رواية تزوجت مـدمـنا
الفصل الحادي عشر 11
بقلم نوران شعبان
صدح صوت المضيفة معلنة عن هبوط الطائرة بأرض الأحلام " باريس"
تنهدت حياه الجالسة جانب كريم في الطائرة.. نظرت من النافذة المستديرة جانبها بتنهيدة عميقة..
تحاول ضبط تحكماتها و ردود فعلها و الأهم،، دقات قلبها المتراقصة دائما..
منذ آخر لقاء وقت إخبارها " بالسفر لباريس" وهى تحاول تجنب كريم، تراه للحظات خاطئة فقط و تهرول لغرفتها ثانية.. و على الجانب الآخر لكريم لم يتعرض لها أيضا، مشغول بما يدمنه وحيدا.!
وجد رفيق ابيه " محسن "في العمل منتظرا إياه بالمطار.. قاده رفيقه للمنزل المؤقت الذي سيجلسان فيه هو و زوجته..
ومر الوقت،، و دلفا كريم و حياه لداخل المنزل..
أشعل كريم سيكاره.. و جلس على مقعد ما يتفحص حياه..
لم تهتم حياه دخلت تتفقد المنزل كاملا، و ترتب حقيبتها..
مر اليوم الأول، ولم يتعرض كريم لحياه.. لم يخاطب لسانه لسانها حتى..
ومر اليوم الثاني على نفس الوضع..
في اليوم الثالث..
" غلبان.. غلبان و طيب جدا.!
بقاله أسبوع متعرضليش ولا حاول يتكلم معايا.. و ده كفيل يثبتلي انه في حاله مش عايز يئذيني ولا بيفكر في كدة.. كلام أبوه صح مية في المية، و لازم اخرجوا من حالته، اعالجه.. لازم اثيب أثر إيجابي ولو بنسبة صغيرة فيه.! "
أغلقت حياه كشكول يومياتها،، و تنهدت بتفكير لخطة احتواء المريض.!
~~
خرجت من غرفتها قاصدة غرفته..
طرقت على الباب عدة طرقات، قبل ان يفتح هو بهيئته المزرية، شعره الفوضوي، وجهه الذابل الأصفر، عيناه الزائغتان..
وقف عاكزا على الباب بتأفف، وهو يرمقها بنظرات الملل..
حياه و إبتسامة صغيرة تشكلت على ثغرها القرمذي
" اإحم.. كنت عايز أخرج اتمشى شوية،، و قولت أشوفك لو تحب تيجي معايا.! "
كريم برد هادئ بارد خالي من التفكير
" لأ.! " و سرعان ما صفع الباب بوجهها..
حياه وهى تبتسم بحرج لنفسها
" عنيف اوي كريم ده.! "
بعد عشر دقائق،،
سمع كريم طرقات على باب غرفته، و بقمة التكاسل فتح باب غرفته.. ووجد حياه تقف بنفس إبتسامتها الأولى عارضة
" انا نازلة اتمشى شوية، تحب تيجي معايا.؟! "
أغلق كريم الباب هذه المرة بدون أدنى رد..
عشر دقائق أخريات،،
و نفس الطرقات سمعها كريم،، زفر بضيق.. ونهض بغضب متوعدا لتلك السذجة !
" إنت غبية !! قولتلك مش... "
توقف عن الحديث عندما لم يجد أحد.! هو على يقين بسماعه طرقات على الباب و لكن لآ يوجد أحد.!
أغلق الباب متعجبا، و لكن تناسى الأمر بسهولة، ربما تأثير 'الكوكايين' !
نفس الوقت مر، ووجد نفس عدد الطرقات على الباب.. لم يفتح و تغاضى عن الأمر، و لكن مع استمرارية الطرقات المزعجة اضطر لفتح الباب.. ليجد النتيجة واحدة لا أحد.!
تملكه الغضب، و فكر فورا أنها الأنثى المتعايشة معه..
توجه لغرفتها، بحث في المنزل كله و لكن لا يوجد أثر لها، ربما خرجت كما قالت.!
~~
تململ بضيق في فراشه، و نظر لهاتفه الذي لم يكف عن ازعاجه.. انكمشت جفونه بسبب ضوء الهاتف الساطع المعلن عن اربعة و عشرين اتصالا من حياه.!
و اتصلت به الآن وهو ممسك بالهاتف للمرة الخامسة و العشرين..
ضغط على زر الاستجابة وهو ينصت لما آتي..
سمع صوت نحيبها الخائف، ورعشة نبرتها المنمية على سوء حالتها..
" كك كريم.. كريم الحقني.!! "
هب كريم متسائلا عن حالها.. و انقبض حاجباه بقلق..
" في ايه.؟ حصل ايه انطقي.! "
-حياه بتأتأة -: اآ انا..
و هذا آخر ما سمعه كريم من حياه قبل ان ينفصل الخط..
نظر للشاشة بلهفة و بدأت دقات قلبه تتصاعد، زفر هواء منبعث كالنار من فمه.. عاود الاتصال بها مرة، و لم تجب.. عاود مرة أخرى ليأتيه صوتها المرتعش
" كريم، إنت سامعني.؟! "
كريم بلهفة -: سامعك أيوة إنت فين ايه الي بيحصل معاكي.؟!
حياه بتقطع -: اأنا كنت بتمشى.. و كنت راجعة و قربت خلاص سمعت صوت ضرب نار و ناس شكلهم مريب بدئو يظهرو،، و واحد منهم شفني و طلع يجري ورايا معرفش ليه،، روحت طلعت اجري.. و هو ورايا لغاية ما استخبيت بعيد عنه بس لسا سامعة صوتهم.. انا خايفة، خايفة جدا.!!
كريم مطمئنا -: اهدي، متخافيش انا هجيلك بس اوصفيلي إنت فين بالظبط و انا جايلك.!
حياه -: انا كنت قريبة من البيت، بس طلعت اجري و مش عارفة انا فين،، بس انا عند النهر، قريبة منه جدا.!
كريم -: انا نازل حالا خليكي مكانك و انا هحاول اوصلك، متخافيش ها انا جايلك.!
أغلقت الهاتف و إبتسمت بحماس
" اول خطوة.. لازم احسسوا إنه مهم.! "
~~
أخذ كريم يدور و يبحث عن حياه،،
بحث عن أقرب نهر.. و هرول إليه لعله يجد زوجته..
لم يسمع صوت طلقات نارية او ما شابه طيلة رحلة بحوثه..
وصل بالفعل لإقرب نهر لمنزله،، و بمنتهى الدقة أخذ ينظر لكل شبر باحثا عنها..
رأته حياه من جحرها الضئيل، و صاحت بإسمه مهرولة إليه..
" كريييم "
إلتفت كريم لمصدر الصوت، و فورا رآها تركض تجاهه لتلقي بنفسها في احضانه بسلام.!
أحاطت عنقه وهى تختبئ ببدنه الضخم، و أحاط بدوره خصرها النحيف مربتا على ظهرها.. و أخذت الدهشة تعلو ملامحه أيضا.!ا
الجزء الثاني عشر✨
لم تكن حياه في خطر كما قالت له، هو فقط تمثيل منها.!
و لكن شعور الدفئ الذي غمرها مصطحبا بالآمان في احضانه، لم تشعر به يوما.! كأنها بالفعل كانت في خطر، و عناقه الجحر الذي ستختبئ فيه..
كريم أيضا،، أحب ذلك العناق كثيرا.!
كأنها هرة صغيرة تحتمي به من بطش الكلاب الشرسة.!
كريم بصوت هادئ حنون -: إنت كويسة.؟!
إبتعدت حياه عنه قليلا، وهى تبتسم مجيبة بهدوء أكبر -: بقيت كويسة لما إنت جيت،، لولاك ولولا وجودك مكنتش عارفة اعمل ايه بجد.!
إلتف كريم كأنه يبحث عن شئ ما -: اومال فين ضرب النار الي قولتي عليه و الرجالة الي يخيفو.؟ انا مش شايف اي حاجة.!
حياه وهى تمط ذراعيها مستديرة للجهة الاخرى،، و إبتسامة خبيثة تعتلى ثغرها -: مشو.! صوتهم اختفى فجأة !!
سارت حياه متعلقة بذراع كريم، لا تكف عن التحدث و بمعنى أدق لا تكف عن المدح فيه كما تسير خططتها..
و كريم غير عابئ بها و بحديثها، فقط يومأ برأسه إيجابيا.!
إلتفتت حياه له قبل ان تدلف غرفتها، و بكل هدوء و حب تطلعت له قائلة
" بعد كدة رجلك على رجلي، متسبنيش.! "
و إبتسامة صغيرة أخيرة تودعه قبل ان ينصرف كلا منهما على غرفته..
ألقى كريم برأسه على الوسادة بتنهيدة عميقة.. لأول وهلة يشعر بحسن تصرفه، و بمدى أهميته..!
~~
في اليوم الموالي،،
نفس الطرقات سمعها كريم على باب غرفته..
" انا خارجة و مش هعتب خطوة برا البيت إلا و انت معايا انا مش مستغنية عن سلامتي اهاا..!! "
إرتد كريم خطوة للخلف و تصاعدت ملامح الدهشة وجهه، فهو ما إن فتح باب الغرفة حتى وجد تلك المتهورة أمامه تندفع صوبه بجملتها السريعة..
وقف ثوان ينظر لها بدهشة..
رجعت حياه خطوة للخلف وهى تتنحنح بحرج
" احم، صباح الخير.! اولا طبعا..
عامل ايه ثانيا اكيد.. ثالثا يلا البس عشان تنزل معايا.! "
تنهد كريم بملل وهو يمسح بسبابته أسفل انفه
" اخرجي ولو حصلك اديني رنة و هلحقك متخافيش.! "
كاد ان يغلق الباب فتقدمت حياه بإصرار أكبر
" لا ماهو المرة الي فاتت ربنا ستر و لحقتني المرة الجية ممكن متلحقنيش.. يلا بقى إنت في باريس يعني المفروض متقعدش في البيت اصلا ! "
تثاءب وهو يردف
" لا مانا جاي عشان اقعد في البيت انا ممل، و بعدين إنت هتقوليلي اعمل ايه و معملش ايه.؟ مش عشان تساهلت معاكي تسوقي فيها.. انا هنا الي بحكم و كلمتي تتسمع.. انت كمان اقعدي مفيش نزول مش عايز وجع دماغ ! "
نظرات ثاقبة تأملته بها حياه، قبل ان تمط ذراعيها بتنهيدة حزينة..
" على راحتك.! "
بعد فترات متساوية ظل كريم يسمع نفس الطرقات على بابه، و عندما يفتح لا يجد أحد.!
زفر بضيق عندما زاد الأمر عن حده، و ذهب يجول في أنحاء المنزل عنها، بالتأكيد هى تلك اللقيطة الحمقاء من تثير غضبه !!
بدون ان يطرق، بدون إذن..
هجم على غرفتها و الشرر يتطاير من عينيه..
ما إن دلف حتى صرخت حياه الجالسة على الفراش تقرأ كتاب،، صرخت وهى تقفز من على الفراش برعب..
فزع كريم أيضا بسبب صياحها و اندفعها ذاك..
وقفت حياه وهى تحدق به واضعة كفها على قلبها..
" في إيه.؟ شفتي عفريت.؟! "
هكذا صاح كريم رافعا إحدى حاجبيه..
حياه صائحة ملوحة بيدها -: مش تخبطت يا بني آدم إنت في حد يخش كدة.؟!
كريم بإستهزاء -: وهو ده الي خلاكي تتفجعي كدة.؟
وقفت حياه ثوان تحدق به.. أمسكت بعدها الكتاب الذي كانت تقرأ فيه و مدت يدها به لكريم قائلة..
" كنت خايفة أشوف عفريت فعلا.! "
تناول كريم الكتاب منها، ليقرأ العنوان هاتفا بسخرية تامة
" عالم الجن و الشياطين!!
كنت فاكرك مثقفة و عقلك كبير.! واخدة دكتوراه في علم النفس و إنت ضاربة كدة.؟! "
إتسعت مقلتي حياه بخوف وهو تضع سبابتها امام وجهها محذرة
" اشششش،، متقولش كدة.. اوعى تقول كدة تاني انت متعرفش لو حطوك في دماغهم ممكن يعملو فيك إيه.! "
تصنع كريم معالم التعجب و الدهشة،، وهو يسحب مقعد خشبي ليجلس عليه..
" اوووه.! يحطوني في دماغهم.؟ هيعملو ايه يا ترا على كدة.؟! "
