الفصل الثاني عشر 12
بقلم رانيا البحراوي
رأت عائشة أحدهم يقترب منها، شخص لاتعرفه وبينما تحاول الفرار أكتشفت أنه من عملاء الفندق يتجه نحو الريسبشن ليأخذ مفتاح غرفته، اطمئنت قليلا وذهبت إلى غرفتها وأغلقتها جيدا.
وردها إتصال من خالد كانت تحدثه وصوتها يرتجف وسألها عن سبب خوفها فأخبرته أن هناك شخصا يسأل عنها وتخشى أن يكون من أقارب زوجها.
خالد:لا تخافي الفندق مليئ برجال الأمن وطالما أنتِ بداخله لن يستطيع أحد المساس بكِ، غير أنني تحدثت مع صديقي وأوصيته أن يهتم بكِ.
هدأت عائشة بسماع كلماته مثلما حدث معها عندما حدثها من قبل، أصبح صوته فقط يجلب لها الأمان يطمئن قلبها ويخبرها ألا تخاف، هناك عين ترعاكِ حتى وهي لا تراكِ، بعثت كلماته في نفسها السكينة والهدوء
طلب منها أن تاخذ نور لتناول الطعام ولا تسجنه هكذا بالغرفة، أستمعت عائشة له وأخذت الطفل ونزلت لتناول الطعام بمطعم الفندق.
لاحظ نور خوفها وقال :لا تخافي يااش أوش أنا معك ألم تخبريني أنني رجل واستطيع حمايتك.
عائشة :أنا لا أخاف طالما أنت معي، من فضلك لاتبتعد عني ولا تتحدث مع أي شخص لاتعرفه.
نور :حاضر.
اطعمته عائشة الطعام بيدها ولكنها لم تتناول شيئا.
وردها اتصال آخر من خالد وسألها :لماذا لا تتناولين الطعام؟
عائشة بتعجب :وكيف عرفت بذلك، هل أرسلت من يراقبني؟
خالد :لم أرسل أحد ولكنني أراكِ الآن.
التفتت عائشة يمينا ويسارا ثم رأته يتطلع إليها من خارج زجاج المطعم.
فرحت عائشة برؤياه وهدأت واطمأنت ابتسمت عيناها ودمعت، اغمضتها بعدما كانت تخاف من رفة عيناها.
أسرع خالد إليها يسألها:كيف حالك؟
عائشة :أصبحت بخير.
ثم عانق نور عناق بحميمية شديدة، ظل ينظر بوجهه ويلمس شعره ثم يعانقه ويقبل يده.
تعجبت عائشة من ذلك والأكثر أن نور لم يفر من حضنه ولم يضجر عند ملامسة خالد لشعره مثلما يفعل مع أي شخص يقترب منه.
نظرت عائشة بوجه خالد ولاحظت دموع يحاول اخفائها.
خالد بأبتسامة :يبدو أن هذا الطفل زرع له مكانة بقلبي.
عائشة :لم أتعجب من محبتك له بقدر تعجبي من تقبل نور لهذا الحب ومبادلتك إياه.
خالد:الأطفال تشعر بمن يحبها وتنجذب إليه.
عائشة :نور لم يسمح لأحد من قبل بالمسح على رأسه أو معانقته بقوة هكذا.
خالد:حقا يانور؟
نور :نعم.
خالد :لماذا سمحت لي إذن.
نور :لا أعرف.
عائشة :كيف جئت بهذه السرعة؟
خالد :جئت بالطيارة.
عائشة :ولماذا؟
خالد :القاهرة لاتحتمل بدونك.
عندما تعصف الكلمات بالقلب فتقتلعه من جذوره، هكذا شعرت عائشة فهذه الكلمات الجميلة لم ترد على مسامعها من قبل.
أحمر وجه عائشة خجلا وسألته هل تناولت الطعام؟
خالد :لا.
جلسوا سويا وتناولوا طعامهم وقتها فقط شعرت عائشة أنها قادرة على تناول طعامها فالخوف الذي كانت تشعر به تلاشى في وجوده وحل مكانه بعض السعادة.
بينما يتناولون الطعام أخبرها خالد أنه كان يريد أن يلحق بها منذ اليوم الأول ولكنه لم يرد ازعاجها إلى أن سمع صوتها المرتجف فلم يحتمل أن يتركها بمثل هذا الموقف بمفردها.
شكرته عائشة وأخبرته أنها لايمكن أن تنسى موقفه هذا
رغم أنها ليست من معارفه أو اقاربه.
انزعج خالد وقال :ليست المعرفة فقط أو الصداقة التي تجمع بين الأشخاص، فالقلوب احيانا تجبر أصحابها على أشخاص معينة لم نفكر يوما أننا سنجتمع معهم.
خجلت عائشة مرة أخرى وارتجفت يدها وبدأت تسعل.
قدم إليها خالد كوب من الماء وهو يبتسم.
شكرته عائشة واخبرته أنها انتهت من تناول الطعام وتريد الصعود إلى الغرفة.
خالد بحزن :لماذا؟
رفض نور الذهاب إلى الغرفة وتشبث بيد خالد وطلب منه أن يتحدث معها حتى لا تحبسه بالغرفة مرة أخرى.
خالد :اصبحنا اثنين ضد واحدة فالحكم للأغلبية هيا لأخذكم إلى مكان جميل خارج الفندق.
اقترض خالد السيارة من صديقه مالك الفندق.
بالطريق تذكرت عائشة عندما كانت تقبض بمجرد رؤية سيارته وضحكت.
سألها خالد عن سبب ضحكها فأخبرته.
خالد :الهذا السبب كنتِ تبتسمين للجميع ويعبس وجهك بمجرد رؤيتي؟
عائشة :ليس لهذا السبب إنما بسبب عم إبراهيم وخوفه الشديد منك ومعاملتك القاسية له.
خالد :هذه الفترة مررت بظروف قاسية جدا وإبراهيم كان يعلم بها ويدرك سبب عصبيتي ويتحمل ولذلك استمر معي بالعمل طيلة هذه السنوات.
عائشة :نعم أخبرني بذلك أنك إنسان طيب.
خالد وهو يقود دون أن ينظر لها رفع ذقنه قليلا وسألها :وهل كنتِ تظنين انني لست طيب.
عائشة بأبتسامة :كنت لا أظن كنت متأكدة من ذلك.
ضحك خالد بشدة حتى دمعت عيناه ثم نظر بالمرآه على نور الذي يجلس بالخلف وسأله أين تريد الذهاب.
فرحت عائشة جدا لانه لم يسألها هي وانما اهتم بنور رغم أن الطفل لن يجيبه ولكن يكفي أن يشعره بالأهتمام.
نور :اي مكان.
خالد :سأخذك إلى ميدان جميل (ميدان سوهو) به نافورة راقصة لتناول آيس كريم وبعض الحلوى مارأيك؟
نور بفرحة :هيا نذهب.
وصلوا إلى الميدان وتلألات عين عائشة بالسعادة مثلما تتلأ لأ الأضواء بالميدان وتسحر من ينظر إليها، نسيت خوفها وحزنها وشعرت أنها بحاجة للإتصال بوالدتها في هذه اللحظة.
وقف خالد ليصور نور أمام النافورة وجلست هي على إحدى الطاولات تتحدث مع والدتها.
عائشة :كيف حالك؟ اخبريني هل تناولتي الطعام؟
الأم :نعم والدواء أيضا، يوسف جلب لي الطعام منذ قليل وجلس ليتناول معي الطعام.
خطف يوسف الهاتف من والدة عائشة لكي يتحدث معها.
عاد خالد برفقة نور بهذه اللحظات.
عائشة :شكرا يايوسف لأهتمامك بماما، وعدم تركك لها.
يوسف :إنها أمي أنا ايضا لذا لا تشكريني.
عائشة :هل ابقيت لها طعام ام تناولته كله بمفردك اعرفك جيدا.
يوسف:هي التي اكلت طعامي.
ضحكت عائشة وظل خالد يستمع إلى حديثها مع يوسف وبدأ يشعر بالضيق.
عائشة :وماذا جلبت لها.
يوسف :فراخ مشوية من محل عم فتحي.
عائشة :اشتقت كثيرا لطعام محل عم فتحي إذا ذهبت هناك مرة أخرى ابلغه مني السلام.
اطالت عائشة الحديث فأشار لها خالد بضيق ان الايس كريم بدأ بالذوبان.
أنهت عائشة الاتصال ولاحظت على وجه خالد الانزعاج.
عائشة :إنه يوسف كان بجانب ماما.
خالد :أعلم إنه يوسف، فالكلمات والضحكات لا تتدفق منكِ إلا وقت حديثك معه.
عائشة :لأننا أصدقاء منذ وقت طويل.
خالد :هل مازلتِ تحبيه؟
عائشة :هل مازلت تتذكر؟ لا لم أعد أحبه هذا الأمر انتهى منذ فترة طويلة، رغم أنه الان وحيدا وترك سهيلة لم أعد أفكر في الأمر مرة أخرى.
خالد :وماذا عن زوجك؟
عائشة :احببته كثيرا ثم دمعت عيناها وقالت :لا أحب ان اتحدث عن ذلك الآن، أرى نور سعيد جدا ولا أريد أن احزنه بدموعي.
ألتفت خالد إلى نور وظل يحكي له بعض المواقف المحرجة التي تعرض لها خالد بسبب اللدغة وهو طفل.
نور :هذا مايحدث معي.
خالد :انظري الصور التي التقطتها لنور بجانب النافورة.
عائشة :صور جميلة جدا، ارسلهم لي من فضلك.
خالد :الا تريدين أن التقط لكِ بعض الصور، انظري حولك لتري ماذا تفعل الفتيات بعمرك، يتصورن ويضحكن ولايجلسن هكذا.
نظرت عائشة حولها وقالت :احيانا انسى انني شابة صغيرة من حقها ان تمرح وتتجول، احيانا أشعر بانني بعمر والدتي التي تجاوزت السبعين، كم تثقل الهموم والأحزان قلب الإنسان.
خالد :هيا اقفي بجانب نور كي ألتقط لكم بعض الصور.
عائشة :من فضلك التقط الصور بهاتفي.
خالد :سألتقطها بهاتفي ثم ارسلها لكِ.
عائشة :لا.
احترم خالد رأيها وازداد إعجابه بها لأنها رفضت أن يكون لها صور على هاتفه.
عانقت نور وجمعتهم صور جميلة جدا ثم رأت النعاس بعينه فطلبت من خالد أن يعيدهم إلى الفندق.
بالطريق لاحظ خالد أنها شاردة حزينة، طلب منها أن تخبره بما يحزنها فأخبرته أنها ستحكي له عن كل مايزعجها ويخيفها ولكن بوقت لاحق لأنها عندما تتذكر الأمر يرتجف جسدها وتشعر بالخوف وينعقد لسانها ولابد لها من ان تتجاوز الأمر أولا حتى تستطيع أن تحكي له.
نام نور بالسيارة عدما وصلوا أمام الفندق حمله خالد لكي يأخذه إلى الغرفة ولكن عائشة لم تسمح له بالدخول إلى الغرفة وأخذت نور عند الباب.
باليوم التالي
استيقظ نور مبكرا وسأل عن خالد أولا واراد الذهاب إليه.
عائشة :تمهل سنراه بعد قليل في المطعم.
نزلت عائشة برفقة نور ورأت خالد جالسا على إحدى الطاولات يتحدث بصوت خافت وبمجرد أن اقتربت منه أنهى الإتصال سريعا ثم قام بغلق الهاتف.
عائشة :يبدو انني قطعت اتصالك.
خالد بأرتباك :لا انه مدير اعمالي وعندما رأيتك أنهيت الاتصال حتى لا انشغل بشئ آخر.
جلست عائشة وتناولوا طعامهم سويا وبهذه الاثناء جاء موظف من الريسبشن يخبر عائشة أن تذهب إلى الحسابات.
خالد :تناولي طعامك اولا.
عائشة :انتهيت بالفعل سأذهب الآن.
نظرت عائشة ورأت أن نور لم ينهي طعامه بعد تركته مع خالد وذهبت إلى مكتب الحسابات، علمت هناك أن حسابها تم دفعه بالكامل وأن عليها أن تسترد مادفعته من قبل.
غضبت عائشة ورفضت استرداد مادفعت وعادت لكي تحاسب خالد على دفعه لحسابها فلم تجده ولم تجد نور
بحثت عنهم داخل المطعم وخارجه وذهبت إلى الحمامات ولم تجدهم، اتصلت بخالد فوجدت ان هاتفه مغلقا، اصبحت تجري يمينا ويسارا وسألت أحد أفراد الأمن فأخبرها أحدهم أنه رأى رجلا يغادر الفندق وهو يحمل طفلا صغير ولكنه لا يرى وجه الطفل.
