أخر الاخبار

رواية حكاية زهرة الفصل الرابع عشر14 بقلم حكاوي مسائية


 رواية حكاية زهرة الفصل الرابع عشر14 بقلم حكاوي مسائية
 

لو نسيت المكان حيث زرعت بذورك، فالمطر سيخبرك عنها. 
استقلت سيارة أجرة ،طلبت أن يأخذها ،حسب معرفته هو ،الى أقرب مقهى من البحر 
-تريدين رؤية شاملة ام مكانا قريبا جدا .
-بل مكان قريب ،احب أن أحس برذاذ الأمواج على وجهي .
-لن تجدي مكانا كهذا ،إنما سآخذك الى عشة على الشاطئ ،هي "بلْدية"لشاب أؤكد لك نظافته ورونق فنجان القهوة من يده .
-على بركة الله ياعمي.
طالت الطريق ،ولكنها لم تتذمر،اليوم الأحد يوم عطلتها ،وتبدو المدينة  هذا الصباح كأنها ماتزال نائمة .
-المكان يستحق الصبر على الطريق إليه .
-ارجو ذلك عمي .
-من جميل حظك انك صادفتني ،النوع الآخر من سيارات الأجرة ممنوع من الوصول الى هناك .
-جميل حظي هههه.
ضحكة صغيرة،مكتومة، ساخرة ،متألمة ،جذورها أنين بالروح ،ودموع بالفؤاد.
نظر الى انعكاسها على المرآة ،تسند جبينها على زجاج النافذة ،بعينيها حزن أكبر من سنها ،بسيطة رغم أناقتها ،ما الهم الذي أثقل كاهلك صغيرتي حتى تنطفئ شعلة الحياة بعينيك؟!!!!!
لمحت من يشير إليه ليتوقف ،ولكنه تجاوزه 
-لماذا لم تتوقف عمي؟
-انا تحت أمرك وحدك آنستي .
-الأمر لله وحده ،لا ترفض رزقا ارسله الله لك ،ولا تخذل منتظرا على الطريق.
-انما يا ابنتي ،قد اتفقنا ان آخذك الى الشاطئ .
-ولو ،إن كان العابر يطلب مكانا على طريقنا ،فاقبله .
-الله ييسر امرك يا طيبة ،الظاهر أنك بنت ناس صحيح .
-هههه،بنت أمي فقط..
-الله يديمها لك.
أمنت على دعاءه ،نعم هي بنت أمها ،فمتى تعلمت من أبيها شيء غير القسوة ،وعدم الثقة ،والحذر ،إنما كل صفات أبيها في عطلة اليوم ،تتركها في سبات مادامت تستريح من الدنيا وما فيها ،ستعود زهرة ابنة امها ،بطيبتها و تسامحهاوثقتها الغبية.
اختلفت وجوه تركب جانب السائق لتنزل بعد بضعة أميال .حتى انقطع العابرون، وظهر امتداد شاطئ سيدي رحال ،شردت مع تكسر الأمواج على الشاطئ كما تتحطم أحلام الطفولة على مُرِّ الحياة ،أخرجها من شرودها صوت السائق المبتهج.
-انظري إنها هناك .
تتبعت إشارته لترى عشة من قصب ،ثلاثة جدران وسقف ،أمامها طاولة يتيمة من البلاستيك مع كرسيين .
-شكرا يا عم ،خذ رزقك ..
همت أن تودعه ولكنه قاطعها.
-انتظري ،سأوصلك الى هناك واوصي عليك محسن .
-محسن ؟
-نعم صاحب المقهى الفخم ههههه.
ضحكت 
-فخم بأهله يا عمي .
تخطو على الرمل حافية القدمين ،كما خطت على دروب الحياة حافية النفس مُشْرَعة الظهر،تتقدم نحو عشة من قصب يسبقها دليلها بفخر كأنه يقدم لها قصرا من قصور الضيافة.
-يا محسن ،جئت بضيفة أكرم نُزُلها.
--على الرحب والسعة عم محمد .
-لما تحب ان تعود هاتفني يا محسن ،اعتني بها ،الى اللقاء .
-تعال يا عم محمد ،لم تأخذ مالك .
-لن يضيع معك ابنتي ،سآخذه مساء ،استمتعي بوقتك.
-أهلا آنسة ،تشربين فنجانا من يدي ؟
-بكل ممنونية .
-هل ستقضين اليوم كله هنا .
-ذاك ما انوي .
-إذن ،نأكل معا .
-هل تقدم الأكل أيضا؟ 
-لا أقدم غير القهوة والشاي ،ولكنك ستشاركينني غذائي.
ابتسمت بامتنان لهذا الشاب السمح ،كما قال عم محمد كان كل شيء به نظيفا، ربما حتى سريرته، لأن ابتسامته لا تفارق شفتيه،ونظرته هادئة طيبة تخلو من خبث الرجال ،لم تر مثلها إلا بعيني سعد أخيها يرحمه الله.
قدم لها القهوة ،واضعا معها علبة سكر زجاجية ،وقنينة ماء معدني.
فتحت حاسوبها، واشتغلت على رسومات لغرض بخيالها تهفو ان يصبح واقعا تحت يديها.
اما محسن ،فدخل العشة يكمل تحضير الأكل ،ثم أخذ حصيرا و مفرشا من قطن ،اقترب من الماء أكثر وفرش الحصير وعليه المفرش،عاد ليأخذ مخدتين ومظلة شمسية ،فأعد جلسة جميلة دعا لها زهرة .
-تفضلي آنسة .
ابتسمت لما رأت المكان ،شكرته وتوجهت إليه ،مدت رجليها واستكانت ،بعد قليل غفت كأنها لم تنم منذ أيام. 

استيقظ ليجد اباه وغيثة على المائدة 
-أين زهرة ؟
-خرجت منذ الصباح ،حتى انها لم تفطر معنا.
-والوقت ظهر الآن ،ألن تشاركنا الغذاء؟
-لا أظن 
-اجلس سعد ،قد تكون عند أمها.
-لا ،ليست عند الخالة رشيدة أبي ،أخبرتني أمس أنها تريد أن تختلي بنفسها لترتاح وتفكر .
(بعد أن أعادت الفيلا لأمها ،ويئست من الحصول على الشركة،أدت مهمتها ولابد أنها الآن تفكر في العودة الى حبيبها،مازالت لم تلغ الزواج ،ولكنها تفرغت اليوم لمشاكلها الشخصية،لابد أنها الآن تضع خطوات العودة إلى حياتها) 
جلس إلى المائدة بين زوجته وابنته ،أخذ قضمة من شريحة اللحم أمامه ،ليقول
-استعدا لنغادر الفيلا مساء.
-اخيرا سنخرج، اسبوع كامل من الملل ،اين سنذهب بابا.
-الى شقتنا بحي*****
-ماذا !!!الى شقتنا ،وهل هذه فسحة او تغيير .
-ليست فسحة ،هي تغيير جذري تام.
-ماذا تقول غانم ،نترك فيلتنا للسكن بشقة!
-احمدي الله على انها في ذلك الموقع الممتاز  الذي ما كنت تحلمين بالخدمة في بيوته.
ضربت على المائدة بقبضتها
-غانم !احترم نفسك ،ماذا تقول امام ابنتنا؟
-ابنتنا تذكر بيتنا القديم ،وعيشتنا القديمة ،إذا كانت زهرة الأصغر منها بأربع سنوات لم تنس ،فهل تنس كارما .
-نسيت بابا ،نسيت ،ولا أريد أن اتذكر ،لماذا نخرج من فيلتنا.
اجابها ببرود قطعة الجليد التي تحتل مكان قلبه
-لأنني بعتها ،احتاج لللسيولة في الشركة .
-لو بعت الشقة ،او الشقتين معا ،ثمنهما لا يقل عن ثمن الفيلا .
-المشتري اراد الفيلا.
-ومن يكون ليقرر عنك ما تبيعه.
-وهل يهمك من يكون ؟
اجمعي كل ما لنا هنا ،سأقيل قليلا قبل أن نغادر .
-وانا لن أترك بيتي ،تصرف يا غانم ،لن اخرج من الفيلا.
مازال على هدوءه
-بل ستخرجين ،إذا كانت رشيدة التي ولدت فيها وانجبت فيها ابنتها خرجت منها ....
-وانا لست رشيدة ،ولن اخرج قلت لك تصرف .
-لقد تصرفت وانتهى ،لا تختبري صبري ،الأحسن أن لا تري وجهي الآخر .
-غانم !!!!كيف تهدد،ني انا وابنتك ،كيف تهيننا هكذا بنقلنا من فيلا الى مجرد شقة .
صرخت كاميليا 
-ماذا سأقول لأصحابي ؟لن أستطيع أن أسمع سخريتهم .
-ابوك لا يهتم إلا لنفسه ،للمال والجاه ،كيف سيهتم لمشاعرنا نحن زوجته وابنته.
اختصر المسافة بينهما بخطوة ليمسك ذراعها ب ،عنف ويقول بصوت كالفحيح
-المال والجاه انت من علمتني ان أفعل أي شيء لأجلهما، إذا كنت تخليت عن ابنة عمي التي من دمي ،وابنتي عرضي وقطعة مني ،وولدي الذي مات ولم اعرفه ولا عرفني ،هل تظنيني سأُبقي عليك انت ،معلمتي،أو على ابنتك المدللة .
التفت إليها.
-تشرفين على الثلاثين ،لا شهادة ،لا هواية ،لا هدف لحياتك ،ولا حتى واحد من "أصحابك" التافهين مثلك تقدم ليريحني منك .
-وابنتك زهرة الطباخة ههه.
-نعم طباخة ،ومهندسة ،ليست كابنتك الفاشلة .
-ابنتي ،هل هي ابنتي وحدي غانم ،أليست اول فرحتك.
-وأكبر فشلي ،تربيتك العرجاء، تظنين ان بنات الطبقة المخملية لا يعرفن غير التزين والموضة والرحلات ،لا انت من تفكرين هكذا ،لا آفاق لطموحك الغبي ،بنات الأغنياء يدرسن ويمتهنن ارقى المناصب ،يستغلون المال لتربية هادفة تغني العقل كما الجيب ،تملأ النفس كما الحساب بالبنك ،ترقي الذوق كما رقي العيشة ،لو انتبهت لرأيت ابنتك تلبس أغلى من بناتهم جميعا ،وانا لا شيء وثروتي نقطة في بحر أموالهم.
أفيقي من احلام الضحى ،انظري حولك ،كم فتاة لها سيارة مثل سيارة كارما ،وكم صديقة لك لها مثل سيارتك ،العنجهية تظهر معدنك الرخيص وسطهن. 
-مهما تقل ،لن اسكن بشقة حقير،ة .
قهقه ضاحكا .
-اللهم ارحم ايام كنت تحلمين ببيت له شرفة تنشرين بها الغسيل ،أم نسيت أيام الغسيل باليد .الشقة التي ترفضين جنة بجانب الشقة حيث تركت رشيدة وزهرة ،تركتهما بقفص وسط حي فقير ببلدة لا توجد على خريطة ،بلا مال ،بلا سند ،بلا هوية .
-أتلومني على مافعلت بهما .
-هههههههه،بل ألوم نفسي لأنني جعلتك تسقين طمعي بحقد،ك عليها ،فلتعلمي أن الطم،ع هو الشعور الوحيد الذي احس ،نما كالنبات الخب,يث ليأكل أي إحساس بقلبي ،بل إنني أشك انه ترك لي قلبا. 
جدال تافه مثلك أضاع علي ساعة راحة ،هيا خذي ما ترغبين وإلا اخرجتك منها كما انت.
خطا بعيدا عنهما كأنه يهرب من وباء ،بل يهرب من نفسه انقسمت على جسمين، سحنته في صورتين، أطماعه وزعت على نفسين.  يهرب من خطاياه.
-ماما ،هل حن بابا لرشيدة وزهرة .
-لا مكان للحنين بصدر أبيك ،هو كما قال ،زرعت الطم,ع بالمال بعقله ،وكره رشيدة وابنتها بقلبه  ولكنني نسيت أن الخب,يث يأكل الطيب ،ماعاد بقلبه حب حتى لنفسه ،لا ،لا يحن إليها.
-فكيف يلومنا على تركها غريبة بشقة حقيرة .
-بل يهددنا،يذكرنا أنه يستطيع ان يتخلى عنا كما تخلى عنهما من قبل ،اعتاد الق,سوة و أدمنها، والأفضل ان نذعن ونسكت.
رن هاتفه ليرد على خالد .
-ما الجديد يا خالد ؟
-عروض المناقصة بيدي .
-جميل ،نلتقي لاخذها. 
-بل نلتقي لنتفق.
-حسن ،مطعم **** بعد نصف ساعة .
خذي ابنتك ،
ونلتقي مساء بالشقة.
وضع النادل فنجاني القهوة وانسحب.
-الملف كاملا معي .
-سأدرس العروض واقدم الأفضل.
مد يده للملف ،فأبعده خالد 
-نتفق أولا.
-ماذا تريد ؟
-ابنتك ،كاميليا.
-ابنتي ،ألم تقل خدمة مقابل خدمة ؟!!!
-وهل من خدمة أفضل من أن تزوجني ابنتك،نصبح أسرة واحدة ومصالحنا واحدة .
-اممممم ،أفكر .
-فكر على مهلك ،إنما لا تنس آخر موعد لتقديم العروض غدا.
قام يحمل الملف.
-انتظر ،انا موافق ،إنما تبقى موافقة العروس.
-نأخذها قبل مناقشة الصفقة ،وفي حالة الرفض سأجد عيبا في عرضك.
تبادلا نظرات خ،بث وم،كر قبل أن يتصافحا دليلا على الاتفاق. 
غادر خالد ليبقى مع أفكاره 
لا بأس ،تتزوج كامليا يخف الحمل حتى يسهل قذفه بعيدا،لو اشترطت إيزا طلاق الزوجة المصون هه،أتزوجها وأول ما افعل ،اطرد رشيدة من البيت ،لقد تخليت لها عن الفيلا حبيبتي ،فلتسكن بها وتترك لنا البيت.ههههه.
نساء غبيات ،ينسقن وراء كلمات حب مبتذلة ،أحبك اصبحت تقال اكثر من السلام عليكم ،هههههه،ولا حب ولا سلام.
اه،ما ذنبي وما شأني إذا كانت كل واحدة تذوب تحت كلام عاشق وتبذل الغالي لأجله.نقدم الثمن ونأخذ المعروض،المهم أن أجعلها لي ،تثق بحبي لها وتأمن لي،اعرف ممتلكاتها واجهز اوراق التنازل ،قد أُبقي عليها ،هي جميلة ومثقفه، واجهة مناسبة لرجل أعمال ثري.ههه ليست كمحدَثَة النعمة.
اذهب الآن لأقارن اوراق خالد بأوراق زهرة ،ويا ويلها لو لم تطابقها.
فكر ودبر فقُ،تِل كيف قدر . 
كلما مالت الشمس جاء ليغير مكان المظلة ،لا تحرك ساكنا ،في الأول ظنها تستمتع بدفء الشمس ،ولكنه بعد ساعة تأكد أنها نائمة .
رأى شبابا قادمون من بعيد يتقاذفون كرة بينهم ،فأسرع نحوهم .
-لو سمحتم شباب ،تلك أختي مريضة تستريح هناك ،فهل...
-قاطعه احدهم 
-طبعا طبعا اخي ،سنبتعد ،اعتن بأختك ،هيا شباب.
شكرهم على تفهمهم وشهامتهم وعاد يشكر الله ان هداه ليقول أنها اخته.بعض الشباب قد لا يستسيغ ان يبعدهم عن رقعة تحتجزها أنثى بمالها، وقد يستضعفونه وهو وحيد أمامهم، وهي أمانة عم محمد.
-يا آنسة ،جهز الأكل .
فتحت عينيها تنظر إليه يقف بينها وبين الشمس .
-كم الساعة الآن ؟
-الثالثة ظهرا.
-ياااااه ،نمت كل هذا !يبدو أن هرمونات الحمل أقوى من المنوم.
-هل انت حامل آنسة؟
-آنسة وحامل  غريبة اليس كذلك ؟
نعم انا حامل ،وضعف بنيتي لا يظهر علي الحمل ولا أنني تجاوزت العشرين منذ سنوات.
-أعتذر مدام ،تفضلي الغذاء جاهز 
-ماذا سنأكل اليوم شيف؟
ابتسمت له ليجيب.
-سردين مشوي على الفحم ،و سلطة ،وعدس بالطماطم .
-ممم ،رائحة السردين قد وصلت المدينة !فتحت شهيتي .
-تفضلي أختي .
نظرت إليه ،غشيت الدموع عينيها 
-اعتذر مدام 
-لا ،قل اختي افضل ،خذ بيدي أخي لاقف.
تناولا الوجبة على المائدة امام العشة .
-قل لي اخي ،هل لك غير هذه العشة موردا؟ 
نظر الى صحنه 
-لا اختي ،هي كل ما لدي ،فيها عملي وبها مسكني .
-اتسكن هنا ؟
-ماعدا ايام الشتاء ،اضطر لقبول الغرفة على سطح بيت والدي.
-اسمع اخي ،يبدو أن للحديث شجون ،والأفضل أن نترك الأحزان بمخابئها، (اخرجت بطاقة من حقيبتها)هذه بطاقتي ،وخذ هاتفي سجل عليه رقمك ،عندما أجد لك عملا هل ستقبل؟
-بكل سرور اختي ،واخبرك اختي مستواي السنة الثانية أدب انجليزي .
-ولماذا لم تكمل ؟
-بعد وفاة والدي توقفت ،كما قلت ،للحديث شجون اختي .
-إذن نتجازو هذه المرحلة ،قد، وأقول قد افتتح مطعما صغيرا ،وسأحتاجك معي .
ابتسمت كل ملامحه ،لمعت نظرة أمل بعينيه. 
-صحيح اختي؟ (رفع كفيه للسماء)يا مسهل!
-ربتت بيدها على كتفه .
-قل يا رب اخي ،قل يا رب.
هيا خذ هاتفي و ادع عم محمد .
جاء العم محمد ،ورافقها محسن حتى السيارة ،فتاة يغزو الحزن محياها زرعت الأمل في نفسه .
-هاهي الأمانة عمي محمد .
قبل ان يغلق الباب نظرت إليه 
-لو تأخرت عليك ،اسأل علي ،كل بياناتي بالبطاقة ،انا اختك زهرة يا محسن ،لا تنس.
-لا تنتظري افتتاح المطعم لتتصلي بي اختي ،إن احتجتني فأنا بخدمتك. 
-اعرف اخي ،الى اللقاء .
عادت الى شرودها ،اما عم محمد فلم تفارق الابتسامة شفتيه ،يعلم انه أسعدها بخلوة بعيدة عن المدينة ،ويعلم أنها سترد الجميل لمحسن رغم انها اليوم دفعت ثمن الوجبة والقهوة ،ولكن سِماها تخبره انها ستخرج محسن من بئر الفقر والوحدة يوما.
وضعت ما جادت به بيده فلم ينظر له ،بل وقف يودعها وانتظر حتى دخلت من بوابة الفيلا، فرحل.
-اين كنت زهرة ؟
استقبلتها غيثة سائلة 
-كنت على الشاطئ ،أكلت شواية كاملة من السردين (الشواية شبكة معدنية حيث يرص السردين للشواء).
-خيانة ،لو اخذتني معك اختي.
-سامحيني ،كنت احتاج ان اختلي بنفسي قليلا.
سمعت صوته خلفها 
-و هل خرجت بنتيجة او قرار بعد خلوتك.
فهمت مقصده ،ولكنها تجاهلته 
-لن تصدق إذا قلت لك أنني نمت ،نمت فقط 
-هز حاجبيه ،وابتسامة جانبية تنبئ انه لا يصدقها .
-نذهب معا المرة القادمة انا أيضا اشتهي سريدينا على الفحم .
اقترحت غيثة .
-كل هذا لأجل السردين ،اطلبيه من دادا وهي تعده .
قال متكبرا .
نظرت إليه كأنها لم تنتبه لتجريحه المقصود .
-لا ،هناك في عشة القصب له مذاق آخر .
-عشة،زوجة سعد العامري تأكل بعشة قصب على الشاطئ.
-لم تذهب مدام العامري ،تركتها هنا ،وذهبت وحدي زهرة فقط.
اخيرا فهمت غيثة تراشق الكلمات بينهما ،فنظرت بحزن وعتاب لأخيها بينما غادرت زهرة نحو غرفتها. 
خرج نحو بيت رشيدة ،ماعاد يطيق هذا الغموض حولها ومنها ،يجب أن يعرف ،إن كانت تحبه سيتشبت بها ،سيعشقها ويعيش معها ما حرمه على نفسه إكراما لها ،سينتظر إلى أن تلد ،ويجدد عقد زواجهما ،سيغدق عليها عاطفته هي ووليدها ،ولكن ...ماذا لو لم تكن تحبه ،ماذا لو تعشق اب جنينها ،هل سيرضخ للأمر الواقع ويتركها تنساب من بين أصابعه لتروي آخر ويبقى هو صر،يع ظمأه؟!!!!
وهل ترضى لنفسك ان تعيش معك وقلبها مع رجل آخر ؟
هل نسيتني فعلا ،هل نسيت مصدر أمانها، هل نسيت حب قلبها الصغير ؟!!
هاقد قلتها يا سعد ،حبيبتي قلبها الصغير ،تعلق طفلة بأخ كبير ،يشاركها اللعب ويدافع عنها ،تأكل من يده وتتوسد رجليه لتنام 
كانت ،كانت ياسعد ،ثم غابت ،هاجرت قسرا وعاشت حياتها معتمدة على غيرك .
رحبت به رشيدة ،تجد فيه الابن الذي حرمت منه ،صديقتها التي وفت لها حتى الرمق الأخير ،ذكرى زمن جميل من حياتها .
-اهلا بالغالي ابن الغالية. 
-اهلا بك خالتي .
جلسا،قرب شجرة البرتقال وسط البيت ،جاءت الخادمة بالشاي وطبق الحلوى .
-خالتي ،هل يمكن أن تحكي لي ؟
-ماذا تريد أن احكي لك؟
-حكاية زهرة .
-زهرة بعد نفينا عرفت أسوأ ما في الإنسان :الخيا،نة .رغم وفاء أمينة يرحمها الله ،وإيزا ،عرفنا معنى الفقر والحاجة ،عرفنا ذل الاحتياج للغير ،كبرت زهرة قبل الموعد ،تحملت المسؤولية ،نضجت بعمر الطفولة ،قست على نفسها ،بعد أن دخلت الجامعة رفضت أي مساعدة ،بل تحملت معي مسؤولية سعد .
-احكي لي عن سعد .
ركزت بصرها على نقطة مهمة لا يراها سواها ،ابتسمت ومالت برأسها 
-سعد ،حبيبي سعد ،بريء حنون ،أحب زهرة واطمأن لها قبل أن يطمئن لي ،يرتاح بحضنها ويهدأ بلمستها وينام على صوتها ،هل تعلم أنها من أسمته سعد ،كانت تناديه سعدي ،ساهم حبها في تأقلمه، التوحد لا علاج له ،ولكن بعض الجلسات وقليل من المهدئات والكثير الكثير من الحب يندمج المتوحد نسبيا مع بعض الأشخاص ويتأقلم مع بيئته، وسعد احب زهرة واحبني، وزهرة علمته أن يحب إيزا وبيتر ويطمئن للدكتور احمد.
مسحت دمعة خانت تجلدها الزائف
-اشتاق لها و أشفقت عليها من مشقة السفر فذهبنا إليها ،كان سعيدا بها ،بقربها وحضنها الذي اشتاقه كثيرا،وفقدناه، فقدنا حبه البريء،حضنه السخي.
تغيرت زهرة بعده كثيرا ،علمت أنها فعلت المستحيل لتنقذنا ولكنها فشلت أمام حكم القدر (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون).
-من أب جنينها؟
ألقى سؤاله في لحظة ضعفها قاصدا ،حتى لا تنتبه وتجيبه ،ولكنه جانب الصواب، ليست رشيدة التي قذفت من الجنة لتعيش العذاب ونجت منه ،رشيدة التي شحذتها السنين ولم تفقد طيبتها ولا هدوءها ولا ابتسامتها ،ليست امرأة مثلها من تقع في فخ استجوابه ،منذ رأته علمت سبب مجيئه، رأت نار الغيرة والغضب تستعر بين ضلوعه ،وانتظرت السؤال الأساسي في التحقيق .
-من قال انها حامل؟
-حامل يا خالتي ،وعرفت بطرقي الخاصة .
ابتسمت (بل سمعتنا وانت امام البيت متلصص عبر النافذة يا ابن العامري ،نسيت أن الجيران هنا متكافلون وقد صورك طفل ليريني شكل الرجل الذي كان يتجسس علينا)
-مادمت عرفت وحدك وليست هي من أخبرتك ،فإما أنك ستعرف من الأب بطرقك الخاصة او تخبرك هي ،لا حق لي في إخبارك.
رأت الغضب بعينيه 
-زهرة تجاوزت الثالثة والعشرين ،مسؤولة عن نفسها وربيتها لتكون مسؤولة عن تصرفاتها وتتحمل نتيجة اختياراتها،سبب معاناتي هو اعتمادي على الآخرين والثقة بهم ،لهذا ربيتها على الاستقلال بنفسها والاعتماد على نفسها والثقة بنفسها ،إسألها ،إن رأت في إخبارك خيرا أو حلا أخبرتك ،ثق بي ،أما إن علمت أن ذلك لن يغير في الأمر شيئا فلن تجيبك .
-زهرة لم تعد زهرة 
-ومن بقي على حاله بني !.
قام مودعا ،ولكنه أكثر تصميما على معرفة أسرار زهرته.
تتبعت خطواته الواثقة ،وتنهدت أسفا على حب وُئد في المهد ،وسمحت لدموع حبيسة بالتحرر ،الفكر تاه ،اسعفيني يادموع العين. 
قارن اوراق الملفين وتأكد من تطابقهما، فسهر يجهز عرضا يقدمه صباحا أملا بالفوز . 
حل الصباح ،وقصد كل واحد عمله ،كعادتها تفننت في صنع أطباق تفتن البصر قبل  الذوق ،وحان موعد استراحتها عصرا ،احبت أن تقصد المقهى المقابل حيث تُخدَم ولا تخدم ،تشرب قهوتها وتريح قدميها قبل أن تعود لمواقد العشاء.
خلعت مئزرها وقبعتها، و أخبرت مساعدها انها ستخرج لاستراحتها، وتوجهت لا ترى الا ذاك المقعد المريح ،حتى انها بدأت تشم رائحة القهوة المحببة .
همت بعبور الشارع حين رأت ما جمدها بمكانها ،سيارة مسرعة بجنون نحوها ،اغمضت عينيها تنتظر المحتوم، سمعت اصطداما قويا لتسقط أرضا .
استيقظت بالمستشفى حولها أمها ،غيثة واحمد العامري .
اين سعد ،أينه ليقول لها ألا تخاف فهي في أمان .
-ماما ،ماذا حصل .
-لُطْف الله ابنتي ،لُطْف الله بي وبك .
فطريا، راحت يدها تتحسس أسفل بطنها .
-وسعدي ماما .
طال الصمت 
-أجيبيني ماما 
-ذهب الى خاله ،الى سعد ابنتي .
اغمضت عينيها 
-الحمد لله على كل حال .
فاضت دموعها تغرق وجهها ،تختنق بشهقاتها ،أشفقت عليها غيثة فضمتها إليها 
-سيعوضك الله أختي ،سيعوضك الله .
زاد وجيبها، الذي اغضب الدكتور الذي دخل للتو 
-ماهذا آنسة ،المريضة يجب أن ترتاح ،الحمد لله على سلامتك مدام العامري ،كدنا نفقدك بسبب النز،يف .
-هل ما،ت أم ضحيت به لأعيش ؟
-لم نضطر لذلك ،اجهض،ت بسبب الصدمة والرعب ،النزيف حدث بسبب الإجهاض ،الدكتورة نظفت الرحم فقط.
لم ترد ،الحزن قام من مرقده كالوحش يلتهم فؤادها ويمزق نياط قلبها .
الا تجد لك عنوانا إلا قلبي 
يا حزن غير العنوان . 
كان يجلس مع ضابط ينظران الى تسجيلات كامرات المطعم .
يراها تخرج منه، ماتكاد تخطو بعيدا عن الرصيف حتى تظهر سيارة مجنونة تقصدها لولا سيارة سوداء رباعية الدفع تصطدم بها عنوة بقوة لتبعدها عن زهرة التي تقع مغشيا عليها من هول الصدمة .
السائق ينام مقيدا إلى السرير ،نفى أن يكون قاصدا زهرة وادعى انه فقد السيطرة على السيارة .أما سائق السيارة الأخرى فهو أحد الحرس المكلف بحماية زهرة، من شركة رضى .
رغم إنكار السائق يؤمن سعد ورضى والضابط أن الحادث مدبر والمقصود منه أذية زهرة . 
رأته يخرج مسرعا ،ثم شاهدت اباه يتبعه ،ما الذي يجعل العامريان يسرعان خارج الشركة كأنها تحترق ؟
ذهبت إلى خالد 
-يبدو أنه قد حدث شيء ،فسعد وأبوه خرجا جريا منذ قليل .
-اجلسي ،قد نسمع خبرا يسعدك .
رن هاتفه ليجيب .
-هل انت متأكد ؟
ومن أين جاءت السيارة الأخرى ؟ ممممم حرس خاص ،مممم واين هي الآن ،ماذا ،خسرت الجنين .؟ هل كانت حاملا؟وأين زميلك الآن ؟ الا يسمحون بزيارته ؟ ممم ليس قبل التحقيق معه  ،وهل يعرف ماذا سيقول ؟طبعا طبعا ،الى اللقاء.
صاحبتك كانت حاملا وفقدت الجنين ،سيجن العامري عزيزتي .
-قلت أنك ستخلصني منها.
-وقد حاولت ،لكنها كالقطط بسبعة أرواح .
-استعمل غانم ،غانم يكرهها ،او نخبر العامري أنها سرقت أوراق العروض وقدمتها لأبيها ،نتهمها بالخيا،نة ونوحي لسعد أنها تزوجته لتسهل شراكة أبيها معه 
-ولكن غانم ليس سهلا ،سينفي كلامنا ،وقد يشي بنا ،فيصبح هو بطل القصة، منقذ الشركة و زوجة صاحب الشركة الذي فضح الخو،نة ،لا لا سأجد حلا آخر


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close