رواية عائشة الفصل السابع 7 بقلم رانيا البحراوي

        


رواية عائشة

الفصل السابع 7

بقلم رانيا البحراوي


رأت عائشة ذلك الشاب الذي سبق وساعدها بيوم حادثة والدها، ذلك الشاب الذي كان يجلس على كرسي متحرك ولكنه هذه المرة مختلف تماما عن ما كان عليه بالمرة السابقة، حالته كان يرثى لها من أول شعره وملابسه وحتى حذائه، شعر مبعثر وملابس غير نظيفة.


أسرعت إليه وعندما أقتربت منه تعجبت من حالته وسألته ماالذي اصابك؟


نظر لها بحزنا شديد وقال :إنها الحياة.

تجمدت الدموع بعينه فأشفقت عليه عائشة وكادت تبكي لأجله ظلت تراقب حالته وسألته :كيف استطيع مساعدتك؟


حاول الشاب أن يتحدث ولكن صوته المخنوق بالبكاء منعه من ذلك وبعد فترة صمت قصيرة قال :الحياة لم تخلق لمثلي، أشعر بأنها ضاقت علي وكادت تقتلني لدرجة أنني أفكر الآن جديا في قتل نفسي حتى ينتهي هذا العذاب.


فزعت عائشة من حديثه وحاولت إستخدام ما درسته في علم النفس لمساعدته طلبت منه أن ينتظر لحظة وعادت إلى والدها وأخبرته أنها ستخرج إلى الحديقة حتى يحين دوره في الدخول إلى الطبيب وأخبرته ان يتصل بها عندما يقترب دوره.


وعادت إلى الشاب وطلبت منه أن تأخذه إلى حديقة المستشفى.


سمح لها الشاب بدفع كرسيه وأخذته إلى الحديقة وطلبت منه أن يخبرها بما يحدث له، لم يكن الأمر سهلا فهذا الشاب انغلق على نفسه تماما ولايرد التحدث عن مشاكله، حاولت عائشة كثيرا ولكنها لم تتمكن من اقناعه بأن يفتح لها قلبه وعلمت أن الأمر لن يحدث من المرة الأولى وطلبت رقم هاتفه حتى تستطيع التواصل معه لن تستطع التغاضي عن الأمر لأنه سبق وساعدها وقت ما احتاجت للمساعدة.


عائشة :لم أخبرك بأسمي :عائشة

الشاب :جمال.


عائشة :من اليوم لست وحيدا، أسمح لي بالتواصل معك

لسماع قصتك واوعدني أن تنحى فكرة التخلص من حياتك من فكرك، فمهما كانت الحياة مظلمة وضيقةلن تكن أظلم واضيق من القبر، عليك أن تبقى أكثر طالما لديك من العمر بقية وتدخر اشياء تنير لك ظلمة قبرك حتى يأتي اليوم الذي تشعر فيه أنك ليس خائفا من ظلمته.


بكى جمال وقال:هل ستتواصلين معي حقا؟

عائشة :نعم وقت ما تشاء.


رن هاتف عائشة فأخبرته أن عليها أن تذهب الآن لترافق والدها بموعده مع الطبيب وستتصل به اليوم مساءا.


ذهبت عائشة إلى والده وقبلت جبينه اعتذارا منها على أنها تركته ينتظر موعد الطبيب بمفرده فأخبرها أنه كان يقرأ قرآن ولم يشعر بمرور الوقت سألها والدها أين ذهبت 

فأخبرته أنها ستحكي له بعد الخروج من عند الطبيب. 


انتهى والدها من الفحص وبالطريق قصت عليه حكاية الشاب منذ اول يوم تراه كيف كان وكيف اصبح. 


تعاطف الأب مع الشاب وقال :طبيبة المستقبل النفسية 

وملكة العالم في الإنسانية أنا متأكد أن هذا الشاب سينجو من فكرة الانتحار بمساعدتك ياابنتي. 


فرحت عائشة جدا بكلمات ابيها التي هي بمثابة تاج وضعه فوق رأسها حين توجها ملكة على عرش الإنسانية. 


عائشة مدللة ابيها وقوته حين وهن العظم منه ولذلك ثقة والدها لها تخطت الحدود. 


بالمساء بعد أن أعدت عائشة الطعام لوالديها وأعطت لهم ادويتهم وضعتهم بسريرهما ثم وضعت عليهم غطائهما وقبلت جبين كلمنهما. 


عادت إلى غرفتها واتصلت بجمال، تفاجئ جمال بأنها صدقت وعدها واتصلت به. 


جمال:لا اصدق إنكِ اتصلتي بي حقا وصدقتي وعدك. 

عائشة :وماالذي يمنع أن أتصل بك وقد اكتسبت صديق طيب القلب مثلك، ساعدتني وأنت لا تعرفني. 


لم تسأله عائشة بهذه المكالمة عن مشكلته واكتفت ذلك اليوم بكسب ثقته وصداقته وتحدثت معه في أمور عديدة وأخبرته عن نفسها وعن عملها بالنادي ومشروعها ودراستها واعتناءها بوالديها. 


تعجب جمال من أنها تقدر على كل هذه المهام بمفردها واخبرها أنها انسانة قوية مميزة. 


عائشة :هذه هي الحياة كل منا يخلق من أجل رسالته في الحياة وعليه أن يقوم برسالته على أكمل وجهه. 


جمال :انتِ إنسانة رائعة. 


لاحظت عائشة أن حديثه يختلط مابين اللغة العربية والاجنبية وسألته عن السبب فأخبرها أنه كان يعيش بأمريكا وعاد منذ عدة أشهر. 


اتفقت عائشة معه أن لا ينقطع التواصل بينهم وأن يحدثها بالوقت الذي يشعر فيه أنه يريد التحدث مع أحد وأنها أيضا ستسأل عنه دائما. 


شعرت عائشة بأن حالته بمثابة تحدي لها لكي تطبق عليه مادرست كي تخرجه من حالة الاكتئاب الذي أحاطت به قبل أن تقضي عليه. 


في اليوم التالي 

ذهبت عائشة إلى الجامعة ثم إلى بيع القهوة. 

وصلت سيارة خالد وبينما يخرج السائق من السيارة نزل خالد بنفسه وأخبر صابر أنه سيشتري القهوة بنفسه اليوم. 


خالد:أين كنتِ بالأمس؟ لماذا كان المكان مغلقا؟

عائشة :وما شأنك أنت؟ 

خالد بغضب :هذا ليس إجابة سؤالي؟ 


نظرت عائشة ولم تجيبه. 

خالد بهدوء :من فضلك اخبريني، لماذا لم تفتحين بالأمس صباحا ألا تعرفين أنني اعتدت على شرب القهوة من يدك كل صباح قبل بداية يومي. 


عائشة :كنت بالمستشفى مع أبي. 

خالد:كيف حال والدك اليوم؟ 

عائشة :بخير؟ 

خالد :وكيف حالك اليوم؟ 

عائشة :بخير. 

خالد :امازلت تفكرين بيوسف؟ 

عائشة :ليس معنى أنك صادفت اياي بلحظة ضعف أن تعطي لنفسك الحق بالتطرق لمشاكلي الشخصية. 


خالد:هذا ليس إجابة سؤالي، هذا هروب من الإجابة انصحك بأن تنسيه وتغضين الطرف عنه كي تستطعين رؤية الحب بعين إنسان آخر يهتم لأمرك ويحبك. 


عائشة :اتفضل قهوتك ودعني حتى اهتم بباقي الزبائن اللذين يجلسون على الطاولات خلفك. 


مساءا جاء يوسف لتسلم منها المكان وكان عابسا بشدة واخبرها أن سهيلة لم تأتي إلى العمل ولا ترد على اتصالاته ورسائله. 


عائشة :أهذا سبب حزنك هكذا؟ 

يوسف :ايوجد أمر محزن أكثر من ذلك؟


عائشة :لا تحزن نفسك هكذا، اذهب واشتري لها هدية وقدمها لها بنفسك بأول يوم تعود فيه إلى العمل فلا أظن أنها ستتغيب عن العمل إلى الأبد. 


يوسف :فكرت في ذلك ولكن لا أعلم ماذا أجلب لها،هل تستطعين مساعدتي في ذلك الأمر؟


عائشة بحزن :أنا! 

يوسف:نعم أنتِ، لست لدي أخت اسألها ولا أظن أن والدتي ستفيدني في هذا الأمر، أنتِ فتاة وتفهمين فيما استطيع اسعادها به. 


جلست عائشة على إحدى الطاولات تفكر كيف تستطيع فعل ذلك، كيف تستطيع اسعاده ومساعدته في الوقت الذي قتل فيه سعادتها. 


جلس يوسف على الكرسي المقابل لكي يستعطفها. 


عائشة :متى تريد شراء هذه الهدية؟ 

يوسف بلهفة: اليوم٠

عائشة :بعد انتهاء تدريب السباحة دعنا نغلق المكان مبكرا ونذهب لشرائها. 


هذه المرة الأولى التي تذهب بها عائشة بإحدى والديها إلى الطبيب وينسى يوسف أن يتصل بها ويسألها ماذا فعلت عند الطبيب ولم يخبرها أنه افتقدها بالأمس عندما تغيبت عن العمل ببيع القهوة والتدريب بالنادي. 


بعد انتهاء التدريب أغلق يوسف المكان مبكرا وأخذها معه لشراء الهدية. 


بإحدى مراكز التسوق تجول كلاهما وظلت عائشة شاردة لا تقترح على شيئا الغريب في الأمر أن كل مااختاره يوسف أعجبت به عائشة لا لأنها تتناسب مع ذوقها ولكن لأنه هو الذي يختاراها ولو جلب من الأرض حفنة من التراب وأهداها لها لأحتفظت بها وكأنها كنز لم يملكه أحدا غيرها ولكن عذرا ياقلبي فالحب ليس لك والهدية ليست من أجلك فلا تحزن ولا تبتأس لأنه لن يشعر بحزنك. 


بعد قليل لفت نظر عائشة شيئا وقالت :ماذا عن هذا القلب، سلسلة فضية على شكل قلب. 

يوسف:جميلة جدا ورقيقة وستليق بها جدا. 


دخل يوسف المحل لشرائها ونظرت البائعة إلى عائشة وقالت :ستليق بكِ

عائشة :ليست لي. 


يوسف :هل هناك شيئا يعجبك؟ 

عائشة :لا. 

طلب يوسف من البائعة تغليف الهدية وكان يبدو عليه السعادة جدا. 


بالطريق ورد عائشة اتصال من جمال تكلمت معه بهدوء شديد واخبرته انها ستعاود الاتصال به عند الوصول إلى المنزل ولم يسمع يوسف كلمة واحدة وسألها من المتصل. 


عائشة :إنه صديق. 

يوسف :صديق غيري؟ 

عائشة :نعم الا يحق لي ذلك؟ 

يوسف :بالطبع لا الفتيات لاتصادق الرجال فنحن أخوة كبرنا بمنزل واحد بيننا شراكة يحق لنا ان نصبح أصدقاء ولن اسمح لأحد بتكوين صداقة معك غيري. 


ابتسمت عائشة وقالت :حاضر يااخي. 


أمام منزل عائشة تذكر يوسف انه لم يسألها عن حال والدها وماذا فعل بالمستشفى وشعر بالخجل اعتذر منها 

ودخل ليطمئن على والدها بنفسه،فرحت عائشة لأنه تذكر ذلك. 

صعد يوسف واسرعت عائشة إلى المطبخ تجهز العشاء لوالديها وعاودت الاتصال بجمال في هذه الاثناء. 


لم تسأله هذه المرة ايضا عن المشاكل التي يمر بها بحياته ولكنها شعرت أن هو من يريد التحدث هذه المرة اخبرته أنها ستعد الطعام لوالديها وتتصل به مرة أخرى. 


اتصلت عائشة بجمال مرة أخرى وكان يبكي بشدة سألته ماذا يحدث لك؟


اخيرا وثق بها جمال وفتح له قلبه


جمال :أخي يعذبني يمنعني من رؤية ابني الذي لم يتجاوز السته أشهر ويحبسني بالغرفة ويمنع عني الطعام والشراب ويضربني احيانا. 


عائشة بحزن :لماذا؟ 

جمال :طمعا في ميراثي من والدي يظن أنه إذا تخلص مني سيصبح وصيا شرعيا على ابني ويصبح له حرية التصرف في إدارة الشركة. 


عائشة :لا اصدق أن هناك إنسان يعامل اخيه المريض بهذه القسوة. 


جمال :بل يفعل أكثر من ذلك منع عني الحلاق والممرض 

واحيانا يمنع عني الطعام والشراب واصابتي هو من تسبب بها. 


بكي جمال وبكت عائشة وطلبت منه أن يبلغ الشرطة. 

جمال :كيف وهو الذي يعتني بالعمل ولولاه لخسرنا كل الاموال ولن يتبقى شيئا لأبني. 


عائشة :عليك أن تتصدى لهذا الظلم ولا تستسلم هكذا. 

جمال :ماذا أفعل؟ 

عائشة :أين زوجتك؟ 

جمال :زوجتي اجنبية توفيت وهي تلد ابننا ودفنت بأمريكا. 


عائشة :ماذا عن اقاربك؟ 

جمال :جميعهم يتخذون صف اخي بسبب مصالحهم الشخصية ومنفعتهم فهم شركاء بالعمل. 


لدي خالة واحدة تحبني وتشفق علي وتدافع عني ولكنها تعيش بالصعيد ومسنة لا تستطيع السفر. 


باقي ج٧

عائشة :وماذا ستفعل إذن؟

جمال :أفكر بالزواج بواحدة واجعلها وصية على ابني في حال إذا حدث لي شيئا، مثل وظيفة وستمنح مبلغ مالي كبير مقابل ذلك. 


عائشة بلهفة :ألم تتراجع عن فكرة الانتحار بعد؟

جمال :تراجعت بالفعل ولكن لن يتراجع أخي سيتخلص مني دون أن تقع اي مسئولية على عاتقه ويظهر للعالم أن موتي انتحار وليست جريمة.


عجزت عائشة عن حل هذه المشكلة بعدما طلبت منه كثيرا أن يبلغ الشرطة ورفض. 


بعد يومين 

ذهبت سهيلة إلى العمل والتقى بها يوسف وقدم لها الهدية ويبدو أنها لم تهتم لذلك فهي من الأساس لم تفتحها حزن يوسف لذلك جدا واتصل يشكو لعائشة مما فعلته سهيلة.


طلبت منه عائشة ألا ينزعج ويحاول ان يصالحها مرة أخرى.


مرت عدة أيام وخالد لم يمر لتناول القهوة كعادته.


عائشة تتابع حالة جمال واصبحت مركز اهتمامها لدرجة انها كانت تبحث معه عن عروس تتزوجه وينتقل معها إلى منزل آخر وتعتني به هو وابنه وتحميه من بطش أخيه.


بمرور الايام

ظن جمال ان إهتمام عائشة وشفقتها على حالته حبا وليس مجرد اهتمام عادي.


سألته عائشة ذات يوما هل عثرت على العروس التي تبحث عنها بين زميلاتها ولكن كلهن رفضن الارتباط بجمال بظروفه هذه. 


جمال :نعم، عثرت عليها. 

عائشة بفرحة :من؟ 

جمال :أنتِ. 


                     الفصل الثامن من هنا 

لقراءة باقي الفصول من هنا

تعليقات



<>