أخر الاخبار

رواية حكاية زهرة الفصل الثامن8 بقلم حكاوي مسائية


 رواية حكاية زهرة الفصل الثامن8 بقلم حكاوي مسائية


الوطن ،ذاك الحضن الذي تغنى به الشعراء. 
الوطن ذاك الأب الذي يذوذ عنك ضد الاعداء.
الوطن تلك الأرض الطيبة التي يتمنى كل غريب ألا يدفن إلا بها.
الوطن ،دفء الشمس ،خصب الحقول ،شموخ الجبال ،صهد الصيف وثلج الشتاء .
الوطن ،ذكريات تعزي القلب في غربته ،تهفو النفس الى العودة إلى مراتعها .
ولكنها لم تر في وطنها غير القسوة ،لفظها ابوها عنوان وطنها إلى غربة شقية ،بطل ذكرياتها الجميلة يريدها تنفيذا لأمنية امه غلى فراش الموت .
تعود إليه شبه ميتة وترفض أن تدفن بتربته،وتعود إليه أمها خائفة وقد فقدت أمان الغربة .
هل للقدر سخرية أمَرّ من أن تجد في منفاك وغربتك أمانا وبوطنك خوفا وترقبا !!!!
ما وصل دفء الشمس إلى قلبها المكسور ،ولا زرعت جبال بلادها عنفوانها بنفسها الذليلة،ولا برَّد ثلج قممها  نارا بصدرها تأججت في ليلة باردة .
الحديقة حيث لعبت طفلة مع طيف مايزال يزور أحلامها ،حزينة تحت ضوء القمر كأنها تفتقد لهوهما واصوات ضحكهما ،جنبات الفيلا حيث لعبا الغميضة وبنيا بيوتا بالمخدات والشراشف، صامتة كئيبة ،وما سعادة المكان إلا بضحكات الأطفال وجريهم بجنباته.
تشرب فنجان الشاي الذي اوصت الخادمة أن يكون خفيفا دون سكر ،تجلس على أريكة مقابلة للسلم العريض الرخامي المؤدي الى الطابق العلوي وتذكر يوم وقعت عن سوره الخشبي اللامع (كنا كالعادة نلعب ،وغيثة ماتزال رضيعة ،تزحلق سعد من أعلى السور نحو الأسفل واحببت أن أقلده رغم تحذيره ألا افعل،عندت، واعتليت الدرابزين الخشبي المصقول،انطلقت ضاحكة سعيدة بإنجازي، ولكنني لم أكن بارعة في النزول فوقعت على أرضية البهو ليجرح أسفل ذقني ،جرت إلي أمي والخالة أمينة ،وضمني سعد رغم غضبه
-قلت لك لا تقلديني في كل شيء ،انت بنت وانا ولد ،وانا كبرت وانت مازلت صغيرة .
كان يصرخ بي وهو يتفقد جرحي ويمسح بيده الصغيرة الدم عن شفتي ،فلم تسلم شفتي السفلى من انغراس أسناني العليا بها .
اخذتني ماما من يديه وغسلت الدم لتتبين أن الجرح باسفل ذقني تلزمه غرزة او اثنتين. فأخذتني بسيارتها إلى المستشفى .
ركبت بجوارها الخالة أمينة ،بينما أصر سعد أن يركب معي على المقعد الخلفي ،بضع رأسي على صدره ويمسك القطن بيده على الجرح واليد الأخرى تمنع رأسي أن تبتعد عن صدره ،مازلت أذكر نبضات قلبه المتسارعة كأنني أسمعها الآن.)
تحركت يدها تلمس الجرح الصغير الذي لا يظهر إلا إذا رفعت رأسها الى الأعلى.
من خلف باب غرفته ينظر إليها ،لمسها الجرح أنبأه انها تذكرت يوم وقعت وجرحت 
-مازلت تذكرين يوم جرحك ،فهل نسيت ذكريات لم تخلف بك أثرا؟
تنهد وعاد الى فراشه ،وضع وجهه بكفيه 
-آآه يا زهرة أحلامي، لو أعرف ما بقلبك !
أما هي فلم تنتبه الى الذين جلسوا قربها بعد ان انهوا العشاء، حتى كلمتها الخادمة 
-هل أزيدك فنجانا آخر آنسة .
-ااا،لا شكرا ،سلمت يدك.
ماما هل نذهب ؟
وقفت رشيدة ففعل الباقون مثلها 
-أشكرك أخي أحمد ،أتعبناك اليوم ،كنت أحب أن أرى سعد ،اشتقت إليه كثيرا .
سمعها من غرفته ،هل يخرج إليهم ،لا ليس الآن ،ليس قبل أن يقابلها أولا.
انتظر أن تسأل عنه ،أن تحمل أباه سلاما إليه ،ولكنها تبخل بالكلام كأنها تبخل بصوتها عليه. 
توجهوا نحو السيارة ،وخرجوا يقصدون حيا آخر حيث منزل إيزا الذي ورثته عن والديها.مرت السيارة امام فيلا غانم التي كانت فيلا والد رشيدة زمنا ،رنت إليها وتنهدت تمسح دمعة متمردة عن جفنها ،بينما أدارت زهرة رأسها إلى الجهة الأخرى ،لاحظ أحمد ذلك فهو لا ينفك يراقبها على المرآة،حزن لأنها تهرب وربما ترفض كل ما يربطها بغانم او يذكرها بماضيها ،إذا كانت ترفض أن تنظر إلى بيت طفولتها فهل ستقبل ابنه زوجا وهو رفيقها بتلك الطفولة بل ولها العذر انه مقعد عاجز ؟
خرجوا من منطقة وشوارع المساكن الفارهة نحو حي الحبوس،مساكن وُقِفَت بأمر ملاكها، فلا تباع ولا تشترى ،ومتى انقضت سلالة المالك اصبحت ملك وزارة الأوقاف ،ورثت إيزا بها بيتا مغربيا أصيلا ،بناه جدها على طراز رياض مراكش من حيث هاجر الى الدار البيضاء ،تدخل من الباب الخشبي ليستقبلك رواق بعرض متر ونصف وطول تلاثة أمتار او اكثر قليلا ،على الجانب الأيمن سلم يؤدي إلى السطح ،تحته باب صغير جدا غالبا هو لمخزن لا يعلو عن المتر ،ثم باب لحمام لا يستعمله إلا الضيوف ،به مرحاض ومغسلة فقط ،أما على شمالك فتجد بابا ذا ضلفتين، يفتح على صالون مغربي له باب آخر الى البهو ،ثم قوس يدخلك الى البهو الواسع المربع على جنباته الغرف ومرافقها ،تتوسطه شجرة برتقال اشرأبت  نحو الشمس عبر فتحة كبيرة بالسقف تسمى الحلقة او الضواية. 
السيراميك او الزليج المغربي ،يغطي الأرضية بألوان وأشكال تختلف عن الذي يغطي الجدران .
التعب ظاهر على زهرة ،لاحظته إيزا فأخذت يدها 
-تعالي الى غرفتك ،لقد هاتفت سيدة تكلفت بتنظيف كل شيء ،حتى انها أعدت لنا وجبة لابد انها بالبراد .
دخلت غرفة لفت انتباهها تقسيم طولها بقوس من جبص منقوش يقف على ساريتين مكسوتين بالزليج، من وراءه فراش على سرير ذي اعمدة علقت بينها ستائر ،بجانبه خزانة من خشب الأرز المنقوش ،بينما على جانب قِبَله أريكة مغربية تقابلها تسريحة بمرآة من نفس الخشب ونفس النقوش. 
غرفة كأنها تضمك بحنان ساحر ،يغشاك النعاس بمجرد ولوجها، وهذا ما حدث لزهرة ،حتى انها على غير عادتها نامت دون ان تستحم .
كان احمد يقف بالبهو مع رشيدة وبيتر ،لم يكن يهتم لكلامهم بقدر اهتمامه لحالة زهرة ،شاحبة كأنها مريضة ،نحيفة كأنها لا تذوق طعاما،لا مبالية كمن استسلم لحكم لن يتغير مهما جاهد.
خرجت إيزا 
-المسكينة ،نامت وانا أكلمها ،لابد انها تعبت من الرحلة .
-الحمد لله على وصولكم بالسلامة ،اترككم لترتاحوا وأراكم ثانية.
لم يحدد لهم موعدا ،تركهم ليقرروا لقاءه بعد ان يرتاحوا من السفر .
عاد إلى سعد ،الذي كان يتحرك بكرسيه الآلي بين أثاث الصالون الكبير ،يود لو انه يقف ولكنه لايريد أن يجازف بأن يراه احد الخدم او والده ،قلق حتى انه لم ينتبه انه يحرك الكرسي بسرعة ،اصطدم كثيرا بالأرائك وكراسي طاولة الأكل ،دخل والده ليجده يتميز من الغيظ.
-مابك سعد ،لماذا انت غاضب بني ؟
-لاشيء ابي ،لاشيء.
-انت من قررت ألا تقابلهم ،ولابد انك سمعت الخالة رشيدة تسأل عنك .
-والآخرون ،الم يسألوا عني ؟
-بيتر وإيزا لا يعرفانك ،و...
قاطعه متوجها نحو غرفته 
-لايهم ،لا يهم ،تصبح على خير.
أغلق عليه باب غرفته قبل ان يسمع جواب والده الذي هز رأسه أسفا، حزينا على مصاب وحيده.
اما هو فقام عن الكرسي ،يركله ويضرب الجدار بقبضته 
-لم تسأل عني ،لابد انها نسيت وجودي،وانا الذي عشت على ذكراها ،حتى أصبحت مسخرة أقراني ،ارفض أي علاقة مع فتاة لأُبقي مشاعري لها وحدها ،حتى جسدي حرمته على غيرها 
وهل فعلت ياسعد ؟ام تكذب على نفسك ،انسيت ليلتك مع سارة ،ام تجد لنفسك عذر السكر والثمالة؟
لايهم غدا سأطلب من والدي أن يقابل والدها ،لابد انه سيرفضني ،او ترفضني هي لعجزي، وننتهي من هذه المعضلة ،وأطوي صفحتها الى الأبد .
وسارة ؟هل ستقبل بك عاجزا ،انت تعلم أنها تريدك ولكن لا تحبك ،هل ستقبل لأجل المال ،وانت هل ترضى ان تكون جني المصباح ،تلبي رغباتها المادية وبقلبك كرة من جليد ؟
نم يا سعد ،نم ،وللصباح عليم فتاح.
أيقظتها قرصة جوع منتصف الليل ،قامت تبحث عن المطبخ ،لاحظت بابا بركن من البهو عليه ستارة من خيوط من حرير ،إنه الوحيد الذي ليس له باب خشبي ،لابد انه هو ،وقد كان ،أخذت تفاحة من صحن من خشب العرعار على الرخامة،وفتحت البراد ،فوجدت به صحن وضعته بالميكرويف لتسخنه ،اخرجته فقلبت رائحته معدتها وكادت تستفرغ عليه ،غطته واكتفت بالتفاح وغادرت إلى غرفتها .
دوار وضعف ،وشهية ترفض أن تكمل تفاحة ،امر جعلها تقلق ،حالتها النفسية المتضاربة منذ طفولتها جعلت دورة طمثها غير منتظمة ،وقد لا تطمث لأكثر من شهر ،ولكن الأعراض الوحيدة تكون ألما أسفل البطن ،وبثور قليلة بالوجه سرعان ماتختفي، أما ان تعاف الأكل ،و الغثيان الملازم لها الى جانب التعب المستمر والرغبة في النوم ،فهذه أعراض تذكر ان امها عانت منها الأيام الأولى بالمنفى، قبل أن يظهر حملها بأخيها .
-غدا اكلم إيزا ،لن أقلق أمي بشكي ،يجب أن أتأكد. 
حل الصباح اخيرا ،زهرة عانت قلقا بسبب شكها ،حرمها النوم ،وسعد تضارب أفكاره طرد النوم عن عينيه ،جلس إلى مائدة الإفطار مع والده وغيثة .
-ارجو أن تكلم والد زهرة اليوم .
-ولماذا أفعل ،متى كان يهتم بها لنطلبها منه ؟
-هل ستخطب زهرة اخي؟
-ومابك سعيدة هكذا ،كأنها ماتركت جوارك ولا وجهت لك كلمة أمس ،أم لم تلاحظي أنها بعيدة منذ زمن ولم تعد تلك الزهرة التي نعرف!!!
نكست غيثة رأسها ،نعم لقد رأتها بعيدة رغم قربها ،لم تفرح بلقائها كما كانت تتصور ،ولا سألتها عن نفسها ولا عن سعد ولا عن حياتها ،هل تغيرت زهرة وألقت بحياتهم معا ببحر النسيان؟
-لا تكلم أختك هكذا ،غيثة لم تخطئ بالسؤال ،كما أننا لا نعلم ظروف زهرة ولا كيف تفكر .
-وانا أقول لك أنها ليست زهرة التي نعرف ،لم ارها جيدا فقد كانت توليني ظهرها ،ولكنني متأكد انها تغيرت وكثيرا .
-مثلنا جميعا ،من بقي على حاله ،أم تريدها أن تبقى تلك الطفلة التي رأيتها آخر مرة ،انت نفسك تغيرت ،بل إنك لست سعد الذي سافر إلى بريطانيا ،عاد جسدك ولكنك تهت بمكان ما هناك ،ما السبب ؟لا ادري .فكيف بمن قضت عمرا هناك ،ماذا رأت ،ماذا عاشت ،وكيف نجت وحدها من حزن الغربة وحزن فقد سعد .
-لم تفقدني (قال غاضبا)انا من فقدتها ،هي نستني .
-لم أقصدك انت بل قصدت سعد أخاها.
اتبعت أعينهما دهشة 
-رأيتما؟انتما لا تعرفان شيء عن زهرة ،رشيدة كانت حامل ،وانجبت ولدا ،اسمته زهرة سعدا،كبر ومات منذ مدة ،الغريب انه مات أيام كنت ببريطانيا .
-أسمته سعد ؟هي من أسمته ،إذن هي لم تنسني.
-لا أظن ،رأيت يا غيثة كم كانت شاحبة ونحيفة ،لم تبتسم ولم تتكلم ولم تأكل ،أتظنها أصبحت كفتيات أوروبا ؟حالتها تنبئ بأمر يقلقني ،فإما أنها مكتئبة أو إن عاشت على وثيرة التحرر فقد تكون أدمنت المخدرات ،مظهرها يوحي بأحد الاحتمالين وفي الحالتين يلزمها علاج نفسي طويل.
-مدمنة ،معقول؟زهرتي مدمنة .
-زهرتك ذبلت ارجو الله ألا تكون قد يبست وماتت منذ زمن .
وضع المنديل على المائدة وقام .
-هل سترافقني إلى الشركة ؟
-انا سأذهب إلى الشركة ،انت اذهب لتكلم ابا زهرة ،ارجوك .
-فليكن ،سأنادي السائق ليخرج سيارتك الجديدة .
-الجديدة !
-وهل اتركك تعاني ،طلبت لك سيارة خاصة ،مقعدها الخلفي متحرك ليسهل عليك الركوب ،أسرعت بطلب مقعدك هذا ،لأن مقعد السيارة لايمكن أن تتحرك به خارجها .
نظر إلى والده ممتنا ،وخجلا لأنه يجعله يعيش ألم إعاقة وهمية .
على مائدة مستديرة وسط ارائك مغربية ،بركن من البهو الكبير ،تجلس زهرة مع أسرتها للإفطار ،رغم منظر الفطائر الشهي ،اكتفت بكوب شاي بالنعناع ،وأسندت ظهرها إلى الوسادة الكبيرة خلفها.
-مابك زهرة ،ألم تحسي بالجوع ؟آخر وجبة اخذتها قبل أن نسافر بساعتين ،حتى انها كانت بضع فواكه .
-لا عليك ماما ،إنه تغير المناخ ،سآكل لما أحس بالجوع.
عن إذنكم ،سأغير لأخرج .
-خذيني معك زوزو ،سنقوم بجولة بقيسارية الحي(سوق الثياب والأقمشة ) ،كأننا سائحتين .
ضحكت رشيدة 
-نخرج كلنا ،بيتر أولى بالجولة السياحية .
-ستكون امام الباب سيارة أجرتها ،خذيه في جولة نحو مسجد الحسن الثاني ،ابهريه بالمعمار الاسامي المغربي ،بينما نشتري بضعة هدايا انا وزوزو ،لو رآه التجار معنا سيبالغون في الأثمنة. 
تملصت إيزا لتختلي بزهرة ،لا تدري أن رشيدة فهمت وتجاهلت ،قرب إيزا من زهرة سيجعلها تبوح بما يؤرقها. 
في الغرفة استلقت على الفراش تحدق بالسقف 
-مابك زهرة ؟أخبريني حبيبتي .
-اريدك أن ترافقيني الى دكتور نساء .
-انت مريضة يا زوزو ؟
-سنعرف هناك .
هناك عند دكتورة من معارف إيزا القديمة .
-إيزا عزيزتي .
-ماجدة ،والله زمان يا هوى زمان .
-مازلت كما عهدتك ،مرحة مبتهجة .
-ولمَ سأتغير ،يكفي أن كل شيء حولنا يتغير فلنبق نحن الثوابت.
-هههههه،انت صح ،في زمن المتغيرات لنبق نحن الثوابت .من تكون الجميلة ؟
-ابنتي ،لا تعجبني هذه الأيام فجئتك بها .
-تعالي حبيبتي .
بعد عدة أسئلة ،تدون إجازابها بمذكرة أمامها فحصتها لتخرج مبتسمة 
-مبروك ،ابنتك حامل في شهرين وايام .
جحضت عينا إيزا وفغرت فاها. 
-مابك إيزا ،الأعراض كانت واضحة أم أنك نسيت .
-لا لم أنس ،ولكن ....ولكن 
-ولكن ماذا ،أليست متزوجة ؟
كات زهرة قد خرجت من قاعة الفحص وتقف بجانب صديقتها 
-بلى ،بلى ،هي متزوجة ،ولكنها ماتزال صغيرة على الإنجاب .
سمعت هذا لتلتفت بينما أسرعت الدكتورة نحو الجسد الذي هوى الى الأرض.
-ساعديني إيزا لوضعها على الاريكة ،يبدو انها تفاجأت بالخبر مثلك .
كانتا صامتتين بالسيارة ،إيزا تقود نحو مكان معين ،وقفت على الكورنيش وأخذت بيد زهرة نحو مقهى مطل على البحر .
أجلستها إلى طاولة وجلست تقابلها 
-احكي لي .
-لاشيء لأحكيه .
-إذن سأحكي لك انا ،لماذا تظنينني لم اتزوج ،ترين انني جميلة وجدا ،أنيقة ،ناجحة ،هل لم يتقدم لي خاطبون، بلى ،وكثيرا ،عذري أنني أكتفي بنجاحي وابحاثي، Ma carrière   ،هه،الحقيقة غير ذالك ،الحقيقة مرة مرارة العلقم. 
صمتت فنظرت إليها زهرة مستفهمة 
-مادمت بدأت ،اطمئني ،ساكمل، كنا انا وهو ضمن بعثة دراسية ،أعلن حبه لي ،بل ادعى انه يحبني منذ أول سنة بالجامعة ،أحاطني باهتمامه حتى أصبح كل عالمي واحببته، تزوجنا بمباركة والدتي فقد كان والدي توفاه الله ،كلفنا بنفس البحث ،و حملت عنه أغلبه ،حتى احسست بأعراض الحمل ،فأخبرته وانا أساعد لموجة الحب ،عناق وفرحة وضحك هستيري، وتفاجأت بكلمة واحدة تخرج من جبل جليد .
-اجهضي .
ثمرة حبنا يحكم عليه ابوه بالموت ،لما رأى خيبتي وسمع صمتي ،زاد دفع الخنجر بين أضلعي .
-إما أنا او هو .
-هو من؟ إنه ولدك ،كائن منك ومني ،حبنا الذي سيمشي امام أعيننا. 
-وانا لا أريده ،انا جئت الى هنا لأبني كياني أنا ،ليس لأبني أولادا .
-ولماذا تزوجنا إذن .
امسك يدي بين كفيه
-لنكون فريقا ،نكتفي ببعضنا عن الآخرين ،نركز في مستقبلنا ،ننجح في ابحاثنا، نصبح مشهورين في عالم الاختراعات والأدوية .
-وبعد كل هذا ؟
-نسافر ،نجول العالم ،سياحة ومؤتمرات، ونشيخ معا .
-وحدنا ،لا أولاد ولا أحفاد، ننتهي بدار للعجزة بأوروبا .
-ولماذا تريدين هم الأولاد والاحفاد بينما يمكننا العيش بسلام ؟
-لن اجهض ،انا أريده ،اريد ولدي .
-كما تشائين .
خرج ،أمِلت انه سيراجع نفسه ويتراجع عن قراره ،حدثت نفسي انه ربما الخوف من مسؤولية الطفل ،السهر ليلا والخوف عليه من المرض ،وانتظرت أن يعود ،ولكنه لم يفعل ،يوم وآخر ،لم أشك انه هجرني ،لم يأخذ ملابسه كما أننا فريق في الأبحاث ،الأبحاث!!!اسرعت نحو المختبر ،وهناك كانت المفاجأة ،اخذ كل شيء ،ترك استقالته واخذ الأبحاث نحو شركة أخرى منافسة ،وفهمت لماذا كان ترك لي أمر التعاقد وإمضاء عقود ملكية البحث للشركة مقابل تحملها مصاريف المختبر والمواد ،ورواتب الطلبة المساعدين ،الى جانب راتبينا .
طلقني ،واتهمت من طرف شركة الأدوية بالخيانة ،وعرفت بيتر لأن صديقا رشحه لي ،بيتر ليس محاميا عاديا، إنه أشبه بالمحقق، يعمل معه عدد من الضباط السابقين وفتيات الليل.
كنت أسوق سيارتي دون وجهة محددة ،مرة أبكي ومرة أضحك من نفسي ،ومرات أصرخ ملء صدري والألم بداخلي .
افقت بعد حادثة بالمستشفى ،ليخبرني بيتر أنني فقدت الجنين ومعه رحمي بسبب النزيف ،دخلت فترة كآبة طالت لأشهر، ولكن بيتر لم يكل ولم يمل ،استمر في البحث خلف طليقي ،وجده بألمانيا ،سلط عليه فتاة ليل أصبحت خليلته مدعية انها باحثة من بريطانيا ،بيتر ذكي ،زور لها ملفا كاملا اقنع به الخائن، كانت مهمتها أن تسرق كل المعلومات سواء التي على الورق او التي على الحاسوب ،وبين الأوراق وجدت نسخة عن العقد مع شركة الدواء الذي أمضيته ،وعقدا أمضاه عن نفس الأبحاث مع الشركة الألمانية ،وكان يدعي البحث والتجريب وهو يعيد تجاربي ويقدم نتائجها .
اثبت عليه التهمة وسجنه فضاع حلمه كما أضاع أحلامي ،وكما ترين ،أصبحت المرأة الروبوت.
بيتر وحده من يعلم سري ،كثيرا ما اتهم بعلاقة غير شرعية معه ،نضحك من الإشاعة معا ،لأنه وحده يعلم أنني وضعت مكان قلبي حجرا صوانا. 
-فكيف تحبينني إذن .
-لاااا،انت احبك بذاك القلب الذي أحب الجنين وحزن على فقده،احبك بكل خزان الأمومة الذي ما بُتر كما بتر رحمي ، انت زوزو ابنتي .
-ولهذا فكرت ليلة أمس أن ألجأ إليك بدل ماما .انت أمي الثانية ،القوية ،التي لم تنكسر بخيانة وغدر فاق الحد ،رشيدة رقيقة كسرها غانم ،بالكاد وقفت لتستمر بجانبي وهذا بفضل مساعدتكم لها بعد الله.
-ستحكين لي إذن .
حكت لها كل شيء والدموع تنساب على وجنتيها الذابلتين. 
-ألم تعرفي من يكون او من تكون تلك المرأة ؟
-تحت الضوء الشاحب من نافذة الغرفة ظننت لوهله انني رأيته من قبل ،ولكنه كان يتكلم العربية ،فمن أين لي ان أعرفه ،فتح عينيه لحظة وحاول التركيز بملامحي ،حتى أنه اخذ خصلات من شعري يلفها على يده ويشمها ،ثم يرفع شعري كأنه يتعجب من طوله ،ولكنه كان كالمغيب ،كان ثملا جدا ولا اظنه سيذكر تلك الليلة .
-وهل قالت لك انها تريد دم عذريتك على السرير .
-سألتني أولا إن كنت عذراء ،ثم حرصت ألا تكون أية آلة حادة بمتناول يدي ،وقالت انني يجب أن أحرص ان يحس لما ...لما ...
-وطبعا أفاق على صوت ألمك .
-نعم ليغيب مرة أخرى .
-هل قالت انها زوجته ؟
-نعم .
-ليس كذلك ،بل أظنها تحاول أن تورطه ليتزوجها ولكنها تخشى أن تفشل ،فاختارتك بديلة عنها.
-اضعت نفسي ،وليت اخي عاش ،وها أنا افقد مستقبلي ،كيف سأعيش بطفل لا اعرف أباه ،لابد أن أعود الى بريطانيا ،هناك لن يسألني أحد عن ظروف حملي .
-هل تريدين الاحتفاظ بالجنين .
-لا أدري زوزو ،ذهني مشتت ،لا أستطيع أن ارتب أفكاري فكيف سأقرر
-رأيي ان تحتفظي به ،وإن استدعى الأمر أن نعود حتى تلديه فاتكفل به وتقرري مصيرك بذهن مرتاح. 
دخل الشركة على كرسيه المتحرك ،اتجهت إليه الأنظار ،فواجهها متحديا ،صعد الى الطابق حيث مكتبه ،ومكتب سارة وقاعة كبيرة للاجتماعات. خرج من المصعد الى الرواق ،دفع الباب الزجاجي لمكتب سارة يعبره امام نظراتها التي تتبعه بدهشة :كيف استطاع أن يخرج إلى العالم هكذا !!!
ظنته سيبقى مختبئا بالفيلا وقد يعمل من هناك ،ولكنه فاق كل توقعاتها ،وجاء الى الشركة كأنه لم يفقد رجليه منذ أيام ،كيف لم يحتج متابعة طبيب نفسي يؤهله لمجابهة الناس بهيئته الجديدة الناقصة .
افاقت على صوته من خلف مكتبه بعد أن دفع الكرسي القديم ،ليستقر بكرسيه المتحرك مكانه .
-هل ستبقين هناك كالتمثال مدة طويلة ؟
-أااه ،لا لا ،عذرا سعد ...
-سعد؟لا تنسي اننا بالعمل آنسة سارة .
-عفوا سيد سعد .
-هاتي الملفات التي كانت بيد والدي في غيابي لاراجعها ،والغي اجتماع اليوم ،سأجتمع بالمهندسين بعد دراسة المشاريع .
-حاضر .
-اغلقي الباب خلفك ،ولا يدخل احد قبل أن يسمع إذني ،حتى انت .
قد يتعبه الجلوس ،ويقف ،ولكن لا ،ليس قبل أن يتخذ كل الاحتياطات حتى لا يراه احد واقفا طالما هو يريد ذلك.
خرج كل العاملين بالشركة مساء 
-سيد سعد ،ألن تغادر .
-ليس قبل ان انتهي من كل الملفات ،يمكنك الذهاب .
لم يرفع عينيه عن الأوراق أمامه حتى سمع الباب يغلق ،ظنها خرجت ،ولكنها فاجأته تقف وسط المكتب .
-مابك سعد ،كيف تقسو علي هكذا ؟
-وكيف تحبين أن أعاملك ؟هل الالتزام بقوانين العمل يعد قسوة ؟
-ولكنني سارة  ،صديقتك ،حبيبتك ولو لليلة واحدة .
مسح على وجهه بيده متأففا .
-اطمئني ،لم أنس ،ولكن العمل عمل آنسة سارة .
-ولو ،حتى انك لم تعرض أن توصلني .
-لابأس ،امر أن اوصلك أصبح مستحيل الآن ،استعملي سيارتك ،او سيارة الشركة ،والآن عن إذنك .
نظر الى 
الأوراق أمامه ،ففهمت أنه يجيزها فخرجت.
انتظر حتى تأكد انها غادرت ،فوقف يتمطى ويحرك ساقيه.فتح الباب وأطل نحو الردهة ،المكان خال ،يود أن يجري طول الرواق ،ولكنه يخشى خروج موظف متأخر .
فكر قبل أن يجلس إلى مكتبه ويحمل هاتفه .
-رضى ،حبيبي كيف حالك ؟
-اهلا بالحبيب الغائب ،والله افتقدك صديقي .
-هل يمكن أن أراك الآن بمكتبي بالشركة .
-الآن ،هل الأمر بهذه الأهمية .
-نعم ،وانت لها .
-قادم إليك .
رضى صديق الدراسة ،ولكنه تخصص إلكترونيات، انشأشركة حراسة وتأمين المباني ضد السرقة بالكاميرات بأنواعها واحجامها ،وضد الحرائق بآلات استشعار الدخان والحرارة ،الى جانب الاقفال الالكترونية ،وتأمين الحراسة الشخصية .
بعد وقت قصير .
-اؤمر وانا اعمل .
اراد أن يعانقه ففاجأه الكرسي ،تراجع مضطربا 
-مالذي أصابك سعد ؟
-ألم تسمع بالحادث؟
-ولكنني ظننتك خرجت منه سالما .
رأى الدموع بعينيه فاشفق عليه، فقام واقفا فاتحا ذراعيه .
-أيها الوغد ،كيف تفعل بي هذا .
عانقه ضاحكا .
-لأعلم معزتي عندك .
ضربه على كتفه 
-وهل تحتاج دليلا على حبي لك بعد كل هذه السنين .
-طبعا لا ،تعالى لأشرح لك 
الأمر انني اتظاهر بالإعاقة لغرض بنفسي ،واليوم وانا ادخل الشركة رأيت نظرات مختلفة منها المتعاطف والمشفق والمتشفي، وهنا يأتي دورك ،اريد كامرات خفية بكل المكاتب تنقل لي الصوت والصورة ،وقفلا إلكترونيا لمكتبي حتى اتحرك داخله بحرية .
فهمتك ،ساركب الكاميرات وأصلها بحاسبك المحمول هنا وبالبيت ،مع التسجيل وكذلك بجوالك لتستطيع المراقبة اين ما كنت .
-وذلك يجب أن يتم الليلة .
-لا يمكن .
-بل يمكن وبسهوله، ألم أقل انك لها ،سأخرج الآن وانت اتصل بموظفيك وبعد ان تجهز كل شيء اغلق الشركة خلفك.
جلس على كرسيه وتوجه مغادرا امام دهشة رضى




تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close