أخر الاخبار

رواية حكاية زهرة الفصل السابع7 بقلم حكاوي مسائية


 رواية حكاية زهرة الفصل السابع7 بقلم حكاوي مسائية


يهاجر الطير ويعود إلى موطنه، 
يعود إلى حيث رأى النور ،
بوصلته حنينه ،حبه ،فطرته.
هل أعود؟لم أر نورا بوطني 
اب قاس استبدلني بالمال والثروة 
استغنى عن وجودي بابنة احبها 
فلا موطن دون سلف .
بوصلتي أضعتها ليلة أضعت نفسي .
حيث أنا ،لا أحد سيسأل عن ذاك الختم الذي فقدته في ليلة ظلماء. 
حيث أنا لا أحد سيستغرب عزوف امرأة عن الزواج.
حيث أنا لا أحد سيحاسبني على خطيئتي إلا نفسي.
ولكن أمي تحن الى العودة ،كانت تحلق بجناحين وقد كسر او بتر أحدهما، فأصبحت تؤثر أن تحط الرحال وترتاح ،وراحتها بالوطن ،تحت سماءه وشمسه، اشتاقت الى دفءه، الى رائحته، الى هواءه،وزاد الشوق لما لاح بالأفق سبب للرجوع.
غانم ،ذاك الرجل الذي لم أر منه ما يجعلني أذكره ،بل لم أر منه إلا ما استميت لنسيانه، وهي تخشى جبروته وغدره، حرم من الأولاد بعدها ،زوجته مرضت وكان العلاج هو إزالة الرحم،وبقيت كارما ابنته الوحيدة المدللة ،نعِمَت بثروة مسروقة ،وماتزال تتمتع بها ،بينما تعيش رشيدة وزهرة الحاجة .
كيف ستعود وهي لا تأمن جانبه ،تخشى على زهرة منه خاصة انها نجحت حيث فشلت مدللته،الدراسة .
بينما تفكر رشيدة وزهرة ومعهما بيتر وإيزا في عرض احمد العامري،ويقلبون اوجه العودة ،ويمحصون الأسباب والنتائج ،كان سعد يخطط لشيء آخر .
زارته سارة بالمستشفى .
-أخيرا يا سارة .!
قال ساخرا ،تلعثمت قبل ان تجيب 
-لم أستطع زيارتك في الأيام الأولى بعد الحادث لأنني كنت كلما جئت رأيت اباك وغيثة وأُحرج،فاعود قبل أن يرياني،ثم تابع السيد الوالد الأعمال في الشركة واضطررت أن أكون معه.
-ولم تجدي وقتا لزيارتي ،حسن ،لا يهم ،لا بد أن وضعي الحالي كعاجز يضع أمامك خيارا آخر .
-لا تقل هذا سعد ،لا يهمني إلا أن أكون معك وبقربك.
لن يكون عجزك عائقا بيننا ،ثم أنك ممكن أن تسافر للعلاج خارج الوطن .
-ممكن ،ولكن إعاقتي ليست العائق الوحيد بيننا .
نظر الى عينيها يستشف رد فعلها 
-أمي قبل وفاتها اخذت مني وعدا أن أتزوج ابنة صديقة لها ،وجددت طلبها في وصيتها ،والدي اتصل فعلا بهم وخطب لي الفتاة .
دهشة ،صدمة ،حزن ،خيبة ،كل هذا رآه بعينيها وعلى محياها ،تشنج عضلات وجهها وعنقها، قبضتها التي اشتدت حتى تكاد أظافرها تجرح كفيها ،ولكنها تماسكت لتذكره
-ولكنك وعدتني ،كيف تخلف وعدك وقد سلبتني شرفي.
-تذكري أنني لم أرغمك ،ولم أغتصبك، حسب قولك ،لأنني لا أذكر شيءً من تلك الليلة ،انت قبلت علاقتنا بعد وعودي بالزواج والتي لا أذكرها أيضا.
-ماذا ،هل تتخلى عني ،هل تتهرب من وعدك لي.
لم ترفع صوتها ،لم تدمع عينها ،ولكن نبرة صوتها وتعبير وجهها كان به غضب وبعينيها نظرة كأنها جليد أسود .
تأكد من ردة فعلها أنها ليست متيمة بحبه ،نعم هي تريده ،كما تسعى نحو صفقة رابحة ،زوج ناجح مثالي ،وتعرف عنه الصغيرة قبل الكبيرة .
تأكد الآن انها دخلت فراشه بإرادتها حتى قبل أن يعدها بالزواج، فأجابها بهدوء أبرد من هدوءها
-لا اتخلى عنك ولا اتهرب من وعدي لك ،فقط اضعك في الصورة ،رأيت دم عذريتك على فراشي وهذا يجعلني مسؤولا عن سمعتك ،ولكنك ستساعدينني حتى أستطيع أن افي بوعدي لك وانفذ وصية امي.
-كيف ؟
-تنتظرين،فقط تنتظرين ،العروس عاشت بأوروبا ،متحررة ،كبرت على افكار وأسلوب حياة مختلف ،وانا كما ترين أصبحت نصف رجل ،قد يأتي الحل من عندها وترفض الارتباط برجل عاجز على كرسي متحرك.
-كما تشاء ،ما يهمني هو راحتك ،سأنتظر .
-هل يمكنني أن أسألك وتجيبين بصراحة ؟ولعلمك جوابك لن يغير من الأمر شيء.
-إسأل ولك علي أن أصدقك الجواب .
-أتحبينني؟
كان يراقب انفعالاتها بنظرات ذئب ،لم تفته رعشة خدها ولا رمشة عينيها ولا شحوبها 
-طبعا احبك ،كيف تشك في هذا .
ليس غرا ليصدقها ،لو كانت تحبه لاحمرت وجنتاها خجلا وما شحبت خوفا ،لما ارتعش خدها وجانب شفتيها بحثا عن نبرة صدق تغلف كلمات اصبحت مبتذلة ،لكان ذاك البريق بعينيها بريق عشق لا لمعة خبث،ولكنه سيتظاهر انه يصدقها ،وينتظر هو أيضا ليعرف على أي جانب سيرتاح.
سمع غانم بحادث سعد ،وبإصابته بالشلل، الأخبار تنتقل بين رجال الأعمال ،ومن المجاملة زيارة الأب ومواساته. 
ذهب إليه بمقر شركته ،كما فعل جل اصدقاءه وعملاء الشركة ،دخل مكتبه بعد أن أخبرت سارة السيد احمد بقدومه 
-اهلا ،اهلا يسد غانم .
-أهلا بك ،والله حزنت لمصابك .
-قدر الله وماشاء فعل .
-المهم ان الله كتب له الحياة ،والطب تقدم ويمكن أن يعالج .
-بإذن الله ،ولو أن الدكتور كان يائسا من علاج سعد سواء هنا او في الخارج.
-أنا آسف ،سعد شاب طموح وله مستقبل في عالم الأعمال ،كيف سيشعر وهو على كرسي متحرك .
-ليس الكرسي هو المشكل ،المهم أن يتقبل وضعه ،إن فعل لن يعيقة شلل رجليه عن النجاح.
-كان الله في عونك ،سيكون لك دور مهم في شفاء نفسه وأنصحك أن تعامله كما كنت تفعل قبل إصابته حتى لا يحس انه أقل مما كان او نقص به شيء .
استغل أحمد مجرى الحديث ليقول
-وقد ازوجه أيضا ،وانا فعلا خطبت له .
تذكر غانم كلام رشيدة
(كانت ماتزال بالمستشفى بعد ولادة زهرة،وجاء اليها متظاهرا بالفرحة والحب ،فقد كان مايزال في أول طريقه نحو ثروتها، استقبلته باسمة هي وأمينة التي باركت له 
-انظر غانم ،ابنتنا زهرة ،تشبه امي ،شقراء باعين زيتونية .
-بل تشبهك حبيبتي  .
-سميتها زهرة أرجو ألا تمانع ،احببت أن اسميها على اسم امي .
-لا مانع عندي ،المهم انك سعيدة وبخير .
-وقد خطبتها أمينة لابنها سعد .
ضحك ملء فيه قبل ان يقول
-إذن يخطبها مني اب سعد ،وإلا لن أوافق .
-وانا وعدت أمينة ان تكون زهرة لسعد .
تدخلت أمينة مبتسمة 
-لو كانت العقدة أن يخطبها اب سعد منك فسيفعل ،ولن تجد سببا لترفض سيد غانم .
-إذن حلت العقدة ،مادام اب سعد سيتقدم ،مبارك لكما زواج زهرة وسعد.
ضحكوا ،فاستغل سعادة رشيدة لأول مرة في سبيل تحقيق حلمه .
فتح حقيبة اوراقه 
-طبعا تعلمين أنني لم أكن بجانبك بسبب مناقصة مهمة ،ولأن زهرة قدم خير ،فقد رست علينا ،اخذنا مشروع بناء الفندق الجديد ،ويبقى أن توقعي العقود.
-قلت لك غانم ،ان اكتب لك توكيلا بإمضاء العقود ورفضت ،اليس افضل من أن تأتيني بها كل مرة .
-لابأس حبيبتي ،انا مرتاح هكذا ،افضل أن تطلعي على العقود قبل توقيعها .
-هات لأوقع.
-راجعي البنود ،وتأكدي مما توقعين .
-وهل انا بوضع لأراجع او اركز ،ثم أنني مطمئنة لسير العمل وهو بين يديك ،فنجاحك هو نجاحي .
-دمت لي حبيبتي .
كان قد دس ورقة تنازلها عن مزرعة والدها والتي كانت مطمع والده من زمن .)
-يا سيد غانم ،سيد غانم 
-هاه،اعذرني ،كنت تقول؟
-بل قل انت فيم كنت تفكر ،يبدو انه أمر مهم .
-لا ،فقط عدت إلى يوم ولادة زهرة .
-زهرة ابنتك؟
-نعم ،ابنتي التي اخذتها امها واختفت بعد أن اخذت كل شيء ،ولولا أنني كنت قد اشتريت منها الشركة لكنت افلست بسبب هروبها .
نظر إليه بخبث سائلا
-ألم تبحث عنها ؟
-بلى بحثت ،ولكنها اتخفت ولم اعثر لها على اثر .
كان يعلم كل الحكاية ،ولكنه يجاريه في الكلام .
-لقد اتفقت مع زوجتي يرحمها الله ان تزوج زهرة لسعد  .
-اعلم ،وكنت موافقا ،ولو لم تختف لزوجتها له .
-حتى بحالته الآن !
-وما شأن حالته بزواجه ،يبقى رجلا ومن خيرة الشباب.
-بارك الله فيك 
-ألم تتصل بالمرحومة أمينة قبل وفاتها .
-بلى ،كانت بينهما مكالمات ،ولكنني لم أسأل يوما لأعرف مكانها.وإلا كنت خطبت منها زهرة وذكرتها بوعدها.
-اسأل سعد ،واسأل من جانبك وانا من جانبي ،لو وجدتها نجدد الوعد ،مارأيك .
-لا مانع عندي ،سأسأل.
غادر غانم شركة العامري ،وهويلعن رشيدة ،ليته يعرف مكانها ،لكان زوج زهرة من سعد ولو ارغمها على ذلك ،مصاهرة العامري ستنعش أعمال شركته ،تخصصه في البناء يجعله يبحث عن مناقصات شركات الهندسة والمقاولات التي تتعاقد معه على تنفيذ المشاريع.
وشركة العامري من اكبر شركات الهندسة والمعمار، بينما خسرت شركته مناقصات عديدة كما خسر ثقة عملاء لم يصدقوا ما أشاعه عن ابنة صديقهم انها خانته وهربت أموالها قبل أن تختفي هي وزهرة.
دخل فناء الفيلا ليجد زوجته مع عدد ليس بالقليل من صديقاتها يجلسن بصالون مفتوح على الحديقة الخلفية ،يلعبن الورق وضحكاتهن تملأ المكان الى جانب دخان سجائرهن الذى يضيق النفس.
اشارت له بيدها ،كما أشارت له من تواجهه من النسوة ،فأشار لهن قبل ان يصعد إلى غرفته .تمدد على سريره يفكر فيمن سيساعده ليعرف عن رشيدة وزهرة التي أصبحت بين عشية وضحاها مفتاح ازدهار شركته.
(يبدو انك يا ابنة عمي ستبقين ورقة حظي الرابحة ،يجب أن تعودي ،فابنتك سيفتح لي أبوابا موصدة )
ايقظته هزة زوجته ، فقد نام وهو يفكر كيف سيجد خريطة الكنز.
-نمت ببذلتك!حتى انك لم تنزع حذاءك.
-من التعب .
-سألت عنك ،لم تكن بالشركة .
-كنت بشركة العامري ،تذكرينه؟
-نعم ،زوج أمينة صديقة رشيدة .
-نعم ،هو ذاك (اعتدل جالسا)ولو كان لنا قليل من الحظ سنجنى من وراءه الكثير .
-هل ستشتغل معه ؟
-أكثر ،قد أصاهره .
هتفت بسعادة 
-صحيح؟هل كلمك عن كارما ؟
-مارأيك لو نزوج كارما لابنه سعد؟
-موافقة طبعا ،وسأقنع كارما ،بل اعتبرها موافقة ،شاب وسيم وغني ماذا ستريد بعد؟
نظر اليها مستهزئا
-وانت تقنعينها ،لا تنسي أن تخبريها انه مقعد .
-ماذا؟ما أعرفه انه بصحة جيدة ،رأيناه انا وكرما كثيرا بالنادي ،وأكدت إعجابها به.
-حادثة بالسيارة خرج منها مشلولا .
-وليكن ،المهم انه غني ،وكرما جميلة ،وذكية ستستغل إعاقته لصالحها وصالحنا.
رمقها باشمئزاز
-وتضحين بسعادة ابنتك من أجل المال .
-اين التضحية في زواجها منه؟
-مقعد ،م..ق..ع..د،يعني لن تضع يدها بيده بل ستدفع به الكرسي المتحرك ،لن تعيش معه أحلامها ،أحلام كل بنت في سنها .
-وستحقق احلاما أخرى .
ادار اليها ظهره يغادر الغرفة ،رفع يده بملل ،
-افعلي ما يبدو لك .
لن يتعجب من كلامها ،وكيف يفعل وهي من خطط لتجريد رشيدة من مالها ،وقد كان رضي على مضض ان مال عمه ليس من نصيبه.بل هي من اخترعت له الإشاعة التي أطلقها عن اختفاء ابنة عمه ،اخذ مالها ،ونفاها ليعود ويشوه سمعتها ،ولكن من يعرفونها ،وكبرت بينهم لم يصدقوا كلامه ،بل تجنبوه كالموبوء، وخسر بخسرانهم مالا كثيرا. 
اتصل العامري برشيدة ليعرف جوابها عن طلبه 
-السلام عليكم .
-وعليكم السلام ورحمة الله اخي احمد .
-كيف حال زهرة ،ارجو انها بخير 
-بخير الحمد لله ،قد فكرنا في عرضك اخي. 
ترقب جوابها ،ينتظر رفض زهرة ،فهي غادرت صغيرة جدا ،وقد تكون نست لغتها فكيف ستذكر الخالة أمينة او العم أحمد اوسعد؟ 
فتاة عاشت ودرست بأوروبا حيث ينتظرها غد أفضل ،وإمكانية شغل بمرتب كبير ،هل ستقبل العودة الى بلد من العالم الثالث ،بتقاليده ،وأفقه الرمادي ،ثم ما يدريه لعلها على علاقة مع شاب هناك وخططت ليكون مستقبلها معه .
-اعلمي انه مهما كان قرارك لن يغير في علاقتنا شيء .
-لم نتخذ قرارا بعد ،تفضل زهرة أن تأخذه بعد أن نعود الى الوطن .
فاجأه هذا القرار ،إنه اكبر من قرار الزواج ،العودة تعني أن يعثر عليهما غانم ،أن يعرف أن لزهرة أسهما بشركته، ان تعلم زهرة أن سعد لم يعد كما تذكره لو كانت تذكره ،لو لم يحصل على وعد منها فلا يظنها ستوافق.
-هل انت مطمئنة لقرار العودة ؟
-بعد وفاة ابني سعد تغير الكثير ،ماعدت أريد الاستمرار في الهروب ،سأواجه غانم وخوفي منه ،زهرة لم تعد صغيرة ليأخذها مني ،كما أنها تغيرت كثيرا بعد الحادث ،اكتأبت، وانطوت على نفسها ،وهي من اقترحت الرجوع ،لعلها ستجد هناك دفء المشاعر كما دفء المناخ.
-وما رأي إيزا وبيتر ؟
-سترافقنا إيزا لنبقى ببيتها هناك حتى نشتري بيتا لنا ،كما سيأتي معنا بيتر رغم اننا لن نحتاجه ولكننا دعوناه ليستمتع بالشمس بلدنا.
-إذن سننتظر وصولكم عن قريب .
-تماما ،الى اللقاء إذن .
ودعها ليعود إلى أفكاره ،ترى ماذا ستكون نتائج هذا القرار وهل سيكون العود محمودا. 
عاد سعد إلى غرفته بالفيلا ،ساعده البواب وممرض على صعود السلم ،وبعد أن وضعاه على فراشه امرهما بالخروج .بعد أن تأكد انهما ابتعدا ،وقف ،حرك رجليه متريضا، ثم توجه  يريد اخذ ثياب مريحة للنوم .
رأى الى جانب الخزانة حقيبة سفره كما هي منذ عاد من بريطانيا ،فتحها واخرج منها قميصا قطنيا بدون أكمام قربه من أنفه فشم به عطرا نسائيا ،اغمض عينيه يحاول تذكر تلك الليلة .جلس على جانب السرير، يعتصر ذاكرته ،لاشيء.
ترك القميص من يده ،واخذ ثيابا نظيفة ،اخذ حماما ،غير واستلقى لينام دون عناء ،تحت خده القميص الذي لم ينتبه له ،ولكن رائحته تسللت عبر انفه نحو أحلامه .
جسد نحيف يرتعش تحت يديه ،يدان صغيرتان تدفعان صدره ،أنين شبيه بالبكاء ،فتح عينيه ليرى على ضوء خافت وجها لا يعرفه ،ثم صورة شعر طويل يغمر وجهه وهذا العطر الهادئ كأنه نسمات صيف ببستان برتقال.
أفاق من حلمه ،اخذ القميص ،انه العطر ،ليس عطر سارة فكيف وصل اليه ،الجسد النحيف جدا ليس جسدها ،ولا الشعر الطويل شعرها ،فهي تقصه حد رقبتها ،كيف يحلم بغيرها .ولماذا اليوم بعد ان شم العطر على قميصه.
سمع طرقات على الباب فدس القميص تحت مخدته قبل ان يأذن بالدخول، كان والده 
-بني ،انت ترفض مساعدة ممرض ،وكما رأيت احتجت لمن يحملك الى غرفتك .
اكمل سعد
-ولهذا طلبت ان يجهزوا لي جناحا بالأسفل .
-هذا ما كنت ساقترح عليك ،وقد طلبت ان يكون جناحك جاهزا بعد ايام قليلة .
-هل كلمت الخالة رشيدة ؟
-نعم ،وقد قرروا العودة قبل قرار الزواج او عدمه
-لا بد ان العروس تريد ان تعاين العريس قبل ان تقرر.
اخفض والده رأسه بحزن 
-انت انت سعد ،فلا تضع نفسك تحت اختبار احد ،إن قبلت قبلت وإن رفضت أحلك من وعدك لأمك ،واختر انت من تريدها وتحبها وسأخطبها لك .
شرد بعيدا ،أشفق عليه والده ،يظنه يفكر في عجزه ،ولكنه كان يفكر بها 
(لو على من اريد ومن احب ،فهي كانت دوما حبيبتي وحلمي ،ولكنني لن أقبل أن تتزوجني وفاء لوعد أعطته امها ،اوتنفيذا لآخر رغبة لامرأة متوفية ،اريدها زهرة التي كانت لا تحس بالأمان إلا معي ،لا يرتاح كفها إلا بين كفي ،بعينيها حب بريء ،واسمي على لسانها كأنه ترنيمة صلاة.اريدها زهرتي كما عهدتها.) 
-زارني والدها امس ،جاء للسؤال عنك ودعا لك بالشفاء ،لمحت له أنك قد تتزوج ،ولم انتظر انه سيذكر وعد رشيدة لأمك ولكنه ذكره ،وقال انه لو عثر عليها زوجها لك.
-وهل يقبل بي زوجا لابنته مع إعاقتي .
-بل قال انك رجل وخيرة الشباب.ولا أظن أن من تطلب يد ابنته سيراك غير ذلك كان من كان.
(بل اظن وراء ذلك غرض بنفسه لا نعلمه حتى الآن) 
مر اسبوع قبل ان تصل طائرة قادمة من بريطانيا مطار الدار البيضاء ،كان احمد العامري في الاستقبال منتظرا ،رأى رشيدة وإيزا ،عرفهما فقد كانوا جميعا زملاء بالجامعة ،رغم اثر السنين لكنها لم تتغير كثيرا ،الى جانب إيزا رجل خمن انه بيتر ،بينما على يسار رشيدة فتاة شديدة النحافة ،شعرها الكسثنائي ذو الخصلات الشقراء يتجاوز خصرها ،وجهها جميل جدا رغم شحوبها ،وعيناها الزيتونيتان فاتنتان رغم الحزن المقيم بهما .
معقول ان تكون هذه زهرة ،تبدو انها في السابعة عشرة ،وحسب علمه فزهرة تجاوزت الثالثة والعشرين بأشهر، معقول ان تكون من الفتيات المهووسات بالنحافة؟ 
وما هذا الحزن المخيم عليها ،هل هو كما قالت امها بسبب وفاة أخيها، ام أنها تركت خلفها عشقا معه سعادتها .
لم يجد بعد السلام والترحيب ما يقول ،تضارب الأفكار برأسه جعله يؤثر الصمت حتى يعلم ما يقول .
قاد بهم السيارة نحو مسكنه.
-سترتاحون عندنا ،ونتعشى معا ،قبل أن تذهبوا الى بيت إيزا .
بمجرد أن دخلت حديقة الفيلا الكبيرة داهمتها كل الذكريات ،هنا سقطت يوما وجرحت ركبتها ،فداوى سعد جرحها ،على تلك الشجرة ربط لها ارجوحة، من ذاك الورد كان يقطف لها كل يوم وردة يضعها بشعرها .وهنا ...وهناك ....
أما رشيدة فلم تتماسك نفسها ودخلت في نوبة بكاء ،اسالت دمع إيزا .
لاحظ أن زهرة لم تبك ،ألم تؤثر بها دموع أمها ؟
لا يدري انها تعلمت أن تجعل دموعها تسيل بداخل صدرها ، يبكي الفؤاد سرا 
لأنها جعلت به مكانا خاصا بالحزن والدموع .
على العشاء ،سألت رشيدة عن سعد 
-لم أر سعد ،ألن يتعشى معنا .
-سعد مسافر  ،تعلمين أنني رميت على كاهله شغل الشركة وارتحت انا .
-اعانه الله ووفقه .
لم تستطع أن تبلع مضغة ،منذ مدة لا تستسيغ أكلا ،ويصيبها بالغثيان ،ولكنها الآن تحس انها ستستفرغ .
-لماذا لا تأكلين زهرة ،ألم يعجبك أكلنا؟
-بل احببته ،ولكن يبدو ان الرحلة أتعبتني ،فلو تسمحون لي اغادر المائدة ،وقد أشرب شيء ساخنا .
-كما تشائين ،تفضلي الى الصالون .(التفت الى الخادمة )قدمي شايا لزهرة .
كان بغرفته ،يوارب الباب ويقف خلفه ،يسمع كل كلمة ،آثر ألا يقابلها في أول يوم ،وتعلل لأبيه بأنه لا يريد أن يروه على الكرسي المتحرك قبل أن يمهد لهم والده ويفضل ان يقابلها وحدها اول الأمر .
(هكذا إذن ،اول الغيث قطرة ،ترفضين اكلنا ،وربما تشمئزين منه وإلا ماغادرت المائدة قبل مضيفك ،بل إنك لم توجهي كلمة واحدة لأختي كأنك لا تعرفينها .الظاهر أنك لا محالة سترفضينني، حسن إذا ،هذا أفضل.)





تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close