الفصل الثالث 3
بقلم رانيا البحراوي
بسماع بكاء والدتها على الهاتف ارتجفت وكاد الهاتف أن يسقط من يدها، رأتها مدربة أخرى زميلتها وهي على هذه الحالة أخذت الهاتف من يدها وطلبت من والدة عائشة أن تتحدث بهدوء كي تستطع فهمها.
فاطمة:والدك اصيب اصابة بالغة أثناء عمله والطبيب يخبرني أنه قد يحتاج لبتر إحدى قدميه أو كلتاهما.
المدربة :أنا لست عائشة أنا زميلتها اخبريني بالعنوان كي اجلب عائشة إلى المستشفى.
اخذتها زميلتها إلى المستشفى بعدما اخبرتها أن والدها بخير ولكنه مصاب بالمستشفي حتى تستطيع الوقوف على قدمها.
وصلت عائشة إلى المستشفى اسرعت إلى والدتها تعانقها ثم ذهبت تبحث عن طبيب والدها المعالج كي يسمح لها برؤيته بعد أن منعتها الممرضة.
وصلت إلى غرفة الطبيب وهناك علمت أن الطبيب بأستراحة ولا يستطع مقابلتها، دفعت عائشة الباب واقتحمت الغرفة على الطبيب أثناء تناول الطعام وطلبت منه أن يخبرها بحالة والدها.
الطبيب :من والدك بأي قسم وغرفة؟
عائشة :والدي صلاح مصطفى بقسم الطواريء.
الطبيب :عامل الرخام؟
عائشة :نعم هو، أخبرني مالذي أصابه ولماذا تمنعون عنه الزيارة؟
الطبيب :تعرض والدك لصاعقة كهرباء وسقط من يده الصاروخ الخاص بتقطيع الرخام على كلا قدميه وتم بتر إحدى القدمين والأخرى تحتاج لعملية زراعة بمستشفى متخصصة (ميكروسكوبية) وحاليا نحاول وقف النزيف وتجهيزه لنقله إلى مستشفى أخرى، لا أعلم لماذا يعمل رجل تجاوز الستين بمثل هذه الأعمال الشاقة.
انفجرت عائشة بالبكاء وقالت :أريد رؤيته.
الطبيب بغضب:لا يمكنك ذلك، من فضلك اخرجي الآن من الغرفة فأنا لا املك غير دقائق معدودة للراحة.
خرجت عائشة من الغرفة لتجد الممرضة تنتظرها بالخارج تطلب منها التوجه لقسم الحسابات بالمستشفى.
عادت عائشة إلى والدتها عسى أن ترى والدها أثناء فتح الباب وغلقه من الممرضات.
بعد قليل قامت ممرضة أخرى بالتحدث معها لتخبرها بأهمية سرعة التوجه إلى الحسابات وهي ان المستشفى لن تقوم بإجراءات نقل والدها إلى مستشفى آخر إلا بعد أن تدفع أجرة المستشفى.
اسرعت عائشة إلى هناك بينما تسير والدموع تغرق عيناها، ارتطمت بكرسي متحرك لأحد المرضى ولفت نظرها أنه بمفرده يحاول دفع الكرسي ولا يستطيع وعندما اصطدمت بدا عليه الضيق.
عائشة :أسفة ونظرت حوله وسألته :ألا يوجد معك أحد؟
الشاب :أنتظر حتى يأتي السائق.
ذهبت عائشة إلى الحسابات وهناك علمة بأرتفاع فاتورة المستشفى وصدمت بسماع ذلك وعادت إلى والدتها لكي تستشيرها فكيفية دفع الفاتورة؟
بطريق عودتها إلى والدتها وجدت نفس الشاب الجالس على الكرسي المتحرك مازال ينتظر السائق وكل المارة يتخبطون فيه لضيق ممر المستشفى.
عائشة:ألم يأتي السائق إلى الآن؟
الشاب :لا مازالت انتظره ذهب ليحضر التقارير الطبيبة من السيارة ولم يعد.
عائشة :أخبرني بالعيادة التي تريد الذهاب إليها وأنا سأخذك إليها.
الشاب :لن استطيع الدخول بدون التقارير ولكن إذا اردتِ مساعدتي حقا اجلبي لي زجاجة الماء من خلف الكرسي.
احضرت عائشة زجاجة المياة ونحنه جانبا حتى لايصطدم به أحد مرة أخرى وذهبت إلى والدتها.
تحدثت عائشة مع والدتها فقامت الأم دون أن تفكر بخلع اسورتها الذهبية وطلبت من عائشة بيعها.
عائشة :ولكنها هدية والدي المفضلة لقلبك.
الأم :احببتها لأنها منه، افديه بروحي إذا تتطلب الأمر.
ذهبت عائشة إلى الحسابات واخبرتهم ببدأ اجراءات نقل والدها واخبرتهم أنها ستحضر المال في أقرب وقت واخرجت الاسورة حتى تريهم إياها واخبرهم أنها في طريقها لبيعها.
هناك سمعها الشاب الذي سبق ودفعته بالكرسي لنهاية الممر وسمع حديثها مع الحسابات ورفضهم بدا الإجراءات قبل الدفع وهنا تدخل واخبرها انه يستطيع شراء تلك الاسورة لحل الأزمة.
نظرت عائشة له ولم تجد حلا اخر فاضطرت للموافقة، اخرج الشاب الفيزا الخاصة به وطلب من موظف الحسابات سحب كافة تكاليف الفاتورة.
عائشة :ولكن الاسورة لا تساوي كل هذا المبلغ.
الشاب بكل أدب :تساوي أكثر من ذلك الأشياء تقدر بقيمتها الحقيقية وليست المادية.
شكرته عائشة من كل قلبها وظلت تدعو له سرا أن يتم شفائه عاجلا.
نقل والدها للمستشفى الاخر ولكن لم يتمكن الطبيب من زرع قدميه مرة أخرى وذلك لأنه مر وقت طويل على الحادث ولم تحفظ الاقدام بطريقة صحيحة وتم وضع ضمادات على جروحه واستعاد الأب وعيه ليكتشف انه فقد كلا قدميه.
تلقى صلاح الخبر بنفس راضية على عكس عائشة التي انفجرت بالبكاء منذ سماع ذلك ولم تستطع الدخول عليه الغرفة حتى لا يرى دموعها.
بمرور الايام بدأت أزمة عائلة عائشة الحقيقة بعد انتهاء مدخرات والدتها القليلة، فالأب لايملك تأمين صحي أو معاش يعينه على ازمته حاله كحال كل العاملين بالأعمال الحرة، يدهم وعافيتهم هي رأس مالهم الوحيد.
كان لوالد عائشة سيارة قديمة صغيرة جدا، حاولت عائشة عرضها للبيع، تعرضت عائشة للسخرية الشديدة عندما عرضت السيارة على مواقع التواصل الاجتماعي.
لم يعد لديهم اية نقود وشعرت عائشة بعجز شديد وقررت البحث عن عمل فالراتب الذي تحصل عليه من تدريب السباحة لايكفيهم.
فاطمة عزيزة النفس لم تشعر جيرانها بتلك الازمة التي تمر بها ولم تطلب المساعدة من اي منهم.
بينما تقف عائشة امام سيارة والدها بالشارع تفكر ماذا تفعل مر يوسف جارهم الذي كان يلجأ لفاطمة دائما وهو طفل صغير وكانت تساعده رغم الاذى الذي كانت تتعرض له فاطمة من والدته سامية.
يوسف:السلام عليكم، كيف حال والدك؟
عائشة بحزن وضعف شديد:بخير.
يوسف :وكيف حالك أنتِ.
عائشة:لا أعلم، فلم أفكر في ذلك منذ أن مرض أبي.
يوسف:رأيت صورة هذه السيارة عندما قمتِ بعرضها هل وجدتِ مشتري لها.
عائشة :لا لم أجد وتعرضت للسخرية والتنمر الشديد، المصريين يتمتعون بروح الدعابة ولكن فاق الأمر روح الدعابة وأصبح أقرب للتنمر لم يريدون شرأها فما الداعي
لتلك الكلمات السخيفة في وقت لا احتمل فيه سماع حتى كلمات المواساة.
يوسف:يبدو أنك مضطرة لبيعها بسبب أزمة والدك.
لم تحتمل عائشة كتم حزنها وتظاهرها بالقوة أكثر من ذلك وانفجرت بالبكاء وقالت:نعم احتاج لبيعها بشدة.
فكر يوسف قليلا وقال :وجدت الحل مارأيك أن نتشارك سويا ونقوم بمشروع صغير بهذه السيارة.
عائشة :كيف؟
يوسف :نقوم بتلوينها وتزينها نشتري ماكينة قهوة ونبيع القهوة بكافة انواعها أمام أي نادي أو شركة مارأيك؟
ترى هل ستوافق عائشة وهل مازالت والدة يوسف تكره فاطمة إلى الآن؟
