رواية لعنة الخطيئة الفصل الثالث والعشرون23 والرابع والعشرون24 بقلم فاطمة أحمد


رواية لعنة الخطيئة الفصل الثالث والعشرون23 والرابع والعشرون24 بقلم فاطمة أحمد

الفصل الثالث والعشرون : عرض شهادة. 
________________
صباحا...
تململت في الفراش وفتحت عيناها مطالعة ما حولها ووجدت الغرفة فارغة تنهدت متذكرة كيف احتضنته فجر اليوم وطلبت منه ألا يتركها فأزاحها عنه مبرطما بكلمات جامدة مفادها أنها بخير الآن ثم غادر تاركا إياها بمفردها ...

رفعت الغطاء من فوقها ووقفت أمام المرآة تطالع نفسها، بوجه شاحب مكدوم وهالات سوداء أسفل عينيها ورأس ملفوف بالشاش وشفة مجروحة من شدة الصفعات التي اخذتها...
تذكرت نيجار ماحدث في الليلة الماضية وارتجفت مستعيدة كل دقيقة عاشتها بعد خطفها، لقد عُنفت وكادت تتعرض للإعتداء قاومت كثيرا كي تنجو وطعنت ذلك الوغد ومع ذلك أوشك على القضاء عليها، مالذي كان سيحدث لها لو لم يصل آدم إليها في الوقت المناسب فلقد أغمي عليها ولم تكن لتستطع الدفاع عن نفسها أكثر وكلما تتذكر ذلك تشعر بقشعريرة تسري في جسدها كله وترغب بسلخ المعتدي حيًّا ! 

أفاقت نيجار من شرودها وانتفضت فجأة حينما فتح الباب ودخل آدم نظرت لإنعكاسه في المرآة وتبين لها جموده فاِستدارت إليه ببطء وصمتت وبالمقابل صمت آدم أيضا وطال سكوته حتى همست هي بنبرة متحشرجة :
- مش هتقول حاجة ؟ 

- أقول ايه أو اتكلم عن ايه بالضبط ... عملتي مصايب ومشاكل كتيرة لدرجة مش عارف أبدأ منين. 
صدمها بنبرته الجافة وأربكها وتلجلجت نيجار باِضطراب وقد امتلأت عيناها بدموع تفيض من البارحة فجلست على طرف السرير بعياء وأخفضت رأسها متمتمة :
- أنا مكنش في بالي اضرك بس مقدرتش افضل في البيت ده اكتر من كده مقدرتش استحمل اتهامات جدتك وأختك ونظراتك انت ليا ... وفي لحظة مجنونة استغليت انك مش موجود وخرجت من غير ما حد يحس. 

سكتت تسترجع تفاصيل الحادثة ووقف آدم يتابعها باِنتباه فتابعت وهي تضم ذراعاها بيديها مرتجفة :
- الراجل ده ظهر فجأة وضربني ع دماغي ولما فوقت لقيت نفسي مربوطة وهو مدخلني لكوخ جوا الغابة وحاول ... حاول يتعدى عليا.

أطلق شتيمة شنيعة بصوت خفيض وهو يضم قبضته في الهواء متخيلا مدى شناعة نتائج فعلتها الحمقاء لو لم يلحق عليها أو لو لم تستطع نيجار إهدار الوقت بضرب المعتدي، أساسا هي تأذت بما فيه الكفاية وتأذى هو كذلك ولكن مجرد تفكيره بأن تصرفها كان سيودي بها للهلاك يجعله يود لو يعود ذلك الحقير عديم الشرف وقتله مجددا، ويجعله يريد كسر عظامها وتحطيم وجهها لكي لا تقدم على ما فعلته مرة ثانية ! 

زفر آدم بسخط وصل معناه لنيجار واستطاعت بطريقة ما توقع منحى تفكيره في هذه اللحظات فواتاها شعور خسيس بالنقص والدونية وقالت منفعلة :
- بس أنا حاولت قد ما اقدر احافظ ع نفسي ولو مكنتش قدرت ... لو هو وصل للي عايزه فـ اتأكد اني كنت هقتله واقتل نفسي بعدها.  

نطقت آخر جملة بثقة لفتت نظره فوجه بصره عليها لهنيهة وفتح فمه ليقول شيئا معينا لكنه تراجع وسألها حول موضوع آخر مغمغما :
- بخصوص الراجل ده ... من امبارح وانا بفكر ان كان خطفك لأنه مجرد واحد *** شاف ست ماشية لوحدها بليل وحب يستغلها ولا يمكن بيعرفك لسبب تاني. 

تفاجأت من سؤاله واهتزت حدقتاها لبضع ثوان متذكرة ما قاله المدعو مليجي انه هو الذي أطلق على آدم بأمر من صفوان ويبدو أن ابن عمها رفض الدفع له بسبب فشله في مهمة القتل فقرر هذا الأخير الانتقام منه وكانت هي الطعم المناسب له. 
هل تنطق الآن وتخبره بما تعرفه هل تقول له لكن اين ذلك الرجل الآن هل ضربه آدم وتركه أم يحبسه عنده ولماذا يسألها عن إن كان قد خطفها لسبب آخر. 
أيعلم السبب بالفعل لكنه يريد استدراجها حتى تعترف بنفسها ويعرف هو معلومات إضافية هل اعترف له مليجي بعدما أمسك به ؟ حسنا لو كان الموضوع هكذا حقا إذا من المؤكد بأن آدم يحتفظ به ليستعمله كوسيلة لإثبات جرم صفوان. 

غرقت نيجار في بحر الأفكار محاولة ربط الخيوط ببعضها فطال صمتها عن المعتاد وفسره آدم على أنه سكوت وتهرب من الإجابة بسبب رغبتها المستمرة في حماية ابن عمها فتنهد مغمضا عيناه ثم فتحهما وأولاها ظهره متلفظا بكلماته الأخيرة قبل المغادرة :
- اوعى تطلعي من الاوضة النهارده مهما حصل أنا مش عايز حد يشوفك وانتي بالحالة ديه. 

ولم يمنحها فرصة الإجابة لأنه كان قد رحل !!
_________________

- يعني ايه مش هتطلع من اوضتها انت بتعصي أوامري ! 
هدرت حكمت جملتها بعصبية بعدما وقفت على باب الغرفة وكادت تقتحمها لتقطع شعر تلك الوقحة وتحاسبها على هروبها فأمسكها آدم في اللحظة الأخيرة ومنعها من الدخول مرددا بأنه حبسها ولن يسمح لأحد برؤيتها. 

راقبها هذا الأخير وهي تقف بصرامة وانفعال نادرا ما يظهر عليها ليستمع اليها وهي تردف :
- قليلة الرباية ديه هربت من بيتك في نصاص الليالي يا حفيدي السبع عشان تفضحنا وتخلي سيرتنا ع كل لسان وبدل ما انت توريها النجوم في عز الظهر جاي تخليها علينا وعشان ايه و لـيـه ؟ ده انا كنت فاكرة هسمع صوت صراخها لآخر الشارع وترميها في بيت أهلها لحد ما يجو يترجوك ترجعها كنت فاكراك هتطلقها وترميها بفضيحة بس مش فاهمة البنت ديه عملتلك ايه بالظبط عشان تفضل ساكت ومستسلم ليها كده.  

قضب حاجباه بضيق من كلماتها وقال بهدوء زائف :
- أنا مش مخبيها عنكم ولا مستسلم يا ستي حضرتك فاهمة غلط ياريت منكبرش الموضوع اكتر من كده هي مراتي وأنا حر فيها. 

تهكمت ساخرة منه ثم ضرب بعصاها على باب الغرفة هادرة :
- احيانا بتنسى اني ستك وست البلد ديه كلها يعني ان كنت انت داهية وبتعرف تتصرف في الخفاء فمتنساش ان كل ده اتعلمته مني ... وعموما حاول تخبي بنت الشرقاوي ع قد مابتقدر يا حفيدي بس أنا هعرف ازاي اطلع من هنا وافهم ايه اللي مخبيه عني كده. 

وجهت له نظراتها المكحلة الحادة وذهبت فبقي هو بمفرده مع ليلى التي كانت تتأمله بجمود ليقول لها :
- بتبصيلي كده ليه. 

- عايزة اشوف اذا كان الراجل الواقف قدامي ده هو نفسه أخويا آدم اللي محدش بيدوسله على طرف ولا واحد تاني  ... انت اتغيرت اوي وأنا مبقتش متأكدة منك حاسة اني عمري ما عرفتك يا ابيه.
ردت عليه بمنطقتيها المعتادة وهي تضم ذراعاها لبعض ثم تركته وغادرت ليقف آدم ناظرا لأثرها وهمس بعد ثوان :
- في ايه هو مين اللي بيعلمها الكلام ده والوقفة ديه كمان. 

انتبه لرنين هاتفه وكان المتصل هو فاروق فمط شفته متوقعا ما سبب هذه المكالمة ولم يخب ظنه حينما أجاب وقابله كلام الآخر :
- آدم بيه قولتلك امبارح بليل ان واحد تبعنا هيدبر صورة للراجل اللي كان بيروح لعند صفوان وفعلا الصورة اتبعتتلي من شويا ... مش عارف اجيبها لحضرتك ازاي بس البني آدم ده هو نفسه اللي دفنناه امبارح نفس المواصفات ونفس الجسم واسمه مليجي. 

توقع فاروق أن يسمع سخط آدم من الجهة الأخرى لكنه تفاجأ من هدوئه وأنفاسه المستقرة فضيق حاجباه مرددا بتوجس :
-  اعذرني ع تخطي حدودي بس ياريت اللي بفكر فيه حاليا غلط. 

حينها رد عليه بلهجة صلبة ثابتة وهو يسند يده الثانية للشرفة المطلة على الفناء في الأسفل :
- لا مش غلط، أنا عرفت الموضوع ده قبل ما اقتله بثواني هو اعترفلي وقالي انه مستعد يشهد معايا علشان اعفي عنه ... طلع اسمه مليجي بقى. 

- حضرتك مستوعب ان الراجل اللي بقالنا كتير بندور عليه وتعبنا كل التعب ده بسببه جيت وقتلته بكل بساطة !
هدر معترضا باِستنكار فاِحتدت تقاسيم آدم مجيبا بنبرة صارمة :
- جرى ايه يا فاروق انت فاكرني بقرون عشان اسيب الكلب ده حي مش عارف هو عمل ايه وبعدين انت هتناقشني في قراراتي ؟! 

- بعتذر منك مش من حقي اناقشك  بس حضرتك اللي قلت ان احنا لازم نحاسب صفوان حسب الأصول قدام العمدة والباقيين لأننا مش هنستفيد حاجة من قتله قبل ما نلاقي دليل قوي ومليجي ده كان الوسيلة اللي يخلينا نثبت بيها انه صفوان دخل في لعبة قذرة علشان يخلص منك بعد ما اعلنك العمدة خليفة ليه لكن قتلك لمليجي قلب الموازين اللي بقصده انه ياريت لو خليته يشهد بعدين نخلص عليه ومحدش هيحاسبك. 

- عارف كل ده كويس بس أنا مكنتش هقبل اخليه عايش دقيقة زيادة هو بص على شرفي واتعدى على حرمتي بفضل اموت ولا اني استنى المساعدة من واحد زيه حتى لو مش هقدر اثبت تورط ابن الشرقاوي في الاغتيال.
رد عليه آدم بحسم ومن دون أن يندم دقيقة على ما اقترفه لأن أولئك الأوغاد لا يستحقون العيش في كل الأحوال ولهذا لم يكن ليتوانى قط عن محاسبته بنفسه حتى لو اضطر لبذل مجهودات مضاعفة أخرى كي يستطيع الحصول على دليل الإدانة. 

أغلق الخط وأخفاه في جيب سترته مغمغما بنزق :
- أنا كان لازم اقتل صفوان من زمان مش اقعد استنى دليل يثبت التهمة ضده عشان اتحرم بس هعمل ايه مضطر اتعامل بدبلوماسية لأني خليفة العمدة زي ما بيقولو. 
بس الحق ع ايه ولا ع مين كل حاجة بتجي ورا بعضها والمفروض احلها ومن غير ما حد يدرى باللي بيحصل. 

برطم ساخرا من نفسه ثم أسند يداه على طرف الشرفة مفكرا حتى رأى الباب الخارجي يفتح من طرف أحد الحراس فوقف متسمرا مكانه وفغر فاه بذهول حين لمح آخر امرأة توقعها أن تأتِ رمش بعينيه عدة مرات غير مستوعب وظن للحظات انه أخطأ بها لكنه رأى جدته تقابل الزائرة وجها لوجه فتأكد من رؤيته وتحرك بخطوات متسارعة حتى وصل للفناء وقابلها وجها لوجه متمتما :
- عمتي !!

ابتسمت المرأة التي كانت تقف بشموخ تنافس به شموخ نساء الصاوي وقالت :
- ابن اخويا الغالي ... مش هترحب بيا ؟ 

استجمع شتاته واقترب يقبل يدها باِحترام ويحتضنها مرددا عبارات الترحيب ثم انزاح عنها متشدقا :
- أهلا وسهلا بيكي فبيتك أنا متفاجئ من وجودك يعني لسه مكلمك من يدوب أسبوع وملمحتليش ولا ذكرتي انك هتجي. 

تناقضت ابتسامة وجهها مع نبرتها وهي تعاتبه هاتفة :
- ده لأني كنت لسه مبعرفش انك اتصاوبت ورجعت من الموضوع ولولا اختك اتكلمت بالغلط مكنتش هعرف خالص. 

- ليلى ... كان لازم اتوقع.

- جيت جري عشان اطمن عليك قولي انت كويس ياحبيبي عامل ايه ده انا مشوفتكش من آخر مرة جيت للمدينة وزورتني في بيتي. 

- حقك عليا يا عمتي والله المشاغل خدتني ... حضرتك واقفة كده ليه اتفضلي اقعدي وليلى روحت للكلية من شويا هتفرح اوي لما ترجع وتلاقيكي هنا. 

هزت رأسها موافقة إياه وتحركت لتدخل فأزاح كتفه العريض وظهرت حكمت من خلفه واقفة بجبروتها المعتاد وملامح وجهها الباردة فتقابلت عيونهما لفترة وجيزة قبل أن تدنو منها هذه الأخيرة وتهتف مخاطبة ابنة ضرتها :
- أهلا وسهلا بيكي يا حليمة نورتينا. 

رشقتها حليمة بنظرات صامتة والعديد من ذكريات الماضي تختلط ببعضها في هذه الأثناء حتى تنهدت وأجابتها :
- تسلمي يا حكمت هانم هكون منورة طبعا وأنا فبيت أبويا الحاج ربنا يرحمه.

أحس آدم ببوادر غير مطمئنة تندلع بينهما حاليا فحمحم وحمل حقيبتها ليشتت انتباههما فهو لا تنقصه أي جدالات تسبب صداعا آخر لرأسه :
- هطلع اوضتك لفوق عشان ترتاحي شويا من تعب السفر. 

تدخلت حكمت في الحوار بعنهجية :
- للأسف مفيش اوضة زيادة جاهزة دلوقتي لأن عمتك جت من غير موعد بتقدر تنام مع ليلى النهارده واول ما الاوضة التانية تجهز هتروحيلها ... اتمنى ميكونش عندك اعتراض يا حليمة. 
ديه. 

- لأ طبعا مش هعترض ع اني انام مع بنت اخويا القمر وبعدين مفيش داعي للرسميات ديه يا حكمت هانم أنا واحدة من اصحاب البيت. 
ردت عليها بنبرة قوية ملمحة فهمتها الأخرى على الفور فتبسمت برسمية وتنحت جانبا لتصعد حليمة للغرفة في الأعلى رفقة آدم تحت نظراتها المشتعلتان شرًّا. 

وضع الحقائب على الأرض وعاد لعمته محيطا كتفاها بيديه وتمتم :
- انبسطت عشان شوفتك راجعة لبيتك بعد سنين طويلة، متفهمنيش غلط بس انا مستغرب شويا لأن آخر مرة جيتي فيها كان يوم عزا أمي وبعدين خدتي ليلى وروحتي فنفس الليلة اشمعنا المرة ديه جاية وجايبة شنطتك معاكي كمان. 

ربتت على يده وأجابته :
- انت عارف مشاكلي مع جدتك وقد ايه انا والمرحومة أمي اتعذبنا بسببها هي كرهتنا في حياتنا بعد وفاة جدك وماصدقت اتجوز وانتقل للمدينة عشان اخلص منها، وبسببها محضرتش فرحك رغم انك ذكرى من المرحوم بس لما سمعت بالحادثة بتاعتك مقدرتش امنع نفسي من اني اجي وأشوفك ... خاصة بعد ما عرفت ان البنت اللي اتجوزتها كنت بتعرفها من قبل وضحكت عليك. 

اكفهر وجه آدم وتشنج باِقتضاب فاِستطردت حليمة بتساؤل :
- ديه بتبقى نيجار اللي حكيتلي عليها من قبل وقولتلي انك ناوي تتقدملها صح. 

- ايوة هي. 

- طب اتجوزتها ليه آدم اللي بعرفه كان هيقتلها هي وابن عمها بعد ما يعذبهم هما الاتنين سوا مش يكتبها ع اسمه ايه اللي خلاك تقبل تتجوزها. 
رددت بحيرة من فعلته فتنهد آدم وأجابها ببساطة :
- عشان المنصب، العمدة عرض علينا نتناسب وكنت هرفض في البداية بس مقدرتش لأني بكده هبقى كسرت الكلام اللي قاله قدام رجالة البلد وكنت واقف قدام خيارين يا اما انا اتجوز نيجار يا اما صفوان يتجوز اختي وحضرتك عارفاني مستحيل اوافق ع ان ليلى تروح للندل ده علشان كده قبلت الجواز. 

رمقته بتشوش وعدم استيعاب لكل ما يقال دفعة واحدة وفكرت في أن هوس السلطة انتقل من حكمت لحفيدها وفي الحقيقة لا يتطلب منها أن تفكر كثيرا كي تدرك بأن حكمت نفسها من أقنعته بقبول الزيجة حتى لا تخسر مكانتها الرفيعة بين الجميع ... حمحمت حليمة ولم ترد إزعاجه وإخباره بما يجول بداخلها فتبسمت مومئة بتفهم :
- طالما انت مدرك للي بتعمله يبقى عندك وجهة نظر يا حبيبي، قولي يا آدم فين مراتك ديه أنا سمعت ان جدتك اتهمتها بمحاولة قتلك وحبستها في الاوضة تحت اوعى تكون لسه محبوسة. 

ضحكت ممازحة بملامح منبسطة تقلصت على الفور حين همهم آدم بإيجاب :
- أيوة أنا حابسها بس في اوضتها ... قصدي اوضتنا احنا الاتنين. 

شهقت وكادت تتكلم لكنه أوقفها بحركة من يده بينما يغمغم بنبرة جادة :
- لو سمحتِ عارف كويس انا بعمل ايه ومش عايز حد يتدخل ودلوقتي هسيبك عشان اروح لشغلي وهنبقى نكمل كلامنا لما ارجع يلا ارتاحي عاوزة حاجة مني. 
- لا يا حبيبي سلامتك. 

غادر آدم الغرفة ونظرات حليمة تتبعه حتى اختفى وهمست برفعة حاجب :
- فاضل ايه معملتهوش عشان السلطة ولحد امتى هتفضلي كده مش كفاية انك دمرتي حياة ناس كتيرة دلوقتي وصل الدور لحفيدك وعايزاه يبقى زيك انتي ... بس أنا جيت اهو ومش هسمحلك تستغليه اكتر من كده يا حكمت. 

من الناحية الأخرى دلف آدم لغرفته ووجدها تفترش الأرضية مسندة ظهرها على السرير وتضم ساقيها لصدرها بينما عيناها تجولان في الاشيء بشرود فعرف أنها غرقت في ذكريات أحداث ليلة أمس إلى درجة أنها لم تنتبه لدخوله، لم يعر لها بالا وفتح الخزانة ليأخذ لوازمه فقابلته القلادة المكسورة التي وجدها مرمية في الغابة أمس لقد كانت هي من دلته على مكانها لولا القلادة لعاد أدراجه تاركا نيجار خلفه. 
تلمسها بين أصابعه بوجوم ثم خبأها في الدرج بلا اكتراث وأخذ معطفه ومفاتيحه ألقى نظرة عليها مجددا وهذه المرة تنحنح بصوت واضح فاِنتفضت نيجار من قوقعتها ورمقته بدهشة من وجوده ليردد آدم بثبات :
- أنا منعت حد يدخل للأوضة هنا مش عايزهم يشوفوكي بالحال ده ويفضلو يسألو يبقى انتي كمان اعملي زيي ومتفوتيش عتبة الباب مفهوم. 

أومأت بطاعة غريبة عنها فتابع مستطردا :
- صحيح عمتي حليمة جت زيارة وممكن تعوز تدخل وتشوفك خدي بالك ومتفتحيش الباب لحد أنا هوصي ام محمود تجيب الأكل والشرب لعندك خديهم من ايديها بسرعة وارجعي ادخلي. 

تنهدت نيجار هامسة بملامح باهتة :
- مفيش داعي أنا مش جعانة. 

- وأنا مش بطلب رأيك ! 

تركها ونزل إلى الأسفل فوجد جدته الجالسة على الأريكة الواسعة وحين رأته ابتسمت متهكمة :
- ايه لسه مصمم تخبي مراتك من عينيا.

أخذ نفسا عميقا متوسلا الصبر واقترب منها مرددا :
- مخبيتهاش بس أنا معاقبها وحابسها في الأوضة مش عايزها تخرج وتشوف حد. 

- معاقبها بس وصيت الشغالة تخدمها مش كده. 

- ستي لو سمحتِ. 

- ماشي تمام اعمل اللي يريحك تروح وترجع بالسلامة يا حفيدي. 

ابتسم آدم باِمتنان وخرج من السرايا لكن حكمت التي كانت تشم رائحة شيء غريب في الموضوع لم تكن لديها نية لإغلاقه ولن ترتاح حتى تكشف ما حدث ليلة البارحة العاصفة ...

_________________
في المساء. 
اجتمعت العائلة على مائدة العشاء وجلست ليلى بجوار عمتها متمتمة بفرحة :
- أنا مبسوطة اوي لأنك معانا يا عمتو مصدقتش نفسي لما رجعت للبيت ولقيتك واقفة قدامي. 

ابتسمت بحنو مداعبة وجهها وفجأة توتر الجو عندما دخلت حكمت ورشقتهما بنظرات جامدة وأخرى غاضبة اختصت بها ليلى التي انكمشت على نفسها بتوتر وهي تعلم سبب انزعاج جدتها منها، جلست على رأس الطاولة بغرور ووجهت كلماتها للخادمة باِقتضاب :
- آدم بيه فين. 

- شوفته واقف مع فاروق تحت يا ست هانم. 

في هذه الأثناء دلف آدم وجلس بهدوء فنظرت حليمة للباب كأنها تنتظر شخصا ما ثم قالت :
- مراتك مش هتجي ولا ايه انت لسه حابسها.

امتقع وجهه بضيق وصمت بينما زفرت ليلى مجيبة بلهجة حانقة :
- حتى لو مكنش حابسها هي متعودة تاكل لوحدها في المطبخ مبتقعدش معانا ع سفرة واحدة. 

مطت حليمة شفتها بإستنكار كتمته بداخلها وبدأ الجميع في تناول العشاء حتى سمعوا ضجة تأتِ من الخارج مفادها صرخات ولعنات وتصاعدت أصوات الشجار فوضع آدم الشوكة من يده وانتصب واقفا وخرج للفناء هاتفا بصوت عالٍ :
- ايه المسخرة ديه في ايه. 

تحرك ليخرج ويرى سبب الضجيج لكن الباب اقتلع من مكانه فجأة حينما اقتحم صفوان السرايا متصارعا مع فاروق الذي يحاول إخراجه لكنه أزاحه عن طريقه ونظر لهذا الأخير صائحا بحدة :
- انا جيت يا ابن سلطان. 

ركضت النسوة للخارج ليروا ما يحدث وانتفضت ليلى بخوف بينما وقفت حكمت في المنتصف ببسمة مريبة أما آدم فكأنه أصبح يرى الشياطين أمام عينيه كما يرى عدوه اللدود يقتحم بيته هكذا احتدَّ وجهه بوحشية وتصلبت شرايينه بتأثير الإنفعال فكز على أسنانه هاسًّا بخطورة :
- انت بتعمل ايه هنا يا واطي ... اطلع فورا وإلا أنا مش مسؤول عن اللي هعمله. 

تهكم صفوان باِستهزاء مبرطما :
- وأنا مش مقطع شراييني عشان ادوس بيتك أنا جاي لبنت عمي ... فين نيجار يا ابن سلطان. 

قضب حاجباه بخشونة ولم يجبه ليقترب صفوان خطوتين متابعا :
- أنا عارف أن نيجار هربت وانت رجعتها عايز اشوفها وافهم منها ازاي تعمل كده وليه وانت عملت فيها ايه يا آدم. 

رغم ذهوله من معرفة الآخر بالأمر لكن لم تكن له فرصة للتفكير ولم ينتبه لحكمت التي غمزت أم محمود لتركض للأعلى لأن صفوان انتفض وهو يحاول تجاوزه :
-  بنت عمي فين وازاي تقدر تهرب من بيتك ايه انت مش راجل كفاية علشان تحافظ ع مراتك اااه. 

أنهى جملته بصرخة ألم إثر لكمة من آدم فجرت أنفه بالدماء فتراجع للخلف متحسسا مكان الضربة بينما يهدر الآخر بهمجية :
- امشي من هنا احسنلك يا شرقاوي لسه حسابك مجاش وقته متخلنيش ابتلى فيك دلوقتي لأن حسابك بقى تقيل اوي. 

شتمه صفوان بصوت خفيض ورمقه بحقد فكاد يهجم عليه ليحفظ ما تبقى من مياه وجهه وحضر آدم نفسه ليضربه لكن صوتها الذي صدع من الأعلى أوقفهما :
- صـفـوان !! 

نزلت راكضة لهما فوقعت الأعين عليها وتداعت بين الصدمة والذهول من مظهرها وعلامات الضرب على وجهها شهقت حليمة مطالعة هذه الفتاة وحالتها المريبة واندهشت ليلى منها أما حكمت فلم تستطع الحفاظ على جمودها وإخفاء إنفعالاتها أكثر وهي تنظر لنيجار التي من الواضح أنها تعرضت لضرب مبرح ... هل حقا قام حفيدها بتأديبها أخيرا وإظهار قيمتها الحقيقية لها ولهذا سجنها في الغرفة لكي لا يراها أحد ؟؟

تحركت عينا صفوان عليها بعدم استيعاب ورغم غضبه السافر منها لكن هاله رؤيته لابنة عمه بهذا الشكل فطالع آدم مبرطما :
- انت عملت فيها ايه. 

أغمض عيناه لاعنا إياهما في سره ومتوعدا لها على نزولها رغم تحذيراته المستمرة ثم فتحهما ورشقها بتوحش آمرا :
- اطلعي لفوق. 

ارتبكت نيجار من هيأته ولوهلة ندمت على عصيان كلامه لكنها لم تستطع السيطرة على نفسها عندما سمعت أصوات شجار ثم أتت لها أم محمود وأخبرتها بأن ابن عمها اقتحم السرايا متوعدا وسيحدث كارثة مع زوجها. 

عبثت بأصابع يديها بتلكؤ ورغم توترها استطاعت اخراج حروفها المرتجفة :
- انت جيت تعمل ايه لو سمحت امشي من هنا. 

- امشي ايه انتي اتجننتي الحيوان ده مش مخلي فيكي حته سليمة !
صاح ساخطا وتابع :
- ضربتها وكسرت ايدها بعدين خبيتها عشان محدش يشوفها مش كده.

تفاجأت من الإتهام الذي ألقي عليه ففتحت فمها لتتحدث وتخبرهم بأن الفاعل ليس آدم لكنه قاطعها بنظرة تحذيرية وأجابه :
- مراتي وبعمل فيها اللي عايزه انت كنت هتعمل ايه لو مراتك هربت فنص الليل. 

كان سيدفنها حية، فكر صفوان بهذا الشيء دون تردد متخيلا لو أنه تعرض لهذا الموقف فخبتت ثورته على حين غرة لكنه برطم باِعتراض خفيف :
- ومع ذلك كان ممكن تحل الموضوع من غير ضرب. 

تدخلت حكمت في الحوار وهي تقرع عصاها في الأرض وتتقدم الجمع مرددة بصرامة :
- احمد ربك لأن حفيدي راجل واكتفى بكده بس واحد غيره كان قتلها عشان يغسل عاره ولا أقل شي يطلقها ويرميها قدام باب بيتكو يا ولد الشرقاوي وانت عارف كويس يعني ايه ست تسيب بيت جوزها وتهرب في نص الليل كمان. 

فجأه وجد نفسه عاجزا عن الجدال بل ورأى أنه هو الطرف الأضعف لأن ابنة عمه الغبية كادت تهوي بسمعة عائلتها على الأرض بالفعل يجب عليه أن يشكر آدم لأنه اكتفى بضربها فقط ولم يقم بشيء آخر يضعه في ورطة. 
رشق نيجار بنظرات حادة ساخطة وتمتم بصوت خافت يختلف تماما عن النبرة التي دخل بها منذ قليل :
- عندك حق ... نيجار غلطت وكان لازم تدفع التمن. 

رضوخه السريع وانقلابه عليها أمام الجميع جعلها تبتسم بسخرية أخفت وراءها شرخا عظيما أصاب قلبها المفطور ثم تنهدت وأوقفت صفوان بصوت عال حين التف ليغادر :
- استنى شويا. 

تسمرت قدماه على الأرض فتقدمت منه ليمسك آدم يدها يمنعها لكنها أزاحته برفق وتابعت حتى وقفت أمام ابن عمها وقالت :
- مش آدم اللي ضربني هو ملمسنيش ولا جه جنبي أصلا بالعكس ساعدني. 

اكفهر وجهه بحيرة كما فعلت النسوة أما زوجها فهدر محذرا :
- نـيـجـار !! 

لكنها تابعت بإصرار غير مكترثة بالعواقب مهما حدث :
- امبارح وانا ماشية في واحد اعترض طريقي عشان يسرقني ولما قاومته ضربني وعمل فيا زي ما انتو شايفين ... انا كمان مسكتش وحاولت انقذ نفسي بس مقدرتش عليه وفي الوقت ده وصل آدم ولحقني من بين ايديه وخدني يعالجني.

اندهش آدم من كذبتها ومع ذلك كانت منطقية بالشكل الكافي وأقل وقعا من حادثة الإعتداء فزفر براحة بينما ردد صفوان باِنفعال :
- مين الكلب اللي حاول يسرقك هو مش عارف عيلة الشرقاوي وايه اللي قادرين يعملوه. 

زاغت شفتاها في ابتسامة مستهزئة برجوليته المصطنعة وتفاخره الدائم بنسبه دون أن يكون يفعل شيئا جديرا يليق بمكانة عائلتهم فردت عليه قائلة :
- يمكن محصلوش الشرف عشان يتعرف على عيلتنا لو عرف انا مين أكيد مكنش هيعمل كده كان اسمه ايه يا ترى نسيت ... اه ...

اصطنعت نسيان اسم ذاك المعتدي الوغد ثم تذكرته فرفعت نفسها لتصل لأذن صفوان وهنا همست :
- مليجي ... اسمه مليجي.

هل يصفر وجه المرء من مجرد ذكر اسم شخص ما ؟ نعم هذا ما حدث لصفوان حين أخبرته باِسم الرجل الذي تهجم عليها بغية سرقتها شحبت بشرته واختل توازنه بفعل الصدمة وهو يرى نيجار تحدق فيه بنظرة يعرفها جيدا ... نظرة تخبره بأنها كشفت خفية من خفاياه أو بالأحرى كذبة من أكاذيبه فتنحنح معيدا صوته لحلقه بعدما اختفى وتمتم :
- انتي عرفتي ؟ 

إلا أنه قبل سماع جوابها قاطعهما الآخر وهو يقف بينهما وأبعد نيجار بعجرفة هاتفا :
- خلص وقت الزيارة بتقدر تتكل دلوقتي. 

كتم صفوان حنقه على مضض وغادر أما آدم أشار لها بالصعود ثم نظر للنسوة وخاطب حكمت مباشرة :
- انتي اللي خلتيه يجي صح ؟ 

لم تكلف نفسها عناء الإنكار بل ابتسمت بثقة توضح جوابها فزفر وهدر بغضب :
- ليه عملتي كده بسببك جه الحيوان ده ودخل لنص بيتي كان قصدك ايه يا ستي كنتي هتبقي مرتاحة لو قتلته هنا ! 

تمتمت بنبرة بليدة باردة لا تليق بالموقف البته :
- أولا أنا معزمتوش بس اتصلت بيه وقولتله يلم بنت عمه واذا كان هو السبب في هروبها فيقصر الشر لأن عيلته هتتضرر قبلنا احنا، كنت هعرف منين انه هيتهجم علينا. 

رمقها مستنكرا هدوءها وإدعاءها نية صافية فهو يعرف طباعها جيدا ويدرك بأن جدته كلمت صفوان وقامت بشحنه حتى يثور ويأتِ لمنزلهم وبهذا تجبر نيجار على التدخل خوفا على ابن عمها فتظهر أمامهم وبهذا تكشف حكمت ما يود إخفاءه. 
وهنا تدخلت ليلى التي كانت ساكنة طوال الوقت تراقب ما يحدث وهتفت :
- طول ما البنت ديه هنا احنا مش هنخلص من مشاكلها كان ناقص التور ده يتهجم علينا واهو حصل بسببها حضرتك ليه مطلقهاش وترميها.

- ليلى متدخليش في الموضوع ده انتي مش فاهمة حاجة. 
طلب منها بخفوت محاولا السيطرة على عصبيته وهيجانه لكنها لم تنفذ طلبه بل صممت أكثر وهي تقترب منه مرددة :
- أنا فاهمة كل حاجة بعد ما كنت مغيبة انتو خبيتو عليا حاجات كتيرة وعرفتها بالصدفة بس مع ذلك لسه بتحاول تطلعني برا وبتقولي مدخلش في الموضوع انت نسيت اني جزء من العيلة ديه. 

- كفاية قولتلك اقفلي ع السيرة. 

- مش كفاية يا ابيه أنا زهقت من المشاحنات والمشاكل ديه بسببك انت دخلت العيلة ديه لحياتنا وعملت مصايب لو انت محبتهاش وأصريت علينا كنا هـ....

- لـيـلى ! 
صاح باِسمها بشراسة جعلتها تنتفض وتتراجع للخلف بينما يقترب منها بشكل جعل حليمة تتوجس وتخفيها وراء ظهرها خوفا من أن يجن جنونه ويضربها لكن آدم قبض على ذراع شقيقته وجذبها ناحيته صارخا :
- اظاهر اني دلعتك كتير ونسيتي ازاي تحترمي أخوكي الأكبر منك اوعى اسمعك بتقولي الكلام ده تاني مفهوم او تطولي لسانك عليا ولا تدخلي في اللي بعمله سامعة !!

تبكمت ليلى من الصدمة لأن هذه أول مرة يعاملها فيها شقيقها بهذه الطريقة وتعلقت عيناها الدامعتان بخاصته جاعلة من ثورته تهدأ قليلا فترك ذراعها مستوعبا ما فعله بينما برطمت حكمت بحدة :
- كمل يا ولد سلطان وقفت ليه يلا اديها قلمين ع وشها عشان الليلة ديه تكمل. 

تراجع عنهن باِمتعاض وتحرك مغادرا يترك المكان بأسره لهن وبعد ساعات ولج للسرايا ومنه لغرفته فوجد نيجار واقفة أمام المرآة تحاول دهن إحدى المراهم على ظهرها دون ان تنجح بذلك وحين رأته وضعت العلبة على سطح التسريحة وهمست بخفوت :
- انت رجعت. 

دنى منها مقلصا المسافة بينهما وأمسك معصمها بعصبية جازا على أسنانه :
- ازاي تعصي كلامي وتطلعي من الاوضة وايه لازمة الهبل اللي قولتيه تحت. 

كتمت تأوها متألما من قبضته وهي تجيبه :
- أنا شفت نظرات الإتهام في عينيهم ليك ومقدرتش ارضى تاخد ذنب حاجة معملتهاش. 

- إتهام ؟ انتي عارفة ان محدش هيلومني لو عملت كده فعلا خاصة ستي وده لأنك بتستاهلي ! 

- بس أنا عملت كده علشانك انت. 
بترت كلماته بجملتها الهادئة ورفعت رأسها له ووجدته يرمقها بوجوم وحيرة لتشرح له مقصدها :
- أنا بقيت بفهم طريقة تفكيرك كويس يا آدم بالنسبة ليك انك تمد ايدك على واحدة ست فده عيب في حقك قبل ما يكون ظلم في حقها انت مكنتش هترضى تبص لنفسك على أساس واحد بيعمل كده في مراته حتى لو مراته ديه هي أنا ... أكتر واحدة بتكرهها في الدنيا ديه عشان كده برأتك بس مقولتش الحقيقة كاملة وانت سمعتني. 

- ايوة سمعتك، قدرتك ع الكدب ممتازة لدرجة اي حد بيصدقك مش جديد عليكي. 
همهم بجمود طاعنا إياها في منتصف قلبها بكلماته فبهتت شعلة عينيها على حين غرة واكتفت بالصمت، بدأ آدم في تغيير ملابسه وحينما أوشك على الاستلقاء في السرير وجد نيجار تعود وتقف أمام المرآة لترى كدماتها وتدهنها بالمرهم جربت مرة واثنتين وثلاثة وباءت محاولاتها بالفشل فتأففت بحنق ملقية العلبة. 

بقي يراقبها بطرف عينه بينما يقرأ الكتاب الذي بين يديه لكن ضجتها منعته من التركيز في محتوياته أو هذا ما كان يظنه هو حتى أغلقه ووضعه جانبا ثم وقف قبالتها مغمغما :
- نامي على بطنك. 

- نعم ؟

- اسمعي الكلام. 

حدجته بغرابة كأنه مختل عقلي إلا أنها فهمت قصده حين التقط المرهم فاِحمر وجهها قليلا وذهبت تستلقي على الأفرشة في الأرضية جثى آدم على ركبته بجوارها وامتدت يده إلى سحاب ثوبها وأنزله كليا ببساطة فعضت نيجار على شفتها بحرج وضغطت على الوسادة أسفلها، وزع بصره على الكدمات وشعر بالغضب يتسلل له من جديد لكنه تمالك نفسه وبدأ بتمرير يده الدهونة على مواقع إصاباتها بلطف لاحظ تشنجها فهتف بجدية :
- فكي ظهرك عشان اعرف اعملك مساج. 

قالها وهو يضغط برفق على من فوق رقبتها نزولا لظهرها بتدليك ماهر جعل نيجار تسترخي دون شعور منها وكأن أصابعه تمتلك سحرا خاصا بها أغمضت عيناها مسترخية وأحست بتخدير يسري بداخلها فتنهدت مقررة الاستمتاع بهذه اللحظة مؤقتا قبل أن في ظلمات الذكريات حتى سمعته يهمس بأنفاس متثاقلة :
- حاسة نفسك أحسن. 

همهمت بإيجاب واستطردت :
- عايزة اسألك سؤال وبتمنى ترد عليا ... انت مسكت الراجل اللي عمل فيا كده صح. 

شعرت بلمساته تحتد لكنها ظلت تنتظر الإجابة حتى لفظ نفسه خانقا :
- أيوة مسكته. 

- ممكن اعرف انت عملت فيه ايه بالضبط. 

- زمانه بيتحاسب دلوقتي. 

- مش فاهمة. 

- قتلته. 
نزلت كلمته كدلو ماء بارد على رأسها واتسعت عيناها بذهول متمنية لو يخبرها بأنه يمزح لكن الجدية التي بصوته جعلتها تتلعثم قائلة :
- انت بتتكلم جد ... قـ ... قتلته. 

لاحظ آدم ارتعاشها بين يديه وخوفها الجلي فمط شفته ساخرا منها :
- اومال عايزاني اضيفه عندي مهما كان انتي مراتي وشايلة اسمي مستحيل اسمحله ياخد نفس زيادة طالما أنا لسه بتنفس. 

تلألأت مقلتاها بالدموع الحارة وهي تتذكر محاولات ذلك الوغد للإعتداء عليها وفي نفس الوقت أحست بحميّته تدغدغ حواسها وهي تشعر لأول مرة بأنها في أمان حقا رجل مثله يقدم نفسه كدرع بشري كي يحمي نساء عائلته والتي هي واحدة منهن لا شك في أن تكون مطمئنة معه. 
أخذت نفسا عميقا وزفرته على مهل وقالت بشرود :
- امبارح انا شوفتك قبل ما يغمى عليا وحسيت للحظة بالراحة وخفت اني اكون بتخيل وجودك كنت حاسة انك الوحيد اللي هتلحقني و اسمك جه ع لساني اول ما حسيت ان خلاص كل حاجة انتهت. 
بس مابين النوم واليقظة حسيت بيك وانت شايلني وبتجري فيا تحت المطر حسيت بتعبك ووجع كتفك صوتك كان بيوصلني وساعتها قلبي اتطمن لأنك معايا.

سكتت تبلل حلقها وتلكأت بتردد من قول ما تنوي عليه حتى حسمت أمرها ورددت دفعة واحدة :
- بس الخاطف ده هو نفسه اللي حاول يقتلك كان متفق مع صفوان واتخانقو سوا عشان كده عرفني فورا لما شافني وحاول يعتدي عليا كـ انتقام من عيلتي واسمه مليجي. 

- الـواطي ابن الـ*** 
فلتت شتيمة من فم آدم جعلت وجه نيجار ينكمش منتظرة مشاهدة صدمته وثورته وخافت من أن ينقلب عليها بعدما يعلم بأنه قضى على دليل الإدانة الوحيد بسببها بيد أنه خالف توقعاتها بل وصُعقت عندما رد عليها بثبات :
- أنا عارف. 

استدارت له نيجار بذهول فتابع :
- قبل ما مليجي يموت اعترفلي ع أمل اني ارحمه واسيبه عايش عشان اخده وسيلة اثبت بيها جريمة صفوان. 

- ومع ذلك انت قتلته !! 

- ايوة ومن غير ما يرفلي جفن. 
أنهى جملته وانتصب واقفا فلملمت نيجار الغطاء على جسدها مبرطمة بتشتت :
- ازاي و ليه ديه الفرصة جتلك ع طبق من دهب وواحد غيرك كان هيستغلها ... لو صفوان مكانك كان ...

شهقت عندما اقترنت آخر كلمة من جملتها بصوت ركله لرجل السرير بحقد كان من الواضح انه يعافر للسيطرة عليه من اغماضه لعينيه واختزانه للأنفاس قبل أن يقول :
- متحطنيش في خانة واحدة مع ناس معندهمش ذرة رجولة أنا مش زي ابن عمك ولا هكون !  

لن يكون بالفعل ! فكرت نيجار بهذا الأمر وهي تجد بأن المقارنة بينهما فاشلة من الأساس فصفوان الذي كانت تعتبره جزءا من روحها لا ينفك يظهر لها كم كانت مخطئة في نظرتها ناحيته أما آدم فهو رجل بحق .... ورجولته موجعة تظهر لها كم كانت ندلة كاِبن عمها حينما خدعته ...

تنهدت مفكرة في شيء ما وتلكأت في الأمر حتى قالت بحزم : 
- أنا مستعدة اشهد معاك. 

انتبه لها ورفع حاجبه بتعجب فاستطردت موضحة :
- انا عارفة ان مليجي هو الدليل الوحيد عشان تثبت عملة صفوان وعارفة انه نفسك تنتقم منه وتقتله بس انت مضطر تاخد حقك منه بشكل يليق بخليفة العمدة علشان كده هحكي للعمدة كل حاجة بعرفها واقوله اني سمعت الاعتراف بنفسي. 

أفلت ضحكة متهكمة من فمه مبرطما :
- لا والله ديه مسرحية جديدة ولا ايه امتى فكرتي فيها ده احنا لسه بنقول يا هادي. 

طأطأت نيجار رأسها بذنب متلمسة مدى عدم ثقتها بها :
 - انا عارفة انه صعب تصدق حسن نيتي بس متنساش اني اكتر واحدة تضررت باللي حصل عمايل صفوان أذتني أنا المرة ديه وفوق ده كله حطني في موضع الاتهام ساعة ما اتصاوبت. 
ده كله في كوم وأنك خاطرت بنفسك وحميتني كوم تاني لو سمحت ديه فرصتي الوحيدة عشان اشكرك وكمان اقدملك اعتذاري ع هروبي من البيت. 

وقف يستمع لها بهدوء أيقظ الأمل في داخلها فبتره هو بكلماته الرافضة :
- انسي ... اللي بتفكري فيه ده مش هيحصل. 

رفض عرضها سريعا وعاد للسرير يتابع قراءة كتابه أما نيجار فتنهدت بإحباط جسيم بعدما فشلت في محاولتها لمساعدته ولو مرة واحدة ....
__________________
في اليوم التالي. 
استيقظ آدم واغتسل مرتديا ملابسه ثم نزل لمائدة الفطور وجلس رفقة حكمت وحليمة نظر من حوله وتساءل :
- ليلى مش هتنزل تفطر ولا ايه ؟ 

ردت عليه عمته بهدوء :
- صحيت من بدري وقالت انها هتروح للجامعة ع طول وتبقى تاكل هناك. 

ظهرت على وجهه ملامح الامتعاض لأنه يعلم جيدا بأن شقيقته تتجنبه بعدما عاملها بقسوة ليلة البارحة وتغلغل شعور الندم بداخله على ما اقترفه فصمم على مصالحتها حينما تعود في المساء ثم تناول بضع لقيمات ونهض لتقابله نيجار عند الباب وهي تمسك بمعطفه طالعها لهنيهة قبل أن يلتقطه ويتمتم :
- ادخلي افطري في المطبخ وبعدين اطلعي ارتاحي في اوضتك ولو ستي كلمتك مترديش عليها أنا مش عايز مشاكل مفهوم. 

ردت عليه في خفوت :
- حاضر ... تروح وترجع بالسلامة.

كتمت آخر جملة بداخلها ونفذت ما قاله أما آدم فتوجه للبستان وقابل فاروق ليتناقشا في أمور العمل حتى جاء أحد من العمال وأخبره بأن شخصا يدعى سامح قدم ويريد مقابلته فقال فاروق :
- ع الاغلب ده سامح ابن الحج جمال اللي كان عايز يشتغل معاك. 

- اه يمكن هروح واشوفه عايز ايه. 

ذهب للشاب الذي كان يقف في الخارج مطالعا البساتين بإنبهار واضح على عينيه وصافحه ودعاه للدخول وبعد أخذ ضيافته أخبره بأنه يود فتح محل لبيع أقمشة الحرير ولم يجد موقعا مناسبا من أجل الكراء أكثر من أرضه التي عليها مخزن صغير لم يستعمله منذ وقت طويل.
وأضاف محاولا إقناعه :
- الأرض بتاعت حضرتك موقعها استراتيجي وعليها إقبال كبير لو غيرنا المخزن لمحل قماش هنقدر نستقطب زباين كتير جدا خاصة أن سمعتك معروفة في القرية وده هيساعدنا. 

قطب آدم حاجباه مفكرا في العرض وتمتم بلهجة جادة :
- بس ده مش كفاية عشان تنجح لازم البضاعة يكون بيها جودة بردو ولا انت ايه رأيك. 

هز سامح رأسه مجيبا بلهفة وحماس حينما استشعر أنه من الممكن أن يفكر جديا في الموضوع :
- أيوة أكيد وأنا بقالي سنين بشتغل في القاهرة واكتسبت الخبرة والقماش الحرير بستورده من شركات *** بخامة ممتازة مش أي حد بيقدر يلاقيها حضرتك لو تديني موافقة مبدئية وأنا هجيبلك تفاصيل المشروع عشان تفهم أكتر. 

مرت عليهما مدة وهما يتناقشان حتى اتفقا على ترك فرصة له للتفكير ثم متابعة تفاصيل المشروع ودراسته وبعد مغادرة سامح وقف آدم على رأس العمال يراقب سير العمل كالعادة حتى غرب اليوم وهنا رن هاتفه بمكالمة من السائق محمد فأجاب عليه :
- ايوة يا محمد انت وصلت ليلى للبيت. 

سمع صوت أنفاسه المتوترة فتوجس مرددا :
- مالك في ايه في حاجة حصلت لأختي ؟ 

وهنا أجابه محمد بكلمات كادت تفقد آدم صوابه :
- انا مش لاقي الهانم الصغيرة يا بيه ... بقالي كام ساعة واقف جمب البوابة ومستنيها تطلع في ميعادها المحدد بس مشوفتهاش ومبتردش على اتصالاتي كمان !!



الفصل الرابع والعشرون : اعتراف. 
_________________
- انا مش لاقي الهانم الصغيرة يا بيه ... بقالي كام ساعة واقف جمب البوابة ومستنيها تطلع في ميعادها المحدد بس مشوفتهاش ومبتردش على اتصالاتي كمان !!

أحس بلسعة في جسده وهو ينتفض بذهول مبرطما :
- بتقول ايه هي مين ديه اللي مش لاقيها مش المفروض تكونو في البيت دلوقتي. 

عاد محمد ينظر لبوابة الجامعة بقلق وأجابه :
- زي ماقولت لحضرتك بقالي كام ساعة واقف هنا ومستنيها قلت يمكن خدت محاضرة زيادة ولا التهت مع صحابها في مكان هنا ولما مظهرتش اتصلت اعرفك. 

امتقع وجه آدم بحدة وبدأت قطرات العرق تتشكل على جبينه وهو يستعد لمغادرة البستان بينما يردد :
- انت بتستهبل عليا اختي هتكون روحت ع فين يعني ! روح دور عليها وأنا هجي فورا. 

أغلق الخط وطلب رقم شقيقته مرة واثنتان وثلاث لكن النتيجة هي نفسها لا ترد على الإتصالات مهما طال الرنين، اشتد قلق آدم الذي نهش قلبه وبدأ عقله في نسج متخلف الأفكار السيئة قابله فاروق في الطريق وتوجس من هيأته ليشرح له بإيجاز عما حدث وهنا اندهش وتمتم :
- يعني ايه ليلى ضايعة دلوقتي ديه عمرها ما حصلت ممكن تبقى مع واحدة من صحابها ولا رجعت للبيت بدري. 

رد عليه مضطربا  :
- معرفش هتصل بعمتي دلوقتي واسألها لو كلمتها النهارده ولا لأ بس خلينا نركب العربية الأول عشان نروح ندور عليها. 

***
كانت تمشي بإتزان في الشارع الخالي وتضغط على معطفها مستمدة منه بعض الدفء في هذا الجو البارد ورغم أنها كانت تشعر ببعض التوتر إثر خروجها مبكرا من الجامعة وعدم الرد على المكالمات لكن غضبها وضيقها من شقيقها كان أكبر خاصة بعدما فعله البارحة وكيف صرخ عليها بسبب تلك المرأة التي غيرت حياتهم كليا. 
تنهدت ليلى بتزمت ونظرت لهاتفها المضيء بإسم آدم يبدو أنه علم من محمد بشأن اختفائها وهاهو يتصل ليطمئن كادت تجيبه لكنها تراجعت في آخر لحظة مفكرة بأنها تريد بعض الخصوصية والراحة بعيدا عن تعقيدات العائلة ومشاكلهم اليومية تود لو تنسى لبضع دقائق طبيعة معيشتها. 
ورغم هذا هي خائفة من آدم إنها تعلم نوع شخصيته جيدا وتدرك بأنه عصبي بقدر هدوئه وسوف يغضب منها كثيرا حينما يجدها إلا أنها آثرت التفكير بهذا الشيء فيما بعد ....

غاصت ليلى في الأفكار وفجأة انتبهت لوجود بعض الشبان واقفين على الرصيف ويطالعونها ملقيين ضحكات فيما بينهم لم تكن مريحة البتة.
توجست وأحست بالخوف يتسلل إلى قلبها الذي علت نبضاته فتوقفت مكانها مفكرة في العودة أدراجها ليتضاعف إحساسها حينما وجدتم يقتربون منها، ازدردت لعابها باِرتجاف وتراجعت خطوة للخلف وهنا توقفت سيارة بجانبها وترجل صاحبها برصانة كان شابا مهندما بملامح جادة وقف أمامها فاِنتفضت ليلى مبرطمة :
- انت مين وعايز ايه. 

لم يرد عليها ووضع يده في جيب بنطاله مكتفيا بالنظر لها حتى وصل اولئك الفتيان وتجاوزوها باِرتباك بعدما رأوا الفتاة برفقة رجل تبدو عليه القوة وبالطبع لم يريدوا المخاطرة بمضايقتها، زفرت أنفاسها المرتاحة ثم عادت تنظر لهذا الغريب معيدة سؤالها :
- بقولك انت مين وليه جاي لعندي عايز ايه !

تخلى عن صمته أخيرا وأجابها :
- أولا أنا اسمي مراد، ثانيا مكنتيش هتفلتي من قطاع الطرق دول لو مجيتش وقفت قصادك انتي اللي بتعملي ايه هنا لوحدك مش عارفة ان الوقت متأخر والشارع فاضي ممكن تحصلك أي حاجة. 

عضت على شفتها بحرج فتفرس فيها من الأعلى للأسفل ثم استطرد بنبرة حملت الإستهزاء :
- اوعى تكوني هربانة من بيت أهلك. 

رفعت حاجبها بدهشة ليتابع مراد ببساطة :
- ديه حركات بعض المراهقات اللي في سنك بيبقو عايزين يلفتو نظر الأهل وكده. 

جزت ليلى على أسنانها بغيظ من كلامه فهاجمته كشيطانة صغيرة :
- وانت مالك لو سمحت متدخلش في اللي ملكش فيه وعموما شكرا على مساعدتك أنا هعرف اكمل لوحدي.

همهم مراد واحد ببصره للسيارة الآتية من بعيد وقال :
- مش هتعرفي تكملي لوحدك لأن الجندي بتاعك جه وهيستلم المهمة. 

لم تتسن لها الفرصة للتفكير في معنى كلماته الغريبة لأنها سمعت صوت احتكاك قوي وراءها فنظرت مباشرة ولمحت محمد يتوقف بالسيارة ويخرج على وجه السرعة هاتفا :
- انتي كنتي ....

قطع جملته حين رآها تقف مع رجل رآه من قبل وبسرعة تذكر أنه نفس الشخص الذي اعترض طريقه قبلا فتصاعد غضبه ووجد نفسه يهجم على مراد ممسكا إياه من ياقة معطفه هادرا بحدة :
- بتعمل ايه هنا وواقف معاها ليه انت عايز تموت ولا ايه بالضبط. 

انتفضت ليلى بذعر ورفعت يديها لتفض الإشتباك الذي بدأه محمد وهي تهتف قائلة :
- سيبه انت فاهم غلط الاستاذ ده ساعدني معمليش حاجة وحشة.

- ساعدك ؟ 

زفر مراد بملل من هذه المسرحية الهابطة فأزاح قبضة الآخر من عليه متمتما :
- اتناقشو بعيد عني أنا عملت اللي عليا وهمشي اهو يلا سلام عليكم. 

تركهما وغادر مثلما جاء فوقف محمد ينظر في فراغه بعدم فهم حتى أغمض عيناه كاتما شتيمة بداخلها ثم فتحهما مبرطما بصوت حاد بعض الشيء :
- قبل اي حاجة هتصل بآدم بيه واقوله اني لقيتك.

فزعت ليلى واعترضت محاولة منعه :
- لا بلاش ابيه هيتنرفز عليا ويجي لحد هنا. 

لم يعر لطلبها بالا وابتعد عنها بضع خطوات ليطلب رقمه وسمع صوته بعد ثوان :
- نعم يا محمد. 

- لقيت الهانم الصغيرة وهي بخير الحمد لله كانت بتتمشى في الشارع برا. 

تنهد آدم مخرجا أنفاسه المحبوسة وخفف يده التي كانت تضغط على عجلة القيادة بعدما أوشك على فقدان عقله وتشدق بتجهم :
- انا جاي ليكو مسافة السكة بس، اديهالي عشان اكلمها. 

نظر محمد لليلى الواقفة بخوف وتعبث بأصابع يديها ثم تنحنح يخفض صوته ملتمسا :
- ممكن اطلب من حضرتك تسمحلي اوصلها بنفسي للبيت لأن الهانم الصغيرة باين عليها مرعوبة وممكن الوضع يسوء لو كلمتها دلوقتي كمان. 

فتح آدم فمه للرفض لكنه توقف فجأة مفكرا بشكل سريع بمدى سداد الفكرة ليتأفف باِقتضاب مردفا :
- تمام ماشي بس مطولوش. 
- أمرك يا بيه. 

انتهت المكالمة واستدار للآنسة العنيدة التي سألته بترقب :
- ابيه متعصب اوي صح قالك ايه هيجي لهنا مش كده. 

هدأها بحركة من يده مطمئنا إياها وهو يخبرها بأنه طلب من شقيقها أن يوصلها بنفسه فزفرت براحة وهي تجلس على طرف الرصيف، طالعها محمد لوهلة قبل أن يدنو منها وهو يقول :
- أخوكي كان قلقان عليكي اوي. 

رمقته ليلى باِستهجان معقبة عليه :
- قصدك تقول كان متنرفز ومش طايق نفسه ماهو ع الحال ده من فترة طويلة. 

أدرك بأنها تشاجرت مع أخيها وهذا سبب انزعاجها فأردف موضحا :
- لو سمعتي صوته وهو بيسألني ازاي ملقتكيش وروحتي فين مكنتيش هتقولي كده خالص ده فاروق اتصل بيا وقالي ان آدم بيه خايف تكوني اتخطفتي ولا حصلك حاجة وحشة وكان جاي عشان يدور عليكي معانا. 

تقلص وجهها بذنب جسيم بعدما بدأت باِستيعاب ما نتج عنه تصرفها فعضت على شفتها وصمتت أما محمد جثى على ركبتيه بجانبها وطالعها قائلا بجدية :
- أنا مش عارف حصل ايه بينك وبين البيه بس اللي متأكد منه انك اكتر واحدة هو بيعزها ده بيخاف عليكي من الهوا نفسه وبيفضل قلقان طول ما انتي برا ومبيهدالوش بال غير لما اقوله انك معايا وقربنا نوصل للبيت. 

زاد إحساس ليلى بالذنب وادمعت عيناها متحشرجة :
- أنا عارفة انه بيحبني اوي بس بيبصلي ع اني لسه صغيرة ومبفهمش فكل مرة بيحاول يطلعني من القصص اللي بتحصل معاه ومش هو بس لا كل العيلة شايفاني كده. 

هز محمد رأسه بتفهم وهتف :
- وليه متقوليش انه مش عايز يشيلك مسؤولية ولا هموم انتي فاكرة ان كل اللي بيمر ع اخوكي سهل عليه ؟ اذا كان آدم بيه بنفسه بيستصعب حجم المشاكل والمسؤوليات اللي عليه ازاي عايزاه يرضى يحصلك نفس الشي ! 

- عندك حق، انا غلطت في حقه بس مش عارفة اعمل ايه. 

- لو عايزة رأيي هقولك روحي واعتذريله واقعدو مع بعض واتناقشو ع الحاجات اللي مختلفين فيها ساعتها هتقدرو تفهمو بعض اكتر ومتتخانقوش تاني. 
أجاب عليها برصانة فرفعت ليلى عيناها ووجهتها لوجهه مطالعة إياه، كان كعادته ذو وجه صلب لا تُقرأ دواخله لكن هذه أول مرة يتحدثان فيها مطولا وبالفعل أفادها كثيرا وجعلها تشعر بما غفلت عنه لم تكن تعلم بأن هذا السائق الغامض يمتلك مقدرة على الإقناع والمواساة أيضا فلطالما رأته كجماد وظيفته تنفيذ أوامر شقيقها بشكل آلي. 

أما هو فلأول مرة يسمح لعينيه بتأمل وجهها اللطيف والإذعان لصوتها من دون أن يتجاهل محاولاتها لفتح حديث معه لأنه كان هو من بادر بالكلام هذه المرة لذا ابتسم محمد متأملا إياها حتى استفاق وعاد للواقع فنهض وأشاح وجهه عنها مبرطما :
- الوقت متأخر اتفضلي اركبي عشان اوصلك. 

________________

تمطعت على الكرسي الهزاز وهي تحرك قدماها بسأم تملكها لأنها لم تغادر الغرفة منذ ساعات بسبب حكمت التي لا تنفك تلقي عليها كلمات سامة كي تنغص معيشتها وكأن حياتها سعيدة بما يكفي لتأتِ العجوز وتكمل عليها !
خاصة حينما سمعت جلبة في الخارج منذ فترة قصيرة وكلمات متداخلة مفادها بأن ليلى ضائعة وقتها قلقت وخرجت لتفهم ما حدث فرأتها حكمت وكادت تتهجم عليها وهي تتهمها بأنها السبب لولا أن آدم وصل وأخبرها بحزم أن السائق قد وجد شقيقتها ولا داعي لإحداث ضوضاء أخرى هم في غنى عنها ...

أفاقت من شرودها على دخول آدم فاِنتصبت واقفة وسألته بلهفة :
- اختك جت ؟

لم يجب عليها واتخذ موقف الصامت فاِستدركت قائلة :
- أنا سمعت انكم اتخانقتو امبارح بليل بعد ما صفوان مشي وانا طلعت للاوضة بعتذر منك مكنتش عايزة ده يحصل. 

تنهد مهمهما بفتور وهنا طرق الباب وسمعت صوت أم محمود تخبره من الخارج بوصول ليلى وصعودها إلى الغرفة انتفض آدم بتأهب ونهب الأرض بخطواتها ليخرج فأوقفته نيجار على حين غرة مرددة :
- لو سمحت متقساش عليها اختك لسه مش متقبلة انكم خبيتو عليها حاجات مهمة وطبيعي تكرهني وتعمل التصرفات ديه. 

انتظر برهة قبل أن يحيد لها بنصف التفاتة مغمغما بصلابة :
- وفري كلامك لنفسك أنا مش محتاج نصايحك عشان اعرف ازاي اتعامل مع اختي. 

فتح الباب وصفقه خلفه بقوة فنظرت إلى أثره وزمت شفتها متمتمة باِمتعاض :
- انا مقصدتش ابينلك انك مبتعرفش تتعامل معاها بس حاسة بالذنب مش اكتر. 

تلكأت بتململ لثوان محاولة التغلب على الفضول الذي بداخلها لكنها فشلت فحسمت أمرها وخرجت سريعا لفت انظارها في المكان من حولها ووجدته فارغا وابتسمت بظفر لتتجه للغرفة الأخرى وتقف بجوار الباب المفتوح قليلا محاولة الاستماع للحوار بينهما ...

*** داخل الغرفة كانت ليلى تجلس على طرف سريرها بإرتباك وحرج على عكس ظنها فإن جدتها استقبلتها بهدوء أو هذا ما اضطرت على فعله لأنها رأت نظراتها الحادة المتوعدة وأوشكت على فتح فمها لكن العمة حليمة وهي تطلب منها الصعود للأعلى. 
دلف آدم ووقف يحدق بها في جمود حتى اقترب وجلس بجوارها مرددا :
- انتي عارفة انا حسيت ب ايه ساعة ما اتصل بيا محمد وقالي انك مختفية مستوعبة كمية المخاوف اللي عشتها في اللحظات القصيرة ديه وانا بتخيل ان في حاجة وحشة حصلتلك ولا حد أذاكي وأنا مش قادر اوصلك. 

أغمضت عيناها بقوة وزاد عبثها بأصابعها ليمد آدم يده ويرفع رأسها مستطردا بنبرة هادئة :
- ايه مش هتردي عليا كمان عشان لسه واخدة مني موقف. 

تلعثمت هذه الأخيرة في الجواب وأخرجت حروفا خافتة متقطعة :
- أنا خايفة ... ومكسوفة منك. 

لم تسمع رده فاستجمعت شجاعتها ونظرت اليه لتهالها تقاسيم وجهه المتجهمة وتردف :
- عارفة ان اللي عملته تصرف صبياني بس انا كنت مضايقة وزعلانة نفسي صعبت عليا اوي لما حسيت اني برا دايرة اهتمامك في الأول خبيتو عليا ان البنت اللي اتجوزتها عندك ماضي وحش معاها وبعدين لقيت انها كل يوم بتعملنا مشكلة جديدة وحضرتك بتتعذب وانت بتفكر في حلول لمصايبها بس اول ما بعترض بتقومو تسكتوني حسيت اني مليش لازمة خاصة بعد ما زعقتلي امبارح وانت عمرك ما عملتها من قبل.

ألقت كل مابجعبتها دفعة واحدة وصمتت فساد السكون بينهما لفترة قصيرة قبل أن يتنحنح وهتف مرددا :
- أولا انتي طول عمرك من أولوياتي وعمرك ما هتبقي برا الدايرة ديه مهما حصل وثانيا احنا اتناقشنا في موضوع نيجار قبل كده وفهمتك اني مكنتش عايز اقولك ع اللي حصل مابيننا عشان متحسيش بالضغط لما تلاقيها في وشك كل يوم والدليل اهو بنفسك شوفي ردة الفعل بتاعتك بعد ما عرفتي. 
هو انتي فاكرة ان اللي بيحصل ده بمزاجي ولا ببقى مبسوط اوي وانا بتعامل مع عيلة الشرقاوي لا أبدا انا اكتر شخص بيتمنى تنقطع علاقته معاهم بس مبقدرش وضعي حاليا مبيسمحليش لازم عليا اتعامل بهدوء وبعقل علشان اقدر اوصل للي بخططله من زمان وللسبب ده هتلاقيني مبتهورش ولا بعمل خطوة من غير حساب لأنها هتكلفنا كتير. 

- كلامك صحيح، بعتذر منك يا ابيه لاني حملتك طاقة فوق طاقتك وكمان عشان كلمتك بوقاحة امبارح والله مكنتش بقصد حضرتك بتعرف اني بحبك وبحترمك جدا بس غلطت وكنت بستاهل تتعصب عليا. 
أطرقت بحرج متابعة :
- زمانك بتستنكر عملتي وبتقول ازاي اختي تتصرف بالطريقة الطفولية ديه هتفهم موقفك حتى لو قولتلي انك محروج  مني ومستاهلش اكون اختك. 

رفع آدم حاجباه معقبا ببساطة :
- وانحرج منك ليه يا ليلى مين فهمك انك لازم تكوني بشكل محدد عشان تستاهلي تبقي اختي ولا ضروري تتبعي شروط علشان افتخر بيكي ... حبيبتي حطي في بالك انك هتكوني اختي فكل الاحوال علاقتنا اكبر من المشاكل الصغيرة اللي بتحصل ديه وبوعدك من النهارده احطك في الصورة ومعملش تصرف يحسسك اني مش مهتم بيكي ماشي ؟ 

ابتسمت ليلى واشرق وجهها لتلقي رأسها على صدره وتحطيه هاتفة :
- أنا بحبك اوي يا ابيه ربنا يخليك ليا. 

بادلها الابتسامة ومسد شعرها معقبا :
- ويخليكي ليا.

من خلف هذا المشهد وقفت نيجار تراقبهما بلوعة ولم يسعها سوى تحرك مشاعرها بعاطفية وهي تشاهد حنيته على أخته وتقديره لمشاعرها رغم أنه كان غاضبا منها. 
جاء ليوبخها لكنه حينما لاحظ خوفها رقَّت عيناه ولم يجرحها بكلمة واحدة، أخبرها بأنها ستبقى أخته في كل الأحوال ولم يحدد لها شروطا حتى تكون لائقة به شتان بينه وبين صفوان الذي لطالما قيدها بواجبات والتزامات حتى تصبح جديرة بلقب العائلة !! 

تلألأت عيناها بدموع لاذعة رفضت إنزالها وعادت بخطوات متهدلة لغرفتها وبعد دقائق ولج آدم فقابلته ببسمة :
- ايه خلصت بسرعة. 

طالعها بغموض ثم اقترب منها ووضع غرضا بيدها مرددا :
- خدي ده وقعتيه عند الباب وانتي بتلمعي الأوكر. 

نظرت نيجار لمشبك الشعر الذي وقع منها دون انتباه أثناء استراقها السمع للمحادثة وأدركت بأن بأنه كشف تنصتها عليه فحمحمت بحرج بينما يتابع بيأس :
- مبتبطليش عوايدك حتى وانتي تعبانة. 

همهمت معترضة بتذمر خفيف:
- على فكرة أنا كنت قلقانة عشان أنا السبب في اللي حصل بينك وبين أختك ومحبيتش تتخانقو بسببي عارفة ان ليلى بقت تكرهني زي بقية العيلة وبتلومك عشان خبيتو عليها طبيعة علاقتنا مع بعض ... خفت علاقتكم تتأثر بسببي. 

عقب عليها آدم بجدية :
- مفيش حد بيقدر يأثر على علاقتي مع اختي. 

همهمت نيجار موافقة إياه بصوت تهدج وأثقل بالعاطفة : 
- عارفة ... ده لأنك أخ كويس اوي. 

ساد دقيقة صمت بينهما قطعها صوت طرق الباب ثم الخادمة تخبره بأن مائدة العشاء جاهزة فنهض واستدرك متسائلا :
- انتي اتعشيتي ؟ 

حكت شعرها بتشتت وادعت الضحك بينما تجيبه :
- أنا حاسة مليش نفس للأكل عايزة أنام بس. 

تطلع لها آدم وأدرك بأنها لا تود الخروج خوفا من أن تقابل جدته وتقرعها بالاتهامات الغاضبة كالعادة فأردف بحزم :
- مينفعش كده لازم تاكلي عشان تاخدي علاجك وتتحسني. 

- خايف عليا ؟

- ده بيت الصاوي عيب في حقي انه ينام حد تحت سقف البيت ده وهو جعان يلا انزلي قدامي.
أماءت بإيجاب ونزلت معه وبمجرد أن صادفتها حكمت رمقتها باِستهجان متسائلة :
- ع فين يا ست الحسن نسيتي ان وظيفتك تقفي تشوفي طلباتنا على ما نخلص الوكل وتنظفي المكان وبعديها تروحي تطفحي. 

أخذت نفسا عميقا كاتمة ضيقها ثم زفرته على مهل وردت ببراءة مصطنعة :
- لا منستش بس آدم أمرني اتعشا الاول عشان اخد العلاج لكن مش عارفة لو لازم اسمع كلام حضرتك لأنك ست البيت ده ولا اسمع كلام جوزي. 

ثم التفت له مردفة بخفوت وهي تسبل عينيها  :
- انت ايه رايك. 

رفع حاجبه متأملا دور الفتاة المطيعة التي تلعبه كلما أرادت استفزاز جدته وهتف بتحذير :
- احنا هنعرف ندبر حالنا يلا شوفي كنتي رايحة فين. 
- حاضر. 

مشت بخطوات متمايلة نحو المطبخ فتابعت حكمت أثرها بسخط حتى اختفت وهمست :
- حرباية. 

أثناء تناول الطعام جاء فاروق الذي اتصل به آدم وأخبره بأن يأتِ هذه الليلة ليناقشا المشروع المعروض من طرف ابن أحد التجار فقال له هذا الأخير :
- مستعجل كده ليه يلا تعالى كل معانا ونبقى نتكلم في الشغل بعدين.

ابتسم باِمتنان مجيبا :
- شكرا لحضرتك انا كلت مع الحجة ومحمد قبل ما اجي. 

لم ينتبه أحد للرعشة الخفيفة التي أصابت ليلى عند ذكر اسمه بينما نهض آدم وصعد معه للطابق العلوي يتناقشان في اذا ما وجب عليه قبول مشروع محل القماش أم لا وتوصلا إلى أنهما سيستشيران خبراء في المجال حتى يضمنا النجاح وعند الانتهاء من الحديث حول العمل زفر آدم  بإرهلق معيدا ظهره إلى الخلف ليطالعه الآخر معلقا :
- اظاهر انك تعبت اوي النهارده.

- جدا حاسس ظهري متكسر وكتفي لسه بيوجعني. 

- طبيعي لأنك مبتريحهاش ولا بتسيب لنفسك فرصة عشان تخف مرة بتضرب صفوان اللي بيتهجم ع بيتك ... ومرة بتشيل مراتك من الغابة لحد المشفى وياريت استفدت حاجة ده انت قضيت على الدليل الوحيد ضد ابن الشرقاوي. 

رمقه بطرف عينه زاجرا إياه باِقتضاب :
- سبق واتكلمنا في الموضوع أنا مكنتش هسيب الندل ده عايش مهما قدملي وبعدين انا اعتبرته انتقامي لأني قتلت الراجل اللي حاول يخلص عليا يعني خدت بتاري منه ومش ندمان ع حاجة. 

سكت قليلا شاردا في أمر ما ثم اعتدل في جلسته مستدركا بوجوم :
- أنا بفكر في حاجة تانية دلوقتي ... وجود نيجار بقى بيعملي مشاكل كتير في البيت مش ملحق لا على ستي ولا ع اختي الاتنين فاكرين اني متساهل معاها. 
- وهو انت بجد متساهل معاها.

- حكمت هانم عايزاني اصبحها وامسيها بعلقة واذلها واخليها تعيط كل يوم وليلى عايزاني اطردها ونيجار مرة بتسكت ومرة بترد ع الكلمة بكلمتين وأنا بقى واقف بينهم ... كرهي وحقدي عليها كبار بس مع ذلك مبقدرش اعمل اللي هما عايزينه مني مش عارف ليه. 

افترت شفتي فاروق عن ابتسامة خفيفة وهو يرد على تساؤله :
- الإجابة سهلة ... مش قادر تعمل اللي بتطلبه ستك لأنك مش كده ببساطة. 

قطب حاجباه ناظرا له بحيرة ليوضح له الآخر بجدية :
- انت راجل كويس ومعدنك نظيف ومهما حاولت مش هتقدر تنزل مستواك وتتعامل بعكس أخلاقك وده مش ضعف ولا عجز لأ هو مبدأ اتربيت عليه ومستحيل يتغير. 
بالمناسبة انت من يومين خاطرت بنفسك وروحت في نصاص الليالي بتدور ع مراتك في الغابة بعد ما شكيت انها اتخطفت ولحقتها وخدتها تتعالج وعماله تقولي انك اتصرفت كده لانها مكتوبة ع اسمك بس انا بقولك ان حتى لو نيجار مش مراتك وحتى لو محبتهاش من قبل ومعرفتهاش غير عدوة كنت هتعمل نفس التصرف وتخاطر بحياتك عشان تساعدها. 

استمع له بروية مركزا في كل حرف حتى أردف :
- يعني بتقول مش هستفيد فكل الأحوال. 

- اللي بقوله انه وجودها معاك بقى بيضرك انت اكتر ماهو بيضرها هي بتستنزف طاقتك وصبرك أنا من رأيي تحرر نفسك من العلاقة ديه وتخلص.  

تشدق بحزم ليعقد آدم حاجباه بحيرة شتتها فاروق وهو يردف :
- مش مضطر تستنى لحد ما تبقى العمدة علشان تعمل اللي انت عايزه بتقدر تطلقها اول ما تثبت ان ابن عمها ورا محاولة الاغتيال ومحدش هيلومك. 

- اطلقها ببساطة من غير ما تتحاسب ع أفعالها صح. 

- مين قال ان بنت الشرقاوي متحاسبتش حكمت هانم مقصرتش معاها والقدر عاقبها بشكل مضاعف عيلتها اتخلت عنها ورمتها في وسط النار وبسبب تهورها كانت هتخسر نفسها معتقدش في انتقام أقسى من ده كفاية أنها خسرتك وعمرها ما هتلاقي راجل زيك. 

ردد فاروق بمنطقية فذة جعلت آدم يغير ظنونه ويرى الأمر بوجهة مختلفة وبتحليل كلامه وجد أن رفيقه محق في كل كلمة قالها ... ربما آن الأوان للتخلص من علاقة سامة لم تجلب له سوى المشاكل. 

_________________

أرخت وجنتها على كف يدها تسند مرفقها على المائدة الصغيرة في المطبخ وتعبث ببقايا الطعام حتى قطع خلوتها مجيء آخر شخص تتوقعه فتركت نيجار ما بيدها على الفور وانتصبت واقفة وهي تتلعثم باِرتباك ممزوج بالحرج :
- حليمة هانم. 

حدجتها بهدوء وجلست على الكرسي مشيرة لها بيدها :
- واقفة ليه اقعدي. 

عادت لمكانها مستشعرة تطاير الشحنات السلبية في الأجواء لكنها التزمت بالصمت ريثما تقول حليمة :
-  انا لسه جاية امبارح بس واللي حصل من ساعتها معلوم مجتش فرصة نتكلم مع بعض غير دلوقتي ... ساكتة ليه مكسوفة ؟ على حسب ما سمعت عنك فـ انتي مش من النوع الخايف اللي بيتكسف من أقل حاجة.

- أنا ... مش مكسوفة بس متفاجأة. 
بالكاد استطاعت نيجار تحرير هذه الكلمات من فمها وهي تعيد خصلات شعرها للخلف بيدها المرتجفة متسائلة بداخلها عما جلب عمة آدم إليها لابد أنها تعلم بكافة التفاصيل وجاءت من أجل تقريعها ورشقها بأحاديث لاذعة مثل غيرها ماذا تفعل هل تجلس وتسمعها أم تنهض متجاهلة إياها. 
بيد أن أفكارها توقفت مؤقتا حينما نطقت العمة وهي تطالعها بنظرات تقييمية :
- طلعتي انتي نيجار اللي ابن أخويا كان بيحبها بس غدرت بيه عشان تاخد كام سبيكة دهب ووصلته للموت بخنجر مسموم. 

امتقع وجهها بذنب وهمست :
- مكنتش عايزة الأمور توصل لكده أنا بس كان هدفي ...

زفرت بسأم ورفعت رأسها تقابلها بسؤال مباشر :
- حضرتك أكيد عارفة بالتفاصيل اللي مببقاش فخورة بنفسي وانا بتكلم عنها لو عايزة تهينيني اتفضلي وقوليلي قد ايه أنا واحدة غدارة ومليش أمان. 

توقعت نيجار أن تنفذ طلبها بكل سرور لكنها تفاجأت حينما وجدت حليمة تضحك بخفوت مرددة :
- طلعتي جريئة كمان حلو اوي أساسا مكنتش متوقعة من آدم يحب واحدة بمواصفات غير ديه. 
على كل حال ايوة أنا عارفة بكل التفاصيل بس اللي مش فاهماه هو ازاي بنت بعقلها الكامل ترمي نفسها في لعبة زي ديه وتخاطر بسلامتها علشان عيلة عملتها كبش فداء ومسألتش عنها يعني لما ببصلك بشوفك ذكية وداهية اومال ليه عملتي في نفسك وفي ابن أخويا كده.

شحب وجهها على حين غرة وأحست بالذل وكأنها تقف عارية في الشارع فبللت شفتها السفلية مفكرة في رد مناسب تقوله إلا أن حليمة لم تمنحها الفرصة وهي تنهض لتقول قبل خروجها :
- آدم ده سيد الرجالة وياما عايلات كبيرة اتمنت تناسبنا عشانه بس انتي ضيعتيه من إيديكي بكل بساطة وياريت النتيجة بتستاهل اهي وقعت في ايد حكمت وخسرتي حب كان هيعيشك ملكة زمانك. 

وغادرت بكل بساطة، مخلفة وراءها جسدا هامدا بحقيقة صادمة، ودموع حارقة نزلت كاللهب على وجهها ...

*** بعد مدة دخل كل شخص إلى غرفته و اندس آدم في فراشه ليغرق في نوم عميق اثر اليوم المتعب الذي مر به وبينما هو يستلقي على جانبه اعتدلت نيجار في جلستها وبدأت عيناها تسافران على طول تقاسيم وجهه الصلبة بلا استثناء ترتاحان كل مرة عند محطة إلى أن استقرتا على جزء محدد من جسده، خاصرته التي طعنتها من قبل بالخنجر ! 

بهت وجهها واحتكمت غصة مؤلمة قلبها فتأوهت وهي تضغط عليه متذكرة كل ما عاشاه قبلا، وكل ما عاشاه بعد زواجهما ...
قسوته وحنانه، صلابته ولينه، غضبه وهدوؤه، لطالما كان رجل التناقضات بالنسبة لها يقرعها بكلمات متهمة جارحة تظهر لها مدى حقارتها ثم يطفئ حرقة الجرح بيده التي تداويها، يوضح لها مستوى شره عند الكره ورغبته في الانتقام حتى تظن بأنه خالٍ من الرحمة ثم يصدمها بتعامله الرحيم مع عائلته والمساكين المحتاجين ...
يخبرها كم أنه يكرهها ويعاقبها على ظلمها لكنه لا يحتمل أن تتعرض للظلم بحيث يعيد اليها ذكريات والديها ويخرجها من الغرفة المظلمة حين اغمي عليها ويواجه المخاطر وهو ينقذها ويداوي كدماتها ويجبرها على الأكل لكي تتحسن صحتها، ليس لأنها المرأة التي كان يحبها في السابق، بل يحميها فقط لأنها انسانة ولأنها امرأة تحمل اسمه !! 

تنهدت نيجار وقد غرقت حدقتاها بغشاوة الدموع، واضطرب نبضها وتضخم الهوى في قلبها بشكل مؤذٍ وهي تهمس أخيرا بلذة الاعتراف :
- أنا وقعت في حبه !

تحررت منها دمعة، فأخرى، فسيل من الدموع مبرطمة بتحشرج :
- أنا حبيتك ... حبيتك يا آدم. 
تعليقات



<>