أخر الاخبار

رواية حوريه بين انياب شياطين الفصل الخامس والعشرون25والسادس والعشرون26 بقلم خديجه السيد


 رواية حوريه بين انياب شياطين الفصل الخامس والعشرون25والسادس والعشرون26 بقلم خديجه السيد



كان جواد متكئا علي حائط بداخل القسم يحاول كبت انينه يفتك الألم والحزن في كل شبر في جسده، لا يصدق ما حدث وما رآه بعينه فقد عندما عاد من الخارج وجد الخدم يقفون على أعتاب غرفه والده وهم بملامح متألمة بذعر وقلق بشده وصاح بهم بتسال عما حدث؟ لكن لم يجيب عليه أحد مما اضطر جواد إلى فتح الباب بنفسه ورأي حينما ابشع منظره في حياته! شعر حينها أن ساقاي لا يطيقان حمله أحس بضعف شديد وبرودة مدمرة في كل أنحاء جسده وأصبح اضعف مخلوق على وجه الارض حينها وأدرك بعدها أن تلك العائله الصغيرة الضعيفة كانت مصدر قوته وأنه لا شيء من دونهم لكنهم بكل بساطة رحلوا عن العالم بأكمله! أسند ظهره على الحائط وجلس بيكي كطفل صغير علي والدته وأبيه وهو لم يري في حياته دموعه تنزل بتلك الطريقة قط 

كان غافلا علي تلك العيون السوداء التي تتابعة وهو يقف جانب يحدق به بجمود حتي أقترب منه وسمع صوته البارد قائلا:- 

_جواد

رفع رأسه بسرعه ولهفه وكأنه وجد طوق النجاة إلى أن لمح قاسم يقف أمامه فاندفع إليه بكل قوة أحتضنه وهو منهمر بالدموع أما هو قاسم فقد كان يقف مجمد بأعين متسعة بذهول وصدمة وهو يستمع إلى بكاء حادة ولم يرفع يده في البداية لـ يبادله الحضن ثم أستمع الي صوت جواد وهو يتحدث وسط بكائه بحسره:- 

_قاسم شفت اللي حصل، ماما وبابا ماتوا يا قاسم الاثنين ماتوا وسابوني لوحدي 

عقد قاسم ما بين حاجبيه بعدم استيعاب وقد أدرك قاسم حينها أن شقيقه الآن أضعف مخلوق على وجه الأرض حتي بتوتر شديد رفع قاسم يده وربت علي كتفه الأيمن يطمئنه وهو يقول:- 

_طب اهدا وكفايه عياط عشان افهم ايه اللي حصل تعالي اقعد واستريح وفهمني اللي حصل واحده واحده، الاثنين ماتوا إزاي

أبتعد قاسم عنه وجذبه من يده ليجلس في الخلف أعلي المقعد وكان جواد مستسلم له بدون روح لكنه لم يصمت كان يريد البوح بما داخله ورائه بعينه ليردد بلا توقف بصوت مبحوح:- 

_ما اعرفش حاجه انا ما كنتش موجود في القصر اصلا ساعه إللي حصل، وكنت بره في الشركه زي كل مره بنحاول نشوف حل وازاي نسدد القرض اللي بابا اخذه بضمان القصر والشركه، وفجاه بابا سابني وراح الفيلا وهو متعصب ومتضايق قوي اننا مش لاقيه حل وان خلاص كلها يومين وكل حاجه هيتحجز عليها وبعديها بنصف ساعه انا روحت كمان ولقيت الدنيا مقلوبه في القصر الخدم كلهم واقفين بره وبيعيطوا ومرعبين وشكلهم خايفين من حاجه جريت وزعقت فيها وسالتهم في ايه ما رضيش حد يرد عليا 

صمت جواد وهو يأخذ أنفاسه بصعوبة وبدأ رويدًا رويدًا وهو يتنفس بصوت مسموع وبمجرد أن استعاد وعيه بدأ يكمل حديثه وهو يبكي بصوت مسموع بحزن شديد:- 

_وبعد كده دخلت انا الاوضه بتاعتهم بنفسي عشان اشوف ايه اللي حصل ويا ريتني ما دخلت لقيت منظر بشع قوي يا قاسم لقيت ماما في الارض وجسمها كله متشوه وغرقانه في دمها وبابا جنبها نفس الحكايه غرقان في دمه، جريت عليهم من الصدمه وانا مش مصدق إللي انا شايفه احاول افوق فيهم بس ما حدش نطق ولا رد عليا، ما ردوش عليا يا قاسم وماتوا 

شعر قاسم بغضه تخنق قلبه والذكريات تسحبه نحوه الماضي فتتسرب منها ضحكات مسروقه يفيق منها الي ألم الحاضر والمستقبل الغامض بألم اصعب من قبل، لا يعرف ما شعورة الان أيبكي أم يفرح بأن كابوس الماضي سوف ينتهي! لكن بالتأكيد الموت لم يمحي ذكريات الماضي،ثم قال بصوت مهزوز:- 

_لا حول ولا قوه الا بالله شد حيلك معلش هو كان في بينهم مشاكل عشان توصلهم لكده 

كان جواد شبه في حاله إنهيار حاد من الصدمه وهو يغمغم بصوت حاول سرقة بذور التوتر والخوف منه:- 

_ايوه بابا كان عاوز ماما تبيع العزبه والمجوهرات عشان يعرف يسدد القرض بس هي ما كانتش راضيه خالص، وهو كان بيمر بظروف صعبه ومش طايق حد وعلى اخره وانا ياما حذرت ماما تقف جنبه وتسيبها من العند واللي بتعمله بس هي ماسمعتش كلامي، والخدم قالوا انهم سمعهم بيزعقوا مع بعض جامد وبيتكلموا في كده برضه، بس ما حدش منهم قدر يدخل ويلحقهم رغم انهم سمعوا صراخ ماما جامد 

استطرد حديثه وكأنه يسبح وسط احزانه وهو يقول بصوت مقهوره:-

_والبوليس لما جاء يحقق مع الكل قالوا هيشرحوا الجثث عشان يعرفوا سبب الوفاه، بس هم شاكين ان بابا هو إللي قتلها وبعد كده قتل نفسه وقطع شرايين عشان خاف من الفضيحه والسجن

صمت قاسم ثواني بثبات يحاول استعياب ما حدث ثم رفع جواد عيناه الدامعة له وهو يستطرد بنبرة متحشرجة:- 

_انا ماعرفتش اعمل ايه من الصدمه يا قاسم فجاه حسيت نفسي لوحدي ماعرفتش اتصرف ازاي ولا اعمل ايه في موقف زي كده جسمي اتشل من الحركه ومش قادر انسى منظرهم وهم ميتين في الارض، لحد ما حستش بنفسي غير وانا بتصل بيك عشان تيجي تقف جنبي وتسندني في المصيبه دي! مش انت اخويا برده يا قاسم 

كان يسمع صوت بكائه وقلبه يتألم داخله وهو يتذكر جميع لحظات العذاب والظلم التي حصل عليها منهم و رغم كل ذلك لم يتمني موتهم ولم يفرح بفراقهم عن الحياه كما يعتقد جواد بل علي العكس تماماً العذاب والظلم والعدوان منهم مازالوا يعيشون داخله ولم يستطيع أن يزيل تلك الهموم ويزيل السموم التي تتسرب إلى قلبه لتحرقه وتشعره بالضعف والإهانة ،أغمض قاسم عينه وتنفس عدد مرات يملأ الرئتين بالهواء الطلق ثم هتف:-

_طب انت دلوقتي قلت أقولك ولا لسه البوليس محتاجك في حاجه ثاني 

هز رأسه ببطء شديد و همس بتلقائية مغموسة بالألم الخبيه والحسره:- 

_لا خلاص هم اخدوا اقوالي كلها من بدري بس مش عارف اروح فين القصر هيتشمع عشان الحادثه اللي حصلت فيه، وكده او كده البنك كان هيحجز عليه هو والشركه عشان القرض اللي بابا كان واخده، عشان كده اتصلت بيك تيجي تقف معايا انا مش قادر اتصرف ولا عارف اعمل ايه؟ انا لحد دلوقت ومش مصدق اللي حصل، بالله عليك ما تسيبني انت كمان يا قاسم انا بقيت لوحدي ما ليش حد خلاص كلهم ماتوا وسابوني اخويا وبعد كده ماما وبابا.. 

حينها انسابت دموعه غزيرة من عينيه و وجهه شاحب اللون ولم يستطيع أن يكفكفها ثم قال له بنبرة خوف شديدة:- 

_انا عارف ان انا مااستاهلش وياما اذيتك كثير واهلي كمان اذوك اكثر، والمفروض تكون انت اكثر واحد فرحان من اللي حصل فيا عشان ده انتقام ربنا على اللي عملنا فيك زمان، بس سامحني وخليك انت احسن مني انا بقيت لوحدي وماليش حد يا قاسم اوعي تسيبني عشان خاطري أنت كمان

كانت يتطلع فيه قاسم بوجه دون تعبير ولم يجيب عليه بينما جواد كان ينظر له بأعين تطلق رجاء بان لا يتركه بمفرده جعل قاسم كيانه يرتجف وهو يراه يشهق بعنف ببكاء عندما اخترقت صورة علي الدامي والدته و أبيه الساقطين ارضا دون روح فارقين للحياه 
بعد أن قد أخذوا جزاهم من افعالهم الشنيعة. 

**
جلست حوريه أعلي المقعد بداخل المطبخ و أفكارها متخبطة بالكثير وسماء ذهنها ممتلئة بشكل متعب، تحاول إعداد وجمع شتات نفسها لتقابل أي مواجهة أخري فهي قد اكتفت من الخذلان والصدمات التي مازالت لا يستوعبها عقلها.

هل الهروب ما تحتاج إليه في ذلك الوقت شعور بالضـعف والخزى من نفسها ومن الجميع حولها فهي حتي الآن تهرب وتخشي المواجهة وتخشي الرحيل أيضا، وقلبها يخترقها فتنهـار بسبب البعد عن ذلك القلب القاسي وهي كالزهرة التي ان خرجت للشمس الحارة ستذبل وتموت، اغلقت أهدابها الكثيفة السوداء لعلها تهدأ نفسها من كم المشاعر التى اجتاحتها يوميًا بلا رحمة للراحة! فـ اين تلك الراحة وسط ذلك الطوفان التي تغرق به دون نجاء.

خرجـت بدريه متجهة إلى الأسفل لتقابل ابنتها التى جاءت وجلست إلي المطبـخ لتوها حتي تاكل لأجل طفلها الذي داخل أحشائها ولم يأتي إلي الدنيا حتي الآن، وما إن رأتها والدتها حتى لاحظت شرود ابنتها بحزن شديد وهي تمسك بيدها الساندويتش وصامته وتسبح في أفكارها تقدمت منها تخبط علي كتفها بحنان وارتسـم ثغرهـا بأبتسامة باهتـة تعبر عن كم المخاوف التى تساورها، ثم تمتمت بخفـوت:- 

_كلي يا حبيبتي، كلي واتغذى عشان حتى خاطر اللي في بطنك وماتشيليش هم حاجه وتخليها تاثر عليكي وبعد كده تندمي

رفعت مقلتيها ونظرت إليها ثم بادلتهـا الابتسامـة الهادئة مرددة:- 

_انا كويسه ياماما ما تقلقيش عليا.. ماتخفش أنا قوية واكيد هعرف اعدي المحنه دي زي اللي قبلها مش اول مره اتوجع يعني

تقـوس فمها بأبتسامة مريرة، قد فهمت كل شيئ من نظراتها فهي تـوّد حبس أحزانها خلف جدار عازل لتمنـع تلك الهتافات السوداء من إطالتهـا وإن كانت حتي ستجرحها بأشواكهـا قاطعتهـا قائلة بحزم:- 

_لأ إنتى مش قوية ..إنتى الوجع خلاكى تستقوى وتمثلي على الكل أنك مش فارق معاكي حاجه بس حتى دي ما بقيتش عارفه تعمليها يا حوريه وده اللي وجعني عليكي يا بنتي 

عـادت ترمقهـا بنظرات مقهوره وصمتت لحظه وجـزت على اسنانهـا بضيق تكبـح دموعها بصعوبـة تغلق ابوابهـا وتمنـع الرد من الطلوع فقد اكتفت من الشفقه والعطف ولكنها قد قررت التصدى لها ومواجتها وقـالت:- 

_غصب عني الصدمه المره دي غير كل مره والوجع اقوى من قبل ما بقتش قادرة أسكت قلبي ولا اخفف عنه، ماطلعش بس العين لما بتتعب بتقفل لوحدها، لا والقلب كمان لما بيتعب بيقفل حتي من أقرب الناس واحبهم على قلبي 

هزت راسها بدريه بتفهم قائله بابتسامه صغيره حنونه:- 

_بلاش تخلي قلبك قاسي لان لو قسي مره وداء طعم القسوه بعد كده مش هتقدري تتحكمي في كرهك للناس.. حاولي تتعاملي مع الحقيقه انها خلاص بقت امر واقع ومش هتتغير 

استـدارت واتجهـت للخـارج و والدتها كانت خلفها ثم استقلت علي احدى المقعد وهي تكمل حديثها بهدوء مرددة:- 

_طب وانتي كمان حاولي تسامحي او بلاش تسامحي عشان انا مش شايفاها غلط من الاساس، بس تجاهلي انك عرفتي ان اونكل جمال يعرف حاجه عن الموضوع ده ومارضاش يقول لك انتي ماتعرفيش قاسم بالنسبه له ايه وأن ده رد فعل طبيعي للي عمله
وجربي حتى تعاكسي الامور وتحطي نفسك مكانه لو انتي تعرفي ان انا غلطت غلطه كبيره قوي في حق قاسم هل كنتي هتروحي تقوليله حاجه ذي كده ولا كنتي هتخبي برده عليه زي ماهو عمل

هـز رأسهـا نافيـة بسرعة هى تخشـي عليها بأن بسبب رجوعها الي زوجها تعتقد أنها لم تعد تهتم لها وقد يجعلها تموت بالبطيئ بفعل ما عرفته من الأحداث المميتة، لكن لا تنكر بدريه انها قد شعرت بـ ببعض الانانيه تجاه جمال ثم هتفت مبررة:- 

_ايوه بس

تنهـدت حورية بقوة ثم نظرت لها بهدوء، ومن ثم إجابتها بنبرة تحمل بعض الجديه:- 

_انا فاهماكي وعارفه هتقولي ايه؟ وانا بقولهالك بنفسي اهو أنا مش هزعل ولا عمري هفكره بالطريقه دي وهكون عاوزه اخرب حياتك ما تربطيش الامور ببعض دي حاجه ودي حاجه، ومش معنى ان حتى انا وقاسم ما رجعناش لبعض وانفصلنا تخربي حياتك عشاني ومفكره انا هبقى مبسوطه لا طبعا، بالعكس لو عملتي كده وسامحتي هتفرحيني قوي وحاجه ذي كده هتفرق معايا اني اشوفك مبسوطه ومرتاحه في حياتك.. فكري عشان خاطري وارجعي لي اونكل جمال

وصل قاسم وصف سيارته أمام القصر و الحراس امام البوابه ثم اخذ نفسًا عميقــًا ثم دلف متجهة لمنزله وما إن دلف الي الحجرة الكبيرة حتي بدأت بعض الهمهـات تعلو رويدًا رويدًا من الحراس والخدم عندما رأي الجميع منهن جواد معه يسير خلفه بهدوء بوجه شاحب متعب لم يعطي قاسم اى اهتمام بل اقترب الي الداخل ليجد زوجته و بدريه بداخل الصالون يقفون ونظروا الي جواد بتلقائياً ودهشة، وهبط في تلك اللحظة جمال الذي أستمع الي صوت قاسم يقول:- 

_تعالي يا جواد البيت بيتك ادخل ما تتكسفش

تفهم جمال بأن جواد سوف يقيم بالقصر لأجل تحسن صحته هو يتجاوز الصدمه ثم اقترب منهم يقول بنبرة هادئه:- 

_البقيه في حياتك يا جواد البقيه في حياتك يا قاسم شدوا حيلكم انتم الاثنين 

هز رأسه جواد دون حديث باحراج بينما قاسم اخذ نفسًا عميقــًا يملأ رئتيه بالهواء النقـي ثم تنحنح قائلاً بهدوء حذر:- 

_جواد هيقعد هنا معنا من النهارده 

ظـن قاسم من حورية انها ستنهـض وتكيل لها الكلمات اطنانًا وسوف ترفض وجود شقيقه جواد أن يقيم بالقصر وهو يطالعها بنظرات تود إختلاعها من عيناه السوداء الرجاء بالتسامح أصبحت تكرهها وبشدة نظراتـه تنغر في جرحها بقوة، تشعر بالألم يتراكم ويتراكم حتى اصبح صعب عليها تجاوزه، بينما بعد ثـوان لتنهض بخطوات متعثـرة تخشـي السقوط امامهم فيتأكدوا من سقوطها الابدى في الحياة. 

**
في اليوم التالي كانت حورية مزالت بداخل غرفه اسامه وتحاول البعد بجفاء عن قاسم وعدم التحدث معه والتجاهل التام ثم استمعت الي صوت طرقات علي الباب بهدوء وقد سمحت الي من يطرق الباب بالدخول معتقدة بأنها والدتها لكنها تفاجات بـ جمال الذي أبتسم بهدوء وتقدم منها مرددا:- 

_ممكن ادخل يا حوريه ولا مش عاوزاني انا كمان ولا طايقة تشوفيني 

اومـأت دون أن تنظـر له، ثم غمغمت بضيق واضح وهي تقول بصوت جامد:- 

_ما اقدرش اقول لك ماتدخلش ولا اطردك ما تربتش على كده بس ياريت ما تتكلمش في اللي جاي تتكلم فيه لان مافيش حاجه هتقدم ولا هتاخر 

صمت جمال ثم بعد ثوان استدار لها عاقدًا ساعديه امام صدره العريض، ينظر لها نظرات منعكسة على عينيها المكسورة بالجمود والشفقـة، ثم تفـوه بجملة واحدة كان لها اثرًا واضحًا علي تلك المسكينة قائلا:- 

_طب ليه يا بنتي مصعباها عليكي وعليه جربي تسمعيه الاول وبعد كده لو ماعجبكيش الكلام ماتسمعيش ثاني، هو مظلوم صدقيني 

طرقت رأسها في الأرض بخزى بينمـا هي كان صدرها يعلو ويهبط من فرط انتظار حديثها ثم رفعت مقلتيها تحدق به بشرارات غاضبة وداخلها متأوهًا من الألم نظرت له بتهكم وقالت بحدة:- 

_مش متفاجاه على فكره انك بتدافع عنه رغم اللي عمله فيا، ماهو الاب والام برده مهما اولادهم يعملوا بيفضلوا خايفين علي ولادهم وشايفينهم ملائكه في عيونهم 

صمت لبرهه يتفرس ملامحها ثم قال محاولاً تهدأتـها مرددا:- 

_بس هو مش ملاك يا حوريه ولا انا ولا انتي وكلنا بني ادمين ومنا اللي بيغلط سواء عن قصد او بالغير قصد، و مطلوب مننا نسامح ونغفر عشان نعرف نعيش في الحياه 

زاد احمرار وجهها غضب وشعرت ان خلاياها ستنفجر من الألم لا يقبل الالتحام من اى شخص غيرها قادر على تحمل ذلك، زجـره بعيناها وتابعت بسخرية مريرة:- 

_‏انا عمري ماندمت على حاجه في الدنيا دي قد ماندمت علي صدق مشاعري وغبائي مع كل اللي حوليا وبالذات ابنك إللي انا واثقت فيه وامنتله، وعارفه ان احنا كلنا بشر مش ملائكه وانا كمان بغلط بس غلط عن غلط بيفرق يا استاذ جمال.. وللاسف غلطه قاسم كبيره وصعبه انساها 

هتف جمال بصوت به رجاء:- 

_جربي حتى لو لسه عندك واحد في المئه امل انك تسامحي سامحي يا حورية ما تتردديش، العمر بيجري يا بنتي بلاش تضيعوه كله في العتاب

تهدجـت انفاسـها المتلاحقة، وأجابت لاهثًه وهي تقول بصوت حزين:- 

_انت عاوزاني اسامح وانسي بسهوله بعد إللي عمله فيا طب ازاي؟ وانسي ايه ولا ايه! انسي أنه كذب عليا ولا انسي أنه اغتصبني ولا انسى أنه كان معيشني في وهم انه بيحبني وما يقدرش يعيش من غيري وبيحميني من غدر الناس وهو اول واحد غدر بيا، بلاش تتكلم عن وجع ما حسيتوش ولا حاسس بيا

زم جمال شفتيـه بعدم رضا، ثم قال بضيق:- 

_انا عارف ان الموضوع صعب عليكي وليكي الحق في كل اللي بتعمليه بس قاسم ما كانش بيكذب عليكي لما قال لك انه بيحبك عشان هو حبك بجد 

حملـقت به متسعه الحدقتيـن، واخيرًا استطاعت إخراج الكلمات بصعوبة من بين شفتيها الثابتتيـن بجمود:- 

_قاسم ده بقي بالنسبه لي دلوقت اكبر اختيار غلط في حياتي غلطه كبيره غلطتها في الدنيا وحظي الوحش أو القليل، وما كانتش ينفع من الاول اديله أكبر بكتير وكتير من حجمه الحقيقي ولا اقرب منه وهو مش شبهي اصلا، قاسم دي بقي كأن اختيار خاطئ نتج عنه كان هو السبب فيه

هـز رأسـه غير مصدقًا ثم سألها بتوجـس:- 

_كل ده كره شايلاه جواكي منه مابقيتش فاكره اي حاجه حلوه عملها معاكي، حوريه بلاش تحسبي الأمور وتحكمي عليها كده

تنهـدت حورية تنهيدة تحمل الكثير بينما افتـرش الشر على ملامحها الصارمة وهي تقول بصوت قاسية:- 

_انا كان لازم اكرهه وابعد من الاول لكن غصب عني لسه سايبه الباب موارب يمكن ضعف يمكن أمل يمكن غباء مني، معرفش بس اللي اعرفه ومتاكده منه اننا ما بقيناش ينفع خلاص نكون مع بعض، انا لو جربت اسامح وانسى زي ما انت بتقول 100 حاجه هتفكرني واولهم ابني اللي كنت لحد من اسبوعين بس مش عارفه من ابوه! وبسببة بقيت في نظر كل الناس ست مش كويسه.. عشان كده ما ينفعش خالص تيجي تقولي جربي أنسي وسامحي 

**
بداخل غرفه فتح جواد الباب وتقدم بخطوات متعبه بارهاق واغلق الباب بهدوء خلفه ثم حدف هاتفه أعلي الفراش بأهمال و فتح نور الاباجوره واتسعت عينه بدهشة وقلق فهذة ليس الغرفه نفسها التي نام فيها ليله امس!! وقبل أن يتحرك ليغادر تفاجأ بأن باب المرحاض يفتح وتخرج منه هاجر وهي تلف بشكير حول جسدها يصل الي بعد ركبتها وبيدها فوطه صغيره تجفف شعرها المبلول وهي تغمض عينيها باستسلام.. تجمد جواد مكانه من الصدمه ولم يعرف ماذا يفعل بينما ظل مكانة؟

بدأت هاجر تفتح جفنيهـا بتثاقل وما إن وصلت عينها على جواد أمامها حتى تحركت منتصبة بفـزع اصبح جسدها يرتعش كل جـزء فيها يرتعد لمجرد التفكير فيما قد حدث او سيحدث وهي معه بداخل غرفه بمفردهم! رأى الذعـر في عينيها الساحرة بوضـوح كان ينظر لها بدهشـة ورغم عنه عينه وصلت إلي جسدها الشبه عاريه أمامه المثير هـزت رأسهـا نافيـة بسرعة ثم استدارت وفي لمح البصر تمسك البشكير جيدا حتى لا يسقط ويكشف جسدها وهي تصرخ بحدة وخجل شديد:- 

_يا نهار اسود انت بتعمل إيه هنا وازاي تخش عليا الاوضه من غير ما تستاذن 

إبتلع جواد ريقه بإزدراء، ثم قال متلعثم وهو مصدوم واخفض رأسه بسرعه عنها:- 

_انا اسف والله فكرتها الاوضه بتاعتي اتلخبطت بينهم لسه مش حافظهم انا لسه واصل امبارح بس

لفت بجسدها بغضب شديد وهي تصيح بعدم تصديق بسخرية لاذعة:-

_اتلخبطت بينهم برده عليا انا الكلام ده، انا فاهمه كويس الاعيبك القذره دي، ويا ريت تحترم البيت اللي انت قاعد فيه استاذ قاسم ما فتحلكش البيت عشان تنهش في شرف بنات الناس اللي ساكنين فيه وياريت ملكش دعوه بيا من هنا ورايح عشان المره دي لو فكرت تعمل حاجه هجري على طول علي قاسم بيه واقول على البيه اخوه الي فتحله بيته رغم اللي عمله

حدقـها بقوة وبرقت عينـاه كاد يختنـق من حديثها الاذعة وحاول أن يمسك أعصابه وهو يجيبـه بتعب حقيقي وبصوت مهزوز لم تراعيه ابدًا::- 

_خلصتي كلامك ولا لسه عايزه تقل ادبك عليا ثاني 

صاحت هاجر بغيظ هاتفه بعصبية شديدة:- 

_احترم نفسك انا مش قليله الادب ودور وشك الناحيه الثانيه واتفضل من غير مطرود بدل ما اصوت والم عليك اللي في البيت كله

اشاح وجهه بضيق شديد بينما جـز هو على اسنانـه بغيظ ثم زمجر فيها بحدة:-

_ولا تصوتي ولا تزعقلي انا كده أو كده كنت ماشي من غير ماتفتحي الهجوم عليا ومن غير ما تسمعيني انا ولا كنت عاوز منك حاجه ولا بقيتي في دماغي انا بقيلي مده اصلا بطلت اروحلك الجامعه ولا اجي هنا اشوفك وانتي اكيد لاحظتي ده بنفسك.. ويا ريت تاني مره ما تحاوليش تطولي عليا في الكلام وتصدقي ما تصدقيش براحتك لان فعلا اتلخبطت في الاوضة ومجيش في دماغي انتي بالذات ممكن تكوني ليكي اوضه هنا فوق معنا 

تنهـدت هاجر بقوة، ثم نظرت لها باشمئزاز ومن ثم اجابتـه بنبرة تحمل بعض التهكم:- 

_اه ما انت متعود الخدم يباتوا تحت في المطبخ اخرهم مش بتحترموهم وتحس انهم بني ادمين زيك 

مسح وجهه بعنف وهو يقول بغضب مكتوم:- 

_اللهم طولك يا روح بنت انتي لمي لسانك قلتلك ما كانش قصدي ودخلت الاوضه بالغلط ولو كنت وفرتي كلامك كنت طلعت على طول وبعدين مش عارفه محموقة على ايه من حلاوتك يعني هنشوف ملكه جمال انجلترا ..اديني طالع وسايبهالك مخدره 

تنسـات خوفها وتلاشي مع الريـاح ليتجسـد امامه امراه تصيح بقسوة شديدة تدافع عن انوثتها وقالت بعصبية حادة:- 

_ملكه جمال انجلترا بتاعتك اللي عجبك قوي دي متجيش فيا حاجه حتى لو كانت احلى واحده في العالم وكفايه اللي انا عارفه مكانتي ومش مستنيه واحد زيك يقول لي وحشه ولا حلوه ويهز ثقتي في نفسي 

كاد أن يخرج جواد لكن توقف عند كلماتها واقترب منها بخطوات مخيفة بالنسبة لها، توترت ملامحها عندما هبط جواد لمستواهم ومد يده يمسك شئ ما خلفها يرمقـه بنظرات غامضه دبت الرعب في اوصاله لترتعد من هيئتـه القريبه منها بينما هي ظلـت تعود للخلف شيئ فشيئ تشربـت ملامحهَا الخوف والجزع، ظل يراقبها بهدوء مخيـف كالفهد الذى يراقـب فريسته حتي انصدمت قدمها بالفراش خلفها لتشعر بثقل في انحـاء جسدهـا بتوتر وامامها شـاب وبمفردهم اتسعت عينا هاجر الحمراوتيـن مثل وجهها من كثرة الإنفعـال ثم هتفت بأنفاس لاهثـة:- 

_انت اللي رجعك لو فكرت تعمل حاجه انت حر انا مش هسكتلك اطلع بره لا الا والله العظيم هصوت و..

صمتت عندما رفـع حاجبـه الأيسـر،ثم نظر لها بنصف عين وهو ياخد الهاتف الخاص به من أعلي الفراش فجأة ليقول بجدية:- 

_ما تخافيش قوي كده انا رجعت عشان اخذ التليفون كنت هانسى عشان اول ما دخلت حدفته على السرير لما كنت فاكر انها اوضتي، وقلتلك خارج من غير صويت 

جزت علي أسنانها بحده مكتوم بينما هو ضحـك على ارتباكهـا كانت ابتسامتـه جذابة وكانت تسيطر عليها حالة تعجب لا نهائيـة كيف تتلعثم وتخجل هكذا ثم قطع جواد حبل تفكيـرها الشارد وهو يقترب منها هامس بأذنها بابتسامة لعــوب:-

_اه ولمعلوماتك انا ما شبهتكيش بملكه جمال انجلترا عشان انتي وحشه لا بالعكس هي فعلا متجيش جنبك حاجه بالذات بعد ما شفتك على الطبيعه وانتي لسه خارجه من الحمام و واخذه دوش مش زيها بعد الحمام ده اكيد كل حاجه هتتشال وتبان على اصولها.. بس انتي طلعتي مخبيه حاجات كثير حلوه فيكي ما ينفعش تتقارن باحد 

كانـت دقـات قلبها تتسـارع تشنجـت قسمـات وجهها بعد أن يقول كلماته تارك إياها تشعر بالقشعريرة التي سارت في جسدهـا و وجهها يشحب شيئً فشيئ حتي هزت راسها بسرعه بوعي تجيبه بصوت غاضب متوتر:- 

_اطلع بره يا سافل يا قليل الادب وقلتلك ما تبصش بدل ما اخلعلك عينك دي 

تحرك أخيرا جواد بهدوء واغلق الباب خلفه ووضعه في جيبـه الهاتف، بينما هي توقف مكانها لحظات تداهمـه بقوة وقلبها يدق بصوت عالٍ مسموع، بأعيـن تعاهدت بحزم بأن قلبها لا يسمح للانهار بالانهمار علي الوقوع لتلك المشاعر التي تدق بداخلها باستسلام، لكن هل هي قادرة على التحمل وتستطيع السيطرة علي قلبها أم سوف تقع له.

**
بداخل مستشفى السجن كان عتمان مستلقياً فوق الفراش يشعر بألم عاصف يضرب جسده بشدة فقد قبل اسبوعين سقط بداخل الحجز فاقد الوعي ولم يتحمل وبعدها تم نقله إلى المستشفى بتعب شديد وكل ليله يظل طوال الليل يتقلب فوق ذلك الفراش الذي يستلقي عليها بلا هواده في محاولة منه للعثور علي الراحه البال والبحث علي حل بما هو فيه لكنه فشل بكل مره

أغمض عينه متألما واخذ يتوجع بصوت منخفض وهو يحاول ان يعتدل ببطئ من فوق ذلك الفراش مقاوم ذلك الالم الذي يعصف به لكن ما أصابه من ذلك الا ان الالم قد ازداد و اصبح لا يطاق مما جعله ينفجر في البكاء علي حاله أصبح يشعر بأنه ضائع ومن الجميع فـ عائلته التي كان يعتقد انه لديهم الاول عنده في المقام الأول أصبحوا لم يأتون إليه مثل سابق ولا ابنته ولا حفيدته جومانه التي كل مره كان يتساءل عنها ولم يستطيع أن يجيب عليه أحد وقد اكتشف بعد ذلك أنها أصبحت تخجل منه ولا تريده والان اصبح حفيده اسامه أيضا لم يأتي إليه منذ مده طويله، من الممكن الجميع أن يكون مشغول بشئ هام لكنة أصبح حساس جداً للغايه، وضع قبضته فوق فمه في محاوله منه لكتم شهقات بكائه التي اخذت تزداد حتي لا يراه أحد يتألم هكذا فهو لا يرغب بان يراه أحد وهو ضعيف بهذا الشكل فقد يسخر من ألمه أحدهم أو شامتاً به.

وفي الصباح الباكر فتح عيناه عتمان بتعب وإرهاق ليجد أمامه حازم يراقبه بابتسامه هادئه لكن فوراً لاحظ ألمه الشديد وحزنه تقدم منه هاتف بقلق:- 

_جدو حبيبي انت كويس رد عليا أبوس ايديك مالك بس حالتك بقيت في النازل خالص كده ليه

أغمض عينه متألما بوهن وهو يتحدث بصعوبة بالغة:- 

_شكلها كده خلاص المره دي يا حازم كان لازم اعرف ان نهايتي هتيجي في يوم من الأيام وكل اللي انا عملته في حياتي هيتردلي.. وكل حاجه في حياتي عملتها ادينا اهو بادوق منها عشان اعرف طعم الظلم اللي انا عملته في غيري

إبتلع حازم ريقه بتوتر ليقول بخوف شديد:- 

_جدو ماتقولش كده انت هتطلع صدقني وهتبقى كويس جدا وهترجع زي الاول واحسن، ما تخافش انا مش بقول لك كلام وخلاص المحامي مش ساكت ولا انا وان شاء الله حضرتك براءتك هتبان وتظهر 

هز رأسه عتمان بنفي بيأس منكسر شاعرة بالم هزيل ياخد من جسده أضعاف جعله يشعر بالذنب تجاه كل شخص اذي مرادفا بصوت متعب:- 

_خلاص يا حازم ما بقتش محتاج البراءه ولا المحامي هيفيدني في ايه المحامي في اخرتي لما اقابل وجه كريم انا رايح لدنيا تانيه وهسيب كل حاجه ورايا، رايح لمكان ما فيهوش غير الحقيقه ومش هاخذ معايا غير أعمالي اللي عملتها في الدنيا وبس 

قبضة حادة تعتصر صدر حازم وهو يراه هكذا ضعيف منكسر ليقول بصعوبة بالغة:- 

_ماتقولش كده انت هتبقى كويس بلاش الكلام ده وانت تعبان 

أغمض عينه متألما بوهن وهو يتحدث بصوت ضعيف:- 

_لو عاوز فعلا تساعدني حاول توصل لي بدريه وبنتها عاوزه اشوفهم قبل ما اموت.. عشان خاطري يا حازم اترجاهم وخليهم يجوا يشوفوني خليني اموت وانا ضميري مستريح يمكن تكون دي اخر حاجه هعملها في حياتي تخليهم يفتكروني بيها لما يترحموا عليا 

ازال حازم الدموع التي تغطى وجنتيه جده عتمان بكف يده ببطء وهو يعلم بانه يتصنع الهدوء ولا يريد ان يراه وهو يتألم مما جعل الذنب يشتعل بداخله اكثر واكثر ويريد إصلاح أي شئ حتي لو بعد فوات الاوان. 

**
بداخل جنينه القصر جلس جواد على احدى المنضدات وعلى احدى الكراسي البلاستيكية يملأه بمنكبيـه العريضين ينعـش نفسه بالهواء الطلق الذى يشعر انه يحتاجه لينظـفه داخليًا ويذكره بما مضـي ليفكر في القادم ماذا سيفعل به وفي حياته القادمة بمفرده فكيف سيستطيع أن يتجاوز المحنه تلك بكل بساطة دون خسائر، كأن جمال يجلس أمامه على الكرسي فهو هاتفه حتي يهبط لتناول الفطور معه وهو يلاحظ أنه شـارد الذهن و وجه واجم وملامحـه هادئة بشكل غريـب يصعب فهمـه كان يضـع يده أسفل ذقنـه وينظر للاشيئ بسرحان حتى قطع خلوته جمال قائلا:- 

_ما تاكل يا ابني هتفضل تبص في الاكل وانت ساكت ومش بتاكل، أنا فاهم كويس مالك واللي فيك بس خلاص معلش حاول تتجاوز المرحلة إللي انت فيها وان شاء الله كل حاجه هتعدي على خير 

هـز رأسه نافـي واستطرد بهدوء مفتعل:- 

_ماليش نفس لاي حاجه وقلت لحضرتك مش عاوز بس حضرتك اللي صممت تخرجني من الاوضه واقعد معاك 

كانت في تلك اللحظة تمر هاجر من بعيد لكنها أستمع الي الحديث رغم عنها،حين أجابه جمال بصوت قاتم هز كيانـه:- 

_عشان مش عاجبني حالك ومش بالحبس اللي انت حبسها لنفسك في الاوضه ومش بتاكل ولا تقابل حد هترجع اللي راح خلاص افتكرهم بالرحمة وادعيلهم هم مش محتاجين منك غير كده 

نظـر جواد للأرضية بأسف حقيقى ثم تمتم بكسـرة ألمـت هاجر بشدة التي كانت تتحرك للرحيل لكنها توقفت حتي تستمع حديثه بفضول آثارها بشده:- 

_تفتكر ربنا هيسامحهم على اللي عملوا انا عارف انهم عملوا كثير في حياتهم حاجات وحشه واذوا ناس كثير واولهم قاسم عشان كده نهيتهم كانت وحشه وماتوا بطريقه بشعه 

تنهد جمال وقال بجدية مرادفا:- 

_دي حاجه بيد ربنا هو الوحيد اللي عالم بيهم، وبلاش نجيب سيرتهم بالوحش بعد ما ماتوا المهم انت ما تكملش مسيرتهم وتبقى كويس عشان نهايتك ما تبقاش زيهم 

شعر جواد بريبـة تحتل قلبه بحزن ولكن غمغم هادئة:- 

_انا ما بقيتش الفتره الاخيره راضي على اللي بيعملوا أصلا مش اللي حصل هو اللي غيرني ربنا يرحمهم ويغفر ليهم بقي

هز رأسه جمال بتفهم وصمت بينما سأل جواد وهو يدقق النظر له ليقول بحذر:- 

_هو قاسم و حورية مالهم انا ملاحظ ان في حاجه غريبه ما بينهم حصلت هو في حاجه 

نظـر له بقوة ثم قال بثبـات زائـف:- 

_ماتشغلش بالك مشاكل عائليه بتحصل في اي بيت وان شاء الله كل حاجه ترجع زي الاول واحسن

سارع جواد مبررة بهزة من رأسه وهو يتساءل بتوتر:- 

_هي المشكله اللي بينهم بسبب ماما لما كشفت ان الطفل اللي كانت حوريه حامل فيه وهي على ذمه جاد يبقى ابن قاسم وهو اللي اغتصبها.. هو معقول يعمل حاجه زي كده

تحولـت عيناه جمال لجمرتين من النـار فى ثوانى معدودة، ليقول جواد بأسف مفتعلاً:- 

_انا اسف والله ما قصدي حاجه بس ماما قالتلي قبل ما تموت وانا والله العظيم ما كنت موافق على اللي بتعمله ياما حذرتها وقلتلها مالناش دعوه خلاص بس هي للاسف الانتقام كان عاميها، بس هي فعلا اللي قالته صح وقاسم هو ايه اللي اغتصب حوريه انا ما صدقتش لما قالتلي كده 

قاطعه بصـوت سَاخـط خالٍ من اى شفقة مرددا:- 

_اسمعني كويس يا جواد و اوعي تفكر ولو لحظه واحده ان قاسم وحش وعمل كده عشان ينتقم من اخوك زي ما امك وابوك فاكرين، قاسم كانت اخر حاجه تيجي في دماغه ان ينتقم منكم اصلا وكل حاجه حصلت كان غصبا عنه ،كله كان بسبب بنت عمك تالا هي كانت عينها منه من اول يوم شافته ولما رفض اللي هي عاوزاه مالقيتش طريقه قذره تعملها غير انها يوم فرح اخوك تستغل غضبه لما اتخانق معاك وانت سكران وديتله حبوب على انها صداع وقاسم اخذها بحسن نيه وبعد كده طلعت حاجه ثانيه للاسف وما كانش شايف قدامه ولا واعي على نفسه وهو بيعمل ايه لحد ما رجله اخذته اوضه حوريه وكانت لوحدها ساعتها وحصل اللي حصل وانت عارف الباقي وبقيت حامل منه بعد كده وكلكم اتهمتوها أنها كانت على علاقه بوحد غير جوزها 

انفـجر ثغـره مفتوح مشعة وكأنه حصل على صدمه لم يستطع إخفائها وهو يستطرد قائلا بذهول:- 

_تالا مش معقول عشان كده اختفت فجاه ورجعت امريكا ثاني وبطلت ترد على اتصالاتنا كنت شكك انها في حاجه عاملاها بس ما توقعتش حاجه زي كده بس هي فعلا مش كويسه وبتعمل علاقات من غير جواز عادي بالنسبة ليها

هز رأسه بضيق مؤكد بوجه جامد وهو يجيب بصوت قاتم:- 

_ده لان بعد ما قاسم هددها ان لو شافها ثاني هيضرها لان هي السبب في اللي هو فيه وحورية من وقت ما عرفت الحقيقه وهي في الحاله دي وبيكلموش بعض ومصدومه من اللي عرفته

ابتلع ريقه بصعوبة بحرج وخجل أشد من عائلته التي أصبحت كـالأفاعي تتشكل علي هيئه بشر! ثم تسأله بنبرة متوجسة:- 

_طب لو انت ذي ما بتقول قاسم ما كانش يقصد ليه ماقلهاش من الاول بدل ما عرفت من ماما وكان شرحلها الوضع كله وانه مالوش ذنب

تأفف بضيق بدى على ملامحه قائلاً بخيبه امل:- 

_ده لأنه كان خايف ان حوريه تتصدم فيه وتسيبه لانه بيحبها قوي ومش عاوزها تبعد عنه وانا ياما حاولت احذروا وأن الافضل يقول لها بس هو خاف من المواجهه وخاف يخسرها 

سأله مستفهم، وراح بعيد نفس الجملة مرددا:

_طب هو الوضع هيستمر علي إيه دلوقت هيسيبوا بعض ولا ايه ومافيش اي امل اني حوريه تسامح قاسم؟ 

وقبل أن يجيب عليه جمال لاحظ جواد وجود هاجر وهي تقف بعيد تنظر إليه بقوه وهي كانت تستمع الحديث الدائر بينهما وعندما رأت جواد ينظر إليها بتعجب شحب وجهها من الحرج وابتعدت مسرعة تتخطي نحو الداخل هاربه. 

**
رفع قاسم نظراته تجاه جواد الذي اقتحم المكتب بعد أن أستاذن بالطبع منه عقد قاسم حاجبيه متسائلا باستغراب واهتمام:- 

_خير يا جواد عاوز حاجه لو محتاج حاجه اطلبها مني او من جمال على طول ما تترددش

أتاه صوت جواد المُرهـق بعد ثوانى وهو يقول بهدوء مصتنع:- 

_شكرا مش محتاج حاجه انت تقريبا موفرلي كل حاجه من قبل ما اطلبها متشكره قوي يا قاسم على كل حاجه عملتها معايا انا كنت جايه اشكرك ومش عارف ازاي هاردلك الجميل ده مع ان انا ما استاهلش اللي انت بتعمله معايا

هز قاسم رأسه بضيق مرادفا بصوت محذرا:- 

_وبعدين يا جواد مش قلنا ننسى اللي فات انا عن نفسي بحاول انسى وقلتلك انت ملكش ذنب في اللي عملوا اهلك، ولو هنحسبها بطريقه ثانيه انت ممكن أقل واحد اذتني فيهم عشان كده انا ساعدتك،وفي النهايه انت اخويا حتى لو اذتني 

عض جواد على شفته السفلية بألم ومن دون وعى منها خرج صوتها مشفقـــًا علي حاله وهو يقول بندم:- 

_مش قلتلك انا ما استاهلش مساعدتك انت طيب قوي يا قاسم ما كنتش تستاهل اللي كان بيعملوا فيك بابا وماما مش عارف ازاي كانوا قادرين يعملوا فيك كده وانت ازاي كنت بتستحمل 

تنهد قاسم وقد عاوده تلك الكلمات المسمومة بذكرته ليهتف بكسرة استطيع اخفائها هاتفه بجمود:- 

_عادي ما كانش عندي اختيار ثاني، غير بعد كده بقيت اتعود علي اللي بيعملوا فيا

إبتلع جواد ريقه بصعوبة وحرج وهو يقول بنبرة متوتره:- 

_انا استاذ جمال حكيلي عن المشكله اللي بينك وبين حوريه مراتك ماما كمان قبل ما تموت كانت معرفني عملت ايه انا اسف بجد على اللي عملته وأنها فرقت ما بينكم، لو تسمحلي انا ممكن اتكلم معاها وافهمها انك ما كنتش تقصد وان تالا وحشه قد ايه وان هي لما بتعوز حاجه بتعملها حتى من غير ما تفكر في اضرارها

هتف به جواد مترجي بنبرة كسها بالتوسل لعله يرد واجبه تجاه و يكفر عن ذنبه وذنب عائلته، ليتنهـد قاسم بقوه قائلا برفض شديدة بصوت صارم:- 

_اياك يا جواد سيبلي الموضوع ده وانا هتصرف فيه ولو سمحت ما تحاولش تكلمها ولا تقرب منها ابعد عنها دي مشكلتي وانا هعرف احلها ومش عاوز مساعده من حد 

**
بعد عددا ساعات في منتصف الليل.

توقف قاسم أمام غرفه حورية عددا لحظات بتردد قليلا ثم حسم الأمر وفتح باب الغرفه ومن ثم دلف للداخل ليجد الغرفه مظلمه ليحاول ان يصل إلي مصدر الإضاءة أنار الردهة بضوء خافت ثم بحث بعينه عنها لتظهر حورية وهي تجلس علي المقعد بجانب و خصلاتها المنوجة بلون الشيكولاته تهزه يمينًا ويسارًا انتبهت لأصوات أقدام تأتي من الخلف وعندما استدارت للخلف حجظت عيناها بشدة واندهشت مما رأت! لتسأل نفسها كيف ومتي دخل؟ إليها قاسم وجدته هو يقف بجوار الباب يضع يده خلف ظهره ينظر لها بأعين تشع بعشق جارف، أدارت مقلتيها لجهة أخري تتجاهل نظراته التي توترها وتجعل قلبها يخفق بشدة بين جنبات صدرها، ضم شفتيه بندم علي ما اقترفه بحقها فاقترب منها ببطئ قائلا بصوت مخنوق:- 

_حوريه انا تعبان أوي ومش قادر على الدوشة اللي في دماغي ومش مرتاح ولا القاعده لوحدي بتريحني ولا الخناق ولا الدوشة بتريحني، وانا عاوز ارتاح عشان كده جيتلك.

نهضت وهي ابتلعت ريقها بصعوبة ترجع خصلاتها للخلف تحاول إخفاء توترها خاصة عندما أصبح أمامها مباشرة، رفع أنامله يمسك ذقنها كي يدير وجهها إليه فاستجابت له ولكن كانت تخفض عيناها أرضًا، تمتم بخفوت:

_عرفتي أن عصام الصريطي مات هو وناريمان
مراته ماتوا الاثنين وشرهم راح فاللي كانوا بيعملوا فينا

هزت رأسها بالايجابي ثم تمتمت بقوة:-

_عرفت بس اكيد مش فرحانه ولا شمتنا في الموت ربنا يرحمهم بس انت مالك ايه تكونش زعلان عليه

هـدوء غريب سكنه فجأة ليتجوب بعينيه فى ارجاء المكان، ثم هتف بضياع:- 

_مش عارف حاسس باحاسيس غريبه مش عارف افسرها بس غيابة واجعني..بس وجوده كمان كأن مؤذي اكتر من غيابة هو عمره ما حبني ولا حسيت لو للحظه ان ابويا 

صمتت قليلًا تأخذ أنفاسها ثم قالت بنبرة حزينة ضعيفة: 

_معلش احساس طبيعي اللي أنت فيه بس ما حدش في النهايه بيقدر ينسى وجعه بالذات لما يكون الوجع من اقرب الناس ليك

فهم قاسم ما تعنيه من كلماتها القاسية ذلك، وبالطبع تقصده هو تنهـد تنهيدة طويلـة بغـلب مرددا:- 

_عارفة وأنا قاعد لوحدي افتكرت حاجة كنتي قولتيهالي في بدايه علاقتنا، قولتيلي أوعي تسيبني وقولتيلي انت البني آدم الوحيد اللي بيديني طاقة عشان اقدر اكمل الحياه وبرده قلتلي انت الوحيد اللي بتخليني عندي الشجاعه اواجه كل الناس وانا متطمنه وبحس بالامان معاك! وقلتلي انا لو مشيت وسبتك مش هتقدري تعيشي من غيري ولا هتقدري تواجهي، بس لما بعتي وانا احتجتلك قعدت أدور عليكي وكنت عايز اتكلم معاكي وتسمعيني زي زمان، بس كل حاجه اتغيرت وانتي كمان اتغيرتي وكنت عايز أقولك أنتي مقولتليش أعمل ايه لو أنتي اللي مشيتي! 

شعرت أنها علي حافه الانهيار وسؤال قاسم يضعف من مقاومتها الشنيعة للبكـاء الحاد ثم رفعت أناملها الصغيرة تمسح ما سقط رغم عنها من عبراتها التي بللت وجهها وهي تقول بعتاب:- 

_انا ما اتغيرتش انا وعيت انا صحيت انا فتحت واستوعبت وشوفت وسمعت وقسيت واتجرحت واتصدمت انا اتكسرت واتقهرت واتعذبت وتعبت واتظلمت انا بكل بساطة عامله زي اللي كانت في غيبوبه وعايشه مع احلامها الورديه وفجاه صحيت على الواقع، بس وقع مر حقيقه مخيفه انا لحد دلوقت مش مستوعبه فمتجيش دلوقتي تقولي انتي ليه اتغيرتي

كلماتـها كان لها تأثيـر واضح عليه، سيزول ذاك القناع ليظهر مدى الألم الغزير لا لن يحدث، رسم الجمود بمهارة وبعقل مشتت ومتذبذب قال بتوجس:- 

_انا من ساعة ما اتقابلنا وبدات احبك وانا بحاول اهرب من اللحظة دي عشان كنت عارف ان ده اللي هيحصل وانت هتبعدي وتتغيري عشان كده ما رضيتش اسمع كلام جمال واتكلم 

رفـعت حورية حاجبها مستنكرة ثم قالت بنبرة واضحة:- 

_لحظة ايه؟

زفـير عالى أطلقه ليسكن كأنه منتظرة حكم القاضـي عليه ولكنه تفاجئ بجلاد قاسى يهبط بسوطه عليه دون رحمة:- 

_اللحظة دي.. اللي هنفتح فيها في القديم وتعرفي كل حاجه بس هتعرفيها من وجهه نظرك انتي وحكمتي من غير ما تسمعي

رمقته بنظرة يغمرها العتاب والألم مما فعله ثم هتفت بعصبية ولم تعطِ له فرصة بالحديث والدفاع عن نفسه، وهي تبكي بعنف حتي أن جسدها بدأ يرتعش ولم تستطع تمنع شهقاتها من الارتفاع فهي لم تكن تتصور أبدًا أن تكتشف عنه شئ كذلك ويعاملها بهذه الطريقه بفعلته هذه شعرت بالخذلان والقهر المرير منه:- 

_القديم مابتقفلش بس انت اخترت الطريق الاسهل، انت كذبت علشان تريح دماغك يا قاسم بس ما فكرتش اني في النهايه كل كذبه وليها مده وهتنتهي وهتتكشف الحقيقه 

صمتت حورية لتأخذ أنفاسها وسط بكائها بمرارة أما هو فقد غضب من نفسه بشدة بسبب حزنها الواضح للعيان بين حدقيتها، ليقول بندم ونبرة صادقة:- 

_انا صح كذبت بس كذبت عشان خايف اخسرك يا حوريه خفت ارجع زي زمان لوحدي وانا مش عاوزه ابقى وحيد ثاني بعد ما عرفت طعم الونس 

تنفست بعمق تحاول أن تهدأ من ضربات قلبها ثم رفعت مقلتيها تنظر لظلام عيناه تعاتبه بنظراتها الساكنة، ثم همست:- 

_طب ما انت في الحالتين خسرتني برده يا قاسم، انا بقيت حاسه ان انا تائهه نفسي حياتي القديمه ترجع نفسي ضحكتي ترجع واعايش بعيد عن العالم ده، ده مش عالمي ولا دي دنيتي نفسي ابعد بس مش قادره ولاول مره احس ان كرامتي مش غاليه أوي كده عليا ومش قادره انسحب واكسبها.. بس ممكن مش قادره ابعد عشان اللي في بطني ابنك اللي مالوش ذنب في حاجه او اه كمان نسيت ابنك الاولاني معلش لسه مش واخذه على الجمله 

تألم من الكلمات المميتـة تلك شعر بأمعائه تتقلص من الجزع والحزن وإنخرط قلبه الحاد الذى كان سبيله الوحيد للتهوين عن نفسه، ثم همست بصوت امتلأ بالرهبة:- 

_تعرف طول ما انا قاعده لوحدي برده بفضل اسال نفسي كثير اسئله هو انا وحشة؟ طب هو انا عملت ايه غلط؟طب ايه اللي كان ممكن اعمله صح ومعملتوش ايه اللي وصلك تجرحني بالطريقه دي، و في كل مرة اجابتي كانت بتبقي واحده! وهي ما اعرفش انت عملت فيا كده ليه؟

كان صدره يعلو ويهبط من التوتر ومن كثرة الحديث ثم تمتم بصوت متألم علي ما أصابها:- 

_أنا آسف يا حوريه عشان خذلتك.

كان قلبها يدق بصخب تعجز عن تهدأته، وكأنه يخشي ما سيحدث بعد قليل! وقلـبه يلومها وبشدة! كانت في حيره شديدة حقا؟بسحابـات عميقة منكسرة وحزينة سألت بألم:- 

_يااه تفتكر الجمله دي هتفيد بحاجه دلوقت وهو الاسف اصلا هيفيد في حاجه زي كده ولا هيصلح، تعبت نفسك عشان تيجي تقولي معلومة قديمة زي دي انا عارفه ان انا اتخذلت منك عشان انا حسيت بالطعنه ده.. هو انت بجد جايلي دلوقت ليه اللي ممكن تقوله يصلح موقفك 

رفع عيناه الحمراء الحزينه يقول بندم علي ما افترقه بحقها:- 

_انا كنت جاي اطمن عليكي وبس 

اومـأت حورية بلامبالاة مصطنعة عكس ما يفتعل بصدرها من حمم بركانيـة:- 

_لا انت جاي تقنعني باي كلمتين من بتوعك عشان تحاول تخليني انسى حتى الليله دي وافضل جنبك واداوي ألمك.. مش كده مالك متستغربش اوي كده اني عرفت وبقيت افهمك 

نظـر إليهـا في تعجـب شديد، تقلصـت عينـاه السـوداء بحلكة شديدة لمعت بصدمة ثم خرجـت منه همسة منكسرة:- 

_لا أنا مستغرب إنك عارفة اني محتاجلك و ساكتة اول مره تشوفيني موجوع وما تقربيش مني عشان تداوي المي يا حورية 

عادت تقـول بتهكم واجابتها بهدوء حذر وكأنه منتظر اجابتها من الأصل:- 

_محتاجلي! وبعد الاحتياج ده ايه اللي هيحصل بعد كده هتطلب مني ايه ثاني اعملهلك 

هـز رأسه نافـي وسارع مبررة:- 

_مش هطلب، انا مطلبتش منك حاجه زياده

أدمعت عيناها بقهر لتنظر له بضعف لتقول بصوت حزين وقلبها يرتعش من فكرة ما إصابتها:-

_صح انت مطلبتش مني كده لانك واثق و متأكد اني دايما في ضهرك و هعمل اي حاجة عشانك ،زي مانا كنت متخيلة انك هتبقى في ضهري وهتعمل أي حاجة عشاني 

بأعيـن مهمومة ومكتفية أردف بصدق:- 

_وده حقيقي يا حورية رغم كل اللي حصل لسه بحبك اه غلطت بس لسه جوايا حبك بلاش تحرمينى منه، وحاولي تدي لعلاقتنا فرصه ثانيه 

ولأول مرة تستقبـل حبـه وشوقه على وتيرة السخريـة لم تهـز رأسها نافيـة لم تنهـره على اتخاذ قرارات بدلاً منه لم تصيح فيه بحدة بل صمتت، وما اصعب ذاك الصمت الذى يلجمها الحزن يدميهـا منذ أن اصبحت تعرف جميع الحقائق حولها، حتى كادت تشعر انها تستشعر الثقل في نطق تلك الكلمة مرة اخرى، بينما ظل هو يراقبهـا بأعين متلهفة، خرجـت همسـة هادئـة بعكس ما يجيش بصدرها من اهتيـاج حاد:

_مفيش حاجة اثرت في نفسيتي وهزتني من جوه قد الحقيقه اللي انا عرفتها عنك يا قاسم انت كنت اخر واحد ممكن اشك ان ممكن يعمل حاجه زي كده فيا ليه بجد عملت فيا كده 

صرختـها القوية الحادة أرعشـت جسده وكأنه رسالة للعقـل بالتحرك والتفكير على الفـور، ليقول ببلاهة:- 

_طب مافيش امل تنسي اي حاجه عملتها زمان وتفكري بس في الليله دي! وان انا وأنتي دلوقت ما نعرفش اي حاجه فاتت عن بعض اكننا لسه متعرفيني على بعض.

إنتفض جسدها بقلق من شحـوب وجهها الأبيض وكأنها خرجت من معركة ما خاسـرة ولما هي بالفعل لم تنتصر وتواجهه بل ارتعدت كـانت الدموع متحجرة في لؤلؤتيها تكبحهـم بصعوبة شديدة ويظهر جهادها في ذلك عن طريق تنفسها الغير ثم همست ببلاهـة فاغرةً شفتيهـا:- 

_وبعد الليله دي يا قاسم اللي مفروض يحصل

لتنغمس هى في عينيه السوداء و قال بصوت رجولى هامس ليلعب على اوتارها الحساسة:- 

_كل حاجه اكيد هترجع زي الاول يا حورية النسيان مش في ليله.. ارجوك الليله دي وبس يا حورية ..أنا محتاجلك وأنتي كمان محتاجه لي

كانت كأنها نقطـة ومن بداية السطر مقاومة، كل خلية بداخلها نهرتها لتقاوم سريعًا شعرت بطاقة تخترقها لا اراديــًا وهي تحاول الفرار من الامتزاج بتلك الامواج وهى منها اساسًا تحولت نظرات الهائمـة لنظرات جعلتها تشعر انها ستفقـد وعيها الان أمسكهـا من معصمهـا بقوة، ولم يبالي بأعتراضها لكن تطلع فيها برجاء شديدة ثم اجابته بصوت سُلب منه جميـع المشاعر:- 

_ويا ترى احتياجك ليا من انهي نوع المره دي

يعاقب بالحياه ويـدس وسط خياريـن من أشـواك مؤلمـةً تجرحه دون رحمة او مُهلـة على شيئً لم يكن بأرادته يومًا، أسبل اهدابه وهو يغمغم بألم:- 

_ما بقتيش تفكري فيا غير بالطريقه دي وبس! احتياجي ليكي انك تيجي في حضني وتسمعيني هو ده اللي طالبه منك مش اكثر 

مؤسف أن يتمنى الإنسان حقَّه! فهو يتمني أيضا أن يفقد كِلانا منهن الذاكرة ويلتقي من جَديد لربما تسير الاُمور افضل مما كانت، او بالمعني الادق أن تسير الاُمور بأي طريقة غير ما كانت المهم أن لا يفترق...

**
مع طول الشمس فجر يوم جديد وقد تنسي ما حدث وبدأ الأمر يعود كما هو سابق! حاول قاسم النهوض من بجوارها بهدوء يحاول قدر الامكان ولا يتسبب فى ازعاج نومها فهى لم تنم الا منذ وقت قليل بعد ان قضى طوال ليلة امس يتحدث و يتحدث عن كل شئ حدث له وهو بعيد عنها في تلك الليالي الماضية ورغم أنها لم تتحدث وتجيب عليه في بدايه الامر كعادتها لكن كانت تستمع له باهتمام كبير وفي وسط الحديث الدائر بينهما رغم عنهم الإثنين استسلام كلا منهن إلي الآخر حتى يبثها شغفهم وجنونهم إلي بعض باشتياق شديد، و تاركين خلفهم يحدث ما يحدث كان العشق و الاشتياق بينهما أكبر في تلك اللحظات!! 

حتى انتهاء الأمر بكل هدوء وسقطت بعدها فى نوم قلق مرهق اما هو ظل الباقى من الليلة مستيقظا يتأملها بحنان عينيه لا تستطيع عينيه الابتعاد عنها لايدرى كيف له من قدرة أن تقسي عليه وتبعده عنها لمدة طويلة هكذا بعد ان شعر بحلاوة قربها ودفئها تشعل كل حواسه بالحنان والأمان بهذا القرب 

نهض قاسم أخيرا فهو متأكد بنسبة كبيرة عندما تستيقظ حوريه سوف تندم أشد الندم علي استلامها ذلك، هز رأسه بيأس و خيبه أمل علي حالهم الصعب الذي وصل إليه الآن ولم يستطيعون تجاوز تلك المراحل

وقف يتأمل وجهها بملامحها الرقيقة الناعمة لتتوقف فوق شفتيها الرائعة المنتفخة بشدة من جنون قبلاته لها طول الليل ليبتسم بحنان حين عادت به ذاكرته الى جنونهم ليلة امس كانت ليلة سعيدة لكن أصبحت الآن كـ الحلم الضائع 

هز قاسم راسه يحاول ان يخرج من دوامة افكاره يزفر بقوة فهو ان ظل يقف امامها يتأملها كثيرا لن يتحرك من مكانه ابدا ليسير باتجاه الخارج يغلقه خلفه بهدوء حتي لا تستيقظ وتبدأ في غضبها و تقتل حلمه الجميلة، وفي تلك اللحظة فزعت حورية من نومها تنظر الى جهته فى الفراش لتراها فارغة لتشعر بالحزن والالم يهاجم قلبها تلعن نفسها بعنف كيف سمحت إلي نفسها إلي الاستسلام وإظهار حبها إليه أنه مازال داخل قلبها ينبض بجنون عشقه لتعنف نفسها بغضب وخجل من نفسها أمامه الآن وقد أوضحت مدي اشتياقها وانها غير قادرة على البعد عنه ولا تجاوز عشقها له، فـ أصبح حبه كـ اللعنه أو الوباء التي صعب التخلص منه؟ 

بعد فترة قصيرة خرجت حورية من المرحاض بعد استحمامها بمياة باردة لعلها تبرد تلك النيران المستعيرة بداخلها بعد كل ما مرت به فى هذة الامسية المشئومة من اول ما استمعت إلي قاسم رغم ما فعله وبعدها سمحت له أن يلمسها كم شعرت بإهانة من ضعفها ذلك تحركت بخطوات بسيطة لتقف أمام التسريحه وهي ترتدي بشكير قصير يظهر جسدها لتوضح علامات ملكيه قاسم عليها من ليله أمس! 

لترفع يدها ببطئ شديد نحو رقبتها بارتجاف تلمس تلك العلامات بشرود ولتشرد رغم عنها في أحداث ليله امس حين كانت صامته ولم تجرأ على فعل أي شيء يثير اهتمامها بحديثه لكن رغم عنها انجرفت نحوه الاستماع وبدأت ترد بكلمات مطمئنه وتخفف عنه، وهو في تلك اللحظة شعر بخفقات بداخل قلبه فهو كان بحاجة إلى ذلك الكلمات بشده وكونها قالتها في ذلك الوقت وهي في خصام معه تدليل علي مدي حبها إليه.

رفع راسه ينظر باتجاهها ليفاجىء بها تجلس أمامه كما الاطفال تضع كفيها الاثنين تحت وجنتها وشفتيها منفرجة برقة تجعله يتمنى قضاء الليل كله يقوم بتقبيلها فقط، فهو أشتاق إليها بشده ابتسم بحنان ورقة يقف مكانه عدة دقائق مراقبا لها ثم تقدم للفراش يصعد ببطء وهدوء فوقه مقتربا منها وهي توترت ملامحها بشده علي الفورا بقلق شديد عندما رأته يقترب منها ليقوم بسحب جسدها اليه يحتضنه بين ذراعيه لتتوائم منحنيات جسدها مع جسده كما لو كانت خلقت لتكون بين احضانه هو فقط، تنهد بشوق ينحنى يقبلها برقة لعدة لحظات لتفتح هي عينيها بصدمه وعجز ولم تدرك ما حدث بعدها وكيف تركت نفسها له، ثم أبتعد عنها بعد فترة ليضع راسه ليستريح فوق راسها يغمض عينيه برغبه ليغرق هو الاخر فى بحور عشقها وهو يقبلها مره ثانيه وثالثه وأكثر بشغف وعمق وهو يضمها بحماية الى صدره.

وبعد فترة طويلة أبتعد عنها ببطء مبتسم بحنان وسعاده أنه حصل عليها أخيراً ولف ذراعيها حول خصرها قاسم المستلقى بجوارها وكانت هي تستند برأسها فوق صدره العارى بينما هو كان يستند براسه فوق مرفقه يبتسم لها بحنان و شغف مماثل لما حدث قبل قليل يرتسم فيه عينيه لتشعر بالخجل يلون جميع جسدها بالحمرة فاسرعت بالابتعاد عنه تلف الاغطية حولها بارتباك وهرب لكنه لم يعطيها تلك الفرصة لتحرك بعيدا عنه يجذبها اليها لترجع الى الفراش تستلقى مرة اخرى فوقه يحيطها هو بذراعيه يستند بمرفقيه فوق الوسادة بجوارها يخفض راسه الى عنقها ونام بهدوء بعدها شاعرة هي بأنفاسه الساخنه واغمضت حوريه عينيها سريعاً بقوه وبارتباك بنوم ولا تريد التفكير فما حدث؟

بعد فترة أفاقت من دومه أفكارها المقيدة و زفرت حوريه باحباط وهي تبتعد عن الخزانه وتغلقها بغضب بعد أن ارتدت ملابسها وتحركت للخارج وعندما التفتت وجدت أمامها جواد الذي كان يتحرك نحوه الاسفل لكنه تراجع عندما رآها وحاول رسم ابتسامة متوتره وهو يقول بهدوء:- 

_ازيك يا حوريه اخبارك ايه 

ليجدها واقفة بوجه متجمد تحدقة بنظرات غاضبة لكنه أجابت قائله ببرود:- 

_تمام عن اذنك 

كادت أن تتحرك للرحيل لكنه توقف أمامها بسرعه هاتف بتلعثم:- 

_هو انتي زعلانه مني عشان انا قاعد معاكم هنا لو مضايقة مني انا ممكن امشي عشان شكلك فعلا مش طايقه وجودي هنا على العموم ده بيتك انتي في النهايه وانا ضيف هنا 

نظرت إليه بشراسة وهي تجز علي اسنانها وعينيها تلتمع بحقد تجاه ثم إجابته حورية ببرود وهي ترمقه بنظرات جامده:- 

_وازعل ليه ما تقلقش كلها ايام واسيبلك الجمل بما حمل انت واخوك، وانا اللي هابقى ضيفه لو جيتلك ثاني هنا

هز رأسه جواد بأسف وهو يقول بصوت متردداً:- 

_هو انتي هتسيبي قاسم يا حوريه عشان الكلام اللي قالته ماما قبل ما تموت وعرفتك ان قاسم يبقى ابو ابنك الاولاني 

شعرت حورية بالدماء تنسحب من جسدها فور سماعها كلماته تلك فهي ماذا صحيح تنتظر حتى ترحل وتترك قاسم لكنها في نفس الوقت تعرف الإجابة جيد جدا، ثم اخفضت رأسها بألم وقد هدد الضغط الذي قبض علي صدرها بسحق قلبها..اخذت ترفرف عينيها بقوه في محاولة منه لابعاد تلك الدموع التي تحرق عينيها قبل ان تنسكب علي وجهها وتفضح امرها اخذت تتنفس ببطئ محاولة السيطرة علي ذاتها لتنجح في نهايه الامر برفع رأسها والنظر في عينيه بوجه متجمد خالي من المشاعر وهي تجيبه ببرود:-

_تعرف رغم ان انا مش طايقه والدتك بس ممكن دي الحاجه الوحيده اللي عملتها كويسه قبل ما تموت وعرفتني حقيقه البني ادم اللي انا كنت متجوزاه وياريتها كانت عايشه عشان كنت جيت اشكرها بنفسي، يعني هيكون إيه الجديد في حياتي ما انا متعوده على الصدمات من ساعه ما اتجوزت جاد أخوك بس على الاقل اخوك الثاني كان واضح وكان باين عليه الغدر من اول يوم على وشه مش زي استاذ قاسم ما كانش باين عليه خالص غير الطبيه والحنيه 

لوي شفته بابتسامة ساخرا مرددا بخيبه امل:- 

_جاد مش ملاك اوي كده زي ما انتي فاكره يا حوريه بتهيالي كمان انك لو كنتي كملتي معاه كنتي هتعرفيه على حقيقته اكثر، صدقيني اللي انتي شفتيه منه كوم واللي انتي كنتي لسه هتشوفي كوم ثاني.. وكنتي هتقولي بنفسك اني قاسم هو اللي ملاك 

رفعت مقلتيها ونظرت إليه بعدم تصديق ثم هتفت باستنكار شديد:- 

_غريبه يعني بقيت دلوقتي بتدافع على قاسم ومعترف ان اخوك مع أنك لما كنتش بتطيق ولا أنت ولا اهلك دلوقت بقى قاسم حنين وطيب وجاد هو اللي شرير 

أخفض رأسه يتنهد بندم شديد وهو يقول شاعر بالذنب يتغلغه من الداخل:- 

_ليكي حق تستغربي بس انا مش بادافع عنه عشان اللي عمله معايا بس ده اللي كان لازم يحصل من زمان قاسم احنا كلنا ظلمنا قوي هو ما يستاهلش اللي بيحصله وهو مع ذلك محاولش ينتقم مننا ولا كان بيتمنى لينا الشر

صاحت حوريه بنفاذ صبر وقد اشتعلت عينيها بالغضب:- 

_تكره تحبه براحتك ما بقاش ليا دعوه بي ولا بيك، في النهايه انا كنت على ذمه الاثنين اخواتك وما شفتش منها غير كل غدر وقريب قوي كل حاجه هتنتهي.. عن اذنك 

ثم التفتت تعطي ظهرها تغادر المكان بخطوات غاضبة وهي تحاول السيطره علي نفسها قبل ان يبدو عليها الانهيار لكنها تجمدت مكانها حين استمعت إلى صوت جواد يقول بسرعه مرددا:- 

_حوريه انتي ما تجوزتيش غير قاسم وجاد عمره ما كان جوزك 

التفتت له ببطئ ومسحت حورية دموعها بكف يدها قائله بهمس وهي تنظر اليه بعينين تلتمع بقلق شديد:- 

_مش فاهمه قصدك ايه؟ 

صمت جواد ثواني متردد بالحديث لكنه يريد بالبوح السر ذلك لعل حوريه تتعاطف مع قاسم وتنسي ما فعله معها وتعرف أن رغم قسوة فعل قاسم إلا أن أنقذها بغير قصد، ليقول بصوت متوجس:- 

_مش عارف اللي انا بقولهلك في الوقت ده المفروض ولا لا بس حاسس انك لازم تعرفي الحقيقه و أن جاد ماكانش جوزك والفرح والماذون كل ده كانت خدعه و الماذون كان واحد صاحبنا انا وجاد اصلا، وهو عمل كل ده عشان يردلك القلم اللي انتي ضربتهله زمان قدام الجامعه كلها

بينما كانت حورية واقفه تتابع حديثه ذلك بهدوء مريب وهي ترمقه بنظرات باردة كالصعيق حين أكمل حديثه بارتباك وتوتر:- 

_وكان ناوي بعد الفرح ياخذ غرضه منك ويسيبك ويهرب ويسيبك تواجه كل الناس بالمصيبه اللي عملها معاكي، يعني اعتقد لو كنتي موتي زمان من غير قصد فانتي بعد اللي عرفتيه دلوقت، هتعوزي تموتي بقصد المره دي ،انا اسف في اللي بقولهلك بس هي دي الحقيقه فعلا جاد عمره ما كان عاوز يتجوز ولا يرتبط ولا كان لي في الحوارات دي هو ما لقاش طريقه غير دي ينتقم منك بيها واللي انتي فيه النهارده كنتي هتعشي برده ثاني بسبب اللي كان هيعمله معاكي جاد لو كان زمانه عايش ومكمل لعبته

وقفت حورية تنظر اليه بعينين متسعه بصدمة عده لحظات محاولة استيعاب كلماته تلك لكنها همهمت بصوت منخفض غير مصدق ثم صرخت حتى تقطعت أحبالها الصوتيه وهى تهز رأسها يأسا بعدم تصديق بما فيه ثم هجمت عليه تصب جم غضبها عليه حتى تألم وانصدم جواد ما حالتها فهو لم يتوقع رد فعلها ذلك ابدا وتحدث بحسن نيه لا اكثر! حاول دفعها لكنها كانت متشبثه به بشراسه تصرخ بأنها ستقتله مثل ما قتلت أخيه انتقام لشرفها الذي كان يريد جاد أن يضيعه ويقضي عليها بكل بساطة دون اشفاق ولا رحمة.

حتى أتى قاسم بخوف وقلق وانصدم من حاله زوجته تلك وبصعوبه بالغه أبعداها عنه وهى تصرخ رافضه تركه حتى حاوطها بيده بقوه من الخلف عند خصرها مهدئ حتى بعدت عنه تماماً لكنها لم تتوقف عن البكاء والصراخ 

ورغم قاسم أنه لم يفهم شيئا وما حدث لكنه تألم لحالها ولحال، وكذلك جواد أيضا الذي ظل يقف مكانه يتطلع فيها بعطف وحزن ولم يهتم لوجهه ورقبته التى يغطيها الدماء فقد كانت خدوش أظافرها حاده كمخالب لبوه وليست كـ فتاه، غضب قاسم وهو يسأله عما حل بها فقد حذر إياه بعدم التحدث معها فماذا حدث جعلها تنهار وبدلاً من انهيار عصبى بسيط أصبح انهيار عصبى حاد وحالتها مخيفه لكنه لم يجيبه بشئ في البدايه حتي صرخ عليه أنه أمره بحده وهو يقول:- 

_في ايه يا حوريه مالك بتصوتي كده ليه؟ انت عملتلها ايه يا جواد انا مش نبهت عليك ما لكش دعوه بيها وماتتعرضلهاش عملتها إيه عشان توصل لي الحاله دي أنطق

إبتلع الآخر ريقه بخوف وقلق وهو يقول بسرعه بتبرير:- 

_اهدا يا قاسم والله العظيم ما عملتلها حاجه انا بس عرفتها حقيقه كانت لازم تعرفها من زمان 

حاوط قاسم خصرها بيده بقوه وهي تصرخ بانفعال و ترفع اصابعها في الهواء لتقول وهي تبدأ بالبكاء بهستريه:- 

_انتم ايه شياطين!! انا كل مره اعرف مصيبه اكبر من اللي قبلها بتعملوا فيا كده ليه انا عملتلكم ايه عشان تؤذوني بالشكل ده حرام عليكم ارحموني وسيبوني في حالي بقي انا تعبت منكم كلكم و زهقت يا رب ياخذني عشان ارتاح من قرفكم كلكم 

بينما كان قاسم يتابعها متجمد بعجز وهو يشاهد لحظات انهيارها واصبحت قدميه كالهلام غير قادرتان على حمله شاعراً بالم يكاد يحطم روحه الي شظايا وقلبه يكاد يهزق روحه أيضا وهو لا يعلم ما حدث لها لكن بالتأكيد شئ خطير جدا ليوصلها إلي تلك اللحظة.

حاولت حورية مقاومه نوبه الانهيار المتصاعده بداخلها لكنها فشلت في مقاومتها لتبدأ تصرخ بصخب وهستريه حتي ادمعت عينيها احاطت يدها بمعدتها التي بدأت تألمها من كثرة حرقه الاعصاب والبكاء لتعرف بأن الألم أصبح لا ينتهي مطلقاً.








الفصل السادس والعشرون 
___________________________________

في الاسفل بالصالون توقفوا كلا من جمال وبدريه أمام جواد وهو يخفض راسه الى الأرض باحراج علي استحياء بعد أن تحدث وقال لهم أيضا مافعله شقيقه جاد في حورية وما كأن ينوي عليه قبل موته، فـ قبل قليل خلص قاسم حورية وأبعدها عنه بصعوبة شديدة وأخذها الي غرفتها بينما علي جانب آخر أستمع جمال وبدرية ما يحدث وصراخها و ركضوا إليهما بذعر شديد لكن قاسم منع أي منهما بالتحدث معها وهي بذلك الحاله السيئه، وبالطبع لم يجدوا غير جواد أمامهم يستجوبوا ليعوفوا ما أوصلها لتك الحاله النفسيه الصعبة؟ رفض في البدايه جواد أن يتحدث حتي لا تقع عليه اضرار ثانيه من الصدمة مثل ما حدث مع حورية، لكن أصرت بدريه أن تعرف منه بإصرار شديد حتى نطق اخيرا بقله حيلة مرددا إليهم ما يعرفة.

وكانت النتيجة مثل ما توقع؟ حدق به جمال بصدمة وعيناه مفتوحة علي مصرعيها بعدم تصديق بينما بدريه هدرت به بعنف تبادله صرخاتها وجذبته من ياقه قميصة بقوة مرددة:-

_كلاب شويه كلاب ما عندكوش رحمه هو انتم ايه مخلوقين من ايه؟ مافيش ولا دم ولا رحمه في قلوبكم عملتلكم ايه بنتي الغلبانه عشان تعملوا فيها كده كلكم ما بتفكروش غير في حاجه واحده غير انكم تؤذوها وتكسروها وبس

تأملها جواد باستسلام والحزن الظاهر علي وجهه يردف:-

_انا اسف معاكي حق في كل اللي بتعمليه بس انا والله ماليه ذنب في اللي كان بيعمله ويخطط لي جاد وبعدين هو خلاص مات واخذ نصيبه 

اقترب جمال بسرعه من بدريه يحاول يخلص جواد من بين يدها وبالفعل نجح في ذلك، لتهبط يداها تزامنا جانبها بضعف مع دموعها بخذلان وقهر علي ابنتها وكان جمال عيونه تتأجج بالذهول قائلا بجدية وعدم رضي:- 

_مكنش لازم تقول حاجه زي كده دلوقتي انت مش شايف كل واحد في اللي مكفيه حتى لو كانت نيتك خير اصبر عشان الكلام إللي زي كده ليه وقته 

زاغت عيناه الزيتونية الذابلة ليرفع رأسه ينظر إليه بألم حاد يعتصر قلبه قائلا:- 

_معاك حق فعلا انا اسف والله ما توقعت ان رد فعلها هيكون كده، حقكم عليا كلكم واسف على اي حاجه عيلتي عملتها واتسببت فيها

هنا تلألأت عيناها بالدموع بعد ما فاض بها من الألم لتغزو سحابة سوداء مقلتيها متذكره ما قاله قبل قليل وما كان سوف يحدث مع طفلتها التي عانت في تلك الحياه كثيره علي يد ناس تجردت الرحمة من قلوبهم أمام هؤلاء الجاحدين رمقته بكره.. واحتدت عيناها بغضب وهي تبكي بحرقه وتصرخ في ذات الوقت:- 

_اقسم بالله العظيم وحياه اولادي اللي مابحلف بيهم كدب لو كان لسه على قيد الحياه وعمل اللي كان عاوز يعمله في بنتي، ما كنت هتردد لحظه واحده في اني اقتله واشرب من دمه حسبي الله ونعم الوكيل فيكم 
اوعى تفكر عشان بنتي كانت لوحدها ومعناش راجل ماكنتش هعرف اجيبلها حقها منكم وأحد وأحد

جذبها جمال اليه لتبقي أمامه مباشرةً يهتف من بين أسنانه إلي جواد بحذر وهدوء:-

_خلاص يا بدريه اهدي عشان خاطري وعشان صحتك ما تعمليش في نفسك كده ،وانت يا جواد معلش بعد اذنك يلا اتفضل فوق دلوقت لحد ما يهدوا من اللي انت قلته و يستوعبوا الصدمه 

توقف مكانه جواد يتطلع إلى بدريه وهي تبكي بأحضان زوجها وتردد بعض كلمات بغضب شديد بحزن علي حورية، بينما هو تحدث بحسن نيه لم يكن ينوي شر او يتصبب بمشاكل إطلاقا تحدث كرد جميل نحو قاسم واعتقد بذلك من الممكن أن تفكر حورية وتسامح زوجها علي فعلته في الماضي والتي كشفتها والدته قبل وفاتها، لكن الان عرف ان بذلك الحديث قد يكون تسبب بالمشاكل اكثر بينهما ولم ينصلح الحال مثل ماذا كان يريد ومتوقع وقد ندم على ذلك الكلام، ليمسح دموعه بقوة وذهب من أمامهم ليأخذ جمال يد بدريه بحنان الي أحضانه يربت علي كتفها بحنان وارتسـم الهدوء فوق ملامحه وهو يقول بصوت حنون:- 

_تعالي اقعدي واهدي وبعدين حاولي تتمسكٍ شويه حوريه فيها اللي مكفيها دلوقت ما ينفعش تشوفك انتي كمان كده هتتعب اكثر و تنهار

مسحت دموعها بضعف تُهدأ من شهقاتها وتشكلت ملامح أعلي قسماتها بحسرة هاتفه:- 

_وهي لسه فيها نفس لي التعب والانهيار ما اللي حصل حصل انت ما شفتش بنفسك حالتها كانت عامله ازاي لما عرفت اللي الزفت جاد كان هيعمله فيها اه ياعيني عليكي يا بنتي هتلاقيها منين ولا منين كان مكتوبلك فين كل ده بس، يا ريتها ما اتنيلت اتجوزت ولا عرفت العيله دي اللي ما ورائهاش غير الاذى ليها وبس ..انا هطلع اشوف بنتي 

كادت أن تنهض بدريه وتبتعد عن أحضانه لكن جمال منعها لتقف أمامه ثم رفعت نظرها إليه تتساءل بخفوت ماذا يريد؟ ليهز رأسه بنفي قائلًا بحنو:-

_بدريه عشان خاطري معلش سيبها دلوقتي مع قاسم صدقيني هو الوحيد اللي قادر يطلعها من اللي هي فيه وهي محتاجاه كمان يمكن تسمعه المره دي ويتصالحوا

**
بداخل غرفه حورية ضمت قدمها وهي تجلس اعلي الأرض وظلت الدموع تتساقط من عينيها بحسره مثل طفله صغيره غير قادرة علي منع مقلتيها من ذرف الدموع ويعتصرها كل هذا دون ذرة رحمة من العباد لحظـات مرت من الزمـن مشفقـة عليها الحياة لغدر الزمن والجميع من حولها يدوس بالعنف الشديد عليها لغير ارادتها لرغبتها بل لأجل رغبتهما هما فقط، كانت تشعر أنها سقطت بين الأمواج متلاطمـة بالواقع وعليها تتشبثب قدماها بالأرض خوفًا من القـادم الذى باتت تكرهه فقد تحطمـت أسارير قوتها في ثوانٍ معدودة، فكرة خلف الاخرى في عقلها يديرها يمينًا ويسارًا فهي أصبحت تغرق بقوة واستمتـاع بين شياطين دون رحمة! 

كان يقف قاسم يتابعها وارتسم معالم الحزن الشديد عليها فوق وجه فورا ان ادرك ما أوصلها لتلك الحاله شاعراً بالدهشة تتملكه غير مستوعباً كم الغل والحقد الذان ينبثقان من داخل شقيقه جاد! ثم قطـع الصمت صوت قاسم الذى كان يراقبها بتركيز بخوف من رد فعلها على ما قاله شقيقه الثاني لها، ثم جذبها سريعاً من ذراعها منهضاً اياها من جلستها تلك هامساً بصوت ضعيف:- 

_خلاص بقى يا حوريه أهدي وماتعمليش في نفسك كده انا عارف ان معاكي حق والموضوع يضايق بس خلاص غير في داهيه ومات يا ريت كان موجود وأنا ولله كنت اخذتلك حقك منه وزياده وبردتلك نارك وناري

ظـلت تبكـى بقهـر وبصمت حتى مـرت دقائق معدودة ووجـدت قاسم يتقـدم منها ويريد يلمس ويحضنها حتي يخفف عنها، لكنها هى تحمل اساسًا فوق طاقتها لتصيح بصراخ وسط بكائها بمرارة:- 

_اوعى انت كمان انا مش عايزه حد جنبي خلاص مش عاوزك غور من وشي انت اصلا كمان وأحد زيهم ومنهم كمان، مستنيه ايه اصلا منكم غير الاذيه والقرف اللي كل يوم بعرفوا عنكم 

رمقـها بنظرات حادة وأستطرد بجدية:- 

_حوريه انا من ذيهم وانتي عارفه كده كويس وهي غلطه واحده كنت غلطتها معاكي وبحاول اكفر عن ذنبي وبطلب منك السماح كل يوم تقريبا

اى عذاب ستتحدث الأن فـ أصبحت الالام تزداد عددها حتى اصبحت هي ذات نفسها تنسى عددها ومن من تعذبـت.. رقصت الألم على اوتـار العذاب شتـاه وبألم مكتـوم، فهي بالأساس لا تستطيع ايذاء شخصًا هكذا، حتى أنها لا تستطيع إنقسام حزنها مع غيرها لكن غيرها فعل أكثر من ذلك ودون مراعاة، نطقت بذلك الحديث الذي خرج مقهور من اعماقها وهى تحدق به ببكاء:- 

_عشان زيهم ما عندكش دم ولا احساس بكل بساطه تدوس عليا وجاي تطلب مني السماح انت واحد حقير وشهواني زيهم المفروض كنت استني ايه منك غير كده.. كل اللي عاوزه مني ويفرق معاك هو جسمي بس عشان كده بس لسه متمسك بيا باماره اللي عملته معايا امبارح 

بينما فجأة قبض قاسم على ذراعيها بعنف وصرخ فيها بحدة يزمجر فيها غاضبًا:- 

_بـــس اخرصي خالص 

انتفضت حوريه بذعر وصمتت بينما نظر إليها بأعيـن حمراء كحمرة جمرة مشتعلة وتزداد اشتعالاً ولكن ازدياد كلماتها المهينة كالأنذار ليفيق ويزمجر فيها غاضبة:- 

_اسكتي خالص أيه اللي انتي بتقوليه ده ليه مصره تنزلي من قيمته وتشوفيني وحش في نظرك مصممه ترسملي صوره واحده في دماغك وما تشوفيش غيرها وهي إني عملت كل حاجه غلط معاكي وكنت قاصد منها اني اؤذيك وبس، اسمعيني كويس ولازم المره دي تسمعيني غصبا عنك لازم تعرفي اللي حصل في الليله دي ما كانش برضايا وايه هي الحقيقه

وضـعت يدها على اذنيـها تمـنع ذاك الوباء من الوصول لأذنيها، ثم تابعت صرخت فيه باهتيـاج:- 

_اسكت خالص مش عايزه اسمع حاجه كل ما بحاول اسمع حد منكم بتصدم من الحقيقه كفايه وسيبوني احسن اكون مخدوعه ومش فاهمه اللي بيحصل حوالي! انا كرهت الحقيقه خلاص مش عايزه غير الكذب اكذبوا عليا ارحم لكن ما تورونيش حقيقتكم القذره دي قدامي 

أزاح قاسم بغضب مكتوم يدها من فوق اذنيـها وفجأة تشنجـت ملامحه واشتـدت نظراته كأعيـن الصقر متابعًا بإصرار:- 

_هتسمعني غصبا عنك انا الليله دي اتخانقت مع جواد عشان كان سكران وقولي كلام ما عجبنيش وسبت الفرح وطلعت بره وجت ورايا تالا بنت عمه او المفروض بنت عمي انا كمان، واستغلت ان انا متضايق ومش شايف قدامي وكنت تعبان من شغل اليوم واديتني برشام كنت مفكره لي الصداع واخذت بحسن نيه وانا مااعرفش بس طلع حاجه ثانيه زي منشط واديتني كمان مفتاح اوضه الفندق اللي كانت حجزاها في نفس الفندق اللي حجزوه جاد ليكي، ما اعرفش تفاصيل كثير عشان كنت مشوش ومش شايف قدامي بس رجلي اخذتني لي الاوضه بتاعتك وكانت مفتوحة لوحدها ودخلت وغصب عني لمستك 

تبـلد جسدها بصدمـة، وتحطمت لؤلؤات أحزانها التى كانت تتقافـز غير مصدقة ثم صرخ بصوت عالى جمع كـل معانى الحدة فيه:- 

_انا ما كنتش عارف ملامحك ولا انتي مين بس لما فوقت ثاني يوم ابتديت افتكر شويه تفاصيل عن اليوم ده واللي انا عملته، كنت عامله زي العاجز مش عارف اتصرف ولا اعمل ايه وضميري كان بيعذبني جدا وانا مش عارف من البنت اللي انا اعتديت عليها دي وضيعت شرفها وضيعتها مقدرتش استحمل اواجه نفسي حتى وسافرت بعيد عشان ما حدش يسالني مالي ولا فيا ايه؟ ولما رجعت وحكيت لي كل حاجه، جمال اتعصب عليا جامد قولي ازاي عمله زي دي تطلع منك وانا اللي مربيك وزاد عليا الحمل اكثر وضميري كمان وجعني أكتر، وبالصدفه بعدها بشهرين أو اكتر سمعك جمال وانتي في القصر بتاع عصام الصريطي لما ناريمان هربتك وكانت فاكره انك حامل في حفيدها وسمع كل التفاصيل وانتي بتحكي ايه اللي حصل ساعتها على طول خمن أن انا اللي عملت كده و راح يقولي

واخيرًا باح بالسبب الذى جعل الصدمة جزءً من ملامحها الهادئة والصارمة ليكمل حديثه شابها صرخـة حادة من تلك البائـسة أمامه مرددا:- 

_مهما اوصفلك الوجع اللي انا حسيت بي وقتها والقرف من نفسي ان انا طلعت اغتصبت مرات اخويا كان عامل ازاي مش هعرف الدنيا اسودت في وشي وماعرفتش اعمل ايه ولا اتصرف.. بس غصبا عني كان لازم ادور عليكي واساعدك وغصب عني برده كان لازم احمي ابني اللي في بطنك اللي ملوش ذنب! اللي انا حسيت وشفت فيه نفسي وانا صغير كنت زيه ضعيف ومكسور ومش لاقيه ملجا ليا وانا شايف بكل جبروت اهلي مش عاوزني وبتبروا مني، وكل ده عشان جيت نتيجه غلطه هم عملوها مليش ذنب فيها

شحب بشدة وجهها واخذت شهقات بكائها تتزايد بقوة التى كـانت تنهـش فى شرفهـا بلا رحمة، ولكن حديثه لم يتوقـف اخذ قاسم يطلع بقلق الى وجهها الذى كان يكسوه الحزن والالم هامس بصوت مرتجف منخفض منكسر:- 

انا مش بحكيلك كل ده عشان اقول لك ان انا برده ماغلطتش لا انا كنت غلطان برده ان انا اخذت حاجه زي كده من تالا من غير ما اعرف مصدرها لان في الاخر وصلتني لنقطه مش عارف احلها لحد دلوقت.. ساكته ليه مش عايزه تقولي حاجه ولا لسه برده مش مصدقاني ان انا لمستك غصب عني

نظـرت له مطـولة وكأنها تتأكد إن كان بكامل قـواه العقلية أم لا وحدقتا عينيها المتسعتين دليل قـوى على صدمتها التى تلمع فى جوفيها الان، صدمتها تنضح بعدم تصديـق واخيرًا بعد صمت طـال ينتظر فيه قاسم الاجابـة التى ستحدد مسار رياحـه فى أى اتجاه ستسيـر، نظرت له مردفة بقوة:- 

_لا مصدقاك شكلك بتقول الصراحه وانا سبق وقلتلك بقيت افهمك! بس طالما كلامك صح فعلا وانت ماكنتش عاوز تلمسني واخذت منشط من غير ما تعرف المفروض حاجه زي كده ماتغيبكش عن عقلك للدرجه دي وما تعرفش تسيطر علي نفسك.. اللي اعرفه حاجه زي كده تجذب جسمك بس ماتجذبش عقلك وتفقد السيطره عليه 

تطالعها بنظـرات قوية وحادة قبل أن يقـول بغضب هـادر وهو يكمل سريعاً يضغط بيده فوق جبينه فقد بدأ الالم يعصف براسه بيأس شديد:- 

_يبقى لسه برده مش مصدقاني، حوريه ابوس ايدك بطلي تضغطي عليا بالكلام والله العظيم وحيد ابني اللي لسه ماشفتوش لو كان عقلي صاحي في اللحظه دي ان شاء الله حتى واحد في المئه ما كنت هعمل اللي انا عملته سواء معاكي ولا مع غيرك! وكلامك ان انا مفروض اكون عقلي شغال وعارف في اللحظه دي انا بعمل ايه ممكن يكون صح فعلا والادويه دي مش بتغيب العقل بس ممكن يكون تالا ما اديتيش مجرد منشط عادي واديتني حاجه كمان تغيب عقلي هي ما قالتليش كل حاجه حصلت اليوم ده من خوفها مني رغم ان انا حاولت اضغط عليها وكنت هاذيها فعلا 

بدأت تطلق آهات اقرب للبكاء وشعرت بدوران حاد يعتصر جسـدها الضعيـف متهـالك واغمضت عيناها يتعب وإرهاق لاحظ ذلك قاسم ليسرع حاوطها بيده بين ذراعيه بقلق ليقول فيها قاسم بهيستريـا:- 

_حوريه انتي كويسه حبيبتي حاسه بحاجه تحبي اطلب الدكتور

ابتعدت عنه بحده ثم هـدأت تمامًا واسنكانت قسماتهـا وهى تجيبـه بنظرات غريبـة:- 

_انا عاوزه ابقى لوحدي ممكن بعد اذنك تطلع وتسيبني عاوزه استريح وانام.. محتاجه اقعد مع نفسي 

إلتفت للمرة الاخيرة يلقي نظرة على حورية التى لم تتوقف عن البكاء قائلاً باضطراب:- 

_طب بالنسبه لكل اللي انا قلتهلك ماثيرش معاكي في حاجه ويخليكي حتى اصعب عليكي شويه وتفكري تسامحيني

تقابلت نظراتهم سويًا، عيناهـا كانت تحمـل عبئًا خافتًا لطالما حاولت مداراتـه، ودفنتـه فى منتقـع عميق ولكنه دائمًا يتسلل للظهور مرة اخرى، لتأخذ نفسًا عميقـــًا لتهدأ نفسها قليلاً، تعطى لنفسها هدنة من التفكـير وعطلة حاولت أن تكون طويلة لعقلها الذى يفكر دائمًا وابدًا، هتفـت هى بجـزع مشيرة برأسها:- 

_قاسم من فضلك لو سمحت انا مش قادره اتكلم في حاجه وأفتح في مواضيع مش بتجيبلي غير الوجع، كفايه اللي أنا عرفته النهارده ..وقلتلك عاوزه ابقي لوحدي 

**
كـان جواد يسير متجهًا في كل مكان بداخل الغرفه بلا هوادة وعينـاه تشـع غضبًا جمًا تتقافـز دقاته ليهدء عليه قليلاً ولكنه غاضب من نفسه وغضبة لن يستطيع يطفأه فكلما يتذكر بسبب حديثه ذلك وكشف الحقيقه عن شقيقه وكشف نواياه الشريره تجاه حورية! 

أنصدم الجميع بالذهول وارتسم الحزن وآلام وقد ذات الطين بله كما يقال ولم يحدث ما اراده وهو أنه كان يريد تهدئه الوضع وان يتصالح الجميع الا أن جاءت رياح شديدة غاضبة حطمت كل ما خططه ،يرغب في اى شيئ يهدء غضبه وحزنه بندم أنه تحدث! ليته لم يتحدث ويكشف الاسرار أكثر من ذلك حتى لا يزيد الالام والخيبه على حوريه تلك الفتاه المسكينه التي دائما تغرق بين الاوجاع المريره.. افاق من افكاره على صوت طرقات على باب الغرفه تحدث بصوت حاد ان يدلف من بالخارج ولكن لم يدلف وظل يطرق الباب و مما زاد غضبه أكثر وفجأة نهض بحده وفتح الباب بقوة وكانت هاجر أمامه التي كان يبدو عليها الرعب عندما صاح فيها غاضبًا:- 

_ما عمال اقول ادخل ايه مابتسمعش مين اللي عمال يخبط ..هاجر! 

لتتسـع حدقتاها عيناها بصدمة وتوتر بالغة وهي تردف بصوت متقطع:- 

_احم آآ انا اسفه بس استاذ جمال طلب مني اطلعلك شنطه الاسعافات عشان تعقيم جروح وشك عشان ماتلتهبيش وتفضل ليها اثار

صمت جواد وهو يتنفس الصعداء عالي بحدة ثم قال بجمود جارح:- 

_شكرا بس مش عاوز حاجه وقوليله مالوش لزوم مش هتفرق كثير، حتى لو دريت جروح وشي في جروح ثانيه صعب اتاريها

صمتت لبرهـه، تستعيد رباطة جأشها من الارتباك و دون وعى نطقت بخفوت:- 

_ما ينفعش كده لازم الجرح يتعقيم ومدام حوريه اكيد ما كانتش تقصد تعمل كده هي بس من الغضب والصدمه ما دريتش بنفسها بتعمل ايه واكيد حتى بعد ما تفوق هتيجي تتاسف لحضرتك.. بس فعلا استاذ جمال معاه حق هي كانت تعبانه اوي ومش مستحمله اي كلمه مكنش ينفع تقول لها حاجه زي كده في الوقت ده آا انا اسفه عشان بدخل نفسي في حاجه ما ليش فيها ،انا بقوللك بس كده عشان ما تتضايقش 

تقدم بوجهه واقترب منها جواد وهو يصيح فيها بحدة ساخراً بقهر متهكم:- 

_وانتي هتفرق معاكي اذا كنت متضايق ولا لا؟ تلاقيك اكثر واحده دلوقت فرحانه في اللي بيحصل لي وبتقولي يستاهل ذنب اللي كان بيعمله فيا 

لم تجيبه ولم تتـأثر بكلامه ولا تغضب ولم تتغير تعابير وجهها بل زادت حنان ثم هتـفت بصوت رقيق:- 

_على فكره مفيش حد حواليك ولا شمتين ولا فرحان فيك حتى لو كنت اذيته الفكره بس ان كل واحد فينا بيمر عليه ظروف صعبه عشان تفوقه من الدوامة اللي كان عايش فيها وساعات الظروف الصعبه دي بتكون زي طوق النجاه لينا عشان بتفوقنا من الغفله اللي كنا فيها.. وبدل ما تحسب الامور كده احسبها بطريقه ثانيه وهي ان ربنا بيديك فرصه ثانيه عشان تصلح من نفسك للاحسن

نظـر لها عدد ثواني قبل ان يقول متساءلاً بنصف عين منذ متي هذا الاهتمام فـ قبل أيام كانت عندما تراه هكذا ترتعد اوصالها على الفور وتنهار حصونها بينما الآن عكس ذلك؟ لكن في لحظة اعتقد عطف منها،إبتلع غصة مريرة في حلقه وأردف بصوت اشبه للبكاء:- 

_متشكرا يا هاجر على النصيحه 

ارتعـشت تحت نظرات عينـاه الجافـة، تبادلا النظـرات لثوانـي وبصوت هادئه رفعت يدها بعلبه الاسعافات قائله:- 

_العفو.. واتفضل شنطه الاسعافات ومن فضلك حاول تعقيم جروحك وما تسبهاش كده

اومـأ جواد وهو يأخذها ثم نظر لها قائلاً بثبات مصطنع:- 

_حاضر هعقيم جروحي عشان خاطرك طالما يهمك أوي كده، في اي طلبات ثانيه 

نظـرت له لدقيقة قبل ان تتساءل نفسها ما الذي تفعله حقا وتقوله ولماذا ذهبت إليه من الأساس وتحاول التخفيف عنه، هزت راسها برفض ثم رفعت كتفيها لتقول بلا مبالاة مصطنعة:- 

_هاه لا انا بس بقول لك عشان صحتك وانا مالي اصلا دي صحتك وانت حر فيها عن اذنك 

**
بعد مرور يومين.

وصل حازم امام القصر الذي به يقيم قاسم و زوجته حورية! ترجـل من سيارتـه السوداء الكبيـرة ثم أبعد النظارة عن عينيه البنـية لتظهر تلك الجوفتين العميقتين الغامضتيـن التردد أن يدلف إلي الدخل فهو لا ينسي ما فعله مع حوريه وأنه حاول بكل بساطة اغتصابها وهي بالفعل لم تنسي ذلك ولا زوجها لذلك لا يعرف كيف سيكون الاستقبال حينها؟ لكن هذه وصيه جده عتمان وهو يتحضر لي لحظاته الاخيرة لذلك يجب عليه أن يدلف ويحدث ما يحدث سار اخيرا بخطوات مترددة حتى توقف أمام باب القصر ثم إتجـه نحو الحارس الذى يجـلس على احدى الكراسي الخشبية وهب منتصبًا حين رأه، وقال هو بجدية وحذر:- 

_ممكن لو سمحت تقول لي استاذ قاسم حازم عبد العزيز بره وعايز يقابله هو ومدام حوريه بخصوص موضوع شخصية ومهم 

عقـد الحارس حاجبيـه السوداويـن ثـم هـز رأسـه بـجـمـود ليـرفع الـهـاتـف لـ يـخبـره أنه بالخارج. 

فـي الـداخـل.

إحتـدت عينـا قاسم واشتعلت من لهيب وهو يضغط على حروفه التى يقطر منها الغضب الدفين الذى حل به عندما رآه من جديد أمامه بعد ما فعله:- 

_ممكن افهم اللي جاب حضرتك هنا ثاني هو البعيد ما عندوش دم ولا عاوز تضرب تاني انا مش عارف بس جايب البجاحه دي منين 

نظـرت حورية له التي كانت تقف بجانبه بأعيـن تحذيري وهي تهدر بأسمه في ضيق:- 

_قاسم ممكن من فضلك تهدي عشان نسمعه ممكن يكون في حد جريله حاجه عشان كده جاي

كـز على أسنانـه بغيظ حقيقي ثم تقـوس قاسم فمـه بابتسامة سـاخـرا مرددا:- 

_ومالقوش غير البيه دي يبعتوا ولا مش عارفين اللي عمله فيكي زمان انا مش قادر استوعب ازاي يجي هنا بعد اللي عمله فيكي

نظرت إليه بعيونها تشع خيبه الامل ولم تعرف ما الذى دفعـها لتجيبه صريحه وأردفت بكل طاقتـها الغاضبة تهتف مزمجرة:- 

_معلش يا قاسم في ناس برده بتغلط وبتفضل مصره انها ما غلطتش وتقاوح في الغلط، وسبحان الله نفس الناس دي برده بتعاقب غيرها على نفس غلطها

عقد حاجبيه باستغراب وقد بدء غضبه في الظهور، بنظرة قاتلة لن ينساها هو يومًا بالرغم من جمودها إلا أنه استطاع لمسها داخله بينما هـز قاسم رأسه نافيًا وبابتسامة باردة قال بعنف:- 

_صح بس لو كان الغلط بقصد زي ما انتي فاكره، بس طالما مش بقصد ولا في نيته يعمل حاجه زي كده يبقيله حق يعاقب غيره علي نفس الغلط 

رفـع حازم حاجبـه الأيسر بشك وهو ينظر لهم بدهشة من أسلوب الحاد بينهما لكنه لم يهتم ليقول مجيبًا بصوت مخنوق:- 

_ممكن تهدى يا استاذ قاسم انا مش جاي اعمل مشاكل لحد ولا في نيتي حد اذيه، ومع حضرتك حق في كل اللي انت قلته انا فعلا غلطت غلطه كبيره ومكنش ينفع اجي هنا بعد اللي حصل بس دي كانت وصيه جدي ومش قادر ارفضها 

اتسعت عينا حورية بدهشة وقلق ثم سألته سؤال لاذع حارق نسبةً لذلك المسكين الذي أصبح ينتظر رائتها ليخمد نيران ضميره داخله، ابتلعت ريقها ببطء تردد:- 

_جد وهو ماله في حاجه حصلت اتكلم من فضلك يا حازم بسرعه انا من ساعه ما عرفت انك جيت هنا وانا مش مطمنه 

تمسك بالصمت الذى اعتصر قلبه بقبضته لحظات، ثم ادرف بنبرة متألمة:- 

_هو بصراحه مش كويس خالص وتعبان قوي وانتي اكيد طبعا عرفتي من والدتك أنه اتقبض عليه في قضيه ظلم ومش عارفين نثبت براءه لحد دلوقتي،وحالته عماله تسوا مش مستحمل اللي بيحصل له على اخر الزمن وهو في السن ده عشان كده طلب مني ان لازم اروحلك واقول لك ان عاوز يقابلك انتي والدتك لانه حاسس انه خلاص بيموت! ومحتاج يشوفكم ضروري 

لن تتحتمـل حورية تلك الكلمات التي تحمل معنى الشناعة الفعلي فهي لن تقـف وتشاهد للمرة الثانيـة ينتشلوا منها أحد أقاربها ببساطة في البدايه والدها وتذوقت معني الفراق والآن جدها عتمان،و رغم عدم حب عتمان لها وأفعاله في الماضي المهـينه التي اختزنت لسنـوات داخلها لكنها اهتزت روحها إليه.

**
وصلوا بالفعل حورية ومعها والدتها وكان بالاسفل قاسم ينتظرهم بالسيارة واول ما خطت حورية خطوات وانصـدمه صدمه قويه عندما وجدت عتمان لتـراه مُلقـاه على الفراش بلا حول ولا قوه سقط قلب بدريه هي الأخري قبل جسدها وجحظـت عيناها بعدم تصديق فهذا الذي أمامها بالفعل عتمان الذي يمتلك قلب من حجر ويعامل الجميع بقسوة وعنف وغير متهم باحساسهم، فأصبح الآن اضعف مخلوق علي وجه الأرض، اقتربت منه بتردد حورية وهي تخفض جسدها في مستواه تناديه بقلق:- 

_جدو

لكن لا مجـيب، كان غايب في عالمه الخاص الذى بداء يسلب منه قوته الوهيه ثم جلست لجوراه وهي يصعب عليها تحديد ما تشعر به الان، ولكن يتمثـل في شرارات هلـع و خوف وبدأت تنده مره ثانيه عليه تسـرع في الاستيقاظ، واخيرًا بدءا يحرك جفنيه بتثاقـل حركته تلك جعلت أنفاسه تنتظم ولو قليلاً 
ونظراتها ترجوه قبل لسانها أن يفتح عيناه وبمجـرد أن رأى وجهها كانت رسالة له بأنه مزال علي قيد الحياة لهذا العالم، تبسم لأول مرة بوجهها ثم رفع يده يلمس وجنتـاها بملمس يده الخشنـة:- 

_حوريه قربي مني يا حبيبتي الحمد لله انك رضيتي تيجي انتي وامك ما تتصوريش فرحتي أد ايه عشان شوفتكم انتم الاثنين قبل ما اموت واقابل وجه كريم 

كانت تقف بدريه تتابع حديثه وٱرتكزت تلك الجملة التى قطعت نياط قلبها متفننـة في تسبب الألم الشنيع لها لتقول بنبرة حزينه:- 

_ماتقولش كده يا استاذ عتمان ان شاء الله ازمه وهتعدي على خير وهتطلع من هنا شد حيلك انت بس 

رفع عتمان نظراته الي بدريه ممتلئة بالألم الحقيقي الألم الذى نبع منه بوضوح وكأنه لا طاقة له لتخبأته بعد الان ليقول باستنكار:- 

_بتدعيلي من قلبك يا بدريه ولا بينك وبين نفسك شايفه ان ده العدل وربنا بيخلص اللي انا عملته فيكي وفي حوريه وابني أسامه الله يرحمه بيترد فيا دلوقت

عصفت بعينيها لتدميهـا بحزن تعمق منها كلماتـها نابعة من عقلها قبل قلبها قائله برفض وبصدق:- 

_ما تقولش كده هو انا هفرح في حد تعبان ولا اشمت في استغفر الله العظيم ربنا ياخذ بيدك ويشفيك وبدعيهالك من قلبي بجد أنت في النهايه جد اولادي وربنا يخليك ليهم 

كانت قلوبهم تقرع بفزغ حقيقي على حالته تلك، حالة جديدة يكتشفهم فيه ولكن أضغف واسوء همس برجـاء حار لأول مرة يجتاح نبرته الرجولية الجامدة:- 

_طول عمرك بنت اصول يا بدريه وتستاهلي كل خير سامحيني يا بنتي على كل اللي عملته فيكي زمان وسامحيني انتي كمان يا حوريه 

أمسكت حورية يده التي مازال يضعها فوق وجنتـاها تقبلها بسرعة ودمـوعها لا شلالات أقل ما يُقال عنها بحـق تتبعهـا شهقات متتاليـة وهى تقول بألم واشفاق علي حاله:- 

_ما حدش زعلان منك كل اللي عاوزينة منك انك تقوم بالسلامه وتبقى بخير 

نظـر عتمان داخل عينيها الحمراوتيـن وهو يقول فيها بحنان مفرط:- 

_عامله ايه في جوازك يا حوريه مبسوطه يا بنتي في حاجه مضايقاكي

اتسعت عينا حورية بعدم تصديق فهو لاول مرة في حياته يهتم بامرها ابتلعت ريقها ببطء تردد بجزع حقيقي:- 

_هاه اه كويسه تمام الحمد لله كل اموري ماشيه بخير ما تقلقش عليا خليك انت في صحتك اهم 

اخذ نفس عميق يهدي أنفاسه الأخيرة ثم هتف بصوت متقطع:- 

_مستغربه صح عشان اول مره في حياتي اسال عليكي اذا كنتي كويسه ولا لا؟ بس أهو ربنا بيخلص ذنب اللي انا عملته فيكم كلكم فيا الحمد لله على كل حال انا راضي بنصيبي دلوقت حتى لو ربنا خد بروحي دلوقتي، ابقوا افتكروني بالخير وادعوا لي بلاش تدعوا عليا وانا وصيت حازم يكون بدل مني الواصي عنكم ويشوف كل طلباتكم ولو احتاجتم في يوم اي مساعده ما يتردتش يساعدكم، بس أهم حاجة يكون وصي عليكم بجد ويعمل بصله الرحم مش يعمل ذي اللي انا كنت بعمله 
زمان فيكم

تنهد بعدها بصعوبة بالغة معلنًا إنهدام حصونه الروحانيـة تركهم الدافع القـوى للصبـر والبريق اللامع للإيمـان ليغمض عينيه ببطئ وكأنه وجد طوق النجاة وارتاح قلبه بتلك الزياره وشعر بنفسه يهوى في عرض البحـر وحده! 

وبعد مرور يومين تم إعلان خبر وفاة عتمان داخل مستشفى السجن وتكن هذه النهاية له، وكانت في نفس اللحظة تم إعلان بعدها مباشرة خبر براءته وانه لم يكن في يوم تاجر مخدرات! من الممكن حينها لم يتمتع عتمان بالحياة لكن ظهور براءته بين الجميع بين موته ستحافظ علي سمعته واسمه وإسم عائله بعد وفاة.

اما عن حورية الان فقط فهمت معني الأنهيـار ذاته ولكن لم تكن تتخيل حزنها علي جدها رغم قسوة قلبه يعنى لها كل هذا وأن كل هذا الالم والحب سيتدفقا منها معاها له فقط! ربما لأنه شعور فطـرى لم تشعر به يومًا نحو جدها ..وهى لم تكـن في وضع يسمح لها بالاقتراب منه أكثر من ذلك لكن حقا قد تسامحت معه وحاولت نسيان الماضي حتي لأجل مرضه وضعفه الشديد في لحظاته الاخيرة.

**
بداخل مكتب بالقصر عاد قاسم لحدته وهو يهتف مزمجر:- 

_ما خلاص يا جواد اتاسفتلي 50 مره وقلتلك مش زعلان انت مالكش ذنب في حاجه كله من الزفت اخوك الله يسامحه ويرحمه مطرح ما راح، وبعدين حاجه زي كده كانت لازم تتعرف برده وشكراً انك قلتلنا ،هو انت صحيح اخترت الوقت الغلط بس ادينا عرفنا وخلاص 

سارع جواد بالقول مسرعًا باعتذار:- 

_معاك حق انا اسف والله وندمت ندم عمري ان انا فتحتها في الموضوع ده وقلتلها بس انا برده مش هقدر انسى أن كان ممكن لقدر الله الطفل اللي بطنها يجري لي حاجه بسببي مكنتش هسامح نفسي طول عمري لو كانت حاجه زي كده حصلت أنا أصلا عرفت بالصدفه أنها حامل 

هـز رأسه نافيـًا وقال بإتـزان رجولى يليق به:- 

_هو الحمد لله كويس وحاجه زي كده لو كانت حصلت كانت هتبقى قضاء ربنا ما لكش ذنب فيها ممكن بقى نقفل على المواضيع دي، قولي صحيح ناوي تعمل ايه بعد ما البنك حجز على الشركه والقصر

تنهد جواد متذكر رحل الجميـع والسبب موجع بحد مؤسف، ماضي عائلته المشؤومة الذي تاذي الجميع منهم وقطـع سيل الذكريـات صوته الأجش وهو يهمس:- 

_هو انا عرضت العزبه بتاعه جدو الله يرحمه للبيع واستلمت مجوهرات ماما من يومين بس بفكر ابيع كل دول واشتري القصر حتى وافك الرهنيه، ولا انت ايه رايك

هـز قاسم رأسه نافيًا ومن ثم قال بجدية:- 

_عاوزه رايي فعلا بلاش الفكره دي مش هتقدر تعيش في القصر لوحدك بعد اللي حصل وهتفضل فاكر كل التفاصيل اللي حصلت فيه، بلاش احسن ووفر فلوسك لحاجه ثانيه

رفع حاجبه الايسر بتفكير ثم إتسعـت حدقـتا عينـا جواد وهو يرمق شقيقه وحالة الضعف الذى اجتاحته مؤكد لم يتحمل أن يقيم بالقصر بعد ما رآه فيه ولم يستطيع العيش فيه بمفرده عقله لم يكن بمكانـه، سرح بين طيـات الماضـي الذى لم يجلب له سوى الألم:- 

_معاك حق بس القصر كان في ذكريات كثير لينا عشان كده كنت حابب اشتري، بس في نفس الوقت لو اشتريت القصر هاكل واعيش منين 

رفع قاسم رأسه بهدوء وأخـذ يربـت على كتفه برفق:- 

_عشان كده بقول لك بلاش اسمعني انت ممكن بالفلوس اللي معاك تبدا تفتح شركه صغيره وتبدا من جديد وانا هسندك واعمل لك دعايه وما تقلقش ان شاء الله كل حاجه هتتحسن بس حاول انت تجتهد شويه وتيجي على نفسك وتشتغل بجد المره دي

تطلع جواد فيه بحزن شديد وهو يقول بصوت مهزوز:- 

_مش عارف اقول لك ايه متشكر بجد يا قاسم طب موضوع الشغل وحليناه هقعد فين ما هو مش هينفع اقعد هنا على طول

برغم إهتـزاز بسيطة شعر بها امام قسمه الجامد، إلا أنه اخفاها وهو يتابع بحنق:- 

_انا مش هرد عليك وقلتلك بدل المره الف اقفل على القديم وانسى عشان نعيش وهتفضل هنا في بيت اخوك ،لحد ما تبدا الشركه تكبرها ان شاء الله بمجهودك يبقى معاك فلوس تبقى تشتري بيت ساعتها
صغير ليك، واتفضل بقى عشان ورايا شغل ومش فاضيلك

خرج جواد من مكتب قاسم وذهب إلى الأسفل نحو المطبخ ليجد هاجر تقف أمام البوتاجاز تقلب طنجره الطعام فوق عين الاشتعال، إلتفتت له تطالعه بعينيها التى اشتعلت وميضها في ثوانى وهي تقول بحيره:- 

_خير محتاج اي مساعده يا استاذ جواد 

تقدم بعد دقيقة منها حاملاً بيده براد الشاي وتقف بجوارها وبدء في التحضير تحت نظراتها المتعجبـة أهو مجنون أم حنـون الفارق نقطة لا تفهم ماذا بة، حاولت تتجاهل إياه وتكمل في تحضير الطعام وفجاه نظـر في عينيهـا بقوة وتابع:- 

_مش مستاهله استاذ كفايه جواد بس وبعدين مش كان ده كلامك انتي مش شغاله عندي عشان لازم تحطي القاب لما تناديني، وانا كنت محتاج كوبايه شاي بس انا اللي هعملها بنفسي كملي اللي انتي بتعمليه ما تشغليش نفسك بيا

وكأنها استشف ما يدور بخلده فأرادت معرفة تلك الاجابة وحركت لسانها بصعوبة تقول بتوتر:- 

_اخبار جروحك ايه عرفت تعقمها كويس 

أبتعد عن البوتاجاز قليلا و وقف مقابلها يقول لها بهمس:- 

_بصراحه ماليش خبره في الحاجات دي بس حاولت، شكرا لاهتمامك الكبير

عقدت حاجبيها بدهشة كلماته داعبت مشاعرها المحصنـة بسلاح التهديد للأختـراق والتوغل داخل خلاياها معه حق لماذا اهتمت به من نفسها دون انتظار أحد يأمرها بالطلوع له ولكن فعلت هى معه ليس بالمثل، وكأنها تذكرت فاستطردت بجدية شابتها الحدة:- 

_ما قلتلك مش مهتمه ولا حاجه بسال بس من باب عمل الخير 

كان قناع الحب واهى امام عينيه لترى هي ذلك بوضوح ليهمس هو بابتسامة غريبة:- 

_اه ما انا واخذ بالي ،مش انا برده سالت استاذ جمال هو طلب منك تبعتيلي شنطه الاسعافات ولا لا بس غريبه قالي ولا قلتلها حاجه ولا شفتها اصلا، عشان كده شكراً جدا مره ثانيه على اهتمامك وانك اهتميتي بصحتي وطلعتيلي علبه الاسعافات من نفسك كمان 

تجمدت مكانها بصدمه ثم جزت علي أسنانها بغيظ وإحراج شديد تلعن غبائها داخلها، ثم رفعت مقلتيها محدقـة به ببلاهـة فطرية في موقف كهذا هل علم بالحقيقة بالفعل وانها هي من نفسها صعدت إليه بحقيبه الإسعافات فقد حزنت عليه عندما رأته يتألم وحيد دون مراعاة من أحد له، لم تستطيع الرد عليه ولا النظر إليه من الخجل.. لكن قلبه الذى رفرف بأنتصـار أكد لها عينـاه ونظراته الثاقبة أكدت لها ،دقاته التى تشعر بها بصخب لتشعرها أنها على وشك التوقف كلها دلائـل مؤكدة على ما فعلت لتوه، ولكن ماذا عنهـا!؟ هل ستقع له ام وقعت له بالفعل؟. 

**
بعد مرور اسبوع.

بداخل غرفه جمال دلف الغرفه بخطوات بسيطة ثم تفاجأ بأن زوجته بدريه تقف أمام الخزانه ترتب ملابسها او تاخذها حتي تضع في الغرفه الأخري مع طفلها اسامه التي أصبحت منذ فترة قصيرة تنام هناك معه وتاركة زوجها هنا بمفرده لم يركز جمال في ما تفعله لكن عرف أنها مازالت مستمرة في التجاهل والخصام.

رفعت هي مقلتيها ونظرت إليه بملامح متعبه بارهاق بينما يقـف هو يتابعها بهدوء تـام، وبملامح باردة خالية من اى مشاعر كالصدق مثل ما هي أصبحت تفعل لا تهتم لأمره فقط كان يرغبه وبشدة أن ينتهي ذلك الخصام الذي ليس له علاقة به ولكن اثـار حنقـه وجعله اراد خنقهـا هو وركضه خلف غطـاء البعد والخصام جـز جمال على أسنـانه بغيظ ثم استطـرد جمال بملامح حاول ألا تبدو واجمة:- 

_اسف ما كنتش اعرف انك هنا اتفضلي خذي اللي انتي عاوزه براحتك واعتبريني مش موجود 

هزت راسها بدريه بمعني لا علية لتطلع بجمودها الزائف ثم تابعت بثبات مصطنع:- 

_المدارس هتبدا من اول الشهر وكنت عاوزه اقدم لي ساجد مش عاوزه حاجه تفوته ولا يتاثر باللي حصل كفايه موت جده تعبه ياعيني عشان كان متعلق بي قوي يا حبيبي.. المدرسه اللي كان بيروحها هناك عند جده بعيد عن هنا وكنت عاوزه واحده اقربلي انا دورت هنا واخذت فكره عنهم بس قلت استاذنك قبل ما اروح 

عقـد جمال ما بين حاجبيـه وقال بضيق:- 

_تمام يا بدريه ابقي فكريني بالميعاد وانا هاروح معاكي ومتقلقيش عليه مع الوقت و الانشغال حواليه هيعرف يتجاوز المرحله دي وينسى هو بس عشان الصدمه صعبة عليه وعشان سنه الصغير كمان، المهم حاولي انتي وحوريه ماتبينش زعلكم قدامه حتى عشان ما يتاثرش اكثر 

نظرت إلي جمال وهي تشعر بالضعف والاحتياج مثل جـرح أخـر يضـاف لجروحهـا الخالـدة لتقول بنبرة بكاء:- 

_مش عارفه هالاقيها منين ولا منين يا رب حلها من عندك، الشيلي عماله تكبر عليا لوحدي وحاسه أني مش قدها 

ملامحهـا وبكاءها وألمهـا أشيـاء تقودها بحبال متينـة نحو حافة الاستسلام تنهد جمال بيأس وسار متجهًا إليها وهو يقول بحنان:- 

_ما تقوليش كده أنتي مش لوحدك وانا رحت فين بس مش هسيبكي وهفضل جنبك وكل ده هيعدي ان شاء الله على خير بس محتاج منك الصبر بس والايمان بربنا وانا اكيد مش هيسيبك ولا ربنا هيردك مكسوره الخاطر 

مسحت دموعها بهدوء وتطلعت فيه بأعيـن حمراء من البكاء ثم ابتلعت ريقها بهدوء وهمست برجـاء حار:- 

_ونعمه بالله يا رب.. اتغديت ولا لسه عشان ساجد من الصبح مش عاوز ياكل حاجه فقلت نعمل غداء لينا كلنا عشان نفتح نفسه على الاكل ويرضي ياكل 

بالرغـم من أن كلماتها المتألمة حركت شيئً ما بداخله إلا أنه تغاضى عنه وهو يهتف ببرود حتي لا يطعن رجولته من أجل حبه لها:- 

_ماشي روحي انتي اعملي الاكل وانا هحاول معاه اطلعه من الاوضه.. بس خلصي الاول الحاجه اللي كنتي جايه تاخذيها 

صمتت بدريه لحظات قبل أن تنهض وتعدل حجابها الموضوع بشكل عشوائية أعلي رأسها بتوتر شديد وقالت بخفوت:- 

_انا خلاص خلصت بس انا ما كنتش جاية اخذ حاجه انا كنت برجع الهدوم اللي اخذتها من الاول عشان لما ابات هنا محتاجش اروح هناك اجيبها.. آآ عن اذنك هاروح احضر الغداء 

وكأنما قلبة السعيد استجاب النداء لكلماتها لتشـرق عينيه بشمسه المشعشعة معلنـة عن بدء رحلة جديدة أخيرا مع من يحب وقد تكون مفعمة بالفرح! وبمجـرد أن رأت وجهه يشع سعاده تلونت وجنتاها بحمرة فهي قد بدات بالفعل تلين للمسامحه 

لتعيش حياتها التي لم تبدا معه وتنسى ما فات، رفعت جفنيهـا لتلاقي عينـاه المبتسمـة نعم المبتسمـة فعيناه فعليًا كان يشع منها شعاع سعاده وفرح ..هانئ مرتاح واخيرًا !! 

**
خرج قاسم من غرفته في منتصف الليل تحرك قاصد غرفه حورية وتوقف أمام الغرفه عده لحظات بتردد قليلا ثم أخذ نفس عميق وهز راسه بضيق ثم دلف الي الغرفة ليجد حورية تقف أمام الخزانه تاخذ منها ملابس ويوجد حقيبه علي حافة الفراش تضع بها باقي الملابس الخاصة بها! لم يكن يحتاج الأمر إلى تفكير كثير ليعرف ماذا تنوي وهو الرحيل! تقدم منها بخطوات غاضبه وعقد حاجبيه بدهشة وقلق لكنه إصطنع عدم الفهم قائلًا بحده:- 

_حوريه انتي بتعملي ايه، وايه الشنطه دي يا رب اللي في دماغي مايكونش صح

توقفت حوريه عما تفعله ورفعت راسها للأعلي تنظر إليه بشرود والحزن يزين ملامحها ببراعة ،تنهدت بحرارة تستعد لاستقبال الحرب التي سوف تخوضها الآن هاتفة بهدوء مفتعل:-

_لا إللي في دماغك هو اللي صح يا قاسم انا همشي خلاص واروح بيت جدو الله يرحمه، مش هقدر اقعد اكثر من كده هنا وهقعد اصلا ليه ما خلاص مابقاش ينفع 

تطلعت فيها بأعين متسعة بذهول وصدمة لا يصدق استسلامها الغير مبرر بالنسبة له ثم اقترب منها يمسكها من ذراعيها بقوه من مكانها صائحا:-

_هو ايه بالضبط اللي ما بقاش ينفع هو انتي بتتلككي وخلاص عشان تسيبيني انتي اما صدقتي، انا قلتلك اللي فيها وحكيتلك كل حاجه وانتي صدقتيني يبقى ايه اللي جد دلوقتي عشان تمشي وتسيبيني

أغمضت عينيها حورية بألم بذراعيها ثم فتحت تنظر إليه بحسرة من مرارة الأيام الذي عاصرتها ثم قالت:-

_اللي جد ان احنا لازم نحط حد لي علاقتنا بعد كل اللي حصل مش هنفضل كده على طول كل واحد في حته مستني الثاني يحن، وانا مش بذل فيك زي ما انت فاكر بس صدقني يا قاسم ما بقاش ينفع بعد كل اللي حصل نكمل مع بعض مش هقدر حقيقي 

وكأن بحديثها ذلك طعنت جراحه الغير ملتئمة بعد ليكسو الألم ملامحه يمنع قناته الدمعية من الإنفجار عله يخفف وجع قلبه الذي اشتد طالبًا الرحمة به ولم يعي بنفسه سوي وهو يصرخ بأعلي صوته:-

_وهو مين اللي مش عاوز يحط حد لعلاقتنا انا ولا انتي مين فينا اللي عمال يتحايل ويجي على نفسه ويستحمل كلام زي السم ويجيب الغلط كله عليه ويسكت مين اللي مستعد يعمل اي حاجه عشان ترضي وتنسى وتسامحي انا ولا انتي، يا حوريه هتنازل اكثر من كده ايه واعمل لك إيه عشان تكملي 

هزت راسها بعجز ودموعها تهطل بانسيابية هاتفة:-

_خلاص انت اللي بتعمل كل حاجه وانا بفضل ساكته ولا بحاول اتنازل واجي على نفسي ذيك عشان نكمل، بس مش قادره.. مش قادره اسامح ولا انسى اعمل ايه حاولت والله العظيم حاولت ومش قادره 

أنهت حديثها تمسح دموعها بعنف هادرة بحزم موجه حديثها نحوه وهو فقط يراقبها بملامح جامدة:-

_أنا ما كانش ينفع احب طالما بضعف بالطريقه دي انا لما بحب ببقى ضعيفه مبعرفش افكر و مبعرفش اشوف كويس ببقى مكشوفة من أقل كلمة وبقع وبخسر كل حاجة، في ناس حظها كدة مينفعش تحب، لما بتحب بتموت وانا باموت في الـ 1000 مره بسبب الحب ده 

كان يقف متجمد صامت من حديثها لا يصدق بسهوله هكذا تريد الرحيل وتحرمه منها بينما عيناه تحكي الكثير من الألم والقهر، نفض يدها عنه بعنف يصيح بقهر:-

_في الحل من وجهه نظرك ان احنا نبعد ونفترق مش كده ،هو ده اللي انتي شايفه بقي صالح لينا

أرتبـكت من الأجابـة، نظرت للأرض تبلل شفتاها الكرزية وهي تشعر كأنها تتلقي المقابل سهم حاد يخترقها قلبها يدق بصخب قوي غير قادرة عن تهدأته،همسـت بصوت امتلأ بالرهبة:-

_أنا مش هينفع أخليك تستنى مني حاجة أنا مش هعرف أديهالك لو اللي حصل كان قليل أو الوقت كان فيه شوية عدل كان زمانك دلوقتي أحسن حاجة حصلتلي في حياتي.. قاسم افهمني انا مش عاوزه اعذبك معايا انا بعمل كده لمصلحتك ومصلحتي

كان يقف مدهوشـة منها تبلـد جسده بثبـات ولمعت عينيه ببريق مهدد بالأنفجـار أقل ما يُقـال عنه في هذه اللحظة أنها صـنم حجرى ثابت يحاول استيعاب أنها أصبحت تمتلك قلب قاسي وغير مباليـة بحبيبها بالرحيلها عنه ماذا سوف يحدث له؟ فهي تنقسـم لأشـلاء متباعدة كل البعد عن بعضهم.. كل جزء يرغب في ماسة مختلفـة وكل ماسة ترغب بجزء اخـر عقلها مشتت بكيفية جمع الاثنـان رغبتها بالرحيل أم التسامح، صرخ الاخر بنفاذ صبر بحدة:- 

_وانا مصلحتي ومستقبلي معاكي يا غبيه انتي، ليه مصممه على شويه الاوهام اللي في دماغك تسمحي ليهم يلعبوا في دماغك وتفرقينا

لم تستطـع التعبير عن كم المشاعر المختلطة التى تجيش صدرها بين ضلوعها تكاد تختلع من كثرة عدم احتمالها، المشاعر والمشاعر الحزن والألم ألم يكفـي كل هذة الأيام الصعبه التي عشتها وهو يزيد همهـا الآن، أم هذه دعوة صريحة من القدر أنه لن يتركها تحظى بهدنة صغيرة يدميها الحـزن ويحتل قلبها بجدارة منازع منها السعـادة، هتفت بصوت كي سوط أمام سوط بخيروها بأى واحد ستُجلد:- 

_عشان مش هقدر انسى يا قاسم وعشان ما بقيتش احس بالامان ذي الأول وعشان مش هقدر انسى كذبك عليا ولو حاولت مجرد ما اي حاجه تيجي قدامي هتفكرني، الموضوع بقى صعب يا قاسم صدقني.. كفايه اسامه ده لوحده اكبر علامه هتفضل في حياتي تفكرني باللي حصل.. احنا كنا اخر اثنين اصلا ممكن نكون لبعض 

غضب واتسعت حدقتيـه وصرخ فيها بصوت عالى بتحدي قوي:- 

_بس غصبا عني وعنك الوقت جمعنا وبقينا لبعض 

سيطـرت على إنفعالاتها بصعوبة، واجابتهـا بنبرة غُلفـت بالبـرود بمهارة:- 

_لازم تعرف يا قاسم إن اللي تحبه مش هيفضل قاعد معاك طول العمر، الدنيا فراق ولقاء واحنا شكلها حكايتنا هتنتهي لحد هنا يا قاسم

هـز رأسه نافيًا، وتجمدت ملامحه وهو يستطرد بخشونـة:- 

_واحكم على قلبي ازاي يا حوريه يستحمل الفراق 

شعـرت بعينـاها تزوغ رغمًا عنها لعينـاه السوداء الحـادة تتالم ولكن بالرغم من قوتهما إلا انها لمست فيهم الكسـرة وهمست بتوتر:- 

_اكيد هتقدر وانا كمان هقدر الموضوع بس محتاج مننا شويه وقت، وانا طالما قدرت اخذ القرار النهارده يبقي عديت مرحله كبيره وهقدر اتجاوز اللي جاي، يبقى انت مش هتقدر 

إبتسم بجانبية يسخر من حديثها في نفسه ثم مطّ شفتيه بعدم إكتراث مصطنع يهتف:-

_لا إنتي مقدرتش يا حوريه 

تجمـعت شتـات نفسها المبعثرة وظلت ناظرة للأرض تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها قبل أن تنكشف أمرها أمامه ثم هتفت متلعثمة:- 

_لا قدرت يا قاسم والدليل ان انا واقفه قدامك دلوقتي بشنطته هدومي

ضحك بصخب وسخرية كبيرة جليه علي ملامحه يهز رأسه بعنف لتتبدل ملامحه فجأة يحل محلها الجمود هاتفّا بتحدي:-

_وانا بقول لك ماقدرتيش كل اللي انا شايفه قدامي دي حقيقه مزيفه وانتي عماله تدوسي على نفسك وتتمسكي عشان ما تظهريش قدامي وتنهاري.. والدليل عيونك اللي بتلمع بالدموع دلوقت قدامي وأنتي مش قادره عليها يبقى هتقدري على الفراق يا حوريه 

وضعت يدها علي قلبها تحاول نزع الألم عنها لكن دون فائدة فـ قوه الألم والخزه واهية أمام قوتها الضعيفة وكأنه أحد وضع خنجر بقلبها عدة مرات حتي أن كلماتها ذات نفسها ترددت بين مسامعها لمرات فيبدوا أنها ستلازمها كثيرًا ليحل الألم والقهر ملامحها متقهقرة الي الخلف تجر خيبات الأمل والخذلان ثم أردفت كلامتها الأخيرة تضرب علي موضع قلبها بقهر وهي تبكي:-

_عادي انا ماعرفتكش في يوم وليله عشان انساك في ثواني وكل ده هيتمحي مع الوقت فـ ارجوك ما تصعبهاش عليا أنت كمان 

جـز قاسم على أسنـانه بغيظ، بالفعـل الفراق سيكون مثل الحاجز الذي لم يستطع أنيتخطـي يومًا، لم يستطـع كسره بقوة بالرغم من الهالات المجمعة حوله محاولةً لكسـره تأفف متابعًا بألم حاول اخفاؤوه:-

_ده اخر كلام يا حوريه مصممه برده تمشي وتسيبيني خليكي فاكره لو اخذتي القرار ده احتمال كبير مش هيبقى فيه فرصه ثانيه لي حياتنا

تطلعت فيه بسخريـة شعرت بنفسها تحلق في سمـاء ممتلئـة بالأوهام الكأبة والحـزن، كـان هو ينتظر منها نظرة ليروى عطشه منها، ولكنها الان هى من تبعد ولا تريد لرؤيتـه،لم تهتـم لكل تلك الأفكار التى تداهمها وهتفت بوجه هادئ لا يحمل في طياتـه اى شيئ وكأنه لغز صعب الفك:- 

_مافيش اصلا فرصه اولانيه يا قاسم عشان يبقى في فرصه تانيه 

صـرخ فيها قاسم بحدة تجلت في نبرتـه المتحشرجة:-

_ليه عاوزه تعملي فيا كدا؟ أنا ممكن كنت استحمل اي حاجه ان شاء الله كنا نفضل كده كل واحد بعيد عن الثاني شويه ونرجع، كنت ممكن استحمل كمان وجع منك.. أو أنانية.. أو شك..إنما ما تقوليش فراق.. ما تقوليش فراق يا حوريه مش هستحمل ليه عاوزه تعملي فيا كده؟

صمتت حورية ثواني وكانت خلايـا جسدها المتألمة تشعرها بعدم الأمان عند البعد ومع ذلك أصرت علي ما تريده لم تنسي يومًا ذلك اليوم الذى أُصيبـت فيه بأبشع الحقائق، كان وجهها متجهمًا شاحب، نظراتـها زائغة وعينـاها لامعـة بدموع قهرية دموع لو سقطت لأحرقـت كل شخص لوث بذلك العشق وجعل الايام التى من المفترض احلى ايامـها عبارة عن كابوس من الماضي يلاحقـها يوميًا ودائما وسيظل كذلك حياتها عباره عن تجارب سيئه دون رحمة:- 

_أنت اللي عملت مش أنا.. من فضلك سيبني أمشي

أمسك يدها بضعف يقول بلهفة وصوت متحشرج من كثرة صياحه وألمه:-

_مش هعرف.. صدقيني مش هعرف عشان هبقي لوحدي تاني وأنا مش عاوز أبقي لوحدي تاني علشان أنا علي طول كنت لوحدي! وحياه اولادنا يا حوريه فكري مره ثانيه 

سحبت يدها بهدوء تقول بجمود عكس قلبها الذي يدمي:-

_وحياه اولادنا يا قاسم ما تضغطش عليا وسبني امشي 

غضب قاسم بشده تحت انظاره تلك التى سُميـت بنفاذ صبر من تلك حبيته رهيفة المشاعر، ولكن اى مشاعر هذه مشاعرها كالصخر بين جنبات قلبها الذى ينبض بهدوء دون احتجاج على ما يحدث وكأنه اعتاده مؤخرًا علي الجرح والاستسلام دون مقاومة بالحياه للنجاء! وكا أي رجل شرقي تألم لأجل كرامته اكثر من ألم القلب وتحدث اخيرا بغضب وثبات مصطنع:- 

_تمام يا حوريه مش هقعد اتحايل عليكي كتير واتنازل عن كرامتي اكثر من كده قصاد ولا حاجه

أغرورقت عيناها بالدموع محاوله التمسك وقد حملت حقيبتها وهتفت بنبرة علي وشك البكاء:- 

_هتسيبني امشي خلاص

قالتها بروح التى شوهـت مسبقًا غرة اخرى وكأنها تتأكد أن تلك المجروحة ما هى إلا سواها تلقلقـت الدمـوع المتحجرة فى عينيهـا البنية وهى تتذكـر كل ما مـرت بيه، ألم فوق ألم تعجـز عن إيقافـه حتى شعـرت أنه خُلـق لها فقط. 

صوتها كان في رجاء بالتمسك لكن مع ذلك لم تتحدث وتتمسك برأيها وتكسب القلب، ثانية اثنـان ثلاثـة ..بدأ قلبه يدق بصخب وقـوة شعر أنه سيقف بسببها حتمًا، وهاجمته سيل الذكريـات الذي عاشها بدونها وكأنها بقرار الفراق ذلك سوف تعيد زراعة ذلك الألم مرارًا وتكرارًا بداخله مثل فلاش بــاك لا ينتهي! هتف بحسم قائلا بجدية:- 

_لا يا حوريه مش هتمشي ده مكانك مع اولادك وبيتك ما تسيبهوش مهما حصل، بس انا اللي لازم امشي وخليكي انتي

لتقع عيناها عليه يتقدم منها ببطئ والجمود يسيطر عليه بينما هي تتأمله بضعف يقترب منها ليسحب الحقيبه من يدها بعيد أمامها وعيناه مثبتة عليها وما كادت تتحدث حتي إمتدت يده لتحتل فمها يضغط عليه بقوة لتصمت، إنتفضت بارتجاف من لمسها المفاجأة ثم كان اليأس والرفض يتأجج من عيناها دون ذرة رحمة كأنها تجردت منها، إنسدلت دموعها بضعف وقلبها يدق بعنف لتشعر بنغزة قوية بها تكاد تختنق منها غير إنحباس أنفاسها وحاوطتها ضربات قلبها تنخفص رويدًا رويدًا وما زالت دموع وجهها ظاهرة أعلي ملامحها الشاحبة.

شعر بخنجره الحاد الموضوع بقلبه قبلًا أنه ينغرس غائرًا بين ثنايا قلبه يتعمق الي الداخل ولكن هذه المرة بيد محبوبته شعر بقلبه ينشق الي شطرين وعلي رغم ذلك ظلت ملامحه جامدة وهو يقول:-

_انا إللي كان المفروض كنت اخذت الخطوه دي من الاول ان ابعد واسيبك.. اشوف وشك بخير يا حوريه ماحدش عارف هنتقابل مره ثانيه ولا لاء، بس هكون عندي امل عشان خاطر اعرف اعيش من غيرك الايام اللي جايه

نظرت إليه بصدمة فكانت نظراتها مثيلة لنظراته عندما رجع خائب الوفاض وشعر شعور متألم بشده وهو أنه عاد يتيم مره أخري دون عائله ولا ملجأ!! أما هي فرجعت خائبة الوفاض تاركة قلبها لديه ينزف بجانب قلبه

زاغت عيناه بعدم تصديق لما قاله حتي أنه لم يصدق ما وصلوا إليه هما الاثنين بعد معاناه وعشقهم إلي بعض الكبير والان تحطمت الاحلام وجاء الرحيل دون وداع، فهو أخذ القرار بدل منها لان يود الهروب بالفعل بعيدًا لكن لا يعرف الي أين اللجوء..!! فـ هي كانت عائلته الجميله وهو أصبح شعورها بالأمان فبدون ذلك الأمان لا توجد عائله سيصبح مجرد سراب لا اكثر!

رحل قاسم بخطوات جامدة إلي الخارج واغلق الباب خلفه بعنف شديد، اما عن حورية قد بدأت تشعر بألم أخـر يضـاف لجروحهـا ولكن هذه المرة بنكهة مختلفة ألم لم تكن لها يـد به صدمة خلف الاخرى تجعل جسدها يتبلد اكثـر ولكن ازداد الألم الشديد لتفيق علي دماء غزيرة تتساقط تحت أقدامها؟؟ لتفهم علي الفور ما حل بيها لكن لا!!! يكفي لن تعد تتحمـل ألم أو صدمة اخـرى ولن تتحمل ضغطًا من القدر أكثر فـ صدمة واحد أخري الفاصل بينها وبين هذه الحياة. 

كانـت الدماء مزالت تنزف منها قبل أن تفقد وعيهـا وتقع مغشيةً عليها غير عابئة بالارض الصلبة اسفلها الذى استقبلتها بصدر رحب اهون من تلك الصدمة الاخيره التي حلت بها الآن فـ طفلها الثانيه يفارق الحياة قبل أن يأتي إلي الدنيا التي لم ترحمها مطلقاً.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close