رواية احببت معقدة
الفصل الاول 1
بقلم فاطمة سلطان
المقدمة :
مِن مِنّا لَمْ يُخْطِئْ ولَمْ يَشْعُرْ يومًا بِالضَّيَاع، مِن مِنّا لَمْ يَفْقِدْ الْأَمَل ووَجَدَ نَفْسَهُ فِي ظَلَأمٍ ظَنَّ أَنَّهُ أَبَدِي لَيْسَ لَهُ نِهَأيَةٌ، مَنْ لَمْ يَشْعُرْ أَنَّهُ مَلْعُونٌ إلَيّ الْأَبَد؟
مَهْمَا كُنْت مُستقيمًا تَأَكَّد إِنَّكَ لَنْ تَنْجُوَ مِنْ الْقِيلِ والقال، مَهْمَا كُنت صَاحِب نِيَّة طَيِّبَة تَأَكَّد إِنَّك سَتَقَع فِي الْخَطَأِ لَا مُحَالٌ، فَالْجَمِيع ضَلّ طَرِيقَة وأَصْبَحَ مِنْ الصَّعْبِ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ الْخَطَأ والصَّوَاب، الْحَرَأم، الْحَلَالُ فِي هَذَا الزَّمَنِ.
أَوْ رُبَّمَا نَحْنُ لَا شَيّ سَوِيّ سَتَرَ اللَّهُ
فَالْجَمِيع أَصْبَح يَبْحَثُ عَنْ ذَاتِهِ فِي الْكَثِيرِ مِنْ الْوُجُوهِ ويَبْحَثُ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ خَلْفِ الشاشات الإِلِكْتِرُونِيَّة لصُنع عَالِمٌ مُزَيَّفٌ تَمَأمًا يَجْعَلَك تَفْعَلُ مَا كُنْت تَظُنَّ أَنَّهُ مِنْ الصَّعْبِ فِعْلِهِ فَقَدْ كَثُرَتْ المبررات وانْتَشَرَت النُّفُوس الضَّعِيفَة
ولَكِنْ هَلْ الدُّنْيَا بِهَذَا السَّوَاد؟ أَلَا يُوجَدُ نُفُوس طَيِّبَة تتمني لَنَا الْخَيْر؟
والسُّؤَال الْأَهَمّ
أَن كُنا قَد غُرقنا فِي الذُّنُوبِ وَ الْعُيُوب وأَصْبَحْنَا مُعقدين، هَل سَيَأْتِي ذَلِكَ الشَّخْصُ الَّذِي يَفْتَخِرُ بِقَوْلِه (احببتُ مُعَقَّدَة)؟
الفصل الاول
ربما الحياة هي عبارة عن عده تواريخ مؤلمة، السنة بها أيام كثيرة ولكن بها تواريخ معينة تحفظ بالذاكرة ولا تُنسي ونادرًا ما تكون هذه التواريخ مُفرحه
_________________________________________
كانت هدير تجلس في غرفتها الصغيرة تُدَوَّنُ بعض الكلمات
" كثيرا منا لديه هُمُومٌ وَرُبما المقارنة بينك وبين الآخرين تكون بها نَفْعٌ اَوْ ضَرَرٌ فاذا حاولت المقارنة بينك وبين من هم في حاله أسوأ منك تأخذ العبرة والعظة وتعلم نعم الله عليك الذي اعطاها لك وذلك يكون الجانب النافع
اما الجانب الضار هو مقارنه نفسك بمن هم في حاله أفضل منك، دعوني اكون صريحه أكثر لا استطيع قول شيء غير انك يجب ان تعلم انك أفضل من أي شخص سواء كنت تري من هم أقل منك أو اعلي منك فلا تقارن حتى وان كانت نافعه فانت لا تعلم ما بداخل كل نفس "
توقفت هدير عن قراءه ما كتبته حينما سمعت صوت عمتها و هي تناديها لمساعدتها في ترتيب البيت فأغلقت هدير اجندتها ...
________________________________
يجب ان نتعمق نحن في تلك الأجندة حتي نعلم من هي هدير و لما دونت هذه الكلمات
_________________________________
في العشرين من نوفمبر عام 2005
فقدت هدير والدتها لم تكن مريضة او كبيرة في السن فالموت لا يعرف شيخاً او طفلاً فهي كانت في الثلاثين من عمرها
توفت والدة هدير وتركتها بمفردها فكان زوجها يعمل في الخليج وحتي انه لم ينزل ليحضر دفنتها او يأتي ليواسي ابنته وينظم حياته من جديد بما يناسب هذه الطفلة التي باتت وحيده
كانت هدير تبكي فهي مازالت طفله صغيرة في عمرالعاشرة ولكن قلبها مُحطم فهي تعلم انها فقدت والدتها للابد ولن تستطيع ان تراها مُجَدَّدًا، فما الذي قد ينفعها غير البكاء.
حينما دخلت هاجر الغرفة وجدت هدير نائمة و تغطي نفسها فهي تريد ان تحجب نفسها عن العالم تشعر بالضيق كلما تفكر في الخروج و تري النساء يرتدوا تلك الملابس السوداء تشعر و كأن الدنيا كلها اصبحت سوداء امامها
دخلت هاجر و هي عمتها في الخامسة و الثلاثون من عمرها وتعيش في شقه زوجها الذي توفي بعد زواجهم بخمس سنوات فهي عقيمة و لا تستطيع الانجاب و اكتشفت ذلك حتي قبل موت زوجها، حاولت هاجر ازاحة الغطاء التي كانت تتشبث به هدير و نجحت في ذلك تبعده لتراها في وضعية الجنين تبكي و تداري وجهها بكف يديها
اردفت هاجر بأسي وحُزن شَدِيدٌ : هدير اهدي يا بنتي
- انا عايزه ماما هي قالت انا مش هتسبني
- يا بنتي متقطعيش قلبي خلاص راحت عند ربنا وهي في مكان احسن لو بتحبيها بجد بطلي عياط وبعدين انتِ مش لوحدك انا استحاله اسيبك من النهاردة
أخذتها هاجر في حضنها لتبكي على بكاء الصغيرة في احضانها، فهي لا تجد من الكلمات التي تستطيع اَنْ تُخَفِّفُ بِهَا جَرَّاحٌ هدير، نامت هدير بعد وقت في حضنها أو انها استطاعت ان تتصنع ذلك.
فوضعتها هاجر في فراشها ودثرتها بالغطاء وقبلت راسها، ثم خرجت
وجدت ان الناس قد ذهبت فوالده هدير لم تكن لها اقارب نهائيا فهي كانت بلا جذور كانت تتربي في الملجأ ولم تكن تعرف لنفسها اهل، حتى اصبحت قادره على العمل أثناء جامعتها وتعرفت على عماد وتزوجته منذ أحد عشر عام تقريبا
كانت في البداية حياتهما مستقرة إلى حد ما ولكن حينما بدا زوجها العمل في الخارج شعرت ان حياتهم على وشك ان تُهدم ولم تكن تحد تفسيرا لهذا الشعور وقتها
خرجت هاجر ووجدت اخيها يجلس علي احد الكراسي الموضوعة في الصالة
هاجر بحده ولكن بصوت منخفض حتي لا تفيق الصغيرة فلا شك انها تشعر بالذنب الشديد
- اخوك قالك ايه ياريت من غير لف ولا دوران
لم تكن هاجر تعلم ان هذه الشقية تصنعت النوم حتي تقف خلف الباب و تستمع الي حديثهم ربما الفضول التي كانت تمتلكه بحسن نيه سيكون هو اسوء شي في حياتها و من سيدفعها لتفعل ما لم تتوقع فعله، الفضول سلاح ذو حدين
تحدث حسني البالغ من العمر خمسه واربعين عام في نبره متوترة
- مش عارف اوصله بتصل بيه في الشغل واخذ اجازه بقاله كام يوم
- اخوك بيقضي شهر العسل صح ؟؟
حسني بنبره منزعجة ومتأففة فهي تَلَقّي اللَّوْمُ عَلَيْهِ في كل مرة
- ما خلاص بقا يا هاجر انتِ بتعاتبيني انا ليه ؟ هو انا اللي عملت كدا هو حر في حياته
- انتم مخليني شريكة معاكم ياريت كنت قولتلها انه هيتجوز عليها بدل عذاب الضمير اللي انا فيه منك لله انتَ وهو
حسني بانزعاج : بقولك ايه يا هاجر خلاص اخوكي مش صغير وهو حر
- هو حر في حياته مش في حياة بنته دلوقتي ملهاش حد، دي نعمل فيها ايه نسيبها لوحدها وله نقولها ان ابوها بيقضي شهر العسل
حسني حاول ان يهدأ من انفعال اخته يفعل اي شي حتي يمتص غضبها وان يتخلص من كلماتها
- انا هاخدها البيت تبات مع ريهام والولاد لغايت ما ابوها ينزل من السفر
- انا مش هسيبها لمراتك انا مبقولش علشان تأخذها انتَ انا بقول ان لازم ابوها يكون جنبها
حسني بانزعاج من كلمات اخته التي تخترقه كالرصاص
- انا اديتهم خبر في الشغل ان اول ما يرجع من الاجازة يبقي يكلمنا و ان مراته اتوفت
في الداخل بكت هدير من خلف الباب بصوت منخفض تماما فشعرت انها بِلَا مَأْوِيٍّ وَفَقَدْتْ النَّاسُ اجْمَعينِ بموت والدتها رغم انها يعتبر في مُقْتَبَلُ عُمرها الا انها شعرت بمشاعر مميتة، ربما عقلها لم يستوعب الموقف جيداً ولكنها شعرت بمعني الوحدة لتكون هي اولي عُقد حياتها
_________________________________________
علي لسان هدير: طبعا كلكم متشوقين تعرفوا ايه اللي حصل، بابا عمل لعمي توكيل علشان يبيع الشقة اللي كنت عايشه فيها انا و امي و باع نصيبة في بيت العيلة و قال انه مش هيقدر ينزل اجازه و كلمني مكالمة تقريبا ناس غرب صعبت عليهم اكتر منه
________________________________________
بَعْدَ مُرُورِ ثمانية اعّوامٍ تَقْرِيبًا، كَانْتْ هَدِيرُ طَوَالَ هَذِهِ السَّنَوَاتِ هِيَ كُلُّ شَيْءٍ بالنسبة لِهاجَرَ فَأَصْبَحْتَ تُقِيمُ مَعَهَا بعدما كانت وحيدة وجدت لَهَا جَلِيسٌ وَ اَنيسٌ لَمْ تَبْخَلْ عليها هاجر فِي ايْ شِيء فأكرمتها مَادِّيًّا وَ مَعْنَوِيًّا
وَلَكِنْ كَانَ هناك مِنْ أَعْطَاهَا رُوحَهُ وَقَلْبَه بِلَا مُقَابِلٍ
في منتصف شهر يوليو عام ٢٠١٣
و هو احد الايام المهمة في كل عام لجميع العائلات المصرية و هو وقت إعلان نتيجة الثانوية العامة، كانت هدير في بيت احدي زميلاتها في المدرسة و تقيم بنفس الشارع معها حتي تُعلن النتيجة ثم تعود الي المنزل لعدم توافر النت لديهم وربما لم تكن هدير شخصية شغوفه بالإنترنت او عالم التواصل الإجتماعي بأكمله فكانت شخص مُنعزل عن كل شي حتي انها لم تكن تمتلك اي حساب علي اي موقع حتي هذا الوقت
وبعد وقت اعُلنت النتيجة ولم تحقق هدير الدرجات او المجموع التي يتفاخر الناس به في هذا اليوم فهي حصلت علي خمسة و ثمانين في المئة لم تشعر بالسعادة و لا بالحزن ايضاً فقد أصبحت الدنيا كلها بالنسبة باهتة فمن يحزن في هذا الوقت من لديه هدف ولكنها لم تكن يوما لديها هدف او خطط مستقبلية
فخرجت من عند زميلتها ثم عادت الي المنزل لتخبرعمتها بنتيجتها
فِي أَحَدِ الْبُيُوت الْقَدِيمَةِ فِي أَحَدِ الاحياء الشعبية الَّذِي لَا يُغَيِّرُهَا الزَّمَن ومازالَت تحتفظ بشقوقها وكَأَنَّهَا امْرَأَةٍ لَمْ تُسْتَخْدَم مستحضرات التجميل لتخفي عَلَامَات الزَّمَنِ فِي بيت بتكون مِنْ ثلاثة طوابق ويُمكنك مِنْ شَكله الخارجي أَن تخمن أنه مَرَّ عليه الْكَثِيرِ مِنْ السَّنَوَات وَرِثُه جِيل بَعْدَ جِيلٍ فَهُوَ يَرْجِعُ ملكيته إلَيّ جَدّ هدير
فتحت هدير باب المنزل بهدوء ووجدت صوت عمتها مُنْفَعِلٌ للغاية كالعادة مع عمها حسني، في الواقع رُبما تغيرت شخصية هدير كَثِيرًا ومَرّْتْ سَنَوَاتٌ و لكنها لم تتغير بها عادة الاستماع الي احاديث الآخرين و قد تَجِدُ مُتْعَةً في ذلك و لكن ليبقي فضولها هو السبب في فعلها الكثير من الأشياء الحسنة والسيئة
سمعت هاجر تتحدث بانفعال ونبرة غاضبه لا تتحدث بها مَعَهَا إِطْلَاقًا
- اخوك زودها اوي ايه كل شويه مش عايز يبعت ليها مصاريف، ده مفكرش يبعت حاجه من وفاة مراته الا مبلغ قليل مكملش مصاريفها سنة، وايه كل شويه الحالة معاه مقصرة ومعندوش وقت ينزل دي
حسني بانزعاج وَتأَفَّفٌ شَدِيدٌ من استمرارها بِلَوْمِهِ و كَأَنَّهُ السبب فيما يحدث
- انتِ كل ما تحبي تزعقي مش بتلاقي غيري قدامك اخوكي خلاص خلف ولدين من مراته وحتي انه غير نمره تليفونه ومبعرفش اوصله الا عن طريق الشغل
اخوكي شايف انه ندم لما اتجوز ام هدير الله يرحمها رغم ان ساعتها عاند بابا وصمم انه يتجوزها، هو حاسس انه غلط و انها كانت لحظه تهور وشهامة
ثم أكمل بنبره هادئة و لكنها استفزت هاجر
- انا مقدر انك طول السنين اللي فاتت وانتِ بتصرفي علي هدير من جيبك و ان ممكن يعني تكوني تعبتي من حملها
- هدير عمرها ما كانت حمل بالنسبالي، هدير لو طلبت عيني متغلاش عليها انا اعتبرتها عوض ربنا ليا ووجودها معايا اجمل نعمه في حياتي
أردف حسني بِنَبْرَة هادئة
- هدير مش عيله صغيره عشان اخد فلوس منك كل شهر واجيبلها حاجات واديها فلوس علي اساس انها من ابوها هي من حقها تعرف ان محدش تعب معاها غيرك لازم تعرف ان ابوها مبعتش فلوس الا ساعه بيع الشقة
هاجر برفض تام ان تعرف هدير شيئا فهي تعلم كيف من الممكن هذا الشيء اَنْ يُدَمِّرُ مِنْ نفسيتها
- انا طول السنين اللي فاتت خبيت عليها علشان مشوفش منها دمعه واحدة
دخلت هدير عليهم بملامح مبهمة تماما و كان الدموع تحجرت يكفي تمزيق قلبها فإذا كان لا يريدها فلما يُنْجبُها وَ لِما يُعَذَّبُها ولَا يَتَحَمَّلُ نتيجة اختياره السَّابِقُ
هاجر بتوتر حينما وجدتها أمامها
- جيتي امته يا هدير
لتنظر في عَيْنْيْهَا بِنَظْرَةٍ قلقة لِتُجيبَها بالشيء اَلَّذي تَوَقعته
- انا سمعت كل حاجة يا عمتي
