رواية إعلان ممول
الفصل الثامن عشر 18
بقلم رحمة نبيل & فاطمة طه سلطان
صلوا على نبي الرحمة ...
_____________
قاطعها خليل الذي أمسكها بعنف أكثر:
_لا حنينة يابت والله لاوريكي يا أفكار هربيكي من أول وجديد أنا لغايت ما تحترمي نفسك..
كان داوود ينظر له بغضب مخيف حتى أنه كان على وشك أرتكاب أفعال جنونية تأتي في مخيلته يومًا..........
تمتم داوود في غضب يحاول كتمه قدر المُستطاع فهو لن يتحمل هذا الرجل كثيرًا :
_يا أستاذ خليل ميصحش تكلم أختك بالشكل ده في الشارع قدام الناس وحتى لو عايز تديها نصيحة متكنش على الملأ هي كانت في زيارة لوالدتي وأنا جيت أوصلها علشان متروحش لوحدها مش مستاهلة اللي أنتَ بتعمله ده.
خرجت ضحكة ساخرة من خليل ولحقها بلفظ بذئ وهو يقول ساخرًا:
_وأنتَ بقى اللي هتقولي أتعامل مع اختي ازاي؟! أختي غلطت وبأدبها وأحنا معندناش بنات تفضل داخلة خارجة كده ويدوبك شاربين شاي عليها..
عقب داوود ولم يستطيع كبح لسانه :
_دلوقتي أفتكرت أنها أختك؟!.
هل تذكر حقًا؟! بعد تلك السنوات فهو يستطيع تخيل الأشياء والمواقف ورُبما الأزمات التي مرت على أفكار وجعلت شخصيتها تصبح بهذا الشكل...
غمغمت أفكار بانفعال وهي تنظر له:
_ خليل لم لسانك، ما تتكلمي يا أما..
تحدثت سكر أخيرًا وهي تقترب من ابنها وتقف حاجز بينه وبين داوود الذي كان على وشك أن ينقض عليه:
_يلا يا واد يا خليل روح لمراتك وعيالك يلا، وبعدين نتكلم بكرا يلا روح بقى يا ابني عيب متفرجش علينا الناس على أخر الزمن.
قال خليل في وعيد:
_علشان خاطرك أنتِ بس ياما وعلشان أنا بكبرك هروح بس، وبكرا ليا روقة معاها.
عقبت سكر بلا مبالاة فهي تعلم أنه لن يأتي غدًا:
_ماشي بكرا أعمل اللي أنتَ عايزه، يلا سلام..
لم يعقب على حديث والدته، بل غادر وهنا غمغمت أفكار بخجل رهيب أمام داوود:
_والله أحنا أسفين مش عارفة أقول أيه..
تمتم داوود محاولا الحديث بنبرة عادية حتى يخفف عنها الحرج الذي استشعره من نبرتها:
_حصل خير يا أفكار، المهم ادخلي أنتِ ارتاحي وخلي بالك من نفسك .
ومجددًا ترى تعقله مقابل الجهل الذي تغوص به، هدوءه مقابل التعصب الذي تحياه، تناقضات دفعتها لنطق كلمات لا تدري إن كانت تعنيها أو خرجت دون إرادتها :
_أنا لو منك أخلع.
رمقها داوود بعتاب وضيق حقيقي، ثم أردف:
_تصبحي على خير يا أفكار، تصبحي على خير يا حجة سكر.
تمتمت سكر بتمني وهي ترفع كفيها :
_يسمع من بُقك ربنا يا حبيبي يارب أحج بجد.
أبتسم لهما داوود، ثم غادر وهو يتجه بخطوات سريعة نحو المكان الذي أصطف بسيارته به فهو يشعر بالضيق الرهيب بسبب ما حدث كان يجب عليه فعل ما هو أكثر من ذلك، كأن يضربه حتى يدمي جسده .
ذلك الرجل يثير به زاوبع غضب تفوق وبمراحل الغضب الذي كانت شقيقته تتسبب به له...
كانت أفكار شاردة، تنظر لموضع رحيله، تشعر بالخجل الرهيب من تصرفات شقيقها تحديدًا مع شخصية مثل داوود، خطيبها السابق كان يعتبر من معارف شقيقها ويمتلك الشخصية ذاتها لذلك كان يعرف خليل حق المعرفة، لا يسوءه حديثه، ولا ينزعج من كلماته، بل في بعض الأحيان يوافقه على ما يقوله حتى لو كان ضد أفكار...
لكن داوود شخصية مختلفة...
فهي مازالت تظن أن اجتماعها به بتلك الطريقة ما هو إلا البرنامج التلفزيوني التي تشاهده "الصدمة" أو "الكاميرا الخفية" لا يوجد سبب أخر...
تمتمت سكر منتشلة ابنتها من أفكارها المبعثرة:
_جدع الواد ده من ساعة ما شوفته وأنا حاسة انه فيه شيء لله..
ضحكت أفكار رغمًت عنها من حديث والدتها فمن تلك التي تتحدث، سكر التي لم يمر لقاء لها مع داوود دون أن ينتهي بكارثة؟!
توقفت أفكار عن الضحك وهي تجد والدتها تجذبها إلى المنزل:
_تعالي أما أعرف أتاخرتي كده ليه يا مقصوفة الرقبة فكرك أنك خلصتي من أخوكي هتكوني خلصتي مني؟! وبعدين أيه الشنط دي كلها اللي أنتِ شايلاها.
أبتسمت أفكار وهي تسير معها نحو المنزل:
_دي شوكلاتات وحاجات كتير داوود جابها ليا...
امتصت سكر شفتيها تقول باستحسان :
_الله جدع والله ربنا يوفقله ولاد الحلال أنا عايزة أحلي بوقي.
_____________
وضعت الحقيبة في الغرفة بسعادة بالغة يبدو أنه أحبها بالفعل لم يقو على فراقها، وهي أيضًا قد اشتاقت له ولمنزلها كثيرًا..
خرجت من الغرفة لتجده جالسًا على الأريكة مثلما تركته..
جلست بجانبه على الأريكة وهي تضع يدها على كتفه حتى ينظر لها:
_وحشتني أوي يا حامد وكنت عارفة أنك مش هتقدر تبعد عني وهتيجي كنت واثقة..
كيف يخبرها بأنه لم يشتاق لها بالطريقة التي تتخيلها؟!
كيف يخبرها بأنه ذهب إلى المنزل من أجل والدتها فقط وحتى لا يخيب رجاء تلك المرأة وبسبب شعوره بالحرج .
كيف يخبرها بما يخجل اخبار نفسه به، بالله لم يعلم يومًا من هو لمثل حقارته .
لم يكن بوسعه سوى رسم إبتسامة باهتة على وجهه وهو يقول:
_وأنتِ كمان يا أمنية وحشتيني.
بادلته الإبتسامة وهي تقول:
_وأنا أوعدك يا حبيبي إني هفهمك ومش هعمل مشاكل تاني بس أنتَ متحاولش تخبي عليا حاجة علشان ميحصلش سوء فهم.
هز رأسه في إيجاب فأسترسلت حديثها بحماس:
_بمناسبة أني رجعت ايه رأيك نطلب أكل ونتغدى مع بعض و....
قاطعها حامد متهربًا بعد أن ألقى نظرة على ساعة يده متصنعًا أنه هناك حدث قد فاته:
_ده أنا نسيت صحيح كان عندي ميعاد مع حد في المعرض ولازم أمشي.
عبست أمنية بملامحها وهي تردد في استنكار:
_يعني معقول تمشي وأنا لسه راجعة بدل ما نقعد مع بعض شوية؟!.
غمغم حامد بهدوء:
_بكرا ان شاء الله نعوضها بس لازم امشي دلوقتي يا حبيبتي أطلبي أنتِ وكلي بالهنا والشفا...
هزت رأسها بإيجاب بعد أن ترك قُبلة على رأسها وهو يهرب من الجلوس معها لا يدري السبب، كان يريد فقط أن ينفرد بنفسه ويفكر جيدًا ولكنه لم يستطع أن يرد طلب المرأة منه فهو لم يكن ينوي إرجاعها الآن على الأقل ليصفي ذهنه.
أراد أن يعطي نفسه فرصة التفكير دون وجود ضغط من أحد أو وجود أحد حوله سواء كانت هي أو آلاء، لكن حتى تلك الفرصة كانت كثيرة ورفاهية لشخص مثله، عوقب بأن يظل حائرًا المتبقي من حياته ...
___________
عاد لمنزله بعدما انتهى من ذلك اللقاء العاصف مع رامي، لكن العاصفة لم تمر مرور الكرام على قلبه بل أثارت خرابًا داخله تاركة إياه في حالة يرثى لها .
دخل المنزل يتحرك بغضب شديد صوب غرفته دون أن يرى والدته التي كانت في انتظاره ليقص عليها ما حدث بينه وبين افكار، لكن دخوله بهذا الشكل جعلها تبتلع ريقها بريبة :
_ هو خلص على البت ولا ايه !!
انتفضت تتحرك خلفه تراه يضرب هذا وينفض هذا بملامح واجمة ..
ابتلعت ريقها تقول بقلق :
_ مالك يا داوود يا بني ؟؟ حصل حاجة ولا ايه ؟! اتخانقت أنت وافكار ؟!
نظر لها بأعين مشتعلة يقول بصوت خرج غاضبًا وبشدة :
_ محصلش حاجة ..محصلش حاجة و ..
صمت فجأة، ثم انتفض يتحرك صوب الباب حيث تقف والدته والتي حين رأت تقدمه عادت هي إلى الخلف برعب شديد صارخة، وهو وقف أمامها يقول بقوة :
_ لا فيه ...الزفت اللي اسمه خليل اخو افكار ده، محدش له دعوة بيه، ولا حد يتناقش معاه في حاجة، أي كلمة يقولها ولا كأنه نطق بيها حتى، تجاهلوه تماما عشان هو اكيد هيحاول يبوظ الجوازة بأي طريقة واضح يا امي ؟!
_ واضح، واضح يا حبيبي، بس أنت أهدى كده وقولي حصل ايه لكل ده ؟! عملك ايه اللي اسمه خليل بوز الأخص ده ؟؟
نظر لها داوود ومازال غضبه متقدًا ليس لما دار بينه وبين رامي، بل لما حدث بين هذا الحقير وشقيقته، مقهور لأجلها، انكسارها وتدمير سعادتها التي عمل ساعات على بنائها قتله .
تنفس بصوت مرتفع يقول :
_ مفيش يا امي، بس بلغي حامد ونبهي عليه ملهوش دعوة بالزفت ده مهما قال وعاد قولوا ماشي وحاضر وبس، وفي الآخر مش هيحصل غير اللي أنا عايزة واللي افكار عايزاه .
_ ماشي يا حبيبي اللي تشوفه، اهدى أنت بس وروح غير هدومك وانا ...أنا هعملك حاجة تشربها .
قاطعها قبل أن ترحل :
_ لا، متتعبيش نفسك، المهم أنا كلمت سيف يشوف المركز اللي أخته بتتعامل معاه ويشوفلك واحدة كويسة تساعدك في البيت ده لأن أنا قولت لأفكار متجيش تاني، هي خطيبتي يا اما خطيبتي وبس .
_ حاضر يا حبيبي اللي تشوفه .
ابتسم بسمة صغيرة برضا ثم قال بهدوء شديد :
_ تمام يا حبيبتي روحي ارتاحي أنتِ وانا هقعد اخلص شوية شغل وانام ..
_ ماشي يا داوود بس بالله عليك ما تزعل نفسك يابني.
_ أنا بخير متخافيش .
ربتت عليه بحب، ثم تحركت للخارج وهو اغلق الغرفة وألقى بجسده على الفراش يتنفس بصوت مرتفع يفكر في افكار وما حدث معهم .
_________________
" نعم ؟؟ يعني ايه الكلام ده ؟؟ بنتي أنا تدخل على عفش قديم بتاع ايه ؟؟ أنت بتهزر يا ياسر ولا ايه ؟؟"
ابتلع ياسر ريقه ينظر لوالدته، ثم نظر لروضة والتي كانت للمرة الأولى ملتوية الثغر ناقمة على قرار أصدره هو، للمرة الأولى لا تسانده ولا تبتسم له، شعر بالخوف أن تتراجع الآن بعد تصريحه المتردد بأمر من والدته .
حاول الحديث لتحسين الأجواء :
_ يا مرات خالي الموضوع أنه يعني، كده كده أنا بعد الجواز مش هستقر هنا مع روضة، وهاخدها واسافر الامارات، وهناك عندي شقة دوبلكس جاهزة ومستنية بس روضة تنورها، وجودنا هنا في مصر مجرد وقت صغير يعني لغاية ما نخلص الاوراق ودوشة الفرح تخلص والزيارات وبعدين أخدها واسافر، يعني الموضوع كله اسبوع او اتنين، مش معقول اشتري عفش كامل جديد عشان أسبوع او اتنين ..
ابتسمت والدته تتدخل سريعًا في الحوار محاولة أن تقنع الباقيين بالحديث بعدما ظهرت علامات الرفض واضحة :
_ أنا العفش بتاعي والله زي الجديد لاني بحافظ عليه، وليكم عليا اشتري ليها اوضة نوم جديدة يا ستي وكده كده هما في الشقة معايا لغاية ما يسافروا بالسلامة، واهي الفلوس اللي نوفرها من العفش هما اولى بيها، وبعدين يا خويا أنت عارف اللي فيها، الفلوس بتاعته كلها شغالة برا .
نظر والد روضة لابنته لا يدري ما يقول، هو منذ البداية كان أول الداعمين لتلك الزيجة، لأمور تخصه لكن مع مرور الوقت ورؤية ما يحدث مع ابنته وشقيقه بدا مترددًا بعض الشيء، لكن ابنته هي من أصرت على الأمر وتحب ابن شقيقته وهو يفعل المثل، لذلك لم يرد أن يصبح هو شرير الحكاية لذلك تنهد وقال :
_ مش انا اللي هعيش معاكم، روضة اللي هتعيش وهي اللي ليها الحق تقبل أو ترفض .
اعترضت زوجته سريعًا رافضة أي تنازل من جهتهم، يكفيهم كل ما حدث سابقًا من تنازلات :
_ أنت بتقول ايه يا ....
قاطعها زوجها بنظرة صارمة، ليتدخل ياسر لطرق الحديد وهو ساخن يقول ببسمة :
_ ها يا ست العرايس قولتي ايه ؟! نستحمل اسبوع في شقة اهلي لغاية ما تروحي وتنوري بيتك في الامارات ولا ايه ؟؟
اطالت روضة النظر في وجهه، ثم هزت رأسها ببساطة شديد تقول بعدما تذكرت أنها بالفعل تنازلت لأجل هذا لن تأتي الآن وتتوقف، تنازلت وتنازلت حتى أصبحت لا تملك المزيد لتفعل، لتننازل القليل بعد حتى تنعم في النهاية بكل ما ارادته..
تنهدت بتعب وريبة وشعور بالاختناق وقتل فرحتها :
_ تمام يا ياسر موافقة .
ابتسم ياسر بسعادة وهو يردد :
_ مش هتندمي ابدا يا ست البنات، ما تسمعينا زغروطة يا ما ..
اخذت والدته تطلق الزغاريد العالية تحت نظرات مستسلمة من الاب ورافضة من الام، لكن أمام رغبة ابنتهما وسعادتها تسقط نظراتهم ويتلاشى رفضهم ...
_________________
كان ما يزال يتقلب في فراشه كمن ينام على جمر مشتعل، لا يستطيع النوم دون أن يطمئن عليها، يود الاطمئنان فقط، سماع صوتها أنها بخير.
حمل الهاتف واطال التحديق به قبل أن يقرر أخيرًا الاتصال بها وليحدث ما يحدث، لا يدري ما يحدث له منذ أيام، فجأة شعر بالراحة تجاه افكار، ومن بعد تلك الراحة تدافعت داخله العديد من المشاعر الأخرى والتي تخص بدورها افكار، كالمسؤولية والحنان والقلق عليها، وكأنه كان يمنع كل تلك المشاعر بسد وبمجرد أن رفع رايته البيضاء لها أنهار ذلك السد محدثًا فيضان مشاعر لم تستطع سدود التعقل الصغيرة منعه والتحكم به.
وضع الهاتف أعلى أذنه يهتف داخله برجاء أن تجيب، وكالعادة ثواني حتى وصل له صوتها أبح لشدة بكائها، فهي وبعد أن ادعت أمام والدتها أن ما حدث لم يؤثر بها مما جرت العادة، دخلت غرفتها تنفجر في بكاء مرير كما جرت العادة، تظهر أمامهم بمظهر صخري لا مبالي، وحين تختلي بنفسها تتذكر كم هي ضعيفة بائسة .
خرج صوتها به نبرة بكاء واضحة :
_ الو...
ابتسم داوود بحنان يردد :
_ تعرفي أنا ترددت كتير اني اكلمك في الوقت ده ..
مسحت افكار دموعها من الجانب الآخر تقول بتقرير :
_ اكيد عشان الوقت متاخر والموقف الزفت اللي حصل ..
وصلتها اجابة داوود والذي أراد أن يزيح القليل من حزنها جانبًا :
_ لا عشان آخر مرة عملت نفس الموقف ندمتيني عليه يومين كاملين .
فجأة وصل له عبر سماعات الهاتف صوت ضحكات صاخبة من فم افكار التي قالت مجففة دموعها :
_ ما هو أنت اللي غريب اساسا، يعني ايه تتصل بيا في نص الليل تقولي عايز السكر ؟؟ يعني هي كوباية الشاي هي اللي احيتك ؟!
صمت داوود يتنفس بشكل ملحوظ لها وصوت مرتفع قبل أن يقول :
_ عايزة الحق ؟؟ أنا اساسا وقتها مكنتش عايز شاي، خدي الكبيرة أنا اساسا مليش في الشاي، أنا بس كنت متصل عشان اعتذر منك بس محبتش ابقى مقفوش اوي فجبتها في الشاي .
ابتسمت افكار من الجانب الآخر تردد بهدوء وقد بدأت تندمج معه في الحديث :
_ عايز الحق؟؟ كان واضح على فكرة أنك مش متصل عشان الشاي وانا مرضتش ابينلك عشان متحسش أنك مقفوش اوي ..
اتسعت عين داوود قبل أن ترتسم بسمة على فمه :
_ بجد والله ؟؟
_ بجد والله .
_ طب بعد كده فكريني محورش كتير طالما هتقفش .
ضحكت افكار بسعادة لكلماته الهادئة والرقيقة، ودون أن يشعر ايًا منهما قضيا ليلة في الحديث دون وعي لا للزمان أو المكان ..
وفي النهاية تحدث داوود بجدية :
_ افكار مش عايزك تزعلي من اي حاجة، لا من اخوكِ أو من أي حد، صدقيني أنا والله هعمل كل اللي اقدر عليه عشان اخلي الفرح يخرج بالشكل اللي عايزينه، أنتِ بس اي شيء يتقال قدامك متحرقيش دمك عليه وخليه يعدي، وانا هتصرف اتفقنا ؟؟
همهت افكار بخجل شديد ثم قالت تخرج ما يعتمر صدرها من أفكار وشكوك :
_ أنا حاسة بجد أن الموضوع بيتقل اكتر عليك و...
ولم تكد تكمل كلماتها حتى قاطعها هو بجدية ونبرة حادة بعض الشيء :
_ افكار أنا مش بقول كده عشان تحسي نفسك تقيلة او غيره، أنتِ باذن الله قريب جدا هتكوني زوجتي فاوعي تفكري في يوم أنك بتتقلي عليا أو بتعملي شيء بيزهقني، أنا كل خطوة بخطيها في الموضوع ده بكون متحمس ليها وسعيد بيها .
ابتسمت افكار بخجل وصوته يصل لها هادئًا :
_ واضح ؟؟
_ واضح .
ابتسم ثم قال كي ينهي ذلك الاتصال مخافة أن يطول بينهما الحديث، فهو اتصل لغرض وحققه، تنفس بهدوء يقول :
_ طيب يا افكار روحي نامي يلا ومتزعليش من حاجة. .
ابتسمت افكار وودت لو تخبره أن وجوده يلغي كل حزن داخلها، لكن كل ما خرج منها هو :
_ حاضر ..تصبح على خير.
_ وأنتِ من أهل الخير، سلام عليكم .
اغلق المكالمة يتنهد واخيرًا براحة يمنح عيونه البطاقة الخضراء كي تسقط في النوم بعدما اطمئن عليها.
وعلى الجانب الآخر كانت افكار عكسه تمامًا فالسعادة داخل صدرها منعتها لذة النوم، لكنها أبدًا لم تكن متهكمة، بل كانت وللمرة الأولى في حياتها ....راضية .
____________
في اليوم التالي..
وتنفيذًا لوعوده لها جاء داوود اليوم طالبًا أن يأخذ أفكار معه من أجل أمر هام وحينما سألته أفكار ووالدتها عن الأمر أخبرهما بأنها مفاجأة.
ووافقت سكر على مضض وهي تقف أمام باب الشقة تودعهما قائلة بصرامة:
_خلي بالك على نفسك يا أفكار، وأنتَ يا داوود يا ابني بلاش تعملنا مشكلة زي المرة اللي فاتت وبعدين أحنا عيلة محافظة ياريت ترجعها الساعة ١٢ لو بعد كده هيحصل مشكلة كبيرة.
ضيق داوود عيناه وتحدث ساخرًا:
_عيلة محافظة وعايزاني أرجعها ١٢ أومال لو مكنتوش عيلة محافظة بقى يا سكر ؟؟
ضحكت بتوتر ثم قالت محاولة أن تتفادى أي كارثة على وشك الحدوث، كشجار جديد ينضم إلى قائمة الشجارات الطويلة بينهما:
_بتهزر معاك يا داوود ماما بتحب تهزر مع اللي بتحبهم..
مالت عليها سكر وهي تقول بنبرة هامسة:
_بحبه أيه؟! هو علشان شكرت فيه مرة أبقى بحبه أيه الدم السم ده؟؟
سمعها داوود ولكنه أردف ببشاشة متجاهلًا حديثها:
_يلا يا أفكار علشان منتأخرش..
___________
أمام مركز تعليمي أصطف داوود بسيارته..
وطلب منها أن تهبط هي الأخرى لمحت اللافتة الكبيرة العريضة للمركز ولكنها أخبرت ذاتها بأنه فقط سيصطف سيارته هنا، ثم سيأخذها إلى مكان أخر وصراحة لم تستطع أن تكبح فضولها أكثر من ذلك..
_هو أيه بقا المفاجأة وأنتَ جايبني فين ممكن افهم؟!.
تحدث داوود وهو يشير على اللافتة مفجرًا القنبلة:
_جايبك هنا.
مركز تعليمي..
مركز تعليمي..
مركز تعليمي...
أخذت تقرأ اللافتة الذي أشار عليها أكثر من مرة ظنًا منها بأنها قد أخطأت في القراءة.
تحدثت أفكار ساخرة:
_هو دي الكاميرا الخفية ياخويا ولا أيه في يومك ده جايبني سنتر هو أنا جاية أخد درس؟!.
تمتم داوود بعد أن هز رأسه نافيًا:
_لا النهاردة مفيش دروس ده مجرد تحديد مستوى.
نظرت له بعدم فهم ثم قالت:
_يطلع أيه تحديد المستوى ده؟! مش فهماك..
تحدثت داوود موضحًا:
_صاحب بابا الله يرحمه..
قاطعته أفكار قبل أن يستكمل حديثه:
_ربنا يرحمه ويبشبش الطوبة اللي تحت رأسه قادر يا كريم.
غمغم داوود في نبرة هادئة:
_المهم يعني السنتر ده بتاع صاحبه مدرس لغة عربية وابنه مدرس إنجليزي وأنا كلمتهم عنك وقولتلهم يعملولك قياس مستوى بسيط علشان يعرفوا يبدوأ معاكِ من فين، علشان لما نقدملك على المدرسة يكون مخك شغال لأن عدى كتير أوي وننعشه .
رمقته أفكار باستخفاف وهي تغمغم في استنكار وتكبر شديد :
_يكون مخي شغال؟! أنتَ غلبان أوي بجد، أنتَ متعرفش مخي، ده أنا مخي يوزن بلد بحالها مش بالعلام هو، وبعدين ده أنا فاكرة كل حاجة كأنها امبارح .
صمتت تلوي ثغرها بحنق وسخرية من ذاتها :
_ ده انا قولت عازمني على الغدا أو رايحين كافية أو رايحين أي مكان حلو ولبست الحتة اللي على الحبل وأنتَ تقولي قياس مستوى مكنش العشم يا داوود .
نظر لها داوود ثم تنهد يقول بهدوء شديد :
_ افكار عشان نكون على نور بس، أنا كل اللي بعمله وهعمله عشانك وعشان نفسك، عشان لما يعدي ليكِ العمر متحسيش إن حاجة فاتتك، أو أنك اتاخد منك كل فرصك أنك تعيشي زي ما أنتِ عايزة، عايزك تحسني حياتك عشان نفسك، أنا والله العظيم وحلفان اتحاسب عليه لا هاممني تعليمك ولا غيره، اصل مش همشي بشهادتك في الشارع، أنا بس بعمل كده عشان افكار وبس .
ابتسم يكمل :
_ عشان افكار تكون فخورة بأفكار.
تنهد بصوت مرتفع ثم تحدث في رجاء:
_اوعدك بعد الامتحان هاخدك نروح المطعم اللي تشاوري عليه وأغديكِ وأعمل ليكِ اللي أنتَ تعوزيه بس نطلع علشان أحنا أصلا اتأخرنا على الراجل.
ابتسمت له بسمة واسعة وقد تحمست للأمر:
_إذا كان كده من عنيا امتحن وهشرفك ده أنا هجيب امتياز استنى عليا بس...
بعد وقت صعد فيه داوود هو وأفكار إلى الأعلى وقابلوا ذلك الرجل الذي تحدث عنه داوود والذي كان صديق لوالده.
ترك أفكار في غرفة بمفردها تنهي الإجابة على الأوراق المتواجدة أمامها وبعد أن أنتهت أعطت الورقة للرجل ليقوم بتصحيحها ..
مرت دقائق وهي تراقب ملامح المعلم الذي كان يراجع اجابتها بملامح غير مفسرة، وهي تنتظر، واخيرًا نهض ليعطيها إياها.
تلقفت أفكار الاوراق بين يديها بلهفة، متسعة الأعين ، على وشك أن تخرج "زغرودة" منها، ولكنها تمالكت نفسها بصعوبة وهي تخرج لداوود مبتسمة الفاه، ليسارع هو لها يردد:
_ها عملتي أيه؟!.
تمتمت أفكار والورقة بين يديها بتفاخر:
_قولتلك معايا اعدادية، اعدادية يا ابني وكنت دخلت الدبلوم بس مكملتش وأنتَ بتسأل عملت أيه؟! عيب عليك بتقل مني والله يا داوود، وبأخد على خاطري منك.
تحدث داوود بحماس لا يستطيع تحمل لهفته :
_قولي جبتي كام؟!!!!..
هتفت أفكار بكل فخر واعتزاز:
_ستة.
رمقها بعدم استيعاب، ثم غمغم داوود في نبرة عادية:
_الساعة لسه مجتش ستة، متقلقيش مش هنتأخر...
قاطعته أفكار متهكمة:
_جبت ستة، ساعة ايه اللي بتتكلم عنها؟؟
أتسعت أعين داوود بذهول إذا حصلت على تلك العلامة كيف لها أن تخرج بتلك الابتسامة؟!..
_أنتِ بتهزري صح؟!
هزت أفكار رأسها نافية ثم أستطردت:
_لا مش بهزر جبت ستة من ثلاثين أينعم الراجل كان جايبلي خمس ورقات معرفش أيه دا كله يعني؟!! بس انا شرفتك.
_ستة من ثلاثين وتقولي شرفتيني؟!!!..
هتفت أفكار بتعالي:
_جرا أيه يا داوود مالها الستة من ثلاثين ده أحمد ربنا أنا مكنتش محضرة ولا مذاكرة دي كلها معلومات بحاول استحضرها من سنين، بالك أنتَ لو كنت عرفتني كنت استحضرت المعلومات كلها وجبت الدرجة النهائية .
_أيه هتعملي ليها زار وتجبيها ولا أيه؟!.
_أنتَ بتقول فيها.
أردف داوود بحسرة يضع يده أعلى رأسه:
_العوض على الله.
خرج صديق والده ويعطيه الورقة الخاصة بالدرجات وتوزيعها وكل ما يخصها، ويتحدث في نبرة جادة:
_جابت خمسة ونص من ثلاثين.
رمقها داوود في ذهول وهو يرى النتيجة الموضوعة على الورقة وبعد ان استمع لكلمات الرجل وقال مستنكرًا:
_مش قولتي جايبة ستة يا أفكار ؟؟
ردت أفكار بتلقائية شديدة:
_ انا قولت النص بيترفع..
ثم وجهت حديثها للرجل:
_هو النص مش بيترفع ولا ايه هنا يا مستر؟؟؟؟؟؟؟؟
