أخر الاخبار

رواية حكاية زهرة الفصل الخامس عشر15والسادس عشر16 بقلم حكاوي مسائية


 رواية حكاية زهرة الفصل الخامس عشر15والسادس عشر16 بقلم حكاوي مسائية


مر أسبوع وهي بالمستشفى،لا تعلم أن على الجناح حيث غرفتها حراسة استرعت انتباه العاملين والزائرين ،عرفته رشيدة انها سترفض الحراسة فتجنب أن تكون أمام غرفتها حتى لا ترى الحراس.
اخيرا تماثلت للشفاء وسمح الدكتور بالخروج ،رغم أنه يفضل لو لبثت هناك ،يتحجج بالاطمئنان عليها ويزورها، يتظاهر انه يحدث رشيدة ويؤنسها ليبقى أطول مدة معها ،سمح الطبيب بخروجها منذ اليوم الثالث بعد الحادث ،




ولكنه رجاه أن يطيل مدة استشفاءها حتى تتحسن صحتها وتتعافى أكثر .
ارادت أن تكون مع أمها ،ابتهجت لمغادرة فراش غريب وغرفة بيضاء مشعة ،لا حميمية بها ولا ألفة.
-أقول لك ماما منذ الآن ،لن أدخل غرفتي إلا مساء ،سأستولي على الأريكة قرب شجرة البرتقال.
-وحتى ليلا ،ستنامين بحضني حبيبتي.
-آسف خالتي ،ولكنها ستذهب الى بيتها.
-بيتي هو بيت ماما ،أم نسيت كلام أحمد .
-لم أنس، ولقد جددت عقد زواجنا قبل أمس ،انت زوجتي ومكانك معي .
-عقد لم أوافق عليه لا أعترف به ،وحتى لو كنت زوجي لا تتوقع مني طاعة،الأفضل أن تقتنع وتخرج من حياتي.
أمسك معصمها بقوة 
-بل سعودين الى بيتك 
مدت رشيدة يدها تبعد يده ،تنظر له بأسف 
-تعال معي سعد .
خرجا من الغرفة لتجلس على الفراش 
-غبي،يظنني ساصدق كلامه الغبي .
في الرواق بين صفي الغرف ،وقفت بعيدا عن الغرفة واستدارت تواجهه بعد أن لمحت نظرة الحزن عليهما معا
-سعد ،لا تعاملها كأنها غبية أو ضعيفة ،أنت هكذا تزيد عنادها ،هي وانا نعلم أنك لن تستطيع تجديد عقد الزواج كما قلت ،زهرة ولية نفسها وأي عدل (المأذون)سيشترط وجودها وموافقتها على الزواج .
-خالتي ،أريدها قربي ،أخشى أن يؤذيها من حاول المرة الأولى .
ابتسمت
-أعلم ،قلت لك أنني ربيتها على الاستقلالية  والاعتماد على نفسها فقط ،يجب أن تفهم أنها سترفض حمايتك،حكيت لك تأثرها بخيانة والدها وقسوته عليها،هي لا تحتاج الآن لرجل يصدر الأمر وعليها التنفيذ،ولا زوجا يريد زوجته ببيته، هي في أضعف حالاتها اليوم ،تحتاج الاحتواء ،التفهم والحب،قد فقدت سعد الثالث بحياتها.
نظر اليها مستفهما ومستغربا. 
هزت رأسها بالإيجاب
-هو أيضا سمته سعد ،وحزنت لفقده. حسسها أنك بجانبها وانك لازلت كما تذكرك  ذاك الصبي السند ،الذي تشكو له أحزانها فيواسيها .يمكنك أن تزورها وقتما شئت،انت مرحب بك حبيبي .
استدار مغادرا دون وداع ،يخفي خيبته،دموعه غشت عينيه حزنا على زهرته ،يسير بقوة وعنف كأنه ينكر ضعف قلبه. 
قدم له الملف باسما:
-هذا عرضي لمناقصة مجمع الفيلات السياحي.
-لم تسأل عن ابنتك ،أم أنها خارج حساباتك!!
-اعلم أنها بين أيد أمينة عليها ولهذا أنا مطمئن .
-لا تطمئن كثيرا ،فقد تعرضت لمحاولة قتل .
-ماذا ؟زهرة ابنتي ،ماذا حصل اخبرني!!
طفت ابتسامة ساخرة على محياه.
-كأنك تهتم يا رجل !أم أقول يا عمي!!!!لا أستبعد أن تكون لك يد في ذلك .
-ولا أصبع اقسم ،ماذا سأجني من موتها ؟
-أفهم أنك لو ضمنت ربحا من اختفاءها لفعلت؟!!!
كان هادئا عكس الثورة التي بداخله ،وعكس الغضب الذي يتملك غانم .
-زهرة ابنتي ،وأمها اخذتها عني زمنا ،ومهما سمعت صدقني انا .
لوح بيده وحرك رأسه يغمض عينيه
-النساء غبيات ،يقمن بأفعال طائشة ولما يفشلن او يخسرني اللعبة ،يؤلفن كلاما كاذبا وبعيدا عن الحقيقة .
-لم أسمع عنك إلا كل خير عمي ،فلم غضبك ودفاعك !!!ثم أن لا زهرة ولا والدتها تعرفان أن الحادث كان مدبرا .
-عن أي حادث تتحدث؟أنرني!
-حادث اصطدام بسيارة ،ولكنها نجت منه ،غير أنها فقدت الجنين .
-الجنين ،ابنتي زوجتك كانت حاملا،كنا سنتشارك طفلا أكون جده.
اعتصرت يد قاسية قلبه (ليته كان ابني )
-أرأيت؟النذل الذي حاول قتلها أضاع علينا فرصة تقارب جميلة .
-من يكون ،ولن ارحمه.
اراد أن يحذفه بعيدا عن شكوكه بل اقتناعه انه خالد وسارة ،لايثق به ،ويحب أن يستغله ليطمئنا انهما بعيدا عن الشكوك.
-لا تعرفه ،هو شاب تبعها من أوروبا ،هذا ما أظن ،أما الشرطة فظنهم انه مجرد حادث.
-من أي بلد بأوروبا. 
نظر اليه بخبث
-من إيطاليا أظن ،ألم تكن بإيطاليا ؟
-لا ،غادرتها بعد أسابيع.
-بعد أسابيع مماذا؟
انتبه
-اه ،اه ، لما اختفت بحثت عنها وعلمت انها بإيطاليا ،ولكنها اختفت مرة أخرى .
-للأسف ،كنت أحب أن أتأكد لنبدأ البحث،حتى إذا كان شكي صائبا وجدت الجاني ،وإلا فهي حادثة سير  كما تظن الشرطة .
بمجرد أن غادر مكتبه ،تتبعه عبر الكاميرات حتى دخل مكتب خالد .
ضرب على المكتب بيقبضته
-لم نتفق أن تقتل ابنتي خالد 
-ابنتك من؟
-زهرة ،ابنتي زهرة .
-انا لا أعرف لك ابنة غير كارما .
قالها ساخرا .
-زهر ابنتي ،وإياك ان تمسها بسوء ،فهمت؟
صفق بيده 
-برافو ،برافو ،من يسمعك يظنك أبا محبا بصدق ،اتظن أنني لم اتحر عنك؟ألست الأب الحنون الذي رماها الى الفقر بإطاليا،اسمعني جيدا ،ربما صهرك سعد لا يعلم مدى كرهك لها .
-انا لا اكرهها ،زهرة ابنتي ،من يكره ابنته ؟
-إذن نقول أنك تحب نفسك ومصلحتك اكثر منها ،(جز على اسنانه فخرج صوته كفحيح افعى )ومصلحتك معي،وانا مصلحتي مع سارة .
-سارة ،من تكون سارة ؟
-سارة مساعدة سعد ،وذراعه الأيمن في الشركة ،ولكنها تريد أن تترقى لتصبح زوجته ،و هه ابنتك العزيزة اخذت مكانها ،ما رأيك؟
-رأيي في ماذا؟
-تتعاون معنا ،تبعد زهرة عن سعد ،يتزوج سارة ،ترقيني لأصبح مديرا عاما وتبعده عني ،فأدير الشركة كما أريد ويكون لك نصيب الأسد في الصفقات .
-انت مجنون، انه يشك أن شابا ما تبعها من أوروبا وحاول قتلها،ويبحث عنه الآن ليقتص منه،إذا لمسنا شعرة منها يقتلنا دون ان يرمش له جفن .
-شاب من أوروبا، ممم ،إذن لا غبار علي.
-ماذا تقول ؟
-اه ،لاشيء لاشيء ،إذن فهو يحبها ،مارأيك أن نجعله يكره النظر أليها ،يبعدها عنه ويجد السلوى بحضن سارة .نستغل حكاية الشاب الاوروبي ،نختلق لها علاقة وصورا ،وربما لقاء حميمي يشاهده الزوج المخدوع.
-انت فعلا مجنون ،لا تدخلني في لعبتك مفهوم .
غادره كأنه يبتعد عن أتون مستعِر ،بينما تاهت نظرات الآخر وابتسامة مكر على شفتيه دليل تفكيره في تدبير شيطاني آخر.
أغلق شاشة الحاسوب ،يعتلي وجهه أثر نار الانتقام بصدره
-هكذا إذن ،يجب أن أشغلك بعيدا عنها ريثما أدبر لك ما يخلصنا منك .
ركب رقما على هاتفه ليجيب الطرف الآخر .
-نفذ ما اتفقنا عليه اليوم. 
فتحت الخادمة الباب تحمل بيد  اللوح الخشبي عليه أقراص عجين الخبز ،نحو الفرن الشعبي بالحي ،كادت توصد الباب حين اوقفها بيده .
-اتركيه ،حتى لا ازعج خالتي بفتحه.
ابتسمت له وذهبت ،بينما دخل واوصد خلفه ،خطا برواق المدخل ليتوقف جامدا ،كانت تكلم أحدا على الهاتف.
-قلت لك سابقا أنني لم اميز ملامحه في الظلام .....نعم تكلم لهجتنا ....لا هي أجابته بالإنجليزية....اسم الفندق *****نعم نعم هو ذاك...الغرفة اظن لا ادري ..لا لا كنت اعرفه  ولكنني نسيته ....لا تضغطي علي إيزا ،انا لا اريد شيء،كنت أحب أن اعرف من يكون الاب ،ولكنني فقدت الجنين ولا داع لأذكر اتعس ليلة بحياتي الآن.
عاد أدراجه ،جلس بالسيارة لا يجرؤ أن يحرك يدا ،حتى أنه أغمض عينيه ،يحاول أن يهدأ حتى يهدأ خافقه الذي يكاد يقفز خارج سجن صدره.
-لا تعرف اباه ،أهكذا انت يا زهرة ؟تضاجعين الأغراب في غرف الفنادق،ليس أي فندق ،فندق فخم لزبناء أثرياء ،أهكذا صرفت على دراستك؟
اااااه يا قلبي !ليته كان ثمرة حب،ليته كان رجلا واحدا وهبته جسدك كما وهبته قلبك !
افاق من الذهول الى الغضب ،ضرب عجلة القيادة بيده ،شد عليها كأنه يريد انتزاعها وهو يصرخ كالمجنون مما لفت إليه انتباه المارة.
عادت لتجد الباب مفتوحا ،دخلت نحو رشيدة بالمطبخ تسألها عن الزائر .
-لم يدخل احد ،او ربما دخل ويجلس مع زهرة ولم أره.
-لا ،زهرة وحدها ،أظنها نامت حيث تركناها.
لم تكن نائمة ،كانت تستعيد ليلتها السوداء كما تسميها، تلك المرأة الملثمة ،وذاك الرجل المغيب ،بين قبلته كان يكلمها كأنه يعرفها ،كأنه كان ينتظرها هي دون غيرها ،حسبها تلك الملثمة ،كانت بديلة لامرأة تمناها فقدمت له جسدا مايزال طاهرا كما يظنها،ضحت بها على محرابه لتستعيد حبا مفقودا أو أياما خواليا. 
نزلت دمعة فاضت من حمم تحرق صدرها ،فقدت رفقته يوم حكم عليها غانم بالنفي،فقدت لمسة يده الصغيرة الحانية ،صوته وهو يهدئ روعها لأن غانم صاح بوجهها او دفعها بعيدا ،فقدت ملجأ تفر إليه من سعير معاملة ابيها،و بسببه دائما ،بسبب حكمه عليها بالحاجة للغير باعت جسدها لعلها تنقد امها واخاها.
-لن أسامحك غانم ،ابدا لن أسامحك ،أضعتني، قتلت روحي و شردت قلبي،لو كان بينك وبين الجنة غفراني لن أغفر لك .
مسحت دمعتها ،وقامت الى غرفتها ،اخذت مذكرتها تدون فيها آخر ما تذكرته عن تلك الليلة .ثم جلست على كرسي مرتفع ،وأزالت وشاحا كانت تغطي به لوحة ترسمها .عليها وجهان ،واحد للأنثى الملثمة تحاول أن تتذكر عينيها ،وآخر لرجل ،مجرد وجه من غير ملامح عليه شعر أسود .
اخذت قلم الرصاص ولونت به الوجه كله .
-هكذا رأيتك ،وهكذا أذكرك ،اما انتِ فأعتصر ذاكرتي حتى تطفو عليها صورة عينيك .
مدت يدها تأخذ لوحة ثانية مكتملة لحبيبين بلباس العصر الفيكتوري ،ولكنهما ليسا سوى غيثة وخطيبها .
-هكذا أراكما واتمنى أن تكونا ،حبيبان من أيام الحب الصادق الهادئ ،تستحقين السعادة حبيبتي ارجو ان لا تبخل عليك الأقدار بها . 
دخل البنك رجل سبعيني معه شاب يوجهه 
-اريد أن أصرف هذا الشيك .
-نظر الموظف الى المبلغ ثم الى الرجل .
-بطاقتك سيدي .
مد يده بالبطاقة، 
-لو تنتظرني قليلا سيدي .
تحدث الشاب 
-لماذا ،هل هناك مشكلة ما ؟الشيك مؤمن بختم البنك ،والرجل اب صاحب الشيك .
-لا ،لا ،فقط مبلغ كهذا يجب أن يعلم به مدير الفرع.
-تفضل.
بعد قليل جاء الموظف ومعه المدير 
-هل تريد المبلغ اليوم و كاملا سيدي ؟
-نعم ،هو يريده اليوم ،ولا أظنكم ستصرفون له نصفه مثلا،وهو بحاجة اليه ولهذا قدمه له ابنه كما ترى .
لم يجد بدا من صرف الشيك ،وناوله المبلغ في كيس بلاستيك  اخفاه بدوره في كيس اسود ،وخرجا ليستقلا سيارة أجرة ويغادرا .
كانت تجمع ما تملك هي وزوجها من ثياب ما عادت تقيهما برد الشتاء ،وتستعد ليغادرا هاته الغرفة الباردة نحو قريتهما البعيدة.
طرق يونس الباب 
-خالة رقية اين انت ؟
-ادخل يا ولدي ،انا هنا اجمع ثيابنا .
-اتركي كل شيء خالتي ،خذي فقط الاوراق المهمة وتعالي بسرعة 
-اين عمك إدريس ؟
-ينتظر بالسيارة ،تعالي سأؤجر لكما غرفة بفندق ريثما ارتب كل شيء قبل السفر .
الترتيب كان أن يضع المال إلا قليلا منه بحساب باسم العم إدريس ببنك آخر ،يشتري لهما لباسا يليق بهما وما يملكان، ثم يؤجر لهما سيارة نحو بلدتهما البعيدة بالجنوب ،وهناك ،اوصاه ان يشتري أرضا وسكنا ويستقرا باقي العمر.
كان هذا تخطيط سعد ،بعد ان تحرى عن خالد وعرف جريمته بحق حمزة ،وعقوقه لوالديه وتبرؤه منهما ومن حيه حيث نشأ ،قرر أن يعاقبه، وحذر يونس انه من سيكون امام فوهة المدفع 
-لا تقلق سيد العامري ،سأعرف كيف اتعامل معه.
كان الاتفاق أن المبلغ بالشيك كاف لتعويض كل من حمزة ويونس ووالدي خالد. 
اخذت اوراق ملكية الفيلا ،وعلمت بإخلاءها فقررت أن تذهب إليها .
استقبلها العامري وغيثة على بابها .
-أين زهرة خالتي؟
-ماتزال ضعيفة ، ولا اريدها ان ترى الفيلا قبل أن اغير فرشها .
-ولهذا جئت ،لقد تخصصت بهندسة الديكور ،سأساعدك .
دخلت على مهل ،تخطو كأنها حافية تسير على قطع فحم مشتعل او قطع زجاج ،تتألم مع كل خطوة ،هنا عاشت طفولتها وصباها، هنا كانت مدللة أبيها،هنا صدقت كذب غانم وظنته العوض والسند ،هنا سمعته يكلم زوجته ،هنا انجبت زهرتها ،هنا رأت قسوته عليها ،وهنا كان يدق مسامير نعش سعادتها .
من هنا خرجت سعيدة مغدورة .اخذ كل هذا ليرميها وابنتها كما القمامة ،يتخلص منهما كأنه يدفن عاره،تزاحمت الذكريات حلوها ومرها بعقلها ،وتسابقت الدموع شلالا على وجنتيها،ارتعشت يداها وغشاها ظلام يأخذها بعيدا عن الألم .
سقطت لتسرع إليها غيثة 
-خالتي ،خالتي .
الألم لنا حدود لتحمله ،ولكنه ليست له حدود حين يداهم القلب ،فيشتد ويشتد، يعتصر الروح ويمزق الفؤاد ،فيضيق الصدر بقلب يريد أن يهرب ،فيختار العقل أن يهرب هو ،ليغيب الإحساس ،وتكف سيول الذكريات وقيظ الألم.
هاتف ابنه ليأتي إليهم، كانت غيثة قد أخرجت عطرها من حقيبة يدها ،قربته من رشيدة حتى أفاقت .
-أعتذر اخي ،لعله السكر انخفض فجأة .
-لابأس عليك أختي .
وصل سعد مسرعا ،جلس امامها وامسك يدها بين كفيه 
-مابك خالتي ،هل نذهب إلى المستشفى .
وضعت يدها على خده بحنان .
-لا بني ،سأذهب معكم الى البيت ،آخذ فنجان شاي من يد دادا ،واكون بخير .
حاولت الوقوف ولكنها أضعف مما تُظهِر،فأخذها كل من سعد وغيثة ،كل من جانب ،ساعداها حتى تقف ،وتوجهوا نحو فيلا العامري . 
علمت إيزا بحصول صديقتها على الفيلا ،وأعلمت بيتر .
-سأذهب إليها ،اسلم البيت لزهرة ،و أكلمها لتتخلى عن انتقامها تلتفت الى حياتها ،يجب أن تكتفي بما أخذته من أبيها ،وتنسى لتعيش.
-وهل ستترك له الشركة ؟
-لو طلب الشركة من رشيدة لأعطتها له ،كانت وحيدة بعد أبيها ،تحتاج دفء العائلة ،لو كلمها  صراحة ،لكانت اشترت عمها وابنه بنصف مالها ،ولكنه أراد كل شيء ،صور له حقده انها مثله لن تتخلى عن تركة أبيها إلا غصبا .
-لها الحق في أن تجرده من كل شيء ،حتى من ممتلكاته التي اشترى بعدها ،فكل شيء من أرباح الشركة والأرض.
-لا تقل هذا امام زهرة ،يكفي ما ضاع من حياتها .اما رشيدة ،فهي مكتفية بما استرجعت .
هل ستتنتقل للعيش بالفيلا .
-هذا ما قررت ،ولكنها لن تستطيع ،انا أدرى بها .
-فلتبعها وتشتري غيرها .
-ولهذا سأذهب ،سأشجعها على البيع ،واشجع زهرة لتنظر أمامها.
-كنت احب أن ارافقك ،ولكنني كما ترين ،مشغول بعدة قضايا ،ومازلت ابحث خلف ليلة زهرة .
نظرت إليه وقد توقفت عن مضغ قطعة اللحم بفمها .
-مابك إيزا ؟ااااه !هههههههه، التحريات الذي أقوم بها عن تلك الليلة ،جعلت لها ملفا أسميته ليلة زهرة .
سعلت 
-انت فعلا غريب ،ملف واسم ،جريمة قتل هي .
-بل أكثر إيزا ،بل أكثر ،لو قتلوها تلك الليلة ربما ترتاح روحها ،لأن الشرطة هنا لن تهدأ قبل أن تقبض على المجرم ،ولكنهم ذبحوا روحها ،تركوا بها نذوبا لن تنمحي هذا إذا كانت اندملت ولا أظنها فعلت ،جرح الروح يا صديقتي يدوم نزيفه،سكين الغدر هي هي ،إنما كل غادر يمسكها بطريقته وكل مغدور أصابت مكانا مختلفا من روحه،ولكن الجرح هو هو .
-كأنك مجروح بيتر !
-ولماذا التقينا إيزا ،لماذا نرفض الارتباط ،لماذا نجد الأمان مع بعضنا ،بل لماذا التففنا حول رشيدة وزهرة ،نحن نشبه بعضا في الكثير ولهذا نرتاح لبعض.
-لن أسألك عما مر بك بيتر ،لما تكون مستعدا لتحكي ستحكي...
-هههههه،لا أحتاج لحكي ،هي نفس الحكاية عزيزتي ،من يستطيع أن يغرس سكين الغدر بين أضلعك إلا اقرب قريب لك ،ذاك الذي لم تأخذي حذرك منه ،القصة متشابهة ،إنما يتغير البطل ،مرة حبيب ،ومرة اخ ومرة زوج ،تصوري في مهنتي رأيت غدر الاب وحقد الأم ،شيء شاذ وخارج عن الفطرة ،اصبحت لا أتعجب من شيء. 
المهم ،دعيني معك في الصورة واحكي لي كل شيء على الهاتف .
-اطمئن سيكون احمد معي ،زهرة تحتاجه بعد أن فقدت الجنين.
-أحسن ،احمد عنده قدرة على الإقناع سيساعدك. 
جاءه إعلام بصرف الشيك ،لم يهدأ حتى كان امام بيت يونس يمسك بياقته.
-تصرف الشيك ولم تفعل ما طلبت منك؟
-انا لم أفعل ،أذهب إلى البنك واسأل 
-لمن بعته يا صعلوك .
-لم أبعه، خشيت أن أفقده ،فأنا كل يوم أخرج لأبحث عن عمل ،فأعطيته لوالدك .
-والدي!!!!!!
-نعم ،لن آمن عليه عند أحد ،فكرت أن والدك أأمن شخص على مالك .
دفعه ليرتد على الجدار خلفه بقوة .
-انت مدين لي ،بسببك فقدت عملي ،يجب أن تعوضني .
نظر إليه ورفع سبابته مهددا دون كلمة ،وتوجه نحو بيت والديه.
من بعيد كان يراقبه ،علم من يونس كل ما فعل ،تخطيطه ضد زهرة ،وأفعال الحادث الذي كاد يقتلها ،ورآه يهدد يونس ثم يذهب إلى بيته القديم .
دخل بعد أن دفع الباب بقدمه بعنف بالغ حقود .
-رقية ،إدريس .
دخل الغرفة المظلمة الوحيدة ،ثم بحث في المطبخ الصغير الفقير، وهو ينادي عليهما غاضبا .
التفت ليجد حمزة امامه بالبهو الصغير .
-رقية وإدريس ،تشمئز ان تناديهما ابي وامي ،ام انك اشتريت بابا وماما مع السيارة والشقة .
-ابعد عن طريقي ،لا وقت لي لجنونك .
لاحظ بنبرته رعشة خوف رغم تظاهره بالجلد 
-وإذا لم أبتعد .
-قلت لك لا تستفزني، يمكنني أن اسجنك .
-وانا يمكنني أن أفعل اكثر .
استل من بين كتفيه سكينا، ليغرسه  بين أضلعه وهو يعانقه .
-مجنون انا ولا حرج على مجنون .
تركه وسط بركة دمه وخرج يرفع يديه المخضبتين بالدم 
-تعالي يا أمي فقد اخذت بثأر لياليك الباكية ،تعال يا أبي لقد ثأرت لحلمك الموؤود في ابنك الوحيد .
تجمع حوله ابناء الحي ،وجاءت امه تندب ابنها 
-ماذا فعلت يا حمزة 
-اخذت حياته كما اخذ حياتي .
جلس ارضا فجلس يونس بجانبه 
-منذ متى لم تأخذ دواءك .
-منذ الصباح ،اخذت حياته وانا أعي ما افعل ،اخي يونس ،لن أعيش بذل القهر وانا أرى سارقي منعما وأمي تبكي كل ليلة ،ارى نظرة الكبر بعينيه ونظرة الأسى بعين والدي ،لم أنقطع عن الدواء حتى لا أنسى ،كنت أنتظره لأنتقم لنفسي ،فعلتها وانا واع لأشعر بلذة الانتصار وقد اخذت حقي منه .
-اسمعني حمزة ،لا تكلم أحدا ،ولا تجب على أي سؤال ،عد مجنونا كما انت ،لم تأخذ دواءك وانا سأتفق مع والديك ،هيا أخي عد الى جنونك .
قام يعانق أم حمزة وهمس في اذنها.
-اذهبي إلى البيت والقي دواءه بالمرحاض ،وقولي انك لم تشتره منذ أسابيع هيا ،انا معه.
التفت الى احد الشبان الواقفين. 
قف على باب بيت عم إدريس ولا تسمح لأحد بالدخول ،سأستدعي الشرطة .
حظر رجال الشرطة ،والاسعاف ،تبين أن خالد قد مات،اخذوا حمزة الذي التزم الصمت 
-انه مجنون سيدي ،هذه والدته .
اخذوها معه ،بينما انتظر يونس رجوع اب حمزة من عمله كبناء ،ولو عرف مكان عمله لأسرع إليه ،ولكنه هاتفه يخبره ويوصيه أن لا يذهب إلى مركز  الشرطة قبل أن يكلمه. 
صحافة مواقع التواصل شمت الخبر امام مركز الشرطة وبباب المستشفى العمومي حيث نقلت الجثة ،فجاءت كالضباع نحو صيد لم تتعب فيه، تبحث عن خبر تملأ به المواقع .
وما كادت تمر بضع ساعات حتى انتشر الخبر كالنار في الهشيم .
(شاب ناجح ،يقتله مجنون ،مدير بإحدى الشركات المرموقة يذبحه شاب تحت تأثير المخدرات،ماذا يفعل رجل ناجح في حي فقير حتى يقتل داخل احد بيوته.)
عناوين مثيرة ،وتحتها جمل مبهمة ،فهمها سعد لأن يونس هاتفه ليخبره. 
وصلت إيزا ،وصولها أسعد زهرة وأمها ،كانت تعانقها وتبكي 
-لا تبكي زوزو ،لاتبكي صغيرتي ،نحن كلنا معك ونحبك .
-هيا إيزا ،دعيها لتراني حتى تكف عن البكاء،انا حبيبها احمد .
اخذها بحضنه 
-لا تبكي صغيرتي ،اخوك أحمد هنا ويضرب كل من أذاك .
ابتسمت له
-كأننا بالمدرسة الابتدائية .
-وما الحياة سوى مدرسة ،وتنمر الصغار صورة مصغرة عن شر الكبار .
أجلسها على الأريكة وجلس جوارها 
-أخبريني ،من أبكى عيون صغيرتي .
وضعت يدها أسفل بطنها 
-فقدته ،فقدت سعد .
ابتسم مداعبا
-أولا عليك أن تتخلي عن هذا الاسم ،كأنه نحس عليك .
اعادها من شرودها وهو يمسك ذقنها ليدير وجهها إليه 
-وثانيا ،رب الخير لا يأتي إلا بخير ،الطفل سيذكرك بأسوأ ليلة مرت عليك ،من رحمة الله بك انك فقدته ،الم تسمعي أن تحت كل نقمة نعمة ،حالتك خير مثال ،ادفني ماضيك معه،والتفتي الى مستقبلك ،النظر الى الوراء متعب عزيزتي ،مدي بصرك نحو الأفق وتوسمي فيه الخير .
-تعبت يا أحمد تعبت ،وأخشى أن ابني أحلاما و اراها تهدم وتهد مابقي بي .
-ربك عدل يا زهرة ،لن يحكم عليك بالحزن والدموع طول حياتك ،سيكون القادم خيرا ،ثقي بنفسك وربك .
نظرت إليه كأنها تستند إليه .
هز رأسه مبتسما .
-انفضي عنك غبار الكآبة ،انتفضي ضد الحزن ،وافتحي قلبك للسعادة ،تحركي لتخرجي من دائرة النار التي أشعلها غيرك ،انت اقوى من هذا ،اعيدي الي زهرة التي اعرف ،تعاند وتنحت الصخر .
جاءت إيزا من غرفة رشيدة ،ومدت يدها بأوراق ملكية البيت 
-خذي زهرة ،هذا البيت أصبح لك الآن ،اجعليه بداية حياة جديدة 
-نعم زهرة ،اختاري مجراك ابنتي ،الماء الراكد يفقد نقاءه، جلوسك على الاريكة لن يرد فقيدا ولن يغير حزنك الى سعادة ،اخرجي الى الحياة لتعيشي أياما تنسيك أياما اخرى ،تقابلي ناسا يضمدون جراحا تركها آخرون ،تسعدي ناسا لتسعدي معهم .
-اسمعي امك زهرة ،ليس في الكون كله من يحبك بقدر حبها لك ،إن لم تجدي الحب الذي تبحثين عنه أكتفي بحبها ،إن افتقدت الوفاء تذكري انها أوفى الناس لك ،اسعدي لأجلها وستجدين السعادة والحب قد عرفا طريقك. 
وصلها الخبر،حليفها قتل،كيف قتل ولماذا ،تضاربت الأخبار،دخلت الى سعد بعد ان استأذنت 
-هل سمعت الخبر؟
-نعم  ،احدهم قتل خالد،لسخرية القدر ،قتله مجنون لأنه رآه بمنزل والديه فظنه لص وخيل لعقله المجنون انه يدافع عنهما.
-ولماذا يدخل خالد منزل ابويه؟
-افهمي ،هو بيت والدي خالد .
-منزل والديه!!!!
-ماذا ،ألم يخبرك انه سليل الحسب الطيب؟
-أي حسب في ذاك الحي ؟
-يبدو أن الصدمة أذهبت ذكاءك ،قلت الحسب الطيب ،ناس طيبون بسطاء لايرضون بغير الحلال.ويبدو انه حن لبعض الصفاء فذهب ليزور والديه.
-انا ،انا لا أصدق .
بدت تائهة فعلا 
-بل صدقي ،خالد لم يكن صادقا مع احد ،وخصوصا معك .
-معي ،وماشأني انا به؟
أدار نحوها شاشة الحاسوب ،وضغط زر التشغيل ،ليظهر امامها تصوير حواراتها مع خالد 
-بل لك شأن وشأن كبير ،انظري عزيزتي .
جحظت عيناها ،وارتعشت يداها ،ضاعت منها الكلمات وتاهت عن اي تبرير 
-بكل لطف ورُقَي ،تكتبين استقالتك ،وتختفين من عالمي ،قلت عالمي ،يعني ،لو رأيتك في أية شركة منافسة او صديقة او نتعامل معها سيصل هذا التصوير الى صاحبها .
نظرت اليه مذعورة. 
هز رأسه 
-نعم ،كما فهمت ،ابحثي عن مورد رزق آخر بعيدا عن السكرتارية، او تزوجي أكتفي بشرف ان تكوني ربة بيت،
يمكنك أن تنصرفي آنستي




الفصل السادس عشر 

وضعت على طاولة كبيرة امامها ،رسومات وتصاميم سهرت عليها أياما.
-انظري إيزا ،وقولي ما رأيك؟
مد احمد يده يقلب الأوراق مع إيزا ثم نظرا اليها بإعجاب بيِّن
-ما هذا زهرة ؟ انت لست مهندسة انت فنانة !
-طبعا يا أحمد ،زوزو تربية يدي .
قالت أيزا بفخر 
-سأنفذها هنا في هذا البيت ،وأسميه مطعم إيزا.
-بل نسميه مطعم زهرة إيزا .
كانت رشيدة تنظر إليهم بابتسامة رضى 
-انا جاهزة بالمال اللازم .أرباح اسهمك يا زهرة لم نقربها .
-ومصاريف المدرسة ؟
-رفضت كل من إيزا وأمينة يرحمها الله أن أدفع سنتيما واحدا.
-هذا كثير زوزو ،وانا لن أقبل .
عانقتها 
-بل ستقبلين ،انت ابنتي زوزو ،ابنتي التي عوضتني عن السنين العجاف، لا ترفضي هدية من ماما زوزو.
تدخل احمد 
-الهدية المقدمة بحب تدخل السعادة على الطرفين ،يجب أن تعلمي زهرة أنك بقبول هدية زوزو تقبلين أن تكوني ابنتها وتكون لك أما ثانية ،وهذا يسعدها وكما قالت يعوضها عن حرمانها من الأمومة .
-زهرة تعلم أن إيزا قدمت لها أكثر مما قدمت انا ،لما كنت مصدومة وضعيفة ،كانت إيزا الظهر الذي أسندنا، تحملت دور الأم لنا جميعا ،انا وزهرة وسعد الله يرحمه،إيزا بأعيننا وقلوبنا هي الأخت التي لم تلدها أمي .
-إذن نبدأ في ترتيبات افتتاح مطعم زهرة إيزا .
هتف أحمد متحمسا. 
-وماذا عن الفيلا رشيدة؟
-لن أستطيع أختي ،بأركانها ذكريات تؤلم، سعيدة كانت أم حزينة ،أفضل أن لا أدخلها .
-بيعيها واشتري بثمنها فيلا أخرى .
-ماما،لابد أن تسكني بفيلا؟
-الحقيقة يازهرة أنني لست مهتمة ،نريد الفيلا في بداية حياتنا،حديقة للأطفال ،غرف كثيرة للأهل ،والأولاد والخدم ،ربما مسبح ،ولكن مع الأيام نفضل شقة مشمشة بشرفة كبيرة ،غرف قليلة ومجهود أقل للعناية بها ،تصبح الشقة مع الأيام أكثر دفءا، من فيلا خالية .
-إذن اشتري شقة بمكان هادئ والمواصفات التي تريحك .
-متى تبدأين تجهيز المطعم زهرة .
كان أحمد يريدها أن تنشغل عن أحزانها ،وحبذا لو بدأت قبل أن يسافر هو وإيزا.
-قريبا ،سأتفق مع مقاول لأجل التغييرات في البناء ،كما رأيتم على التصاميم ،وكذلك الأسقف من خشب العرعار المنقوش ستأخذ وقتا ،لن أغير الزليج الفاسي فهو أجمل من السيراميك الحديث، وكذلك الزجاج الملون سأبقي عليه .
-هل ستقفين على هذه الأشغال كلها ؟
-عندما لا أكون بعملي في المطعم .
-هل سعودين لعملك؟
-نعم ،فأنا بعطلة مرض الآن ،ولكنني سأعود مع بداية الأسبوع ،وأبقى الى أن يجدوا بديلا لي.
أما الأشغال فعندي صديق ،شاب اثق به ،سأكلفه بتتبعها، وسيبقى معي بعد الافتتاح . 
كلما تذكر كلامها تشتعل النيران بقلبه وجسده 
-الفنادق يا زهرة ،بغرف الفنادق ،حتى انك لا تعرفين من اب جنينك!!!
ضرب المرآة بقبضته فتهشمت وجرحت يده ،جلس على طرف الفراش يهدر غاضبا 
-غبي ،غبي،عشت راهبا بمعبدها حتى أصبحت مسخرة زملاءك ،وهي لاتهتم ،وكيف تهتم لك وهي لم تهتم لجسدها ولا قدرته ،باعته على افرشة الفنادق .لماذا يا زهرة ؟لماذا جرحتني وكسرت رجولتي.
طرقت على الباب قبل ان تدخل ،تريد أن تستأذنه لتزور زهرة ،ولكنها فوجئت بيده نازفة 
-ما الذي حدث ،مابها يدك؟
رأت المرآة ففهمت ،دخلت الحمام واخذت اللازم لتطهر وتضمد الجرح قبل أن تجلس بجانبه .
-مابك اخي ،احك أخي الكتمان موجع أكثر .
نظر الى الأرض بين رجليه يخفي دموعه عنها
-ماذا أقول لك ؟ان اخاك غبي عاش على الوهم؟ام أنني جريت بصحراء حياتي نحو سراب هيأته لي عواطفي وذكرياتي؟أم أقول لك أن زهرة ليست زهرة واننا خدعنا فيها حتى أمي خدعت وظنت انها ماتزال زهرة الندية النقية ؟
-ما الذي جرى اخي ،قل لي .
حكى لها ماسمعه 
-وتحكم عليها من كلام متقطع نصفه عند الطرف الآخر ،واجهها أخي ،اعطها فرصة لتشرح لك او لتدافع عن نفسها .
-وماذا ستقول لتدافع عن نفسها ،كيف ستنكر حملها ؟
-أتشك أنها لم تكن حاملا منك ؟هذا كثير سعد ،انتما متزوجان أم نسيت .
-على الورق غيثة ،على الورق .
وضعت اصابع يدها الرقيقة على شفتيها تكتم شهقة دهشتها.
-زواجنا كان باطلا لأنها كانت حاملا،ولكنني سأطلقها حتى أحفظ ماء وجهي امام الناس ولا اصدم ابي .
قامت تخرج من الغرفة وقد قررت أن تذهب إليها ،يجب أن تفهم منها ،يجب أن يكون عندها تفسير او عذر ،لقد أحبتها ،احبت فيها حنانها وعفويتها، جدها والتزامها. يجب أن تعرف كيف تكون مع كل هذا حاملا قبل الزواج! 
رن هاتفه الصغير لتنشرح اساريره وهو يرى اسم المتصل 
-اهلا اختي زهرة .
-اهلا بك محسن ،لعلك ظننت أن وعودي ذهبت مع رياح البحر .
-أبدا اختي ،ما شككت بوفاءك بوعدك أبدا ،ولكنني  انتظرت ان تعودي لترتاحي على الشاطئ مرة اخرى .
-كنت احب أن أشرب قهوتك ،وقد عزمت أن أدعو اختا لي على شواية سردين ،لأنها غبطتني على غذائي معك ،ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن .
-لابأس اختي ،المهم انك بخير .
-انا بخير ،واحتاجك معي في تجهيز المطعم .
-تحت امرك اختي .
-انتظرك غدا ،اكتب العنوان .
املته العنوان ،واتفقت معه على الموعد ،لتنهي المكالمة ،بينما نظر محسن الى الهاتف بيده
-كنت أعلم ،كنت أعلم أن الله ارسلها لي ،استجابة دعوتي بجوف الليل ،الحمد لله
رفع وجهه نحو السماء 
-اطمئني يا أمي ،دعواتك لي ستتحقق ،نامي واستريحي حبيبتي فقد ارسل لي الله طوق النجاة .
جرى الى البحر جدد وضوءه، وصلى ركعتين على الرمل يشكر ربه على كرمه . 
كانت تجلس على الاريكة امام التلفاز ،تنظر الى الشاشة ولا ترى ،على الطاولة أمامها حقيبتها الجلديةالسوداء ،كما هي منذ وضعتها قبل يومين ،نفس الثياب مازالت عليها ،تجلس مغيبة حتى يغلبها النوم ،وتستيقظ لتجلس كما هي ،لا تصدق انها خسرت كل شيء ،عملها القار بمرتب لم تكن تحلم به ،السيارة التي خصصتها لها الشركة ،والأمل في الزواج من الرجل الوحيد الذي أرادته، وفوق كل هذا لا يمكنها أن تحلم بعمل مماثل في شركة أخرى. 
والغبي خالد ،ألم يذكر والديه إلا الآن ،لماذا ذهب اليهما ،لو لم يفعل لما قتله مجنون لا يعي ما يفعل ،لكان الآن يخطط معها لتعود الى العمل ،مهلا ،وهل موته هو سبب طردي ،لا ،الثعلب كان له بكل مكتب كاميرا ،صورنا معا وعرف ما نخطط له .
ماذا سأفعل الآن ،كيف سأعيش ،لم يبق لي مكان هنا ،سأكلم اصدقائي بالخارج واهاجر الى من اجد فيه استعدادا لاستقبالي ريثما اشتغل.
وقفت بسرعة 
-نعم ،نعم ،هذا ما سأفعل ،يجب أن أسافر مادامت الفيزا صالحة ،لقد سمحو لي بستة أشهر لما سافرنا إلى بريطانيا ،ومايزال بها اكثر من شهر، علي استغلالها .
الهجرة هي الحل ،هي مهربها من اخطاءها ،ولعلها تعلمت الدرس . 
-لما نعقد اجتماع فتح اظرفة العروض سيتفاجأ غانم لا محالة .
-لا لن يفعل ،لأنه سيأخذها هو .
-كيف هذا سعد ؟
-لقد غيرت في العروض ،ولكنني جعلتها ابخس ،فقدم أقل منها ،أعطيه الورش ،واقف له بالمرصاد ،أراقب كل حجر وسلك ،ليكون كما أريد وحسب مواصفات المشروع.
-إذا رأى انه سيخسر ،قد ينسحب .
-ولهذا سأضع في العقد شرطا جزائيا بمبلغ كبير .سأجعله يعلن إفلاسه سواء أتم المشروع او تخلى عنه.
-انت داهية ،سعد،كأنك تنتقم لزهرة منه.
غمغم لنفسه
-بل انتقم لنفسي ،لولاه لبقيت زهرة معي وتحت عيني .
وضع المنديل على الطاولة وقام مغادرا ،غابت ابتسامته،انطفأت إشراقة عينيه ،بل كأن ظهره انحنى قليلا .
نظرت إليه بحنان أم رغم انها أصغر منه،تحبه اخا وسندا وتعتز بقوته وحنانه ،بحبه للحياة وتقواه، ماذا حل بك أخي ؟أي ريح سوداء بعثرت حياتك؟ 
كان يحس بولده، يعرف ويتجاهل، ولكنه يراه اليوم أكثر حزنا وضعفا،وأكدت شكوكه نظرات غيثة الحزينة .
-ستخرجين اليوم أم الغيث؟
نظرت إلى ذلك الذي أصبح في الحديقة .
-نعم بابا ،سأتصل بزهرة لألتقي بها .
-حسن ،اهتمي بنفسك.
اخذت منها موعدا ساعة استراحتها ،واتفقتا على لقاء بالمقهى المقابل للمطعم.
كانت تنظر إليها تعبر الشارع ،زادت نحافة حتى أصبح مظهرها كطفلة صغيرة ،سروالها الواسع الابيض وحذاءها الرياضي يزيدانها قصرا،قميصها الفضفاض يزيدها هزالا، كانت كل منهما تنظر الى الأخرى ،نفس النظرة الحزينة ،نفس الملامح التعيسة، ولكن لكل منهما أسبابها. 
-أهلا حبيبتي ،تسعدني رؤيتك ام الغيث .
-وانا أكثر زهرة ام أقول زارا.
-مممم ،يبدو أن أخاك الحبيب حكى لك أخيرا .
-ينوي الطلاق زهرة ،ينوي الطلاق!لماذا زهرة ؟أخبريني، لماذا؟
كانت تقرب وجهها منها ،تغيرت نظرتها وحملت كل الغضب والخيبة اللذين بصدرها.
قابلتها زهرة بابتسامة هادئة 
-حكمتِ يا غيثة ؟
-ظننتك كنت حاملا من اخي ،من زوجك !كيف تطعنينه بخيانتك؟
-لم أخنه،لما تزوجنا لم اكن أعلم بالحمل ،أخبرته عن أسباب زواجي منه ،و كنت أعلم تظاهره بالعجز لأرفضه،اخوك كان يريد حبيبته سارة ،ولكن وصية والدتك أجبرته علي،و ظروفي أجبرتني عليه.
-ظروف ،واية ظروف تجبرك عليه وانت تحبين غيره.
-انتقامي من والدي ،ولم اخف عن أخيك شيئا، قلت له أن زواجنا سيبقى على ورق حتى انفذ انتقامي ثم نخترع سببا للطلاق امام أبيك ،ويتزوج من يريد .وقبل ،لم يرفض ،وبعد أسابيع علمت بحالي او قولي تأكدت ،ثم فقدته للأسف.
-للأسف؟!!للأسف؟!اتأسفين على حمل من رجل غير سعد ،حب طفولتك .
-طفولة ذهبت كما ذهب كل ما كان معها ،حتى سعد أحب سارة ،وانا ....
-انت ماذا ؟احببت رجلا آخر وحملت منه؟
ضحكة صغيرة ساخرة خرجت من قلبها الباكي.
-حب !ليته كان ثمرة حب ،لا غيثة لم يكن كذلك ،كان ذكرى ليلة سوداء .
شردت ،كأنها غابت ،غابت روحها وبقي الجسد تحملق أليه جليستها 
(معقول أن تكون اغتصبت ،ليلة سوداء ،ليست ليلة حب وعشق ،لابد انها اغتصبت ،عنف أقسي من بتر الأطراف ،أذل من تجريح النفس ،معقول يازهرة ،قطفت بقسوة ،وداسوا عليك بكره لتذبلي هكذا !!!)
انتبهت على صوت منبه هاتفها 
-قولي له أن يسرع إجراءات الطلاق ،الانفصال خير لي وله ،أيامنا الحلوة مرت بعمر الطفولة .
اراك سعيدة يا أم الغيث.
ذهبت وتركتها ،لم تر غيثا انهمر سيلا من عيونها .
-لك كل الحق في الانتقام اختي ،أضاعك وزرع الشوك بطريقك . 
-نظر إليها يونس الذي عاد إلى عمله ،ليست زهرة التي خرجت ،عادت أكثر ذبولا 
-مابك اختي ؟
هزت رأسها تبتلع دموعا تهدد بالخروج.
-لا شيء ،هيا لنبدأ طبق العشاء . 
-تريدين البيع وانا سأشتري ،بكل بساطة .
-اسمعني احمد ،لست مضطرا لتجاملني في هذا ،انت تعيش باسكوتلاندا ،ونادرا ما تزور المغرب ،وانا ارحب بك ابنا عزيزا كلما جئت .
-انا لا أجاملك ،(ضحك)وهل تكون المجاملة بمبلغ كهذا ،أصغي إلي ،اريد الفيلا لأجعل الطابق الارضي عيادة للعلاج النفسي ،واسكن بالطابق العلوي ،وإذا وجدت إقبالا على العلاج قد احولها مستشفى للأمراض النفسية مستقبلا.
-إذا كان هكذا فانا موافقة .
هتفت إيزا مداعبة 
-وتتركني هناك وحدي مع بيتر !
-عودي انت أيضا إيزا ،يكفي ماضاع من العمر في الغربة .
-سأعود ،ولكن ليس الآن (بعد أن أتأكد من استقرار زهرة هنا)
-متى إيزا ،اريدك بجانبي أختي.
-ااا،ليس الآن ،ليس بعد .
فهم احمد سبب ترددها فتدخل
-تعلمين انها تملك هناك مختبرا للتحليلات الطبية ،ومسؤولة عن مختبر معمل أدوية ،عودتها تتطلب ترتيبا ووقتا ليست مثلنا.
-بإذن الله ستتيسر امور عودتها ،فأنا أدعو لها في كل صلاة . 
-كان واقفا وسط البيت سعيدا بثقتها به،يراقب عملية هدم جدران لتفتح الغرف على البهو ،قبل ان تباشر عملية زخرفة الجبص على جهة من السقف ،وتركيب خشب العرعار المنقوش على جهة اخرى ،نبهته زهرة ان يراعي شجرة البرتقال ،تريدها بمكانها عنوانا وسِمة للمطعم.
ينظر إلى التصميم امامه بإعجاب، لم تغفل شيئا ،مكان المطبخ ،مراحيض الزوار ،التهوية ،كل شيء .
كما وعدته ،اصبح مساعدها ،وهي اخته ،حددت له راتبا لم يحلم به ،ابتعد عن زوجة أبيه واستقر بشقة صغيرة هي بعينيه قصر مهيب. 
مر أسبوع ،غادرت رشيدة وزهرة الفيلاحيث عاشت قرابة شهر حتى تبدأ اشغال التغييرات بالبيت المطعم،واليوم انتقلت الى شقة كما ارادتها رشيدة  مشمسة،بشرفة واسعة.
رن هاتفها برقم مجهول لها
-الو ،السلام عليكم .....نعم انا هي ....نعم يمكن أن نلتقي الساعة الرابعة بعد الظهر ،بمقهى ***
وعلى الموعد كانت مرة أخرى تعبر الشارع خارجة من المطعم ،وقف رجل غزا الشيب رأسه ،يبتسم وهو يهندم سترته 
-مدام زهرة ،انا المحامي عبد الصادق شكور .
-اهلا سيدي ،تفضل .
-السيد سعد العامري كلفني ،بما أنني محامي الشركة ،ان اتقدم عنه لقاضي الأسرة بطلب الطلاق.
أخرجت من جيبها ظرفا به اوراق .
-أظن هذا سيسهل عليك الأمر .انظر ،واجبني.
قرأ الاوراق وعلامات الدهشة  على ملامحه ،رفع بصره إليها.
-يبقى أن اوقع لك توكيلا عني ،فتتقدم بطلب إلغاء الزواج .أم انا مخطئة؟ 
-لا،لا،ولكن السيد سعد قد لا يوافق .
-يبقى عليك أن تقنعه ،وان يقتنع ويتأكد أن السر لن يذاع ،يعني انك مطالب بالسرية التامة لأجل سمعة موكلك ورئيسك بالشركة .
-مفهوم ،مفهوم ،سأكلم السيد سعد وارد عليك .
-وانا انتظر ردك ،الى اللقاء.
تتبعها بنظره وهو يتبث نظارته الطبية على عينيه.
مظهر طفلة ،وقوة وجلد يحسدها عليه الرجال .
-سبحان الله ،لا حول ولا قوة الا بالله. 
العادي بمحكمة الأسرة هو تقديم طلب الطلاق ،وعند اتفاق الطرفين ،يعطيهما القاضي مهلة للتفكير اسبوعين ثم يجددها اسبوعين آخرين وبعد المهلة الثالثة إذا لم ينفع استدعاء طرف من اهله وطرف من اهلها ولم يحصل صلح وتراجع ،يحكم بالطلاق حسب الاتفاق ،إما طلاقي للشقاق او خلعا، او طلاقا بائنا .
وهي لا تريد حضور جلسات ولا مسرحية طلاق تضاف الى تمثيلية الزواج.
وكما توقعت ،بعد أسبوع جاءها إعلام بطلان زواجها من سعد .
دخلت غرفتها ،وبكت ،لا تدري لم تبكي ولا ماذا تبكي ،هي فقط تبكي ،دموع تفيض من نبع الألم بالفؤاد لتسيل على وجنتيها ،لو كتمتها ستجثم على صدرها صخرة من جليد ،فلتسمح لها بالانسياب لعل النبع يجف. 
جاءه المحامي واستأذن غيثة التي اخذت مكان سارة ،أذنت له بالدخول، كانت تعلم عن إجراءات الطلاق ،فتركت الباب مفتوحا ،كما كان ،فسعد منذ أصبحت مساعدته لم يغلق الباب بينهما .
-اهلا سيد شكور تفضل .
-كان مترددا بسبب حرجه ،لم يعتد أن يقابل رئيسه لمواضيع شخصية .
مد يده بورقة 
-تفضل سيد سعد ،قرار القاضي بإبطال الزواج ،يعني انك لم تكن متزوجا من السيدة زهرة .
-تمام ،أشكرك، يمكنك الانصراف .
خرج المحامي ،فأخذ مفاتيحه وخرج وراءه ،يخفي عينيه وراء نظارته الشمسية .
نظرت إليه بأسى ،ودخلت تنظر إلى الورقة ،قرار بإبطال زواج ،وضعتها بدرج المكتب ،وخرجت تمسح دمعة شاردة .
ركب سيارته واسرع بها نحو تلة "بوسكورة"هناك قصد الغابة ،ونزل من السيارة يعدو ،حتى أُنهِك ،فاستند على شجرة وصاح بألم ،يحاول أن يخرج الهواء المشتعل بصدره ،ان يلفظ الأشواك التي تنغز قلبه ،ولكنه مهما فعل فالنار ملتهبة والاشواك مغروسة سامة




تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close