أخر الاخبار

رواية حكاية زهرة الفصل العاشر10 بقلم حكاوي مسائية


 رواية حكاية زهرة الفصل العاشر10 بقلم حكاوي مسائية


أعدت رشيدة وليمة كما ينبغي لها ولأصلهاوذوقها ،خطوبة ابنتها رغم ظروفها وملابساتها يجب ان تكون بمستوى حبها لوحيدتها، لايهم غرض غانم ولا سبب العامري ،المهم هو ان تبقى لزهرتها ذكرى جميلة عن هذه الليلة .
جاء غانم اولا ،حريص على ان يكون باستقبال العريس وابيه ،ولكن نظرة تفاهم خبيثة بين بيتر وإيزا ،جعلت زهرة تبتسم ،تعلم أن إيزا تحقد على غانم اكثر من ضحيته . غانم سيكون هو كبش فداء ااذي سيدفع ضريبة حسن زوجها الخائن ،ولن تدع فرصة تمر دون ان تقرص اذنه.
اجلسته بصدر الصالون، ولما رن الجرس كانت رشيدة وبيتر الاقرب الى الباب،بينما امسكت هي بيده تكلمه حتى لايتقدم ليرحب بالوافدين. 
فتح بيتر ومد يده مصافحا ومرحبا ،سلمت رشيدة على احمد وعانقت غيثة ثم انحنت تعانق سعد ،رغم ابتسامتها رأى الدموع بعينيها ،عرف انها حزينة عليه ،يعلم أنها تحبه كما احبت والدته واعتبرتها اختا لها .
مد بصره خلفها يبحث عن زهرة ،ولكنه رأى وجها لا يحبه ،رأى غانم يقف ليسلم على ابيه ،بينما ترحب إيزا بغيثة.
وضعت رشيدة باقة الورد الكبيرة على طاولة جانبية وحولها وضعت هدايا العريس وعلبة الشوكولا. 
جلسوا يتبادلون الترحاب والتحية ،وقدمت رشيدة الضيافة المغربية الشهيرة :الشاي والحلويات.
وجه نظرة الى ابيه يحثه على الحديث
-موضوع زيارتنا معلوم لكم ،نحن هنا اليوم لنعرف جوابكم .
-وهل يمكن أن نرفض لك طلبا يا صديقي .
-يبقى رأي أم العروس والعروس نفسها .
-وهما موافقتان، يبقى أن نتفق على المهر والهدايا كما تعرف سيد أحمد. 
كان يسبق الى الكلام ناظرا الى رشيدة التي كانت تبتسم بلا مبالاة،عُرِف سببها بدخول العروس.
تقدمت بفستانها الاخضر القاتم الذي ابرز لون عيونها الزيتوني،وبشرتها البيضاء، بقصته،أظهر نحافة جسمها،  فبدت كالطفلة، لولا مشيتها الأنيقة بكعبها العالي. 
جعلت نصف شعرها جديلة ملقاة على بساط النصف الآخر ،فظهرت استدارة وجهها كالبدر ،لاحظ انها لم تضع زينة ،لا كحل ولا احمر شفاه .
جلست بعيدة عنهم ،بحيث تراهم جميعا دون ان تضطر للاتفات لأحد دون الآخرين ،لم تسلم، ولا تبتسم، دخلت متهادية وهي ترد على كلام أبيها
-ومن قال أنني أريد مهرا أو هدايا،إلا منك سيد غانم ،أين هديتي ؟
توجهت إليها كل الأنظار متعجبة قبل أن تتحول عنها اليه ،وقف يخرج علبة من جيبه ليقدم السوار لزهرة 
-هذه هديتي كما وعدتك .
-بل كما اشترطت عليك .
عرف سعد وابوه السوار ،فطالما رأياه بمعصم رشيدة .
-تفضلي ماما ،سوار جدتي هدية جدي لها اليس كذلك؟
كانت تكلمها وهي تضع السوار بمعصم والدتها ،ثم عادت إلى مجلسها .
-نعود إلى موضوعنا ،انا اقبل سعد زوجا  ،سيكون مهري هو المحبس الذي سيضعه باصبعي فقط .
-ولكن يابنتي ،لا يليق بزوجة سعد ابني أن تتزوج دون مهر او هدايا .
-المهر المفروض حددته في ثمن المحبس ،اما الهدايا فهي عرف اتخلى عنه،سعد صديق طفولتي اعرف قيمته كما يعرف قيمتي ،جاء يطلبني زوجة لا ليشتري جارية اليس كذلك سعد ؟
ابتسم ساخرا
-لم اعد سعد صديق طفولتك ،كما ترين انا اليوم نصف رجل ،من حقك ان تشترطي مهرا وهدايا وحتى ما تضمني به مستقبلك، او يمكنك ان ترفضيني ولن يلومك أحد .
-وما الذي يضمن مستقبلي برأيك ؟
-لا أدري ،انت من تقررين حسب احتياجاتك او اهدافك. 
-وانا لا أريد منك شيء ،أستطيع أن ابني مستقبلي بيدي ،إلا إذا كنت مجبرا على الزواج وتبحث عن سبب او مخرج.
نظرت له بمكر وتحدي. 
تبعثرت افكاره ،كل الكلام الذي هيأه ليثير حفيظتها او يحرج به اسرتها ذهب أدراج رياح عاصفة كلامها ،لم تترك له مجالا ليجادل او يجاحد، لا تريد مهرا ولا تطمع بمال ،وتقبله كما هو .
بقي له منفذ واحد 
-كما ترين ،بعد الحادثة شُل نصفي ،وأصبحت عاجزا ونادرا ما اشتغل،طبعا والدي يدير شركته ،ولن يبخل علي براتبي، ولكن...
-وهل تظنني عشت هذه السنوات بين القصور ،والفيلات،لقد عملت لأستطيع اتمام دراستي ،كأنك لا تذكر انك رأيتني من مدة سعد ؟
حرك كرسيه ليقترب منها اكثر ،نعم إنها هي ،لقد ازدادت نحافة ،ولكنها هي تلك الطاهية ببريطانيا.
-انت؟
-نعم انا .
-ولكن ما الذي اجبرك على العمل وامك وابوك من الأغنياء .
نظرت إلى والده
-يبدو أن عمي لم يخبرك بأسباب هجرتنا القسرية. لا يهم ،المهم أننا عدنا الآن ،والأهم أنني أقبل خطبتك. 
هتف غانم 
-زغرودة يا أم العروس.
نظرت إليه رشيدة شذرا ،فأنقذت إيزا الموقف بإطلاق زغرودة أمازيغية أصيلة .
بعد وجبة العشاء ،غادر الضيوف لتسرع زهرة بعد وداعهم نحو غرفتها تستفرغ بالحمام وتستلقي على فراشها تحملق بالسقف والدموع تنساب من مقلتيها حارقة.
على عتبة البيت أمسك غانم يد إيزا بين يديه:
-أشكرك لأنك اعتنيتِ بابنتي،لابد أنك سيدة نبيلة ،وأطمع أن أراك ثانية .
ابتسمت له بلاهة 
-بكل سرور سيد..
-غانم ،غانم فقط 
-بكل سرور غانم .قد أحتاجك لإدارة ممتلاكاتي هنا بالوطن 
-سأجد لك مديرا لأملاكك،أنا فقط أريد رؤيتك لو تسمحين .
ابتسمت له تهز رأسها بالموافقة ،لثم ظهر كفها وغادر .
(غبية كصديقتك ،جزاءك أن أفعل بك ما فعلت بها )
بينما أغلقت هي الباب وهي تفكر (الغبي يا عزيزي من يظن الناس اغبياء ،وانا تعلمت الدرس من ثعلب محترف) 

توجه الى غرفة المكتب 
-ألن تدخل غرفتك لتنام؟
-ليس قبل أن تحكي لي قصة زهرة وأمها.
تبعه والده بعد ان تمنى ليلة سعيدة لابنته 
-ماذا تريد أن تعرف ؟
-أولا لماذا اخفيت عني سبب هجرتها، وأين كانت 
-لم يكن من حقي أن احكي لك او لغيرك ،حياة رشيدة وزهرة ملك لهما ،ليست ملكي لأكلمك عنها ،اما وقد سمحت ان تعرف فسأحكي لك .
بعد وقت هين 
-غانم !غانم احتال على ابنة عمه ،و فوق ذلك حكم عليها بالغربة ،رضي لابنته أن تعيش الفقر وهو يتنعم بمال امها؟واليوم يعطي نفسه حق الاب ليزوجها كما يريد ولمن يشاء.
-ولكنها ألجمته، جعلته طيفا غير مرئي لا رأي له.
-هل تشك في اسباب قبولها ؟ربما كل ذلك كان مسرحية وهدفها أكبر من المهر او تفاهات الهدايا ،قد يكون هدفها ان تصبح زوجة المقعد الثري لتتحكم هي في كل شيء ،غدر ابيها بأمها وسنوات الفقر كفيلة بتكوين شخصية انتقامية، ألا تظن ؟
-لا تشغل بالك بهذا الآن ،مهما كانت أهدافها ،فانت أذكى من أن تقع بفخها،دع الأيام تسقط الأقنعة ،توقع الخير كما تنتظر السوء.
دخل غرفته يغلق الباب بالمفتاح ليقف أخيرا .
(هي،نعم هي التي اخذت مكان سارة في ذاكرتي ،اختلطت صورتها بذكرى تلك الليلة ،إعجابي بها جعل عقلي يهيء لي انها كانت هي بفراشي .هوسي بزهرة ،دعائي ان تكون لي ولا يلمسها أحد غيري جعل قلبي قبل عقلي يحلم بها .)
فتح الخزانة ،مد يده خلف قمصانه الكثيرة ليخرج القميص القطني ،وضعه على انفه (وكيف وصل عطرها إلي ،يا إلهي ،اكاد اجن )
استلقى يروم النوم والقميص بيده ،هذه المرة ،رآها تغمض عينيها والدموع تخرج منهما ،ثم تفتحهما ليظهر لونهما الاخضر الجميل ،أفاق لاهثا ينظر إلى القميص بيده .
نامت زهرة تفكر به وتستعيد تفاصيل وجهه ،صوته سمعته من قبل ،سمعته يكلمها بالعربية ،ولكن أين ،بالمطعم كلمها بالإنجليزية لأنه ظنها من هناك ،متى سمعته يحدثها بلسانها. 
مر اسبوع قبل أن يعود العامري ليكلم زهرة ورشيدة عن العرس والعقد .
-لا أريد حفلا كبيرا ،أكتفي بحفلة يحضرها المقربون يوم عقد القران .
بكت رشيدة 
-لماذا يا زهرة ؟دعيني أفرح بك زهرتي .
-ستفرحين لأنني سأكون سعيدة ،ثم من سيكون معنا في عرس كبير ،ليس لنا سوى زوزو وبيتر ،لماذا تريدين حفلا نكون فيه أغرابا؟ 
نكس العامري رأسه حزنا على هاته الصبية .
-لا عليك يا ام العروس ،المهم ان تكون سعيدة ،ولا اخفيك أن سعد من رأيها ،تعلمين ...بسبب حالته.
قبل يوم عقد القران ،هاتفت أباها 
-تأتي واوراق ملكية الارض بيدك ،وإلا سأجد ألف عذر لألغي الزفاف.
طبعا ،لن أخلف وعدي ،ولكنني سأطالبك بتعويض وإلا سترين الوجه الآخر 
-أعرفه ،ومتأكدة انك تسجل كلامي لتبتزني به ،انا اكثر من يعرفك.
يبقى أن تتذكر المجوهرات ،هدية زفافي ،كلها، وانا أعرفها جيدا.
أغلق الخط بوجهها يلعنها ويلعن احتياجه لها ،ويلعن أكثر تشبث زوجته بالمجوهرات 
-سأشتري لك غيرها بل وأثمن منها 
-وانا لا أريد غيرها ،اريد أن احرق قلب رشيدة عليها .
-رشيدة لا تهتم للمجوهرات ،ليست مثلك ،رشيدة تربت وسط حلي امها وجدتها،لم يعد للذهب قيمة عندها 
-فلماذا تريدها إذن ؟
-ليست هي بل زهرة .وانا أهادنها كما فعلت بأمها لأستفيد من وراءها. 
-امض لي شيكا بقيمة المجوهرات ،اشتريها مني .
٠-ماذااااا؟ اشتريها منك ،وهل جئت بها من بيت أبيك ،هات العلبة لا ينقص منها خاتم ،وإلا طلقتك  ورددت رشيدة،على الأقل أضمن ولاء زهرة .
تعرف زوجها ،وتعرف انه لا عزيز له غير المال ،ورغم كل مكرها وحيلها لم تستطع أن تقنعه ليكتب شيء باسمها.
أذعنت له صاغرة،ومثل كل مرة تتوعد له وهي تعلم أنها لا تطال منه إلا ما يريده. 
صوت الموسيقى الأندلسية يصدح بالبيت العتيق،العروس فضلت اللون الأخضر لقفطانها الوحيد ،لم تدخل بالهودج ولا غيرت لأكثر من لباس كعادة العروس المغربية ،رضيت ان تمد يدها لنقش الحناء على مضض ،جاء العريس وسط والده واخته يتبعهما صديقه رضى وسارة .
نظرت إليها زهرة فعرفتها بينما احتاجت سارة وقتا لتتبين ملامحها تحت زينة العروس .دق قلبها بعنف ،كيف تكون هي ،لو لمسها سعد واعترفت له بتلك الليلة سيعلم انها خدعته.(ثم كيف تكون بريطانية واسمها زارا وهي الآن هنا تتزوج من سعد إرضاء لأمه ؟كم انا غبية !إنها هي زهرة،كيف من بين نساء العالم اختارها هي لتكون بديلتي بفراشه!!.)
لاحظ رضى تغير لونها فعزى ذلك الى الغيرة ،تقدم سعد من العروس ،قبل جبينها فتخضبت وجنتاها بحمرة الخجل،تعجب لها(كيف لفتاة عاشت بأوروبا التحرر،وقد تكون مدمنة مخدرات كما يظن والده ،او قد تكون عرفت شبابا بعدد سنوات دراستها ،كيف تخجل من قبلة على الجبين). 
البسها محبسا وزاد عليه خاتما بفص ماسي،ثم سوارا  شبيها بالخاتم وهمس بشبه ابتسامة 
-الخاتم من غيثة والسوار من أبي ،لا داع لترفضي .
لم تجبه ،عقلها مشغول بالأهم ،ماذا بعد الحفل .
أمضت على العقد فتقدم غانم بعلبة المجوهرات 
-هذه هدية زفافك .
تعجب سعد ،كيف يلقي بها الى بحر الحياة وهي طفلة ،وكيف يهديها ثروة وقد أصبحت في غنى عنها .
نظرتها الساخرة لأبيها انبأته ان بالأمر سرا ،سيعرفه.
مدت العلبة لوالدتها وقبلتها 
-مبروك عليك ماما .
زاغت عين غانم مع الصندوق الصغير الذي انتقل الى يد بيتر.
يود لو انه يخنقه ويمسح تلك الابتسامة الساخرة عن وجهه .
همست لوالدتها.
-تعللي بأي شيء لنغادر، لابد أن سعد تعب ويحتاج الراحة.
فعلا ،توجهت رشيدة الى الحاضرين مبتسمة .
-بيتر سيأخذ العروسين الى مخدعهما ،ونحن نستمر بسهرتنا معا .
تطوعت إيزا لترافق بيتر حتى أدخلا العروسين الى بهو الفيلا حيث تمنيا لهما السعادة،قبل ان يتركاهما.
عادت مع بيتر الى الحفل البسيط ،حدثته عن رغبة غانم في القرب منها ،وكيف أسالت لعابه بالحديث عن ثروة وهمية ،فهي لا تملك إلا ذاك البيت وتنوي أن تتخلى عنه لزهرة .
ضحك بيتر 
-تظاهري أنك تصدقينه ،وتثقين به ،لن تأخذي منه شيءً،ولكنك يمكن أن تنتقمي لرشيدة.
-كيف ؟
-تقربي منه ،سيعرض عليك الزواج ،اشترطي أن يطلق زوجته ويخرجها من فيلا رشيدة .
سيقبل متوهما انه سيلعب عليك لعبته على صديقتك . 

نظرت زهرة الى سعد
-نحن وحدنا الآن لا داع للتمثيل. 
ظن لوهله انها تتكلم عن ادعاءه العجز ،ولكنها أكملت 
-اعرف انك تنفذ وصية امك ورغبة ابيك،لا رغبتك انت ،كما أنني رأيتك كما تعلم مع الفتاة التي حضرت الحفل معك ،ولهذا سأسهل عليك الأمر ،زواجنا سيبقى حبرا على ورق ،حتى تقرر انت انهاءه .
-وستبقين معي حتى أقرر ،أليس لك مشاريع أخرى .
-مثل ماذا؟
-حبيب ينتظرك مثلا 
-سينتظر حتى أعود إليه لا تهتم انت .فكر فقط كيف تقنع والدك بفشل زواجنا و أن فتاتك انسب لك.
-والدي لم يجبرني عليك ،أما عن رغبة المرحومة امي فقد تركت لك أمر الرفض فلماذا لم ترفضي ؟
-لأنني لم أعلم بهذا ،وإلا كنت سهلت عليك الأمر .
-وهل قبلت الزواج فقط لتساعديني ،أليس لك أي أهداف من وراءه .
-بلى ،ولكنها لا تخصك ،وبما اننا وضعنا النقط على الحروف ،أريد أن اعرف أين سأنام .
-غرفتي هناك ،تفهمين السبب طبعا ،وانك ستشاركينني فيها حتى لا نثير الفضول .
-كما تريد .
سبقته الى الغرفة ،تحمل حقيبتها الصغيرة ،دخلت الحمام ،وبعد ساعة خرجت وقد عادت طفلة صغيرة ،بدون زينة ترتدي منامة وردية عليها رسوم طفولية. 
-اظنك لا تحتاج مساعدتي ؟
-وإن احتجتها ؟سأل وعلى ثغره ابتسامة خبيثة لم تفتها
-ناد علي ،اعتبرني كأختك غيثة .

بعد ان استحم وغير ،عاد إلى كرسيه ،وخرج من الحمام ،لم يجدها بالغرفة ،ولاحظ اختفاء مخدة وغطاء من على السرير،ظنها قصدت اريكة بالصالون 
فكر انها ستعود لما يقرصها البرد او تتأكد انه نام .

احس دفء الشمس على وجهه ، لا يريد أن يخرج من حلمه ولكن صوتا قادما من الحمام جعله يستيقظ ،صوتها وهي تتقيأ ،جلس على الكرسي وتوجه الى الباب يدفعه بيده ليراها تجلس على الارض واهنة، شحوب وجهها وسرعة تنفسها اقلقه فسألها 
-هل استدعي الطبيب.ربما أكلت شيء لا يلائم معدتك .
-انا بخير ،لا تقلق .
قامت تغسل وجهها قبل ان تتجاوزه لتخرج من الحمام .تتبَّعها بنظره وهي تمر قرب الفراش ثم تتمدد على الارض ،تحرك بالكرسي ليلتف حول السرير ،ويراها تفترش الغطاء وتنام .
-هل نمت هنا ؟
-وهل يهمك اين انام ؟
-لا تردي على سؤالي بسؤال ،اجيبيني!
-نعم نمت هنا ،ولا اريد جدالا لو سمحت ،اريد أن انام.
وضعت ذراعها على عينيها تستعد للنوم. 
-قووومي من هناك ونامي على الفراش. 
صاح بها ،لتضع كفيها على أذنيها 
-شششش،صراخك يؤلمني ،عندي صداع من ليلة أمس، لا تزده علي .
خرج الى البهو يرفع صوته مناديا 
-غيثة ،يا غيثة ،تعالي ارجوك .
نزلت مسرعة تفرك عينيها بيدها 
-مابك اخي ،هل زهرة بخير .
-هات مسكنا للصداع لزهرة .
سمعتها فقامت الى الفراش وتمددت عليه .
دخلت غيثة تحمل الماء والمسكن 
-صباح الخير زهرة .
-صباح الخير .
لم تستطع أن تفتح عينيها من الألم 
-خذي هذا المسكن وعودي الى النوم، ساغلق النافذة لأحجب الضوء، نامي اختي ،نامي. 
اختي، لم تسمعها من آخر زيارة لأخيها سعد، نزلت دمعة حزينة من عينها وتنهدت قبل أن تستسلم للنوم. 
دخل بهدوء، توقف ينظر اليها ،لم تتغير ملامحها كثيرا، فقدت اكتناز وجنتيها بسبب نحافتها، كما طال شعرها كثيرا وأصبح غامقا عما يذكره .
خرج لما سمع والده 
-صباح الخير .
-صباح الخير ،مابها زهرة ؟
-لاشيء ،صداع بسبب السهر .
-لابأس عليها .لا تنس أن تأمر الخادمة أن تعد لكما إفطارا مميزا .
-انا امرت به ،بل وساعدت في تحضيره ،ألست اخت العريس .
-قبل ابوها جبينها 
-بوركت حبيبتي .
-لو سمحت ابي ،اريد اريكة بغرفتي .
-حاضر ،ستكون عندك بعد الظهر ،اختر الشكل الذي تريد او دع اختيارها لزهرة وانا سأطلبها لتكون عندك اليوم .
-شكرا ،لولا عجزي كنت تصرفت بنفسي ،اعتذر لأنني اثقل عليك 
عانقه بحب 
-اثقل علي كما تشاء ،المهم ان اراك سعيدا .
دخلت رشيدة لتعقب 
-وكيف لسعد ألا يسعد !
-يكفي انه بات بحضن زوزو .
قالت إيزا ضاحكة ،بينما دخل بيتر يحمل علبة حلوى ،يتبعه شابان بعلب اخرى يظهر ان بها اكلا.
-لم احضر فطور العروس كما يجب فطلبته جاهزا ،تعالي معي يا غيثة نجهز المائدة ،وانت يا سعد ،اذهب لتوقظ عروسك. 
-دعيها يا امي ،عندها صداع ،اخذت له مسكنا ونامت .
-صداع ،هل يمكن أن اعرف أي مسكن اخذت .
بحكم تخصصها تعرف المسكنات التي تؤثر على الحمل في شهوره الأولى ،ولهذا قلقت عليها 
مدت غيثة علبة الدواء لإيزا التي تنهدت بارتياح 
-لابأس ،ايقظها لتأكل ولو قليلا ،ثم تعود لتستريح .
مر اسبوع فآخر، رفض سعد اقتراح والده بالسفر لشهر العسل متعللا بحالته ،ولم تعلق زهرة على رفضه،
كانت تدخل كل صباح الى الحمام بالردهة ،لا تريده أن يراها تتقيأ كل يوم ،سيشك وربما يتأكد انها حامل ،وهي لا تريده أن يعرف ،تحمد الله أنه وافق على اقتراحها بأن يبقى زواجهما دون تنفيذ. 
اقترب موعد سفر إيزا وبيتر فذهبت زهرة اليهما 
-يعز علي أن تفارقانا، ليس لنا غيركما. 
-اهتمي بنفسك رشيدة ،واهتمي بزهرة .
-أشكرك إيزا انت وبيتر ،لا أدري كيف سأعيش بعيدا عنكما .
-البيت لك ،وعندك مدخول يكفيك وأكثر ،ضعي مجوهراتك بصندوق إيداع بالبنك لا تثقي بغانم ،كلفي من يهتم بالأرض او بيعيها وضعي ثمنها وديعة بالبنك ،المهم هو ان تبتعدي عن غانم وتهتمي بصحتك .
-سأطمئن على زهرة مع زوجها وأسافر إليك .
-سانتظرك .والآن دعيني مع زهرة سأعلمها بعض كيد النساء .
ضحكت رشيدة،تعلم أن سرا بين زهرة وصديقتها ،ولكنها لن تضغط عليهما لتعرفه، هي تثق بحكمة إيزا وتطمئن على ابنتها معها.
-هل قررت بشأن الجنين زوزو ؟
-سأحتفظ به ،رغم انه سيذكرني بليلة انكساري، لن اتخلى عنه ،لن أقسو عليه كما قسى علي والدي ،سيكون لي العوض عن سعد تاه مني وسعد ضاع مني ،لو كان صبيا سأسميه سعد .
-وماذا ستفعلين مع سعد ؟
-سعد يستغلني كما أستغله ،سأبتز به غانم ،وهو سيرضي والده وذكرى امه ويثير غيرة مساعدته ليعرف مدى حبها له .
-ومتى ستنتهي هذه المهزلة ؟
-لما تظهر بطني ويفضح سري ،سأسافر إليك لنربي سعد معا .
-المهم لا تقطعي عني اخبارك ،كلميني كثيرا حبيبتي .
تعرفين ان لك بشركة العامري أسهما ؟
-نعم ،أخبرتني ماما ،ولكنني لن اتكلم عنها ،لا أريد أن يعلم بها غانم .
-كما تشائين .
قبل أن تلج المطار قابلت غانم بمقهى على الطريق ،استراحة جميلة مترامية الأطراف على تلة بجماعة بوسكورة.
-حان موعد سفرك إذن 
-نعم ،أعمالي هناك تفرض علي وجودي لمتابعتها .
-لك أعمال هناك أيضا؟
-قضيت عمرا بغربتي ،جمعت ثروة من أبحاثي بصناعة الأدوية .
-ولماذا لم تتزوجي 
-لم أقابل الرجل المناسب قبل اليوم .
نفخ صدره كالديك البري 
-تزوجيني إيزا !
سأفكر ،لا تنس أنك متزوج مرتين ..
-الثالثة ثابثة.
-سنرى ،إلى اللقاء 
ودعت أمها أيضا ،وعادت الى فيلا العامري .
تقضي وقتها بين الحديقة والكتب ،غيثة مشغولة عنها بالتجهيز لزفافها ،والاستعداد للامتحانات الأخيرة ،سعد طول اليوم بالشركة. يدخل مساء ليجدها تنام على الاريكة او تتظاهر بالنوم لتترك له حرية التخلص من الكرسي .
لم تتعود أن تكون خامدة هكذا، يجب أن تعمل .
إعلان على مواقع التواصل عن طلب مترجم يجيد أكثر من لغة لشركة (ASGZ)
توجهت الى مقر الشركة ،سألت عن مدير الموارد البشرية، وقدمت لسكرتيرته الشابة سيرتها الذاتية (السيفي).
سمحت لها بالدخول ليستقبلها رجل أربعيني مبتسما .
-ماشاء الله ،ملفك دسم آنسة .
-شكرا سيدي ،رأيت إعلانك عن وظيفة مترجم .
-هل تجيدين كل هذه اللغات فعلا ،نعم ،الانجليزية والفرنسية ،الألمانية والروسية والتركية ،كما ترى كلها بديبلومات ،كما اجيد الإيطالية رغم أنني تعلمتها من العمل مع طاه إيطالي .
-نحتاج هذا الحين التركية والإيطالية نطقا وكتابة .
-يمكنك ان تختبرني ،قبل أن تقرر .
-لقد قررت فعلا.رئيس الشركة يحتاج فورا لترجمة من الإطالية ،يمكنك ان تبدأي غدا .
خرجت سعيدة بحصولها على الوظيفة، لم تنتبه لتلك التي حدجتها بنظرة حاقدة ،قبل ان تدخل المكتب الذي رأتها تخرج منه .
-ماذا كانت تلك الفتاة تفعل هنا ؟
-التي خرجت قبل قليل ،انها الموظفة الجديدة ،المترجمة .
-وهل وظفتها وامضت العقد ؟
-ستفعل غدا ،اول يوم لها في العمل .
-ستتصل بها وتعتذر لها ،لا اريدها هنا ،سمعت .
-ولكن الرئيس يريد مترجما وبسرعة .
-مترجما، جد له مترجما، اما تلك ،فلا.وإلا انت أدرى .
يعلم انها مساعدة رئيسه وذراعه اليمين وربما اشياء اخرى ،ولا يريد أن يخسر عمله ،فلتذهب الصغيرة بمشاكلها بعيدا عنه.
زارت امها  وتغذت معها ،قبل أن تعود إلى الفيلا ،اخذت مجلة وتمددت على الاريكة لما صدح هاتفها 
-آنسة زهرة ،انا مدير الموارد البشرية...
-نعم نعم ،أذكرك هل هناك خطب ما .
-نعتذر لك ،ولكن الرئيس عين شخصا آخر .
-شكرا لك  .
خاب أملها في استقلال مالي  ولكنها لن تيأس ،غدا ستبحث عن عمل آخر .
خرجت صباحا تجول المدينة ،مرة راجلة ومرات بسيارة أجرة. بعد أن يئست من إيجاد عمل بمؤهلها الجامعي ،جلست بمطعم تنوي أن تأخذ به وجبة الغذاء.
نظرت الى الجانب المقابل لها على الرصيف الآخر من الشارع الشهير: الزرقطوني ،لم تكن تنظر الى شيء فقط شردت وعينها ثابتة على ذاك المطعم الفخم .
-مطعم الأثرياء وحلم البسطاء .
-نظرت الى النادل الذي يكلمها، نظرة تساؤل. 
لاحظ انها لم تفهم كلامه ،فاشار بيده الى حيث كانت تنظر 
-المطعم الفخم ،حتى أنهم لم يجدوا بعد طاه بمستوى الذي غادره. 
-هل يبحثون عن طاه ؟
-لا تجربي ،فقد حاول الكثيرون قبلك ،يطلبون خبرات اجنبية .
-لابأس من المحاولة .
قالت وهي تقوم متوجهة الى هدفها تحت دهشة النادل .
لم يتردد مدير المطعم في تعيينها بعد أن عرف مؤهلاتها وخبراتها، غير انه اشترط أسبوعا تجريبيا وافقت عليه .
مر الاسبوع ،وبعده اسبوع آخر ،وتعودت على العمل بمطبخ المطعم ،تقدم لوحاتها الفنية في اطباق زاهية ،يتعجب لها الزبناء .عمل تحبه فتتقنه ،فن درسته هواية و احترفته سندا ايام دراستها ،واليوم تمارسه وظيفة تؤمن بها نفسها ،وتستغني بها عن الآخرين .
دخلت إحدى الشخصيات الهامة الى المطعم ،يبدو انه يعرف مقعده ،بل إن مستقبِله لم يكن غير المدير نفسه 
-اهلا،اهلا سيدي .
-هل وجدتم طاهيا بديلا .
-بل أفضل ،واترك لحضرتك الحكم .
-استدعه إذن ليقدم لي طبق اليوم.او طبقه المفضل .
دخل اليها 
-زهرة.بالصالة زبون مهم،من عادته ان يقدم له الطاهي طبق اليوم او يقترح عليه طبقا مناسبا ،اخرجي إليه ،إنه ينتظرك .
رسمت ابتسامة على وجهها ،وخرجت تقدم للزبون المهم عدة اختيارات بل اقترحت عليه أن يتذوق معظمها اليوم .
اخيرا اقنعته ،واستدارت لتدخل المطبخ ،حين لمحت سعد رفقة سارة.الزمن يعيد نفسه ،رفع رأسه لتلتقي اعينهما ،لم تفسر نظرته اما هو فرأى الجمود بعينيها ،رأى اللاشيء،الفراغ ،نظرة ميت لا حياة فيها .
لاحظت سارة تركيزه نحو نقطة خلفها فاستدارت ،رسمت ابتسامة وقحة على شفتيها ،قبل ان تمحوها لتتصنع الغضب 
-ماذا تفعل زوجتك هنا ؟
كيف ترضى ان تعمل نادلة بمطعم ؟
تحرك ليخرج ،فتبعته مسرعة ،كانت زهرة قد دخلت عالمها متجاهلة كل شيء.




تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close