الفصل الرابع 4
بقلم رانيا البحراوي
فكرت عائشة في عرض يوسف وشردت في موقف قديم جمعها بوالدها حين سألته يوما :ياأبي لماذا لا تدخر نقود
وتنفق كل اموالك سريعا قد يأتي يوما ونحتاج فيه لهذه النقود.
الأب :ومن أخبرك انني لا ادخر نقود، أنا اقوم بتأسيس عمارة.
عائشة بتعجب :كيف!
الأب :أنا استثمر نقودي فيكِ، اعلمك جيدا واشترك لكِ بالنادي ولا أوفر جهدا أو مالا في سبيل اسعادك حتى إذا كبرت بالعمر ولا استطيع العمل ستعملين انتِ لأجلي وقتها فقط ستعلمين فائدة تلك المؤهلات لديكِ.
يوسف :عائشة في ماذا تشردين هكذا؟
عائشة :في موقف جمعني باابي وأنا طفلة صغيرة ولم افهم كلماته إلا الآن، لوهلة خفت من تنفيذ فكرتك وقولت كيف استطيع الوقوف بالشارع وعمل القهوة وما سأتعرض له من مضايقات ولكن بعد تذكري كلمات أبي سأوافق دون تردد، ولكن ماذا عن والدتك فأنت تعلم أنها تكرهني أنا ووالدتي ولن توافق على هذه الشراكة.
يوسف بغضب :والدتي لا تكره أحد هي فقط تحب العزلة ولا تجد الراحة في الاختلاط بالغير ولذلك لن اخبرها بهذه الشراكة، سأحصل على سلفة من الشركة التي اعمل بها لاشتري ماكينة القهوة ولن تعرف والدتي بذلك وأما عن تاخري بعد العمل سأخبرها انني ابقى بالشركة لوقت إضافي.
عائشة بقلق :كما تريد ولكنني سأخبر والدي أنك شريكي.
يوسف :حسنا ولكن اطلبي من والديكي ان يبقوا الأمر سرا بيننا.
عائشة :مارأيك أن نبدأ مشروعنا من أمام النادي الذي اعمل به سأتحدث مع إدارة النادي ولن يمانعوا بقائنا هناك خاصة وأنه يوجد عدة شركات بهذه المنطقة.
يوسف :أركِ تحمستي للمشروع.
عائشة :نعم وبشدة.
يوسف :علينا أن ننتبه منذ الآن حتى لاتعلم والدتي، أنا لا أخشى ردة فعلها ولكنني لا أريد أن تحزنك أنتِ ووالدتك بكلامها ولذلك ستكون اتفاقتنا منذ اليوم من خلال الهاتف.
عائشة :هذا افضل حتى لا ترانا سويا.
دخلت عائشة واخبرت والديها بالفكرة ورأت القلق بعين والدتها على عكس والدها الذي دعمها وشعر بالفخر بها.
مرت الايام وقام يوسف بتجديد السيارة وتجهيزها وتزينها وقام بتجهيز قائمة اسعار ورقية بالمشروبات لتوزيعها بالقرب من النادي وقام بتسمية المشروع
(أش أوش) وهو اللقب الذي يناديه به الجيران عليها بصغرها فهي مدللة الجميع والكل يحبها.
تفاجئت عائشة بذلك وفرحت جدا وسألته :امازلت تتذكر هذا الأسم؟
يوسف :نعم، في كثير من الأحيان كنت اتمنى ان تجلبك والدتنا لمنزلنا لنحملك ونداعبك مثلما يفعل باقي الجيران ولكنها كانت دائما ترفض.
عائشة :اعتادت على ذلك ولم اعد افكر أو انزعج منها ولذلك لا تحزن نفسك فقد كبرنا وصرنا أصدقاء ولم تعترض على ذلك.
لا تعلم عائشة ان والدة يوسف مازالت توبخه إلى الآن كلما راته معها او مع والدتها ولكنه لا يكترث لتوبيخها بعد الآن مثلما كان يفعل وهو طفلا صغير.
بيوم الإفتتاح دعت عائشة كل صديقتها نهارا وقام يوسف بدعوة اصدقائه ليلا واتففو أن عائشة ستعمل بالمشروع نهارا وهو يعمل ليلا بعد الانتهاء من عمله
أما عن دراستها ستذهب يوميا صباحا ثم تعود إلى المشروع ثم تذهب لتدريب السباحة الساعة الخامسة بعدما ينتهي هو من شغله ويوم السبت يجتمعان كلاهما لأن كل منهما يكون اجازة بهذا اليوم.
يوسف :ولكن سيصبح الأمر شاق بالنسبة لكِ.
عائشة :لا أهتم المهم ألا ينقص والدي شيئا فهما لم يقصرا معي مطلقا، أريد أن أوفر لهما كل احتياجاتهما قبل أن يطلبوها مثلما كان يفعل والدي.
يوسف:لا أجد كلام يصف كم أنتِ إنسانة رائعة خجلت عائشة بشدة واحمر وجهها خجلا.
بأول يوم عمل بعد الأفتتاح اجتمع كلاهما وكلما توقفت سيارة لشراء القهوة أسرع إليها يوسف واخبرها أنه طالما هو بجانبها ليس عليها أن ترهق نفسها واخبرها أنه في حال عدم تواجده لا تذهب للسيارات ولكن تطلب من مالك السيارة أن يصف سيارته وينزل بنفسه لشراء القهوة
حتى يحفظ كرامتها فهي بالآخر فتاة وعليها أن تُخدم ولا تَخدم.
عائشة :وماذا لو رفض النزول وذهب دون أن يشتري.
يوسف:فاليذهب أهو من يرزقنا الله من يرزقنا.
شعرت عائشة بمشاعر غريبة وكأنه شخص آخر غير يوسف الذي تعرفه منذ الطفولة فعندما تقترب من شخص وتعرفه عن قرب ترى روحه وجمال أو قبح شخصيته ولذلك ماهما أجزمت أنك تعرف هذا الإنسان
فإنك لا تعرفه طالما لم ترى روحه.
شعرت عائشة بأنه الفارس الذي يحميها ويتصدر لأي مشكلة تواجهها، رجل حقا يخاف عليها ويريد حمايتها من أبسط الأشياء.
كانت هناك سيارة تمر يوميا لشراء القهوة ينزل السائق منها وعندما تنظر عائشة بالخلف تعجز عن رؤية أي أشخاص أخرى ولكن هذا السائق يوميا كان يشتري كوبان من القهوة،كلما رأت عائشة هذه السيارة قبض قلبها فرغم فخامة السيارة إلا أن السائق كان يبدو شاحبا من شدة الخوف وكان يتعجل بالقهوة حتى لايتعرض للتوبيخ من مالك السيارة وكانت ترتجف يده وهو يأخذ الاكواب من يدها، السائق كان بعمر والدها فكانت دائما تشفق عليه وفي حالة تواجده أثناء وجود عملاء آخرين تستأذن عائشة منهم كي تعطيه القهوة أولا.
ذات يوم وقفت تلك السيارة وبعدما جهزت عائشة القهوة بحث السائق بجيبه عن المال ولم يجد فهو معتاد أن يحاسب على القهوة ثم يسترد ثمنها من مديره.
طلب السائق من عائشة ان تنتظر حتى يجلب المال ودق على الزجاج الخلفي للسيارة وهو يرتجف بشدة وقال بهدوء، اعتذر يابيه ولكنني لا أملك المال لكي ادفع اليوم ثمن القهوة.
فتح المدير جزء من النافذة وقال بصراخ :أيعقل أن يذهب كبير مثلك إلى عمله وجيبه خالي من النقود اتفضل ثمن القهوة.
سقط المال على الأرض وانحنى السائق ليحضره وعائشة تتابع كل هذا بصمت وحزن شديد وتمنع نفسها بصعوبة من رد هذه الإهانة حتى لا تؤذي السائق ويطرد اذا قامت بالدفاع عنه.
قدمت عائشة القهوة للسائق وقالت له معاتبة :ولماذا لم تخبرني ياعمي أنك لا تملك ثمن القهوة كنت انتظرت للغد حتى لا تتعرض لقسوة هذا المدير.
السائق :شكرا يابنيتي بارك الله فيكي.
بالمساء جاء يوسف ليتسلم منها العمل وقصت قصة السائق ومديره.
يوسف:لم أراهم من قبل ولكن هذه هي الدنيا بعض الناس تشعر وكأنها تملك الدنيا لأنها تملك المال.
عائشة:إذا حدث وأصبح لك شركة كيف ستتعامل مع موظفينك؟
يوسف :من يخرج من بين البسطاء لايمكن للاموال أن تنسيه صعاب الحياة لأنه مر بها وتجرعها مثلما نتجرع الماء فهل يمكن للمرتوي أن يبغض الماء هكذا نحن إذا توفر لدينا المال سنشعر بالبسطاء ونهون عليهم لأننا نشعر بهم.
كلما مرت الآيام ازداد إعجاب عائشة بيوسف وتجسدت فيه صورة فارس الأحلام المنتظر الذي تستطيع الفتاة بشعور أنها تنتمي لذلك القلب الكبير.
أحيانا كانت تبقى معه وقت اطول تساعده في الأيام التي لايوجد لديها تدريبات سباحة.
اما الايام التي يكون بها تدريب فكانت تذهب مسرعة إلى النادي وكانت الامهات تمر عليها قبل التمرين وتشتري منها القهوة وتشجعها، الأطفال كانوا يحبونها بشدة وكان يوسف يرى ذلك عندما تذهب لتتجهز قبل التمرين فيمر الأطفال عليه بطريقهم ويسألونه بلهفة عنها وعندما تغيب عن التمرين لأسباب طارئة او بسبب مرافقتها لوالدها إلى المستشفى الأطفال كانوا يبكون ويطلبون من والدتهم أن تعود بهم إلى المنزل حتى لايتدرب مع مدرب آخر.
ذات بعد التمرين
مرت عليه عائشة تسأله إذا كان يحتاج شيئا فوجدته مرهقا جدا وعندما توقفت لمساعدته رفض بشدة وطلب منها العودة إلى المنزل.
تعود عائشة إلى المنزل يوميا بعد شراء كل مستلزمات المنزل، تفرح والدتها بعودتها كطفل صغير ينتظر أمه.
تعانقها والدتها وتأخذها إلى والدها كي تقر عيناها برؤية مدللته التي كبرت وصارت عائل المنزل الوحيد وتذكر صلاح الفترة التي عاشها دون أن ينجب وقال من حكمة ربنا أن رزقنا هذه الفتاة في كبرنا حتى ترعانا هكذا.
وضعت عائشة أدوية قامت بشرائها لابيها بجانبه.
الأب :ولكنها لم تنتهي بعد.
عائشة :كنت تجلب لي الحلوى قبل أن أنهيها ايضا ياحبيبي.
الأم :وماذا عني ألا يوجد بعض الدلال لي فقد تجاوزت الستين من العمر ايضا.
عائشة :انظري ماذا جلبت لكِ.
الأم بفرحة :الشيكولاتة التي احبها.
من يرى والديها يظنهم اجدادها من فارق العمر الذي بينها وبينهم ولكنها حقا إنسانة رائعة بارة بوالديها وتدللهم مثلما تدلل الأطفال.
تمر الأيام وتسير ببركة دعاء والديها ويزدهر مشروعها هي ويوسف يوما عن يوم واصبح من يعتاد شرب القهوة لديهم لايمكن أن يشربها قهوته الصباحية بمكان آخر.
ذات يوم ذهبت عائشة إلى الجامعة دون أن تنام جيدا وبالتالي ذهبت لبيع القهوة وهي تشعر بالنعاس ولكنها لا تحب القهوة تجيد تجهيزها جيدا ولكن لاتشربها.
جلست عائشة بعد كثير من العمل تستريح وقفت تلك السيارة التي تمر عليهم يوميا ولكن لم ينزل السائق.
تفاجئت بمالك السيارة يفتح النافذة الأمامية ويشير لها حتى تقترب.
عائشة بهدوء أشارت له أن يصف سيارته وينزل بنفسه لشراء القهوة شعرت عائشة بأنها تريد الانتقام لذلك السائق الذي أثار شفقتها وتعاطفها.
قام بغلق النافذة وظنت عائشة أنه سيذهب بطريقه ولكنه أغلق النافذة ثم صف السيارة وخرج من السيارة يشتعل غضبا يحاسبها لأنها لم تجلب له القهوة.
عائشة بهدوء :مانوع القهوة؟
المدير :قهوتي المعتادة التي تقومين بتجهيزها للسائق يوميا.
عائشة بابتسامة :لا أتذكر.
المدير بغضب :كيف وأنتِ تجهزيها بمجرد رؤيتك للسيارة
عائشة :لا أتذكر.
المدير :وأنا أيضا لا اعرف نوعها فالسائق جلبها لي مرة واعجبتني ومن وقتها وأنا اطلبها منه يوميا.
عائشة تتذكر ولكنها حقا استفزت منه كثيرا بسبب معاملته القاسية للسائق.
بعد بعض الوقت
عائشة :تذكرت.
قامت بتجهيزها وظلت تتثائب أثناء ذلك وتقاوم حتى لايغلبها النعاس وبينما تقدمها له مد يده لياخذها بغضب فارتجفت يدها وسقطت القهوة عليه.
