أخر الاخبار

رواية موت علي قيد الحياه الفصل السابع7 بقلم خديجه السيد


 رواية موت علي قيد الحياه الفصل السابع7 بقلم خديجه السيد


بــعــد مــرور ثلاث ســـنـــوات .. .

فتحت عينيها ببطء ونظرت حولها لعله أن تجده جانبها في يوم كانت تحلم بفارسها الذى يحملها بين ذراعيه و يسمعها كلمات الغزل التي اعتادت سماعها في كان و ما زال حلمها فقط.. يراوضها منذ أربع سنوات كم تتمني أن يتحقق فقد إشتقت إليه كثير لكن تعرف أن رغم عنه.. نهضت من مكانها واتجهت الى غرفة بنتها الصغيرة مريم ....لتكشف عن نسخة مصغرة من تلك الحورية النائمة والدتها ما عدا لون عينيها الزرقـاء أخذت عيون والدها .. كانت نائم قبلتها بحنان قائله بحب: يلا يا حبيبه ماما اصحي عشان ما تتاخرش على اخوكي

تحركت الصغيره أعلي الفراش منزعجة تهمهم بصوت مازال به أثار النوم مما جعل ليلي تبتسم عليها ثم مالت عليها تحملها وتجهيزها للذهاب معها الي المستشفي ..

ما ان انتهت من ارتداء ملابسها الواسعه و اخذت حجابها لكي تحجب شعرها به بطريقة شبابية رقيقة , فهي الفتره الماضيه تغيرت من طريقه ملابسها و تحجبت .. 

هبطت ليلي من المنزل بعد أن تأكدت من اغلق الباب جيدا و أوقفت تاكسي وساق بها إلي المستشفي..

حتي وصلت ليلي إلي المستشفي وهي تحمل بنتها ودلفت الغرفه كان يوجد بها طفل في سن الـ 14 سنه من عمره جالساً على كرسي متحرك والذي ما ان رأها حتى هتف بسعاده: ابله ليلى .. مريم 

ابتسمت ليلي له و أنزلت الطفله من فوق كتفها وركضت نحوه بلهفة ليضمها سليم إليه ويشدد من إحتضانها قائلاً بحب: وحشتيني قوي يا مريم ..

تقدمت منه ليلي تحضنه بيدها حول كتفه وهو استقبالها بحب لتقول متسائلة باهتمام: كنت بتعمل ايه يا حبيبي 

يجيب سليم عليها واضع مريم بين احضانه : كنت باذاكر دروسي ما انتي عارفه امتحاناتي قربت يا ابله ليلى....

هزت راسها ليلي بتذكر وهي تقبل جبينه بحنان : ربنا يوفقك يا حبيبي .. وان شاء الله تنجح بامتياز وهتبقى دكتور قد الدنيا زي ما انت عاوز

قال سليم بزعل وضيق: يا رب يا ابله ليلي.. بس هو في دكتور على كرسي عجل برضه

نظرت ليلي له بعتاب وهي تقول بجدية: وبعدين يا سليم مش كنا خلصنا من الكلام الوحش ده ... مش انا وعدتك يا حبيبي وقلتلك خليك مطمئن مع التمارين وجلسات العلاج هتمشي زي الاول واحسن كمان

هز رأسه بهدوء وقال متسائلا: هو ما فيش اخبار عن بابا انه راجع مصر قريب ولا حاجه

حمحمت ليلي قائله بابتسامة مصتنع: لا لسه يا حبيبي.. بس ما تقلقش كلها يوم وهيجي وبعدين هو مسافر ومتغرب بره ليه ؟؟ مش عشان يشتغل بسرعه ويجمعلك فلوس للعلاج... وحشك صح 

هز رأسه بعدم مبالاه ثم بدأ يقبل يده اخته مريم بحب .... تنهدت ليلي وهي تنهض واقفه لتقول: انا هروح الشغل بقي عشان متتاخرش .. خلي مريم أختك معاك لحد ما اجي ...اتفقنا 

اومأ سليم برأسه يضم الطفله بسرعة وهو يهتف بسعادة : ماشي .. ما تقلقيش عليها يا ابله مريم دي في عيني 

لتبتسم ليلي عليه وعلي مريم ابنتها كيف منسجمين مع بعض.. فـ سليم أحب مريم أخته بشده وهي ايضا مريم تعلقت بيه كثير .. .
__________________________________

خرجت ليلي من غرفه سليم تسير في الممرات المستشفى حتي بدأت عيون الأطباء والممرضات عليها باستنكار و اشتمزاز كأنهم يقولوا لها كيف لها عين تاتي إلي هنأ بكل وقاحه بعد ما حدث قبل سنتين ...حاولت ليلي التماسك وعدم إظهار ضعفها و دموعها المتحجرة في عينيها ... حتي توقفت عندما سمعت صوت أحد ينده باسمها ألتفتت إليه لتقول بهدوء مصتنع: دكتور وائل ازيك .. أخبارك ايه ؟..

بادلها الابتسامه وهتف بسعاده: انا كويس جدا وعندي اخبار هتفرحك أوي .. انا كنت لسه بشوف تحاليل سليم.. خلاص خف من السرطان ويقدر كمان يخرج من بكره 

ابتسمت ليلي بفرحه كبيره ولم تستطع أن تتماسك أكثر لتتساقط دموعها ليقول وائل بإستغراب: انتي بتعيطي يا ليلي ده انا قلت هفرحك 

كفكفت ليلي دموعها وقالت بنبرة متحشرجة : دي دموع الفرحه يا دكتور وائل .. مش مصدقه أن سليم خف الحمد لله أخير خلاص ! اصلك متعرفش أنا الثلاث سنين اللي فاتوا اتعلقت بيه اد ايه كأنه ابني بالضبط كنت زعلانه عليه قوي وانا شايفه قدامي تعبان .. 

ابتسم وائل قائلاً باشفاق: لا عارف يا ليلي ومتأكد من كده .. ده بعد سفر وليد بشهر واحد السعوديه انتي كنتي تقريباً كل يوم هنا من اول ما فاق ! وانا شايفك بتعمليه ازاي و اهتمامك بيه كانك زي والدته بالضبط .. حتي هو كمان اتعلق بيكي أوي و حبك 

أجابت من بين دموعها : وليد هيفرح أوي لو سمع الخبر ده ... ده كان مستني الخبر ده من سنين لازم اقول له !! 
__________________________________

في السعوديه داخل مكتب في أحد الشركات كان وليد يتابع عمله في مكتبه الخاص في المصنع الذي عمل في منذ ثلاث سنوات حاول بكل جهد إثبات نفسه حتي يكسب المال وكان يرسلوا الى ليلي حتي تصرف على نفسها وعلى أولاد وبالطبع علاج وعمليات سليم...

لم يكن سهل عليه السفر خارج البلاد وترك الجميع لكن ليس كأن أمامه حل أخري لـ كسب المال سريعا ! أضطر إلي ذلك وحرمان نفسه من أولاد وكان كل يوم يتصل على ليلي يطمن منها علي أبنه سليم وهي وابنته مريم ... تنهد وليد بتعب ترك ما بيده وهو شارد الذهن بحزن بما حدث قبل ثلاث ســـنـــوات ...

بعد اسبوع من ولاده ليلي فتحت عينيها بجهد نظرت حولها لتتفاجا بـ وليد مقترب لها بلهفة: ليلي.. ليلي انتي سامعاني.. رد عليا لو سمعاني !! 

ابتلعت ريقها بصعوبة بالغة لتقول بتعب: انا فين ؟!.. 

ابتسم وليد لها بحنان يرجع بانامله خصلات شعرها الى خلف اذنيها لتستكين يده فوق وجنتها للحظات يتمتع بنعومتها تحت انامله قائلا بصوت اجش: خلاص يا ليلي عديتي مرحله الخطر .. الحمدلله ولدتي وجبتي بنوته زي القمر شبهك .. بس الظاهر كنتي عاوزه تعرفي غلاوتك عندي. قد ايه.. وجعتي قلبي لما الدكتوره قالتلي دخلتي في غيبوبه .. خفت انتي كمان تفضلي في الغيبوبه زي سليم وتسيبيني !! 

حاولت التركيز في حديثه وهي تسمع همسه بحنان ليتنظر الى عينيه بشغف ويكمل: بس الحمد لله الدكتوره قالتلي لو فوقتي النهارده يبقى خلاص مرحله الخطر عديت وبقيت كويسه ...

ابتسمت ليلي بخفه بضعف لتقول: عايزه اشوف بنتي يا وليد 

ابتسم وليد ينهض قائلاً: حاضر هجيبها لك دلوقت تشوفيها .. 

ليلي بخجل و توتر: وليد ! هـ آآ هو انت قرات اللي في السلسله 

حمحم وليد قائلاً بهدوء مصتنع: لا ما قراتهاش .. انا نسيت اصلا كنت مشغول فيكي انتي وبنتك .. و ما بين شغلي وسليم 

تنهدت ليلي براحه لتقول بارتباك : طب ابقى هاتيهالي عاوزاها .. 

هز رأسه بهدوء الايجابيه خارج ولا يعرف لماذا كذب عليها ... وبعد اسبوعين خرجت ليلي من المستشفى وبدأت تستعد صحتها مره ثانيه بمساعدة وليد بالطبع ...حتي جاء في يوم بوجه غاضب جدا والدموع تجمعت في عينيه اتسعت عيني ليلي بحضنه : مالك يا وليد انت كويس ؟!. 

جلس على الكرسي بأهمال وقائلا بحزن: الظاهر كده عمري ما هبقى كويس .. كل ما احاول اخرج من مشكله تطلع لي مشكله ثانيه 

تقدمت منه تجلس جانبه قائله بخوف: هو اللي حصل ؟؟ 

أغمض عينه بألم وبياس وقال: النهارده كنت في المستشفى بطمئن على سليم وكالعاده لسه زي ما هو في غيبوبه .. كنت بتكلم مع وائل والكلام جاب بعضه وسالته بعد ما يعمل العمليه ظهره هيرجع زي الاول و يفوق .. قاللي هو الاكيد العمليه هتنجح و هيفوق باذن الله .. بس عشان اكون صريح معاك ممكن ما يرجعش يمشي على رجليه على طول وعاوز قرص علاج ثاني .. 

نظرت إليه بدهشة و حزن: لا حول ولا قوه الا بالله .. استغفر الله العظيم .. معلش يا وليد ان شاء الله مع العلاج هيبقى كويس المهم بس العمليه تعدي على خير 

= انا مش فارقلي يا ليلي .. بس حاولت اسال كورسات العلاج دي بتاخد وقت اد ايه و مصاريفها كمان بتتكلف قد ايه... لقيت نفسي هرجع في دوامه بجمع فلوس لي ثاني ما بين ثلاثه شغلانات !! 

قالها وليد بإحباط وضيق ثم تحدث قائلاً بتردد: هو في حل ثانى واحد صاحبي قاللي عليه من اسبوعين .. ممكن يجيبلي شغل بره في السعوديه في شركه كويس المرتب حلو وكبير بس انتم هعمل فيكم ايه ؟!.. عشان كده رفضت !! 

هزت ليلي راسها بتفهم واخذت نفس عميق لتقول بهدوء مصتنع: خلاص يا وليد لو عاوز تسافر وتسيبنا ما تشيلش هم.. سافر و ان شاء الله هقدر اخلي بالي من ولادك ... 

تطلع وليد فيها بصدمه من حديثها لتهز برأسها بالايجابيه بصمت بابتسامه هادئه تشجيع .. بادلها الابتسامه بإعجاب كبير بموقفها معه ... !! 

وبالفعل سافر وليد إلي السعوديه وبدأ في العمل علي الفور وكأن يجمع المال ويرسله ألي ليلي ..وتوالت الايام تفاجات ليلي أستيقظ سليم أخيرا من الغيبوبه فرحت بشده لكن تفاجات بأنه فاقد الذاكره ولم يتذكر احد من عائلته حتي وليد مما احزن ليلي واشفقت علي سليم و وليد .. لكن الطبيب وائل طمنها ان ذلك وضع طبيعي فهو في غيبوبه منذ سنوات طويله لكن سوف تعود إليه باقرب فرصه .. ولم يكن امامها حل سوى أن تتقرب من سليم وتقص عليه بعض الامور التي تعرفها عنه وعن وليد .. و رفضت اخبار وليد أن سليم فاق قبل أن تعود الذاكره أولا إليه ..فهي لا تريد ان يحزن وهو بالخارج ...و وفقها الراي وائل .. وليلي هي من شالت الحمل بالكامل بمفردها كان صعب عليها بشده وكم واجهه صعوبات كثيره في حياتها .. لكن هي ظلت تكمل لأجل أولادها .. 

وبعد مرور سنتين نجحت عمليه سليم في زرع نخاع عظمي في ظهره الذي أخذه من أخته وبدأ سليم أمور تسير معه بهدوء وتعلق سليم بـ ليلي بشده هي و اخته مريم .. وأخبرته ليلي بنجاح العمليه وسعد بشده !! وكأنوا الآن ينتظرون شفاؤه من السرطان ! 

قاطعه شرود صوت هاتف وليد الذي حمله على الفور وأجاب بلهفة : ايوه يا ليلي انتم كويسين حد حصل لي حاجه منكم ..

اجابت ليلي بأبتسامة سعيده : جري إيه يا وليد هو انا كل ما اتصل بيك تتخض كده .. احنا كويسين يا سيدي كلنا ما فيش حد جرى له حاجه وحشه ..

تنفس الصعداء زافر براحه, تنحنحت ليلي ثم قالت بتردد : هو انت مش ناوي ترجع بقى يا وليد .. وحشتنـ... آآ قصدي وحشتنا كلنا ومحتاجلك قوي 

ابتسم وليد فقد فهم أنها تقصد نفسها ليقول : ما تقلقيش يا ليلي هحاول ارتب اموري هنا و كلها اسبوعين بالكتير وهتلاقيني عندك .. 

- يارب !! 

هتفت ليلي بنبرة اشتياق ثم قالت بسعاده : انا كنت عاوزه اقول لك خبر هيفرحك قوي .. سليم خلاص خف من السرطان !! 

اتسعت عيني بعدم استوعب وصدمه وثم التمعت عينه بفرحه كبيره.. 
__________________________________

ذهبت ليلي الى منزلها القديم إلي والدتها حيث أنها تعمل معها وتساعدها والدتها في عمل تجهيز وجبات طعام منزليه وتبعها ..دلفت ليلي لتجد والدتها أعلي المقعد الطاوله أمامها مجموع من الطعام تفرز بيه ابتسمت حنان قائله : ليلى ! انتي جيتي يا حبيبتي تعالي واقفه عندك ليه 

بادلتها الابتسامه ليلي بخفه قائله: ايوه يا ماما لسه واصله .. كنت عند سليم في المستشفى سبتله مريم يسلوا بعض وجيت عشان اكمل معاكي الشغل 

هزت راسها لها بالايجابي لتقول باشفاق: ربنا يخليهم لبعض مش اخوات في النهاية.. شيله يا بنتي الهم على طول ! مره انا لما كنت عيانه ومره جوزك وعياله .. هقول ايه ربنا يعينك 

هزت ليلي رأسها بنفي وأجابت وهي تشعر برغبة عارمة في البكاء: انا مش متضايقه يا ماما والحمد لله راضي بنصيبي .. بس يارب سليم يقوم بالسلامه .. و وليد يرجع 

نظرت إليها حنان بعطف وقالت: ان شاء الله يا حبيبتي يرجعلي بالسلامه وربنا هيعوضك خير على اللي بتعملي معاه ! . 
__________________________________

بعد مرور يومين .. . 

كان وليد يجلس بأحد الشوارع بشرود وحزن شديد علي فراق عائلته تذكر الجميع.. الميت قبل الحي .. لكن إلي متي سوف يظل هكذا .. جلس علي مقعد بالشارع في دوامه افكار الكثير ومنهم ليلي الذي لم تفارق عقله و لو ثانيه .. يفكر بأن سليم تم شفاؤه بحمد الله وإذا عاد إلي مصر من الممكن تطلب ليلي منه الانفصال ..

كأن يظن أول ما أحضرها وتزوجها أنها ستكون عن كـغيرها من النساء, في بادئ الأمر كأن يريد فقط أن يجلب طفل منها لعلاج أبنه ويطلقها .. لكن تفاجأ بـ عكس ذلك هي فتاه غير غيرها رغم أنه يعرف ماضيها جيدا لكن لم ينظر لها بقرف أو اشتمزاز ! من الممكن هي من غيرت الفكره ذلك عنها بسبب تصرفاتها دون قصد ! هي بالفعل تريد الستر والعفة وحياه هادئه .. تريد أن تنسي ماضيها ,تريد أن تكون زوجه صالحه ترضيه هو و أولاد .. وفوق كل ذلك هي تحبه تذكر أمر الجواب الذي قراءه ولم يقول لها.. ولولا فتح الجواب لم كأنت ستقول له.. هي تحتاج بالفعل فرصه جديده بشده ! لكن هل سوف يعطيها هو فرصه ثانيه في حياته .. 

زفر بقوه وحيره هو لا يعلم الجواب حقا ؟. اوقات يريدها معه و أوقات ثانيه عندما يتذكر عملها القديمه يكره الفكر ولا يريد أن يورط نفسه أو يندم على أعطها الفرصة او هي تضيعها ! لكن صراحه لم يلاحظ عليها انها تفعل شيء يسير شكوك حولها اطلاقا .. أوقفت ذلك العمل تماماً ولم تعد إليه ! أقتربت من ربها وبدأت تحافظ على صلاتها وهو شاهد علي ذلك ! كأنت معه نعمه الزوجه الصالحه ! ساعدته في عمله .. حافظت وما زالت تحافظ على بيته واولاده في غيابه .. راعت أبنه سليم المريض بشده ..وكان يعلم ذلك من صديقه وائل الذي دائما يتحدث معه ان يعطي لحياتهم فرصه ولا يطلقها .. وهو واثق أنها بالفعل تريد التوبه ..أي مختل يترك امرأه كامله مثلها وفعلت معه كل ذلك.. ولكن !! 

رجع مره ثانيه في نفس نقطه الحيره ! حاول صلاه استخاره لكن لم يفلح الامر معه ! يريد اثبات اكثر , يريد ان يتحدث مع أحد حتى يشوروا علي الطريق الصحيح ؟. لكن من ؟. هو من المستحيل يتحدث مع أحد علي ماضيها .. لن يفضح أمرها .. لكن يريد حل وسطاً وبشده .. حتي لمح من بعيد جامع وهو يفكر في شئ عازم على فعله ؟!.. 

دلف وليد المسجد أقام الصلاه ثم نظر إلى الشيخ الذى كأن يجلس أرضا يردد تلاوه القرآن الكريم ...حتي أقترب منه وليد بتردد وجلس أمامه نظر الشيخ بطرف عينه لاحظ وجود ثم صدق وقال: خير يا ابني عاوز مني حاجه ؟!.. 

حمحم وليد بإحراج وقال: بصراحه اه ! انا تائه ومحتاج اخذ رأيك في حاجه مهم قوي بالنسبه لي.. والراي اللي انت هتقوله واقتنع به هنفذه على طول من غير تفكير .. 

ابتسم الشيخ ببشاشه قائلاً: للدرجه دي.. طب اتفضل يا ابني احكي اللي انت عاوز وانا لو في ايدي اساعدك مش هتاخر عليك ..

صمت قليلا وليد ولا يعرف بماذا يبدأ حتي حسم الأمر وقال: انا كنت متجوز وعندي ولدين ! وفي يوم ابني الكبير تعب أوي ورحت به انا واهلي للدكتور وعرفت ان هو عنده سرطان .. طبعا الدنيا اسودت في وشي انا واهلي وبعد كده كنت مروح بيهم وانا شبه مش شايف قدامي من الصدمه ! وعملت حادثه وكلهم ماتوا والدتي و مراتي وابني الصغير.. ما عدا انا وابني الكبير بس اللي عشنا ... ما كانش قدامي تفكير ولا وقت اقعد احزن عليهم , ابني دخل غيبوبه و ما استحملش عشان كان سنه صغير ! وغير المرض اللي عنده كان محتاج يعمل عمليه بره .. العمليه كانت مصاريفها كثير عليا .. بس انا مسكتش و كنت بشتغل في اليوم ثلاث شغلانات عشانه ! لحد ما وصلت للحل الاخير اني لازم اتجوز واجيب لي اخ ياخدوا منه عينه عشان يخف .. 

قال الشيخ بعطف: لا حول ولا قوه الا بالله ربنا يشفيهلك يا ابني .. ما تعرفش اراده ربنا كانت ايه ساعتها قول الحمد لله و ارضي ... و لو محتاج فلوس حق العمليه ممكن نلملك هنا من بعض في الجامع ونساعدك باللي نقدر عليه 

هتف وليد بحزن: والله العظيم رضيت يا شيخ وحمده ربنا ... بس انا مش مشكلتي دلوقت ابني ! انا ابني خف من السرطان والعمليه بتاع ضهره نجحت الحمد لله ..

الشيخ باستغراب: امال ايه مشكلتك دلوقت ؟!.. 

تنهد وليد بقوه قائلاً بتردد : ليلي ! قصدي اللي انا اتجوزتها عشان اخلف منها طفل يساعد ابني في العلاج .. انا كنت متفق معاها بعد ما ابني يخف هنتطلق وهي كانت موافقه على كده ! هي الامانه الله ساعدتني كثير وأنا دلوقتي كنت مسافر ثلاث سنين .. وهي في الثلاث سنين دول في مصر بتراعي ابني سليم وبنتي اللي خلفتها منها .. وانا دلوقتي محتار اسيبها على ذمتي ولا طلقها ؟!.. 

كاد أن يتحدث الشيخ لكن قاطعه وليد قائلاً بإحراج: قبل ما تجاوب في حاجه لازم تعرفها عنها ؟. هي كانت بتشتغل آآ مش عارف اقولهالك ازاي ! كانت بتشتغل شغل مش كويس يعني بتبيع نفسها عشان تكسب فلوس وتعالج والدتها اللي مريضه بالقلب .. كانت محتاجه عمليه ضروري وهي للاسف ما لقتش حل ولا طريقه تجمع الفلوس غير كده بيها ! بس هي الشهاده لله تابت وبطلت الشغل ده من زمان .. هي كانت نفسها حد ياخذ بيديها ويساعدها تبعد عن المعاصي والذنوب و يصدقها أنها عاوزه تبقى انسانه كويسه بجد .. وكأنت ندمانه قوي ان هي عملت كده وانا اشاهد بصراحه على توبتها وندمها ده .. انا بصراحه فكرت اسيبها على ذمتي واكمل معاها باقى حياتي ! بس موضوع شغلها ده اللي قفلني من الموضوع كل ما افكر ارجع ارفض واتردد ثاني !! 

صمت قليلا الشيخ ناظر إليه قال وليد متسائلا بتراقب: ساكت ليه يا شيخ .. ؟؟. 

ابتسم الشيخ بخفه قائلاً : ابدا بسمع منك ! وبشوف حكمه ربنا في كل خطوه ومشكله وقعت فيها .. بس يا بختك ..

عقد حاجبيه بدهشة متسائلا: يا بختي على ايه .. هو اللي انا فيه ده حد يحسدني عليه ؟؟. 

= عشان ربنا لما بيحب عبده بيبتليه ! بيختبر صبره و قوه تحمله على كل موقف بيمر عليه سواء صعب ولا سهل .. وانت مريت مره ..بمرض ابنك ..ومره بموت اهلك كلهم .. وابنك اللي كان ما بين الحياه والموت ولسه قايم وصحته اترددله من قريب .. لا وكمان بعتلك واحده تكون انت السبب في توبتها شوف بقى انت فزت بقد ايه حسنات عند ربك .. عشان كده باقول لك يا بختك .. نجحت في الاختبار وصبرت علي كل محنه عديت بيها ..

ابتسم وليد بمرارة وهتف: الكلام حلو يا شيخ .. بس يا ترى الناس هتكون نظرتها لي ايه لو حد عرف في يوم مراتي كأنت بتشتغل إيه قبل ما تتجوزني ؟!... 

= رضا الناس غاية لا تدرك ورضا الله غاية لاتترك ! عارف انت اول ما حكيت لي حكايتك جاء في دماغي كده حكايه قديمه .. عن سيدنا عيسى رضي الله عنه ، انه جاءت له في يوم امرأة قد وقعت في الزنى ، بصوا الناس بصيت ليها نظرات حانقة واشمئزاز ، و لما شاف سيدنا عيسى النظرة العلوية دي منهم ، قال لهم منتقدا فعلهم (من كان منكم بلا خطيئة ، فليرمها بحجر) ما حدش يقدر يتحرك من مكانه ؟!. 

فـ مفيش داعي اذن نتفاخر بشيء ما نملكهوش اصلا ، لان العصمة من الله ، وانما الحافظ هو الله وحده ، وهو القائل سبحانه (كذلك كنتم من قبل ، فمنّ الله عليكم) ، فلنتق الله في بناتنا وأبنائنا ، فلا نقسو عليهم ولا نعيرهم باخطائهم ، وكيف بالله نستحل ذلك وصاحب الحق سبحانه قد تسامح في حقه وعفا فاخبرنا بأن (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) فلا داعي للتجني والمبالغة والمزايدة بعد ذلك ، ومن كان بيده فسيلة فليزرعها ، او اتركوا الخلق للخالق ؟!. 

نظر له وليد باهتمام كبير وأكمل الشيخ حديثه قائلاً: وانت تقول لي كلام الناس .. كلام الناس امراض النفس والمجتمع اللي مش بيشوفوا من الخطأ الا فداحته بس ، ولا من صاحب الخطأ الا خبثه وسوء طويته ، ده بيبقوا عاملين زي الي لاقوا فرصة للتسلية والتفكه في المجالس والتلذذ بالتشهير لإشباع رغبات النفس في التعالي ومدح النفس وتزكيتها بالطرق العكسية .. بينما يفترض بالمؤمن الحق ان ينظر لهذا العاصي او الخاطئ كمثل نظرته لمن سقط في حفرة او من قد التوت قدمه وهو يمشي سواء بسواء ، فيقف بجانبه ويمسك بيده ويسمي عليه ويحمد الله له ان المصيبة لم تكن أعظم ، وفي داخل نفسه انكسار لما رأى فيحمد الله أن عافاه مما ابتلي به هذا المصاب ، فالسقوط متوقع من كل احد لولا فضل الله ورحمته ، ولكن اكثر الناس لا يعلمون.. ومن منا بلا خطيئة؟! من منا الذي لا ينعم إلا بستر الله 

= طب هسالك سؤال ؟. وانا متاكد من الاجابه هل لاحظت علي مراتك اي سلوك وحش ! 

هز رأسه برفض دون تفكير وقال: بصراحه لا ! 

هز الشيخ رأسه هاتفاً بجدية: لو كنت لاحظت ما كنتش جئتلي كنت طلقتها على طول بدون تفكير .. وللأسف في مجتمعنا دلوقت الإنسان غالبا ما يتسارع الأيدي والألسن لنهش لحم أي شخص يخطئ أو تصدر حوله مجرد شائعة تصدر منه.. زلة ويستسهل الكلام عنه لكلمة أو مقالة أو مقولة .. المضحك في الموضوع أن البعض ممن يهاجمون ويقذفون مليء بالأخطاء والذنوب كانه فيهم المنزه المثالي. نحن بني آدم جبلنا على الخطأ والتوبة والاستغفار ... !!! 

تركزت حواس وليد بشده إلي حديث الشيخ وكل كلمه ! كم كان يحتاج إلى ذلك الراحه والطمأنينة تغمره داخله ! الوصول إلي حل يأخذه دون رجعه ! حل يكون مقتنع بيه 100٪ ... 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close