رواية إعلان ممول الفصل الثاني 2 بقلم رحمة نبيل & فاطمة طه سلطان

       


رواية إعلان ممول

الفصل الثاني 2

بقلم رحمة نبيل & فاطمة طه سلطان



صلوا على نبي الرحمة .

__________


تجلس روضة مع صديقتها وجارتها العزيزة سلمى التي استنكرت أفعالها ثم هتفت في ضيقٍ :


_والله حرام عليكي يا بنتي اللي بتعمليه ده، مش ده الشيخ داوود اللي كنتي هتموتي عليه وكنتي بتحاولي تلفتي نظره بكل الطرق وبقيتي تلبسي كويس علشانه  وأنا اللي قولت أنه عرف يغيرك فعلا.


نظرت لها روضة في ضيقٍ ثم أستطردت محاولة إيجاد مبررات أمام صديقتها:


_أيوة بس أنا دلوقتي مبقتش حساه ولا حاسة أن هو الراجل اللي يملى عيني، ويسعدني ويحققلي احلامي .


تمتمت سلمى في نبرة صريحة:


_لا أنتِ من ساعة ما ابن عمتك جه وأنتِ اتروشتي وبقيتي شايفة نفسك على الراجل مع أنك اللي فضلتي تجيبي رجله في الأول وكانت أمنية حياتك يبصلك بس، راجعي نفسك يا روضة اللي بتعمليه ده غلط وميصحش تكون واحدة مخطوبة لواحد وبتبص لواحد تاني، لو كده سبيه وخلاص.


هتفت روضة في برود وكأن صديقتها جاءت بطرف الخيط التي تريده:


_والله أنا بقيت عاوزة أسيبه فعلا يا سلمى بس مفيش حاجة بيعملها غلط، وبعدين ماما مبهورة بيه وكل ما احاول أقول حاجة تقعد تقولي ده مفيش زي داوود.


ثم قالت في نبرة خبيثة وهى تقوم بالعبث في خصلاتها:


_بابا قال الصبح أنه هيعزم عمتو وياسر علشان هو اجازة، وبفكر انزل اشتري دريس جديد كده يكون شكله حلو يبهره كده أنا سمعت أنه....


قاطعتها سلمى بانفعال وهي تنظر لها:


_بصي على أيدك يا روضة.


أردفت روضة في قلق:


_مالها أيدي؟!


قالت سلمى بنفاذ صبر:


_ أنتِ لابسة دبلة راجل وبتحاولي تبهري واحد تاني على الاقل احترميها لغايت ما تسبيه زي ما بتقولي.


تنفست روضة الصعداء ثم غمغمت في راحة:


_يا شيخة حرام عليكي خضتيني أفتكرت في حاجة في ايدي وعموما قريب جدًا هقلعها متقلقيش المهم ساعديني وفكري معايا ممكن ألبس أيه.....


قاطعهم نداء والدة روضة من الخارج، لتنهض روضة موجهه الحديث إلى سلمى:


_هشوف ماما عايزة ايه وجاية.


ذهبت وبعد مرور ما يقارب عشر دقائق كانت تأتي وهي تحمل صندوق كرتوني وتشعر بالاستغراب فهذه هى المرة الأولى التي يقوم فيها بشراء هدية لها في الأوقات الذي يكن بينهما خِصام ولأنه معتاد على شراء الأشياء ويعطيها لها مباشرة لا عن طريق مندوب..


_أيه ده؟!.


هتفت روضة وهى تفتح الصندوق في فضول شديد وانبهار لا تعلم مصدره وكأنها نفسها كانت من الضعف الذي يجعلها تتقلب ما بين القبول والرفض، هي حتى لا تعلم ما تريد نفسها :


_ده داوود، شكلي هغير رأيي وهكمل معاه ولا أيه ده باعتلي هدية شكله .


تعجبت سلمى من جنون صديقتها، فهى معتوهة  ومجنونة من الدرجة الأولى، وجدت روضة بداخل الصندوق كيس بلاستيكي قامت بفتحه في عجلة من أمرها وأخذت تخرج منه ما به لتُصدم بعض المنامات الحريرية الفاضحة..


شهقت في صدمة...

هل هذه الهدية التي وجدها داوود تليق بها!!!

ماذا يقصد هل فقد عقله؟!

هل هذا هو داوود الشاب صاحب الأخلاق الحميدة؟!.

هل يحاول أن يرمي لشيء ؟!


_أنا مش مصدقة أن داوود يبعتلي هدية زي دي؟! يمكن لو حد غيره أصدقها.


أعلن هاتفها المتواجد على الطاولة عن رسالة فألتقطته وقامت برؤية الرسالة التي وصلت لها من داوود والتي كانت تنص على:


"السلام عليكم يا روضة، يارب تكون الهدية عجبتك زمانها وصلت، أنا متأكد هتكوني زي الملاك فيهم، ومتعشم لما نتصالح أشوفك لبساه لما أجي ازوركم، أنا قدمت السبت ومنتظر الحد منك في رعاية الله"


قالت روضة في انفعال طفيف وكأنها وجدت الحجة التي ستتركه من أجلها:

_ده جاب أخره البيه وكويس أنها جت منه هخلع وأنا ضميري مستريح.


__________


تجلس أفكار أعلى الأريكة الوحيدة التي تتوسط بهو منزلها، صوت شهقاتها يعلو حتى كاد يغطي على صوت شجار النسوة أمام منزلها، ضربت أفكار قدميها في حسرة لا تصدق أن ذلك القذر أنهى الأمر بتلك السهولة بعد كل ما تكبدته لأجل الزواج ..


_ اه يا مرارك يا أفكار ياللي مش مكتوبلك الفرح، حتى القرد الوحيد اللي طلعت بيه من الدنيا مشي .


بكت وهي تردد بحسرة من بين شهقاتها :


_ كل ده عشان مرضتش اجهز أمه معايا ؟؟ هو أنا يعني لو جالها العريس هحوش عنها حاجة يا ناس ؟!


انغمست في بكاء حاد وهي تلمح بعض الأوراق التي توسطت الطاولة أمامها والتي كانت تخط عليها ما احضرته وما تبقى لتحضره من أجل زواجها، كل ذلك ذهب مع الريح، فقط لأن حماتها المصون تريد أن تحضر لها أجهزة كهربائية كما لو كانت على وشك الزواج ....


أمسكت الاوراق تمزقها بقهر وغل كبير وهي تصرخ:


_ منك لله يا محمد يا ابن أم محمد على قهرتي وحرقة قلبي دي، اللهي يارب يقعدلك يا شيخ وما تلاقي الراحة عشان تعرف وجعتني ازاي.


ختمت حديثها وهي تتنفس بصوت مرتفع جراء المجهود الذي بذلته أثناء تمزيق الأوراق، لتبصر بطرف عينيها والدتها تتقدم منها، تستند على أثاث المنزل حتى وصلت لها، لتلقي بجسدها الهش على الأريكة جوار ابنتها:


_ مالك يا بنتي بقالك ساعة مش مبطلة عياط، ايه اللي حصل؟!.


نظرت لها أفكار من بين دموعها تعيد على والدتها نفس الحديث الذي أخبرتها به ثلاث مرات منذ عادت للمنزل فهى تنسى ما تقوله لها، لكن لا بأس هي على أية حال تود أن تتحدث في الأمر :


_ شوفتي يا ما اللي عمله محمد المعفن بعد ما اتكرمت عليه ووافقت اتجوزه؟!


تحدثت سكر بوجع لحديث ابنتها :


_ عمل ايه يا قلب امك ؟!


بكت أفكار تلقي بنفسها بين أحضانها تنفجر في بكاء حار وكأنها ترثي نفسها وأيام اضاعتها فقط لأجل تجميع أموال، عملت بالعديد من الوظائف حتى أنها لا تستطيع عدّهم لكثرتهم، وكل ذلك لأجل تجميع أموال زفافها، ليأتي رجل _ حُسب على الرجال خطأ _ ويأمرها أن تتحمل ما لا طاقة لها تحت ستار العادات والأعراف.


_ قال أيه يا ما، عايزني اجيب لامه أجهزة كهربائية وحاجات معايا، هو أنا كنت عارفة اجهز نفسي الاول؟؟


_هي امه أطلقت وهتتجوز تاني ولا أيه؟!.


بكت أفكار أكثر وهي تستمع بتربيتات والدتها الحنونة والتي أسترسلت حديثها بحزن :


_ معلش يا بنتي والله هو الخسران، أنا أساسا الجوازة دي مكنتش داخلة دماغي، بس قولت عشانك أنتِ بس وعشان كان باين عليكِ عايزة الواد ده.


رفعت أفكار عينها من احضان والدتها تقول بقهر :


_ أنا مكنتش عايزاه هو، أنا كنت عايزة اتجوز وبس، عايزة ابقى زي باقي البنات يا أمي، مش عايزة احس اني أقل منهم ومحدش معبرني عشان اللي انا فيه ده.


قالت سكر في حدة :


_ وأنتِ مش زي البنات ليه إن شاء الله ؟! ده أنتِ ست البنات، كفاية جدعنتك وتعبك يا بنتي وأنك شيلاني فوق دماغك رغم أن الكل سايبني وراميني.


بكت أفكار وهي تلقي بنفسها بين احضان والدتها تردد بمزاح خرج من بين قهرها :


_ اديني قاعدة معاكِ اهو ياما ومش هعرف اروح في حتة، خلاص مبقاش ليا غيرك لغاية ما واحد تاني يفكر يخبط الباب.


ربتت عليها والدتها بحب تلاحظ استكانة ابنتها بين أحضانها :


_ يعني مش هتشتري الأجهزة يا بنتي ؟!


_ لا ياما خلاص بقى هحوش فلوسي لغاية ما اشوف 

أي مشروع اعمله، مبقتش عايزة أدخل في دوامة الجهاز والافراح خلاص.


ابتسمت لها سكر وهي تقول بسعادة كبيرة :


_ يعني هتشتري ليا الراديو؟!.


_____________


عاد بظهره للخلف بعدما كان منكبًا على أوراق بعض العطور لساعات وساعات، نهض يتمطأ يحاول تفكيك عضلات ظهره المتيبسة، لكن فجأة ظهرت بسمة على وجهه حينما تذكر ما فعل ..


نظر لساعة يده وهو يردد :


_الرسالة شافتها من بدري بس مردتش، معقول الهدية لسه موصلتش؟!..


اشتعل الحماس بين أوردته بقوة وهو يردد بسعادة :


_ يارب الهدية تعجبها، اكيد هتعجبها اوي دي ياما لمحت أنها عايزة تلبس الخمار.


شرد أمامه ببسمة بلهاء ولم يفق من خيالاته حول روضة التي ستتحدث معه وتخبره بأن الهدية أعجبتها وبأن الخصام بينهما قد انتهى حتى ابصرها أمامه وكأنها خرجت لتوها من عقله..


انفرج فم داوود عن بسمة مدهوشة لا يصدق أن الهدية أتت بتلك النتيجة السحرية، روضة تتقدم نحو محله بنفسها..


اعتدل في وقفته يلاقيها بترحيب كبير :


_ روضة ؟! ايه المفاجأة الحلـ


وقبل أن تكتمل كلمته تلقى بين أحضانه صندوق كبير كاد يخترق صدره بعدما دفعته روضة له وهي تصرخ بجنون لم يره قبلًا :


_ أنت فاكرني ايه يا محترم عشان تبعت ليا حاجة زي دي ؟؟


_ فاكرك ايه يعني يا روضة ؟؟ الهدية معجبتكيش ولا ايه ؟؟ ده انا مختارهم مخصوص عشانك واحد واحد بنفسي .


فتحت روضة عينيها بصدمة تحاول أن تخفي خجلها لتخيلها داوود ينتقي تلك الغلالات والثياب العارية القصيرة لأجلها ويرسلهم لها كهدية :


_ أنت اللي اخترتهم بنفسك عشاني ؟!


استغل داوود هدوئها الذي تولد من صدمتها بما فعل وقال بفخر يتذكر مجموعة الخمارات التي انتقاها بنفسه من أفضل محلات المحجبات :


_ اكيد، وانا بختارهم كنت متخيلك فيهم زي الملاك، أنتِ متعرفيش أنا حبيتهم قد ايه، اخترت ليكِ كل الالوان عشان معرفتش ايه اللي بتحبيه، ومن هنا ورايح حابب طول الوقت اشوفك بيهم .


أشارت روضة صوب الصندوق بصدمة :


_ بدول ؟! تشوفني بدول ؟؟ 


_ أيوة ياريت اشوفك بيهم على طول، ويا حبذا لو متطلعيش من البيت غير بيهم، حابب من هنا ورايح يكونوا عنوان ليكِ .


أشارت روضة لنفسها بفزع وهي تراه يتحدث عن الثياب العارية بكل اعتيادية وكأنه اهدادها حذاء أو ما شابه :


_ عنوان ليا ؟! عايز الحاجات دي تبقى عنوان ليا وتشوفني بيهم على طول ؟!


_ ده يوم المنى، ده أنا اتمنى أني أكون أول واحد يشوفك بيهم، وبالذات الاسود هيكون جميل عليكِ .


هنا وثارت ثائرة روضة وهي تخلع خاتم خطبتها قائلة بصدمة وصراخ :


_ أنت واحد قذر وحيوان، أنا كنت صح لما فكرت افسخ الخطوبة منك، اتفضل دبلتك اهي، مش عايزة اشوف وشك يا قليل الادب.


فتح داوود عينه بصدمة من ردة الفعل التي لم يتوقعها البتة، ما الذي حدث للتو هو لم يفعل شيئًا يغضبها، هل غضبت لأنها تظنه يحاول دفعها صوب الخِمار دفعًا دون إرادتها ؟؟ تظنه متحكم ويريدها مجبورة، بينما هو لم يقصد سوى تشجيعها .


_ لا، روضة أنتِ فهمتي ايه، أنا مش قصدي اجبرك تلبسيهم، والله براحتك أنا بس حبيت اشجعك لاني شوفتك مترددة تعملي كده .


اشتعلت أعين روضة أكثر وهي تصرخ بجنون :


_ اسكت أنت بتقول ايه؟! مترددة أيه وزفت ايه ؟! أنت مش واعي باللي بتقوله ؟؟ 


_ لا أنا واعي والله، جربي بس تلبسيهم وهيعجبوكِ دول خامتهم من الغالية، اقولك لو خايفة ميبقوش حلوين عليكِ أنا ممكن اجي معاكِ اشوفك لما تلبسيهم واجيب امي كمان تقولك رأيها هي بتفهم في الحاجات دي .


صرخت روضة بجنون :


_ امك، هتجيب امك كمان تتفرج ؟؟ ليه جايبني من شارع جامعة الدول؟ أنا قولت انكم عيلة مش مظبوطة والله، بقولك ايه دبلتك عندك وحسك عينك المح وشك تاني يا ديوث .


أنهت حديثها تركض من المحل بوجه مشتعل لا تدرك أغضبًا كان أم خجلًا، تاركة خلفها داوود يردد كلمتها بصدمة :


_ ديوث ؟؟ عشان جايب خمار ابقى ديوث .


سقط الصندوق أرضًا بصدمة من قوة الكلمة التي القتها بوجهه، لكن فجأة وحينما هوى الصندوق انفتح غطاءه كاشفًا عن تلك الهدية المزعومة، انحنى داوود ارضًا ببطء يبعد الغلاف الموضوع أعلى الهدية يضيق ما بين حاجبيه يحاول تبين قطع القماش مجهولة الهوية تلك، ما هذه الملابس الممزقة والـ...


فجأة صرخ داوود بصدمة متراجعًا للخلف وكأن وحشًا خرج من الصندوق، شحبت ملامحه وهو ينظر للصندوق مرتعبًا وقد استوعب هوية تلك القطع القماشية الغريبة يردد بجنون وبوجه محمر خجلًا :


_ ايه ده ؟؟ ايه ده ؟؟؟؟؟؟؟؟؟.


______________________


تجلس على الأريكة تضحك على تلك المسرحية الكوميدية التي تعشقها، فهى تعلم أن الوقت مازال باكرًا ولن يأتي زوجها الآن ويجلس بجانبها ابنها الكبير فلقد خلدت للنوم منذ قليل طفلتها الصغيرة وابنها الأوسط وبقى "علي".


بمجرد أن تنام صغيرتها تشعر بالراحة وتبدأ في ممارسة حياتها وتنظيف بيتها وأخذ حمام دافئ يريح أعصابها في نهاية اليوم....


وجدت باب المنزل يُفتح ويلج منه زوجها حامد، شعرت بالضيق فما الذي أتى به الآن؟!


الآن سيبدأ في سرد طلباته رُبما سيريد تناول الطعام بعد أن قامت بتنظيف المطبخ وأنهت كل شيء...


أبتسم لهم حامد وأغلق الباب ثم خلع حذائه وأقترب منهما وأردف في رفقٍ:


_مساء الخير، أيه البيت ساكت كده ليه؟!.


أجابه علي في هدوء:


_أبدًا مريم نامت يا بابا وكمان زياد نام وفضلت أنا وماما.


كاد أن يتحدث حامد فنظرت ألاء إلى الساعة قائلة في سرعة من أمرها:


_يالهوي دي الساعة ١١ وأنتَ لسه صاحي بكرا عندك يوم طويل في المدرسة يلا يدوبك تنام.


أنهت حديثها ونهضت وأخذت ابنها رغم رفضه في البداية فهو يريد السهر قليلا مع والده ولكنها تجد أنه من الأفضل نومه الآن من أجل المدرسة الذي سوف يستيقظ لها باكرًا..


فتوجهت إلى الغرفة تحت نظراته المنزعجة، ومع ذلك حاول أن يهدأ قليلًا وينتظر أن ينام "علي" ثم ستخرج من الغرفة على أية حال، فأغلق هو التلفاز ثم توجه إلى غرفة نومهما وقام بتغيير ملابسه ووضع عطره وأخذ ينتظرها..


بعد نصف ساعة تقريبًا أتت ألاء ونظرت على الصغيرة الموضوعة في فراشها الخشبي الصغير المتواجد معهما في غرفة النوم وقالت في خفوت:


_الحمدلله مريم نايمة، يدوبك ألحق أنام ساعتين قبل ما تصحى.


تحدث حامد في نبرة حاول أن يتمالك أعصابه بها قدر الإمكان:


_تنامي أيه يا ألاء أنا عايز أقعد معاكِ شوية واديني مروحتش القهوة وجيت علطول.


عقبت ألاء على حديثه في ضيقٍ وهى تصعد على الفراش وتدثر نفسها بالغطاء:


_مهوا برضو بتيجي متأخر يا حامد وأنا تعبانة وعايزة أنام ولا فايقة أتكلم ولا فايقة لأي حاجة، كنت بدرت شوية عن كده.


كز حامد على أسنانه ثم قال في غضب حاول كتمه قدر المستطاع ولكنه على وشك الانفجار:


_مهوا لو جيت بدري العيال هيبقوا صاحيين وهتقوليلي مش فاضية ولو جيت متأخر بعد القهوة هتكوني نايمة أصلا.


_ما طبيعي أكون نايمة يا اخي أنتَ ليه مش مقدر أني تعبانة من الصبح بصحي وألبس للمدرسة وبعدها اقعد طول اليوم مع مريم أغير وأرضع وأنيم وأعمل الفطار الصبح قبل ما يصحوا غير الغداء والعشاء، وأنتَ عايز تيجي تلاقيني فايقة ليك صح؟!!!.


تمتم حامد في سخرية شديدة:


_مش شايفة أنك مكبرة الموضوع أوي، ده ماما معاكِ وأمك ساكنة في الشارع اللي ورانا ودايما بتيجي تشيل معاكِ غير أم ياسين اللي بتيجي بتساعدك أنتِ مش شايلة الحمل لوحدك، أنا مبقتش عارف أقعد معاكِ عشر دقايق على بعض ولو قعدنا بتقعدي تشرحيلي قد اية أنتِ تعبانة، هو مفيش ست أتجوزت وخلفت غيرك؟!.


استغفرت ألاء ربها ثم أردفت:


_بقولك أيه يا حامد لو عايز تتخانق استنى لما أنام واصحى ونتخانق براحتنا، أصل أنتَ مش حاسس بيا ومهما كانوا كل دول بيساعدوني أنا أم لثلاث عيال مسؤولة عنهم.


في حاجة أنتِ نسيتها أنك كمان متجوزة والمفروض تهتمي بيا وتشوفيني محتاج أيه.


تحدثت ألاء في انفعال شديد:


_حامد أنا مش لاقية وقت أهتم بنفسي علشان أهتم بيك مش كل شوية هنتكلم في نفس النقطة دي استنى عليا واديني وقت البت تكبر شوية وأشم نفسي وبعدين أحنا مش لسه متجوزين علشان تقعد تقولي الكلام ده، في حاجات دلوقتي مهمة في حياتنا غير إني أهتم بيك وشغل المراهقين ده..


صاح حامد وهو ينهض في غضب شديد:


_تصدقي أنا غلطان إني بتكلم معاكِ، الكلام معاكِ مش نافع أنا غاير في داهية وسايب البيت ليكي.


عقبت ألاء في جمود:


_براحتك يا حبيبي، أنتَ أصلا بتدلع وعايز تعمل حوار وخلاص، المهم بس متزعقش علشان البت متصحهاش ولا العيال تصحى...


زفر حامد في ضيقٍ شديد وهو يصفع باب الغرفة خلفه بعد أن أخذ ميدالية مفاتيحه وهاتفه ثم غادر الشقة بأكملها دون حتى أن يغير ملابسه المنزلية وتوجه صوب منزل خاله...


وبالفعل بعد ساعة تقريبًا كان وصل إلى منزل خاله "جمال" الذي يبلغ من العمر خمسون عامًا وقام  باستقباله في ترحاب رغم تأخر الوقت...


كان حامد يجلس أمامه غاضبًا لم يتفوه بأي حرف، حاول جمال أن يعرف ما يحدث مغمغمًا:


_مالك يا حامد أيه اللي جايبك في الوقت المتأخر ده يا ابني؟!.


تحدث حامد في نبرة مختنقة معتذرًا:


_معلش يا خالي جيتلك كده من غير ما أتصل وفي وقت زي ده...


قاطعه جمال في عتاب طفيف:


_عيب عليك يا ابني، أنا بس عايز أعرف مالك وبعدين ده بيت خالك يعني بيتك تيجي في أي وقت.


أردف حامد في احراج وغيظٍ:


_اتخانقت مع ألاء كالعادة، وبصراحة اتخنقت أنا هكمل في الجوازة دي حتى لو أمي وداوود مش هيحضروا.


______________


تقوم بمتابعة برنامج الطبخ المفضل لها، تحاول تدوين أكبر كم من الوصفات الشهية لأجل تجربتها في يومٍ ما.


فجأة ارتفع رنين جرس الباب تزامنًا مع ارتفاع طرقات حادة لحوحة جعلتها تنتفض من مكانها فزعة :


_ يووه جرا ايه مين اللي على الباب ؟! اصبر يا خويا مش نايمة وراه .


تحركت جيهان صوب الباب بحنق شديد تتوعد في نفسها لمن يطرق بهذا الشكل المفزع، لكن وبمجرد أن فتحت الباب وجدت مظهر صغيرها الحبيب بوجهه الشاحب وملامحه غير المقروءة والوجع المستوطن وجهه.


ضربت جيهان صدرها فزعة :


_ فيه أيه يا داوود مالك يا بني ؟! وشك مخطوف كده ليه ؟!


ألقى داوود نفسه بين أحضان والدته وقد اثقلت الاحزان صدره، استند برأسه على كتف والدته وهو يهتف بوجع :


_ حاسس أن الدنيا بتدور بيا.


شهقت جيهان بفزع تربت على ظهره بخوف شديد وكلمات ابنها الحبيب توغر صدرها بقوة :


_ بعد الشر عنك يا حبيبي، مالك ايه اللي حصل؟! قولي يا ضنايا.


قال داوود بحسرة وقهر شديد :


_ صورتي اتهزت في عين روضة وبقيت شخص زبالة، مفكراني واحد صايع دي قالت عني ديوث يا ما


_ قطع لسانها ده أنتَ سيد الرجالة، ما عاش اللي يهز صورتك ولا ينزل من قيمتك يا ضنايا، حصل أيه يا بني؟!


تنهد داوود بألم يستند على كتف والدته هامسًا :


_ روضة جاتلي وسابت دبلتها وفسخت الخطوبة يا امي، بعد كل اللي عملته، عشان...


وقبل أن يفكر حتى في أن يسترسل حديثه كلماته التالية كانت والدته تبعد عن كتفها تطلق زغاريد رنّ صداها في المنزل بأكمله حتى كادت أعمدته تهتز لها وصوتها يهلل فرحًا :


_ يا ألف نهار ابيض يا ألف نهار مبروك، يا دي المنى يا دي الهنى اللي انا فيه...


كانت تتحدث وهي تدور كفراشة خفيفة أمام المنزل وصوت زغاريدها ما يزال يرن وداوود واقف على أعتاب منزله مصدوم مما يحدث :


_ فيه ايه يا امي ايه اللي بتعمليه ده ؟؟


قالت جيهان وهي تكمل زغاريد حتى كادت أنفاسها تزهق :


_ اسكت ده أنا ندرتها يا حبيبي، أنا كنت نادرة يوم ما ربنا يخلصك من البنت دي لازغرط لغاية ما لساني يعطل. 


مسح داوود وجهه بغضب يحاول السيطرة عليه :


_ أنا مستقبلي اللي كنت بخطط ليه ضاع  وخطوبتي اتفشكلت وأنتِ بتزغرطي؟!.


شعرت جيهان بحزنه لتقترب منه قليلًا :


_ يا حبيبي دي والله ما كانت تنفعك، دي وخداك على فلوسك يا بني، ربنا يعلم اني عايزة مصلحتك ده أنت اقرب ليا من نفسي يا داوود، بس يا بني والله دي ما تنفعك والحمدلله ربنا خلصك منها بدري بدري .


ألقى داوود بجسده على الأريكة لا يعلم كيف يجيب والدته وصمت بشرود يحاول البحث عن عيب فيها تراه والدته ولا يراه هو، روضة لطالما كانت الفتاة الخلوقة الهادئة التي يحلم بها أي شاب، لا ينكر أنه أعجب بها ونال هدوئها استحسانه وارتضى بها زوجة له تحديدًا حينما بدأت في التغيير من أجله لكنه لم يُغرم بها للدرجة التي تجعله يبكي فراقها...


هو فقط حزين لتدمير مستقبل ظنه مشرقًا ملئ بالحب والدفء مع عائلة صغيرة لطيفة، يبكي صورته التي ظهرت أمامها كشخص بلا أخلاق رغم كل ما يظهره للجميع من محاسن اخلاق وكل هذا لأجل هدية ملعونة اختـ.


انتفض فجأة داوود من أفكاره بأعين مشتعلة جعلت والدته تتعجب من أفعاله وقبل أن تتحدث بكلمة سمعت كلماته الغاضبة :


_ اقسم بالله لافضحهم واحد واحد وهكلم الصفحة وشركة الشحن.


وبمجرد انتهاء كلماته هرول للخارج بجنون وفي رأسه شخص غاضب وثائر لأجل ذلك الخطأ الذي كلفه الكثير .


كانت جيهان تراقبه بأعين متسعة بذهول وهي تردد :


_ الولد ده حصله ايه ؟؟ منك لله يا روضة على اللي عملتيه في العاقل اللي حيلتي .....


_______________


في إحدى شركات الشحن، كانت تجلس رفقة بعض الفتيات اللواتي جئن لمواساة صديقتهن التي فكت لتوها زفافًا كاد يتم بعد فترة وجيزة، منهم الحزين ومنهم المتشفي..


كانت افكار تتوسط الجميع وهي تقص عليهم بغيظ وقهر :


_ وقال ايه عايزني اجيب أجهزة كهربائية لامه معايا هو أنا عارفة اجهز نفسي لما اجهز أمه معايا ؟؟.


تشدقت إحدى الفتيات جوارها بتقزز :


_ اخيييه عليهم عالم معفنة، ايه يا ختي النطاعة دي ؟؟ مش كفاية هتجهزي ليه شقته المقشف ابن المقشفة، لا وهتجهزي شقة أمه كمان ؟؟ يا ختي بركة أنه غار في داهية .


نظرت لها أفكار بحسرة :


_ ويقولك أصل اختي جابت كده، أخته مين الكداب هو لاقي ياكل عشان يجهز أخته وحماة اخته، ولما هو مقتدر أوي كده ميجهزش أمه ليه بالمرة معاهم .


ضحكت صديقة لها بصوت مرتفع جذب انتباه باقي زملائهم في العمل لكنها لم تهتم :


_ يووه عليكِ يا بت يا افكار، فكي كده يا ختي يعني هما اللي اتجوزوا خدوا أيه غير الهم والنكد، طب والله العظيم البعد عن الرجال غنيمة ياختي بلا وجع قلب .


رمقها أحد الرجال في المكتب بحاجب مرفوع وحنق استوطن ملامحه لتتحدث السيدة الثلاثينية مجددًا :


_ ايه يا مدحت بتبصلي كده ليه يا خويا، كدبت ولا كدبت ؟!


تجاهلها مدحت فهو لن يسلم من لسانها إن دخل معها بنقاش، فجميع من بالمكتب يدرك جيدًا لسان محاسن اللاذع .


امتصت محاسن شفتيها بسخرية :


_ والله الواحد بقى يشوف العجب .


في ذلك الوقت اندمجت افكار تقص عليهم معاناتها مع والدتها وخطيبها السابق وما حدث في نفس الوقت الذي ارتفع فيه صوت صياح في الخارج وشجار عنيف جذب انتباه جميع من المكتب .


تحدثت محاسن وهي تنظر لهم :


_ فيه ايه يا ولاد؟؟ ايه الصوت ده ؟؟


نهض الجميع من المكاتب في نفس الوقت الذي اقتحم فيه رجل المكان وهو يصرخ بجنون وغضب مخيف جعل الجميع يولي انتباهه له :


_ أنا عايز مدير المخروبة دي، عايز اعرف ازاي يا محترمين ابقى طالب اوردر شحن ويتشحن اوردر تاني؟؟ ازاي شركة كبيرة زي دي تعمل حاجة زي دي ؟!


انتبه له الجميع ولم يتحدثوا، عدا أفكار التي تقدمت منه وهي تقول بغيظ :


_ ايه يا أستاذ أنت مين أنت عشان تقتحم المكاتب بالشكل ده ولا كأنه حمام عام؟! بعدين اوردر ايه اللي اتشحن بالغلط؟! احنا شركتنا عمرها ما تغلط ابدا اكيد الغلط من عندك .


رفع داوود ورقة عليها شعار الشركة وعنوانه في وجهها وهو يقول :


_ مش ده بتاع شركتكم برضو ؟! أنا بقى عايز اعرف ازاي عنواني يتحط على صندوق فيه اوردر غير اللي طلبته ؟؟ أنا كنت طالب تشكيلة خِمرة ازاي يوصلي اوردر تاني ؟؟


نظرت أفكار للورقة بيده تتعرف على خطها بسهولة لتضربها ذكرى شجارها مع محمد أثناء العمل، وفي ثواني قليلة أدركت أن الخطأ كان منها هي ........


                 الفصل الثالث من هنا 

لقراءة باقي الفصول من هنا 


تعليقات



<>