أخر الاخبار

رواية المعلم الفصل الاول 1بقلم تسنيم المرشدي

 


رواية المعلم

الفصل الاول 1

بقلم تسنيم المرشدي


_ تقف أمام نافذتها وشعور الحماس يتغلغل بداخلها لما تنتظره ، بزوغ الفجر مع تلك البرودة يزيد من لهفتها  ، تشعر بنبضات قلبها التي تتسارع بداخلها لإفتقادها إليهم  ، فلقد طالت مدة الغياب ولم تراهم لأربعة عشر يوماً وثلاث ساعات وبضعة دقائق لأداء مناسك الحج التي تؤديها والدتها لأول مرة بعد أن أعتنقت الإسلام حديثاً ، لم يسبق لهم وأن تركوها بمفردها طيلة تلك المدة التي مرت عليها وكأنها أعوام وليست فقط عدة أيام ،


_ استنشقت عبير الهواء البارد الذي تسلل عبر فتحات النافذة وارتطم بوجهها ، أبتسمت بسعادة وهي تصور بعض المشاهد الحميمية لهم عند عودتهم ،


_ طالت فترة عودتهم وتأخر الوقت كثيراً عما اعتقدت ، سحبت هاتفها وضغطت علي زر الإتصال في قلق قد تملكها ، ارتخت ملامح وجهها بطمئنينة  عندما أجابها بصوته العذب الذي يلمس قلبها ويبث فيه الأمان :- 

_ عنود حبيبتي


_ سحبت نفساً عميق محاولة تهدئة روعها لكن لم تخلو نبرتها من القلق :- 

_ انتوا فين يا بابا قلقت عليكم ، المفروض توصلوا من نص ساعة


_ أزفر أنفاسه في ضيق وهو يجوب بأنظاره علي الحافلة المُعطله ثم رد عليها بهدوء لكي لا يُشعِرها بالقلق عليهم :- 

_ إحنا واقفين في الطريق الأتوبيس اتعطل والسواق بيحاول يصلحه متقلقيش علينا


_ تنهدت في ضيق ولعنت تلك الحافلة التي أخرت رؤيتها لهم ، فلقد فاق اشتياقها كل الحواجز ، لم تختبر فراقهم طيلة تلك المدة الماضية ، فهم ثُلاثي دائم التنقل سويا ولم يسبق وأن افترقا قط ، ولكن تلك المرة اختلفت فلولا اعتناق والدتها الإسلام وضرورة أداؤها لمناسك الحج لما وافقت علي الإبتعاد عنهم طيلة الفترة الماضية


_ أجابت والدها برقة كما اعتادت في الحديث معه دوماً :-

_ توصلوا بالسلامة يا حبيبي see you soon ( أراك قريباً )


_ أغلقت الهاتف وأزفرت أنفاسها مستاءة ، فهي لم تعد تحتمل أكثر من ذلك الوقت التي أمضته قيد انتظارهم ، ولجت  داخل غرفتها حيث خزانتها الصغيرة التي تحتوي علي بعض الثياب الفضفاضة ذات الألوان المبهجة التي تناسب عُمرها الذي لم يتعدي التاسع عشر بعد ..!


( عنود سيف الدين فتاة رقيقة ، تمتلك بشرة حليبية وشعر غجري أسود داكن ، تمتلك عيون واسعة تختبئ بين أهدابها الكثيفة ، تتمييز بتورد وجنتيها وشفاها الدائمتين ، ذات عود ممتلئ بعض الشئ ممشوق وله انحناءات أنثوية مثيرة رغم  صِغر عُمرها ، أنهت هذا العام آخر صفوفها الثانوية ، تقطن في مدينة لوس انجلوس بولاية كاليفورنيا ، تعشق شيئان في الحياة وهم والداها ، لا تمتلك أشقاء لمرض والدتها بعد ولادتها  مباشرة وخضعت لإستئصال  رحِمِها ، كانت بمثابة الحياة ومافيها لوالديها والعكس صحيح ، والدها من أصل مصري الجنسية لكن والدتها أمريكية الجنسية حيث تَقابل كِلاهما في عملٍ واحد وقد أحبَ بعضهما البعض كثيراً ، وقد قابلا صعوبات عديدة من قِبل عائلته التي رفضت زيجته من تلك الفتاة المتحررة ذات الديانة المسيحية ، لم يصغي إليهم وأعلن زواجه منها بعد فترة قصيرة من رفض عائلته ولم يكترث لهم تحت مُسمي رفضهم لهراءات سخيفة ، حرس سيف الدين علي تعليم إبنته الوحيدة لأصول دينها الإسلامي ولم يقُابل اي هجوم من زوجته رغم أنها ذات ديانة مختلفة ، حيث كانت تعاونه في غرس المبادئ والقيم الصحيحة في نفس إبنتهما ، أيضاً كانت تختلس النظر إليهم من حين لآخر وهما يدرسان دينهم ، كانت تصغي له بإهتمام عندما يقُص علي عنود بعض الأحاديث والقصص النبوية الشريفة ، وكأن قلبها يلين شيئاً فشئ و كانت دائمة الحرس علي الحضور لتلك الندوة الأسبوعية التي قد شرعها زوجها ليحبب أبنته في دينها وغرس القيم فيها )


_ كما تتصف بالذكاء الداهي الذي كان يخشاه والداها من سوء استغلال الآخرين لها ،


_ وضعت آخر دبوس في حجابها الذي  غطي صدرها بالكامل ، ودلفت خارج المنزل ، أخرجت السيارة الخاصة بوالدها من چراج المنزل وتمتمت قبل أن تشرع بالقيادة :- 

_ بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوه الا بالله


_ دعست علي محرك السيارة كما زادت من سرعتها لكي تصل أسرع إليهم ، أوقفت السيارة حينما رأت أمامها العديد والعديد من السيارات الواقفة بمنتصف الطريق ، أزفرت أنفاسها في ضيق فعلي ما يبدو أن القدر يلعب لعبته ويود أن يؤخرها عن رؤية والداها لطلاما انتظرت تلك اللحظة بفروغ الصبر ..


_ تأففت بضجر ثم فتحت باب السيارة وترجلت منها ، اتجهت بخطوات سريعة للأمام لعلها تعلم حقيقة الأمر ، حاولت الإرتفاع بقدميها لكي يقع بصرها علي أي سبب جذري تحتم علي تلك السيارات الوقوف هكذا ، لكن لم تستطيع أن تري شيئا سوي السيارات الواقفة خلف بعضها ، نظرت للجانب ولمحت بعينيها أحدهم يجلس في سيارته ويتحدث بالهاتف ويبدو عليه الذعر :- 

_ What ? Fuck it up , I have an essential job and the road definitely won't open until morning؟

( ماذا ؟ سحقاً للأمر ، لدي عمل ضروري وبالتأكيد لن يُفتح الطريق حتي الصباح ؟ )


_ شعرت بغصة في حلقها وكأنه يتحدث عن شئ يخص والداها ، لماذا أتي تفكيرها لتلك النقطة ، لم تشعر بقدميها التي هرولت مسرعة نحو ذاك الرجل لتتأكد من حدسها ،


_ تنهدت في خوف وسألته متوترة :- 

_   Sorry, do you know what's going on?

( عُذراً ، هل تعلم ما يحدث )


_ نظر إليها من أعلي لأسفل بتفحُص شديد ، بينما انكمشت ملامح عنود بضجر لنظراته التي أغضبتها ، حمحمت ثم أعادت سؤالها مرة أخري


_ أجابها بإقتضاب لتلك الفتاة التي لا يظهر من جسدها شئ :- 

_  Yes, I know, there was a bus accident due to a blown tire

( نعم اعلم ، هناك حادث انقلاب حافلة بسبب انفجار الاطارات  و...)


_ لم تدعه يُكمل جملته عندما عادت مسرعة الي سيارتها ، أغلقت الباب ونظرت أمامها وهي تتمني بداخلها أن تكون حافلة أخري وليست تلك الحافلة التي يعود بها والداها ، لا لن تتحمل أكثر من ذلك ، لابد من التأكُد ، دعست علي محرك السيارة لتديرها حيث سارت في طريق بمنتصف غابة ساكنة تماماً ، ورغم شجاعتها التي تعهدها إلا أنها لما كانت ستجازف بمرورها في ذلك الطريق الخالي من البشر لكن الأمر ليس بهين وليس وقت لخوفها الآن ..


_ بعد عدة دقائق وصلت لأول الطريق ، اتسعت مقلتيها وهي تشاهد إقلاع الأدخنة المتطايرة في الهواء أثر انقلاب الحافلة ، ترجلت خارج سيارتها وسارت بتمهل بالقرب من الحادث ، وكأن  الكون بات خالي تماماً أمامها ، لم تصغي لنداءات الشرطة لها ، فقد تريد أن تتأكد أنها ليست الحافلة ذاتها ، تريد أن تطمئن قلبها برؤيتهم ، كادت أن تتخطي الحاجز الذي وُضع من قِبل الشرطة الأمريكية ، لكن يد أحدهم أجبرتها علي التوقف قبل أن تقترب أكثر من النيران ،


_ صاح أحد الضباط بغضب :- 

_  Where are you going, no entry 

( إلي أين أنتي ذاهبة  ، ممنوع الدخول )


_ نظرت إليه بعيناها التي ترقرقت بها الدموع وتهدد بنزولهم ،


_ ابتلعت ريقها وسألته بتوجس :- 

_ My family , I just want to see my family 

( عائلتي ، فقط أريد أن أري عائلتي )


_ أجابها الضابط بنبرة صارمة :- 

_ Where are your family names 

(ما هي أسماء عائلتك ؟ )


_ أجابته بنبرة متسرعة وقد انسدلت بعض القطرات علي مقلتيها :-

_ سيف الدين عراقي ، ونيكول باتريك


_ هز رأسه بـ تفهم وأشار إليها بالوقوف مكانها قائلاً بنبرة رخيمة :-

wait here for a while 

( انتظري هنا قليلاً ..)


_ وضعت إحدي يديها أعلي يسار صدرها ، تحاول طمئنة قلبها الذي بدي وكأنه يركض من فترة طويلة ، أخذت تزفر أنفاسها بتوجس وعيناها تتبعان ذلك الضابط الذي أمرها بالتوقف مكانها ..


_ إزدادت نبضات قلبها عندما رأته يعود إليها بخطي ثابتة  ، ازدادت  أنفاسها وبدأ صدرها في الصعود والهبوط بتوجس شديد من أن يأكد لها ما تخشاه ،


_ وقف أمامها ومد يده ببعض أوراق إثبات الشخصية قائلا بصوته الأجش :- 

See if your family is among them ? ( انظري ، هل عائلتك من بينهم ؟ )


_ ظلت عينيها مُثبتة علي يديه الممتدة لها ثم مدت يديها بتمهل وأخذت تنظر فيهم ، اتسعت ملقتيها بصدمة عندها رأت هوية والدتها ،


_ سرت رجفة قوية في أوصالها ، مررت بصرها بين صورة والدتها وبين الضابط الواقف أمامها ، لم تبحث عن هوية والدها فقد ظهرت الرؤية ، هي تلك الحافلة العائدين بها ، ارتفع تدفق الادرينالين المندفع في شرايينها الي أن خارت قواها ووقعت علي الأرض بإهمال فاقدة للوعي ..


_________________________________________________

_ ابتعد عن زوجته يلتقط انفاسه ، وأستلقي بجسده بجانبها علي الفراش ،


_ أخذ يزفر أنفاسه التي هربت منه في هذا الوضع الغير محبب إليه بالمرة ، لكنه يفعله فقط من أجل زوجته ، نظر إليها وهي تغلق أزرار تلك العباءة اللعينة التي لا تظهر أيا من منحنيات جسدها الأنثوي لطولها وعرضها المبالغ ..


_ نهضت من جانبه واقتربت من الباب عندما سمعت طرقات بخفة عليه ، حتماً تلك صغيرتها  ذات الأربع أعوام ، ابتسمت لها بحب وجلست علي ركبتيها لتكون بنفس مستواها ، أعادت خصلات شعرها الشاردة خلف أذنها وأردفت بحنو :-

_ جنجون حبيبي ، صباح الخير


_ فركت الصغيرة عيناها وهي تتثائب بكسل وتحدثت بنبرة طفولية بريئة :- 

_ ماما جعانة ، آكليني


_ قهقهت علي أسلوبها الطريف الطفولي ثم نهضت وامسكت بيدها وقالت بعاطفة :- 

_ يلا بينا نحضر الفطار لبابا وماما ولجني


_ أماءت الصغيرة رأسها بالإيجاب وذهبت مع والدتها الي المطبخ ، حملتها بيدها ووضعتها علي الطاولة الرخامية وذهبت لإعداد وجبة الفطور لهم


_ ولج هو داخل حمام غرفته حتي ينعم بإستحتمام سريع قبل ذهابه لعمله ،  مال برأسه علي الجانبين مطقطقاً فقرات عنقه ثم وقف أسفل المياه الساخنة الممزوجة ببعض بالبرودة مستمعتاً بالخليط الدافئ الذي ينعش جسده ، أوصد عيناه لبرهة وهو يتذكر كم من الأعباء التي وقعت علي عاتقه في الفترة الأخيرة ، فتح عيناه ليزفر أنفاسه وكأنه يحاول إخراج بعض الحمول من عليه مع خروج تلك الأنفاس ، أغلق صنبور المياه ودلف للخارج ،


_ ارتدي تيشيرت رمادي علي بنطال فحمي كاتم ، مشت خصلات شعره الحريرية القصيرة بالفرشاه ووضع من عطره ثم دلف خارج الغرفة ،


_ اقترب من المطبخ عندما سمع همهمات صغيرته ، وقف أمامها لتصيح هي بسعادة غامرة :-

_ بابا حبيبي


_ أبتسم بسعادة وضمها لصدره قائلا بصوته الحنون :- 

_ قلب وروح بابا


_ ظل يداعبها ويدغدغها حتي تعالت ضحكات الصغيرة بمرح ، نظرت إليهم بأعين لامعة وقالت بغيرة زائفة :- 

_ الله الله وانا مليش نفس يعني في الاحضان دي ؟


_ رمقها بحدتيه قائلاً :- 

_ دينا لو خلصتي فطار ياريت نفطر عشان ورايا شغل كتير


( دينا امرأة تبلغ من العمر ثمانية وعشرون عام ، تخرجت من جامعة التجارة ، بشرتها حنطية تمتلك جسد ممتلئ بعض الشئ ، خصلات شعرها قصيرة مجعدة ، تبلغ من الجمال مقدار متوسط ، طيبة إلي حد السذاجة ، روتينية بقدر مبالغ فيه )


_ أومأت راسها ثم وضعت آخر صحن علي مائدة الطعام وجلست علي مقعدها الخاص ، بينما ترأس هو المائدة وجلست أبنته بجوار والدتها حتي يسهل عليها إطعامها ..


_ تناولا سوياً في صمت حل لفترة ، حتي قطعه نهوضه من علي المقعد لينظر إليها منبهاً :- 

_ انزلي شوفي أبويا فطر ولا لأ


_ أغمضت عينيها بعدم رضاء لما قاله وأردفت بتهكم :- 

_ مش عارفة أنا لزمته ايه أنزل أصحي الناس من نومهم طلاما في حد قاعد معاه ؟!


_ رمقها بنظراته الحادة واندفع بها :- 

_ هما اللي قاعدين مع أبويا دول بني ادمين ، لو الهانم بتآكله زي ما هي بتزن في ودان جوزها مكنتش قولتلك انزلي


_ شعرت بالخجل واقتربت منه محاولة توضيح نواياها :-

_ ريان أنا آسفة مش قصدي بس انت لو بتشوف هي بتفتح لي الباب ازاي ولا الكلام اللي بتلقح بيه طول ما انا تحت هتعذرني


( ريان ماهر العراقي ، يبلغ من العمر أربعة وثلاثون عام ، الابن المتوسط لأبويه ، يتميز بالذكاء والخبرة ، يُعرف بالمعلم لأنه صاحب مملكة الريان وهي تحتوي علي شركة إستيراد وتصدير ، ومصنع الريان  لتوريد الأخشاب بداخل مصر  وبعض معارض الأثاث التي تقطن فروعه في جميع مدن مصر ، كما يمتلك ورش صغيرة للعاملين وغيرهم الكثير ، قامته طويلة للغاية كما يمتلك جسد رفيع لكنه يتماشي مع طول قامته ، لم يُكمل تعليمه وأكتفي بالثانوية لأسباب سنتعرف عليها لاحقاً .. )


_ اشتعلت النيران بداخله وتشنجت عروق عنقه من شدة غضبه وصاح بصوته الجهوري :- 

_ مش كفاية أنها قاعدة في بيته وكمان مش عاجبها الهانم ، مهو الغلط مش عليها الغلط علي أخويا اللي مطاطي راسه ليها ومش عارف يلمها


_ أسرعت دينا بوضع كفها علي فمه لتجبره علي الصمت وقالت متوسلة :- 

_ خلاص خلاص انا غلطانة إني اتكلمت معاك في حاجة ، ريان لو سمحت مش عايزاك تقول اي حاجة لأن هيتعرف إني أنا اللي اتكلمت وانا مش عايزة مشاكل


_ دفع ريان يدها بعيداً عنه ودلف للخارج بعد أن طرق الباب خلفه بعنف وبداخله بركان حتماً سـ يثور في أول شخص يظهر أمامه ،


_ هبط الادراج سريعا وتوقف في الطابق الذي يقطن به والده ، ود  لو يهشم ذلك الباب اللعين من شدة غضبه ، أزفر أنفاسه في ضيق وهبط سريعاً قبل أن يقلب تلك البناية رأسا على عقِب ،


_ وقف أمام حارس العمارة وصاح مندفعاً :-

_  يا بني آدم انت مش قولتلك الاسانسير ده يتصلح في خلال ٢٤ ساعة بقاله اكتر من يومين عطلان ليه ، كلامي مش بيتسمع ليه عايز أفهم ؟


_  أبتعد ريان عن الحارس وبحث بعيناه الثاقبتان التي ينبعث منهم الشر وما إن رأي عصي حتي أسرع نحوها ، جذبها بعصبية وتوجه نحو المصعد الكهربي وهو يصيح عالياً :-

_ أنا هعرفك بعد كده كلامي يتسمع ازاي


_ وما إن انهي جُملته حتي انهال علي المصعد بكل ما أوتي من قوة ، أفرغ شحنه غضبه علي تلك الجدران الجامدة التي باتت كقطعة خردة ..


_ ألقي بعصاه أرضاً واقترب من الحارس وصاح هدراً :-

_ قدامك ساعتين لو متصلحش اعتبر نفسك مرفود


_ غادر من أمامه وتوجه نحو سيارته الفخمة ، سحب أحد مفاتيحه وفتح بابها ، استقل أمام الطارة وأخذ يزفر أنفاسه محاولاً كبح  غضبه الذي مازال يتآكل بداخله وود لو حطم المنزل بمن فيه حتي يتخلص من جميع الأعباء التي تطبق علي صدره ..


_ حرك سيارته وتوجه بها الي أحد معارضه للاثاث بالقرب من المنطقة الشعبية القاطن بها ..


_________________________________________________

_ استيقظ من نومه بكسل ، تفقد زوجته بجانبه ولكنها لم تكن موجودة ، مط ذراعيه في الهواء شاعراً بتلك البرودة تعصف بخلاياه ، نهض من علي الفراش ودلف خارج الغرفة ، اتسعت حدقتيه بذهول مما يراه أمامه ،


_ لابد وأنه يحلم ، حتماً يحلم ! أسرع نحوها وغرز اظافره في ذراعها بكل قسوة ليجبرها علي السير خلفه ، ولج داخل غرفته ودفعها أمامه بعنف


_ صاح بها بنبرة مشتعلة :-

_  تقدري تفهميني ايه اللي انتي لابساه وواقفة بيه برا ده ؟


_ مررت بصرها علي جسدها بتفحص ثم هزت رأسها وهي لم تعي شئ مما قاله وأجابته بجمود :-

_  لابسة قميص


_ كز علي أسنانه بغضب شديد وأمسك بذراعها وصار نحو المرآة ، أوقفها أمامها ووقف خلفها وصاح بها بنبرة مغتاظة :-

_  قميص نوم ظاهر جسمك كله ازاي تقفي بيه في نص البيت


_ سحبت جسدها من بين يديه ونظرت إليه بجمود :-

_ أل يعني أبوك بيشوف عشان تفرق أنا واقفة بإيه ؟


_ اشتعل غضبا مما تفوهت به لصيح فيها :-

_ اتكلمي عدل عن أبويا ، وبعدين نسيتي يحيي ولا ايه ؟


_ تأففت بتزمجر وهي تنظر إليه بجرأة وهتفت متذمرة :- 

_ يحيي مش موجود عشان كده خرجت عادي


_ اقتربت منه والغضب مرسوم علي تقاسيمها :-

_ وبعدين لو انت غيران عليا اوي كده روح كلم أخوك علي الشقة اللي في اخر دور وانا أقعد فيها براحتي ومحدش يقولي انتي لابسة كده ليه ، ولا مش قادر تتشطر غير عليا أنا وبس يا.. يا هاني بيه


( هاني ماهر العراقي ، الإبن البكري والاخ الأكبر لريان ، يبلغ من العمر ثمانية وثلاثون عام ،  ذو شخصية ضعيفة وخاصة أمام زوجته ، لا يستطيع رفض لها أي متطلبات سواء كانت تصح أو لا تصح )


_ أردفتها  بسخرية بينما غرز أظافره في ذراعها فأطقلت آنة موجوعة :- 

_ آه سيب ايدي انت بتوجعني


_ لم يعبأ لها واقترب من أذنها وهمس أمامها بتهديد :-

_ موضوع الشقة ده تنسيه خالص ومش هكرره تاني يا رنا وصدقيني لو ما اتظبطتي معايا ولا مع أبويا ها...


( رنا ياسر الدمنهوري ، أتمت عقدها السادس والعشرون من عمرها ، من عائلة فقيرة منعدمة ، ذات شخصية قوية واستغلالية ،  أنهت الشهادة الإعدادية ولم تُكمل لشدة حاجتهم ، تمتلك عود ممشوق للغاية ذات انحناءات أنثوية صارخة ، بشرتها حليبية وشعرها يصل الي أعلي ركبتيها بقليل ، يميل الي الذهبي الكاتم )


_ صمت وهو لا يعلم بأي تهديد يحذرها ، فهو ضعيف الشخصية أمامها ولا يوجد لديه القدرة في أن يعارضها في شئ ، ماذا عن التهديد بالتأكيد سيفشل في ذلك أيضاً ، نظرت إليه واطلقت ضحكاتها عالياً ثم وضعت يديها علي صدره وهي تداعب شعيراته مستهزئة من ضعف شخصيته :-

_  ما تكمل يا بيبي وتقولي ها ايه ؟


_ نظرت إليه بتشفي وهو لا يستطيع النطق بشئ واحد ، اقتربت منه بشكل مبالغ وتعلقت بعنقه ، تنفست بحرارة بجانب أذنه وهي تعي جيداً ما تفعل به ، أبتسمت بإنتصار عندما شعرت بيه يتأثر بها كما توقعت تماماً ..


_ همست له بصوتها الناعم :-

_  لو مكلمتش ريان علي الشقة هكلمه أنا


_ ابتعدت عنه ورفعت حاجبيها مواصلة حديثها المسترسل :- 

_ صدقني أنا مش هستحمل كتير وهسيبلك البيت وأمشي لو كلامي متنفذش


_ قطع حديثهما قرع الباب ، تأففت بضيق وهي تنظر للاعلي محدثة نفسها متذمرة :- 

_ مش هنخلص بقا من البومة اللي بتنزل كل يوم دي ، أوف


_ سحبت روبها الحريري وأرتدته سريعاً وهي تتعمد أن تقابلها بمثل هذا المظهر المثير حتي تثبت لها انها تتحلي بالجمال عنها ، فمن تلك حتي تخطف منها حب عمرها وتغفل وتستيقظ معه علي الوسادة ذاتها ،


_ شعرت بوخزة في صدرها عندما تخيلتهم في علاقة حميمية معاً ، ليست أحلي منها لكي يختار تلك البدينة ويترك الفاتنة المثيرة ، لابد وأن بصره ضعيف للغاية ..


_ ابتسمت دينا لرنا بينما أجبرت رنا شفاها علي الابتسام بتهكم


_ رددت رنا ساخرة :-

_ إحنا نطلع لك مفتاح أحسن ما كل شوية اقوم افتح لك يا دودو


_ شعرت دينا بالخجل الشديد فتوردت وجنتيها بالحُمرة الصريحة ،


_ قهقهت رنا عالياً ووصلت ساخرة :-

_ ايه ده أنتي بتتكسفي ، ادخلي ادخلي


_ ظلت تقهقه ولم تعبأ لنظرات زوجها التي تحثها علي التوقف ،


_ اقترب هاني من دينا وابتسم بحرج :- 

_ صباح الخير


_ أجابته دينا بنبرة مقتضبة :- 

_ صباح النور


_ جلس هاني القرفصاء ليداعب تلك الصغيرة التي يحبها كثيراً :- 

_ جنجون وحشتيني


_ مدت يدها لتصافحه في براءة قائلة :- 

_ وانت كمان وحثتني يا عمو ، فين السكولاتة تاعتي


_ ضحك هاني علي طريقة نُطقها وأردف :- 

_ وانا اللي فكرك بتسلمي عليا ، آه يا بكاشة


_ اخرج من جيب بنطاله حلوي لتصيح هي في سعادة :- 

_ هيييي عمو جابلي سكولاتة


_ عانقها بقوة بعد أن ضمها إليه وهو يشم عبيرها لطلاما أحبه للغاية ، تلك الرائحة البريئة خاصتها تزيد من لهفته في الانجاب ليأتي بمثلها ،


_ أبتعد عنها وهتف بحزن زائف :- 

_ معلش بقا يا جنجون مضطر أمشي عشان ورايا شغل


_لم تكترث له فمعها حلواها ولا تريد اي تدخلات تمنعها من الاستمتاع بها ، ضحك كلا من دينا وهاني علي حالتها ثم استأذن هاني للمغادرة ، لكنه توقف علي صوت دينا :- 

_ أنا محضرة فطار لبابا تحب تفطر معاه


_ تذكر أنه لم يتناول طعام منذ وجبة الغداء من الأمس  ، كاد يعود بأدراجه ليتناول سريعاً لكن رنا أوقفته بكلماتها اللاذعة :- 

_ هاني مش بيفطر اهتمي بعمي ماهر


_ شعرت دينا بالخجل ولعنت نفسها أنها تدخلت من الأساس فهي علي علم بتجاهل رنا لحقوق زوجها عليها ، كما تعلم أنه لا يتناول طعامه سوي وجبة الغداء التي تشرع هي في تحضيرها


_ انصرف هاني بينما اقتربت دينا من ماهر وجلست بجانبه مُشكلة ابتسامة علي ثغرها :-

_ صباح الخير يا بابا اخبار صحتك ايه النهاردة ؟


_ أجابها بنبرة راضية :-

_ صباح النور يا بنتي الحمد لله علي كل حال


_ تنهدت دينا ثم بدأت في إعداد شطائر لذاك الرجل العجوز ، وضعت في يده إحدي الشطائر التي تعلم جيداً مدي حبه لها ،


_ ابتسم ماهر بسعادة عندما تذوق تلك العجة التي يحبها كثيرا وقال ممتناً :- 

_ تسلميلي يا بنتي ربنا يجبر بخاطرك


_ بادلته دينا أطراف بإقتضاب وهي تحاول جاهدة أن تتجاهل تلك التي تستعرض جسدها أمامها


_________________________________________________

_ استيقظت شاعرة بتدفق الدماء الغزيرة في رأسها مسبباً صداع شديد يكاد يفتك برأسها من شدته ،


_ حاولت النهوض ولكنها تفاجئت بيديها مربطتين بأغلال ، سحبت يديها بقوة محاولة التملص من بين الاغلال لكن بائت محاولاتها بالفشل ، صرخت بكل ما أوتيت من قوة ، حيث ركضت الممرضة أثر صراخها داخل غرفتها برفقة طبيب 

_ اقتربت منها الممرضة بحرس وقالت محاولة تهدئتها  :- 

Calm down, try to relax, screaming won't do you any good

( أهدئي ، حاولي الاسترخاء الصراخ لن يفيدك بشئ )


_  شعرت عنود بإنحشار أنفاسها  لعدم تقبلها هذا الوضع ، ولأول مرة كادت أن تتلفظ بألفاظ بذيئة وتقذفهم بها لكنها امتنعت ما إن تفهمت لما هي بهذا الوضع ، أزفرت أنفاسها وحاولت أن تسترخي حتي لا تثير الشك حولها وأردفت بنبرة هادئة :- 

I'm better now I want to see my family believe me I'm in full force I just want to see and embrace them no more

( أنا أفضل الأن ، أريد أن أري عائلتي ، صدقوني أنا بكامل قوايا العقيلة لست أتصنع ، فقط اريد رؤيتهم واحتضانهم لا أكثر .. )


_ أزفرت أنفاسها براحة عندما فكوا تلك الوصائد عنها ، أدركت نواياهم عندما رأت يديها بين قبضتي الاغلال بالتأكيد علموا بوفاة والديها وظن كلا منهما انها ستواجه إنهيار داخلي عند استيقاظها ،


_ لا يعلموا مدي قوتها وإيمانها بالله  ، سارت بجوار الممرضة التي آخذتها إلي غرفة التبريد الخاصة بالموتي ، شعرت برجفة سرت في جسدها منذ ولوجها لتلك الغرفة ، لا تدري سببها ، هل من شدة البرودة أم توجست خيفة من رؤيتها لوالديها في حالة لا يرثي لها .. 


_ ترقرقت الدموع من عينيها حزناً علي وضعهم علي تلك الحالة المذرية ، تعلم أن نصيبهم من الموت قد حان لكنها لم تتمني يوماً أن يذهبوا بتلك الصورة القاسية ، لقد تحطمت أعضاء جسدهم بل وهمشت رأسهم تكاد ملامحهم تظهر أمام عينيها بصعوبة بالغة ، لكن شعورها بالدفئ والأمان التي لطالما شعرت بيهم بجانبهم مسيطر في ذلك الوقت ، وذلك كفيل لإثبات هوياتهم


_________________________________________________


عادت إلي منزلها بمعاونة ضابط الشرطة الذي ودعها بآسي بعد أن أنهت مراسم دفن والدايها ، ولجت داخل المنزل ، أشعلت الضوء التي لم تشعر بها وكأنها لم تضغط علي زر التشغيل ، كأنما   كانت تمكث بنورهم ، جرت قدميها بثقل وهي تتفحص المنزل كأنه مختلف تلك المرة ، أين ابتسامة والدتها التي تستقبلها بها ، أين الدفئ التي تشعر به في عناق والدها ، أين الهمهمات الجانبية التي كانت تصغي لها من حين لآخر ، أين الضحكات التي تروي قلبها فرحاً ، وضعت يدها أعلي يسار صدرها وهي تتحسس نبضات قلبها التي شعرت لوهلة بتوقفهم ، تشوشت رؤيتها بسبب تجمع تلك الدموع اللعينة التي تمنعها من رؤية تفاصيل المنزل بوضوح


_ ولجت بداخل المرحاض وفتحت صنبور المياه الساخنة ولم تنتظر حرارتها المطلوبة وتوضأت بالمياه الباردة التي لم تتحملها يوما ، ماذا حدث الآن ؟ هل فقدت حاستها أم ماذا ؟


_ دلفت خارج المرحاض وارتدت عباءة فضفاضة ثم شرعت في الصلاة ، ركعت وسجدت ودموعها تنهمر بغزارة ولا تتوقف ، لم تدري كم ركعة أدت ولكنها تعلم أنها لا تريد التوقف قط ، تريد أن تبكي بين يدي الله ربما تهدئ قليلاً ،


_ بعد مدة طويلة جلست ونظرت للأعلي محدثة مع ربها :-

_ آسفة يارب لو كنت اتهزيت أنا عارفة اني المفروض أصبر واحتسب عند الصدمة الأولي ، أنا مش معترضة أنا بس متفاجئة ، خايفة مش عارفة هعمل ايه من غيرهم ، عارفة انك معايا علي طول وده اللي مطمني أنا.. أنا..


_ توقفت عن الحديث بسبب شهقاتها التي ارتفعت ، حاولت السيطرة على بكائها ثم واصلت حديثها :-

_  أنا مش عارفة أعمل ايه ، دلني يارب علي الطريق اللي همشي فيه ، عشان انا لوحدي هتوه ومش هعرف أمشي


_ نهضت واستلقت علي الفراش بإهمال ، تكورت في نفسها حتي كادت تختفي وهي تحاول جاهدة أن تدخل في نفسها حاضنة ركبتيها وسمحت لدموعها في النزول حتي باتت في ثُبات عميق من  شدة الإرهاق ..


_________________________________________________

_ وقف ريان في غرفة مكتبه الفخم ذو اللون البني القاتم ، يتوسط الغرفة مكتبه الضخم وأمامه أريكتان من الجلد الأسود ، وخلفه خزانة كبيرة ممتلئة ببعض الكتب والرسومات التي يعتز بهم ، وبجانب تلك الخزانة طاولة رخامية متوسطة يعتليها جهاز كهربي لصنع القهوة ، وكذلك غلاية كهربائية لصنع الشاي مع بعض الاكواب ، وأمامها  مقعدين للجلوس عليهم


_ كما يوجد صالون من الخشب الزان بجانب باب الخروج ، وقف ريان يرتشف قهوته وهو يحاول جاهداً أن ينسي ما قالته دينا عن تلك الرنا المغرورة


_ كز علي أسنانه بغضب عندما تذكر محاولاتها معه ، لا يدري أهو يبالغ أم أنها تحاول إثارته بجسدها كما يشعر ، قطع شروده دخول شقيقه الأكبر هاني وهو يبتسم :- 

_ ريان ، كنت عايزك في موضوع


_ ارتشف آخر ماتبقي في فنجان القهوة ثم وضعها علي الطاولة الرخامية وتوجه نحو مكتبه ، جلس علي المقعد ونظر إلي هاني وهو يعلم بأنه سيطالبه بشئ كما اعتاد دوماً


_ تنهد وأشار له بالجلوس وردد بتهكم :- 

_اقعد الأول انت واقف ليه ؟


_ جلس هاني وهو يفرك مؤخرة رأسه بتوتر ، لا يدري من أين له أن يبدأ وبأي حق يطالب أخيه بشقته ، لكنه تذكر تهديد رنا له وشعر بخوف شديد ، لا يتحمل بُعدها عنه وعليه أن يفعل ما بوسعه فقط لكي يرضي غرورها ولا تمتنع عنه ..


                  الفصل الثاني من هنا 

 لقراءة باقي الفصول من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close