أخر الاخبار

رواية قريبا ستفرج الفصل العاشر 10بقلم شيماء عبد الله

          


 رواية قريبا ستفرج

الفصل العاشر 10

بقلم شيماء عبد الله

 


ذهبت إيمان للمطبخ تاركة أمل تكاد تنفجر من شدة الغضب، فرأت إبنها يدخل للمنزل وهو يميل ويغني، فقالت :ما هذه الحالة يا مراد. 


صغر مراد عينيه، ثم قال: ما هذا، هل البقرة أصبحت تتمشى على رجلين. 


كتمت إيمان ضحكتها بصعوبة بالغة، أما أمل ففتحت عينيها مدهوشة، وما إن استوعبت ما قاله حتى نزعت حذاءها وبدأت تضربه قائلة :أنا بقرة يا عديم التربية، تعالي لأريك ما يفعله منعدمي التربية، لم يخطأ أباك حينما نعل الأولاد أمثالك. 


تألم مراد من قوة ضرباتها، ليصدر تأوهات تدل على شدة ألمه قائلا: ابتعدي عني أيتها المتوحشة، منذ متى أصبحت الشخصيات المرعبة تتحرك في النهار. 


كان وجه إيمان أحمر من شدة كتمها لضحكاتها، إلا أنها صدمت حينما دفش مراد أمه، ووقعت على الأرض لتصرخ بكل قوتها. 


أمل :يدي تؤلمني، خسرت يدي، فلينقذني أحد. 


أسرعت ناحيتها إيمان، وما إن حركتها حتى زادت من حدة صرخاتها قائلة :لا تحركيني يدي كسرت. 


نظرت إيمان لها، لتصل بوالدها وأخبرته بما حدث، ليأخذ زوجته فورا للمستشفى. أما مراد فسندته إيمان رفقة سلمى التي استيقظت بسبب ضجيجهم، وأخذوه لغرفته. 


عند نصر الدين كان جالسا بمفرده بعد أن غادر أشرف، وظل يفكر في ذلك الحلم الذي يراوده يوميا، ليبدأ بمقارنته بما حدث معه اليوم. 


نصر الدين :ما الذي أفكر فيه، لم أعد أملك عقلا، من الأحسن أن أقوم وأصحح الامتحانات أفضل لي. 


ظل يعمل على تصحيح تلك الأوراق إلى أن أسدل الليل ستائره، فذهب ليعد العشاء، وجلس في انتظار والده الذي أتى بعد صلاة العشاء، وكانت ملامحه غريبة توضح تردده في النطق بما يجول داخله. 


نصر الدين :تأخرت كثيرا اليوم يا أبي. 


عمر: أخدنا الكلام أنا وصديقي ولم أنتبه للوقت. 


نصر الدين :يبدو أن لديك ما تقوله صحيح. 


عمر: ليس لدي ما أخفيه عنك، بالفعل لدى خبر لك. 


نصر الدين :أبي هل أنت مريض وتخفي عني. 


عمر: لا الموضوع لا يتعلق بي، في الحقيقة التقيت اليوم بأب دعاء وأخبرني شيئا. 


نصر الدين :ماذا أخبرك؟


عمر:دعاء.. دعاء تتزوج بأحد وستسافر معه لخارج البلاد. 


صدم نصر الدين من سرعتها في الارتباط بشخص آخر، لكنه لم يهتم كثيرا وقال: مبارك عليها، أتمنى أن تنال السعادة معه. 


عمر :هذا يعني أنك لا تمانع هذا الزواج. 


نصر الدين :ولماذا أمانعه، نحن افترقنا إذن كل شخص حر في حياته، ويحق له الارتباط مجددا.. أنا قررت الزواج من هداية وأنتظر فقط موافقتها، ودعاء وجدت نصيبها إذن لما سأمنع رزق الله لها. 


عمر: لا تعلم يا ابني كم ارتحت بعد سماعي لحديثك الان، كنت خائفا أن تقوم برد فعل قوي بعد أن تعلم. 


نصر الدين :لا يوجد ما يخيف في الموضوع، قدر الله علينا الفراق، وأعلم جيدا إن اجتمعنا لن نستقر في تلك العلاقة، والله وحده عالم بالغيب فلما أشغل بشيء كهذا، أفضل أن أوكل أمري لله عز وجل وأرتاح. 


عمر :دعنا نغلق هذا الموضوع الان، هل حضرت العشاء أم ستجعلني أنام وبطني فارغة. 


ابتسم نصر الدين هاتفا :العشاء ينتظرك فقط لتتناوله. 


أحضر نصر الدين العشاء، ليتناولوه في جو من الألفة والهدوء، ثم جلسوا يتحدثون قليلا في مواضيع مختلفة، قبل أن يتجه عمر لغرفته كي ينام، بينما نصر الدين عاد لتصحيح الامتحانات حتى توقف فجأة يفكر في دعاء. 


نصر الدين :من كان يعتقد أن يأتي يوم ونتزوج بأشخاص أخرين، فقط بالأمس كنا نخطط لزفافنا، واليوم كل واحد يخطط لزفافه بشخص أخر، ولكن أشكر الله الذي كشف وجهك الحقيقي أمامي، ولم أظل غافلا حتى نتزوج و أنجب منك الأطفال، وقتها يكونون ضحية لعلاقة مسمومة.. الحمد لله على كل حال. 


قام ليتوضأ ثم نام كي ينام على وضوء. أما في الجهة الأخرى، لا زالت إيمان مستيقظة هي وأختها تنتظران أي خبر، بينما مراد فكان غائبا عن الواقع، لتوشك الساعة أن تصل للحادية عشر ليلا حينما عادوا عبد الرحمان وأمل. 


سلمى :أمي كيف حالك. 


أمل :انظري ماذا فعل بي ذلك الكلب، يدي المسكينة كانت ستكسر لولا ستر الله. 


إيمان :الحمد لله على سلامتك يا خالتي، بالشفاء العاجل إن شاء الله. 


هتف عبد الرحمن بنبرة حادك: أين هو مراد. 


سلمى :إنه نائم في غرفته. 


عبد الرحمان: فعل كل هذا ولا زال نائما. 


دلف لغرفة إبنه، وخلفه أمل وإيمان يحاولن منعه من فعل شيء خاطئ، لكنه دخل غصبا عنهم وصفع مراد الذي كان غائبا عن الوعي ولم يشعر بما حدث، فحمل قنينة ماء وصبها فوق رأسه. 


صرخ مراد هاتفا: أنقذوني يا ناس إنني أغرق، فلينقذني أحد. 


عبد الرحمان :ليتك غرقت حقا أيها الحيوان، استيقظ هيا لنتفاهم على أفعالك الحقيرة، وأرى متى ستصبح رجلا. 


فتح مراد عينيه بصعوبة، ولا زال تأثير المحرمات التي تناولها تؤثر عليه، ليقول :دعني أنام يا أبي. 


هتفت أمل بصوت خافت: أباك رأيته وأنا أرجعتني بقرة، انتظر علي وسأريك أفعال البقرة يا ابن البقرة. 


كانت إيمان بجانبها فسمعت كلماتها، لتستغرب من شخصيتها الغريبة، فهي التي تدافع عن إبنها رغم أخطائه الكثيرة، لكن إبنتها تصبح دائما أخر إهتماماتها. 


عبد الرحمان :أتمنى أن تنام ولا تستيقظ مجددا. 


ركله عبد الرحمان ثم خرج قائلا :حتى الغد وسأريك كيف تعود لذلك السم مرة أخرى. 


حمدت أمل وإيمان الله بعدما غادر دون أن يفعل شيئا، رغم علمهم بأن ما سيحدث غدا لا يبشر بالخير، فأغلقت أمل الباب بيدها اليمنى التي كانت سليمة وعادت لابنها، فقامت بقرصه بقوة وجعلته ينتفض من مكانه. 


أمل :ها هي أفعال البقر أيها القرد، وفي الحقيقة يليق عليك لقب القرد. 


مراد: هل جننت أم ماذا، لما كل هذه الحالة.. دعوني أنام قليلا. 


كانت أمل ستجيبه ليأتيها صوت عبد الرحمان الحاد قائلا :أمل هيا للنوم، وأنتم اذهبوا لتناموا ودعوني أرتاح قليلا. 


كل شخص عاد لغرفته وباله مشغول بشيء ما، فعبد الرحمان كان يفكر كيف يبعد إبنه عن تلك السموم، وأمل تنظر ليدها المجبصة وتفكر كم ستبقى به. أما سلمى فكان تفكيرها محصور على فعلتها، وتدعي الله أن لا تصل الأخبار لأباها، وبجانبها إيمان التي تفكر في حالة إخوتها التي لم تعجبها إطلاقا، وتحاول إيجاد حل لحالهم الصعب حتى غفلت دون أن تشعر. 


فجر يوم جديد قامت فيه إيمان لتصلي الفجر، وظلت تقرأ القرآن حتى أشرقت الشمس ثم قامت لتحضير الإفطار، وبعد ما يقارب الساعة كان الجميع استيقظ، وكذلك مراد استيقظ ليشعر بألم حاد في رأسه، ووجد سلمى بجانبه في الغرفة. 


مراد :ماذا تفعلين هنا. 


سلمى :جئت لأذكرك بما فعلت بالأمس قبل أن تخرج ويراك أبي. 


مراد :على ماذا تتحدثين، لم أفهم منك شيئا. 


سلمى :بالأمس قمت بكارثة كبيرة. 


مراد: تحدثي دون لف ودوران، وقولي ماذا حدث دون أن تغضبيني. 


سلمى :بالأمس تناولت ذلك السم مجددا، وقمت بدفش أمي وأوشكت على كسرها من يدها، وقد وضعت لها الجبص الان. 


صدمة مراد كانت لا توصف فقال :ماذا.. أنت تمزحين معي أليس كذلك. 


سلمى :أقسم لك أنني أقول الحقيقة، وأبي ينتظرك مني تستيقظ ويتحاسب معك. 


مراد :اليوم سيمسحني أبي من سجل العائلة، ما الذي فعلته أنا. 


سلمى :قم بسرعة فهو ينتظرك، وأنت أكثر شخص أنه يغضب سريعا إذا ظل ينتظر كثيرا. 


مراد: هل جننت، إذا خرجت سيقتلني بدون شك. 


سلمى :إذن فلتبقى مكانك حتى يأتي لك. 


قام مراد من مكانه لأنه يعلم صدق حديثها، ويدعو الله أن ينقذه من قبضته، رغم بعده منذ زمن طويل عن طريق الله عز وجل، ولم يعد يصلي حتى، وأغلب أوقاته يسكر بشرب المحرمات، ومثل الكثير فقط حينما يقعوا في مصيبة يتذكرون الله ويدعونه، وكذلك فعل هو حينما قال: يا رب انقذني هذه المرة فقط ولن أفعل شيئا يغضبك مجددا، وسأبدأ الصلاة والصيام يا رب فقط انقذني من براثن أبي. 


خرج من غرفته ليجد أباه في انتظاره، ودون سابق إنذار قام بصفعه بقوة، ليسمع صدى الصفعة في الأرجاء، فخرجت أمل مسرعة من غرفتها، وكذلك خرجت إيمان من المطبخ، و وجدوا مراد يضع يده على خده لتلمح دمعة نزلت من عينيه مسحها سريعا، لكن إيمان التي رأتها رق قلبها له رغم ما يفعله بها، ولكن دعواتها له بالهداية دائما ما تلاحقه، ولعل تلك الدعوة مستجابة يوما ما، وتنتظر أن يتغير مراد ويصبح سندا لها في الحياة. 


هتف عبد الرحمان بصوت حاد: متى ستصبح عاقلا وتبتعد عن تلك السموم، هل تريد العودة للسجن مجددا، بالأمس ضربت والدتك وأنظر ماذا فعلت لها، ولو أصيبت في رأسها بدل يدها وماتت ماذا كنت ستفعل؟ هل تريد إرسالنا للقبر حتى ترتاح، أنا أنجبتك وأصرف عليك حتى تكبر وتصبح رجلا وتعيلنا، لكن أنت تصبح أسوأ كل يوم. 


أمل :سامحه يا عبد الرحمان هذه المرة فقط من أجلي. 


عبد الرحمان :أنت اصمتي فقط، تدليك الزائد عن حده له هو ما أوصله لهذه الحالة، بسببك أصبح إبنك هكذا والجميع يعيبه، وأنت ستبتعد عن تلك السموم من اليوم، وإذا وجدتك يوما تشري سأعيد تربيتك منذ البداية، وإضافة لذلك سأبحث لك عن عمل تصرف به على نفسك على الأقل. 


أنهى عبد الرحمن حديثه ليخرج دون تناول إفطاره، وترك الصمت يعمل الأرجاء خلفه، والأنظار متبثة على مراد الذي كان هادئا بشكل غريب، فاقتربت منه أمل قائلة :لا تهتم بحديث والدك هو فقط غاضب. 


مراد :دعيني وشأني، أريد أن أجلس بمفردي. 


دخل مراد لغرفته وأغلق الباب خلفه، ليجلس فوق سريره واضعا يده على خده يتذكر صفعة والده، وكلامه يتكرر في رأسه، قبل أن يتبث نظرة عينيه على نقطة واحدة، ولا يعلم أحد سوى الله بما يدور داخل ذهنه. ولم يكن حال أمل مختلفا عن خال إبنها، حتى هي كانت تفكر في كلام زوجها الذي يلومها دوما على حال أولادهم، وللمرة الثانية تسمع أنها السبب في حالة إبنها، وبدأت تراجع أفعالها فعليا، وتتأكد إن كانت مخطئة بالفعل أم لا. 


عند نصر الدين ما إن تناول إفطاره، قصد بيت هداية ليطرق الباب ففتح له رجل كبير في العمر، ومن ملامحه يتضح تأثير الهموم عليه، وقال: نعم يا ابني، هل تبحث عن أحد ما. 


نصر الدين :أنا يا عمي أتيت لرؤية خالتي خديجة. 


الرجل :ومن أنت، لم يسبق لي رؤيتك. 


نصر الدين :أنا من صدمت هداية بالسيارة. 


الرجل :أنت من أخبرتني عنه زوجتي، تفضل يا بني ادخل، معك عمك علي. 


نصر الدين :تشرفت بمعرفتك يا عمي، وأنا نصر الدين. 


دخل نصر الدين رفقة علي، ليجدوا خديجة تضع الإفطار على الطاولة، وما إن رأته حتى اتسعت ابتسامتها هاتفة: ابني أتيت في وقتك، وجدتنا سنفطر للتو. 


نصر الدين :شهية طيبة يا خالتي، أنا تناولت الإفطار قبل أن أتي. 


خديجة :هذا لا يصح، يجب أن تتناول كأسا من القهوة على الأقل. 


نصر الدين :ما دامت من يديك لن أرفض. 


بدأوا يفطرون بينما نصر الدين يحتسي قهوته، ليقول علي: أخبرتني خديجة أنك تريد الزواج من إبنتي. 


نصر الدين :أجل يا عمي، وهذا بالتأكيد إذا وافقت أنت. 


علي :لكن يا ابني أنت تعلم ما حدث لابنتي، أقصد أن خديجة سردت عليك كل شيء. 


نصر الدين :أنا أعلم هذا يا عمي ومع ذلك لا زلت أرغب في الزواج من ابنتك. 


علي :لا أعلم كيف أشكرك على هذا الخير، أنت ستستر إبنتي وتسترنا معك، حفظك الله ورعاك يا بني. 


نصر الدين :لا تقل هذا يا عمي، الله هو الأكبر منا ويستر عباده، ونحن أيضا نستطيع ستر بعضنا البعض. 


خديجة :سأذهب لأرى هداية ربما أنهت صلاتها الان. 


ظل نصر الدين وعلي يتحدثان حتى سمعوا صرخة خديجة، فأسرعوا لغرفة هداية التي وجدوها ترتدي ملابس الصلاة، وجالسة في كرسي وترفع سبابتها كأنها تتشهد، ورأسها مائلة على الجانب، فاقترب منها نصر الدين الذي قاس نبضها ووجده متوقف. 


نصر الدين: لا إله إلا الله، إنا لله وإنا إليه راجعون.


بدأت خديجة تصرخ وتبكي، بينما علي أمسك جهة قلبه ليجلس أرضا وينظر لابنته التي أصبحت جسدا بلا روح، وهو الذي لطالما توقع أن يموت قبلها، وها هو الآن يتذوق مرارة الفقدان، بل وفقد أعز أبنائه. 


لم تكن صدمة نصر الدين أقل منهم، ونظر لهداية التي كانت تتشافى في الأيام الماضية، ليراها الان أمامه بلا روح، فحملها ووضعها على السرير، وحاول مواساة والديها رغم أن مواساته لهم لا تؤثر في ذلك الوضع. 


سمع نصر الدين بعد قليل صوت طرقات على الباب، فذهب ليفتحه ووجد فاطمة جارة خديجة التي صادفها بالأمس هي من أتت، وقالت :سمعت صوت الصراخ، هل يوجد مشكل ما. 


نصر الدين :ماتت هداية. 


شهقت فاطمة هاتفة: متى حدث هذا، لقد كانت في حال جيدة بالأمس. 


نصر الدين :واليوم أراد الله أن يقبض روحها، وأخذها عنده. 


دخلت فاطمة عند جارتها تواسيها، واتصلت بابنتها تعلمها بما حدث، وبعد دقائق قليلة امتلأ المنزل بالناس، وظل نصر الدين واقفا مع علي. أما في منزل عبد الرحمن، فوصل خبر موت هداية لإيمان كونهم يقطنون في نفس الحي، فوجدت أمل تتحضر للذهاب للعزاء فقالت: هل أستطيع مرافقتك يا خالتي. 


أمل :أجل وفي الأصل لا أريد الذهاب بمفردي. 


ذهيت إيمان لتتجهز،قم عادت عند أمل التي تجهزت هي الأخرى، وخرجوا بعد أن أغلقوا الباب بالمفتاح كون المنزل فارغ، وما هي إلا دقائق حتى وصلوا لمنزل خديجة، فقاموا بتعزيتها و إتجهت أمل عند النساء، أما إيمان ظلت بجانب خديجة تخفف عنها، وفي نفس الوقت حزينة على موت هداية التي تعتبر الفتاة الوحيدة في حيهم التي تحترمها، وتعاملها بشكل جيد، فدخل نصر الدين واتجه ناحية خديجة هاتفا :خالتي يجب أن تغسل هداية كي تدفن، هل ستتكلفون بهذا أم أحضر امرأة لتغسلها. 


                الفصل الحادي عشر من هنا 

لقراءة باقي الفصول من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close