رواية إعلان ممول
الفصل الثامن 8
بقلم رحمة نبيل & فاطمة طه سلطان
باذن الله لو فيه تفاعل حلو على الفصل هينزل واحد تاني قبل السبت الجاي، يعني نخلي الاسبوع ده ثلاث فصول .
صلوا على نبي الرحمة
________
عم صمت خانق في الغرفة بعد كلمة الصغير التي أزاحت غيمة الغباء عن أعين افكار وداوود، اللذان سقطا ارضًا حينما دفعهما حامد عنه بعصبية كبيرة صارخًا ممسكًا برأسه التي تضررت بسبب ما تلقاه منذ ثواني، وجسده الذي يأن وجعًا، والكدمات التي بدأت تنتشر على وجهه، كل ذلك حدث دون أن يعلم السبب أو يدرك ما جناه ..
تأوه بصوت مرتفع صارخًا في وجوههم :
_ أنتم اغبية ؟؟ ايه ما صدقتوا تلاقوا حد وتنزلوا فيه ضرب ؟!
نظر داوود صوب شقيقه بتعجب، ومن ثم حدق بأفكار التي كانت تنظر لهما بريبة كبيرة، حتى أنها كادت تنسحب من المكان بأكمله..
_ أنا ... أنا فكرتك حرامي، هي جات صحتني وقالتلي إن فيه حرامي دخل اوضة الاولاد .
وعلى الفور سارعت افكار تبرر لهما بكلمات مندفعة دون أن تمهلهما فرصة واحدة لتوجيه أي كلمة إضافية لها قد تظلمها :
_ أنا مالي، هو أي بلوة افكار ؟؟ أنا دخلت اوضة العيال عشان اصحيهم زي كل يوم، لقيتلك ده يا خويا دافس نص جسمه جوا الدولاب، ايش عرفني أنه ابوهم ؟؟ وهو من امتى بيجي حد في الوقت ده يعني ؟!
كانت تتحدث وهي تحرك يديها في الهواء بقوة معترضة على مثل تلك الكلمات الجاحدة في حقها، وداوود رمقها بحنق شديد وفتح فمه للحديث، لكنها أوقفته حينما اسعفها عقلها بحجة أخرى قد تفيدها، تشير صوب حامد الذي يقف في الغرفة مرتديًا ثياب بيضاء بخطوط سوداء :
_ بعدين ما هو اللي جاي ولابس لبس الحرامية جاهز، يعني ثابت التهمة على نفسه .
نظر حامد لثيابه بدهشة كبيرة، ثم رفع عيونه يحدق بوجه داوود :
_ هي دي اللي جايبينها تاخد بالها من عيالي ؟؟
نظر داوود صوب افكار وهو لا يعي ما يحدث، هو حتى لم يقم بغسل وجهه ليستفيق :
_ تقريبا، أنا كنت جايبها على أساس مربية بس أمك كان ليها رأي تاني .
نهضت افكار تعدل من وضعية ثيابها تحدجهما بنظرات غاضبة، ليس وكأنها هي من كادت منذ ثواني تتسبب في قتل أحدهما على يد الآخر ودون أن يعلم كليهما ذلك حتى، زفرت تعدل من وضعية حجابها ترفع رأسها بغيظ شديد :
_ اللي مش عجباكم دي هي اللي ممشية شوية الغجر عيالكم زي الألف، ودلوقتي اتفضلوا برة الاوضة عشان بتعطلوني عن شغلي .
نظر داوود وحامد لبعضهما البعض لثواني، وحامد اقترب من شقيقه يهمس بريبة وهو يحدق في افكار التي بدأت تصول وتجول في الغرفة جاذبة الاطفال خارج الفراش :
_ قول لامك لو عايزة تربيني وتعلمني الأدب زي ما بتقول فبلاش عن طريق عيالي دول مهما كان احفادها يا داوود .
نظر له داوود بعدم فهم بعدما كان شاردًا في تصرفات افكار الغريبة، يمنح شقيقه نظرة جاهلة لا يفهم ما يرنو إليه، لكن حامد قال بغيظ شديد :
_ أنا همشي عشان الشغل، بس خلوا بالكم من عيالي، محدش يسيبهم لوحدهم مع البنت دي ..
زفر داوود باستنكار لتصرفات شقيقه، وقال بصوت هادئ :
_ مش للدرجة دي يا حامد، مش عشان يعني غلطت تفكرها واحدة خطيرة، طب لعلمك دي اكتر واحدة اخدت بالها من العيال وبتعاملهم بحـ..
وقبل أن يتمم جملته لمح الاثنان افكار تخرج من الغرفة وهي تحمل أحد الأطفال فوق كتفها، والصغير تجذبه من ثيابه مرددة بحنق شديد :
_ يعني ايه اسيبكم تناموا تاني ؟؟ امال مين اللي كان نايم طول الليل ؟؟ أنا ميعجبنيش الحال المايل ده، اتعدلوا في يومكم عشان تفطروا وتشوفوا هتعملوا ايه ...
ختمت حديثها بمجرد خروجها من الغرفة وكلًا من حامد وادوود يراقبون ما يحدث، ليستدير حامد ببطء صوب أخيه وقد كانت أعينه مشتعلة، ابتسم له داوود يردد بصوت خافت :
_ يعني ساعات بتاخد بالها منهم مش دايما، بس والله طيبة وبنت حلال، أمك دايما تقولي كده ...
____________
بعد المعركة التي دارت بينه وبين شقيقه بسبب تلك المعتوهة أو الكارثة التي حلت على رأسه يظن حتى أن جملة ( كارثة أصبحت في بيته) لا تصف ذرة مما يعاني، فهو منذ أن ربطه القدر بها بسبب ذلك الطلب الذي طلبه عن الإعلان الممول، وأنقلبت حياته رأسًا على عقب في ظرف أيام بسيطة جدًا .
مازال لا يصدق ما حدث في الصباح حينما وجدها بجانب فراشه تقوم بإيقاظه بعد دخولها غرفته دون استئذان، والابشع حينما ضرب شقيقه بسببها بل أنه كان على وشك أن يقتله، يشعر معها بأنه بجانب موقد يقوم بإشعاله، أخيرًا أتى الوقت المحبب لقلبه، و هو مغادرة المنزل حتى لا يحتك بها شكرًا لعمله الحبيب الذي يعطيه تلك الفرصة الذهبية..
خرج من الغرفة بخطوات هادئة، بعدما قام برش عطره الرجولي والمميز، خرج إلى الخارج ليجد والدته على الأريكة فألقى التحية تحت سُّعَالُ أصاب أفكار بمجرد أن أتى في أنفها رائحة عطره في أنفها:
_عايزة حاجة يا ماما؟! أنا رايح المحل.
قاطعته جيهان في توسل ونبرة عالية:
_أيوة يا حبيبي عايزاك في خدمة كده.
أقترب منها داوود ووقف أمامها بكامل انتباهه فلا يستطيع أن يتجاهل حديث والدته، مما جعل أفكار التي تجلس بجانب جيهان تسعل بقوة أكثر وعقبت تعقيب لاذع:
_جرا ايه يا أستاذ داوود هو أنتَ راشش أيه لكل ده؟!.
مبيد حشري...
يريد أن يخبرها بذلك ولكنه تمالك نفسه بصعوبة فهي فتاة تجعله على وشك أن يفقد الباقي من تحضره بسبب أفعالها وكلماتها وهو لم يكن يومًا من هذا النوع من الرجال .
تحدث داوود متجاهلها وكأنه لم يسمعها من الأساس:
_عايزة أيه يا ماما؟!.
غمغمت جيهان في هدوء:
_خد البت افكار وديها السوق ورجعها قبل ما تروح الشغل البيت ناقص حاجات كتير أنا مليتها كل حاجة محتاجاها وهي كتبتها في ورقة.
ضيق عينه وهو يحاول جاهدًا استيعاب كلمات والدته مما جعله يهتف في حيرة وحنق :
_هو سؤال واحد أفكار دي شغاله ايه؟!.
عقبت أفكار على حديثه ببشاشة على وشك أن تتسبب بقتله:
_أنا شغاله أي حاجة وبعدين أمك رجلها وجعاها وتعبانة نفسيًا من اللي بتعمله أنتَ وأخوك فيها حرام عليكم أتقوا الله ده الجنة تحت أقدام الأمهات يا أستاذ داوود، وبعدين لو هي منزلتش وأنتَ ماخدتنيش، طلبات البيت مين يجيبها؟!.
بكل ضعف غمغمت جيهان في نبرة جعلت داوود يود إعطائها جائزة الاوسكار بكل براعة:
-قوليلهم يا بنتي أنا خلاص والله تعبت من كل ده .
تشنجت ملامح داوود بحنق شديد، يرى افكار تربت على كتف والدته بحنان :
_ بقوله يا جيجي هدي أنتِ نفسك بس يا حبيبتي .
كان داوود غاضبًا جدًا بسببها فلمَ تحدثه وكأنها فرد منهم أو أنها لها سلطة عليه ؟؟ وهذا يتمتم في غيظٍ شديد:
_أنتِ هنا علشان الأولاد وبس على فكرة لو ناسية...
قاطعته أفكار بكل برود:
_أه بس لما حد يحتاجني أقف جنبه، والست جيهان عايزاني أجيبلها الحاجة، وبعدين أنتَ أيه مشكلتك لما تأخدني السوق؟!! لو يعني خايف تتعطل على الشغل وديني وسيبني هناك وأنا هتصرف، بسلك في الحديد ميهمنيش، وسيبلي فلوس وخلاص.
لمَ عليه أن يجادل أمراة تشبه والدته بطريقتها العجيبة والتي لا تتفق مع طريقته في التعامل عادة، مما جعله يتحدث في انفعال:
_طيب خلصي يلا علشان متأخرش حصليني.
غادر المكان من أمامهم والشرار يتطاير من عينه، مما جعل أفكار تقوم بضبط حجابها وتهتف في حبٍ:
_يلا يا جيجي بقا هسيبك وأروح أجيب ليكي الطلبات أسلقي الكُرنبة اللي جبتها وأنا جاية الصبح علشان لما أجي أعمل الخلطة ونحشيها.
غمغمت جيهان بكسل :
_أنا مش قادرة أقف يا بنتي.
-خلاص يا جيجي انا هاجي أعملها مضايقيش نفسك.
أنهت حديثها بحب حقيقي لتلك المرأة، لا تدري لما أحبتها بتلك السرعة وتعلقت بها، في البداية كانت تفعل ذلك من أجل النقود التي تعطيها لها جيهان يوميًا دون علم داوود، ولكنها تفعل ذلك الآن لأنها شعرت بأن تلك المرأة تمتلك قلبًا حنونًا وهي تشفق عليها من العيش مع هذين الإثنين .
_____________
هبطت معه وأخذت تسير خلفه تحت صمته المُريب، لو لم تسمعه يتحدث من قبل لكانت ظنت بأنه يعاني من (الخرس)، حسنًا يبدو أنه منزعج، لكن بالتأكيد ليس منها فهي لم تفعل شيء له حسب ظنها....
في بداية السوق تمتم داوود بجدية شديدة:
_السوق أهو عرفتي هترجعي لوحدك ازاي؟!.
قالت أفكار بعفوية:
_أخيرًا يا أستاذ داوود أتكلمت ده أنا افتكرتك بلعت لسانك...
لولا عيناه التي أظلمت فجأة لكانت أسترسلت حديثها المرح، لكنها تجاهلت كل ذلك تقول بجدية :
_أه عرفت متشغلش بالك وأنا راجعة هركب توكتوك، تقدر تمشي تروح شغلك علشان متتأخرش.
كاد أن يلقي التحية عليها ويرحل، لكن فجأة توقف لسماعه صوت والدة ألاء متمتمة بعد أن رأته من بعيدًا كطوق نجاة:
_ازيك يا داوود يا ابني، كويس أني لاقيتك.
عقب داوود وهو ينظر لها في احترام:
_انا الحمدلله يا خالتي بخير، هو في حاجة ولا أيه؟!.
أردفت والدة ألاء بتوضيح وهي تمد يده بابنه حامد وألاء الصغيرة ليحملها داوود برد فعل طبيعي منه:
_أصل البت صاحية مقريفة النهاردة وأمها في الشغل وكمان أبو ألاء في الشغل وأنا نازلة أجيب طلبات، شيلها شوية لغايت ما أخلص وأقابلك يا ابني...
لم تعطيه فرصة للتعقيب سواء بالرفض أو القُبول بل رحلت بعدها تحت نظرات أفكار الفضولية ولم تكبح نفسها لقول :
_مين دي؟!.
_دي بنت أخويا الصغيرة.
ضحكت أفكار ثم تحدثت بسخرية:
_يعني دي التالتة ولا في تاني؟! أما اخوك ده قادر صحيح مخلف بدل العيل تلاتة ومراته زي الوردة المفتحة راح يتجوز عليها، صحيح ما كل الرجالة ميملاش عينهم إلا التراب عادتهم ولا هيشتروها ابن غفير ولا ابن وزير كله نفس القطعية.
كان على وشك قتلها هنا في السوق أمام الناس وليشهد الجميع جريمته .
الآن يتساءل إن كانت تعهدت جميع النساء اللواتي يعرفهن على أن يفقدنه أعصابه؟!..
تحدثت أفكار مقاطعة كل أفكاره الداخلية تلك:
_بما أن الحجة أم ألاء سابت ليك السنيورة لف معايا في السوق بقا وأهو تشيل معايا.
كانت تريد أن تتشفى به وتخبره بالعدالة الإلهية التي أخذت لها حقها منه، ولكنها خشيت أن يفعل بها شيئًا فهو يكز على أسنانه بشكل مخيف...
أخذت تسير وهو يسير خلفها محاولًا السيطرة على بكاء ابنه أخيه المتذمرة بشكل غير مفهوم فهو رجل وليس لديه خبرة في التعامل مع الأطفال كانت أفكار تقف أمام كل متجر أو بائع تخرج دفترتها الذي يظهر عليه علامات الزمن التي مرت عليه، فقد دونت فيه ما تريده جيهان وتخرج قلمها تقوم بوضع علامة (صح) بجانب كل سطر أنتهت من شراء ما كان مكتوب فيه وهو يراقبها بصمتٍ، فلقد أعجب بشكل كبير بخطها الجميل جدًا، وكأنها تقوم برسم الكلمات باحترافية لكن على الرغم من ذلك، قرر أن يعقب ساخرًا وقبل أن يحمل الأكياس منها رفع يده ليلمس الدفتر بفضول شديد وكأنه قطعة أثرية ثمينة :
_هو أيه الكشكول ولا الكراسة اللي مر عليها الزمن دي؟!.
وضعت القلم على يده قائلة في لهجة لا تقبل النقاش:
_أوعى أيدك كده بس دي فلوس ناس، وشقى عمري اللي فيه الورث اللي هسيبه لعيالي، ده مش مجرد كشكول ده عمر يا أستاذ داوود، حاجات ميفهمهاش الناس اللي زيك كده.
أنهت حديثها ورحلت من أمامه ليحمل الأكياس قبل أن يقوم بتعذيبها ويستسلم لرغباته الجنونية...
ذهبت أفكار صوب بائع الخضار، لتقوم بسؤاله عن الأسعار فهي تريد الطماطم من أجل صُنع المحشي اللذيذ التي تريده جيهان..
_بكام الطماطم؟!.
أجابها الرجل بعد أن أخذ جرعة من كوب الشاي المتواجد في يده:
_الكيلو ونص بخمسة وعشرين يا مدام.
صرخت أفكار بطريقة جعلت داوود يبتعد خطوة للخلف حتى أن الصغيرة أنتفضت بعد أن كانت على وشك النوم بين ذراعه وهي تستند برأسها على كتفه:
_أيه اللي بخمسة وعشرين الكيلو ونص أنتَ حرامي على فكرة في كل حتة الكيلو بعشرة.
وقبل أن يعقب البائع عليها بكت الصغيرة مما جعلها تأخذها من يد داوود الذي لا يفلح في تهدئتها طوال الطريق لتاخذها في أحضانها وتقوم بهزها قليلًا حتى تهدأ تحت ضحكات داوود المذهولة فهو لا يصدق أنها سحبتها من ذراعه بتلك الطريقة.
غمغم البائع في ضيقٍ:
_ ده سعرها في السوق يا مدام.
كان تهز الطفلة وتبتسم لها وهي تقول في الوقت نفسه:
_هاخد الاتنين كيلو بخمسة وعشرين علشان نخلص الخسارة عليا وعليك.
_لا مينفعش.
قالت أفكار في غضب:
_أنتَ كده بتبيع الكيلو الطاق طاقين تقريبًا ومش عاجبك ده انا أقعد من غير لا شغلة ولا مشغلة وأجيب عربية كارو واقعد أبيع طماطم جنبك.
تمتم الرجل بضيقٍ وهو يوجه حديثه إلى داوود:
_ما تأخد مراتك يا بيه وتمشي عايزين نبيع، ده السعر عاجبكم أهلا وسهلا مش عاجبكم خلاص.
تحدثت أفكار غير مهتمة لظنه بهما وهي تقول:
_ما تتكلم عدل يا راجل أنتَ، وهو أنا واقفة على دماغك.
ثم وجهت حديثها إلى داوود الذي يحاول استعاب ما يحدث:
_بقولك أيه بعد كده تديني الفلوس وأنا هجيب ليك الحاجة من عندنا كلها وأنا جاية الصبح.
عقب الرجل تعقيب لاذع:
_أما صحيح أحنا في زمن النسوان اللي بتمشي رجالتها....
كاد داوود أن ينفعل عليه ولكن قاطعه صوت أنثوي يأتي من خلفه :
_داوود في السوق بنفسه؟!..
____________
عاد منزله بصعوبة شديدة، فبعدما حدث ما حدث ونال من شقيقه ضربات موجعة بمشاركة تلك الفتاة التي يصفونها _ ظلمًا_ مربية اطفال، قرر العودة للمنزل، بعدما شعر بتعب شديد يتملك منه ويمنعه من الذهاب للعمل .
دخل المنزل وقد كان هادئًا بشكل خانق، نفس الهدوء الذي تسبب في نبذه لحياته السابقة، الهدوء الذي كان يوحي بأن زوجته العزيزة انتهت من مهامها اليومية ونامت دون أن تضيفه ولو بالخطأ لقائمة مهامها .
تنهد بصوت مرتفع ولا يدري كيف سحبه عقله لتلك اللحظة، ما باله أصبح يربط كل شيء بما عاشه سابقًا، أو بالأحرى بها هي، هل كانت تعني له الكثير حقًا ؟؟
ألقى جسده على الأريكة يتنفس بصوت مرتفع، لكن حتى أنفاسه لم تكن بتلك السهولة إذ امسك صدره يتأوه بصوت مرتفع :
_ ده انا لو كنت قاتلهم قتيل مكنوش عملوا كده، الله يسامحكم ..
_ هما مين دول ؟؟
انتفض جسد حامد فجأة على ذلك الصوت خلفه، وضع يديه أعلى قلبه يردد بضيق شديد وهو يراقب جسد زوجته التي تستند على اطار الباب الخاص بغرفتهما، ترمقه بسخرية وبعض التشفي وكأن ما تراه يسعدها، وقد كان ذلك حقيقة ....
تحركت أمنية تتمختر في مشيتها بدلال كبير، ثم مالت بعض الشيء تتحسس جروح وجه حامد الذي أطلق تأوهًا معترضًا ..
وهي ابتسمت تقول بصوت سوداوي :
_ ايه هما أهلها تقلوا ايدهم المرة دي ولا ايه ؟؟
نظر بعدم فهم :
_ أهلها ؟؟
_ امممم أهل السنيورة اللي كل شوية حضرتك تنط ليها في بيتها ولا كأنك مش طايق بعدها، ولما هو الحوار كده يا حبيبي كنت طلقتها واتجوزتني ايه ؟؟ اياكش تكون فاكرني كوبري عشان ست الحسن تغير وترجع جري ؟؟
والبلاهة التي كانت تعلو وجه حامد منذ ثواني تحولت فجأة لصدمة وهو ينتفض في جلسته مستنكرًا ما تلمح له :
_ أنتِ بتقولي ايه ؟؟ أنتِ فهمتي غلط، أنا مكنتش عند حد، أنا كنت في البيت واللي عمل فيا كده داوود والـ
قاطعته أمنية رافضة كل السبل التي يسلكها في سبيل أن يخدعها ويزيد من جرعة المخدر التي يعطيها لها يوميًا كي تتغافل عما يفعل ورغبته الواضحة للجميع باسترجاع زوجته السابقة :
_ والله ؟؟ يعني اللي عمل فيك كده هو داوود اخوك ؟؟ لا صدقتك، تعرف يا حامد أنت واحد كداب وهتفضل طول عمرك كداب، والشويتين دول تعملهم على حد غيري، إنما أنا فهماك كويس اوي .
زفر حامد ينهض عن مقعده وقد شعر فجأة برغبة عارمة في الابتعاد عن كل هذا، يقول باختناق وغيظ شديد :
_ أمنية، أنا مش ناقص الله يكرمك، انا راجع على اخري وبدل ما اسمع كلمة كويسة أو ألف سلامة قاعدة تقطمي فيا وتلوك لوك بحاجات اساسا محصلتش، أنا اساسا مش ناقص وجع قلب.
أنهى حديثه يهرول صوب باب المنزل يشعر برغبة عارمة في الهروب من هذا الحصار، مابه لا يستطيع أن يشعر يومًا بألفة في منزل أسسه، كلما ظن أنه بدأ حياة سعيدة، وجد شيئًا يعكر صفوها ...
كاد يخرج لولا صوت أمنية التي صرخت بغضب شديد :
_ رايح فين ؟؟ احنا مخلصناش كلام يا حامد .
_ رايح في ستين داهية يا أمنية أنا خلاص مبقتش ناقص وش، يعني راجع تعبان عشان ارتاح تقومي تعباني اكتر، وبالنسبة للكلام فهو خلصان بس انتي اللي بتحبي تعيدي وتزيدي في كلام ملوش فايدة اساسا ..
ختم كلماته تزامنًا مع اصطدام الباب صوت الباب في الجدار بقوة يتحرك خارج المنزل وقد قرر أن يذهب للعمل يلغي من عقله فكرة الراحة، سيذهب للعمل، على الأقل لن يجد هناك من يتذمر منه ومن حياته، أين أخطأ ؟؟
تنفس بصوت مرتفع يمسح وجهه مستغفرًا ربه داعيًا داخله أن يحصل يومًا على الراحة التي ينشدها ...
فتح عيونه كي يسير للمعرض الذي يعمل به، لكن فجأة توقفت أقدامها بصدمة كبيرة حينما أبصر زوجته، أو زوجته السابقة تقف أمام المنزل مع رجل مهندم الثياب مبتسم الوجه، وهي كانت تبادله البسمة بالمثل...
_______________
لا يصدق بأنها أتت أمامه...
وتحدثه بكل وقاحة بعد ما فعلته وبعد أن تخلت عنه..
رغم أن الجميع يدرك أن داوود من غير الممكن أن يشتري شيئًا كهذا لخطيبته، لكن يبدو أنها أخذت الأمر حجة كما تخبره والدته، نعم لم يكن بينهما مشاعر قوية ولكنه تعلق بها في النهاية، فكانت في حياته لفترة ما وكان يحاول جعلها الزوجة الصالحة له وهي كانت تستجيب له في كل الأحوال، لا يصدق أنها أنقلبت عليه في ليلة وضحاها...
تحدثت روضة في سخرية:
_أيه لحقت تخطب ولا مين دي يا داوود يا اللي كنت هتموت وتصالحني؟!..
كاد داوود أن يفسر لها من هي بكل هدوء وكأن عليه واجب لفعل ذلك ليس من أجل روضة كشخص، لكن سمعته واسمه شيئان لا يحب المساس بهما، وقبل أن يفعل سبقته أفكار التي حدثتها في انفعال لم تدري سببه وضعت أن السبب لجنونها هذا هو أحاديث جيهان المطولة معها مخبره أياها عن سوء تلك الفتاة:
_وأنتِ مالك أنتِ أنا مين، خطيبته ولا مش خطيبته هتستجوبي الراجل؟!!!.
تعجبت روضة من هجوم تلك الفتاة التي لا تعرفها من الأساس مما جعل البائع يهتف موجهًا حديثه إلى أفكار:
_اهدي يا مدام.
صرخت أفكار فيه بثورة وهي تعطيه الصغيرة ليحملها عنها حتى تتفرغ للشجار:
_أستنى أنتَ عليا يا حج دورك جاي هخلص مع السنيورة وهجيلك لما نشوف الطماطم عندك كنت بتزرعها بمياة معدنية ولا أيه علشان تبقى بالسعر ده.
أردف داوود وهو ينظر لها في غضب:
_ممكن تسكتي.
تحدثت أفكار وهي ترفع حاجبيها في رفضٍ:
_لا مش هسكت.
غمغمت روضة ببرود شديد وهي تريد استفزازه على أكمل وجه لا شك أنها بالرغم من كل ما حدث إلا أنها شعرت بالغيرة من تلك الفتاة بعد نظرة نسائية تحليلية لها، الفتاة جميلة وجذابة جدًا رغم ملابسها البالية وملامحها التي لم تضع لها أي شيء قد يُزينها:
_برافو عليك يا داوود اختيارك المرة دي حلو رغم سرعته إلا أنه على مقاسك بالظبط، واحدة مش محترمة وبيئة هتقبل بواحد زيك طبعا.
ضربت أفكار على صدرها بصدمة وهي تمد يدها إلى البائع بالصغيرة ليأخذها منها بعفوية..
_مين دي اللي مش محترمة زيه؟!!!.
غمغم داوود مستنكرًا طريقتها وهو يقف بينهما:
_يعني أنا مش محترم؟! فاضايقتي أنك زيي.
عقبت أفكار على حديثه وهي تضع يديها في جانبيها:
_أيوة ما أنا هدافع عن نفسي مش لما دافعت عنك مكنش عجبك؟!.
ثم وجهت حديثها إلى روضة قائلة بعنفٍ لا مثيل له:
_بقولك أيه يا بتاعة أنتِ لولا إني محترمة لكنت جيبتك تحت رجلي وعرفتك يعني أيه واحدة بيئة ومش محترمة، بس أنا جزمتي فوق رأسك، وبعدين روحي شوفي سكتك فين، واللي مش محترمة دي اللي تمشي تتمسح في الراجل اللي كان خطيبها وتيجي تكلمه، وهو ولا هيموت يصالحك ولا غيره ده راجل محترم وعارف ربنا وألف مين تتمناه يا حبيبتي، ويلا أتكلي على الله بقا علشان مقلش منك أكتر من كده.
لا يدري داوود أنه في لحظة ما أعجبه حديثها...
وكأنه كان يرغب بشخصٍ يدافع عنه بعد أن سحقت كلمات روضة ذلك اليوم كبريائه الرجولي، ولكنه عاد يشعر بالغضب مرة أخرى مما فعلته وهو يرمق الناس من حوله فهم يحلقون بأبصارهم حولهم...
رغمًا عن أنف روضة ذهبت دون تعقيب على حديث أفكار، حديثها كان قوي وصادم جدًا لم تتوقعه فهي لا تستطيع مجابهتها، كل ما فعلته أنها أبتعدت من وسط الجميع.
وجهت أفكار حديثها إلى البائع وهي تعيد ضبط حجابها الذي كان على وشك أن يتساقط فهي تضعه بعشوائية شديدة وأحيانًا تظهر بعض خصلاتها الناعمة من أسفله:
_هات البت يا حج.
ثم قالت موجهة حديثها للجميع وهي تستدير بعد أن أخذت الصغيرة منه التي توقفت عن البكاء وتتابع الشجار:
_يلا كل واحد يروح يشوف حاله المولد أنفض.
بالفعل بدأ الجميع في الرحيل وأنعقد لسان داوود فالكلمات لا تسعفه، لن يفهم هو غاضب ويريد قتلها، أم سعيد بمدافعتها عنه، أم يشعر بالحرج....
غمغم البائع بهدوء:
_علشان أنتِ ست جدعة وبتردي كرامة الراجل اللي معاكي، أنا هديكي الكيلو بعشرة.
تحدث داوود ساخرًا:
_أنا معرفهاش ولا مراتي وغيره.
ضحك الرجل ظننًا منه أنه يمرح وأردفت أفكار بعد ضحكة خرجت منها:
_ما كان من الأول يا حج يلا هاتلي حاجة أنقي فيها هاخد أربعة كيلو بخمسة وتلاتين .
_______________
كان حامد يحدق فيما يحدث بصدمة كبيرة وهو يحاول أن يستوعب ما يراه، زوجته تقف مع رجل وتتحدث معه بأريحية وبسمات كما لو أنه شيء طبيعي ..
نظر حوله ينفث نيرانًا يتبين إن كان أحدهم قد رآها بهذا الوضع ام لا، ومن ثم تحرك هو صوبهما بخطوات غاضبة يود لو ينقض على ذلك السمج ينتزع عنه بسمته المستفزة، لكن كل ما فعله هو أنه توقف جوارهما يقول بلهجة حانقة متهكمة :
_ صباح الخير يا مدام آلاء.
استدارت الاء صوب الصوت الذي تعلمه تمام العلم، ولم تكد تتحدث لتتفاجئ بنظرات حامد المستهجنة والغاضبة، ما باله هذا .
_ صباح النور يا استاذ حامد، خير ؟؟
نظر حامد صوب الرجل الذي يتابعهما بصمت متعجبًا :
_ خير إن شاء الله، بس مش شايفة يعني إن وقفتك في الشارع دي مع الشخص ده مش كويسة، أنا فاكر ايام الخطوبة كان ابوكِ مش بيرضى حتى تنزلي توصليني لباب البيت ولا هو الحاج بقى شايل أيده اليومين دول ؟
شهقت آلاء بصدمة من تجاوزه الحدود معها والحديث بذلك الشكل الذي يهينها ويهين والدها، لذلك انتفضت تدافع عنهما صارخة في وجهه :
_ احترم نفسك يا حامد، أنت اكتر واحد عارف أنا مين واهلي مين، واياك تتجاوز حدودك معايا والا والله لاروح أقرب قسم أقدم فيك بلاغ عدم تعرض .
اقترب منها حامد وعيونه قد بدأت تطلق شرارًا والشر يلتمع في نظراته وحديثها ما كان سوى حطبٍ اشعل به غضب خامد داخل صدره :
_ أنا محترم غصب عنك يا آلاء الدور والباقي على اللي واقفة مع واحد في نص الشارع بدون خشا ولا احترام لنفسها .
اشتد غيظ آلاء وأحمر وجهها حتى شعرت بقرب انفجارها، لكن ما كادت تأخذ خطوة للحديث معه والصراخ في وجهه، إلا ووجدت خطيبها المزعوم يهب في وجه زوجها السابق مشعلًا شجار تجمع على أثره الجميع للمرة الثانية ....
_____________
عاد للمنزل وصوت تأففاته تعلو وسخطه كان واضحًا وضوح الشمس في منتصف الظهيرة، وخلفه كانت افكار تحاول أن تلحق بخطواته، وبمجرد أن خطى للمنزل ترك الحقائب في الأرض مناديًا والدته بغضب :
_ يا امي ...يا حجة جيهان .
هرولت جيهان من غرفة التلفاز بعدما كانت كعادتها في خضم كتابة وصفة رائعة من تلك الوصفات التي لم تر النور بعد، خرجت لتجد ابنها يقف أمام باب المنزل الداخلي بملامح وجه غاضبة وخلفه تقف افكار بكل هدوء :
_ ايه يابني ؟؟ فيه ايه وقفت قلبي، مالك ؟؟
أشار داوود صوب افكار يتحدث بلهجة حادة قلما تخرج من فمه :
_ فيه إن أنا بعد كده اللي هجيب ليكم الطلبات، اياكم ثم اياكم تبعتوا حد يجيب طلبات البيت وخاصة البنت دي .
شهقت افكار وقد شعرت بغضب شديد يتلبثها بسبب طريقته في نطق كلماته التي وجهها لها :
_ الله ومالها البنت دي إن شاء الله ؟؟ ده بدل ما تيجي تشكرني وتقولي ألف شكر يا افكار تعبناكِ معانا يا افكار، لولاكِ كانوا البياعين نصبوا علينا وخسرنا فلوسنا يا افكار ؟
استدار لما داوود يقول بغضب شديد :
_ وادينا اهو بسببك خسرنا علاقتنا مع جيرانا يا افكار، يارب تكوني مبسوطة يا افكار .
اشتعلت أعين افكار تصرخ في وجهه بغيظ وغضب مشتعل :
_ جيران مين دول اللي خسرتهم بسببي، هو أي بلوة ترميها فوق دماغي ؟؟ ولا يكونش قصدك على الحلوة اللي نطت لينا زي عفريت العلبة في نص السوق ؟؟
تنفس داوود بصوت مرتفع وهو يرمقها بتحذير أن تتخطى حدودها لتلك النقطة، لكن افكار لم تتوقف عن الصراخ والاعتراض والدفاع عن نفسها .
وجيهان تتابع ما يحدث بجهل تحاول الدخول في الحديث الذي نُبذت منه قبل أن يبدأ:
_ فيه ايه ؟؟ جيران مين وبنت مين دي يا داوود ؟؟
لكن داوود كان في أقصى حالاته غضبًا إذ لم يصل لعقله كلمات والدته، بل كانت عصبيته هي ما يسيطر على أفكاره وهو يصرخ بجنون :
_ وأنتِ تدخلي ليه ؟؟ أنتِ مالك اساسا بيا ولا بحياتي ولا بعيلتي ؟؟ أنتِ شغلتك هنا معروفة فياريت متتجاوزيش حدود وظيفتك سامعة ؟؟ أنتِ هنا جاية تشتغلي وتاخدي مقابل شغلك وبس .
اشتعلت أعين افكار وشعرت بكرامتها تُخدش بفعل كلماته، وقد حاولت الرد لولا صوت جيهان التي قالت :
_ مالك بس يا ابني بتخانق البنية ليه ؟؟ هي كلمتك دلوقتي ؟؟ ما هي ساكتة اهي ومعملتش حاجة .
في هذه اللحظة نظر لها داوود يقول مبتسمًا بغيظ شديد :
_ معملتش حاجة ؟! وانا اللي اخانقها ؟؟ القادرة المسكينة اللي واقفة تدافعي عنها اتخانقت مع كل بياعين السوق نفر نفر، وحتى الناس المساكين اللي هناك معتقتش حد منهم، دي عاثت الفساد في السوق .
نظرت والدته لأفكار التي كانت ملامحها منقبضة بشكل غريب تستمتع بكلماته بعدم رضا، وهو يتنفس بصوت مرتفع وقبل أن يبادر بقول كلمة إضافية سمع صوت طفل يصرخ من خارج المنزل بصوت مرتفع :
_ الحق يا عم داوود، عم حامد بيتخانق عند بيت أبلة آلاء.
صرخ داوود وقد فلت عقال صبره يلوح بيديه في الهواء بجنون :
_ اهو اتفضلي، الاحق على مين ولا مين، على ابنك اللي مش هيجيبها لبر، ولا على البلوة دي ..
ختم جملته مشيرًا لأفكار التي تراجعت للخلف، تراه يندفع خارج المنزل كي يلحق بشقيقه، وحينما كادت تتبعه، أوقفها محذرًا :
_ هو أنتِ أي بلوة تجري وراها، ايه ما ترحمي نفسك شوية مكفاكيش كل الخناقات في السوق، اقعدي هنا ومتتحركيش .
ركض للخارج عقب كلماته تاركًا افكار تشيعه بنظرات غاضبة، جعلتها تنفجر فجأة حينما نظرت لها جيهان بتسائل، تصرخ دون توقف :
_ هو ابنك ده فاكرني الخدامة اللي اهله جابوها ليه ؟؟ عمال يبيع ويشتري فيا ؟؟ ايه معنديش كرامة ولا ايه ؟؟ أنا مستقيلة من الشغل ده، ومش هتشوفوا وشي تاني .
تحركت بسرعة خارج المنزل وهي تشعر بالقهر لكنها فجأة توقفت ونظرت لجيهان التي كانت لا تدرك ما يحدث :
_ صحيح أنا هبعتلك رقم عم سعيد البقال على الواتس عشان تبعتوا عليه حق الايام اللي اشتغلتها، مع السلام .
تحركت للخارج غاضبة تاركة جيهان تنظر لها بعدم فهم وهي تشعر بالغباء، ما الذي يحدث حولها وما سبب الشجار من الأساس، كل هذا لأجل ماذا ؟؟؟
________
يجلس في المتجر الخاص به حتى أنه أغلق الباب لا يريد استقبال أي أحد اليوم، يريد الجلوس بمفرده فقط يفكر في حياته كلها تحديدًا أحداث اليوم العجيبة.
يريد معرفة لِمَ فعلت روضة به ذلك من البداية؟!...
يشعر بجرح كبير يفتك به، رُبما ليس بسبب حبه الشديد لها هو مدرك أنه مجرد تعلق وسيذهب مع الوقت، ولكن بسبب نظرتها له وهو أنه شخص مُنحل أخلاقيًا..
ضحك رغمًا عن أنفه حينما تذكر دفاع أفكار عنه، رغم شجاره معها إلا أنه أحب ذلك لا يُنكر، فهي فعلت ما كانت والدته ستفعله في موضعها، أضحى متيقنًا الآن أن افكار هي صورة مصغرة لشباب والدته ..
تركيبة عجيبة تلك الفتاة..
قاطع خلوته مع ذاته اتصال من والدته، فأجاب عليها الفور:
_ألو يا حبيبتي.
جاءه صوت والدته الضعيف وهي تقول:
_تعالى يا ابني بسرعة على البيت عايزاك .
أعتدل داوود في جلسته متمتمًا في قلق:
_في حاجة يا اما ولا ايه؟!.
_تعالى يا ابني أنتَ لسه هتسأل.
هناك كارثة لن تفعل والدته ذلك إلا لو كان هنا كارثة..
لذلك تحدث داوود في ارتباك:
_خلاص مسافة السكة وهتلاقيني عندك.
_ماشي يا ابني سلام.
أنتهت المكالمة بينهما لينهض داوود على عجالة من أمره ليغلق المتجر ويذهب ناحية إلى البيت وهو يشعر بالقلق الشديد...
دخل إلى المنزل وصعد ثم فتح الباب وسار بضعة خطوات ليجد والدته تجلس على الاريكة تربط رأسها بوشاح أسود بشكل مخيف وابناء شقيقه يجلسون بجانبها بوجوه حزينة شاحبة، ورؤوس منكوسة ....
هناك كارثة بالتأكيد...
