أخر الاخبار

رواية حكاية زهرة الفصل الرابع4 بقلم حكاوي مسائية


 رواية حكاية زهرة الفصل الرابع4 بقلم حكاوي مسائية


هناك ،في الديار ،يجلس غانم على كرسيه المريح الى مكتبه ،بينما تجلس زوجته على الأريكة المقابلة ،تبتسم له بنصر .
-عرفت الآن حبيبي أن تضحيتي أتت بنتيجة .
-الحقيقة أنها تضحيتي أنا ،أنا أجبرت نفسي أن أعيش مع المرأة الوحيدة التي أكرهها كره العمى ،كنت لا أطيق النظر الى وجهها واتحمل الجلوس معها الى المائدة ،وانام معها على نفس السرير.
-كنت أرحت نفسك من النوم معها .
-وهل كانت لتصدق اِدعدائي حبها لو فعلت .
-لا أظن ،فأصدق تعبير للرجل على حبه هو مشاركة الفراش .
-وأصدق تعبير للمرأة هو الثقة العمياء .
قالها والتفت نحو النافذة .
ليت عمي لم يجبرني على فعل ما فعلت ،ليت أبي ما رباني على كرهها 
-هل ندمت حبيبي ؟
استشعر نبرة سخرية في سؤالها.ولكنه أحب أن يتأكد 
-هل أفهم انك تغيرين ؟
-هه،أغير ،لا يا عزيزي انا أملك قلبك ،أنا ملكتك ،فكيف أغير من أداة حققت بها رغباتي ،ام تراك نسيت أنك كنت كلما عاشرتها ادعيت السفر باكرا لختم ليلتك بفراشي ،كأنك تمحو أثرها عن جسدك .
مرة أخرى لف بالكرسي نحو النافذة 
-وهي كانت غبية تصدق كل ادعاءاتي،ترافقني حتى الباب داعية لي ،وتبتسم بحب لما أعود لها ،آمنت بي وأتمنتني على نفسها ومالها .
لف مرة ثالثة نحو زوجته 
-كانت غبية 
-ولا عزاء للأغبياء ،قل لي متى ستكتب الشركة باسمي ؟
-قريبا حبيبتي ،قريبا .
نظر الى ملف اوراق امامه 
لا عزاء للأغبياء ،وانا لست غبيا ،نعم كرهت ابنة عمي ورميتها وأولادي منها ،ولكنني أحب نفسي أكثر من حبي لك ،لن أثق في امرأة خططت لتدمر امرأة اخرى وكنت أداتها .
-أبي ينتبه الى كل صغيرة وكبيرة ،من منظوره المال ماله فهو وريث أخيه لا أنا ،ولهذا أهادنه ليطمئن إلي ولا يطالبني أن اكتب كل شيء باسمه .
-لا حق له في مال نحن من ضحينا لأجله .
-لا تنسي أنه مسن ،فلا بأس لو انتظرنا بضع سنين ،عندئذ نتحرر فعلا ،واكتب لك ماتشائين .
-تأكد أن لا انتظر طويلا .
-حاضر ،استمتعي الآن بالمجوهرات الكثيرة التي أصبحت لك .
-على الأقل اكتب الفيلا باسمي .
-سأحاول. 

في فيلا مجاورة ،يجلس سعد إلى مكتبه الصغير ،جوار مكتب والده (اصر أن يكون لولده مكتب معه ،لإنجاز تمارين دراسته،والحديث معه ،ليعلمه من تجاربه ويعوده أن وقت العمل للعمل وفي مكان العمل )
على ورقة بيضاء أمامه يدور القلم بيده ليخط دوائر متشابهة كالأفكار برأسه الصغيرة .
-ماذا بك سعد؟
-لاشيء بابا .
-منذ متى بيننا أسرار بني؟
-افكر في زهرة والخالة رشيدة ،اختفتا ،وأمي ترفض ان تخبرني أي شيء عنهما .
-امك لا تخفي عنك ،امك أيضا تجهل مكانهما، بني ،الناس في حياتنا يأتون ويذهبون ،سيرحل عنك ناس تحبهم وستفتقد وجودهم ،ولكن نعمة النسيان ستكون معينك لتستمر ،ركز في دراستك ،واترك أمر زهرة وأمها ،الله وحده يعلم سبب اختفاءهما وموعد عودتهما. 
فرت دمعة من عين الصبي ،فضمه أبوه إليه .
هذه اول دمعة وجع حب بحياتك بني .
-الرجل لا يبكي ،امسح دمعتك وارفع رأسك ،ستقابل في حياتك الكثير من الناس ،فهل ستبكي على كل من يفارقك.هيا افتح كتابك ،مستقبلك هو الأهم .
بعد العشاء دخل غرفته ليجد زوجته تستعد للنوم.
-سعد حزين على فراق زهرة ،لقد احس الم الفراق باكرا .
-حبيبي ،لقد كانت دنياه كلها ،ترى كيف هي الآن دونه وقد كان سندها .
-أم وصغيرتها وحيدتين في بلاد غريبة ،كان الله في عونهما .
-ورشيدة حامل .
-المسكينة ،تخرج من عالم وردي مخملي ،الى مسؤولية لم تعتدها، ولم تجهز لها .
-والحقير جردها من كل شيء حتى مجوهراتها .
-المهم الا تقطعي تواصلك معها ،وقدمي لها العون دون ان تدري حتى لا تحرجيها .
-ذاك ما فعلت انا وإيزا صديقتنا ،كلفنا المحامي بتسجيل زهرة بمدرسة جيدة ،ودفعنا كل المصاريف مع تنبيه إدارة المدرسة حتى لا تعلم رشيدة بذلك.
-رشيدة ذكية ،والمدارس بأوروبا إما مجانية او خاصة للنخبة ومصاريف باهضة ،وتكون معروفة للجميع .
-لو سألت يخبرونها بمصاريف مقبولة ولو شكت واصرت أن تعرف ستقول إيزا انها تتحمل المصاريف حبا في زهرة ،وانا اعرف إيزا،ستقنع رشيدة ولو اضطرت ان تأخذ منها اعترافا بالدين ،تؤديه متى استطاعت.

في غرفته ،على فراشه ،يحدث صورة لزهرة 
-اين انت زهرتي ،كيف لم تودعيني ،هل وجدت هناك من يحمي براءتك وطيبتك ،سانتظرك زهرتي ،سأنتظر عودتك .

بعيدا ،هناك في تلك البلدة الباردة ،تحت سقف البيت الخشبي ،تماما تحت نافذة منحنية وضع فراشها الصغير ،تستلقي عليه ناظرة الى السماء ،لا نجوم ،لا قمر ،فقط سواد ،فالسحب دائمة ،نادرا ما يلمع نجم بخجل قبل ان يختفي مرة اخرى خلف غيوم داكنة، وكلما ظهر ارسلت اليه قبلة وبسرها 
-احملها إلى سعد ،وقل له اشتقت له وانا بخير.
طرقات خفيفة على الباب جعلتها تجلس على الفراش تنتظر دخول والدتها 
-كيف وجدت غرفتك ،جميلة اليس كذلك ؟
نعم هي تحت السقف ولكن من الغباء أن تبقى كما كانت للمتلاشيات، الأحسن ان نستغلها ،وإذا كنت تفضلين النوم معي ،نجعلها غرفة للعب ومراجعة الدروس نهارا ،مارأيك ؟
تمددت على السرير ففهمت رشيدة الإجابة 
-احببتها إذن ،لابأس ،وكلما اردت التغيير مرحبا بك في فراشي .
ابتسمت لها.
-كلميني حبيبتي ،قلبي اشتاق ان يسمع صوتك ،اشتقت ان تناديني ماما .
ارتمت بحضنها وربتت بيدها الصغيرة على كتف امها كأنها تواسيها في بلواها.

جاء بيتر صباحا ليرافقها الى المدرسة ،بناية كبيرة بساحة مترامية الأطراف ،دخلت معه من البوابة الكبيرة نحو رواق ارضيته من رخام أسود ،على جانبيه خزانات فردية ،يستعملها الطلاب الأكبر سنا ،ثم يتفرع منه  رواقان اقل عرضا ،على اليمن فصول للدراسة ،وسلم يؤدي إلى الطوابق العليا ،والثاني حجرات لإدارة المؤسسة .استدار بيتر نحو اليسار وتوجه الى آخر باب يطرقه ليسمع إذنا بالدخول .
-صباح الخير سيدتي .
-صباح الخير سيد بيتر ،هل هذه زهرة (نطقتها زارا).
-نعم سيدتي ،ارجو ان تراعي ظروفها ،انتقلت توا الى بلد غريب ،ولا تجيد اللغة الأنجليزية ،واظنها فقدت الرغبة في الكلام إن لم تكن فقدت النطق .
-مفهوم ،مفهوم سيد بيتر ،أولا ستكون بقسم الصغار ريثما تتأقلم،وسأعرضها على اخصائية الطب النفسي الخاصة بالمؤسسة .
-لو سمحت سيدتي ،أظن جعلها في قسم الصغار قد يؤثر عليها سلبا ،ماذا لو تختبرينها في جميع المواد ،ماعدا اللغة طبعا ،وتختارين القسم حسب مؤهلاتها،على ان تدرس اللغة بالفصل الأول .
-القرار سيعود لمجلس الأساتذة ،اليوم ستكون بفصل الأنشطة ريثما نقرر كيفية التعامل معها .
-كما تشائين سيدتي ،أشكرك .
ودعته مبتسمة ،فقبل ان يسجل الطفلة ويضع المبلغ المرتفع في حساب المدرسة كان قد عرض خدماته كمحام محنك تحت خدمة الإدارة ،زهرة اتتهم برجل يعد مكسبا ،فلا بأس من بعض التنازلات بمؤسسة اشتهرت بصرامة قوانينها .
رنت جرس لتأتي اليها امرأة خمسينية ،مثال للمدرسة التقليدية ،طقم رمادي من سترة وتنورة ،جوارب سوداء ،قميص ابيض ذو ياقة مرتفعة ،وحذاء لامع بكعب متوسط ،شعرها على شكل كعكة على مؤخرة رأسها ،وجهها خال من المساحيق إلا أحمر شفاه على شفتيها الدقيقتين.لا تبتسم ،بل لا تعبير على محياها كأنها قدت من جليد .
-خذي هذه الصغيرة الى قسم الانشطة المتوسط ،ستبقى فيه حتى يقرر المجلس أي الفصول سترتاد.
رفعت رأسها دون كلمة ،وأخذت زهرة من يدها ،صوت حذاءها على الرخام كأنه إيقاع لخطوات نحو المجهول .
سلمت زهرة الى سيدة اخرى اكثر شبابا ،كأنها تسلم عهدة ،همست لها ببعض الكلمات قبل ان تخرج وتوصد الباب .
-اقدم لكم صديقة جديدة ،زارا ،رحبوا بها .
-مرحبا زارا .
-من يريد زارا قربه .
كان الصغار يجلسون حول طاولات دائرية ،اغلبهم يرسمون ،والباقي إما يقرأ او يركب مجسمات. 
رفعت صغيرة ذراعها 
-المقعد بجانبي خال ،يمكن لزارا ان تجلس عليه .
-حسنا تقدمي زارا .
تدفعها برفق نحو الطاولة ،بما انها أُخبِرت ان الطفلة لا تتكلم لغتهم ،ستساعدها بالإشارة .
وضعت امامها عدة اوراق واقلام تلوين وكلمتها مرفقة كلماتها بالإشارة 
-يمكنك ان ترسمي او تكتبي ماتشائين زارا ،مرحبا بك عزيزتي .
ابتسمت للطفلة التي تجلس بجانبها ،ثم انهمكت في الرسم ،لم تغفل عنها عين الآنسة ،بل انتبهت الى رسوماتها ،بيت جميل وشمس ساطعة، وحديقة بها ورود .وعلى ورقة اخرى ،طفلان يبدو انهما ولد وبنت ،الولد اطول قامة ،والبنت تضع يدها بيده ،يبتسمان ،وخلفهما شجرة فوقها شمس مرة اخرى .
وعلى ورقة اخرى سواد وسطه نجمة ينطلق منها شهاب .
دق جرس الظهيرة ،فعَلا الهرج والمرج ،كل الطلاب صغارا وكبارا يملأون الأروقة ،يتجهون نحو هدف واحد ،وقفت زهرة امام باب الفصل لا تتحرك ،انتبهت لها الآنسة والطفلة جارتها على الطاولة ،فرجعتا معا نحوها 
-تعالي زارا،كلنا سنذهب إلى قاعة الطعام ،الوقت موعد الغذاء .
امسكت يد الطفلة الممدودة اليها ،فابتسمت الآنسة ،ورعتهما حتى جلستا إلى جوارها وكل واحدة تحمل صينية غذاءها .
قلبت زهرة وجبتها ، بطاطس مهروسة ،قطعة لحم محمرة في دهن ما ،قطعة خبز صغيرة وتفاحه. 
قلبت الأكل ،اخذت التفاحة ودفعت الباقي بعيدا عنها .
-الا تأكلين زارا .
هزت رأسها أن لا .
-ألست جائعة ؟
كادت تهز رأسها مرة أخرى ولكنها انتبهت أن ذلك سيجعل الآنسة تعلم أنها تفهم كلامها ،قضمت من التفاحة وتجاهلت كلام من حولها .

مر اليوم الأول ،وعادت مساء بالحافلة الى البيت ،صعدت الدرج نحو الطابق الأول ،فتحت الباب بالمفتاح الذي سلمته لها والدتها صباحا ،دخلت أول مرة لتجد البيت خال إلا منها ،كانت تعود بالسيارة رفقة سعد ،وتدخل لتجد امها وصفية ،واحيانا والدها ،اليوم تدخل شقة باردة ،لتنتظر عودة امها من العمل .
فتحت البراد ،واخرجت قطعة جبن ،ثم جلست الى المائدة الصغيرة تدهنها على قطعة خبز ،صبت كأس حليب ،نظرت اليه طويلا وتذكرت كيف كانت والدتها ترجوها ان تشرب الحليب كل مساء وهي ترفض ،كانت المائدة عامرة يمكنها ان تختار ماتريد وترفض ما تشاء ،الاختيار اليوم وحيد ،تدحرجت دمعة على خدها الصغير ،ودفعت كأس الحليب بعيدا .
لن أشربك الآن ،سأتركك حتى تطلب مني أمي ان أفعل.
دفعت اللقمة الجافة بجرعات من الماء ،وصعدت السلم الخشبي نحو غرفتها .
عادت رشيدة بعد ساعة ،كان الظلام قد اسدل ستاره ،دخلت تنفخ بكفيها لتبعث فيهما الحرارة 
-زهرة ،يا زهرة .
نزلت مسرعة تعانق امها ،تخفي عنها دموعها ،ولكن انتفاضة صدرها الصغير فضحتها .
-لماذا تبكين حبيبتي ،هل ضايقك احد بالمدرسة .
هزت رأسها تنفي مخاوف امها.
-ماذا بك ،زهرتي ،ارجوك تكلمي ،قلبي يتألم لأنني لا اعرف ما يحزنك .
-اش ...اش...اشتقت لك .
عانقتها مهللة. 
-يا الله، الحمد لك يا الله ،وانا اشتقت لصوتك العذب حبيبتي .
اسمعي ،سأصبر ساعات النهار ،ولكنك ستبيتين بحضني ،لن نضعف امام هذا التحدي الصغير ،بل سنستغله لصالحنا ،انا سأعمل ،وسأحتك بناس اتعلم منهم مالم اتعلمه بالجامعة ،ولا بالبيت ،وانت ستتعلمين وتتفوقين ،سنعود الى بلادنا اكثر قوة وتجربة ،ولكن عليك ان تتكلمي ،ان لا تظهري ضعيفة فالضعيف هذا الزمان يداس عليه بالأقدام .
-كما فعل بابا .
-بابا احب المال اكثر من حبه لنا ،اراد ان يكون له اسم بعالم رجال الأعمال ،قبل ان يدوس علينا داس على قلبه ونفسه وإنسانيته.ولكن الله وضع في طريقنا عوضا جميلا ،الخالة أمينة والخالة إيزا، وبيتر .
-هل سأرى سعد .
-قد ترينه ،قد تلتقيان، من يدري ،وقد تنسينه وينساك وسط زحام الدنيا .
مرة اخرى هربت دمعة لتجري على خدها ،قلبها الصغير يرفض أن تحرم من صديقها الوحيد.
-لا تبكي ،سيكون لك أخ عما قريب ،سيكون سندك وصديقك ،(ضحكت مداعبة )وانا ،هل نسيتني ،انا صديقتك كما انت صديقتي. 
ضمتها ،لا تدري ايهما تحتاج العزاء ،ايهما تحتاج صدرا حنونا،ايهما تحتاج الاطمئنان .

تمر الأيام ،لا تغفل إيزا بتوصية من أمينة ،وكلما زارتهما اتت محملة ،أكلا ،لعبا ،فساتين للصغيرة .
وكلما زارتهما أنبتها رشيدة 
-إن كنت ستأتي محملة هكذا فأفضل ألا تزورينا إيزا.
-وهل أحضرت لك شيء ،انا ادلل صديقتي زوزو ،لاشأن لك انت ،فلا تتدخلي بيننا .
مازالت زهرة لا تكلم إلا امها ،والمختصة النفسية بالمدرسة حددت انه صمت انتقائي ،يعني انها بعد صدمتها بوالديها تنتقي من تثق بهم وبالتالي تحدثهم، وهذا رغما عنها ،دماغها من يتحكم فيمن ستكلمه وتثق به ،ومع العلاج النفسي ،ستعود الى سابق عهدها .
العلاج طبعا يتم بالمؤسسة ،حصص رسم ،وأخرى لعب مع أقرانها ،وساعة تكلمها الأخصائية  بعد ان كلمت والدتها وعلمت منها انها تجيد لغتهم .

داهم المخاض رشيدة وهي بمكتبها بالمعمل ،أسرع بها رئيسها الى المستشفى وهناك رزقت بولدها ،جاء بيتر وأيزا التي قضت الليلة مع زهرة ،وفي الصباح بعد ان تأكد الطبيب من سلامة الأم ومولودها سمح لهما بالخروج ،اسعد الصغير اخته ،وغير حالتها إلى الأفضل ،أسمته سعد ،رغم أن والدتها كانت تفضل لو انها تنسى ،ولكنها ترفض النسيان وتتشبت بأمل اللقاء .
كبر سعد ليبلغ العاشرة ،وتجاوزت زهرة الثامنة عشرة بقليل ،تبين ان الصغير مصاب بالتوحد، الأخصائية بالمدينة الصغيرة بيرث نصحت رشيدة بطبيب مختص بأقرب مدينة كبيرة منهم
بسيارتها الصغيرة ،تسافر مرتين بالأسبوع قرابة مئة كيلومتر ،تنتظر حتى يخرج اليها سعد مع طبيبه الذي أسعدها كونه من بلدها،وقد نال شهادة الدكتوراه تخصص  العلاج النفسي للأطفال خاصة المصابين بالتوحد .
-شكرا لك دكتور أحمد .
-من دواعي سروري سيدة رشيدة ،خصوصا أن صديقي سعد يستجيب للعلاج .
-انت الوحيد خارج اسرتنا الذي يسمح له بلمسه .
-لأنه وثق بي ،الأطفال المتوحدون يرفضون أن يلمسهم او يكلمهم إلا من نال ثقتهم او حبهم ،زهرة هي المفضلة لدى سعد ،وحبها له ساعده كثيرا .
-بل وساعدته أيضا في حبه للرياضيات.
-من أعراض التوحد التركيز على علم او رياضة او فن يدوي ،وسعد احب الرياضيات واستعمل ذكاءه فيها ،الى جانب  حبه للرسم .
-زهرة تركت له غرفتها حتى يحس بحرية اكثر ،وقد أسعده ذلك ،لا تتصور فرحتنا وقد ضمها اليه بسعادة .
-عادي ،من لم تسعده زهرة .
-اأا،مرة اخرى أشكرك دكتور.

غادرت العيادة ،تفكر قي إعجاب هذا الدكتور بزهرة منذ رآها اول مرة ،رفض سعد أن يركب السيارة دونها ،فسافرت معه ،يمسك يدها وچهما يجلسان بالمقعد الخلفي ،ودخلت معه الى الطبيب ،لاحظت رشيدة إعجابه بجمال زهرة منذ ولجت مكتبه ،وزاد إعجابه وهي تحدثه عن حالة أخيها ،فقد كانت تتابع مع الأخصائية بالمدرسة ،وقرأت كثيرا عن هذا المرض الذي تعتبره ميزة اكثر منه مرضا ،فأخوها يتميز بذكاء ظاهر في تفوقه بالرياضيات و جمال رسوماته .
وصلت البيت الصغير الذي أصبح جنتها مع ولديها ،لتجد زهرة قد أعدت لهما فطيرة تفاح التي يحبها سعد كثيرا .
زهرة حصلت على شهادة الباكالوريا بتفوق ،وقبلت طالبة بكلية الهندسة المعمارية،الشائبة الوحيدة في الأمر بعد الجامعة هي اضطرارها للسكن بالحي الجامعي (le campus ).
الطرق المعتمدة بمدرستها جعلتها متفوقة في العلوم ،واهتمت باللغات فأضافت الى قاموسها الروسية والألمانية ،أما في الأنشطة اليدوية فقد اختارت الطبخ ،كما اختارت الرسم من الفنون .
قوانين المدرسة تلزم الطلاب تعلم فن الحياة ،او الاتيكيت، بخلاصة تخرج أميرات وفرسانا، ولهذا يرتادها أبناء النخبة ،ومصاريفها باهضة.
رشيدة تعلم أنها تدين لصديقتيها بالكثير خصوصا بعد ولادة سعد ،علاقة بيتر بإدارة المدرسة جعلت أتعابه ضمن المصاريف ،كما جعلت المجلس يقبل استمرار سعد رغم اكتشاف مرضه .
سعادة رشيدة بنجاح زهرة انطفأت بخبر محزن جدا ،لقد توفت أمينة ،صديقتها الصدوقة، الأخت التي لم تلدها لها امها ،القلب الذي يحبها دون قيد أو شرط كف فجأة عن الخفقان وهي نائمة .
حمى ،مجرد حمى ظن زوجها كما ظن الطبيب انها نزلة برد ،ولكنها احست ،بل علمت أنها النهاية ،فطلبت أن تختلي بولدها سعد ،اوصته بأخته غيثة وبأبيه، ثم امسكت يده وذكرته بوعد بعيد جعلته يجدده لها قبل ان تقبله وتبتسم له آخر ابتسامة .
وصل الخبر الى إيزا فسافرت الى رشيدة ،خبر كهذا لن تقوله على الهاتف ،ثم إن نتيجة زهرة اليوم ،يجب أن تكون معهما .
طبعا خبر الوفاة جاء قبل خبر النجاح ،الحزن لم يترك مجالا للفرح، سعد يرى امه واخته تبكيان وهذه المرأة تضمهما ولا يستوعب سبب هذا الحزن ،فصعد الى غرفته يختلي بنفسه ويرسم .
-أتدرين يا إيزا ،قد أسامح ابن عمي على كل شيء ولن أسامحه على حرماني من أمينة ،لم أرها منذ آخر لقاء قبل أن ينفينا غانم. لم تسافر الي مخافة ان يكون يراقبها ويعرف مكاننا.فعلت كل ما تستطيع من أجلي ومن أجل زهرة والصغير سعد ،كم أشتاق إليها إيزا ،كم أشتاق إليها .
-رأيتها آخر مرة عبرمكالمة مرئية ،كانت شاحبة ،ولكنها قالت انها تشعر بالتعب فقط .
-يرحمك الله يا أمينة ،يرحمك الله يا صديقتي وأختي .
كانت زهرة تستمع باكية ،وبذهنها سؤال واحد :ماذا فعل سعد ؟كيف يشعر الآن ومن يواسيه في مصابه



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close