رواية قصة حنين الجزءالثاني2 الفصل الثاني2 بقلم صباح عبد الله فتحي


رواية قصة حنين الجزءالثاني2 الفصل الثاني2 بقلم صباح عبد الله فتحي

غادر خالد منزل عائلة عاصي بصحبة كلٍّ من نوران التي انهارت في البكاء وتورمت عيناها من شدّة البكاء على فراق حبيبها الذي أصبح ملكًا لامرأة غيرها، وسلوى التي لا تستطيع أن تفهم شيئًا مما حدث ولا تجد له تفسيرًا مقنعًا يرضي عقلها الهائج. بينما صعد عاصي بصحبة حنين إلى غرفته، ولم يهتم بما يدور في عقول الجميع من أسئلة. وظل كل من نوال وقاسم يحدقان في بعضهما، لعلهم يجدون تفسيرًا مقنعًا ويستوعبون ما حدث منذ قليل.

في غرفة عاصي في الطابق الثاني…

يقف كلٌّ من عاصي وحنين أمام باب الغرفة، والتوتر والقلق يسيطران عليهما. يأخذ عاصي شهيقًا وزفيرًا ويفتح باب الغرفة ويتقدم بضع خطوات إلى الداخل، بينما تظل حنين واقفة مكانها كأن قدميها التصقتا بالأرض، وهي تحدق في جميع أركان الغرفة بعينيها التي يسيطر عليهما الخوف والقلق، وتفرك يديها بتوتر واضح على ملامح وجهها المتعرق، وقلبها ينبض مثل الطبول من شدة خوفها مما هو قادم. يلاحظ عاصي توترها وخوفها، فيوجه نظره إلى يديها التي أوشكت على أن تنزع جلدها دون أن تشعر بذلك. يتقدم نحوها بضع خطوات ويمسك بيديها، ويسجنهما بين كفيه بحنان محاولًا أن يهدئ من روعها، وهو نفسه بحاجة إلى من يهدئ قلبه الذي ينبض بجنون. وأردف قائلًا بهدوء وهمس وهو يغرق في جمال عينيها التي تدور يمينًا ويسارًا من شدة خجلها من نظراته العاشقة التي يسيطر عليها الشوق ليملك هذه الجوهرة التي تقف أمامه:

- إيه يا حنين، مش هتدخلي؟

تجيب حنين بتلعثم وهي تتجنب النظر إلى هذا العاشق الذي أحرقت أنفاسه خديها. تغلق عينيها قليلًا محاولةً أن تجمع قواها المبعثرة وأن تسيطر على قلبها الهائج قبل أن تقول:

- عاصي، ممكن نكون كل واحد في أوضة لوحده؟ يعني مش لازم نكون في أوضة واحدة، إحنا مش متجوزين بجد.

يبتعد عاصي عن حنين قليلًا، وهو ينظر إليها بقتضاب. لقد قتلت كل ما تبقى من أمل داخل قلبه، وأردف قائلًا بهدوء عكس ما يدور بداخله:

- ليه عاوزة نكون في أوضة منفصلين يا حنين؟ إزاي مش متجوزين بجد؟ أنا كاتب عليكي على سنة الله ورسوله.

تجيب حنين بتوتر أكثر، وكلماتها تتقطع كأنها طفلة صغيرة ما زالت تتعلم كيف تتحدث:

- مش قصدي يا عاصي، عارفة إن إحنا متجوزين على سنة الله ورسوله، بس… يعني اللي حصل وظروف جوازنا ما تسمحش إن إحنا نفضل مع بعض تحت سقف واحد، أو يحصل بينا أي حاجة، وأنا وإنت مش صغيرين. إحنا فاهمين وعارفين الدنيا بتمشي إزاي، أتمنى إنك تقدر تفهمني وتفهم وجهة نظري.

في تلك اللحظة، يفقد عاصي عقله. لا تشعر حنين إلا بيد صلبة قبضت على معصمها، وفي لمح البصر كانت تقف في منتصف الغرفة. من شدة قوة تلك اليد، كادت تسقط أرضًا، لكن أنقذها رف المرآة الذي ساندته بذراعيها. تقف وتحدق بذهول إلى ذلك الثور الغاضب الذي يهتف بغضب مكتوم قائلًا بعد أن أغلق باب الغرفة بإحكام حتى لا يشعر أحد بما يحدث بينهم الآن:

- إنتي اتجننتي يا حنين؟ ولا حصل لعقلك حاجة؟ يعني بعد كل اللي عملناه واللي حصل تحت ده، عاوزة كل واحد يفضل في أوضة لوحده؟

ثم يرفع إصبعه السبّابة في وجهها وهو يقول بتحذير وغضب مميت:

- اسمعي يا حنين، هم كلمتين أنا هاقولهم لكِ. أنا وإنتِ هنفضل تحت سقف واحد زي أي اثنين متجوزين. وقدام العالم أنا وإنتِ أسعد خلق على وجه الأرض، وبين أربع حيطان دول لا إنتِ مراتي ولا أنا جوزك. اعملي كل اللي إنتِ عايزاه، وأنا بوعدك أني هاعتبرك زي أي واحدة وأعتبرك مش مراتي ولا حبيبتي طول ما إنتِ رفضة إني أقرب منك، وده وعد يشهد عليه ربنا.

ثم يتركها ويخرج من الغرفة وهو يشعر بأنه يختنق وبحاجة إلى الهواء. قام بفك أول زرارين في قميصه بأطراف أصابعه وهو يسير إلى خارج المنزل كما لو كان بركانًا على وشك الانفجار.

تنهار حنين بجسدها على الأرض وهي تضم وجهها بين يديها وتبكي بشدة على كل ما يحدث لها. تعاتب نفسها بقسوة على ما حدث، وقلبها ينفطر من شدة الحزن. لقد تخلى عنها أكثر شخص كانت تتمنى وجوده بجوارها، ذلك الشخص الذي كانت تتمنى دفء أحضانه وسنده القوي طوال عمرها. إنه والدها الذي تركها تواجه مصيرها بمفردها وأخذ ابنة شخص آخر في أحضانه، وهو غافل عما يحدث لها. أما شقيقها، فيحارب من أجل أن يظل على قيد الحياة ولا يعلم بحالها الآن سوى الله...

_"أنا السبب في كل حاجة. لو ما كنتش رحت الحفلة اليوم ده مع نوران وأنقذتها من اللي كان هيحصل لها، ما كانش ده كله حصل. ولو ما فضلتش في بيت الشباب، ما كانش رياض أخويا بيحارب الموت دلوقتي. ولو رفضت أتجوز عاصي، ما كانش بابا سابني وتخلى عني وأخذ بنت حد تاني في حضنه. أنا أستاهل كل اللي بيحصل دلوقتي."_

وتظل تبكي بشدة وهي تدمدم بكلمات غير مفهومة من شدة بكائها. تظل على حالها حتى يسيطر عليها النعاس وتغط في سبات عميق دون أن تشعر، وهي تشهق في نومها مثل طفلة صغيرة نائمة بعد بكائها...

وسرعان ما أشرقت شمس الصباح معلنة بوصول يوم جديد. مرت هذه الليلة المظلمة كالجحيم على الجميع؛ منهم من نام وهو يبكي، ومنهم من لم يستطع النوم...

**في منزل خالد**

يجلس خالد على مائدة الطعام يتناول الفطور، وتجلس بجواره نوران التي لم تجف دموعها بعد، وهي تنظر إلى الطبق الذي أمامها ولم تتناول شيئًا من طعامها. يرفع خالد رأسه بالصدفة فتقع عيناه على نوران التي ابتلت ملابسها بدموعها، وأردف قائلًا بنبرة هادئة مليئة بالحزن:

_"نوران، يا بنتي، اللي حصل حصل. هو لا أول ولا آخر إنسان على وش الأرض. وانتي بنت حلوة وجميلة وألف واحد غيره يتمناكي."_

تنظر إليه نوران بحنق وترد قائلةً بغضب وهي تنهض من على مقعدها:

_"هو لو كان آخر إنسان على وش الأرض وأول إنسان، هايكون ملكي أنا وبس. انت فاهم؟ ومش هسمح لحتة خدامة قربوعة تاخد مني حبيبي. وأسمع، أنا هقولك إيه؟ أنا وقاظم اتجوزنا امبارح."_

ينهض خالد من مقعده وهو يحدق في نوران بدهشة، ويردف قائلًا بذهول:

_"إنتي اتجننتي؟! قاظم مين اللي اتجوزتيه؟ إنتي وهو!"_
الكاتبة/ صباح عبدالله فتحي 
ترد نوران بغضب ودون وعي، وصوتها العالي أصبح يسمع في جميع أرجاء المنزل:

_"هو أنتم لسه شوفتم جنان؟ ده أنا هوريكم الجنان اللي على أصله! أيوة، أنا اتجوزت أنا وقاظم امبارح، في نفس اليوم اللي بنتك حبيبة قلبك سرقت مني حبيبي. ولا أنت كنت مفكرني هقعد أعيط وأحط إيدي على خدي من غير ما أعمل حاجة؟ ده أنا اتجوزت قاظم بس علشان أكون معاهم في نفس البيت وأعرفهم مين هي نوران. ده أنا مش هخليهم يشوفوا يوم حلو في حياتهم، وده وعد مني قطعته على نفسي لما جرحوني وكسروا قلبي."_

تعليقات