أخر الاخبار

رواية قريبا ستفرج الفصل السابع 7بقلم شيماء عبد الله

         


 رواية قريبا ستفرج

الفصل السابع 7

بقلم شيماء عبد الله

 


كان نصر الدين واقف ويستمع لحوارهم بالكامل، ولا ينكر إعجابه بتشبثها بدينها رغم حالتها السيئة، وقد راق له إيمانها القوي، إلا أنه لاحظ عرجها حينما تحركت من أمامهم ليوجه حديثه لوالده قائلا: هل أصيبت هذه الفتاة في رجلها لأنني أراها تعرج. 


عمر: لا يا ابني هي تعاني من إعاقة في رجلها. 


نصر الدين :أتمنى أن تجد علاجا لها إن شاء الله. 


عمر: هيا بنا نذهب الان. 


نصر الدين :حسنا كما أنني أرغب في الحديث معك. 


عمر: خير إن شاء الله. 


نصر الدين :حينما نصل للمنزل سنجلسك وأخبرك. 


استقلوا السيارة وتحركوا عائدين لمنزلهم، وطيلة الوقت كان نصر الدين يفكر في قراره إن كان صحيحا أم لا، ليتذكر حالة خديجة التي سيطر عليها الحزن، وتلك السعادة التي لمعت في عينيها حينما علمت بنيته بالزواج بابنتها، وعلم أن القرار الذي اتخذه صحيح. 


وصلوا للمنزل، فدخل عمر للصالون، أما نصر الدين فحضر الشاي، وظل عمر ينتظر لدقائق حتى عاد إبنه وسكب له الشاي. 


عمر: إنني أسمعك الان يا ابني، قل ما لديك. 


نصر الدين :أبي لقد قررت الزواج. 


عمر :كيف؟ هل ستعود لدعاء. 


نصر الدين :لن أتزوج بدعاء، وإنما سأتزوج بالفتاة التي صدمتها بسيارتي. 


استغرب عمر من حديثه وقال: كيف ستتزوج بها وأنت لم تتعرف عليها بعد، ألم تقل أنها في غيبوبة. 


نصر الدين :بالفعل لا زالت في غيبوبة، ولكن ما إن تستيقظ بإذن الله سأتزوج بها. 


عمر :ابني هل أنت واعٍ لحديثك، كيف ستتزوج فتاة وهي في غيبوبة ولا تعلم شيئا عنك. 


نصر الدين :لدي أسبابي الخاصة التي جعلتني أرغب في الزواج منها، وأتمنى أن لا تعارض هذا الزواج. 


عمر: أنا في حياتي كاملة لم أفكر في معارضتك يوما، لكن يجب أن تكون متأكدا مما ستقدم عليه. 


نصر الدين :لا تقلق يا أبي، أنا أعلم جيدا ما أفعله، سأذهب الان لأحضر الغداء. 


اكتفى عمر بتحريك رأسه، فذهب نصر الدين للمطبخ يحضر الغداء، وترك والده يفكر في هذا الزواج المفاجئ ليقول: يا رب إن كان هذا الزواج خير على ابني فتممه، وإن كان فيه شر له بعد ابني عن تلك الفتاة، يا رب أنت عالم بحاله وحال قلبه المجروح. 


عند إيمان، ظلت تمشي إلى أن وصلت أمام باب البيت، ليصل إلى مسامعها صوت والدها غاضب ويصرخ بعد أن ذهب للمستشفى ولم يجدها به، وأيضا لم تعد للمنزل. 


ابتسمت إيمان قائلة :ها أنا ذا عدت للجحيم مجددا. 


طرقت الباب وانتظرت قليلا إلى أن فتحت لها سلمى التي كان إن رأتها حتى صرخت باسمها سعيدة بعودتها. ارتمت سلمى في حضن أختها تعانقها وهي سعيدة بعودتها، وبعد دخولهما للمنزل وجدت والدها ينظر لها بغضب شديد، بينما أمل اتضحت الشماتة في ملامحها، أما مراد كان ينتظر الفرصة لينال منها. 


أمسكها عبد الرحمان من حجابها كما تعود كي يمسك بشعرها، لكن الحجاب انفلت ولم يمسك شعرها، وهذا ما ألم إيمان لتقول بنبرة مجروحة: الشعر الذي كنت تمسك به لم يبقى أليس كذلك. 


نظرت ناحية أمل التي بهت وجهها قائلة :زوجتك المصون علمت كيف تقطعه جيدا. 


كان الجميع مصدرك منها، ولم يتوقعوا نهائيا أن تتكلم في يوم من الأيام، أو تجيب بهذه الطريقة، لكن صدمتهم لم تطل حينما أمسكها والدها من ذراعها ضاغطا عليه وقال بعصبية مفرطة :أين كنت أيتها الحقيرة، ومع من كنت حتى هذا الوقت. 


إيمان :كنت عند والديك اللذان تركاني أمانة في رقبتك إلى يوم الدين، وأوصاك أن تعتني بي لكن أنت فعلت العكس وخنت الأمانة، وأنا لن أسامحك لا في الدنيا ولا الآخرة على أفعالك بي، وكن على يقين يوم الحساب ستتمنى لو عدت للخلف ولم نفعل كل هذا. 


شعر عبد الرحمن برجفة بسبب كلامها، إلا أنه لم يظهر ذلك أمامهم، بل صفعها بقوة قائلا: نسيت أنك أمام والدك، ومهما حاولت أن تظهري أنك قوية ستأتي أمامي وتصبحين ضعيفة. 


نزلت دموع إيمان قائلة: للأسف هذه هي الحقيقة التي لن أستطيع تغييرها حتى لو أردت ذلك، لأنك ستظل أبي. 


كان عبد الرحمان يغضب فقط من رؤيتها، وكلامها الان زاد من شدة غضبه، فجذبها خلفه لغرفتها، وأغلق خلفه الباب غير مهتم بسلمى التي تبكي وتترجاه أن يفتح الباب، لكنه أقسم أن يعيد تربية إيمان من البداية، رغم أنه لم يربيها في صغرها من الأساس، وتركها لوالديه طيلة طفولتها. 


عبد الرحمان :اليوم سأعيد تربيتك مجددا. 


ما إن رأته إيمان أغلق الباب، حتى تذكرت اليوم الذي تحرش بها، فارتجف جسدها وتمكن الخوف منها خاصة حينما لمحته يزيل حزام بنطاله، فراودته أسوأ الأفكار، لتعود للخلف وهي تنفي برأسها، إلى أن شعرت بذلك الحزام يصطدم بجسدها، ويضربها بكل قوته. 


همست إيمان لنفسها: يا رب أفرج علي، يا رب دعه يكتفى بالضرب فقط ولا يفعل ما يدور في عقلي، يا رب. 


عند نصر الدين ما إن أنهى تناول غدائه، وقام بجلي الأواني غادر عند صديقه أشرف، بعد أن اتفقوا على اللقاء في أحد المطاعم، وحينما وصل وجده ينتظر. 


نصر الدين :السلام عليكم، يبدو أنني تأخرت عليك. 


أشرف :وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، لم تتأخر بل أنا من أتيت باكرا. 


نصر الدين :كيف حالك وحال عملك. 


أشرف :لنقل جيدين، فأنت تعلم كم الضجيج في المصانع. 


ابتسم نصر الدين قائلا :مثل ضجيج التلاميذ لكن ليس بتلك القوة، وفي الأساس أنت من اخترت العمل في هذا المجال. 


أشرف :لا أعلم أين كان عقلي حتى فكرت في هذا المجال بالضبط، لما لا أكون موظف عادي، أشتغل بساعات محددة وأخذ الأجر أخر الشهر وأعيش هنيئا، لكنني غبي وأنشأت مشروعي الخاص وأصبحت أعد المبالغ التي تخرج والتي دخلت، وأتوه بين أجور العمال، عذاب لا مثيل له. 


نصر الدين :سبحان الله لا أحد راضٍ عن عمله، كل من يراك يرغب أن يكون مكانك، وأنت ترغب أن تكون مكان شخص أخر. 


أشرف :ولهذا أتمنى أن تأتي المرأة التي ستخرجني من هذا الوضع، وتنسيني العمل. 


نصر الدين :إذن ابحث عنها أو اعتدت على حياة العزوبية. 


أشرف :انظروا من يتكلم، كأنك متزوج الان وأنجبت الأبناء. 


نصر الدين :أنوي الزواج بإذن الله. 


أشرف :ماذا؟ ألم تنفصل عن دعاء، أم قررت العودة لها مجددا. 


نصر الدين :دعاء مسحتها من حياتي وقلبي، لكنني سأتزوج بهداية؛ الفتاة التي صدمتها بسيارتي. 


أشرف :نصر الدين لما أردت الزواج بها، ولا تقل أنها أعجبتك أو كلام من هذا القبيل، لأنك صديقي وأعرفك جيدا. 


نصر الدين :أريد أن أتزوج بها، هل للزواج أيضا أسباب. 


أشرف :في حالتك أجل، يجب أن يكون هناك سبب، انتظر إياك أن تكون ترغب في إنقاذ تلك الفتاة. 


نصر الدين :أجل.


أشرف :إلى متى ستظل هكذا يا نصر الدين، تختار الناس على نفسك، أنت لا تعرف شيئا عن الفتاة وترغب في الزواج بها كي تتحمل مسؤولية ذاك الحقير الذي تعدى عليها. 


نصر الدين بحدة: أشرف تلك الفتاة ستصبح زوجتي على أي حال، فلا تحاول أن تتحدث بخصوصها مجددا أمام أو أمام أي شخص، وأنا قررت الزواج بها ولن يمنعني أحد عن فعل هذا. 


كان أشرف يعرف صديقه جيدا، وما دام قرر فعل شيء لن يستطيع تغيير رأيه، لذا قال: حسنا يا أخي لن أتحدث في هذا الموضوع مجددا، وأتمنى أن ينير الله طريقك. 


نصر الدين :أمين يا رب. 


أشرف: ستذهب للمستشفى الان. 


نصر الدين :سأذهب بعد قليل لأطمئن على وضع هداية، وأرى إن استيقظت أم لا. 


ظلوا يتحدثون في مواضيع مختلفة، ثم اتجه كل واحد لوجهته، ليصل نصر الدين بعد دقائق إلى المستشفى، ودخل غرفة هداية حيث وجد خديجة تنتظر وكلها أمل أن تستيقظ إبنتها يوما ما. 


نصر الدين :السلام عليكم.


خديجة :وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، كيف حالك يا بني. 


نصر الدين :بخير الحمد لله، وأنت كيف حالك. 


خديجة :أنت ترى حالتي يا بني، لا زلت أنتظر اليوم الذي تستيقظ فيه ابنتي وتريح قلبي. 


نصر الدين :ادعي الله وسيحدث كل خير إن شاء الله. 


خديجة :إن شاء الله. 


وسط انغماسهم في الحديث، بدأت هداية تحرك أصبعها، ولكن لم يلاحظاها إلى أن بدأت تصدر صوتا خافتا جعل كل من نصر الدين وخديجة ينتبهان لها، فوجدوها تفتح عينيها وتغلقها، ليسرع نصر الدين في طلب الطبيب الذي قام بإخراجهم من الغرفة حتى يكمل فحوصاته. 


نزلت دموع خديجة فرحا قائلة: ابنتي استيقظت، الحمد لله يا رب، الحمد لله. 


نصر الدين :قلت لك ثقي في الله عز وجل وهو سيفرج عليك. 


خديجة :الحمد لله. 


مر الوقت ليخرج الطبيب أخيرا، وابتسم في وجههم قائلا :استيقظت المريضة ومؤشراتها أصبحت طبيعية الحمد لله، وتستطيعون رؤيتها الان. 


نصر الدين :شكرا لك أيها الطبيب. 


الطبيب: هذا واجبي. 


دخلت خديجة عند ابنتها وظل نصر الدين في الخارج تاركا المساحة لهما لتتحدثان وتستطيع خديجة تعويض شوقها لابنتها، وبعد ما يقارب الساعة، خرجت خديجة عند نصر الدين قائلة :ترغب هداية في رؤيتك يا ابني. 


حرك لها نصر الدين رأسه، ودخل ليجد هداية شاردة في سقف الغرفة، ومن عينيها يتضح ندمها على ما أقبلت به من قبل، بعد أن عرضت حياتها للخطر، وحاولت أن تنتحر، فرأت الموت أمام عينيها بعد أن كانت شخصية حيوية تحب الحياة. 


صدرت حمحمة من نصر الدين قبل أن يقول: السلام عليكم.


نظرت له هداية ورسمت بسمة صغيرة على شفاهها، وقد كان التعب يظهر جليا على ملامحها، ليخرج صوتها ضعيفا قائلة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، شكرا لك.. شكرا لأنك أنقذتني من الموت. 


عند إيمان ظل عبد الرحمن يضربها إلى أن تعب، وجعل من جسمها لوحة سيئة، وكانت دموعها تغرق وجهها، فابتسم بخبث قائلا: هذا مجرد تحذير لك، وفي المرة المقبلة حينما تحاولين فضحي وتخبري أحدا عما فعلته تأكدي أنني سأنهي ما بدأته ذلك اليوم، وسأغتصبك حقا، وفي ذلك الوقت ستكون فضيحتك أكبر بكثير، ولن يقبل بك أي رجل، رغم أنه لا يقبل بك أحد الأن. 


نظرت له إيمان برعب وكره تربى في قلبها منذ زمن طويل، ليتضاعف الأن، وجعلها تشمئز منه قائلة في نفسها :حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي الله ونعم الوكيل، وكلت أمرك لله عز وجل، يا رب أنت عالم بحالي فرج علي كربتي وانقذني منهم. 


نظر لها عبد الرحمن لاخر مرة، لتتسع ابتسامته راضيا عما فعله، ثم خرج تاركا إياها ممددة على الأرض، فلمحتها أمل لتشهق كما شهق كل من مراد وسلمى اللذان صدموا من وحشية والدهم. 


مراد بخفوت: اتضح أن أبي وحش حقيقي. 


سمعته أمل لتهز رأسها علامة التأكيد، حتى هي التي كانت ترغب أن يضرب عبد الرحمن إيمان، أشفقت عليها حينما رأت حالتها. أما سلمى كانت تبكي بكل قوتها على منظر أختها، لتقترب منها كي تساعدها على القيام، لكن ما إن حركتها حتى صرخت من شدة الألم الذي شعرت به في جميع أنحاء جسدها. 


إيمان :رجاءا يا سلمى لا تلمسيني مجددا. 


سلمى :ولكن ليس جيدا لك النوم في الأرض. 


إيمان :هذه الأرض أرحم لي من كل شيء، دعيني وحدي رجاءا. 


كانت سلمى ستناقشها، فجذبتها أمل خارج الغرفة وأغلقت الباب خلفها لتقول سلمى :لماذا أخرجتيني يا أمي. 


أمل :تريدين المكوث معها حتى تؤثر عليك حالتها، و تمرضين أنت الأخرى، وهذا ما لم أسمح به.


نظرت سلمى لوالدتها بانكسار، وذهبت للصالون وجلست في أحد جوانبه، و أخرجت هاتفها لتتواصل مع سعيد، رقصت عليه ما حدث، بينما هو استغل الفرصة مجددا في إقناعها بالهروب من المنزل والمكوث معه، لتكتب له رسالة في الأخير تقول فيها "سأتي عندك بعد أسبوع بعد أن تتحسن حالة أختي قليلا، لأنني لا أستطيع تركها في هذا الوضع.".


سعيد :حسنا يا حبيبتي، أنا سأحضر لك غرفتك وأنتظر مجيئك لمنزلي. 


في المستشفى، ابتسم نصر الدين في وجه هداية قائلا: أي شخص مكاني كان ليفعل ما فعلته بالضبط. 


هداية :ليس أي شخص، وإنما شخص يملك قلبا طيبا لينقدني، لو كان عكس ذلك لهرب وتركني غارقة في دمائي. 


نصر الدين :المهم الآن أنك بخير، وعما قريب ستصبحين أحسن بإذن الله. 


هداية :إن شاء الله.


خديجة :ابنتي نصر الدين طلب مني طلبا، وأنا وافقت ولم يتبقى سوى رأيك. 


عقدت هداية حاجبيها قائلة : رأيي في ماذا. 


خديجة: نصر الدين طلب يدك للزواج مني. 


فتحت هداية عينيها على مصراعيها مصدومة من حديثها، لتنفي برأسها قائلة :هذا مستحيل يا أمي، أنت تعلمين كل شي. 


خديجة :ونصر الدين أيضا يعلم كل شيء، لقد صارحته من البداية بوضعك وما زال مصرا على الزواج. 


نزلت دموع هداية قائلة: وأنا لن أوافق على الزواج من شخص مشفق على وضعي. 


نصر الدين :ومن قال أنني أرغب في الزواج منك شفقة. 


أردفت هداية بعصبية مفرطة قائلة: وماذا يعني الزواج من فتاة بلا شرف. 


نظر لها نصر الدين بحدة قائلا: الشرف يضيع في حالة وافقت على ما حدث، أما أنت كنت رافضة لما حدث، وأكبر دليل أنك أمامي الان في هذا الوضع بسبب رفضك لما حدث، أنت فتاة شريفة ولا يحق لأحد أن يقول العكس. 


هداية :وأنا لا أستطيع الزواج والعيش بشكل طبيعي. 


نصر الدين :يبدو لي أنك رافضة للزواج مني، ربما أنا لست وسيما. 


خديجة :ما الذي تقوله يا بني، أنت رجل بكل ما للكلمة من معنى، ولو كان شخص آخر ما كان ليساندنا. 


نصر الدين :أنا قلت ما لدي، وسأترك لك الوقت لتفكري، لكنني أفضل أن أسمع الموافقة منك.


هداية: وإذا رفضت.


نصر الدين بابتسامة :سأقنعك بجميع الطرق لأنه وبطبيعة شخصيتي أنا عنيد، أستودعكم اللله الان الذي لا تضيع ودائعه. 


خرج نصر الدين تاركا هداية مصدومة منه، كونها لم تلتقي من قبل بشخص يتقبل وضعها، أو ربما لم تلتقي من قبل برجل قولا وفعلا، ليس مجرد هيئة رجل. 


                  الفصل الثامن من هنا 

لقراءة باقي الفصول من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close