أخر الاخبار

رواية حكاية زهرة الفصل الثاني عشر12 بقلم حكاوي مسائية


 رواية حكاية زهرة الفصل الثاني عشر12 بقلم حكاوي مسائية


على مائدة الإفطار سأله والده
-أين زهرة ؟
-عند رشيدة ،لا سبب لوجودها هنا .
-خسارة اخي ،زهرة لطيفة جدا 
-متى رأيت لطفها ،انت طيبة غيثة .
-رأيته كلما أردت أن أكلمها فاستجابت لي،الأسابيع التي عاشتها معنا كانت لي اختا ،عوضتني عن حنان أمي ،نصحتني ووضحت لي عدة أمور أجهلها.
-ومتى كان ذلك وهي لا تدخل البيت إلا الى غرفتها لتنام .
-غير صحيح ،كنا نسهر بالحديقة ،أو بالمطبخ تعلمني أكلات احبها،نصحتني أن أطبخ لزوجي ولا أعتمد على الخادمة ،حتى أنها رسمتني، ولكنك لا تعلم بهذا لأنك اخترت ان تنأى بنفسك بعيدا عنا.
هل تعرف أني كلما بكيت حزنا على حالتك كانت تضمني وتقول ،ادعي له غيثة ،فأنت أم الغيث ،سينزل غيثك عليه شفاء وتجدينه ذات صباح واقفا امامك.
(اوضح لكم ،غيثة اسم انثى مغربي يقصد به الغيمة المثقلة بالمطر او السماء الممطرة ،ولهذا تلقب ام الغيث).
نظر إليها ،لا يعرف بم يجيبها ،فقامت تغادر المائدة .
أخرجه ابوه من دوامة أفكاره
-أرى انك وجدت مترجما للمراسلات الإيطالية 
قام يمسح فمه ويضع المنديل على الطاولة 
-ترجمتها زهرة .
-زهرة يجب أن تعود إلى البيت ،وتعمل بالشركة ،اسند إليها قسم الترجمة بما انها تخصص لغات .
-نجهل عن زهرة الكثير ،ابي،زهرة تخصص هندسة معمارية بامتياز ،اللغات والطبخ هوايتها الى جانب الرسم.
-فكيف تريد أن تستبدل امرأة كهذه بسارة .
-لي أسبابي.
أسرع نحو الباب كأنه يفر من والده الذي هز رأسه أسفا عليه.
قصد المطعم ،وطلب أن يقابلها فترك لهما المدير مكتبه.
وقفت  تضم إليها ذراعيها.
تفرس جسدها النحيف خلف مئزر الشيف، جمعت شعرها الكثيف جديلة ادخلتها خلف ظهرها تحت وزرتها، قبعة الطاهي تأكل نصف جبينها ،جمود نظرتها لا ينقص من جمال عينيها ولا لونهما الأخضر الذي يزيد قتامة عندما تكون غاضبة كما هي الآن .
-اجلسي زهرة .
-ماذا تريد ،أظننا ختمنا الكلام بيننا .
-اجلسي زهرة .
كان هادئا خرجت كلماته كرجاء، وهي كانت تحتاج الجلوس ،فقد أكملت الشهر الثالث والوقوف بالمطبخ يتعب ظهرها .
-جلسنا ،هاه.
ابتسم (جلستما ،لا تعلمين أنك تعبرين عن الحقيقة،استريحي انت وجنينك)
تغيرت نظرته وهو يذكر جنينها الذي من غيره ،الذي قضى على كل آماله ودعاءه لتكون له وحده .
-هل جئت لتنظر إلي؟قل ما عندك.
-عودي الى الفيلا.
قامت بقوة.
-مستحيل.
-عندما تعرفين السبب قد تغيرين رأيك ،أخبرت أبي أنني سأطلقك ،قلت أن السبب هو أنك أرغمت على الزواج كما أنني احب سارة وسأتزوجها .
حركة فكها لم تفته بل بعثت الأمل بقلبه أنها ربما تغار عليه ولو قليلا.
-هذا ليس سببا لأعود بل لأبتعد .
-ابي يريدك أن تعملي معنا بالشركة ،أن تترأسي قسم الترجمة .وغيثة حزينة بعدك .
هل تغيرت نظرتها ام يتوهم ،هل سقطت ستارة الجمود وظهر الحزن بعينيها ام ذاك امل قلبه العاشق .
بلى ،لم يتوهم،نظرت إليه بحزن ،كانت تتمنى أن يكمل ويقول أنه مثل غيثة حزين لبعدها.
-عودي الى البيت ونجد طريقة لننهي زواجنا دون أن يعرف احد السبب .
-ولكنني لن أترك عملي هنا ،قسم الترجمة لا يستهويني،وانا احب الطبخ .
كانت تريد أن تحدد انها تحب الهندسة أكثر ،ولكنها تفضل أن تعمل بعيدا عنه.
-لابأس ،المهم أن تعودي الى البيت غيثة تفتقدك كثيرا.
-سأكون معها مساء .
-الى اللقاء إذن .
-عن إذنك.
خرجت مسرعة ،تهرب من سؤال على شفتيها (وانت ألم تفتقدني،كيف تفعل وانت تحب سارة ،لابد أن وجودي يثقل عليك،حتى أنك مثلت العجز لتهرب مني) 
(غيثة تفتقدك،جبان تختبئ وراء غيثة ،اعترف أن البيت من دونها صحراء ،افتقدت وجودها على الأريكة معك بنفس الغرفة ،تسعدك رؤية وجهها كل صباح ،لا تنام قبل أن تطمئن الى أنفاسها معك ،معي ،معي ،ومتى كانت معي وهي فضلت النوم على الأرض على ان تشاركني فراشا واحدا ،وهي تهرب كل صباح حتى لا أسمع استفراغها بسبب الحمل ،الحمل الذي جاء ثمرة حبها لرجل آخر ،انسها سعد ،انسها كما نسيتك،ابحث عن الحب بعيدا عنها ،ههه،مع سارة ههههه،ليست كل النساء زهرة او سارة ،ستجد وسط معجباتك من تناسبك، من تحبك وتجعلك تحبها.)
ضحك ،رفع صوته ضاحكا من نفسه وهو يغادر المطعم ،تعجب لقهقهته المدير وهو يراه يتجاوزه دون سلام أو شكر ،اجُنَّ الرجل؟
هاتف صديقه رضى ليلتقي به بمكتبه 
-تعال انت إلي ،فأنا أيضا لي مكتب وأعمال علي متابعتها، أم تظنني متفرغ لك.
-يجب أن تتفرغ لي هذا الصباح ،ما أريدك لأجله عمل سيرتكز على تصوير لكامراتك. 
عرض عليه مقابلة سارة مع مدير العلاقات العامة .
-سؤال يحيرني ،مادور مدير العلاقات بشركة هندسة ومقاولات؟
-ينظم الاجتماعات مع شركات أخرى ،ومع الشركة التي تفوز بمناقصة بناء مشروع لنا ،يتصل بالشركات التي تورد لنا المواد الخاصة بمشاريعنا. 
-وتحتاج لمترجم؟بل تعبت مدة وانت تحاول ترجمة مراسلات إيطالية،فرد واحد يؤدي كل هذه المهام وقد يكون تحته مساعد او اثنين.
-منك نستفيد
-رئيس قسم الحسابات، اختصاصه أن يتصل بالشركات الموردة، والفائزة بالمناقصات، ويستعين بمترجم إذا لم يُجد اللغات.
-ويهمل تخصصه ،الذي هو الحسابات أصلا.
-ولماذا يهملها وهي في  صميم كل هذا،بين شركتكم والموردين أثمنة وحسابات، وفي المناقصات حسابات، ضع تحت يده محاسبين يراجع معهم، ويقدم لك خلاصة عمل القسم بأكمله ،هه مدير علاقات عامة ،لماذا ؟سفير سيادتك ولا ندري !
ضحك سعد ملء فيه
-تعلم؟ كلامك درر.
امسك ياقة قميصه وهز كتفيه بفخر 
-أعلم .
-نعود إلى موضوعنا ،ماذا تظن أن "المدير" يخطط له.
-من النتيجة التي يريد أن يصل إليها ،والتي هي أن تكره زوجتك وتطلقها، يظهر أنه سيتهمها بشيء ،وبما أنها بعيدة عن الشركة فربما قد يمس شرفها .
-ههه انت تشاهد الأفلام الهندية؟!!!
-لست أنا ،ولكن يشاهدها تافهون مثل مدير علاقاتك وصاحبته ،وللأسف يتعلمون منها كيف يؤذون. 
لا تذهب بعيدا ،كم فتاة ركبت لها صور وأفلام مخلة ،وسخت سمعتها وتكلم الناس عنها،ولما تظهر براءتها لا أحد يروج لها كما روجوا الصور والتهمة.
-عين حراسة على زهرة دون أن تشعر .
-وانت تابع مراقبة سارة وشريكها، قد تعرف ماذا يخططان ضدها.
عاد مساء قبل ان تعود زهرة ،جلس في المكتب وبابه مفتوح ،يريد أن يراها حين تدخل .
سمع هتافا سعيدا فوقف ينظر إلى الحديقة عبر النافذة رأى غيثة تقفز بحضن زهرة التي تفتح لها ذراعيها بحب ،لما اختفت زهرة لم تكن غيثة قد تجاوزت السنة ،لا تذكرها ،وربما زهرة أيضا لاتذكر انها كانت تنظر إلى المولودة كأنها ترى دمية متحركة ،تضحك لكل حركة وتجري لتنادي أمه كلما بكت الصغيرة .
رآها تستقبلها بحضن أخت كبيرة ،لهذا قالت غيثة انها عوضتها عن حنان الأخت والأم ،تبتسم لها وتمسح على شعرها بحنو .
-تعالي نجلس فقدمي متورمتان بالوقوف طول النهار بالمطبخ.
-ولماذا تتعبين نفسك ،تعلمين أن لك بالشركة أسهما ،ويمكنك أن تعملي بها .
-الشركة مكتفية بمهندسين هم الأفضل بمجالهم.
-رأيت رسوماتك ،تمتاز بجمال خاص ،تدخلين عليها رونق موهبتك في الرسم ،الخيال يصبح واقعا تحت أناملك.
-وسيبقى حبيس الورق،لا أريد لا اسهمي بالشركة ولا العمل بها ،يوما ما سأعود لوطني الذي احتضن طفولتي واحلامي، وربما ستتحول رسوماتي حقيقة على الأرض.
-خذي ،هذه صورة خطيبي ،قلت أنك تريدينها لترسمي لنا لوحة هدية الزفاف.
-بل ستكون الى جانب الهدية ،شرط ألا تريها وتتركي عليها الغطاء حتى أكملها .
-وهل نظرت الى لوحتي قبل أن تأذني لي ،رغم انك ترسمين بغرفتي احترم رغبتك واكبت فضولي.
-احسنت ،هكذا تتمرنين على تجاهل الفضول لانه غالبا ما يؤذي صاحبه.
هاه احكي لي ،كيف الأجواء مع حبيب القلب .
تخضبت وجنتا الصبية خجلا. 
-تعلمين أن خطوبتنا تمت بشكل تقليدي،ابوه اختارني لأنني ابنة صديقه،وأمه أعجبت بأخلاقي وهدوئي.
-وجمالك ،انت فاتنة غيثة 
-ذلك ما يقوله لي ،لم نلاحظ الحب وهو ينمو بيننا،احببت انه يحترمني ،ويحترم رأيي ،يشجعني على دراستي ويفتخر بنتائجي،يدللني بالهدايا،رغم أنني لا ينقصني شيء ولكن هداياه تسعدني ،و اهم ماشدني إليه انه يذكرني بالصلاة ،حتى أنه يرن علي لأسيقظ لصلاة الفجر .اخته محجبة ولكنه لم يقل يوما انه يريدني ان اتحجب.
-يترك لك حرية الطاعة .
-حرية الطاعة ،كيف تلتقي كلمتان متضادتان بجملة واحدة؟!!!!!
-لأن الطاعة ستكون لفرض من الله ،فهي طاعة له ،وانت حرة فيها امام الناس ،ليس عليك أن تعملي بها لترضي أحدا ،ولو أرغمك عليها قد تحسين انه يقيد حريتك ،يخفي جمالك تحت خمار ،وانت احببت فيه احترامه لرأيك،لما تتحجبين ستفعلين استجابة لأمر الله ،حبا فيه قبل ان يكون حبا في خطيبك ،وإلا ستتخلين عن الحجاب يوم يغضبك او يفارقك .
-ماكنت أظنك تعرفين عن أمور الدين وقد...
-وقد عشت بأوروبا،مارأيك أنني درست مع فتيات محجبات أصلهن بريطانيات مئة بالمئة، زيادة على ذوات الأصول المسلمة ،ثم أن أمي محجبة منذ زمن ،وقد حرصت على تعليمي اللغة العربية وعاقبتني على إهمال الصلاة وانا طفلة ،حتى سعد ،اخي، رغم توحده علمته الصلاة ،لا أدري لِمَ لم اعتمد الحجاب بعد ،ولكنني أعلم انه فرض وانني آثمة بتركه.
تعالي لندخل ،فقد برد الجو هنا ،وانا متعبة جدا ،قد انام بمجرد رؤية المخدة هههههه.
-لن تنامي قبل أن تذوقي طبخي .
-وماذا أعدت لنا الشيف غيثة ؟
-سترين انني اتعلم بسرعة .
-يا لحظ خطيبك.!!!
دخلتا تملأ ضحكتهما أجواء الفيلا ،كان الاب ينزل السلم 
-أهلا زهرة ،لا أسمع ضحك احداكما إلا بحضور الأخرى ،اليس لنا حظ فيه؟
قبلته كل واحدة على وجنة .
-انت سبب سعادتنا معا ،قالت غيثة .
نظر الى زهرة 
-هل هذا صحيح؟
-ومن جمعنا معا لنضحك هكذا ؟
ضم كل واحدة بذراع 
-مهما تغيرت ظروف كل واحدة ،عليها أن تعلم أنني موجود لها ،سند وقوة .مفهوم ؟
-مفهوم .
-ماذا سنتعشى اليوم ؟
-درس علمتني إياه زهرة وطبقته اليوم .
-يا حفيظ !ولم تساعدك دادا رابحة ؟
-اطمئن ،كانت معي لتذكرني بأسماء التوابل .
-أرأيت يا زهرة ،حتى انها لم تكن تفرق بين البهارات، سأخبر خطيبها أن يدفع لك مقابل دروسك ،فهو المستفيد منها .
كان يتابع كل ذلك من غرفة المكتب ،احس بالغيرة من والده وهي تقبل وجنته ويضمها إليه، تمنى لو كان مكانه تحدثه دون حذر وتبتسم له وتضحك معه.
(أبي يعوضها عن حنان مفتقد من غانم الكلب،أما مكاني انا فقد ملأه حبيبها وأب جنينها)
اخرجه من أفكاره نداء غيثة ،حتى نبرة صوتها تغيرت (تمتعي بصحبتها عزيزتي،قريبا ستغادر ليعود الحزن الى عينيك والبرود بصوتك)
-سعد ،تعال أخي ،العشاء جاهز . 
من نافذة غرفتهما ،سمعها تكلم أحدا بالحديقة،( لابد انه حبيبها،لا يعنيني كلامها معه )ولكنه دون شعور اقترب اكثر ليسمع ماتقول 
-لا زوزو ،لم ار وجهه ،الغرفة كانت معتمة ،نعم ...لا لا لم تكن مظلمة ....كيف سأنظر إليه إيزا ؟...كنت مرغمة ...لا لم أرها ...كانت ملثمة ،حرصت ألا أعرفها....لا ...لست متأكدة ولكنني أظنه كان مخدرا...لا لم يكن ثملا لأنني لم أشم رائحة خمر ...لا أدري إيزا لا أدري ولا أريد أن اتذكر.
صاحت بجملتها الأخيرة وانهت المكالمة دون أن تودع إيزا .
(من يكون هذا ؟وما شأنها به،أي سر آخر تخفينه زهرة؟ )
جلست على العشب تخفي وجهها بكفيها ،لاحظ اهتزاز جسمها الصغير (يا إلهي،إنها تبكي ،تبكي وحدها لا صدر تريح عليه رأسها المهموم ولا يد تهون عليها )
أسرع بالقفز عبر النافذة ،لن يقطع كل تلك المسافة خارجا من الباب عبر البهو الكبير ثم يدور حول البيت ليصل إليها في الحديقة الخلفية .وقف أمامها وقد تمالك نفسه شيءً ما.
-مابك زهرة ،ما الذي يبكيك ؟
رفعت إليه عينيها الدامعتين 
(ليتك تحضنني كما كنت تفعل ،ليتني أستطيع أن أشكو لك كما كنت أفعل)
(هيا زهرتي ،احكي لي كما كنت تفعلين ،اشكي لي همك واطلبي مني ان أعاقب من تسبب في حزنك كما كنت تفعلين ،خذي مكانك بين ذراعي وحقك على صدري وألقي علي حملك كما تعودت)
وقفت و مسحت دموعها 
-لا تهتم ،هي هرمونات الحمل تؤثر علي .
مشت أمامه ،فتبعها ،ولما دخلت استدارت تسأله
-هل يمكن أن انام بغرفة أخرى ؟طالما أن عمي يعرف أننا سنفترق. 
-نعم ،وانا أيضا سأعود إلى غرفتي .
-إذن أبقى انا بهذه ،شكرا سعد .
-سآخذ ملابسي ومتعلقاتي،عن إذنك .
سبقها إلى الغرفة وخرج يحمل أشياءه، ثم صعد الى غرفته تحت نظراتها . 
سيارة سوداء لا تلائم الشارع المترب الضيق حيث تقف ،نزل منها ،ببذلته الغالية وحذاءه الأسود اللامع ،نظر حوله باشمئزاز ،قبل أن يهم بدخول زقاق ضيق ،ولكن باغثه صوت شاب يكلمه باستهزاء 
-على مهلك حتى لا يغبر حذاءك monsieur خالد .
التفت إليه بنظرة متعالية 
-لا،لا لا ،خالد عندنا يا مرحبا يا مرحبا ،أي ريح طيبة جاءت بك الى حيك القديم ،أم تراها ريح غبراء خبيثة؟
-أبعد ،لا أريد أن أسمع كلام حاقد فاشل مثلك 
-حاقد وفاشل. رحم الله أياما كنت تأخذ كتبي وختمت بسرقة أطروحتي لشهادة الماستر وانا الذي كنت أظنك تتعلم مني وتريد أن تفهم كل صغيرة وكبيرة لتعرف كيف تكتب أطروحتك .
-انت تهذي،الحشيش خرب دماغك وتتخيل أفلاما فاشلة مثلك .
-ليس الحشيش من خرب دماغي ،بل المخدر الذي وضعت لي بالقهوة هو من أذهب عقلي ،ولكنني لم أنس يا صديقي العزيز ،لم أنس ،رغم أنك اختفيت ولكن كل اهل الحي يصدقونني ،يميزون الذهب من النحاس،ويعرفون أنك أخذت حياتي لتعيشها انت .
دفعه عنه بعنف 
-ابتعد وإلا ستندم 
-أكثر من ندمي هذا ،لا أظن 
-بل ستندم ،لأنني بمكالمة واحدة أسجنك بمستشفى المجانين .
رفع يديه دليل الاستسلام .
-افضل أن أكون مجنونا هنا بين أهلي ،انت الفائز كالعادة .
تركه دون ان يغفل عنه ،رآه يطرق بابا بذاك الزقاق ،يسأل عن يونس ،شاب مكافح يعمل ليعيل أسرته ،أصيب ابوه بالمعمل حيث كان يشتغل ،والمعاش الذي خصص له لا يكفي مستلزمات أسبوع واحد ،يونس معدنه طيب ،يحرص أن يكمل اخوه تعليمه ،بعد أن حرص أن تصل اخته إلى بيت زوجها معززة مكرمة. الفرق بينه وبين خالد كالفرق بين النار والماء ،فماذا يريد منه .
رآهما قادمين نحوه ،بادره يونس بالتحية 
-مساء الخير أخي ،هل تحتاج شيء.
هز رأسه نافيا وهو يتراجع ألى الخلف .
-تعيش ،تعيش اخي يونس .
ركب السيارة ألى جانب خالد ملبيا دعوته ألى مقهى للحديث بأمر مهم.
-انا اعرف ظروفك ،بما أنني مررت بمثلها قبل أن أنجح وأخرج من الحي.
-الحمد لله ،وفقني لعمل يكفيني لأعول أسرتي.
-وهل سيكفيك لتتزوج وتربي اولادك وتدخلهم مدارس خاصة ،انت تسمع عن تردي التعليم العمومي ،وغلاء المعيشة ،فهل ستنذر حياتك لوالديك وتنسى نفسك؟
-طبعا لا ،ولكن لكل وقت أذان .
مد عنقه يقرب إليه وجهه 
-لم أفهمك ماذا تعني؟
ابتسم (طبعا لا تفهم ومتى ركعتها؟!!!)
-أقصد أن لكل شيء وقته ،سأكون أسرتي لما يحين وقت ذلك.
-وإن وجدت ما يقرب لك وقت أذان حياتك الشخصية.
-وكيف ستسرع عقارب الساعة .
Donnant-Donnant،خدمة مقابل المال
-أفهم أنني من سيقدم الخدمة 
-والمقابل سينقلك من هذا الحي ،ويفتح لك باب الحظ .
-مادام المقابل بهذا القدر ،موافق ،هات ماعندك.
ابتسم خالد بخبث(الفقر والطمع سلا،ح الشيطان ،وافقت حتى قبل أن تعرف مالك وماعليك ههه)
-ألا تريد أن تعرف الثمن ؟
-أنا من يحدده،حسب الخدمة التي ستطلبها. 
-ذكي ،وهذا أفضل ،انت تعمل بمطعم *** مساعد الطاهي 
-نعم ،طاهية 
-وهي المقصودة .هل تثق بك ؟
خمن يونس ماهية الخدمة فقال مبتسما 
-تثق في كل مساعديها، طيبة زيادة عن اللزوم .
-لا تخف ،لن تؤذيها شخصيا ،كل ما عليك هو أن تختار طبق زبون مهم وتضع فيه من هذه الزجاجة .
ووضع أمامه زجاجة صغيرة شبيهة بزجاجات الدواء.
-وماذا يكون هذا الشيء .
-لا تهتم ،دواء سيجعل الشيف محور تحقيق لأنها أذت شخصية مهمة .
-هذا قد يدخلها السجن .
-لا تخف ،ستخرج منها بأقل الخسائر ،تضيع سمعتها كطاهية متمرسة، وتفقد عملها ،فقط .
-وانا ،ألن يطولني التحقيق؟
-طالما تأخذ حذرك ألا يراك أحد وانت تضع الدواء بصحن الزبون .
-زبون واحد ،سيظهر الأمر جريمة مقصودة ضده .
-وهذا هو المطلوب .هاه موافق.
-طبعا ،ولكنني أطلب مقابل هذه الخدمة الصغيرة مبلغ******
-الا تبالغ ؟
-لا ،ومقدما لأنني لا أضمنك، كما لا أضمن أنني سأخرج من التحقيق دون أن اتهم او اخسر عملي ،وأحب أن أؤمن حياة أسرتي .
اخرج دفتر الشيكات 
-لا ،لا أقبل الشيك ،انتظر حتى تعطيني المبلغ نقدا .
-لا يمكن ،مبلغ كهذا نقدا ،انت جاهل ام ماذا ؟
-لست جاهلا، ومادمت لا تستطيع ان تحمله نقدا ،فأفضل الشيك مؤمنا بختم مدير البنك تأكيدا على وجود المبلغ بحسابك رهن الرقم التسلسلي للشيك. 
-ألم أقل انك ذكي ،حرصك يعجبني.
-لأن دهاءك يخيفني، قد لا أجد مالا اصرف به الشيك بعد أن أكون قد أديت دوري.
-اتفقنا إذن ،نلتقي غدا ،هنا ،لأعطيك الشيك ،والدواء .
-وماهذا الذي أمامي .
-ماء،مجرد ماء ،الى اللقاء.
لبث بمكانه يتتبعه بنظرات محتقِرة.
-نسيت أننا من نفس الحي ،والثقة بك دمار .ولكنني تربيت على حكايتك مع حمزة ،وكيف ضحيت به لأجل مستقبلك.وانت اليوم تنوي استغلالي للوصول إلى هدف تحلم به ،وقد تضحي بي أيضا ،أم تحسب أنني صدقت أنك تريد أن تخرجني من الفقر ،ولو استطعت لحكمت علينا بسور يحبسنا داخل حينا بفقره وأمراضه حتى يختفي كل من يعرف حقيقتك وماضيك. 
دخل المطبخ صباحا لتقابله زهرة بابتسامتها الرقيقة
-صباح الخير يونس ،كيف حال ابيك اليوم؟
-احسن من امس ،الحمد لله ،الدواء يعطي مفعوله .
-ألم أقل لك ،ذاك الطبيب مجرب من عائلتي ،أمي أيضا تعاني ضعفا بالقلب ،وكانت تتابع معه قبل أن نهاجر .
-أشكرك شيف.
تردد قليلا قبل ان يسأل
-هل لك علاقة بشركة ASGZللهندسة والمقاولات.
-من بعيد ، اعرف صاحبها ورئيس مجلس الإدارة تربينا معا ،لماذا تسأل
-لا شيء ،قد يحتاج أخي تدريبا عندهم .
-عندما يريد ،كلمني ،قد أساعدك 
-أشكرك شيف 
-بكل سرور ،تعال الآن لأعلمك سرا آخر من أسراري.
-أنت الشيف الوحيد الذي أظهر أسراره لمساعديه. 
-لأنني قد أستقيل يوما،وأحب أن يصبح أحدكم مكاني .
تكلم طاه آخر 
-هذا كرم منك .
صفقت بيديها 
-هيا الآن ،نحضر طبق اليوم ،قبل أن نرى اختيارات الزبائن .
-ككل يوم ،لن يختاروا إلا طبق اليوم ،يحبون اختياراتك.
-ذلك لأننا ننوع،ولا نعيد نفس الطبق إلا بعد وقت طويل ،يكون الزبون قد نسي إحساسه به.
-وهذا أفضل أسرارك شيف.
كان يلقي عليها نظرة كل حين (كيف يظن أنني قد أخون زهرة كهاته،كل هذه الطيبة لا يمكن إلا أن تهذب من يعاشرها، لا بد أنك قطب الشر لتفكر أن تؤذيها خالد الكلب)
التقى به مساء في نفس المقهى ،وكما اتفقا اعطاه الشيك والدواء ،وتوصية بالحرص.
جلس ارضا على الرصيف بجانب حمزة 
-أعرف أنك لست مجنونا كما يقولون،وأعرف أنك تفقد صوابك ويتوه عقلك لما تنقطع عن الدواء ،فهل انت اليوم معي أم في ملكوتك الخاص؟
-معك ،وكنت بانتظارك منذ الأمس ،احذر خالد الكلب،إنه شيطان قد يدخلك جهنم برضاك.
-يريدني أن أساعده ليؤذي شخصا ما .
-تأكد أن ذلك الشخص خيِّر ويقف في طريق الكلب نحو هدف معين ،وتأكد أيضا أنه كما سيتخلص منه سيتخلص منك ،لن يترك أثرا خلفه ،او سيضمن ولاءك له بطريقة ما ،لتبقى خادمه وتحت رحمته.
-ذاك ما ظننت ،فأثر الشيك سيبقى دليلا ضدي ،كما هو ضده ،ولكن لا تخف علي ،لن أكون عبدا للمال مثله.
-احترس صديقي احترس.
قام مبتعدا يلوح بيده 
-احترس صديقي احترس.
يفكر كيف يتصل برئيس الشركة دون أن يعرف خالد.
كيف يجعل زهرة تحترس من خالد إذا كانت لا تعرفه .تنهد يطلب العون من الله. 
استقظ احمد العامري على جرس البوابة الخارجية ،قابله عم المحجوب البواب وهو ينزل على السلم
-هناك شاب يريد أن يقابلك سيدي.
-ألم يقل سبب الزيارة .
-لا،قال أنه أمر مهم .
أدخله لنرى أهمية الأمر .
استقبله بالمكتب .
-ماهو الأمر المهم أيها الشاب؟
وضع أمامه على المكتب قارورة الدواء والشيك.
-انت تعرف صاحب الشيك 
تمعن فيه ليهز رأسه بالإيجاب.
-أما الزجاجة فبها دواء المفروض أن أستعمله مقابل المبلغ الذي أمامك.
حكى له كل شيء ،فطلب منه أن يمكث بالمكتب وخرج ،تأكد أن زهرة خرجت فأمسك سعد من يده يجره نحو المكتب تحت دهشته.
-ماذا بك أبي ؟
-شششششش،ستعرف الآن.
ادخله المكتب وأغلق الباب
-أعد عليه كل ما قلت لي ،أقدم لك زوج زهرة 
-زوجها !!!
-مالعجب في ذلك ؟
-لا شيء ،السيدة زهرة لم تقل انها متزوجة ،وحتى لما سألتها عن علاقتها بشركتكم،قالت انها تعرفكم من بعيد .
-احم احم ،ذلك لأنها تفضل الاستقلالية.
المهم احك ما الذي اخبرت به ابي ليتوتر هكذا.
-تأكد انك ستتعدى التوتر بني ،هناك من يتآمر على زهرة.
حكى له يونس ،رعبه وخشيته على حياة زهرة جعلا قلبه ينتفض،وتحمر عيناه من الغضب .
-اِجلس وتحكم في غضبك لنفكر بروية. 
أولا نحن نشكرك بني على نبل أخلاقك ،يمكنك أن تصرف الشيك لو أردت ،أما الدواء ،فسنغيره ،وانا سأكون الزبون .
-ولماذا كل هذا،انا جئت لأحذركم منه لتتصرفوا .
-إذا لم تصرف الشيك،ولم تقم بدورك الذي امرك به ،لن تضمن ألا يؤذيك ،وقد عرفت سره ،سنبلغ زهرة بطريقتنا،ولن ننسى لك معروفك.
-أما خالد النذل ،فتأكد انه كما سيطرد من الشركة سأحرص ألا يجد عملا مهما بحث ومهما تنازل،تأكد انه سيعود إلى الحي الذي ينكره الآن.
ثم تدارك ليضيف.
-لا تسئ فهمي ،انا لا أقلل من شأنك او من شأن الحي او الناس الذين تربيت بينهم .ولكنه خالد الكلب و سأجعله يندم . 
ذهب أحمد الى المطعم ينوي ان ينعم بوجبة من يد زهرة ،نعم يحبها،ولكنها تراه اخا كبيرا ،فهم هذا لما حكت له عن حملها وظروفه ،ولما كانا بالمقهى كانت تشكو له حبها اليائس لسعد ،سعد الذي غار لما رآه يواسيها ،وما سمع بوحها بحبها له الذي نما بقلبها مع نمو جسدها رغم البعد .
لن يراها ،هو لن يطلب أن تخرج إليه ،ولكنه سيستشعر ذوقها وجمالها في الطبق.
ولكنه لم يستطع،سيسافر ويحب أن يودعها .
-هل يمكن أن أرى السيدة زهرة ؟
-زهرة من؟
-الشيف ،اخبر المدير انني أخوها واريد أن اودعها قبل سفري .
-مرحبا سيدي سأخبرها .
بعد قليل خرجت إليه
-لما قال أن أخي يريد رؤيتي ،خطرت ببالي فورا.
-يسعدني انك لم تتساءلي من أكون .
-لأنني سعيدة بوجودك في حياتي 
-حتى لا تغيبي كثيرا عن موقذك، انا مسافر وطائرتي بعد ساعات ،احببت أن اودعك .
اغرورقت عيناها بالدموع،أحاط وجهها بكفيه
-لا تحزني حبيبتي ،سأتصل بك كل يوم ،كما أنني سأنغز بيتر قليلا ليسرع بحثه في ذاك الموضوع.
-سأشتاق إليك .
ضمها إليه وقبل جبينها قبل أن يغادر .


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close