمير.
بالفعل صمتت أفكار تاركه والدتها تنظر جيدًا لعلها تخبرها بأي خبر سعيد قد يجعلها تطمئن قليلًا، تحدثت والدتها في استنكار:
_في بومة في فنجانك يا أفكار واحدة باصة في حياتك وحسداكي وعنيها هي السبب في اللي حصلك يابنتي، حتى بصي كده.
أقتربت منها أفكار وهي تنظر إلى داخل الفنجان وتحاول رؤية أي شيء ولكنها لا تصل إلى أي نتيجة فتمتمت :
_مش شايفة يا أمي حاجة.
صاحت والدتها في إستهجان:
_طبيعي متشوفيش حاجة يا عامية القلب والنظر ما العقربة والبومة بتحوم حواليكي وأنتِ مش شيفاها في الحقيقة هتشوفيها في الفنجان، ياما قولتلك يا أفكار الناس حسداكي تقعدي تتريقي على كلامي وتقوليلي هيحسدوني على ايه.
رددت حديث والدتها في استغراب:
_مهوا هيحسدوني على ايه فعلا؟!.
تمتمت والدتها في تعالي وكبرياء:
_على حاجات كتيرة أوي يا بنتي مش واخدة بالك منها، ده كفايا أسمك المميز ده أنتِ كلك أفكار، وطبعا باصيين لشغلك في الافراح وشغلك في الشركة والكروشية وفاكرين أن تحت القبة شيخ، حاسدينك على دماغك، أنتِ دماغك الماظ.
قهقهت أفكار في سخرية من حالها:
_على رأي المثل قيراط حظ ولا فدان شطارة وعلى يدك مبقاش حيلتي إلا جهازي كل فلوسي راحت عليه كنت بستخسر البس اللبس الجديد وأقول خليه لما أتجوز......
قاطعت والدتها حديثها في حسرة:
_وكنتي مستخسرة في أمك الراديو.
على وشك أن تلعن الراديو التي لن تتخلص من سيرته، وقبل أن تغضب تداركت والدتها الامر وغمغمت في اقتراح:
_طب ما تطلعي يابت يا أفكار كام هدمة جديدة كده ومتعي نفسك هو الواحد ضامن يعيش لغايت ما تتجوزي وتلبسيهم اتمتعي اليوم بيوم...
قاطعتها أفكار في سخرية:
_خلاص موتيني يا أمي؟!! شكرا يا ستي.
_مش القصد يا بنتي أنتِ عارفة عقل أمك فوت بقا السن له حكم.
فكرت في حديث والدتها، لِم تبخل عن ذاتها فكانت تقوم بشراء كل ما هو جديد وغالي من أجل زفافها وكثير من الملابس المنزلية والملابس التي تخرج بها فلمَ تقوم بتخزينها؟!!!
_تصدقي أنتِ عندك حق طب والله يوم اجازتي لاطلع ليا كام حاجة كده للبيت وكام حاجة للخروج، وبعدين يلا كملي الفنجان.
نظرت والدتها إلى الفنجان مرة أخرى وقالت جملتها الشهيرة التي تسمعها أفكار تقريبًا منذ أن كانت في المرحلة الإعدادية:
_في عريس وراجل واقف وهيدق بابنا قريب.
نهضت أفكار وقالت في تهكم عند هذه النقطة :
_لا واضح كده با أمي انك ناوية تشتغليني زي ما بتتشغلي سكان الحارة ده الكلام ده بتقوليه ليا من ايام ما كنت في اعدادي وبتقوليه لكل واحده بتقرأي ليها، واقولك انا مش عايزة فنجان ولا غيره هي خربانة خربانة، وهاتي الخمسين جنية دي .
وبالفعل أخذتها من أسفل الطبق فأردفت والدتها:
_سيبي الخمسين جنية يابت.
تحدثت أفكار في غيظٍ:
_لا مش هسيب يا أما، طلعيني يلا عاقة وادعي عليا يرزقني ببنت عاقة زيي.
_براحتك كل اللي بيحصل في حياتك ده علشان مش راضية عنك ولما الراجل ده يدخل بابك هتقولي أمي عندها حق.
أردفت أفكار في نبرة ساخرة:
_أول مرة قولتيها كان السباك اللي دخل الباب علشان يغير المواسير اللي بتسرب علينا واتغرمت فلوس قد كده، وتاني مرة كان النجار لما كسرتي أوكرة الباب، وتالت مرة كان بوز الاخص وادينا سيبنا بعض.
_مش مشكلتي نجار ولا سباك المهم أنه في راجل بيدخل وكلامي بيحصل.
___________________
"مالك يا ابني من ساعة ما البت دي مشيت وأنتَ ساكت وكأن في حاجة هي معجبتكش ولا أيه؟! ولا ايه القصة الموضوع فيه حاجة مش فهماها "
كانت تلك أسئلة جيهان التي وجهتها إلى ابنها بعد ذهاب تلك الفتاة، ونوم الصغار.
ولم يخفي داوود عن أمه فأخذ يقص لها مع حدث دون إخفاء كلمة أو أضافة كلمة، فوالدته هي صديقته الأولى ولا يستطيع أن يكذب عليها أبدًا على الرغم من أختلافهما في الآراء إلا أنه لا يخفي عنها شيء علاقتهما مقربة أكثر من علاقة جيهان بحامد.
هتفت جيهان في تساؤل وكأنه تأكيد أخير:
_يعني أنتَ متأكد ان البت دي هي السبب في كل اللي حصل؟!.
عقب داوود على حديث والدته في عفوية شديدة:
_يعني هي سبب ربنا سخره علشان الموضوع يفشكل واحنا ملناش نصيب مع بعض.
_يعني البت دي السبب؟!.
تحدث داوود في عدم استيعاب:
_جرا ايه يا أمي حضرتك علقتي ولا أيه؟! ايوة هي بقولك شوفتها بعيني وأتكلمت معاها هي دي فيها أه أو لا.
ظن داوود أن أمه لن تقبل بالفتاة مرة أخرى بسبب فعلتها تلك وأهمالها في عملها السابق، ذلك يظهر على ملامح الاستنكار التي تعلو وجهها فقال في نبرة جادة:
_وبعدين اللي حصل حصل، دي غلطة بسيطة ممكن يقع أي حد فيها وهي كانت سبب من ضمن الأسباب وزي ما قولتلك هو في الأول والآخر نصيب ياريت بس يا أمي بلاش تقطعي بعيشها بعد اللي قولته علشان محسش بالذنب أكتر، ولا تزعلي منها...
قاطعته والدته في سعادة عارمة:
-أقطع عيشها أيه يا ابن الهبلة، ده أنا فرحانة أن البت دي ربنا خلاها سبب علشان أفرح، أنا برضو أول ما شوفتها قلبي أتشرح واتفتح ليها من غير حساب ومكنتش أعرف ليه أتاريها السبب إني أخلص من الحرباية دي، طب والله بكرا لما تيجي لأتصل بالعبد وأعمل اوردر حلويات وتورتة وأحلي بوقها على اللي عملته.
على وشك أن تصيبه بجلطة!!
لمَ تكره روضة بهذا الشكل؟!
ولا تقدر مشاعره أيضًا.
تحدث داوود في نبرة صارمة:
_ماما خلاص ياريت نقفل على سيرة روضة دي الموضوع خلص وكل واحد راح لحاله وأحنا في حالنا زي ما دخلنا بالمعروف خرجنا بالمعروف.
عقبت جيهان في تهكم وهي تعقد ساعديها:
_قصدك بتشوف حالها.
ضيق داوود عيناه ثم قال في عدم فهم :
_قصدك أيه يعني أيه بتشوف حالها؟؟
أستطردت في لامبالاة:
_ولا قصدي ولا مقصدتيش انا هخش أنام العيال هلكوني طول اليوم تصبح على خير يا ابني.
_وأنتِ من اهل الخير يا أمي.
___________
في السيارة كانت عائلة "ياسر" متوجهه صوب منزل عائلة "روضة"، فأخذت "بثينة" ابنها الوحيد فقد توفى زوجها منذ عدة سنوات وبقى لها وحيدها ياسر فقط.
كانا في طريقهما إلى بيت شقيقها "خالد" الذي قام بدعوتها لتناول الطعام إحتفالًا بعودة ابن شقيقته من السفر بعد سنوات طويلة قضاها في الغربة .
وعلى عكس ظن البعض، فياسر ولم يجني منها أي شيء بل أنه خسر أمواله بسبب ذلك المشروع الذي حاول أقامته مع صديق له والذي قام بسرقته وأختفى بعد أن ترك عمله الثابت واستقال منه ولم يكن هناك أي أمل بأن يعود له، فأضطر الهبوط إلى مصر خالي الوفاض.
تمتمت بثينة في تحذير شديد:
_أياك يا ياسر تقعد تهرتل بالكلام قدام خالك ومراته وبنته، ولا تقول أي حاجة من اللي حصلت، أنتَ واحد كنت في الخليج ونازل معاك قرشين ولا تقول حاجة خالص لازم الناس تكون فاكرة أنك معاك خميرة كويسة وخصوصا خالك وبنته.
منذ أن عاد وهو يسمع نصائح والدته أو بمعنى أصح توبيخاتها المستمرة فلا تمر ساعة دون أن تخبره بفشلة ومرارة ما فعله في حماقة منه مذكره أياه كيف قامت بتجميع النقود اللازمة حتى يستطيع السفر ويغتنم تلك الفرصة فغيره لا يستطيع الحصول عليها بسهولة ومع ذلك أضاع كل ما فعلته من أجل مشروع فاشل.
_ليه يعني هو أنا عامل عمله؟!.
تحدثت بثينة منفعلة وهي تحاول توضيح خطته له:
_أه عامل عملة وهتضحك الناس علينا، وبعدين أنا قولتلك البت مهتمة بيك وكل شوية تكلمني وسابت خطيبها يعني البعيد يفهم ويفضلوا فاهمين أنك معاك قرشين كويسين علشان تتجوز البت في أسرع وقت، دي بنت خالك الوحيدة وساعتها خالك هياخدك تحت جناحه ويشغلك معاه في المعارض بتاعته وبعدين بعد العمر الطويل لاخويا كل حاجة تكون في أيدك أنتَ مش هتبقى خراب من كله نلحق أي حاجة.
قال في تأييد لخطة والدته:
_فعلا يا أما حضرتك معاكي حق.
بعد مرور نصف ساعة تقريبًا كان الجميع يجلس على السفرة يتناولون طعام الغداء.
كانت روضة مفتونة به تقريبًا الجميع لاحظ نظراتها له مما جعل والدتها تلكزها من أسفل الطاولة في فخذيها حتى تتتبه لما تفعل، لا تدري لمَ أبنتها تفعل ذلك ..
وما يزعجها ويجعلها على وشك الجنون تأييد والدها له، بل إنه يرى ياسر هو الزوج المثالي الذي يستحق ابنته ويستطيع الاتكاء عليه والاعتماد عليه في كثير من الأشياء، ويساعده في أن يفتتح فرع جديد ويشاركه به، الكثير من الخطط في عقله ولكنه ينتظر فقط بأن ينطق ياسر يومًا هو ووالدته بأنهم يريدون خطبة ابنته ووقتها كل شيء سيكون بخير وسوف تسير الأمور وفقًا لما يرسمه في عقله.
تمتمت بثينة في خفة:
_تسلم إيديكم والله الأكل جميل تعبتوا نفسكم والله.
أردفت روضة في سرعة من أمرها قبل أن تجيب والدتها:
_الله يسلمك يا عمتو وبعدين دي حاجة بسيطة جدًا، والله من الفجر عماله أعمل الاكل مبسوطة أنكم جيتوا بجد.
نظرت بثينة إلى ابنها معطية له الإشارة بأن يقول بأي شيء، فرسم ابتسامة هادئة على شفتيه وقال في ثناء:
_ما شاء الله عليكي يا روضة بجد نفسك حلو أوي في الأكل بصراحة أكلك أحسن من أمي.
ضحكت بثينة وغمغمت في تهكم طفيف وهي تري أعين روضة اللامعة من حديث ابنها، وضحكات شقيقها:
_شوف الواد، بقا كده أبقى تعالى كل يوم عند خالك يا خويا .
هتف خالد في ترحاب:
_يجي طبعا ده بيت خاله وينور في أي وقت.
أردف ياسر في نبرة هادئة وامتنان تحت نظرات والدة روضة التي لا يعجبها أي شيء مما يحدث:
_شكرا يا خالي ربنا يخليك ليا .
صمت يعتدل في جلسته ثم قال ببراءة موجهًا حديثه لروضة:
_ ماما قالتلي في الطريق أنك فسختي خطوبتك يا روضة، حقيقي زعلت علشانك.
تحدثت والدة روضة في نبرة خالية من التعبير:
_كل شيء قسمة ونصيب وبنتي ملهاش في الخير والشاب كان شخص محترم جدًا..
قال خالد معقبًا على حديث زوجته:
_ليه هو أحنا بنتنا قليلة ده ألف مين يتمناها .
وأضافت بثينة بعد كلمات شقيقها:
_طبعا بنت اخويا مش قليلة ده ألف مين يتمناها، وبعدين محدش عارف النصيب والخير فين؟!
كلماتها الأخيرة تركت بها تلميح ملحوظ وهي تنظر إلى داخل أعين روضة التي ابتسمت في خفة وفي خجلٍ شديد نظرات عمتها كانت تخبرها بكل شيء على الأغلب.
________________
دخل المنزل وهو يفرد جسده بتعب شديد، بعدما انتهى لتوه من العمل وفكر بالمرور على والدته لرؤية أبناءه قبل عودته لزوجته العزيزة ..
نظر حامد حوله في المنزل يبحث عن والدته أو الاولاد حتى سمع صوت قادم من غرفة التلفاز ليتحرك نحوه وهو يحمل حقائب كثيرة لابنائه وزوجته، وبمجرد أن دخل الغرفة فتح يديه وهو يقول بسعادة :
_ حبايب بابا اللي وحشوني ...
استدار الجميع صوبه ليهرع الاولاد لاحضانه، وهو يضمهم بقوة وحب شديد، يقبل هذا ويضم ذلك :
_ وحشتوني اوي يا عيوني عاملين ايه ؟؟
ابتسم اكبر أبنائه وهو يقول :
_ احنا كويسين اوي يا بابا، وكمان تيتة جيجي جابت لينا دادة جديدة بتقعد معانا وتساعدنا .
ابتسم لهم حامد وهو ينظر لوالدته التي كانت تجلس على الأريكة أمام التلفاز قبل أن تشير له بالاقتراب ببسمة :
_ ابن حلال والله لسه كنت بفكر فيك من شوية .
ابتسم لها حامد يقترب مقبلًا كفيها :
_ اخبارك يا ست الكل .
_ الحمدلله يا حبيبي زي الفل، أنت ايه اخبارك مع العروسة الجديدة ؟!
ابتسم لها حامد ليقول بسعادة كبيرة كطفل حاز أخيرًا على لعبته الجديدة التي بكى شهورًا لأجلها :
_ الحمدلله الدنيا زي الفل، وامنية معيشاني في جنة يا ماما .
ربتت على اكتافه جيهان بحنان امومي كبير :
_ رغم اني لسه شيفاك غلطان عشان اللي عملته، بس خلاص طالما أنت مبسوط والاء التانية نسيت وشافت حياتها مع ابن الحلال يبقى خلاص خير يابني ..
انتبهت جميع حواسه لجملة والدته غير المفهومة بالنسبة له، نظر لها ثواني يحاول معرفة ما تقصد :
_ مش فاهم، يعني ايه شافت حياتها مع ابن الحلال ؟؟
شهقت جيهان وهي تضرب كتف ابنها بخفة ممازحة :
_ شوف نسيتني كنت عايزاك ليه، مش انا روحت انهاردة مع العيال عشان اشوف الاء وعرفت أن فيه واحد اتقدم ليها وقابلته كمان هناك، بس ايه يا واد يا حامد العريس زي العسل وعرفت كمان أنه متجوزش قبل كده والاء اول فرحته .
اشتعلت أعين حامد ونيران غامضة المصدر تشتعل بصدره وبقوة :
_ نعم تتجوز ده بتاع ايه ؟!
رفعت امه حاجبها مستنكرة حدة ولدها :
_ ومالها يا قلب امك أما تتجوز، ما هي خلاص اتطلقت منك والعدة كمان خلصت من اسبوع يا ضنايا، متتجوزش ليه ؟؟ هتترهبن ولا تعيش على ذكراك يا عين امك ؟؟
توتر حامد من هجوم والدته، ولم يدري ما السبب لكنه لا يتقبل تلك الفكرة، أن يأتي من يفوز بالاء بعدما كانت له ومعه، حاول التحدث بهدوء :
_ مش قصدي يا امي بس يعني هو ...دي شهور العدة لسه خالصة هي ما صدقت ؟؟
_ وأنت مالك يا حامد تتجوز طالما خلاص بقت حرة، بعدين هي برضو اللي ما صدقت، يا خويا ده أنت مستنتش ترمي عليها اليمين وجريت اتجوزت .
زفر حامد بغيظ شديد ليشعر بمن يجذبه من بنطاله، اخفض نظره لأكبر أبنائه الذي قال ببسمة سعيدة وكأنه يزف له نجاحه :
_ أنا كمان شوفت عريس ماما يابابا، كان طويل وحلو اوي، كان كمان عنده شعر اكتر منك .
تحسس حامد خصلات شعره القصيرة والتي اعتاد أن يقصها بشكل دوري، ليشعر بطفله يكمل بشغف كبير وكأنه يصف حبيبة غالية على قلبه وليس زوج والدته :
_ وكمان يابابا هو مش عنده كرش زيك وشكله جميل اوي .
ومجددًا تحسس حامد ذلك النتوء الصغير في معدته وهو يلوي ثغره بحنق وتذمر:
_ هي امك مسلطاك عليا ولا ايه ؟؟
لكن الطفل لم يفهم وهو يصف له جمال وكرم زوج والدته الجديد :
_ وكمان جبلنا حلويات كتير اوي اوي وقالنا أنه المرة الجاية هياخدنا في رحلة بالعربية بتاعته، وطلع معاه فلوس كتير اوي اوي .
رمقه حامد وهو يتمتم بغيظ من بين أنفاسه :
_ امال ما هي امك مش بتقع غير واقفة.
تنفس بصوت مرتفع وهو يبعد ابنه من أمامه والذي لم يتوقف عن تعديد صفات العريس الجديد :
_ خلاص يا حبيبي مش هروح اتجوزه أنا .
لكن الطفل لم يكن يفهم شيئًا وهو ما يزال يتحدث بالكثير رمن الكلمات المنبهرة عن زوج الاء الجديد وحامد يشتعل ويشتعل وهو ينظر لوالدته التي كانت تبتسم لما تراه أمامها .
_ ايه ياما كنت واخدة العيال تعرفيهم على جوز أمهم الجديد ولا ايه؟!
_ اعرفهم ايه ده ؟؟ أنا كنت رايحة عشان آلاء تشوفهم اصل العيال وحشتهم امهم، وهناك شوفته اسم الله عليه يا خويا ربنا يحميه لشبابه يارب .
نفخ حامد وقد فاض كيله :
_ لا بقى ده أنتم قاصدين تحرقوا دمي على المسا، اوعوا أنا ماشي .
وبتلك الكلمات فر حامد من أمامهم ووالدته تنظر له ببسمة جانبية ساخرة :
_ ليه يا حبيبي ما أنت قاعد تتعشى معانا ...
________________________
في الصباح التالي وفي اليوم الثاني من العمل كانت افكار تربط حجابها أعلى رأسها في شكل مضحك، حاملة بين يديها المنفضة والمكنسة وهي تمر على جميع حجرات المنزل للتنظيف، تتذكر حينما وطأت المنزل صباحًا لتجد جيهان تخبرها أن تنظف المنزل لأنها تشعر بالتعب ..
ورغم أن ذلك لم يكن من ضمن مهمات المربية إلا أنها رددت بينها وبين نفسها :
_ يلا اهو كله بحسابه .
وبالفعل ما هي إلا دقائق وبدأت تندمج في التنظيف حتى وصلت لغرفة رجالية استشفت من الصور المعلقة على جدرانها هوية صاحبها ..
كانت لذلك الداوود الغريب والذي لم تحدد حتى الآن هل هو جيد ام سيء .
شرعت تنظف جميع اركان الغرفة باهتمام شديد، وهي تغني وتردد كلمات عالية تحرك قطعة قماشة أعلى طاولة الزينة الخاصة بداوود، لكن وأثناء ذلك ودون اهتمام أسقطت زجاجة عطر متوسطة الحجم ارضًا لتتهشم إلى أجزاء وتفوح رائحتها في كل أرجاء الغرفة بسرعة كبيرة ..
_ ايه يا ختي الريحة دي، ده ولا كأن قنبلة كولونيا انفجرت في الاوضة .
أنهت حديثها تنحني ارضًا لجمع قطع الزجاج، ثم ألقت بهم في سلة القمامة التي تقبع جوار طاولة الزينة، ومن ثم قامت بمسح السائل العطر من الأرض ونهضت وهي تنظر للغرفة ببسمة واسعة :
_ الله ينور عليكِ يا بت يا افكار، شملولة بصحيح ..
خرجت افكار من الغرفة لتكمل عملها، وبعدها توجهت يجسد مجهد صوب غرفة الاطفال تردد باستمتاع شديد :
_ واخيرا الواحد هيرتاح، وكمان العيال لسه نايمين يعني هاخد راحتي واخلص اللي ورايا ..
في ذلك الوقت كان داوود يدخل المنزل يتحرك صوب غرفته بسرعة ليحضر تلك الزجاجة من العطر الخام المستخلص من أحد الزهور النادرة والتي نسي اخذها حين ذهابه صباحًا للعمل.
فتح باب غرفته وما كاد يطأها ليُصدم برائحة قوية تغشى جميع حواسه، نظر في الإرجاء بتعجب :
_ هما العيال لعبوا في الاوضة تاني ولا ايه ؟؟
تحرك نحو طاولة الزينة الخاصة به لأخذ زجاجة العطر الخام، لكن وللصدمة لم يجدها، بحث في كل مكان لربما نسي أين وضعها لكن لا شيء، وتلك الرائحة التي تعبق في غرفته تثير فزعه من فكرة أن يكون مصدرها هو زجاجة العطر التي دفع فيها أموال عديدة.
جُن جنونه وهو يبحث عنها، يحاول تتبع الرائحة ومصدرها لكنها كانت تفوح في الغرفة بأكملها حتى أبصر فجأة شظايا زجاج صغيرة جوار طاولة الزينة.
انحنى داوود يجلس القرفصاء وهو يمسك تلك الشظية يشتمها بريبة يشعر بضربة عنيفة أعلى رأسه وهو يردد :
_ اه يا شوية شياطين ..
خرج من غرفته كالرصاصة وهو يصرخ بصوت محتد وجنون باسم والدته :
_ يا امي ...يا امي أنتِ فين ؟!
وكعادتها خرجت جيهان من غرفة التلفاز فزعة من صراخ ابنها :
_ فيه ايه يا داوود مالك يابني بتزعق كده ليه ؟!
رفع داوود الزجاجة المهشمة وهو يردد بغضب اسود :
_ أنا مش قولت ميت مرة محدش يسيب الاوضة مفتوحة للعيال؟! بيدخلوا يلعبوا في حاجتي ويبوظوا حاجات الشغل .
نظرت جيهان لاصابعه التي حملت تلك الزجاجة :
_ يابني الولاد لسه نايمين اساسا ومحدش منهم خرج من أوضته من وقت ما مشيت .
_ امال ايه دي ؟؟ انكسرت لوحدها ولا ضاقت بيها الحياة فطارت رمت نفسها على الأرض ؟!
قالت جيهان وهي تحاول معرفة لِم هو غاضب بهذا الشكل :
_ عادي يا بني ليه العصبية دي كلها عشان ازازة برفان، تلاقي افكار وهي بتروق اوضتك وقعتها بالغلط ولا حاجة .
اشتعلت أعين داوود وهو يردد بغيظ :
_ افكار ؟!
_ أيوة أنا قولتلها تـ
وقبل أكمال جملتها كان داوود ينطلق كالصاروخ في المنزل بحثًا عن تلك الأفكار التي تسببت له للتو في خسارة فادحة، فتلك الزجاجة لا تحوي عطرًا بل تحوي مادة خام لصنع العطور، قطرات قليلة منها كافية لصنع قارورة عطر كبيرة الحجم ...
كان يبحث عنها في كل مكان حتى هداه عقله لغرفة أبناء شقيقه، ودون تفكير اقتحم الغرفة وهو يصرخ :
_ أنتِ اللي كـ.
لكن فجأة توقف عن الصراخ وهو يرى ذلك المشهد المريب أمامه، شعر بجسده يتشنج جهلًا، يرى افكار تحمل إبرة عملاقة وخيوط عريضة اصنع الحقائب الصوفية وتلك المشغولات اليدوية وهي منهمكة في صنعهم، والغريب لم يكن في ذلك، بل الغريب أنها كانت تلف الخيوط حول إصبع أحد أبناء شقيقه وكأنه بَكرة خيوط، وتضع علبة الابر والخيوط أعلى معدة الآخر، وبين كتفها ورأسها تضع الهاتف وتتحدث به بجدية :
_ لا يا ام منصور أنا قولت مش بحب اشتغل مع حد، أنا لو هشيل اكل الفرح بشيله لوحدي يا ختي، اصل انا زي الفريك مش بحب الشريك .
صمتت وهي تستمع لرد ام منصور وداوود يفغر فاهه لا يستوعب ما تفعل تلك الفتاة :
_ أيوة عايزة المبلغ لوحدي وهو حد يكره الرزق، بعدين ياختي فرح كبير ولا صغير أنا بسد فيه متقلقيش بس انتم تلاحقوا عليا بس .
فجأة انتبهت لجسد داوود الذي يسد باب الغرفة لتقول :
_ طب يا ام منصور هبقى اعدي عليكِ وانا راجعة من الشغل انهاردة اقولك على الطلبات اللي عايزاها، سلام دلوقتي .
وبمجرد أن أغلقت الهاتف قالت بتسائل :
_ فيه حاجة ولا ايه ؟؟
نظر داوود لأبناء شقيقه وهو يقول :
_ أنتِ بتعملي ايه ؟؟
_ يعني هكون بعمل ايه ؟؟ بعمل شنطة ومفرش لواحدة .
أشار للاطفال الذين تستخدمهم كبكرات خيط :
_ كده ؟؟ بالمنظر ده ؟؟
_ ماله المنظر ده ما هم زي الفل ونايمين براحة اهو، بعدين عشان الخيط ميتخلفنش في بعضه، فيه حاجة يا باشا ؟؟
وفجأة تذكر داوود أمر العطر والذي جاء خصيصًا لأجله ليشتغل الغضب به مجددًا :
_ أنتِ دخلتي الاوضة بتاعتي ؟؟
_ أيوة كنت بروقها ليك، ايه رأيك بذمتك مش فلة ؟!
رفع داوود بقايا الزجاجة أمامها يردد بغيظ وغضب مكبوت لأجل وجود الصغار :
_ ودي ؟؟ مين اللي كسرها ؟؟
نظرت افكار ليده وهي تقول ببساطة :
_ اه ازازة الكولونيا دي وقعت مني وانا بنضف، بس ايه يا ستير يارب ريحتها مكانتش حلوة، شديدة كده تعبتني.
شعر داوود بقرب سقوطة بذبحه صدرية ارضًا وهو يسمتع لحديثها :
_ كولونيا ؟؟ كولونيا؟؟؟ أنتِ بتهزري ؟!
جزعت افكار من صراخه :
_ براحة يا باشا لاحسن تفزع العيال، بعدين مالك يعني زعلان كده ليه عليها، مكانتش ازازة كولونيا ده حتى ريحتها مش قد كده، ويا سيدي لو زعلان بكرة اجبلك اجدعها ازازة كولونيا من عند الواد صبري جارنا، عنده شوية روايح انما ايه ترشها عليك تقعد يومين على جتتك .
عض داوود شفتيه بعصبية كبيرة يحاول ألا ينفجر في وجهها وهو يحرك الزجاجة صارخًا بجنون :
_ كولونيا ايه يا بني ادمة؟؟ أنتِ عارفة اللي كسرتيها دي بكام ؟؟
استاءت افكار منه بسبب صراخه في وجهها بهذا الشكل لأجل زجاجة عطر :
_ كام يعني، ١٠٠ جنيه ؟! ٢٠٠ جنيه ؟؟ اجيبهم على الجزمة، اول قبض ليا هدفعلك تمنها ولا يهمني على فكرة، كله إلا كرامتي .
ابتسم داوود بسمة مغتاظة وصوته خرج يقطر سخرية من حديثها :
_ الكولونيا دي يا استاذة تمنها يساوي راتب تلات شهور من بتوعك يا ام كرامة .....
