رواية عائشة الفصل الخامس 5 بقلم رانيا البحراوي

          


رواية عائشة

الفصل الخامس 5

بقلم رانيا البحراوي


سكبت عائشة القهوة على ثيابه ذات المظهر الأنيق ومن أفضل الماركات العالمية، ارتجفت عائشة خوفا ولكنها لم توضح له كي لايستضعفها كما يستضعف سائقه.


انفعل هذا الشاب وقام بدفع الطاولة التي أمامها بما تحمله من اكواب كرتون وبعض زجاجات المياه المعدنية فسقطت جميع الأشياء على الأرض وهو يصرخ بوجهها ماذا فعلتِ؟


عائشة بهدوء :حادث غير متعمد أعتذر لحضرتك ولن أقبل أن تحتد بالكلام علي. 


المدير بغضب :حادث! أم عدم انتباه منكِ طالما تريدين النوم لماذا لم تبقين بمنزلك نائمة بسريرك بدلا من إيذاء غيرك.


عائشة :أرى أن انفعال حضرتك الزائد لن يغير من الأمر شيئا حدث ماحدث تستطيع خلع سترة البدلة وأنا سأقوم بتنظيفها وتجفيفها داخل هذا النادي.


المدير بسخرية :أنتِ عضوة بهذا النادي يابائعة القهوة!

عائشة بإحترام :كنت عضوة بالنادي والآن مدربة سباحة.


قام المدير بخلع سترته وبينما تمد عائشة يدها لتأخذه من يده قام بألقاءها في القمامة أمام عينها.


أسرعت عائشة ولحقت به وأمسكت بالسترة وقالت :أليس حرام أن تلقي بها بالقمامة وهناك فقراء ببلدك يرتجفون من شدة البرد.


رأته عائشة يغادر المكان طلبت من أن ينتظر وقدمت له كوبا آخر من القهوة وقالت :قهوتك. 


تعجب الشاب لأنه رغم انفعاله عليها مازالت تحافظ على هدوءها وتحسن معاملته. 


هدأ قليلا وخجل من اساته للتصرف معها  وأخذ الكوب من يدها وانصرف. 


هدأت عائشة بذهابه والتقطت أنفاسها وجمعت بجمع الأشياء التي ألقاها على الأرض، قامت بإلقاء الاكواب لأنها سقطت بالأرض واصابتها حالة من الضحك كلما تذكرت مافعلته بهذا الشاب وكأنها نال أثر مافعله مع السائق. 


جاء يوسف مساءا ورأى سترة البدلة بداخل السيارة، أمسك بها وقال لمن هذه تبدو غالية جدا. 


عائشة :أنظر لتلك البقعة التي عليها لتعرف ماذا فعلته أنا بذلك المتعجرف مالك السيارة الغامضة. 


يوسف بابتسامة :ماذا فعلتِ به، سكبتِ القهوة بوجهه؟ 

عائشة :اتمنى لو سقطت على وجهه حقا ولكنها سكبت على ثيابه دون أن اتعمد ذلك، لديه القدرة على أن يشعر من أمامه بالتوتر، قام بإلقاء ثيابه في القمامة. 


يوسف بغضب:هل أساء معاملتك؟ 

عائشة بفرح :لا. 


لم تستطع عائشة منع الابتسامة عندما شعرت بأن يوسف يغضب من أجلها ويخاف عليها. 


يوسف :وماذا سنفعل بهذه (السترة) 

عائشة :سانظفها كي اعيدها له وإذا لم ياخذها سنتبرع بها. 


يوسف:تحبين الخير مثل والدتك. 

عائشة :هذا مازرعته هي. 


يوسف :الأطفال بدأو يقدمون على النادي اذهبي سريعا وتجهزي للتمرين. 


عائشة بحزن :ولكنني ناعسة جدا. 

يوسف بشفقة :لا تأتي غدا لبيع القهوة، استريحي ولاتذهبي إلى الجامعة غدا فوجهك يبدو شاحبا من شدة الإرهاق مابين الجامعة وبيع القهوة وتدريب السباحة. 


عائشة :وماذا عن الفترة الصباحية غدا؟ 

يوسف :سوف اطلب اجازة من العمل غدا عن طريق الهاتف وسأقوم أنا بالعمل بدلا منكِ. 


عائشة:حقا! 

يوسف :حقا، هيا اذهبي حتى لاتتاخرين على الأطفال. 


دخلت عائشة النادي و قامت بتدريب الأطفال رغم شعورها بالارهاق والنعاس. 


بنهاية التدريب ومع خروج الأطفال من المسبح شعرت عائشة بدوار شديد وبينما تغادر المسبح سقطت من أعلى الدرج بالمسبح مرة أخرى وارتطمت رأسها بأرضية المسبح وفقدت وعيها. 


صرخ الأطفال وبدأت الأمهات تستغيث لكي يخرجها أحد 

ثم قفزت زميلة لها وأخرجتها وقامت بأسعافها ثم أخذتها إلى طبيب النادي ليفحصها وقام بتضميد جرح صغير برأسها وطلب منها فحص رأسها بالأشعة. 


خرج الأطفال يبكون من التدريب، سمع يوسف إحدى الأمهات تطمئن ابنها على عائشة وتخبره أنها بخير. 


ترك يوسف الاكواب من يده وسأل الأم :أعتذر ولكن عن أي عائشة تتحدثين؟ 


الأم :عائشة زميلتك بالعمل. 

يوسف بفزع :ماالذي أصابها؟ 


حكت له الأم ماحدث واعتذر يوسف من العملاء وأسرع إلى النادي ولكن الأمن منعه من الدخول لأنه ليس عضوا بالنادي. 


تشاجر يوسف معهم فقام أحد أفراد الأمن بمرافقته إلى العيادة وكانت عائشة مستلقاه لكي تستريح. 


يوسف بخوف :عائشة ماذا حدث لكِ؟ هل أنتي بخير؟ 

عائشة :نعم بخير. 


يوسف :سأذهب لأغلاق المكان وأعود لكي اصطحبك للمنزل. 

عائشة :وماذا لو راتنا والدتك سويا؟ 

يوسف :لم ولن أفكر في الأمر الأهم الآن أن اعيدك للمنزل سالمة. 


ذهب يوسف واعتذر من العملاء واخبرهم أن شريكته بالعمل اصيبت برأسها وعليه أن يعيدها للمنزل. 


ذهب يوسف لاخذها من العيادة فقام الطبيب بتسليمه ورقة بها إسم الاشعة التي يجب عليها اجرائها في أقرب وقت. 


بالخارج 

اخبرها يوسف أنه سيتوجه بها إلى المستشفى أولا 

نظرت عائشة إليه له وقالت بخجل :لن اجري الأشعة. 


يوسف :لماذا؟ 

عائشة بخجل:النقود التي معي جمعتها من أجل دواء فقد اقترب الشهر من نهايته وايضا انتهت مستلزمات المنزل بالأمس ووعدت والدتي انني سأحضر كل مايلزمهم اليوم. 


يوسف:الطبيب أكد على إجراء هذه الأشعة ولذلك سنذهب إلى المستشفى الآن ونقوم بإجراء الاشعة وسادفع تكاليفها. 


عائشة :لن أقبل ذلك، أنا بخير وإذا شعرت بشئ سأتوجه صباحا لأي مستشفى عام وأجرى الاشعة بسعر أقل. 


أصر يوسف على أخذها إلى المستشفى وعرض عليها أن تسدد له التكاليف حين تتوفر معها. 


رأت عائشة خوفه عليها واهتمامه بها فلم تستطع مخالفة رأيه وكأنه يأخذها بالقوة لإجراء الأشعة. 


ظلت والدة عائشة تتصل بها ولكن عائشة لاتعلم بما تجيبها، أخذ يوسف الهاتف واخبرها أن عائشة ستبقى بالعمل قليلا كي تساعده لازدحام المكان. 


بالطريق إلى المستشفى لم يتحدث يوسف كثيرا بسبب قلقه عليها وظلت هي تتحدث معه كي تتطمئنه قليلا. 


بعد اجراء الاشعة اخبرهم الطبيب أن راس عائشة بخير ورغم ذلك عليها أن تستريح لمدة ثلاث أيام على الأقل. 


أعادها يوسف إلى المنزل بينما تنزل من السيارة أخذ بيدها فأرتجفت يدها بين يديه وقامت بسحبها على الفور، 

يوسف :آسف أعلم أنه لا يجب علي فعل ذلك ولكن ماذا افعل أخشى أن تسقطين مرة أخرى ولذلك امسكي بذراعي أنتِ وأخذها  إلى منزلها لأنه يعلم أن والديها مسنين يعانون من الضغط المرتفع ويجب شرح لهم الأمر ببساطة حتى لا يرتفع ضغطهم. 


فزعت فاطمة برؤية الضمادة بجبين ابنتها. 

يوسف:إنها بخير، انظري هذه الاشعة وطلبت من الطبيب ترجمة التقرير وكتابته باللغة العربية لكي تطلعي عليه. 


الأم بفزع :حقا؟ 

ثم عانقت عائشة وبكت وقالت :تتحملين فوق طاقتك لأجلنا وتعانين ولا تتمتعين بشبابك مثل باقي الفتيات بعمرك. 


عائشة :أنا محظوظة أكثر من تلك الفتيات لأنكِ والدتي ولأنه أبي، سامحيني لم اجلب لكِ مستلزمات المنزل سأخرج صباحا لشرائها. 


يوسف :طلب الطبيب منكِ الراحة، سأشتري أنا غدا مايلزم قبل الذهاب إلى بيع القهوة فقد اخبرتك من قبل انني سأطلب أجازة غدا من العمل. 


شكرته الأم وظلت تدعو له وقالت ببكاء :ماذا كانت ستفعل ابنتي لو أنك ليس معها لاتملك اخ او اخت يصطحبها إلى الطبيب ويعيدها للمنزل. 


يوسف :لماذا البكاء الآن يافاطمة؟ 

ضحكت الأم حين نادها باسمها بدون ألقاب وابتسمت عائشة لانه استطاع بلطفه وحسن معاملته أن يضحك والدتها وينسيها خوفها. 


في اليوم التالي 

بينما يوسف بمكان بيع القهوة وقفت تلك السيارة السوداء 

وخرج منها السائق المرتجف المسن وعرفه يوسف من سماع أحاديث عائشة عنه. 


جهز يوسف القهوة وقدمها للسائق سريعا فسأله السائق عن عائشة. 


يوسف :إنها بأجازة مرضية. 

حزن السائق لأجلها واراد أن يسأل عن حالها ولكن خاف وأسرع بالعودة إلى السيارة. 


المدير للسائق :من هذا الشاب ولماذا يقوم بالعمل بدلا من الفتاة؟ 


السائق :لا أعلم من هذا الشاب ولكنني علمت منه أن الفتاة مريضة. 


المدير :مابها؟ 

السائق :لا أعلم. 


مر اليوم الثاني وتوقفت السيارة لشراء القهوة ولم تكن عائشة بالمكان وباليوم الثالث أيضا لم تكن موجودة بالمكان، باليوم الرابع توقفت السيارة وقد عادت عائشة لأستئناف عملها. 


نظرت عائشة ورأت أن المدير هو من ينزل لشراء القهوة 

فعبست بوجهها وظلت هكذا حتى اقترب منها ثم ابتسمت ابتسامة زائفة وسألته عن طلبه. 


المدير :قهوتي المعتادة. 

قامت عائشة بتجهيز القهوة وقدمتها له بحرص شديد وسألته :أين العم الذي كان يقود سيارتك سمعت أنه سأل عني بمرضي. 


المدير :(رجب) لم يأتي اليوم إلى العمل. 

عائشة :أريد شكره لسؤاله عني. 


قبل أن يغادر هذا المدير أخرجت عائشة سترة البدلة من السيارة فقد طلبت من يوسف أن يأخذها للتنظيف بالبخار أثناء غيابها. 


نظر الشاب إلى السترة بيدها وقال:ومن طلب منكِ أن تخرجيها من القمامة بعد أن ألقيت بها. 


عائشة :لم يطلب مني أحد ولكنني قررت أن انظفها فإذا لم تريدها قدمتها لغيرك. 


للمرة الثانية التي تحرجه تلك الفتاة الشابة وتعلمه درس من دروس الحياة رغم أنها تبدو اصغر منه بعشر سنوات إلا أنها ناضجة  وتحرجه بحسن تصرفها للمرة الثانية. 


الشاب :لن استعيدها، تبرعي بها نيابة عني. 

عائشة :هل لديك بعض الوقت؟ 

الشاب :لماذا؟ 

عائشة :سأريك شيئا جميلا أظن أنك لم تراه من قبل. 

الشاب :اثارتِ فضولي. 


جلس الشاب يحتسي القهوة على طاولة صغيرة من الطاولات الخاصة بعائشة ويوسف ومر الوقت وهو يراقبها وهي تتعامل مع جميع عملائها بابتسامة على عكس ابتسامتها الزائفة نحوه، ظل يفكر في ذلك الأمر الذي تريد أن يراه. 


مر رجل كبير من عمال النظافة. 

عائشة :أين أنت ياعم إبراهيم ولماذا لم تتطلب قهوتك مثل كل صباح. 


إبراهيم :إننا باواخر الشهر يابنيتي وجيب عمك إبراهيم خالي. 


عائشة بعتاب:احزتني ياعم إبراهيم ايمنعك المال من طلب القهوة من ابنتك ألم تخبرني انني بعمر ابنتك وتتمنى أن تراها مثلي. 


ابراهيم :انتِ حقا ابنتي. 

عائشة :أنظر ياعم إبراهيم حضرته كلفني بأن اتبرع بهذه السترة، اتفضل فهي لك. 


باقي الجزء ٥

قام ابراهيم بنزع الغلاف عن السترة وعندما رأها بكى من فرحته وقال :لدي ابن شاب تخرج حديثا ولا يجد ملابس تليق بتلك المقابلات الشخصية التي تجريها الشركات قبل قبول الموظفين واليوم وعدته أنني سأشتري له ملابس جيدة بمجرد أن احصل على راتبي ولكنه أخبرني أن موعد المقابلة غدا ولا يجد مايرتديه.


سأل ابراهيم عن إسم الشاب فأجابه( خالد) ظل عم إبراهيم يدعو له ويبكي فرحا حتى أبكى عائشة.


ذهب إبراهيم 

ونظرت عائشة إلى خالد وقالت :أرأيت ياخالد بيه ماألقيت به في القمامة كم أسعد هذا الإنسان البسيط. 


أطال خالد النظر إليها ولم يستطع الرد عليها وعندما أراد دفع نقود القهوة أخبرته أن القهوة اليوم هدية منها تعويضا عن اضاعة وقته. 


ذهب خالد وهو مستمتع بحديثها ونصائحها حتى تلك الإبتسامة الزائفة التي تبتسمها بوجهه اصبحت تعجبه كثيرا. 


خرج خالد من منزله يوم السبت رغم أن شركته إجازة بهذا اليوم لكي يحتسي القهوة من يد عائشة. 


نزل خالد من سيارته ولكنه تفاجئ أن عائشة ليست بمفردها وأن هذا الشاب الذي سبق وراه من قبل أثناء غيابها يتقاسم معها العمل يدا بيد. 


تسائل خالد بداخله من هذا الشاب 

عندما اقترب خالد منها اختفت ابتسامتها كالعادة. 


عائشة :يوسف انظر ماذا يريد خالد بيه. 

خالد:قهوتي المعتادة اتمنى ان تجهزيها بنفسك لأن يوسف لا يعرف ماذا اريد. 


اعددت عائشة القهوة بنفسها حتى يذهب سريعا لأن وجوده يصيبها بالتوتر فتفاجئت بأنه جلس على إحدى الطاولات. 


همس يوسف لعائشة :هذا هو صاحب السترة. 

عائشة :نعم هو. 


لاحظ خالد أن نظرات عائشة ليوسف مختلفة تماما عن نظراتها له فهي تكاد لا تنظر له حتى أثناء حديثه معها 

بينما لا ترفع عينها عن يوسف مطلقا. 


أنهى خالد القهوة وطلب كوب آخر في هذه الاثناء أخبر يوسف عائشة أن هناك مفاجئة في الطريق إليها. 


تراقصت عائشة من السعادة وفهم خالد بهذه اللحظة مدى اعجابها بيوسف قبل أن يدرك يوسف نفسه هذا الأعجاب بنهاية حدثت المفاجأة 


هل هي سعيدة أم حزينة تلك المفاجأة؟ 


                 الفصل السادس من هنا 

لقراءة باقي الفصول من هنا

تعليقات



<>