رواية احببت معقدة
الفصل الثالث 3
بقلم فاطمة سلطان
لَا تَلْمُونِي عَلَى شِي انَّتِمْ فَعَلْتُوهُ بِي، فَمَن جَعَلَنِي اتَّعَلَّقَ بِهِ هُوَ انَّتِمْ وَإِذا كان هَذَا خَطَأٌ
فَلَمَّا جَعَلْتَمُونِي اقْتَرَبَ مِنْهُ ؟ هَلْ مِنْ أَجْلِ اَنْ تُؤْلِّموَا قَلْبِي وَتَجْعَلوني ابَّحِرَّ واِغَّرَقَ فِي وَحْدَتِي ؟
___________________________
نزل قاسم بعدما ابْتَلَعَ حديث والدته وكان كَاَلْغُصَّةِ في حَلْقَةٍ، فهو لم يتذكر انه في يَوْمًا قد شعر بهذا الانزعاج والاختناق من قِبَلُ، فلأول مره يري علاقته بهدير من مَنْظُورٍ اَخَرٍ،
تلك الكلمات التي قالتها والدته قاسيه جدا في حقه وما يجعله يشعر بالضيق أكثر انها لم تتفوه بحرف أو بكلمه ليست صحيحة
وجد هدير تقف امام بيتهم وهي ترتدي بنطلون جينز وترفع شعرها لأعلي وترتدي كنزة بيضاء وحذاء رياضي فمتي اصبحت تلك الطفلة المزعجة ذات اللسان الحاد كبيرة لتكون علاقته بها تضرها
منذ متي وهو يشكل خطر عليها الذي حَمَاهَا من كل خطر أصبح هو الخطر ..
هدير بانزعاج من بروده ووقوفه كَاَلْصَنَمِ فهو لم يتحرك اتجاها يقف ويسلط بصره عليها او علي شَيْءٍ اخر فهو شارد جدا، فذهبت له فهي تظن انه يتجاهلها فلا تعلم انه مُشَوَّش، وانه لا يراها فهو لا يري سوي أفكاره
- هو ده اللي اول ما تنزلي رني عليا انا بقالي نصف ساعة رانه عليك
تحدث قاسم بخفوت
- معلش يا هدير
ذهب قاسم مع هدير الي المدرسة فهي تبعد عن شارعهم بحوالي عشرين دقيقه سيرا علي الاقدام
ولكن كان عقل قاسم ليس به فهو يفكر في حديث والدته واشياء كثيره تتردد في عقله طوال الطريق، اما هدير لا تقل عنه حيره بسبب صمته وظنت ان هناك شي يشغل باله مثلها فهي تفكر اي اب يفعل ذلك بابنته هل يري انها نتيجة تسرعه في زواج تم في مرحله شبابه
سحبت هدير ملفها وودعت اصدقائها من وجدته في هذا الوقت ولم تشعر بالفراق او بلحظة الوداع فهي لم تحب يوما الذهاب الي المدرسة ولم تكن لديها صديقه مقربة
وحينما خرجوا من المدرسة ذهبوا الي النادي الذي اعتادوا الذهاب اليه قرر قاسم ان يفي بوعده وهو ان يعزمها علي الغداء في النادي بعد نجاحها، فجلسوا وطلبوا طعامهم وشرعوا في الطعام ثم تحدثت هدير وهي تجده يعبث في طبقه وشارد أيضا
- هو انتَ عازمني علشان تقعد زيك زي الحيطة
- معاكي يا هدير معلش في حاجة شغلاني شوية
- والله مش اكتر من اللي في بالي
حاول قاسم ان يعود الي طبيعته فأردف قائلا بمرح
- ايه اللي في بالك يا مقصوفة الرقبة ده انتِ كان حلمك تعدي صافي
تركت هدير الطعام وتحدثت بنبرة مرهقة
- مش بسبب النتيجة، قاسم هو انا ينفع اتكلم معاك شوية
قاسم ابتسم ابتسامة تشجيعية لها حتي تتحدث بأريحية
- هو امته كان منفعش ؟!
هدير قصت له من اول ما عرفته يوم وفاه والدتها حتي ما سمعته ليله امس وحاولت ان توصف له مدي قهرتها و حزنها ربما هو الوحيد التي تشعر انها معه تستطيع ان تبوح بكل شي، وبكت هدير فلم تستطع ان تتوقف عن البكاء و كيف لها ان تتوقف؟؟ فوالدها يتخلي تماما عنها وعن مسؤولياته تجاهها
قاسم بانزعاج من بكائها فهو لا يحب أن يري طفلته حزينة بهذا القدر
- خلاص بقا كفايا عياط
- انا عايشه هموم مش للي في سني، ابويا شايف جوزاه من امي كانت غلطه، واتجوز من وراها وبعد موتها مفكرش يشوفني دي سنين مش أيام ابويا دفني مع امي، سنين ومفكرش يعرف بنته بتصرف منين او عايشه ازاي وانا كل ده فاكره انه مهتم بيا صحيح اضايقت منه بس كنت دايما بحاول التمس ليه الف عذر وعذر، انا اتكسرت
ربما لثمانية سنوات تكبر هدير امام قاسم يراها يوميا ويقضي اغلبيه اليوم معها ولكنه لم يتوقع يوما ان كل ذلك بها فمن يتحمل ذلك في عمرها؟؟ فهي تحاكيه وكأنها امراة في الثلاثون من عمرها ليست فتاة لم تبلغ التاسعة عشر بعد، فأردف قائلا بنبرة هادئة
- مش عارف اقولك ايه انتِ متحمله كتير، بس لازم تعرفي ان كلنا بنمر بابتلاءات مختلفة وكل شخص عنده مشاكل، مفيش حد كامل و الحياه مش بتدينا كل حاجه و بعدين يا هدير انتِ كلمي والدك وقوليله كل اللي نفسك
أردفت هدير بنبرة متألمة
- واحد مهانش عليه يشوف بنته لسنين مش هستبعد انه ميصرفش عليا انا كنت غبية لما اتوقعت اني لسه في دماغه
قاسم أردف بتوضيح لنظريته فهو لا يريدها ان تكرهه او يقسيها عليه اكثر من ذلك
- لازم تتواصلي معاه هو، مهما كان الله واعلم ايه هي ظروفه ايه لازم تتكلمي معاه
هدير أردفت بجحود غريب لم تستطع ان تتخيل انها ستصل له يوما
- مين الأولي يعرف ظروف مين ؟؟؟؟ لما اتغرب و ساب مراته و بنته لوحدهم علشان يعيشهم في مستوي حلو و يريحهم تقدر تقولي مراته فين ؟؟؟ وله بنته حالها عامل ازاي ؟؟؟
ثم أكملت حديثها بهدوء ولكن بقرار عجيب لا يناسبها تماما
- انا هشتغل
قاسم بسخريه لم تكن صحيحة في وقتها
- يا سلام تشتغلي ايه ان شاء الله ؟؟؟ لسه وراكي جامعه مش لما نشوف هتدخلي ايه، اما اللي اتخرجوا مش لايقين شغل هتلاقي انتِ ؟
- انا بتكلم بجد انا مش عيله، انا كبرت وعادي انا ولا اول ولا اخر حد هيشغل جنب الجامعة انا المفروض اخفف الحمل علي عمتي
حاول قاسم ان يأخذها علي محمل الجد حتي انتهوا من طعامهم وذهبوا الي المنزل ولكنه اكانت تشعر انه لا يتخذها علي محمل الجد ولكنها لم تحاول ان تشرح له نظريتها أكثر
_____________________
صعدت هدير الي المنزل وهي تشعر بالغضب الشديد فالجميع اصبح لا يفهمها حتي أٌرب الناس لها قاسم، حينما دخلت البيت وجدت ابن عمها ( وليد) في الخامسة والعشرين من عمره شاب وسيم الي حد ما ويحب هدير كأخت له ولكن دائما يخشي مساعدتها بسبب والدته
هاجر وهي تنادي عليها حينما أحست بمجئيها
- تعالي يا هدير، وليد جاي مخصوص علشان يبارك ليكي تعالي سلمي عليه
هدير اقتربت منهم واكتفت بالوقوف بجانب مقعد عمتها حتي لا تُجبر ان تصافحه فهي تكره ان يلمسها اي شخص فهي تعتبره من الغرباء فالغريب هو من لا يستطيع الوصول الي اعماقنا حتي وان ربطتنا به صله الرحم وتجري به نفس دمائنا، أردف وليد قائلا
- الف مبروك يا هدير
أجابت هدير عليها بخفوت
- الله يبارك فيك يا وليد
مد وليد يده وبها علبة متوسطه الحجم و نظر لهدير بابتسامة هادئة
- دي هديه بسيطة مني يا هدير علشان نجاحك
لم تتحرك هدير من مكانها وكأنها صنم فالوضع غريب عليها تماما فمنذ متي يأتي لها بهدايا فمنذ متي بينهم هذا الود فدائما يخشي ان يقترب منهما او يودها بسبب والدته
أخذتها هاجر حينما شعرت بالاحراج الذي أصاب وليد بسبب هدير فابتسمت هاجر وهي تحاول تلطيف الأجواء
- شكرا يا وليد مكنش في داعي تتعب نفسك يا ابني يعني
تحدث وليد باحراج
- مفيش تعب ولا حاجة المهم تعجبها
فأردفت هاجر بنبرة محذرة لهدير بأن تكن مهذبه قليلا وضغطت على حروفها
- افتحي يا هدير شوفي الهدية
مدت هدير يدها وأخذتها من عمتها ثم فتحتها فابتسمت ابتسامه مجاملة ووجدت علبة هاتف حديث
- موبايل ؟
فأردف وليد بنبرة هادئة ومشرقة
- خلاص انتِ داخله الجامعة وخلاص مش هتفضلي ماشيه بالتليفون الصغير اللي اخره يرن ده وكمان عمتو خلتها تقدم علي النت بقا و تخرجي من القوقعة دي
_________________
في صباح اليوم التالي فاقت هدير علي صوت جرس الباب فعمتها فمثل هذا اليوم من كل عام تذهب الي قبر زوجها فاليوم هي الذكري السنوية لوفاته فتحت الباب بعد ان رأت من العين السحرية انها جارتهم الثرثارة (ام محمد)، دخلت ام محمد بعد ان فتحت هدير الباب وجلست علي اول مقعد قابلته
ام محمد بابتسامة مستفزه لا تحبها هدير لانها تعلم انها دائما تتدخل في اشياء لا تعنيها
- صباح الخير
أجابت هدير بنبرة خافتة وصوت فيه بقية نوم
- صباح النور، علي فكرة عمتو مش هنا
قالتها وهي تتأمل ان تذهب ولكنها أجابت عليها باصرار ان تستكمل ما جاءت من اجله
- طب كويس اتكلم معاكي كلمتين عقبال ما هاجر تيجي
هدير جلست وحاولت ان تخفي اي ملامح انزعاج قد تظهر عليها، أردفت ام محمد بنبرة بها الكثير من الحماس التي لا تعرف هدير سببه
- بصي انتِ عارفه اني بعتبرك بنتي، وانتِ وقاسم واي حد هنا في الشارع متربي علي ايدي، وانا دايما يهمني مصلحتكم زي محمد ابني وهشام بالظبط
فأردفت هدير باستغراب فلم تفهم ما تريده
- اكيد بس حضرتك عايزة تقولي ايه ؟
- بصراحه بقا انا مش عاجبني حالك انتِ علي نياتك زي عمتك بالظبط
هدير باستغراب وعدم فهم فمازالت لم تفيق جيدا
- حالي مش عاجبك في ايه يا طنط هو انا عملت ايه
- بسم الله ما شاء الله انتِ كبرتي وخلاص العرسان علي الباب
هدير قهقهت بسخرية فهي فهمت أخيرا ما ترمي عليه ام محمد فعلي ما يبدو هناك عريس
- في عريس زي كل شوية يا طنط وله ايه ...
قاطعتها ام محمد قائلة بنبرة مرحة ولئيمة
- لا ما خلاص كل العرسان اللي جبتهم قولتي لا عليهم وفضلت اسال نفسي يعني ايه اللي مانع البت هدير من انها تتخطب و ترفض شباب زي الورد
- يا طنط ريحي نفسك انا مش بفكر في الموضوع وانا لسه صغيرة و مخلصتش تعليمي
- بصي لو علي السن انتِ مش صغيره يا هدير مش ده اللي مانعك اكيد
هدير بسخريه حاولت اخفائها قدر المُستطاع
- اومال ايه اللي مانعني حضرتك هتعرفي اكتر مني ؟
ام محمد بتفكير ونظره خبيثة
- انتِ متعلقه بقاسم وعلشان كده مش بتفكري في غيره وبتحبيه صح
هدير بانفعال وقد احمرت وجنتيها غضبا وخجلا فكيف تفسر الناس علاقتها بقاسم هكذا
- حضرتك بتقولي ايه ؟؟ قاسم زي اخويا واكتر حد وقف جنبي لاني وحيدة ومليش حد غير عمتي و بعدين قاسم ملوش علاقه برفضي الجواز ..
ام محمد بسخرية فهي لا تقتنع بتلك الملمات الفارغة من وجهة نظرها
- اخوكي ايه بلاش الكلام الخايب ده وبعدين انتِ اللي خايبة يعني انتِ طول ما انتِ رايحة جاية معاه وشايفك متساهله معاه بحسن نيه مش هيتقدم
ياختي الشباب بيحبوا البت اللي بتتقل عليهم وهو هيفكر فيكي ازاي وانتِ اربعه وعشرين ساعة في وشه، لازم يعرف ان كفايا لعب عيال ويدخل البيت من بابه مش بقولك طيبه اتقلي عليه يا خايبة
هدير باستغراب شديد ربما هذا هو اليوم الاول التي تغضب هدير بهذا الشكل من ام محمد رغم انها لا تستلطفها من البداية ولكن هذه المرة فاقت كل توقعاتها، واليوم الاول الذي يحاول أحدهم ان يشكك في علاقتها بقاسم
- اتقل عليه ايه حضرتك بتكلمي بجد
- قاسم لازم يخطبك ويأخد الموضوع بشكل رسمي
تفوهت هدير بغضب فهي تحملت أكثر من طاقتها
- يارب صبرني بجد انا مبعملش حاجه غلط وقاسم زي اخويا
- زي اخوكي يبقي يبعد عنك، البنت ملهاش الا سمعتها وهو بالنسبة ليه راجل مش هيفرق معاه حاجه وبعدين طول ما انتِ ماشيه جنبه في الشارع الناس، لو شاب نيته كويسه وعايز يتقدملك مش هيرضي وهيفتكر ان في حاجه بينكم
دخلت هاجر واغلقت الباب خلفها وهي ترتدي ملابسها السوداء واستغربت من تواجد ام محمد فأردفت قائلة
- السلام عليكم
لم يرد عليها أحد بل نهضت هدير وأشارت بيدها علي ام محمد بغضب
- تعالي يا عمتو شوفي علشان ام محمد واضح ان الجمعيات شقلبت دماغها، انا مش هسمح لحد يتكلم في الموضوع ده قاسم اخويا ومش هتناقش مع حد في النقطة دي تاني عن اذنكم
ام محمد بغضب من لهجة هدير وتذمرها
- شوفي بنت اخوكي يا هاجر و طوله لسانها و انا اللي عايزه مصلحتها ومعتبراها بنتي
دخلت هدير غرفتها واستغربت هاجر مما سمعته فهي لم تفهم شي والامور ليست واضحة امامها
- في ايه بس
ام محمد بانفعال شديد ونهضت غاضبة وهي تتوجه الي الباب
- لا يا هاجر ياختي بنت اخوكي محتاجة تتعلم الادب الحق عليا اني خايفة علي مصلحتها ومش عايزه سيرتها تكون علي كل لسان بنت اخوكي مش فاهمه حاجه في دنيتها
__________________
علي لسان هدير
مبقتش عارفه ايه الصح بس اللي متاكدة منه اني معملتش حاجه غلط وقتها
مسكوا في الانسان الوحيد اللي وقف جنبي عايزين يبعدوه عني للاسف
مكنتش اعرف ايه اللي مستخبي ليا ..
