رواية احببت معقدة
الفصل الثامن 8
بقلم فاطمة سلطان
اذكروا الله
_________________________
فليسقط الْعَالِم بِأَكْمَلِه ولتذهب تِلْك الافتراءات إلَيّ الْجَحِيم كُنْت مُتَأَكِّدَةٌ إنَّنِي سَاجِدٌ الْأَمَانُ فِي حضنك وَلَن أَجِدْهُ فِي بَيْتِي
فلتسقط تِلْكَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يَقُولُهَا النَّاسُ فَهُمَا يَجْهَلُوا مَعَ هُوَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامِ ليحدثونني عَنْه .
________________________
في شهر مارس من عام ٢٠١٦
انغمست هدير في تلك الحسابات التي تعيش بها شخصية مستعارة فهي تحاول ان تتحدث مع الناس دون خجل ظننا منها ان خجلها سبب عُقدتها في الحياة، ربما كانت قد تركت تلك الحسابات لفتره ولكنها عادت لها حينما اختفت سارة قليلا بسبب انشغالها في زفاف اخيها الذي قرر اخيرا الزواج وتغير اعتقاده ولكن كان حفل زفاف اخيها في البلد
وكانت هدير في هذا اليوم تقلب هديرعن اي شي في الفيس بوك لعلها تستطيع إكتشاف شي جديد يشغل وقتها فدخلت علي صفحه ما بالخطا الشائع الذي قد يحدث مع اي شخص، لتظهر لها فيديوهات ومناظر لم تتخيلها في حياتها، كانت تظن أن تلك الاشياء مُحرمة او ان هذا الشي يكون في تلك المواقع الاباحية التي ليست متوفرة او يعلمها الجميع لم تتخيل ان هذا الشي انتشر في الاستخدامات اليومية
هل تصبح العلاقات التي يجب ان تكون علاقات خاصة بين الرجل او المرأة حينما يجمعهم الزواج او حتي وان كان ذلك الشي بغير زواج . هل تُصور في اي حاله تلك اللحظات ؟؟ و تنتشر بهذا الشكل ؟؟
ولكن الإنسان لم يكن يوما ملاك وللأسف ليس هناك اسوء من نفسك الامارة بالسوء لتشجعك
انكرت هدير المنظر تماما حتي انها خجلت وشعرت بالتقزز ولكن هذه المرة دفعها فضولها لتتابع بعض التعليقات التي تركها بعض الاشخاص
كانت متعجبه من كمية الاشخاص التي قد تركوا بعض التعليقات علي شي كهذا كانت من الممكن ان تقل دهشتها اذا وجدت ان هذة الفيديوهات في صفحه غير عربية
ولكن تلك التعليقات كانت غريبة
بها مصطلحات تقسم انها لم تكن تفهمها لتقابل تعليقات أخري تشرح مفهوم مختلف تماما عن المتعة، اغلقت كل شي حتي انها كانت علي وشك ان تفرخ ما في جوفها ولكنها تحاملت حتي لا تقلق عمتها عبثا
لم تكن ساذجه لتفهم بعض الاشياء ولكنها وجدت اشياء ليس يجب ان تعلمها
عن العلاقات من هذا النوع ولكنها لم تتخيل ان تجد هذه الكمية من البشر لا يخجلوا مما يكتبوه، تعلم انهم بالتاكيد ليست هذة الحسابات الرسميه لهم ولكن هل من الممكن ان يكتب تلك الكلمات شخص جيد ؟؟
كيف تنتشر الفاحشة بهذا الشكل فالوقت الذي انتشر به النور علي الاقل
ظلت تردد انهم لابد ان يكونوا اشخاص سيئة ..
فهل تصبح المواقع الإلكترونية التي تهدف لنشر الثقافة والتكنولوجيا والعلم وغرضها التواصل بين الناس هل من الممكن ان يكون بها كل ذلك السوء ؟؟؟
نامت بعد فتره من الأفكار الغريبة و تولد لديها شعور لاول مره تشعر به هو انها تريد التجربة واستكشاف كيف يفكروا الناس بهذا الشكل تريد ان تعلم شعورهم كان فضولها وشيطانها مسيطران عليها بشكل كامل
ومع مرور الايام كانت هدير كل ليلة حينما تنفرد بنفسها تقرا تلك التعليقات وتلك الكلمات ربما صور عقلها الباطن ان هناك متعة في ذلك مثلما يقولون، حتي انها اصبحت لا تفتح حسابها الشخصي كثيرا ...
اهملت الاشخاص الجيدة التي كانت تقرا لهم
ربما كانت محتفظه ومازالت متعلقه بقراءة ( منشورات عبير نيازي )
وكانت دائما في صراع نفسي بين ضميرها وبين نفسها دائما تلوم نفسها علي ما تقرأه او ما تراه، ربما لم تكتب شي او كلمه ولم تعجب بشي فقط تشاهد تلك الفيديوهات وتقرأ التعليقات في صمت ليس حبا في هذه الأشياء ولكنها كانت تصنع لنفسها شي مختلف تريد ان تشبع فضولها في أشياء تلوم نفسها عليها
تريد ان تنسي هدير وتنسي قاسم حتي لو لمده دقائق في اليوم
وحينما تنتهي من المشاهدة تبدأرحلتها في لوم نفسها وكره ذاتها، ولكن مازالت نفسها تحرضها بانها لا تفعل شي غير المشاهدة وهناك من يفعل أكثر منها فهي شخص جيد بالنسبه لهذه الاشخاص و كأن تلك المقارنة السخيفة ترضيها، ربما لانها لا تستند علي إيمان قوي بأن هذه الاشياء ذنب ولا يوجد به نقاش، وبدأ صراعها مع ذاتها ودخولها لعالم ملئ بالاثم والذنوب والامراض النفسية والعصبية...
______________________
( علي لسان هدير )
خليني اقول كلمه اللي بيخلي الانسان يتجه لحاجات كتيره مش بس في الحاجات دي هو الفضول لان كلنا عندنا فضول بس لازم يكون في محظورات وحاجات تترفض وقلبنا وإيمانه يقول عليها لا قبل ما حتي فضولنا يقودنا ليها
مفيش احساس اصعب من انك تحس انك مش عارف اللي انتَ عارف انه حلال هو حلال فعلا ؟؟؟ وان اللي انتَ عارف انه حرام ده حرام فعلا ؟؟
وفي فرق باللي انا مقتنعه بيه و فرق كبير بين اللي الناس بتقول عليه هو اللي ارتب عليه حياتي
الإيمان مبني علي الإقناع والاقتناع وعمر الدين ما يتاخد من ناس مش فهماه من الأساس
الإيمان الصحيح مش مجرد المعرفة بالحرام و بالحلال انتَ مؤمن
لان اللي بيخليك تعمل الغلط اسباب كتيره لانك بتبقي مش مقتنع انه حرام او ليه ربنا حرمه من الأساس بتردد اللي الناس بتردده وخلاص
__________________
في صباح يوم من أيام الربيع
أستيقظت هدير من نومها بكسل شديد يصاحبها في الآونة الأخيرة، ارتدت ملابسها لتذهب الي الجامعة بعد عوده سارة وانتهاء زفاف أخيها
ودعت هدير عمتها وذهبت لقضاء يوم روتيني ولكنها لم تكن تعلم ما هو الشي الذي ينتظرها في المنزل
_____________________
كان قاسم ينزل من منزله وفي طريقه الي الصيدلية حيث يتواجد كريم بعد ان أصر عليه ان يأتي ويجلس معه
وحينما نزل وجد تلك الثرثارة التي تُدعي ام محمد خلفه وتنادي عليه فاستجاب أخيرا لندائها والتفت لها
ام محمد بانزعاج و تأفف
- ايه يا قاسم مش سامعني عماله بنادي عليك
قاسم حاول ان يبتسم وتحدث في نبرة مهذبة
- معلش مكنتش مركز، حضرتك عامله ايه ؟؟ ومحمد عامل ايه هو وهشام
ام محمد بمكر وكلمات حادة وسخيفة فالبعض يري التدخل في العلاقات وخصوصيات الأشخاص شيء من حقه، ليس من حق شخص التدخل في أمر وعلاقة اي شخصان مدام لم يعطيه أحد الطرفين الحق في ذلك
- الحمدلله مبقناش نشوفك يعني ولا حاجه ده انا بشوفك صدفة معدي في الشارع ولا بقيت تطلع تسلم و لا اي حاجه
قاسم باحراج وانزعاج في انن واحد فهو يعلم ما التي ترمي عليه تلك المرأة
- معلش بس مشغول شويه بسبب المعمل وكده ادعيلي
ام محمد : بدعيلك يا حبيبي، ربنا يوفقك
ثم أردفت بتدخل كالعادة في شئون الآخرين فهي لن تتركهما في حال سبيلهما
- مش ناوي تفرحنا بيك
قاسم حاول ان يتصنع المرح : ليه هو انا مضايقك يعني
ام محمد : يا بكاش قصدي يعني تتجوز وتفرح امك بقا
قاسم حاول ان يقطع الحديث ومازال يحافظ علي نبرته المهذبة
- ادعيلي لسه النصيب
ام محمد بتردد ان تفاتحه في ذلك الموضوع
- هو انتَ زعلان يا واد يا قاسم بسبب موضوع هدير القديم ...
كان قاسم مشغول في شي آخر ولم يهتم بكلماتها وجد سيارة حسني تدخل الشارع وبجانبه شخص ما يرتدي نظارة شمسية فالواقع لم يحدد ملامحه، وجد ان السيارة توقفت عند بيت هدير وهبط منها ذلك الرجل
وهو يرتدي بدلته بكل وقار رجل يعتقد انه في أوائل الخمسينات، ربما جسده متناسق بعض الشيء ويظهر بعض الخصلات البيضاء التي تنتشر وسط خصلات شعره الفحمية دخل الي المنزل، وحسني أخذ سيارته وذهب مرة أخري لا يعلم الي اين، وكأن قاسم محتار هل هو ام لا ؟؟
ام محمد وهي تحاول ان تستعيد ذاكرتها
- مين الراجل ده انا فكراه ياربي ...
قاسم بتأكيد بعد ان كان مجرد شك حينما تذكر انه قد رأي في احدي المرات صوره له مع هدير في عيد ميلادها التاسع
- ده ابو هدير
ام محمد بتذكر فمرت سنوات كفيلة بأن تجعل الانسان ينسي
- ايوه هو، العز باين عليه اما راجل ناقص صحيح مخلي اخته تصرف علي البت وشكله مبسوط
رُبما قاسم استغرب قليلا بسبب تفسير ام محمد السريع وكأن تلك البدلة التي يرتديها هي حسابه البنكي فتلك هي ام محمد التي تتغير
- طيب عن اذنك علشان مستعجل
ذهب قاسم الي الصيدلية دون أن يتفوه بحرف مع كريم وأخذ يحاول الاتصال بهدير ويعلم هل هي في المنزل ام لا
فهو لا يتنبأ بعلامة خير إطلاقا لرؤيه هدير والدها برغم مرور تلك السنوات ولكن القلب مازال يتألم ....
________________________
صعد عماد الي المنزل بعد غياب احدي عشر عاماً فتحت له هاجر بعد ان دق الجرس، لتفتح هاجر الباب وهي مصدومة لا تصدق ما تراه هل هو شقيقها أيضا، فأردفت قائلة بدهشة
- عماد
عماد ابتسم لها وأخذها في حضنه، فخرجت هدير وسارة من الغرفة بسبب صوت الجرس وبفضول ليعلموا من الطارق، ولم تسمع هدير إتصالات قاسم فعلي ما يبدو تركته في الوضع الصامت من ليلة أمس وكالعادة لم تكن تحتاجه في وجود ارة فأحاديثها تغنيك عن أي شيء أخر، وجدته أمامها شعرت بالوجع فلم تتغير علامات الزمن عليه الا بعض التجاعيد في وجهه ولكنها تستطيع ان تعلم انه هو
عماد أردف قائلا وهو يبتعد عن هاجر ونظر الي هدير
- انا اللي قولت لحسني ميقولش ليكم علشان تكون مفاجيء
كانت هدير تقف بجانب سارة وأمسكت يدها بقوة نفس الشعور الذي تولد لديها حينما كانت مع قاسم أمام الجماعة، وكأن وجوده استطاع ان يشعرها بالغربة في وسط بيتها، شُعرت بالغربه التي لم تشعر بها يوما، وجوده كفيل ان يجعلها تشعر بالغربة وكأنها في مكان غريب لا يوجد أحد تعرفه به وجسدها تخشب ولكنها تحاول الصمود ..
عماد أردف قائلا بابتسامة لم تشعر هدير بأي أمان
- كبرتي يا هدير لولا ان شوفت صورتك علي الفيس بوك من ابن عمك مكنتش عرفتك ...
اقترب منها ليأخذها في حضنه وكانت هدير تبتعد بحركة لا ارادية منها بعد ان تركت يد سارة، ولكنه لم يبالي بحركتها واقترب أكثر وأخذها في أحضانه لتشعر انها علي وشك الاختناق وان أنفاسها قد ذهبت، شعور غريب لا تتحمل رؤيته حتي
ابتعد عنها عماد حينما شعر بتخشب جسدها في أحضانه، كانت نبضات قلبها كانت ضعيفه تماما كحال من تدق بداخلها
هاجر تحدثت حتي تخفف من حدة الاجواء
- اقعد يا عماد نورت معلش بس احنا اتفاجئنا
ابتعد عنها عماد وصافح سارة وحاول ان يبتسم في وجهها بعد ان عرفته بهويتها وهو مذهول من مقابلة هدير له، هل كان يتوقع منها ان تأخذه بالأحضان ؟، جلس علي الاريكة بجانب هاجر التي كانت تشعر بالتوتر هي وسارة من ملامح هدير المبهمة
فأردف عماد قائلا
- عارف اني صدمتكم و جيت فجاه كده بس كانت الظروف والله
هاجر باستغراب فهي لم تفهم أي ظروف تلك وعدم فهم اما هدير كانت صامته تتابع بصمت
- ظروف ايه دي
عماد أردف قائلا ليقص هذه النقطة دون تفكير او مقدمات ولكن لا يعلم انه وضع الوقود فوق النار
- حمايا اتوفي اول امبارح فكان لازم اجي للاسف
نظرت له هاجر بأعين مذهولة تماما حت انه عجز لسانها علي الرد بعد ثواني من الصمت، صدعت ضحكة ساخرة من هدير، فأردفت قائلة بغضب وحدة
- الظروف قوية لدرجة انك قدرت تنزل بالسرعة دي لحقت تيجي و تسيب شغلك، حماك اتوفي ده أسوء خبر سمعته اكيد في حياتك ده اسوء من موت مراتك وأنك متشوفش وشي ولا تعرف انا ايه اخباري من اكتر من عشر سنين
مش عارفه انتَ عايز ايه مني وله عايز تعمل فيا ايه، كنت جيت و روحت في اي حته كان هيبقي احسن من اني اشوفك واعرف انته جاي ليه، انا بكرهك ده الغريب عني بيشيل همي اكتر منك
لم يكن عماد قادر أن يتحدث كانت كلماتها كان كفيلة بأن تلجمه وتجعله غير قادر علي النطق، فهل يظن ان المصروف الشهري الذي يرسله لها منذ عامين كفيل بأن يجعلها تسامحه وتغفر له، ركضت هدير قبل ان تنهار وفتحت باب الشقة لتخرج من المكان الذي يتنفس به تحت صدمة ساره وهاجر وحتي عماد الذي مازال لا يفهم
هاجر وكأنها استيقظت من صدمتها أخيرا
- الحقيها يا بنتي شوفيها راحت فين
فهبطت سارة وأستجابت لحديث هاجر، فأردف عماد بانزعاج شديد
- هي اتجننت ورايحه ازاي تقول كده في وشي هي دي تربيتك يا هاجر علمتيها تغلط في ابوها
- اه تربيتي اللي مش عجباك دي انا كنت بكمل واجبك الناقص، فبلاش كلام يوجع و كلام ملوش لازمه علشان انتَ اللي هتزعل
وقف عماد وفي طريقه الي باب الشقة ويري الي اين ذهبت، فاوقفته هاجر بحدة
- ياريت تقعد ومتفرجش علينا الناس في الشارع ، تروح وراها ده لوحده هيسبب ليها مشكله اكبر سارة معاها
ثم أكملت حديثها بنبره منزعجة تماما ومنفعلة وكأنها هي أيضا لا تستطيع الصمت
- ازاي بكل عين قويه تقول كده وخصوصا قدامها انتَ للدرجاتي اتعدمت الاحساس ...
____________________
كانت هدير تمشي وهي تبكي، لا تعلم الي اين تذهب مرت بجانب الصيدلية وجدته يقف بالداخل وهو متوتر ويبدو انه يفكر في شي ما ويمسك هاتفه فهي لم تكن تعلم انها هي الوحيدة التي تشغل تفكيره
هدير دخلت الصيدلية وأردفت بنبرة ضعيفة جدا وتحم الكثير من الاشياء التي تعلمها والتي لا تعلمها، تشعر وكأن روحها سُلبت منها، هتفت اسمه بضعف شديد جدا
- ق... قاسم
وجد قاسم شكل هدير الذي كان يتوقعه ودموع لا تتوقف ويعلم ان قلبها ينزف، وربما فعلت هدير أسوء شي قد تفعله به في تلك اللحظة التي لم يأتي في بال قاسم فهي لم تعبأ بالمكان ولم تهتم بأي شي فهي تريد ان تحتضنه دون ان تفكر بعواقب او حتي برده فعله، فاقتربت منه والقت نفسها في حضنه دون سابق انذار لتبكي وتشهق بطريقة غير طبيعية، وحاوطت عنقه فلم تفعلها وهي طفلة ولكنها فعلتها، شعر قاسم بتخشب جسده وكأن الدنيا توقفت بسبب فعلتها واشعلت بداخله الكثير من الاشياء
عقارب الساعة توقفت وتوقف كل شي لا يشعر بشي سوا بضربات قلبه وقلبها ويشم رائحتها ويسمع بكائها وشهاقتها التي لم تتوقف تتحدث بكلمات مبعثرة لا يفهمها كأنها تشكي من شيء يشعر به ولكن لا يفهمها
لم يضمها له ولم يحرك يديه وكأنه غير قادر ان يبعدها عنه ولا حتي أن يعانقها
