أخر الاخبار

رواية موت علي قيد الحياه الفصل الثالث3 بقلم خديجه السيد


 رواية موت علي قيد الحياه الفصل الثالث3 بقلم خديجه السيد


ابعد وليد يده الشاب الممسك بالسكينة بحده ثم صعد إلى سيارته بهدوء دون حديث وإدار السياره ..ابتسم الشابين بانتصار تحت أنظار ليلي المصدومه لتصرخ ببكاء مريره وهي تشعر بأن الشابين يجذبونها بعنف الي داخل الغابه مره ثانيه ليعودوا الي الجراچ .. 

شعرت ليلي بكامل جسدها يرتجف بعنف من شدة الذعر تراجعت برأسها بعيد عن يده التى لازالت تمسك بها ثم تحسس شفتيها بشهوة وهى لازالت تنتحب بشدة ,شفتيها المرتجفه وعينيهم تلتمع بالشهوة ابتسم أحد منهم قائلاً: مش قلتلك يا حلوه ما حدش هيقدر ياخذك مننا .. كان لزومه ايه بقي الشو اللي عملتيه .. حتي الوحيد اللي وقف ليكي في الطريق طلع جبان وسابك ومشي 

ليقول الأخري الذي يحمل سكينه هاتف بنبرة حاده: هتيجي معانا بالذوق ...و لا تحبى نخلص عليكى هنا..؟!

تمتمت ليلي بصوت مرتجف محاوله السيطره على رغبتها فى الصراخ: لا ها...هاجى معاك... هاجي خلاص

ابتسموا بانتصار الشابين ثم جذبها أحد متجه بها نحو الجراچ إلي سيارته اخذت تتبعهم ليلي بخطوات بطيئه متهالكه وهى تشعر بروحها تكاد ان تغادر جسدها...

لتقف فجاء وهم يطلعون إليها بشراسة ليقترب منها أحد منهم قائلاً بحده: وقفتي ليه ثاني يلا مـ..... 

قبل أن يكمل جملته كانت ليلي ترفع أحد رجلها لتضربه تحت الحزام ليصرخ بقوة متألماً قامت ليلي بدفع الأخري بقوه نحو جزع شجره ليرتطم جسده بها بحدة مما جعله يصيح بشراسة وهو يسب و يلعن اياها الأخري: يا بنت الكلب ....و دينى ما هرحمك..هموتك يا الـ***.........

لكن ليلي لم تنتظر سماع باقى جملته ركضت سريعاً نحو الطريق تجر ساقها المصابه و هى تلهث بالم لكنها تجاهلت هذا الألم ألتفتت ليلي تنظر خلفها لتري بأنهم يحاولون النهوض بصعوبة وحاده وركض أحد منهم خلفها سريعاً والاخري أيضا نهض هو يصيح بالم... لتشعر بروحها سوف تغادر جسدها وهم علي وشك الامساك بها و قريبين منها وقفت علي أول الطريق تشهق شهقاتها حاده وبياس ناظرا في السماء تدعي ربها أن تنجي منهم .... 

نظرت حولها لعلي تراه أحد ينقذها منهم وهو علي بعض أمتار قليلة منها .. لتحرك جسدها تركض مره أخري بألم حتي ظهرت أمامها سياره لتجد نفس الشاب الذي أوقعت عليه القهوة في المستشفى والذي تركها ورحل ! اتسعت عينيها بصدمه من وجوده مره ثانيه ماذا يفعل حتي صاح بها بقوه: انتي لسه هتتصدمي اركبي بسرعه 

ابتسمت ليلي بسعاده وهو يفتح باب السيارة لها هزت راسها له بالايجابي بلهفة وصعدت الى سيارته لينطلق بها بسرعة مبتعدا عن ذلك الشابين الذى كان لايزال يركضون ليقع واحد ارض يتعب شديد واجهاد ويصيح الأخري بغضب شديد أن يوقف السياره .. لكن وليد لم يرد عليه وظل يقود السيارة بسرعة حتي أبتعد عنهم ....
__________________________________

بعد نصف ساعة مزال وليد يسوق سيارته حتي أبتعد اطلاقا عن ذلك الشابين وهى تجلس جانبه تنتحب بشدة حتى اصبحت الرؤية امامها ضبابيه من كثر البكاء هتف وليد بعصبية مفرطة: ما بطلي عياط بقي صدعتي دماغي .. دلوقتي بس فاكره تعيطي و زعلانه ! كان اللى وديك ليهم من الاول 

كانت ليلي جالسه تنتحب بجسد مرتجف ولم تجيب ليكمل بقسوة ناظر بطرف عينه منها بعينين تلتمع بوحشية: مش محتاجه رد يبقى كلامهم كان صح وانتي كنتي جايه من الاول بمزاجك معاهم ! بس يا ترى بقى اللي خلاكي ترجعي في كلامك إيه؟؟ ما عجبتنيش الفلوس اللي دفعوها ولا هما ذات نفسهم ما عجبكيش ؟؟. 

ليلي تمتم بصوت متقطع ضعيف من بين شهقات بكائها: ليك حق تقول اكثر من كده كمان ! ما هو اللي ايده في الميه مش زي اللي ايده في النار .. 

ابتسم وليد بمرارة وهتف ساخراً بشده: ايه هتقولي الاسطوانه اللي دائره اليومين دول .. أنا بصرف على اخواتي وامي تعبانه مش لاقي حق العلاج وابويا طلقها راح اتجوز واحده ضحكت عليه وخلص فلوسه كلها عليها ..مش كده ما هي أي واحده تغلط وما تلاقيش مبرر لنفسها؟؟ لازم تقول كده وتطلع نفسها هي الصح واللي حواليها ذئاب بشريه !! 

ابتلعت ريقها بضعف وتجاهل ذاك الجالس بجانبها يراقبها بعينين تلتمع بالقسوة بينما الاشمئزاز يرتسم فوق وجهه قائله: انا ما قلتش ان اللي حواليا هما السبب في اللي انا فيه بس ساعات الظروف تجبرك تعمل حاجات انت مش عاوزها .. 

قال وليد بحده و وجه محتقن بالغضب والقسوة: ظروف اللي بتخليكي تشتغلي شغلانه ذي دي وتبيعي نفسك وتخلي اتنين زباله زي دول يبيعوا ويشتروا فيكي .. ما فيش حاجه اسمها الظروف اللي بتخليني اعمل كده احنا اللي بنعمل كده في نفسنا .. 

شعرت ليلي بكلماته تلك كخنجر حاد ينغرز فى قلبها يدميه بقسوة خاصة عندما رأت احتقاره لها يلتمع في عينيه بوضوح.... هتفت بانكسار و خوف: انا مش مبسوطه من اللي انا فيه و نفسي ابعد بس مش عارفه .. لما لقيتني بجري منهم ما اعرفش فجاه كرهت نفسي وكرهتهم و ما بقتش عاوزه اعمل كده ثاني , مع اني عارفه و متاكده في حاجه هتجيبرني اعمل كده ثاني .. معاني والله العظيم ما عاوزه أبقي كده ؟!! 

قال وليد بنبرة بارده كالصاعيق ارسلت رجفه بداخلها: لو ندمانه فعلا وعاوزه تتوبي هتلاقي 100 حل .. بس اللي زيك للاسف مش بيدوروا  على الطريق السهل وبس .. مش عاوزين يتعبوا ... 

أوقف السيارة فجاه واخفضت ليلي رأسها بخجل شاعره بالاهانه من كلماته القاسيه ليكمل و هو يراقب بعيون حاده وجهها الذى شحب كشحوب الاموات :اظن كفايه لحد هنا انا بعدت بيكي كثير عن المكان اللي انتي كنتي فيه وما حدش هيعرف يوصل لك .. اتفضلي انزلي انا كده عملت اللي عليا وخلصت ضميري 

همست ليلي بصوت مرتجف ضعيف: شكرا .. 

نزلت من السيارة ببطء شديد من ألم قدمها التفتت قائله بدهشة متسائلة بفضول :هو انت رجعتي لي بعد ما مشيت ؟!, 

أدار وليد سيارته بجمود ولم يجيب عليها .. تنهدت ليلي بتعب شديد وإرهاق لتسير بهدوء إلي منزلها !! 
__________________________________

بــعـــد اســبــوعـيـن .. .

وضعت ليلي المفتاح في الباب تقول بصوت عالي: ماما.. ماما إنتي فين انا جيت ؟؟.. 

- انا هنا يا حبيبتي في اوضه الضيوف ..! 

ابتسمت ليلي عندما سمعت صوتها لتتقدم الي غرفه الضيوف لتتفاجا بـ شاب في سنه الثلاثين ومعه امراه بيدو عليها والدته إبتسمت حنان تقول: تعالى يا حبيبتي ما تتكسفيش ما حدش غريب .. دي ام ابراهيم جارتنا اللي ساكنه فوق عارفاها طبعا ! وده ابنها ابراهيم 

هزت راسها لهم بصمت لتقول أم محمد بابتسامة عريضة: ما تقربي تقعدي معنا يا عروسه مكسوفه ولا ايه ! 

شهقت مدوية أطلقتهـا من بين شفتيها المرتعشتين بهلـع وصدمه, اخترق الحديث اذنيهـا كالطـبول الصاعقـة، رغم أنه ليس أول عريس يتقدم إليها وترفض كعادتها حتي لا ينكشف أمرها ,ارتجفت شفتها بذهول تهمس بتلعثم: عروسه ! 

نظرت إلى والدتها بحده لتحمحم أمها قائله بتوتر توضح: اصل الست أم إبراهيم هي وابنها كانوا جايين عشان يطلبوا ايديك مني ! وانا قلتلهم نتشرف بيكم طبعا بس اخذ رايك الاول ولو وافقتي ه‍ـ.... 

قاطعتها تشنـج وجهها وهي تجيبهـا بخفـوت : مش محتاجه اخذ وقت عشان افكر انا ممكن اقول لكم رأيي من دلوقتي .. انا اسفه مش بفكر في الجواز ولا دلوقتي خالص ولا بعدين عن اذنكم .... 

رحلت ليلي إلي الداخل دون انتظار تعليق من أحد تحت انظرهم المصدومه باستنكار واخفضت رأسها حنان بخجل وارتباك من الموقف الذي وضعتها في ابنتها !! 

في الـداخـل هوت لـيلي علي الكرسي بثقل جسدها حتي اصدر صوتًا، نظراتها مثبتة علي اتجه باب غرفتها وهي تسمع تأسف ولدتها بشده إلي أهل العريس، كأنت صامت لكن بداخلها تقول الف كلمة واولهم الي متي ستظهـر القوة وبداخلها يتآكل كالصدئ في الحديد، الي متي ستتحمل نظرات الجميع الموجهة نحوها بأتهـام شنيـع، وكأنها عليها وصمة عـار ابديـة، إلي متي سوف تظل هكذا تخفي عارها, بتمزق قلبها بخوف بأن سوف يأتي يوم و ينكشف المستور ..
__________________________________

دلف وليد غرفه خالته ليجدها تجلس أعلى الفراش تحمل ما بين يدها مصحف وتقراء منه بصوت منخفض بعض الآيات ! تنهد وليد ليخرج ليسمع صوتها تصدق وتنده عليه: خير يا وليد كنت عايزني في حاجه يا ابني ؟. 

ألتفت إليها وليد بابتسامة خفيفه قائلاً: اه يا خالتي .. انا بكره ان شاء الله هنقل لبيتي القديم 

شهقت فايزه بقوه ونهضت بقلق بالغ: ليه يا ابني كده انا كنت عملت حاجه زعلتك مني ما انت قاعد معايا ومونسنى ! 

هز رأسه برفض قائلاً بهدوء: خالص يا خالتي ما عملتش حاجه ضايقتني ! بس كفايه بقى انا بقيلي هنا خمس سنين معاكي و عاوز اروح بيتي افضل 

فايزه بارتباك شديد: يا ابني ما هو اصل 

عقد حاجبيه متسائلاً باستغراب: في ايه يا خالتي في حاجه ؟!, 

ضغطت على شفتيها باساه قائله بخوف: بصراحه كده يا ابني انا خايفه لما تبقى هناك لوحدك تعمل في نفسك حاجه ! لا وكمان هتروح البيت اللي كلكم كنتم ساكنين فيه مع بعض وكل ذكرياتك معاهم فيها .. هتستحمل تقعد لوحدك هناك ازاي بس ! مـ ممكن تنتحر ولا حاجه .. بلاش يا أبني تقعد لوحدك خليك معايا اضمن 

ابتسم وليد بمرارة وهتف قائلاً ساخر: انتحر مره واحده ! لا ما تقلقش يا خالتي انا عمري ما فكرت في كده ولا الموضوع ده جاء في دماغي اصلا .. ممكن لو سليم ما كانش لسه عايش في المستشفى كان ممكن فكرت فيها في لحظه ياس .. وبعدين بالعقل كده لما اعمل حاجه في نفسي مين اللي هياخد باله من ابني ويجمع فلوس العمليه ويسافره بره يتعالج بس .. 

زمـت شفتيهـا بعدم رضـا، تعترض وبشدة علي هذه القرار: طب خليك يا حبيبي معايا .. بلاش تروح البيت لوحدك ممكن متستحملش ويجرى ليك حاجه وانت هناك لوحدك وما حدش هياخذ باله منك 

نظر بعينيه السوداء التي كسـها الآلام حتي اعطها لمعة ملتهبة زاد من سوادها المظلـم كحلكة الليل، ثم استطرد قائلاً بجدية: خالتي ممكن ما تضغطيش عليا .. انا خلاص قررت هرجع بيتي ! 
__________________________________

تنـام ليلي علي فراشهـا الوتـير بشكل عشوائى، في غرفتها الصغيرة، شعرها الأسـود الحريرى يتناثـر علي الوسـادة بجوارها كأنها رسمة علي ورق فنيه، فـ هي حقا تمتلك جمال جذاب ومميز , ورموشهـا الكثيفـة تغطي جفن عينيها الزرقـاء كـ لون السماء الصافية التي يملؤوها اليأس والحزن دائما،و ذات جسـد مشوق متوسط، ملامحها البريئة تجذب كل من يراها من اول وهلة، بشرتها ناصعة البياض، حتي استيقظت ليلي نهضت فى تمام الساعة السابعة حتى تلحق بالمرحاض ولا وتتاخر عن العمل حيث عملها يبدا فى تمام الساعة الثامنة والمدير يتجاوز عن التاخير وهي لا تمتلك عمل غيره وتريد الحفاظ عليه جيداً حتي تفكر في عمل أخري جانبه لتصرف علي علاج والدتها المصابه بالقلب ! ولا تريد الرجوع الى العمل السابق التي تشتمئزاز منه كثير ومن نفسها .. 

اتجهت نحو المرحاض فتحت الصنبور المياه الساخنة حتى تشعر بالاسترخاء لتعب جسمها منذ وإصابتها يوم هروبها من الشابين وجاء ينقذها ذلك الشاب الذي لا تعرف إسمه حتي الآن ! لكن اعتبرت هروبها ونجاتها في ذلك اليوم فرصه جديده لها.. ظلت قرابة نصف ساعة تحت الصنبور حتى انتهيت وخرجت من المرحاض تجفف شعرها و وجهها انتبهت إلي والدتها بالجلوس على الأريكة أمامها ثم اشاحت وجهها بعيد بضيق شديد منها لتفهم ليلي السبب وتقترب منها بابتسامة: صباح الخير يا ماما .. 

لم تجيب عليها لتقول ليلي بتوتر: طب فطرتي اخدتي الدواء عشان ما تتعبيش 

نظـرت لعينيها التي بها لمعة عتاب،ثم استطردت بلـوم : وانتي فارقه معاكي قوي صحتي ولا ايه اللي بيتعبني ؟ اول مره احس ان انا ما عرفتش اربيكٍ كويس 

شحب وجهها كشحوب الاموات كسـتها الدموع قائله بحزن: ليه كده بس يا ماما 

نهضت حنان وقالت بغضب : ولسه بتسالي ليه بعد اللي عملتيه امبارح ؟ دي عمله تعمليها فيا ! تحرجني قدام الناس اللي جايين يتقدموا ليكي وتقولي ليهم مش هتجوز، و في وشهم وتمشي وتسيبيني معاهم وانا وشي في الارض ومن الكسوف ومش عارفه اتصرف معاهم ازاي 

تنحنحت ليلي قبل ان تردف بارتباك: يا ماما هو الجواز بالعافيه ؟ انا قلت لك بدل المره الف مش هتجوز تقدري تقولي لي مين هيتحمل مسؤوليتي و مسؤوليتك .. ما أنا بعد الجواز برضه لازم اصرف عليكي انتي ناسيه مصاريف الدواء بتاعك

عضـت حنان علي شفتها السفلية بحـزن، ابنتها وزهرتهـا المتفتحة تراها تذبل كل يومًا عن ذى قبل، الي متي ستظل هكذا حتي تراها ذبلت كليًا وتصبح جسد يزجـه القدر بلا روح ولا هدف لتقول بنبرة حادة مقصودة : بطلي تعمليني حجتك كل شويه ! ده ثالث عريس ترفضي في نفس الشهر هتفضلي لحد امتى كده، ايه هتعنسي جنبي .. يا بنتي انا وانتي لوحدنا وانا بيني وبين القبر خطوه واحده ممكن في اي يوم تصحي متلاقنيش معاكي .. ساعتها الناس مش هترحمك وانتي لوحدك .. ما هما من البدايه اصلا بيتكلموا علينا من ساعه ما جينا وسكنا انا وانتي من غير راجل .. امال وانا مش موجوده معاكي إيه اللي هيحصل 

كان هدوءها عبارة عن قشرة رقيقة، من مجرد لمسها ينزاح ليظهر مدى الألم و الصراخ المكبـوت بداخلها، صراخ لو خرج منها لأصـاب اذن كل من سمعه من شدته، هـزت رأسها نافيـة ولم تنظـر لوالدتها، اكتفـت بالهمس المسموع بصعوبة: ممكن بلاش الكلام اللي يتعب ده على الصبح .. انتي عارفه انا بحبك قد ايه وما ليش غيرك ومش هستحمل حاجه تحصل لك ...

تنهدت حنان بيأس هاتفه بقله حيله: لو بتحبني فعلا اتجوزي نفسي اشوفلك عيل قبل ما اموت ... 
__________________________________

كان وليد كعاده في المستشفى بداخل غرفه أبنه يطمنه عليه وعلي أمل أن يفوق ولكنه من الواضح ان فترته كالسراب لا نهاية لها ابدًا !!قال بصوت اشبـه للهمس : اخباره ايه النهارده .. لسه ما فيش جديد

وكان الطبيب وائل يكشف علي أبنه يقف جانبه قال بهدوء: لا يا وليد الحاله زي ماهي ! بس ما تقلقش قريب ان شاء الله تسمع اخبار كويسه 

استطاع بمهارة انتشال الألم من خلجات وجهه، ليرسـم السخرية التي بات معتاد عليه، وغمغمت بتهكم : امتى بقى اليوم ده شكلها كده خلاص ما فيش امل .. 

ألتفت وائل إليه ناظر بعـتاب وقال: ايه يا وليد التشاؤم ده .. انا مش متعود عليك كده أنت طول عمرك عندك امل ان ممكن قريب قوي يفوق ويبقى كويس 

تنهد تنهيدة طويلة حارة يحمل بطياتها الكثير والكثير من الألم وقال بيأس حقيقي :عشان تعبت يا وائل بقيلي خمس سنين مستني الأمل ده ومش بيجي ..

ليقول وائل بجديـة :استغفر ربنا وخلي عندك امل كبير في يا وليد ؟!, 

استغفر ربنا كثير بندم لا يعلم تأثيـره عليه وائل الندم انتقل اليه في صـورة كسرة وألم، يعذبـه بكلماته كل مرة دون أن يشعر، يريد أن أمل يربطوا بالحياه أن أبنه سوف يستيقظ قال بهدوء يعكس ما يكمن بداخله : يارب ..

ليسمعوا صوت طرقات علي باب ليسمح وائل بالدخول دلفت ليلي قبل ان تتحدث انعقد لسانها وكأنها تجاهد للحصول على الكلمات من الصدمه، ظـلت عينيها مصدومه لدقيقتـان تحـاول السيطـرة علي حالة الهلع التـى سيطـرت عليها حتى لا ينفضح أمرها .. تسألت بذعر نفسها ماذا يفعل هنأ أيضا؟ منقذها من ذلك الوحوش البشريه هل جاء إلي هنأ ليكشف أمرها ! هل تحدث في أمر مع أحد في المستشفى وانفضح امرها وانتـهـاء .. 

ولاحت ليلي بعينـاه وليد سحابـة غامضـة، قبل ان يتحدث وائل بابتسامة خفيفه: خير يا ليلي كنتي عاوزه حاجه ؟؟ 

هزت راسها له بالايجابي لتقول بتلعثم: 
آه المدير كان عاوز حضرتك في مكتبه حالا

عقد حاجبيـه بعدم فهم ونظـر لها مستفهمًا: ما لكيش عاوزني في ايه؟. 

هـزت راسها نـافيه وكل خلية من جسـدها ترتعـش ليستطـرد وائل بجديـة قائلاً موجه حديثه لها: طب تعالى ادي الحقنه للمريض سليم عقبال ما اشوف المدير عاوز ايه .. معلش يا وليد دقيقتين ومش هتاخر عليك 

كـان يقف وليد بهدوء مفتعـل هاتفاً: ولا يـهمك.

رحل وائل للخارج بهدوء معطي الابره إلي ليلي التي أقتربت بخطوات بطيئة من سريره المريض تحقن الابره ..تطلعت بنظرها في كأن يقف بقوامـه العريض يعطيها مظهر رجولى جذاب، بجوار ملامحـه التي باتت كالطريق المسحور تسحر كل من يسير ويدقق فيها، عينـاه البنيـة تخفي وميض ألم يصعب علي عالم في قراءة العيون معرفته, قائلاً ببرود قاتل: هتفضلي تبوصيلي كثير .. لو خلصتي شغل يا ريت تفضلي 

ظهـرت اشباح الخوف علي قسمَات وجههـا الأبيض، ومن ثم غمغمت بضيق متردد : هـ هو انت قلت حاجه لي دكتور وائل او اي حد هنا في المستشفى 

يطالعها بهيئتـه ساخرا، ثم جلي الجمود في نبراتـه : حاجه زي ايه ؟؟ 

حديثـه يخنقهـا رويدًا رويدًا بعينيه نظـراته يفترض أن تؤلمهم، زفـرت بضيق قائله بنبرة متوتره وخجوله : حاجه يعني زي يعني آآ اللي انت شوفته لما انقذتني مـ... 

أختـفي بريـق عينـاه اللامـع الـغـامـض ليجتاحها نظرات مشتعلة بفعل كلماتهـا قائلاً بنبرة الحادة: لا ! انا جاي هنا عشان ابني اللي راقد على السرير قصدك تعبان مش جاي احكي مع الناس 

تنفست الصعداء براحه متحدثه بأشفاق تنظر بأسف إلي الطفل الراقد أعلي الفراش بهدوء دون حركه لا حول ولا قوه: ربنا يشفيهلك .. 

لم يـعلـق علي حديثها كادت أن ترحل لكن إلتفتت له متقدمه وراح تترجـاه وهي محدقه به : طـ طب مش هتقول لاحد حاجه مين اللي شفتها من اسبوعين عني صح .. 

تطلع فيها بحده وأقتـرب منها متعمدًا بخطوات سريعة وإنتفاضة جسدهـا كالثعبان الذى لدغهـا من قربه، ثم قال بهمسـات حاده حطمت جديتها لأشـلاء صغيرة : هو انتي اللي زيك جنسه إيه ما عندكيش دم مش بتخافي من ربنا كل اللي همك منظرك قدام الناس بس .. طب ما فكرتيش في اخرتك هتكون إيه من الشغل المقرف اللي انتي شغال فيه .. واحده رخيصه بتبيع نفسها للرجاله واللي يدفع اكثر تروح معاه ! الصبح ممرضه شريفه و بتساعد الناس .. وبالليل واحده فاجِرة تُتَاجِر بجسمها للرجاله !! وكل اللي يهمك من كل ده منظرك قلت لاحد ولا لاء .. ونسيتي ربنا اللي شايفك وانتي بتعملي كده ؟؟

كأنت كلماتـه تجـرح فيها بشده دون قصد من جديـد هو ليس عادته تجريح الناس لكن أصبح الفتره الاخيره منذ فراق الجميع ومرض أبنه لا يهتم!، وهي اصبحت تشعر ان قواهـا خارت، تكفيها للعيش فقط .. أعلنت قسمـات وجهها ما يدور بخواطـرها بألم حاد يفتك قلبها, اختفـت الدماء هربًا من وجههـا، وتمنت الهرب كحبـات الدماء بسرعة، تحاملت علي نفسها وهى تقول بصوت مرتجف : لا بخاف من ربنا وبترعب منه كمان ,حتى ما بقتش اصلي زي زمان من كثر ما انا بخاف اقف قصده ,بس بلاش تبص عليا وتحكم من غير ما تعرف اللي جوايا ما فيش واحده بتشتغل اللي انا بشتغل له وما نفسهاش تبقى بنتي كويسه زي كل البنات مبسوطه و مرتاحه مش طول الوقت خايفه .. بس ارجع واقول لك انت مش مكاني ولا حاسس باللي أنا في ولا تعرف انا ايه اللى جبرنى على كده .. الحوجه وحشه أوي يا استاذ ! . انا امي كانت ما بين الحياه والموت وكانت محتاجه تعمل عمليه قلب مفتوح في اسرع وقت ..

تقـوس فمـه بأبتسامة ساخرة مريره من حديثها، ثم اومأ بتهكم : لا فعلا مش حاسس ولا مكانك ولا اعرف الحوجه وحشه قد ايه 

بالفعل استنفذت كل الفـرص لديـه، خطواتـه شبه الراكضة نحوها عبرت عن غضبـه الجامح الذى اجتاحـه، شعرت كما لو انه ثـور هائـج يركض باتجاهها، قبضتـه القوية علي ذراعها الأبيض جعلتها تتأوه بألم في لمح البصر يمسـك بذراعها التي ارتعشت من مسكتـه وشعر هو بتقززة كالوبـاء موجه جسدها نحو فراش أبنه متسائلا بجمود: ايه ده ؟؟ 

انتفضت ليلي بخضه بعدم فهم ونظـر له برتباك: انت لسه قائل انه ابنك ..؟!, 

لم يتركـها وانما ظل يضغط اكثـر، كلماتها التي من المفترض ان تهدأ من روعـه تجعله يثور ويثور اكثر،زمجـر فيها بغضب وحدة ورغم ألمها إلا انه لم يعبـروا عن ولو ربع ما يجيش بصـدره من عواصف : بظبط ابني عارفه بقي عنده ايه؟ ولا ايه اللي وصله لهنا ؟ 

اومأت برأسها نافيه بخوف حقيقي من تحوله فجأة سمعت فقط صـوت انفاسـه اللاهثـة، تعلم بمقـدار جهده للسيطرة علي نفسـه حتى لا يرتكب جريمـة: انا كان عندي ولد ثاني غيره وكان عنده امي ومراتي كمان عارفه كل دول راحوا فين ماتوا في حادثه مابقوش في حياتي موجودين وما نجيش من الحادثه دي غيري انا وابني اللي قدامك ده ..عنده مشاكل في العمود الفقري بسبب الحادثه ومش بس كده لا كمان عنده سرطان في الدم !! 

إبتعـد عنها ولـيـد بغضب جاحد واتسعت عيني ليلي بذهول مما تسمعه منه وتطلعت إليه بصدمه كبيرة واشفاق عليه بشده, لينظر لهيئتها المبعثرة بجمود يتشبعـه بجدارة : مطلوب يعمل عمليه بره مصر و انا موظف على قدي ! انا حاليا بشتغل 3 شغلانات في اليوم الواحد عشان اقدر اسافر ابني يتعالج بره .. بشوف الذل من الناس و اسوء معامله ممكن تتخيليها عشان اعرف اجيب القرش و اجمع الفلوس إلي أسفر بيها ابني بره مصر .. 

إبتلعـت ريقهـا الذى جف، وحاولت جمـع شتـاتها التي بعثـرت بفعل ريـاح حديثه لا تصدق ما تسمعه كيف علي انسان مثله يتحمل كل ذلك ليكمل بقسوة ناظر إليها بغضب: انتي بقى اللي ما تحكميش على الكتاب من عنوانه طالما مش عارفه الناس بتعاني ازاي من جوه ! وفي ناس ظروفها اصعب منك بكثير ومع ذلك عارفين يفروا لقمه حلال .. وعندك أنا , انا بشتغل في مصلحه الضرائب اكثر مكان ممكن يتعرض عليا عشرين مره رشوه وفي اليوم .. في اكتر وقت انا بكون في محتاج للفلوس وممكن بكل بساطه اقبلها ما انا عندي عذر بقى ! بس مش بعمل كده وبرفض عارفه ليه ؟ نفس السبب اللي خلاني ارجع انقذك .. عشان مش عاوز ابني يتعالج بفلوس حرام ولا عاوز أبني يشيل ذنب عملته في يوم بدون قصد ..

هربت الحروف من لسانها وصمتت الأخري بعجـز يتملكها، لا تعرف بماذا تجيب من الأساس, شـدة غضبـه، تطـايرت شرارات سوداء غاضبة مشتعلة من عينيه وهمس بنبرة اشبه لفحيح الافعـي : عرفت بقى يعني ايه حوجه الفلوس اللي على حق ؟. ما تحاوليش تلاقي لنفسك أعذار تافهه , في ناس مكانك واكثر وبنات كمان عندهم أنهم يشحتوا في الشوارع ويقطعوا نفسهم شغل ليل ونهار ولا انهم يعملوا حاجه حرام ....

تنفس الصعداء زافر بقوه كأنه يبحث عن كالقشة في كومة قمح، بينما يريد أحد اعطـاه مجرد أمل طفيف حتي لو اخر امل ! تطلع فيها باشئمزاز ثم استـدار وغادر على عقبيـه ... 

لكن هي كأنت مهما تبنى جدار امام جدار أمل تبعد نفسها عن ذلك الشيطان ، بثقب الخبيث ولؤمـه وينهي على الفـور .. 

اقبل عليه وائل بإستغراب: رايح فين انا جيت اهو خلاص .. 

هـز رأسه نافيـة ولم ينظـر إليه حتى لا يلاحظ احمرار عينه من الألم اكتفـي بالهمس المسموع بصعوبة : لا خلاص هحاول اعدي بالليل مره ثانيه لو عندي وقت ! بس عندي شغل دلوقتي لازم اروح 

هتف وائل بتفهم: ربنا معاك ويقويك.. 

في الداخل سمعت ليلي اصـدر انينًا خافتًا، لا تعلم من أي اتاتي حتي سمعت الصوت مره ثانيه لتعلم أن يأتي من المريض سليم وقال بصوت اشبـه للهمس : آآه بـ.. بابا

قبل أن يرحل وليد سمع جاءت إليهم ليلي شبه تركض بلهفة قائله مسرعه: دكتور وائل المريض فاق واتكلم ..؟!،

نظروا إليها باعين متسعه بصدمه وعدم تصديق ليدلف كلا من وليد و وائل ليكشف علي سليم باهتمام قال وليد متمتماً بصوت ملهوف وسعاده: انتي بتتكلمي بجد متاكده ان فاق شوفتي بعينك 

قـال وائل بتحذيـر: ليلي انتي متاكده ؟..

اومأت برأسها بالايجابيه دون تفكير: ايوه والله العظيم متاكده فاق وبصلي واتكلم كمان ..

نظـر لها وليد بطـرف عينيـه، ثم أقترب منها أمسـك يدها بقبضتَه السمراء دون قصد تسللت الأبتسامة له، وانفرج ثغـره بابتسامة مشرقة: بجد اتكلم ؟ طب قال ايه

ارتجف جسدها من لمست يده وكانـت دقـات قلبها تتسـارع من تحول هيئته عن قبل سابق كأن لا يطيقها ولا يطيق النظر لها وكانت يثور عليها، تشنجـت قسمـات وجهـها قبل أن تجيبه بصوت هامس :هو ما قالش غير بابا ... وبعد كده غمض عينه ثاني 

أبتعد عنها وأقترب جالس على ركبتيه أرضا ونظر وليد له بحـزن قبل ان يهمس بألم تجسـد في نبرته :يا حبيبي يا ريتني كنت موجود جانبك وسمعتك انا هنا جنبك مش هسيبك ابدا .. طب هو ساكت دلوقتي مش بيتحرك ليه 

ابتسم وائل قائلاً باشفاق وابتسامه مطمئنه: اهدا يا وليد ما تقلقش ده رد فعل طبيعي ! سليم في غيبوبه من خمس سنين وان فتح عينيه النهارده واتكلم ده شيء كويس و خطوه كويسه في العلاج ... 
__________________________________

في المساء .. 

سمعت ليلي صوت جرس منزلها لتنهض فـ والدتها بالخارج تشتري اشياء خاصه بالمنزل! تجمدت بمكانها فور ان فتحت الباب و رأت جابر يقف امام باب شقتها اخذت ترفرف بعينيها عدة مرات من الصدمه تقدم منها بخطوات بطيئه متمهله قائلاً بسخريه لاذعه: ايه مفاجاه مش كده ؟ ما توقعتيش تشوفيني هنا صح .. انا سبق وقلت لك يا ليلي انا مش بهوش ولو ما اتعدلتيش معايا هاجي واعرف أمك كل حاجه 

تنحنحت ليلي قبل ان تردف بحده بعد ان فاقت من صدمة وجوده امامها: انت ...انت بتعمل ايه هنا...؟!

اجابها جابر ببرود مثل الثلج: جاي اشوف الهانم اللي هربت وسبتني أنا البس الليله لوحدي .. انا مش كنت سيبك تشوفي شغلك هناك اللي انا سمعتوا منهم ده .. ضربتيهم وطلعتي تجري وركبتي مع واحد العربيه و مين البيه ده كمان .. بتشتغلي من ورايا ولا ايه؟؟ لو بتعملي كل ده عشان عاوزه فلوس زياده نتفق وماله  

تذكرت حديث وليد معها وكل معاناته لتهتف بغضب شديد: بقول لك ايه اسمعني كويس يا بني ادم انت ! انا مش هشتغل الشغل الزباله والوسخ*** دي ثاني .. ومش عاوز اشوف وشك ولا هنا ولا في المستشفى ولا في اي حته ...ولا حتى نمرتك ولا تيجي على تليفوني ثاني ؟؟ 

جابر وهو يتمتم بحده وعينيه تلتمع بقسوة بثت الرعب بداخلها: ده ايه القوه إللي نزلت عليكي مره واحده دي ؟؟ يا ترى الهانم مش خايفه لما امها تعرف أن بنتها بتشتغل لمزاج الرجاله ؟؟ 

شعرت ليلي بالدماء تغادر جسدها فور ادراكها حديثه! لكن هي اخذت عهد علي نفسها لم ترجع لذلك العمل مره ثانيه واعتبرت أنقذها تلك الليلة الماضية من ذلك الشابين فرصه لم تعوض ,جزت علي أسنانها بعنف هاتفه بحده: انت اوطى واحقر واحد شفته في حياتي ! ولا يا جابر مش خايفه منك ؟؟ عارف ليه ؟؟ عشان انت لو عملت كده فعلا وقلت لماما ! انا كمان مش هسكت و هروح اقول لي مراتك وعيالك .. ومش بس كده لو وصلت بيا إني اسافر لامك وابوك البلد اقول لهم ابنكم بيسرح البنات و يشغلهم في ايه هعملها .. ما هي فضيحه بفضيحة بقي ! . 

اتسعت عيني جابر بغضب شديد وقال بعصبية: انتي بتهدديني يابت*** نسيتي نفسك ولا ايه ؟؟ ده لولا انا جبتلك الشغل ده كان زمان امك ميته ومش عارفه تدبري ليها فلوس العمليه 

هتفت ليلي بمرارة وهي تتذكر ذلك الأيام الصعبه واحتياجها للمال لتقول بقوه شديد لا تعرف من أين اتات لها قائلة بقسوة : اه لما قعدت تزن عليا ذي الشيطان في اكثر وقت انت عارف انا كنت محتاجه الفلوس قد ايه ؟؟ وللاسف استسلمت و وافقت ! اقسم بالله لو فكرت تقول لماما حاجه او مابعدتش عني مش هتردد ثانيه واحده وما عملهاش يا جابر واعرف اهلك حياتك الوسخ*** !! 

شعر جابر بخوف وأن حديثها جده لا مزح متمتم بارتباك وقد اجتمع العرق البارد فوق جبينه: انا هعتبر نفسي ما سمعتش حاجه ! واسيبك يومين لحد ما اعصابك تهدا .. وانتي بنفسك اللي هترجعي تدوري عليا لما تحتاجي الفلوس 

هزت راسها برفض بقوه بنبرة حادة مقصودة: انت بتحلم يا جابر خلاص ! انا لو هموت من الجوع ولا أن شاء الله اشحت مش هرجع لي الشغل ده ثاني 
__________________________________

بعد يومين وصل وليد امام البناية التي بها منزله المتوسط، الذي كأن يسكن به هو و عائلته ترجـل من سيارته السوداء ثم أبعد النظارة عن عينيه السودا، لتظهر تلك الجوفتين العميقتين الغامضتيـن يحاول كتم دموعه، ينظر نحو ملجأه الوحيد .. سار بخطوات حتى دلف من باب البنايـة وهو يسحب حقيبته ثم إتجـه إليه أحد جيران القدام الذى يجـلس على احدى الكراسي الخشبية أمامه محل "الفاكهه" وهب منتصبًا حين رأه، وقال بابتسامة عريضة : يااهلاً يا اهلاً يا استاذ وليد عاش من شافك اخبارك ايه 

بادله الابتسامه وليد باصـتنع: الحمد لله كويس ..

هتف متسائلا بفضول: إيه اخبار الامور الصغير إبنك 

تنهـد بقـوة قبل أن يتابع بنبرة كسـاها الألم والعذاب: ما فيش اخبار جديده ..لسه في المستشفي 

حـدق الراجل به بصدمـة، ثم اردف بحزن : لا حول ولا قوه الا بالله ربنا يتمم شفاه على خير ويرجعلك بالسلامه يا رب 

اومـأ وليد بلامبالاة مصتنع، ثم استـدار وغادر علي عقبيـه، توقف للحظة وإلتفت له يطالعه بنصف عيـن قائلاً متسائلا: باقول لك ايه يا عم محمد ما تعرفش حد يجي ينضف الشقة وياخذ اللي في النصيب .. اصل الشقه متبهدله أوي انا بقيلي فوق الخمس سنين مش بقعد فيها , وكنت باجي اطل عليها وامشي على طول .. 

نظر الرجل إليه ثم حك ذقنـه بطرف يده، يفكـر في شخص ياتي لتنظيف المنزل إليه، ثم نظر له مرة اخرى واجابه بهدوء : طب اطلع انت يا استاذ وليد وانا هبعتلك حد حالا ...
__________________________________

طرقات بسيطه علي الباب المنزل، وبعد ثوانى فتحت والدة ليلي وعلى رأسها حجابها الصغير، لتسأله في بهدوء : ايوة يا عم محمد خير ؟

اجابـها بهدوء مماثل، محمحم ببعض الأسـف : خير ان شاء الله يا ام ليلى ! انتي مش كنتي زمان بتنظفي البيوت قبل ما تعملي العمليه القلب وتاخذي اللي فيه النصيب .. لو لسه بتعملي كده في وأحد صاحب الشقة الي قصادك في الدور الثالث عايز حد يطلع ينضف له الشقة .. هتروحي ولا اشوف حد غيرك ؟!, 

اخفضت رأسهـا بتفكر بتردد فـ أبنتها أن عرفت أنها رجعت لذلك العمل مره ثانيه سوف ترفض لكن هي لاحظت أن هذه الأيام المال قد قصر مع ابنتها قليلا عن سابق وهي لا تريد تزايد الحمل عليها , تمتمت بنـبرة حملـت الحزن قائله بهدوء مصتنع: طب يا عم محمد روح إنت وانا هروح أنظفله الشـقه

هز رأسه بهدوء ورحل ودلـفـت حنان ترتدي عباءه سودا و وضعت وشاح أعلي رأسها وذهبت لأبنتـها ليلي لتجـدها تجلس على الفراش ثعبث في هاتفها بتركيز تبحث بالانترنت عن عمل اضافيه لها نظرت لها بتوتر، ثم هتفت بهدوء اصطنعته : ليلي ! انـا طالعة انضف الشقة اللي قصدنا الظاهر سكنها لسة جايين ! هاجي على طول يا حبيبتي مش هتاخر 

رفعـت ليلي عيناها لها تطالعهـا بدهشة وسرعان ما نهضـت مسرعة، ظهـر بريـق لامع في عينيها الزرقـاء مقتربه منها قالت بجدية تلقائيـة : لا طبعًا، انتي عارفة إن انا سبق واتكلمت معاكي في الموضوع ده مش هتنظفي في بيوت حد ! انتي ناسي ان عندك القلب مش هتستحملي ! ده انتي لما بتعملى مجهود جامد هنا في البيت بتتعبي ..

قالت حنان متنهيـدة تنهيدا حـارة تحمل الكثير والكثـير، ثم اردفـت بقلة حيلة : انا كويسه يا ليلي ما تخافيش عليا يا حبيبتي, وبعدين انتي عارفه ان احنا الايام دي محتاجين كل قرش وانتي بتعملي اللي عليكي و زياده ومينفعش اقف اتفرج عليكي وماساعدش 

شعـرت ليلي بقلبها يتمـزق بمجرد ذكر انها لم تعد كسب المال مثل سابق, فاستطـردت حنان بتصميم : سيبيني اطلع يا حبيبتي و لو حسيت بمجهود انا هاستاذن الناس وامشي على طول .. وبعدين ما ينفعش اتاخر اكثر من كده انا اديت الناس كلمه خلاص 

نظرت ليلي لها تمتمت بنـبرة حملـت الحزن والأسف والألم معًا في طياتهـا : طب خلاص انا اللي هروح انظف الشقه .. 
__________________________________

طـرقـت ليلي البـاب عدة مرات بهـدوء، تفــرك يدها بتوتر شديد فهي لم تذهب وتنظيف منزل ناس مجهوله الهوية قبل سابق ، ثوانٍ وفتح وليد البـاب، أُصيـب بالدهشة قليلاً لمعرفته بأنها الفتاه الممرضه أمامه ..حـدقت ليلي بيه أمامـها بهيئتـه الرجولية الضخمة بصدمة دامـت لثوانى حتي تسأل بحده: انتي بتعملي ايه هنا ..؟!, 

نظرت بتثاقل ليلي بعينيها الزرقـاء الجذابـة، تشعر بجسدها يرتجف: انـ.. أنا شكلي اتلخبطت في العنوان ...انا كنت عاوزه شقه نمره ثلاثه 

حدقـها بقوة وبرقت عينـاه، وراح يسألها مرة اخرى بـشـك : ما هو ده بيتي نمره ثلاثه ! انتي كنتي جايه ليه ؟ هو انتي البنت اللي هتنظف الشقه اللي بعتها عم محمد 

اومـأت ليلي مسرعة دون تفكيـر, لنجدها ولكنها بأفعالها تلك تدفعها بداخل دوامه الشكوك اكثر واكثر، استدارت بسرعة لتسير بخطوات سريعة، ثم قالت مصطنعة الهدوء:شكلك مش عاوزني .. انا ماشية، هبقي ابعت لحضرتك حد غيرى ينظف الشقه 

- اسـتنـي مكانك ! . 

ألتفتت إليها بارتباك وظل هو هكذا يطالعها بأعيـن حادة كالصقـر، إلتمعت بوميض غامض وقال ببرود: ما فيش مشكله انتي او غيرك مش فارقه .. بس هو انتي ايه حكايتك بظبط مره ممرضه ومره بتنظفي في البيوت ومره تانيه .... 

شعرت كاد تختنـق من حديثه وتلميحه، وحاولت التقاط انفاسها بهدوء وهي تجيبـه بخجل حقيقي : انا بشتغل و متخرجه من التمريض ..بس والدتي تعبانه و هي المفروض تيجي مكاني بس انا رحت بدالها !! 

أخذ ينظر لها ثم تنحنح قائلاً بهدوء زادت من القلق الذى كان يتوغل بداخلها رويدًا رويدًا : تمام اتفضلي واقفة لية هنا .. ادخلي عشان تخلصي بسرعه ! . 

هزت راسها له بالايجابي ليلي وخطت قدمها للداخـل و ترك وليد الباب مفتوح ولم يغلقه !! 

شرعت ليلي في تنظيف المنزل بالكامل وكان وليد بداخل غرفته والباب مفتوح يعمل في بعض ترجمت الكتب, بدأت ليلي في تنظيف الصالون حتي لاحظت بعض العديد من الصور الفوتوغرافيه معلقه بالحائط و صوره تجمع جميع العائله هو وسيده تبدو والدته و ولدين في زاويه الصور أسفل وهو يضم فتاه شابه جميله الملامح, تذكرت أن قال عائلته جميعها توفت في حادث ثم شردت و قالت في نفسها: يا ترى اللي في الصوره دي مراته اللي ميته ولا اتجوز واحده ثانيه ،بس شكلها حلوة اوي اللي زي ده لازم يتجوز .. واحده جميله وبنت ناس ! اكيد مش هيفضل عازب كل ده بس يا ترى هي فين ؟ بس شكله اولاده وعائلته شكلهم جميل قوي .. يلا ربنا يرحمهم .. 

أفاقت من شردها علي صوته الرجوله متسائلا بجدية : بس انا ساكن هنا بقيلي فوق الـ 20 سنه عمري ما شفتك في شارعنا خالص .. انتي ساكنه هنا من امتى ؟؟ 

تنهـدت ليلي بقوة، ثم نظرت له بهدوء، ومن ثم اجابتـه بنبرة حزينه: لا ما احنا ساكنين بقيلنا ثلاث سنين انا وماما، بس بعد ما بابا مات.. الشقه اللي كنا ساكنين فيها الرجل صاحب البيت زود الايجار علينا اضطرينا أنا وماما نعزل ونشوف حته ثانيه .. 

ثم نهضت لتسير بخطوات سريعة، ثم قالت مصطنعة الهدوء: انا كده خلصت عايز مني حاجه تانيه قبل ما امشي .. 

نهض بهدوء وتوقف أمامها كاد أن يعطيها مبلغ حق تنظيفها المنزل لكن توقف حتي لا يحرجها وقال بصوت رجولى هامس: لا تقدري تروحي انتي وانا هبعتلك حسابك مع عم محمد ...

هزت راسها له بالايجابي لتقول بهدوء: ما فيش مشكله عند اذنك ..

كادت أن ترحل لكن لا تعلم لماذا توقفت وتريد أخباره علي أول خطوة تخطيطها وإبتلعت ريقها بإزدراء، ثم قالت متلعثمة : آآ عـ على فكره انا آآ جابر جاءلي وحاول معايا يرجعني اشتغل تاني بس انا طرده ورفضت 

توقـف يسألها برزانـة : جابر مين ..؟!, 

تحدثت تحت انظاره وجهها يشحب شيئً فشيئ، لمعة عيناها، ثم نظـر في عينيه البنيه, ذاك البحر العميق، نظرات اذابـت تماسكها المتبقي في لمح البصـر، لتنغمس هى في عينيه السوداء، و قالت: جابر ده الشيطان اللي كان بيسرحني للرجاله ويقبض الثمن وهو كان معايا المره اللي فاتت لما انت نقذتني منهم بس هو كنت قبض التمن ومشي .. انا فكرت في كلامك كويس وحسيت فعلا انت معاك حق انا اتسرعت ما كانش ينفع اعمل كده ؟ واستسلم بسهوله لي .. بس والله العظيم كان غصب عني هو جاء لي في أكتر وقت انا كنت محتاج الفلوس عشان ماما تعمل عمليه قلب .. بس برده انا غلطت .. وندمت علي انا عملته .. و مش هرجع للشغل ده ثاني مهما حصل

رفـع حاجبـه الأيسـر، ثم نظر لها بنصف عين، يقول بجدية : تمام كلام جميل .. بس انا مالي بكل ده دي حياتك وانتي حره فيها 

اخفضت رأسها بيأس وإحباط شديدة لا تعلم مصدره واستـدارت دون حديث أخري واتجهـت للخـارج، بالتعب والخمول بالكثير يسير جسدها وسماء ذهنها ممتلئة بشكل متعب، تحاول إعداد وجمع شتات نفسها لما هو قادم .. !! 
__________________________________

ركض ولـيـد مسرع في المستشفى بهلع فـ منذ قليل جاء إتصال من وائل أن يأتي إليه بأسرع وقت على الفور ! ركض وترك كل شئ بيده بخوف أن يكن حدث شئ لـ سليم أبنه ..فتح باب غرفه وائل بداخل المستشفي قائلاً بأنفاس الاهثه بلهفه : سليم .. سليم جرى له حاجه 

تفاجأ وائل بدهشة وتعجب وهتف مطمئنه: اهدي يا وليد ابنك بخير .. مفهوش حاجه ! 

تنفس الصعداء زافر بقوه و راحه وجلس أمامه وقال باهتمام: امال في ايه .. اتصلت بي وقلتلي عايزك في موضوع مهم يخص سليم إيه هو ؟!.. 

تحدث وائل مغمغم بهدوء : يا سيدي انا قلت لك لما تخلص شغلك براحتك والموضوع مش دلوقتي عشان اقلقك بالشكل ده .. على العموم انا هدخل في الموضوع على طول عشان عارفك دماغك دلوقتي بتودي وتجيب .. عندي ليك اخبار كويسه ! 

صب كل حواسه واهتمامه إليه :خير ! . 

بينما قال وائل هو هادئ : سليم قدم لينا خطوه كبيره قوي انه فاق العلاج ابتدي يعمل مفعول كويس جدآ الحمد لله .. وانا ما سكتش واخذت الاشاعات الخاصه بـ سليم كلها ورحت لي اكبر دكتور عظام هو اللي مدرس لي وانا واثق في جدا .. قعدنا اكثر من خمس ساعات ندرس في الحاله و نشوف حل لي ممكن نوفر علينا نعمل العمليه هنا بدل ما يسافر بره كمان 

رسم ابتسامه سعاده غامره علي وجهه قائلاً بلهفه: بجد طب ايه الحل ؟!, 

ليكمل وائل بتراقب وحذر: في عمليه ممكن نعملها لي سليم بنشوف حد قريب من المريض يكون نفس چناته وده طبعا هنعرف لما نعمل تحاليل وفحوصات لو طلعت مطابقه و تنفع لي سليم عن طريق جزء منه بنخده من عضمه ... والعمليه امان جدآ على الشخص الثاني اللي هناخذ منه العيانه ما فيهاش اي اضرار عليه .. 

تنهـد وليد بقوة، ثم نظر له بابتسامة ومن ثم قال بنبرة تحمل اللهفة : طب مستني ايه انا قدامك اهو شوفني و اعمل التحاليل 

حمحم وائل قائلاً باشفاق عليه بعد أن يعطي الامل هتف بتوضيح: هي غالبا التطابق بيكون اكثر من الاخوات او الام .. 

حدق به وليد بألم وقـال بريـبة : في ايه يا وائل انت بعد ما اديتني الامل هترجع تاخذه مني ثاني .. ما انت عارف ان ما لهوش ولا ام ولا اخوات ماتوا !! .. وانا قدامك اهو واعمل ما بدالك فيه ان شاء الله تاخد اعضاء جسمي كلها بس ابني يعيش 

هتف وائل بعدم ثقه: طب خلينا نجرب ونعمل فحوصات ليك ممكن ينفع 
__________________________________

بعد يومين طلعت اشاعه وليد ،صمت وائل ولم يعلم ماذا يجيب تقـوس فمه وليد بأبتسامة ساخرة، قد فهم كل شيئ من نظراته فقط، قاطعة قائلاً بحزم : مش محتاج تقول حاجه النتيجه واضحه على وشك ! مش مطابقه صح ؟ على العموم انا ما كنتش مدى نفسي امل من ساعه كلامك معايا حسيت اني مش هينفع !! 

_ وليد ممكن تهدا وتعالي نفكر بهدوء .. ممكن ان شاء الله نلاقي حل تاني 

ارتسـم ثغره بأبتسامة باهتـة تعبر عن كم المخاوف التى تساوره، ثم تمتم بيأس : هو في حل للي انا فيه .. حتى يوم ما نلاقي طريقه للعلاج ما نلاقيش متبرع لي سليم عشان يتعالج .. وبعدين ما احنا هنلاقي مين ..ما لازم يكون حد من العيله و العيله كلها خلاص ماتت ومفضلش حد غيري انا وهو 

بادله الابتسامـة الهادئة مرددا : لا في حل ان شاء الله ! ايه رايك لو تتجوز وتخلف اخ أو أخت لسليم .. ما هو لو المتبرع حد من اخواته الفحوصات هتبقى مطابقه بنسبه كبيره يا وليد ..

توقـف فمه كما هو بصدمه عندما طرقت جملة صعبة التصديق على اذنيـه : نعم ! انت شكلك اتجننت يا وائل عاوزني اتجوز ! . 

اتـاه صوته متساءلاً بخشونة : واللي يمنع بس حتي عشان علاج ابنك و ليك كمان .. انت على طول لوحدك ومحتاج حد معاك وانت لسه قائل لي انك عزلت من شقه خالتك ورحت تسكن لوحدك .. 

تهدجـت انفاسـه المتلاحقة، قائلاً بانفعال: يا سيدي وانا كنت اشتكيتلك انا عاوز ابقى لوحدي ! جواز ايه وانا في الحاله اللي انا فيها دي ! انت مش شايفني ما عنديش حتى ساعه واحده عارف حتي اخد فيها نفسي .. انا طول الـ 24 ساعه في اليوم ما بين الشغل اللي مش بيخلص، عشان اوفر حق العلاج لي ابني .. وانت تقول لي جواز ؟؟ 

تسأل بفهم قصده: قصدك يعني عشان الجواز عاوز مصاريف وكده 

زاد احمرار وجهه غضبًا، شعر ان خلاياه ستنفجر من الغضب: مش فلوس وبس يا وائل .. مش اللي هتتجوزني دي هتكون عاوزه واحد سند ليها و معاها على طول ! بس انا مش هبقى موجود معاها انا هبقى على طول ما بين اشغالي وسيبها في البيت و هقابلها بالصدفه .. مين اصلا هتوافق عليا وانا بالظروف دي؟ مين هتقدر تشيل الحمل معايا؟ دي هتشيل حملي و حمل ابني اللي في المستشفى غير العيل اللي عاوزني اخلفه تاني .. الموضوع كله على بعضه مرفوض ! 
فكره إني اتعلق بحد ويروح ثاني من بين يدي مش عاوزها ؟ عشان كده افضل ان اعيش لوحدي !! 

ليعقد وائل حاجبيـه متعجبًا : ممكن متعقدش الامور كده كل مشكله انت قلتها اكيد هنلاقي حل ليها .. وإذا كأن على اللي هستحملك و انت كده ؟ في كثير ستات بنات ناس وبنات اصول وهيصوني العشريه و عاوزين يعيشوا وخلاص .. بس وافق انت واكيد هتلاقي 

غمغم بضيق واضح ولم ينظر له : مش هينفع يا وائل انا اخذت القرار ده من زمان مش هتجوز ثاني ومش عاوز عيال تاني اصلا ..

فغر فاهه بيأس منه :خلاص يبقى المشكله فيك انت مش في اللي هتستحمل و انت كده .. على العموم انا قلت لك الحل و انت اللي بايدك تنقذ ابنك دلوقتي 

زجـره بعينـاه وتابع بسخرية : انت يعني عاوز تشيلني الذنوب وخلاص ! انت عارف كويس اي حاجه فيها مصلحه ابني هعملها من غير تفكير ! بس اللي انت بتقوله صعب انا مش عاوز أظلم حد معايا 

تنهد وائل وتفوه قائلاً بجدية شديدة: وليد حاول تفكر بسرعه وبلاش انت اللي تظلم نفسك .. وما تنساش اني لسه هنستنى وقت بعد ما تتجوز وتخلف والولد يشد حيله و نقدر نعمل العمليه لي .. كل ده هيحتاج وقت اكيد كتير و هتضيع وقت اكتر و مش في مصلحة ابنك .. حاول تكسب وقت لصالحك ! 

نـظر لـه مندهشًا وتكيل له الكلمات اطنانًا بغزه داخله، ولكنها صمت، جـز على أسنانه بغـضب يكبـح دموعه بصعوبـة من شعور الـعـجز الذي يشعر به ، انشق ملامحه المذعورة، ليتشـدق بما اثار الرجفة في اوصاله وهو يتخيل رحيل أبنه! بسبب عدم موافقته علي الزواج فهو حقا لم يعد يفكر في ذلك مطلقه .. ينغر في جرحه بقوة لا ينسى تفاصيل الحادث ولا يريد أن بتعلق بأحد مره ثانيه و يرحل ، يشعر بالألم يتراكم ويتراكم حتى اصبح صعب عليه تجاوزه بينما نهض للخارج دون أجابه .. . 
__________________________________

كم كانت تمر الايام قاسيه جدآ عندما نشعر بالخوف او الخطر يهدد حياتنا لتهنتهي .......

كـانت في الشرفه تجلس ليلي أعلي المقعد تكبـح دموعها بصعوبة تعلم هي وحدها مقدارها، تطـالعت بهيئتـها المرزية تلك متي وصلت لذلك , الى متى ستظل هكذا ترتعد، من كثرة خوفها لا تتذكر انها كانت هادئة سعيدة يومًا، يجتاحها الان شعور بالرغبة في الغثيـان عندما تتذكر لمسات الآخرين بشهوه إلي جسدها كم تكره نظراتهم والرغبة في أعينهم تلك، جملتـه التى حملت الرغبة في طياتهـا، كرهت كلمة " الرغبـة " بسبب ذاك ماضيها، دموعها على وشك الانهمار، لكن لابد أن تتماسك بعد الان .. ! نقطـة ومن بداية السطر .. ! كم تـعـد تكره نفسها بأنها خلقت جميله وحسناء الوجه من الأساس.. 

تذكرت حديث وليد القاسي نعم كأن قاسي لكن افاقت من حالتها الـمـزروعـه وشجعها علي خطوه البعد عن ذلك الطريق الذي لا نعرف لها نهايه ! أصبحت في حالة ندم قاتل شديد هو محق أنها استسلمت و وافقت علي إقتراح جابر سريعه دون البحث عن فرصه أخري! 

لكن ما سوف يفيد ذلك الندم أضاعت فرصتها في الحياه لأجل تعيش والدتها بمال حرام, حتي فرصه أن تعيش مستوره وتأسيس منزل مع زوج وإنجاب اطفال حرمت نفسها منها لكن لا يهم ,هي الآن كل ما تريده الراحه والطمأنينة والستر يغمر قلبها فقط

او الهـروب .. كلمة من اربـع حروف كلما تذكرتها يجتاحها شعور بالضـعف والخزى من نفسها، نعم .. تهرب وتخشي المواجهة من الجميع، تخشي الظهور امام اى شخص كان يعرفها أو قضي ليله معها يخترقها بنظراته فتنهـار، كالزهرة التي ان خرجت للشمس الحارة ستذبل .. وتموت !! اغلقـت اهدابهـا الكثيفـة السـوداء، تهدأ نفسها من كم المشاعر التى اجتاحتها وتجتاحها يوميًا بلا رحمة للراحة همست: يا رب .. يا رب سامحني وقويني وابعدني عن الطريق ده مش عاوزه ارجع ثاني .. يا رب مش عاوزه منك غير الستر !! 

وفى الجانب الاخر كان وليد جالسا فى غرفته يسترجع ذكريارته المؤلمة التى لم تتركه بعد حتى بعد مضى سنوات ! حادث كان السبب في وخسر كل يملكه في غمضه عين وابنه راقد في المستشفي لا يعلم مسيره بـعـد !

استمع الطرقات على الباب اذان بالدخول دلفت اليه خالته كانت اتيه تعد له الطعام قبل أن ترحل لتراه حزينة للحالة التى وصل إليها لا تعرف كيف تخرجه من تلك الحالة التى اخذت منه السنوات الاخيرة جلست بجواره بقلب ام مفطور قلبها على فلذات كبدها وقالت بحنو: انا جهزتلك الاكل يا حبيبي وحطيته في الثلاجه .. لما تعوز تاكل طلع وسخن بس 

اومأ برأسه بالايجاب دون النظر إليها لتتابع حديثها بحزن شديد : هتفضل لحد امتى كدة بتفكر فى الماضى انسى وعيش انت المتضرر الوحيد ياحبيبى العمر بيجري بسرعه .. ياابنى الحياة ابسط من كدة بكثير وكل حاجه بإذن وان شاء الله هتتصلح 

كـانت الدموع متحجرة في عينه يكبحهـم بصعوبة شديدة، ويظهر جهاده في ذلك عن طريق تنفسه الغير منتظـم قائلاً بمرارة: انا حاسس ان الدنيا وقفت من يوم الحادثه و ماليش نفس اعمل اي حاجه .. نفسي اللي بيحصل ده يكون كابوس ،ومش حقيقي ! و هالاقيهم كلهم داخلين عليا في يوم .. كان نفسي يبقوا معانا يا خالتي محتاج ليهم قوي ..بس الحمد الله ده قضاء ربنا

فايزه بصوت مخنوق: الحمد الله على كل حال مش عايزك تبقى ضعيف انت تقدر تعمل اي حاجه و ربنا ان شاء الله هيعوضك عن غيابهم ! 

لتتابع فايزه حديثها بحنان: ما تحاول يا ابني مع نفسك كده تفكر في كلام الدكتور و تشوف لك واحده وتتجوز وتحاول تمشي حياتك الدنيا مش بتقف يا ابني ..

رفـع حاجبـه الأيسـر، ثم نظر لها بنصف عين قائلاً بنفاذ صبر: ثاني يا خالتي ما تخلينيش اندم اللي انا قلت لك 

هتفت فايزه علي اوتار الحساسه : طب مش ممكن يكون ربنا قاصد كده عشان ما كنتش هتوافق انك تتجوز غير بطريق غير كده .. طب انت عندك حل ثاني لي علاج ابنك 

جـز هو على اسنانـه بغيظ، ثم زمجر فيها بحدة : يا خالتي صدقني مش هقدر ! حتى لو هتجوز بس عشان اجيب لسليم أخ و يتعالج حساسها صعبه عليا .. هاحس بالذنب اللي انا عايشه حياتي وبخلف ..و ابني في المستشفى وغير اللي ماتوا .. إزاي اشوف حياتي من بعضهم كده بسهولة 

هـز رأسهـا نافيـة بسرعة، هى تخشـي عليه من الوحده قد تجعله يموت بالبطيء بفعل كلماتـه المميتة، ثم هتفت بعتاب : على فكره انت بتشيل ذنب نفسك باللي بتعمله فيك ده .. عشان ربنا ما يرضاش بالظلم ومش معنى انك هتتجوز وتخلف يبقى انك بترتكب جريمه في حقهم ! بالعكس هم مش مبسوطين وهم شايفينك كده بتتعذب كل يوم واكتر .. وبعدين ما في النهايه بعد ما ابنك يخف ان شاء الله ما هو هيحتاج لست جنبك وانت...

تقـوس فمه بأبتسامة ساخرة، قاطعها قائلاً بحزم : طب نفرض ان انا اتجوزت تقدري تقولي لي كده مش هظلمها معايا .. الناس بتتجوز عشان تبني حياه وعائله مع اللي بيحبوهم وهتكون عاوزه تحسب براجل طول الوقت في حياتها .. بس انا مش هابقى موجود هابقى لسه بشتغل وبحاول اجمع فلوس ثاني لي ابنى عشان العمليه ...

لمعة عيناها إنذار لأعلان بدأ اندلاع ثورة غاضبة منه قليلاً، ونهض فجأة يقول بجدية : انتم ليه مش قادرين تفهموا انا مش رافض فكره اجيب اخ عشان ياخذوا منه العينه وابني يتعالج انا بتمنى اغمض عين وافتح الاقي ابني قصادي بخير.. بس هي مين الست اللي هتقبل بشبه راجل في حياتها دي !! 

أقترب بجانب الشباك يسند رأسه بتعب وإرهاق شديدة بقله حيله لتقول فايزه بتشجيع: يا ابني ولاد الحلال كثير .. خليك صريح مع اللي هتتجوزها وممكن ترعى ظروفك وتوافق ...

قبل أن يجيب عليها لاحظ ليلي في الشرفه في البنايه الاماميه تجلس وتمسح دموعها بحزن, تطلع فيها فجاه بنظراتـه الغامضـة وكلمات خالته ترن نشرت التفكير في شئ ما اكثر بداخله، وكأنه كان في بحر عميق من التفكير و أخير وجد من يحتاجه لنجدة !! 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close