الفصل التاسع عشر : ألم وغضب.
_________________
يقال أن إستجابة المرء للحياة مرهونة بمدى رغبته فيها، ورغبته هذه مرهونة بطبيعة المواقف التي يعيشها، والأشخاص الذين يعيشون معه !
فإن كان هؤلاء الأشخاص لا يعرفون سوى الغدر والأذية فهل سيقدر حينها على تجاوزهم والمضي قدماً أم أنه سيسقط، إثر ضربة جاءته من الخلف فأردته صريعا !!
جسد مرمي على الأرض ... أصوات متداخلة وفوضى عارمة ... طريق طويل أحست وكأنه يمتد آلاف الأميال وعبارات صارخة تفيد بوجوب الإسراع ثم قطرات دماء متسربة إثر النزيف الذي حاولوا كتمه قدر الإمكان ...
كانت جالسة في المقعد الخلفي للسيارة الكبيرة تراقبه وهو مجثي على بطنه دون أن تصدر حركة تدل على أنها مازالت واعية حتى سمعت تنهيدة فاروق الذي قال :
- أخيرا وصلنا يلا شيلوه معايا الطبيب مستنينا جوا.
استفاقت على نفسها في هذه اللحظة عندما توقفوا أمام باب السرايا ونظرت أمامها لتجد النساء في انتظاره وعلى رأسهم السيدة حكمت التي استقامت بضراوة ثم ترجل فاروق سريعا وتساعد مع الرجال كي يدخلوا آدم المغمى إليه فـ انتفضت نيجار راكضة معهم لغرفته بأنفاس محتبسة يتبعها صوت ليلى الباكي وعويل الخادمة وقبل ان تدلف معهم وجدت يدا تسحبها ثم صفعة قوية وقعت على وجهها من حكمت وهي تجلجل :
- رايحة فين هتدخلي تخلصي مهمتك اللي مكتملتش !
انتفض الحضور بصدمة بينما وقفت نيجار مع سيل الدموع المنتحرة من عينيها تشخص أنظارها فيها وروحها تبعت ذاك الجسد المتواري خلف باب الغرفة، لم تكن تدرك أنها تشهق ولم تدرك حتى بأن شهقاتها صدحت تتبارى مع شهقات حكمت التي طالعتها بلهيب وكأن المسَّ أصابها تناظرها بعينين متوحشتين ماطرتين ملقية عليها نصيبها من طعنات إتهاماتها العاتية :
- اتفقتي مع ابن عمك عشان تقتلوه غدر يا بنت الحرام نايمة في حضنه وبتخططي ازاي تخلصي عليه ديه تاني مرة تعملي كده لتاني مرة بتحرقي قلوبنا عليه بس اقسم بربي مش هتسلمي مني ... هندمك يابت الشرقاوي واحسرك على نفسك.
هزت نيجار رأسها بصدمة تنفي الإتهامات الموجهة إليها فلم تشعر سوى بظهرها ينغرس في الجدار الصلب خلفها إثر دفعة من حكمت ولكنها لم تتألم، بل وقفت كالجثة تحدج ثورتها وسخطها باِنطفاء كما لو أنها مطعونة ...
كما لو أن قوتها نضبت لتستحيل لدمية خشبية شظفة !
- أنا ... أنا معملتش حاجة ...
بالكاد استطاعت إخراج كلمات متقطعة من جوفها محاولة الوقوف أمامها دون أن تذوي وتتكوم على الأرض ثم مشت خطوتين لتدخل حيث يقبع آدم مع رجاله والطبيب إلا أن حكمت جذبتها ثانية وهي تصرخ بأعلى صوتها منادية الغفير وحين صعد هذا الأخير إليها ألقت نيجار بإتجاهه :
- خدوها للمخزن تحت واحبسوها هناك.
اندهش الغفير وتململ باِضطراب فأضافت مبرطمة بقسوة :
- انت مش سامع أنا بقول ايه !
انتفض ينفذ أوامرها مع الغفير الآخر وأمسك ذراع نيجار لتسحبها منه صارخة :
- ابعد عني انا مش هروح لحته قولتلك اني معملتش حاجة ... ابعد عني بقولك لازم اطمن على آدم سـيـبـونـي !
تجاهلوا صراخها وهي تُساق للطابق السفلي وتحديدا لتلك الغرفة الصغيرة المظلمة حاولت التحرر من قبضتهم لكنها كلما تفلت نفسها منهما يعيدان امساكها حتى استطاعوا احتجازها فركلت الباب المغلق بعصبية مزمجرة بشراسة :
- طلعوني من هنا صدقوني انتو هتندمو على اللي بتعملوه ده ومش هسيبكم في حالكم بقولك طلعووني من هنا ... آدم ...
اختفى صوتها مع آخر كلمة نطقتها إثر غصة احتكمت حلقها كصخرة مدببة واندفعت الدموع إلى عينيها وهي تفقد قوتها أخيرا وتجثو على الأرض هاتفة بيأس :
- انا لازم اطمن عليه ...
** في الطابق العلوي وقفت ليلى متصنمة وكأن الطير قابع فوق رأسها لم تفهم تماما ما حدث أو لماذا قامت جدتها بحبس زوجة أخيها وفي الحقيقة لم يكن عقلها يسعفها حاليا كي تفسر جميع الكلام الذي قيل فهي شهدت منذ قليل على رؤية سندها وأبيها الثاني ملقيا بلا حول ولا قوة كيف ستكون لها القدرة على التفكير في أشياء أخرى.
انتفضت بلهفة عندما فتح الباب وخرج منه محمد لتقترب منه متسائلة بدموع :
- ابيه آدم ماله هو كويس رد عليا أرجوك هيبقى كويس صح.
أومأ مطمئنا إياها :
- الحكيم بيقول أن الرصاصة صابت كتفه الأيسر وعظامه متأذتش الحمد لله يعني جت سليمة بس لازمله عناية لأنه نزف دم كتير وهو حاليا بيخيط لـ آدم بيه جرحه.
تنهدت حكمت بهدوء شاكرة ربها على سلامته أما ليلى فأطلقت زفرة مرتاحة كمن كان يحمل صخرة على كاهله وتخلص منها وسألته مجددا :
- امتى هقدر اشوفه طب هو كان بيتوجع متأكد انه بخير.
لمعت عيناه بشفقة وعاطفة لحظية درأها سريعا حينما سمع صوت السيدة تسأل فاروق بصلابة :
- اتصاب ازاي و انتو كنتو فين ايه لازمة وجودكم لو مش عارفين تحمو سيدكم.
أطرق رأسه بحرج وانزعاج من نفسه وأجابها :
- احنا كنا مع آدم بيه في كل خطوة بس فجأة قال انه عايز يروح يشوف الأرض من غيرنا وخد مراته معاه ومعدتش ربع ساعة وسمعنا صوت سلاح ونيجار هانم بتصوت جرينا بسرعة وشوفناه مرمي ع الأرض ومتصاب في كتفه قمنا اسعفناه وجبناه بسرعة لهنا لأننا كنا خايفين تحصله حاجة تانية لو فضلنا في القرية هناك.
رفع عيناه لها متابعا :
- نيجار هانم فين احنا لازم نسألها ع كام حاجة لانها كانت موجودة مع آدم بيه ويمكن شافت اللي ضربه بالنار.
- هي وابن عمها اللي اتفقوا يغتالوه.
هدرت حكمت بحدة جعلته يصعق بذهول متمتما بـ كيف لتستطرد بحقد :
- كانت واقفة مع صفوان امبارح وبيتكلمو سوا وانا النهارده عرفت واتصلت بـ آدم اقوله بعدها مباشرة اتصاوب يبقى معروف كويس مين هو الجاني.
قبض فاروق على يده مطلقا لعنة ساخطة بداخله وانتفض ناويا الهجوم على ذلك الوغد والأخذ بالثأر إلا أنها أوقفته بحركة من يدها :
- مش وقته احنا هنستنى حفيدي يصحى وهو عارف لازم يعمل ايه بعدين الخبر اتنشر وزمان العمدة ورجال المجلس سمعوا بيه مينفعش نستعجل ونتحرك من غير دليل لأننا هنتحط في موقف الغلط كده.
أومأ على مضض وانتظروا سويا خروج الطبيب ليزودهم بتفاصيل حالة آدم ثم أعطاهم الوصفة الطبية وغادر وخلفه محمد الذي نزل ليحضر الأدوية الازمة وذلك بعدما رشق ليلى بنظرة سريعة يتأكد فيها من حالها ...
دلفت هذه الأخيرة لغرفة شقيقها ووقفت فوق رأسه متأملة إياه وهو نائم بإرهاق بادٍ عليه وكتفه ملتف بالشاش نزلت دموعها عليه بأسى وانتبهت لدلوف حكمت التي مسدت على شعره بحنان نادرا مايظهر وهمهمت بخفوت :
- ألف سلامة عليك يا حفيدي ... هدفعهم تمن كل قطرة دم نزلت منك.
- ايه علاقة نيجار باللي حصله ؟
سألتها ليلى بجمود وناظرتها إليها مكملة :
- حضرتك قولتيلها "لتاني مرة بتعملي كده" ليه هي حصلت من قبل عشان ترجع تتكرر.
أدركت حكمت أنها في خضم غضبها أفصحت بما لا يجب على ليلى سماعه بعدما أوصاها آدم بذلك فتنهدت بهدوء وهي تستعد للمغادرة :
- اخوكي مريض ومحتاج يرتاح والوقت اتأخر اصلا روحي نامي انتي كمان.
أنهت جملتها وذهبت الى غرفتها لتتفاجأ بدخول ليلى وهي تعترض بصوت عالٍ :
- مش هتستغبوني وتتجاهلوني المرادي كمان أنا لازم افهم اللي بيحصل هنا بالضبط ايه علاقة نيجار وابن عمها بحادثة اخويا وليه واحدة تحاول تقتل جوزها اصلا ده ليه علاقة بجوازهم من بعض صح ؟
وبختها الأخرى مقرعة إياها :
- أولا وطي صوتك وانتي بتكلمي ستك ثانيا مفيش حاجة لازم تعرفيها وأخوكي حذرك قبل كده متسأليش في المواضيع ديه انتي لسه ااا...
قاطعتها بعصبية وسخط قبل أن تكمل الجملة المعتادة :
- متقوليش اني لسه صغيرة انا ليلى سلطان الصاوي جزء من العيلة ديه ولازم اعرف بكل حاجة تخص عيلتنا طب ايه رايك حضرتك لو محكتيليش ورديتي على اسئلتي هنزل للبنت ديه واطلعها من الاوضة واسألها هي او بعمل حاجة تانية هروح احكي للعمدة ع اللي سمعته وخليه هو يتصرف بقى.
كان تتكلم بثقة مطلقة وترمقها بتحدي واستعداد لتنفيذ كلامها فطالعتها حكمت لبرهة متذكرة نفسها الصغيرة في جسد حفيدتها قبل عقود طويلة لتتنهد وتبرطم :
- ماشي هحكيلك طالما عايزة تفهمي ... الحقيقة ان آدم وبت الشرقاوي بيعرفو بعض من زمان من قبل جوازهم بست أو سبع شهور.
سرقت دهشة من عينيها فقطبت حاجباها بإستفسار أجابت عليه الأخرى :
- آدم اتعرف عليها من وقت بدأت عيلتنا تشتغل مع عيلتهم وبدأ يحبها وجه ليا وطلب اروح معاه عشان نتقدملها بس انا رفضت لأن الست ديه تبقى بنت عدونا وطول عمرها خبيثة وملهاش أمان وفكرت ان القصة خلاص انتهت ... بس طلعت غلطانة والغلطة ديه كانت هتكلفنا حياة أخوكي.
وشرعت تسرد لها كل شيء بتفاصيله علاقة شقيقها مع نيجار ومعرفتها بأن آدم سيعقد قرانه عليها في بيت الهضبة ثم اندلاع حريق بها والعثور عليه وسط النيران مطعونا بخنجر مسموم من المرأة التي أحبها وتوالي الأحداث بعدها حتى اضطر على قبول زواجهما لذلك كانت تعاملها ببغض وقسوة وتكن لها كل مشاعر الحقد هذه.
استمعت ليلى حرفا حرفا وصدمتها تزيد مع كل حدث يذكر حتى وقعت على المقعد خلفها ووضعت يدها على فمها متمتمة بصدمة :
- يعني البنت ديه ضحكت على آدم وحاولت تقتله واحنا دخلناها لبيت ورجعت تحاول تقتله للمرة التانية ... انا مش مصدقة حاسة اني بحلم انا كنت فين من كل ده ازاي معرفش حاجة عن الحقيقة ديه و ازاي دخلتو الحقيرة ديه لبيتنا.
- سبق وقولتلك اننا مكناش هنقدر نحافظ ع مكانتنا عند العمدة لو رفضنا الجواز ومكناش هنقدر بردو نكشف الملعوب اللي اتلعب ع اخوكي لانه كان رافض يعرف حد بـ ان واحدة ست قدرت تضحك عليه ... ودلوقتي قدرت تعمل نفس الشي.
هزت ليلى رأسها بعدم تصديق واستقامت فجأة متوعدة إياها بسخط :
- انا هقتلها واشرب من دمها عديمة الأصل ديه والله العظيم لـ ...
قاطعتها حكمت مهدئة إياها وهي تخبرها بوجوب التأني لأن تسرعها لن يفيدهم بشيء وأن شقيقها بنفسه سيحاسبها بعد استيقاظه لم تقتنع ليلى ولم تفكر في الاقتناع أساسا لأن قلبها امتلأ على حين غرة بحقد دفين اتجاه نيجار وأقسمت على عدم التدخل ثانية في أي شيء تفعله بها جدتها ...
__________________
في تلافيف الليل السوداوية صدع صوته مرددا بنقمة على صاحب الجسد الضخم وتقاسيم الوجه المظلمة :
- فهمني ازاي تغلط ومتقتلوش برصاصتك مش على اساس انت قاتل مستأجر وعمرك ما عملت غلطة ازاي بقى تصيب آدم بخدش سطحي وميموتش يا مليجي !
زفر المدعو مليجي بضيق منه وأجاب :
- في ايه ياصفوان هو انت مبتعرفنيش ولا ايه قولتلك ان الضربة كانت هتبقى في نص قلبه من ورا بس هو اتحرك فجأة وجت في كتفه ديه مش غلطتي وبعدين أنا كنت هرميه برصاصة تانية واخلص عليه تماما بس البنت اللي معاه فضلت تصوت وتنادي على رجالته كان لازم اهرب قبل ما اتقفش.
صمت للحظة ثم تابع مستدركا بخشونة :
- مش قولتلي انك متفق مع البت ديه توديه لمكان لوحدهم عشان اقدر اقتله من سكات اومال هي بقت تصوت وتعيط كده ليه.
- لاني مقدرتش اقنعها ومكنتش بتعرف اني هغتال ابن سلطان وهو معاها.
رد عليه صفوان متأففا بحنق من ابنة عمه الغبية وهو يفكر بأنه فشل في خطته بسببها لقد كان ينوي قتله وأخذها معه للمنزل لأنها أصبحت أرملة ولن يستطيع أحد إثبات اشتراكه في الجريمة ولكنه الآن عاجز عن فعل ذلك لأنه لا يستطيع إخراجها من تلك السرايا الملعونة وليس ببعيد أن تكون حكمت الآن تذيقها من المرار ألوانا معتقدة بإشتراكها معه في خطة اغتيال آدم.
إضافة إلى أن هذا الأخير لن يتوانى بعد استيقاظه عن البحث المستمر على القناص الذي أصابه حتى يجده وهنا ستكون كارثته الجسيمة حقا ... ليته لم يستعجل ودرس الأمور بتروي أفضل من الوقوع في هذا الموقف لكن ماذا يفعل لم يقدر على تهدئة نفسه خاصة وهو يرى حق عائلته ينتزع منهم للمرة الثانية.
زفر بنزق وقال :
- خلاص امشي انت دلوقتي وانا هبقى اكلمك بعدين ومتنساش تتخبى كويس مش عايزك تلفت الانتباه ليك عيلة الصاوي مش هتسيبك في حالك.
رمقه مليجي بإستهجان من جُبنه وخوفه وغادر البستان ليظل هو واقفا بمفرده ولم يدم ذلك طويلا حينما سمع صراخ مراد يصدع من خلفه :
- صـفـوان !!
انتفض واستدار اليه فينطلق تأوه متألم منه حينما استقبل وجهه لكمة من الآخر وترنح إلى الخلف يسبه برعونة :
- انت بتعمل ايه يالا اتجننت.
قبض مراد على تلابيب قميصه مزمجرا بعصبية :
- رجعت عملتها يا غبي رجعت تحاول تقتل آدم انا كام مرة نبهت عليك متعملش حاجة من غير ما ترجعلي ازاي تعمل كده وتغدر بيه ازاااي !
تفاجأ من هجومه ولم يكد يستوعب حتى تلقى لكمة ثانية مستمعا لتوعداته فزفر صفوان ودفعه صائحا :
- كفاية بقى ايه جو الأخلاق اللي بتعمله عليا ده انت مالك ومال آدم مش فاهم ليه مش عايزه يموت هو عدوك ولا صديقك انت عارف ان العمدة أعلنه خليفته فاهم ده يعني ايه ان كل جهودنا ضاعت ومحدش هيقدر يقف قصاده كان لازم اعمل الخطوة ديه.
وبعدين انت لو رديت على اتصالاتي من امبارح كنت هتعرف انا بخطط لـ ايه بس حضرتك بتحب تتجاهل مكالماتب يبقى متلومنيش لما اعمل حاجة من نفسي.
أطلق مراد مسبة من بين أسنانه وطالعه بقتامة متمنيا لو يخنقه الآن ويفصل روحه عن جسده هذا البغيض الأحمق الذي يظن نفسه ذكيا، لكنه تراجع فجأة وغمغم مقتضبا :
- مكنش لازم ارجع اتعاون معاك بعد ما طعنت آدم وحرقت بيت الهضبة من غير ماترجعلي لكن افتكرتك بني ادم ومش هتكرر الغلطة ديه تاني بس انا اللي طلعت غلطان.
رمقه بإزدراء واستدار ليغادر فمنعه صفوان الذي أمسك ذراعه موقفا إياه :
- استنى هنا فهمني انت ليه فكل مرة بتنفعل بالطريقة ديه اول ادم ما يتأذى مش حضرتك بتحاول توقعه في شغله وتعمله مشاكل مش فاهم انت عدو ابن سلطان ولا صديقه.
اكتفى مراد بالنظر إليه ببرود ظاهري ما جعل صفوان يكز على أسنانه ويضغط على حروفه المقتضبة متمتما :
- اول مرة سكت وقولت انك اضايقت عشان خوفت اوقعك في مشاكل لو اتكشف انك بتساعدني بس النهارده انا شايف غير كده وجه وقت تفهمني انت مين وبتساعدني ليه ومتضايق عشان آدم ليه طالما انت اللي عايز تؤذيه ؟!
نفذ ما تبقى لديه من الصبر فزفر وأبعده عنه بعنف متشدقا بحدة وتحذير :
- كفاية بقى أنا زهقت من غبائك ومش هرجع اتعامل معاك والمرادي ديه بجد وحط في بالك لو فلوسي اللي اديتهالك مرجعتليش هضمن متلاقيش تاجر او مستثمر تتعامل معاه من بعد كده ... ده لو عيلة الصاوي سابتك عايش لوقتها.
ثم تركه وخرج ينهب الأرض نهبا وهو لا يرر أمامه من شدة إنفعاله ركب في سيارته ولكم عجلة القيادة عدة مرات بسخط ألمَّ به حتى أحس بيده تنزف في نفس اللحظة التي رن هاتفه بها وأجاب مراد سريعا ليسمع الطرف الآخر يقول بنبرة جادة :
- احنا سألنا زي حضرتك ما قولتلنا يا بيه ووصلنا لمعلومات كويسة، آدم الصاوي بخير واتجاوز مرحلة الخطر نهائيا.
أغمض مراد عيناه مخرجا أنفاسه المحتبسة ثم أغلق الخط ودخل إلى المعرض كي يرى صور أعز إنسانة على قلبه وهي تحضنه وتبتسم بوهن، لطالما رافقتها هذه الإبتسامة التي لم تصل يوما إلى عينيها لطالما سمع نشيج بكائها الحار وشاهد دموعها التي تسيل كالوديان ثم كالعادة تخرج إليه راسمة دورها ببراعة، دور المرأة التي لا تحزن ولا تتعب ...
أصدر تأوها متألما نابعا من صدره وهمس بصوت تملؤه الحسرة :
- عيلة الصاوي دمرتنا وكملت حياتها وآدم مرحمكيش وحرمك من فرصة انك تتحسني وتعيشي بقية حياتك مرتاحة ودلوقتي انا جاي اطمن على حالته ومعرفش ليه بس اللي بعرفه انه مينفعش يخلص من العقاب بالسهولة ديه، الموت راحة ليهم وانا مش هريحهم !
__________________
صباح اليوم التالي ...
وقفت على رأس الرجال في منتصف الفناء بملامح صلبة تشع هيبة ووقارا وحادت بعينيها نحو فاروق الذي تقدمهم وقال :
- مقدرناش نعرف مين الراجل اللي حاول يقتل آدم بيه دورنا عليه في كل مكان بس ملقيناش أثر يدل ع وجوده يا حكمت هانم.
- يعني اختفى بسهولة بعد ما ضرب حفيدي بالنار وانتو مقدرتوش تلاقوه كأنه هوا مبيتشافش مش كده.
علقت على أعذاره بلهجة تقريعية حادة وهي تطرق عصاها على الأرض متابعة :
- آدم الصاوي وخليفة العمدة اتعرض لهجوم وبدل رجالته ما يحموه من الأول وهما عارفين ان ليه أعداء كتير لأ جابوه متصاب ومعرفوش مين السبب كمان ... فهموني انتو بتاخدو مرتبكم في اخر الشهر على ايه بالضبط ولا عشان حفيدي بيعاملكم كويس زي البني ادمين انتو هتفكرو انه متساهل بقى ومحدش هيحاسبكم على تقصيركم !
لم يجب عليها أحد من الرجال وأخفضوا رؤوسهم بذنب من عدم تأديتهم لمسؤوليتهم وخوفا من طردهم بينما بلل فاروق شفته ونظر إليها مختارا كلماته بعناية وهو يعقب :
- كلامك صحيح الحق كله علينا بس حاليا احنا بنعمل اللي بنقدر عليه عشان نلاقي اللي ضرب آدم بيه بالنار ومش هنرتاح غير لما نجيبه لتحت رجله.
تنهدت حكمت بشدة وأشارت للبقية بالمغادرة ففروا سريعا من بطش سيدتهم أمام هي اقتربت من فاروق وقالت :
- انا متأكدة أن ابن الشرقاوي ورا العملة ديه هو حب يخلص من آدم بعد العمدة ما أعلنه خليفة للمنصب بتاعه وبعت البلطجي بتاعه عشان يضرب حفيدي من ورا ظهره الجبان ده.
زفر بحقد تعاظم إتجاه ذاك الوغد الذي لا يكف عن المهاجمة غدراً بدل أن يتواجه مع غريمه بشجاعة وعقب عليها :
- فعلا وأنا متأكد ان صفوان عمل كده بس ازاي وامتى لحق يستأجر حد ويتفق معاه في ليلة واحدة ويبعته للمكان اللي احنا رايحينله ... إلا لو كان اتفق مع الراجل ده قبل العمدة ما يستدعيكم ويعلن قراره وفضله التنفيذ بس.
- وأنا بقول نفس الشي بردو صفوان كان مخطط من قبل ووقف يكلم نيجار امبارح في بيت العمدة والله اعلم كانو بيتكلمو فـ ايه الشياطين دول.
- حضرتك متأكدة أن بنت الشرقاوي مشتركة مع صفوان ممكن هو وقفها عشان يسأل عليها أو فعلا عرض عليها تساعده بس موافقتش.
قدم فاروق إحتمالا مترددا وهو يعيد في ذاكرته صراخ نيجار البارحة وكيف أنها كانت تبكي وتنوح باِنهيار لكن حكمت قضبت حاجبيها متشدقة بلهجة شديدة :
- و امتى العيلة ديه سألت ع بنتها من يوم جوازها محبكش يسأل عليها غير امبارح يعني وبعدين هي لو رفضت مشاركته في جريمته مكنتش هتجي تقول لـ آدم او على الاقل تحذره ولا تلمحله بس على العكس كانت متحمسة تروح معاه لدرجة انا استغربتها واهي النتيجة ... اللي خان مرة بيخون مليون مرة يا فاروق اوعى تضحك عليك بوشها الحنين ودموعها الكدابة بس وعدت نفسي من امبارح اني هخليها تنزل من عينيها دم بدل الدموع وهعمل كده.
همهم فاروق متضايقا من فكرة ان سيده ورفيقه تعرض لمحاولة القتل مرتين ومن نفس الفتاة التي أحبها يوما حسنا مؤكد انهم سيذيقونها العذاب ألوانا وهذا ما تستحقه هي.
ومع ذلك كان يعلم جيدا بأنه ليس على أحد التدخل ومعاقبة نيجار إلا آدم نفسه فقال برصانة محاولا إقناع حكمت :
- أنا بقول انه مينفعش نتعرضلها قبل آدم بيه ما يصحى حضرتك عارفة طبيعته هو مش هيحب حد تاني ياخد حقه خاصة انه اتغدر منها قبل كده فـ الأحسن نستنى البيه يصحى وهو بيعرف شغله معاها.
تقلصت ملامح حكمت بإستهجان وكادت ترفض لكن الآخر قاطعها بروية :
- حتى العمدة هيجي بعد شويا يطمن عليه وطبعا هيستجوب نيجار ويسألها عن تفاصيل الحادثة عشان يعرف مين الجاني ولو لقاها محبوسة تحت ساعتها القصة هتكبر وممكن يوصل لأصل الموضوع وآدم بيه يضايق.
تلكأت في وقفتها باِنزعاج ومع الأسف كان حديث فاروق منطقيا بالتأكيد آدم لن يرضى أن تكشف تفاصيل القصة ويعرف الجميع بما تعرض له ولن يعجبها هي أيضا ولهذا كانت مجبرة على تهدئة أعصابها لفترة معينة فتنهدت وتوجهت بخطوات متزنة للغرفة التي تقبع فيها نيجار وفتحت الباب بعنف ...
كانت هذه الأخيرة قد قضت الليل بطوله تنازع الظلام الدامس حتى لا تجن وروحها تحترق من شدة ما تعايشه خاصة رعبها على آدم وتخوفها من أن تسمع خبرا سيئا في أية لحظة.
وحين فُتح الباب وداهم الضوء القوي تلك الغرفة أغمضت نيجار عيناها بتلقائية وأبعدتهما عن مرماه قبل أن تشعر بظل أسود يرزح فوق فخمد تفاجؤها ورفعت رأسها تطالع حكمت التي وقفت تستند على الإطار وسرعان ما صدع صوتها وهي تأمرها بصرامة :
- قومي اقفي على رجليكي.
وبالفعل استندت على يديها كي تستطيع الوقوف لكن ليس لأن الأخرى أمرتها بذلك بل لأن نيجار تود الإطمئنان على آدم ولهذا تقدمت منها متسائلة بلهفة :
- آدم كويس هو عامل ايه دلوقتي والدكتور قال ايه ؟
- التمثيلية ديه محبوكة كويس بس مع الأسف مبقتش تنفع لأن خلاص وشك الحقيقي اتكشف من زمان وفري دموعك ديه لنفسك.
قرصها لسانها الاذع للجواب عليها بوقاحة لكنها تعلم بأنها ربما ستفقد فرصتها في رؤية آدم لو تجادلت معها الآن فمسحت دموعها بجلادة تناقضت مع هشاشة صوتها وهي تهمس بقوة :
- سبق وقولت ان انا مليش دعوة في حادثة امبارح لو عملتها كنت اعترفت بذنبي زي أول مرة بس انا مستحيل ارجع اعمل كده و اؤذي آدم تاني.
رفعت حاجباها باِستهانة وتمنت لو تقتلها في هذه اللحظة وتتخلص منها نهائيا بيد أنها أجلت رغبتها لحين آخر وأفسحت لها الطريق بيدها مشيرة إليها بالخروج :
- تعالي.
خرجت نيجار وهنا شهقت للهواء مستنشقة أنفاسها بعدما أوشكت على الإختناق واستدارت لحكمت التي تحدثت بثبات :
- انا طلعتك من هنا لأن العمدة هيجي بعد شويا يطمن على حفيدي وملازمش يشوفك محبوسة لاننا هندخل في مواضيع ملهاش داعي بس اتأكدي انك لو عملتي غلطة واحدة مش هصبر عليكي وهقتلك فورا .... امشي قدامي.
تجاوزتها حكمت وصعدت على الدرج وخلفها نيجار حتى وصلتا إلى الغرفة ففتحتها هذه الأخيرة بحرقة وتأملت آدم النائم على السرير بوجه شاحب وجسد واهن، سقطت عبراتها مبللة وجهها بقهر تفاقم عند رؤيته واقتربت تتلمس شعره وتحدث نفسها :
- أنا موجوعة اوي ومش عارفة ايه السبب طول الليل بفكر فيك وخايفة تكون اتأذيت والله انا مليش علاقة باللي حصلك ومبعرفش اذا صفوان كدب عليا لما قالي انه اتراجع واتهجم عليك ولا كان صادق وحد تاني غيره حب يقتلك ... الحمد لله انك بخير.
قطعت سيل أفكارها مجيء أم محمود هاتفة :
- الغفير بيقول ان العمدة ومراته في طريقهم لعندنا وشويا ويوصلو يا ست هانم.
همهمت حكمت بجمود وخاطبت نيجار بحدة :
- روحي استحمي وجهزي نفسك عشان تظهري بمظهر يليق بمرات آدم الصاوي مع انك مبتوصليش لظفر المقام ده بس احنا مضطرين نساير الأوضاع دلوقتي.
وبالفعل قامت بتنفيذ المطلوب منها ووقفت في الخارج مع حكمت تنتظران حضور الضيوف حتى فتح الباب ودخل العمدة برفقة زوجته رحبت بهما بحرارة وأشارت لفاروق بطرف عينها فحمحم وأخذ العمدة لغرفة آدم أما الزوجة فاِقتربت منهما ورددت :
- حمد لله على سلامة حفيدك يا ست حكمت.
اجابتها هي بلباقة :
- الله يسلمك يا هانم اتفضلي للصالة نعمل الواجب.
بعد مرور فترة نزل العمدة وقابل نيجار يسألها بهدوء :
- ازاي ده حصل كنتو فين لما آدم اتضرب بالنار وانتي شوفتي اللي عمل كده ولا لا
اضطربت قليلا لأنها تحدثه لأول مرة لكنها تجلدت وردت عليه بنبرة مسموع :
- كنا مع واحد بيسموه ابو جميل بعدين آدم قال انه هيروح يشوف الأرض اللي حضرتك وصيته عليها وفعلا روحنا هناك وفضلنا فترة قبل ما اسمع صوت رصاصة و الاقي ... الاقي آدم بيقع بين ايديا.
تحشرج صوتها إثر الغصة التي ضيقت حلقها على حين غرة وهي تتذكر المغطى بالدماء وفكرت بأنها إن تألمت بهذا الشكل رغم أنهم أسعفوه بسرعة فكيف كان حال آدم حينما طعنته في السابق وتركته يحترق بين النيران كيف كان شكله وهو يتألم عاجزا عن النهوض وإنقاذ نفسه.
ارتجفت يداها كعادتها حين تنفعل فضمتهما لبعض وأخفضت رأسها حتى لا تبين حالتها للعيان لكن العمدة لاحظها وقال بروية :
- الحمد لله انها جت سليمة ومقتلتوش زبإذن الله الفاعل هيتكشف وياخد جزاه ... صحيح صفوان وبقية عيلتك مجوش يطمنو عليكم خاصة انك كنتي مع آدم وقت الحادثة ؟
تلكأت في وقفتها وضغطت على شفتها مرتبكة وزاد خفقان قلبها حين فكرت بأن العمدة سيكتشف كل شيء الآن فلاذت بالصمت بينما ابتسمت حكمت بتشفي وصمتت مكتفية برؤية توتر نيجار وكيف ستنقذ ذاتها من المأزق الذي وقعت به ...
وفي هذه الأثناء دق الباب ودلف الغفير مرددا :
- في ضيوف جم يا ست هانم.
- مين دول ؟
تساءلت حكمت بإستفهام تحول إلى صدمة وقد مادت الأرض بها بغتة وهي ترى آخر من توقعت وجودهم الآن ... صفوان وبقية أفراد عائلة الشرقاوي !
اتسعت عينا نيجار بذعر وتضايقت أنفاسها بشدة حين ابتسم هو وردد بصوت واثق :
- السلام عليكم ... انا جاي علشان اطمن على جوز اختي ألف سلامة عليه !
الفصل العشرون : اِضطرام.
________________
( منذ مايقارب عشر أشهر ...
بعد تسليم الشحنة الأخيرة لهذا اليوم خرجت من بساتين الصاوي وامتطت فرسها راكضة به نحو بستان عائلتها وحين وصلت دخلت للمستودع الذي كان صفوان جالسا فيه يدخن سجائره وقالت بعملية :
- احنا خلصنا تسليم النهارده عربيات النقل جت وخدت صناديق الفواكه بتاعتنا ورجعت نقلت صناديقهم.
أصدر همهمة بسيطة مطالعا السيجارة وقد قاربت على الإنتهاء حتى ألقاها أرضا وداس عليها ثم نهض واقترب من نيجار بملامح مكفهرة جعلتها تسأله بإمتقاع :
- مالك في ايه.
- عايز اتكلم معاكي بخصوص الشغل في بساتين الصاوي.
تنهدت بملل وردت مقتضبة :
- نتكلم فـ ايه هترجع تقولي انه مكنش ينفع انا اخد الشغل والمفروض راجل يشتغل بدالي ؟ مفيش داعي لأسطوانة كل يوم كده كده بكره آخر شحنة ومش هيرجعو يشوفوني ولا أنا أشوفهم.
ابتسم صفوان بريبة وحاوط كتفاها ليقول بروية :
- متقلقيش أنا مش هقولك الكلام ده خالص على العكس زعلت لان مدة شراكتنا مع عيلة الصاوي هتخلص بكره ده انا نفسي تفضلي كام يوم كمان.
قطبت نيجار حاجباها وتأملته مفكرة في أنه ربما يكون مخمورا فتأففت مبرطمة بنزق :
- انت شكلك فايق النهارده بس أنا مليش مزاج لحكاويك هخلص اللي فـ ايدي وامشي.
لكن الآخر منعها من التحرك إنشا وأعادها لتقف أمامه وقال :
- انتي عارفة ايه اللي عملته عيلة الصاوي فينا وازاي سرقو مننا حق الزعامة والعمودية مش كده ... وعارفة ان ابن سلطان مترشح لمنصب العمدة وهو أكبر منافس ليا مش كده.
- أيوة عارفة.
- وحكيتلك انه هيعمل صفقة مع العمدة والتجار وخد مسؤولية كبيرة عليها ولو اتحملها ونجح في المهمة ساعتها احنا هنرجع لنقطة الصفر وتضيع فرصتنا صح.
- اه قولتلي عليها مش ديه اللي بتخص سبايك الدهب ؟
سألته مستفهمة بعدما لفت إنتباهها حول الصفقة التي أثارت جنونه منذ أيام حين علم بها وطفق يصرخ بعصبية لأن العمدة اختار آدم بدل أن يختاره هو فأجابها صفوان بلهجة صريحة :
- أيوة هي الصفقة ديه كبيرة وبتكلف ملايين وزي ما قولتلك احنا هنخسر كتير لو آدم نجح فيها علشان كده أنا مخطط ابوظها واحطه في موقف صعب ومشاكل ملهاش نهاية ... عايز اسرقهم.
شهقت نيجار وجحظت عيناها بدهشة مرددة جملته بخفوت لتستوعبها قبل أن تعود وتقول :
- تسرق ايه انت عايز تودي نفسك في داهية فاكر القصة لعب عيال يعني ! بلاش هبل واقصر الشر انت مش قدها.
تغيرت تقاسيمه للغضب بعدما قللت منه وتشدق معترضا :
- لا أنا قدها وقادر اعمل كده وانا مش لوحدي أصلا في واحد اتعرفت عليه من فترة وعرض عليا المساعدة ونتقاسم الربح.
- مين ده اوعى يكون بيضحك عليك.
- لا ده سمسار معروف وليه علاقات كبيرة في مجال التجارة وبيعرف تفاصيل الصفقات ولو قدرنا نسرق الدهب هنبقى كأننا طولنا السما بس لازم اعرف هيحطوهم فين الأول وانتي هتساعديني.
- أنا اساعدك ! ازاي يعني.
تمتمت نيجار بعدم فهم وكررت السؤال عليه حين شرد للحظات فـاِستفاق ومد يده يملس على شعرها ممهدا للقنبـ.لة التي سيفـ.جرها بعد قليل :
- عايزك تسمعيني من غير ما تقاطعيني بصي أنا لاحظت من فترة ان ابن سلطان منجذب ليكي هو متكلمش ولا حاول يقرب منك بس لاحظت نظراته ناحيتك وحاسس أنه معجب بيكي.
امتقع وجهها وعقبت ساخرة :
- آدم معجب بيا وبيبصلي كمان ؟ ده واحد عليه كتلة برود فظيعة وبيفوتش فرصة يغيظني فيها وفكل مرة بيحسسني انه هو الطرف الأقوى في الشراكة ديه انت غلطان.
زفر وطرق على رأسها موضحا لها بإصرار :
- مش غلطان أنا راجل زيه وبفهم الحركات ديه كويس ولو حسيتي أنه بيعاملك ببرود فده لأن طبيعة آدم عامله كده اكيد مش هيجي يعاكسك ويرميلك كلمتين من الشارع زي الشباب اللي كنتي بتشوفيهم في المدينة.
- اوف هعتبر ان كلامك صحيح طيب المفروض اعمل ايه يعني.
- تحاولي تتقربي منه وتسحبي الكلام من لسانه اتعاملي معاه بشخصيتك عشان يرتاحلك وممكن تعرفي تسمعي اي كلمة كده ولا كده من رجالته.
رفعت حاجبها بإستنكار منه وعلقت :
- انت بتطلب مني اتقرب من راجل ومين هو ابن عدونا انت شكلك اتهبلت في دماغك انا همشي واسيبك.
تأفف صفوان وسحبها إليه مجددا متكلما بصلابة :
- يابنتي مبقولكيش اتجاوزي الحدود معاه أنا بقولك تكلميه اسبوع ولا اسبوعين بس وأول ما تقدري تاخدي معلومة تفيدنا سيبيه.
- بس هو راجل صعب وبيتكلم بالعافية ازاي هقدر أعمل كده معقوله يجي يحكي لبنت عم عدوه عن تفاصيل الصفقة بتاعته !
- مش هتخسري حاجة لو حاولتي يا نيجار رجاء ديه فرصة عشان ننتقم لعيلتنا وناخد حقنا ومش هتتكرر ... متنسيش أن أبوكي وعمك كانوا الأحق بأنهم يورثوا المنصب من جدي ربنا يرحمه بس عيلة الصاوي سرقت مننا الحق ده.
نزلت كلماته كحمم من نار على قلبها واستطاع تنمية الحقد في قلبها والرغبة في الانتقام وإنتزاع ما أُخذ من عائلتها لتتنهد وتنظر له بعينين ملتهبتين وهي تردد :
- تمام ... أنا هعمل كده )
** عودة إلى الحاضر.
- أنا جاي اطمن على جوز أختي ألف سلامة عليه !
وقفت نيجار متسمرة من هول المفاجأة ورمشت بعينيها دون استيعاب وهي ترى صفوان يقترب من العمدة وحكمت مغمغما بجدية :
- أنا سمعت بالحادثة امبارح بليل وحبيت اجي اطمن على آدم بس قلت يمكن الوقت مش مناسب واستنيت الصبح يطلع عشان ازوره.
تنهد فاروق بحقد وتحرك ليذهب ويخنقه لكن حكمت أشارت له بعينيها بأن يتوقف ولا يقدم على فعل شيء متهور ثم حادتا نحو هذا الأخير هاتفة بوقار :
- فيك الخير وأهلا بيكم في سرايا الصاوي.
كتم ابتسامة ساخرة واستطرد مدعيا القلق :
- طمنوني آدم عامل ايه عرفتو مين عمل فيه كده أنا مستعد ادور معاكم عشان تلاقوه بسرعة.
حدقت فيه ببرود وأجابته بينما ترى جميلة وسلمى تتكلمان مع نيجار :
- حفيدي بخير ماشاء الله عليه قوي ومبيقعش من حركات الغدر ديه.
تابع العمدة بجدية :
- احنا بندور ع الجاني وهنلاقيه بإذن الله ساعتها محدش هينجده مني هحرص ع انه ياخد آخر أنفاسه بين ايديا.
لم يبدُ على صفوان التأثر بهذا التهديد المبطن كأن الأمر لا يعنيه بل أومأ برأسه بتأكيد مردفا :
- وأنا مع حضرتك اللي عملوه مبيتسكتش عنه ولازم ياخدو جزاتهم عموما انا كمان هتابع الموضوع معاكم يعني مهما كان مابيننا زمان دلوقتي الوضع اختلف وآدم بقى جوز اختي وحاله مش هيهون عليا.
- ربنا يجيب اللي فيه الخير المهم أنا هستأذن منكو وارجع للشغل المتراكم، حمد لله على سلامة آدم هو قوي ولحمه مر متأكد انه هيتحسن بسرعة يلا السلام عليكم.
ودعهم العمدة بهذه العبارات ورحل مع زوجته ليظل البقية في مواجهة بعضهم فتركت نيجار زوجة عمها وسلمى واقتربت من صفوان هامسة بتوتر :
- انت بتعمل ايه هنا امشي اطلع برا.
سمعتها حكمت وتلفظت بنبرة تمتلك من القوة والفطنة الكثير :
- يمشي ليه يابت الشرقاوي معقوله يطلع من غير استقبال واحنا معروف عننا الكرم وحسن الضيافة مهما كانت طينة الضيف.
سرقت دهشة لحظية من عيني صفوان الذي رشقها بنظرات متعجبة من ردة فعلها وهو الذي توقع بأنها ستطرده شر طردٍ ما إن يوليهم العمدة ظهره لكنها على عكس ظنه قابلته حكمت بهدوئها المعتاد وأشارت لهم كي يدخلوا لصالة الإستقبال وكل هذا تحت توجس نيجار واحترازها مما تنوي هذه السيدة فعله.
قدمت لهم الخادمة أصول الضيافة وجلست نيجار جوار زوجة عمها على الأريكة وهمست :
- انتو جيتو ليه بتعملو ايه هنا مش عارفين ان الست ديه مش هتعمل حاجة خير لما تشوفكم قدامها.
تنهدت جميلة مجيبا باِمتعاض :
- صفوان أصر اننا نجي نعمل الواجب بيقول انه مش هو السبب ومحاولش يغتال ابن سلطان بس أنا مقدرتش اصدقه ... قوليلي الحقيقة انتو الاتنين اتفقتو سوا عشان تعملو كده امتى وفين.
توسعت عيناها بدهشة لأنها هي أيضا تظنها الفاعلة وتساءلت بداخلها ان كانت أمها بالرضاعة تنظر اليها بهذا الشكل اذا كيف سيراها آدم وجدته ، زمت شفتيها بضيق وفتحت فمها لتجيب لكن جميلة قاطعتها وهي تهتف بصوت مسموع موجهة كلماتها إلى حكمت :
- آدم بمثابة ولدي ويعلم الله اني مبتمنالوش إلا الخير يا ست هانم انا اتصدمت لما سمعت الخبر خوفت عليه وعلى نيجار بعد ما عرفت انهم كانوا مع بعض ...الحمد لله اللي جت سليمة قدر ولطف.
وافقتها الأخرى الرأي وهي تجلس مقابلة لها تتفحصها بعينيها المكحلتين :
- الحمد لله هي الدنيا كده محدش بيعرف فيها ايه ممكن لي نايم النهارده يصحى بكره وممكن لي صاحي وبيمشي ع رجليه دلوقتي بكره يدخل لقبره.
أصاب تلميحها الهدف المنصوب واضطربت جميلة خوفا وقلقا بينما ابتسم صفوان مرتشفا من كوب الشاي أما سلمى ازدردت لعابها بتوتر متمتمة :
- انا خايفة تحصل حاجة يا نيجار اتصرفي ارجوكي.
رغم ارتجافتها وتصوير عقلها لعدة خيالات كل واحد منها أسوء من الآخر إلا أنها استجمعت قواها مبرطمة بنبرة حاولت أن تقنعها هي قبل إقناع ابنة عمها :
- متقلقيش حسب معرفتي بحكمت هانم هي مش هتعمل حاجة طالما لسه قاعدين جوا بيتها خاصة ان العمدة شافكم وانتو داخلين ... بس مبقدرش اقول نفس الكلام لو خرجتو برا حدود عيلة الصاوي.
هتفت بالجملة المتشائمة دون شعور منها فرفعت سلمى شفتها مهمهمة :
- ريحتيني اوي متشكرة.
تنهدت بإعياء وتمنت لو تستطيع الذهاب إلى آدم الآن والإطمئنان عليه لكنها تعلم بأن حكمت لن تسمح لها وغالبا ستحبسها مجددا بعد مغادرة عائلتها والله وحده يعلم عن أي تراهات ستقولها لحفيدها عند استيقاظه.
بيد أن هذه الأخيرة قطعت سيل شرودها وهي تخبرها بأن تجلب الصينية المتبقية من المطبخ فذهبت سريعا تجهزها وأعطتها لأم محمود لتأخذها بدلا عنها وقالت محدثة نفسها :
- انا هستغل الفرصة واطلع اشوفه ممكن يصحى ويعوز حاجة وميلاقيش حد جمبه.
خطت بسرعة خارج المطبخ وبمجرد تجاوزها العتبة وجدت يدا تسحبها من ذراعها فاِنتفضت ونظرت لصاحبها لتجده صفوان الذي رشقها بنظرات مستهينة مشيرا لها بالصمت وكاد يتحدث لكن حروفه الأولى تجمدت بين شفتيه حين عاجلته نيجار بصفعة قوية أردت وجهه للجهة الأخرى !
أغمض عيناه كاتما شتيمة لاذعة بداخله ثم رشقها بتطليعات جامدة مغمغما :
- ديه تاني مرة بتعمليها.
شدد قبضته عليها وجذبها ناحيته بعنف مستطردا بقتامة :
- وفي المرتين رزعتيني قلم عشان ابن سلطان اللي متلقح ع السرير دلوقتي.
أجابته نيجار بنفس النبرة وهي تحدق في عينيه مباشرة :
- لأنك في المرتين ضحكت عليا وخليتني بيدق بتستعمله لمصالحك في الأول خليتني اضرب آدم بخنجر وانت عارف انه مسموم وهيقتله وولعت في بيته وامبارح ضربتوه بالنار غدر وكنتو هتقتلوه وبردو انا كنت موجودة معاه وممكن يصدق اني اتفقت معاك علشان نقتله ... انت قولتلي انك اتراجعت ومش هتنفذ خطتك بس كدبت عليا.
زفر صفوان بضيق هامسا :
- بس انا بجد معملتش كده ومقربتش ناحيته خالص.
- بطل كدب.
- مش بكدب عليكي لو انا حاولت اقتله فعلا كنت هعترف زي ما اعترفت اول مرة ومأنكرتش بس المرة ديه أنا مليش دعوة فعلا !
برطم بلهجة حاول جعلها مقنعة قدر الإمكان كي تصدقه فاِضطربت نيجار بتشتت ولانت ملامحها قليلا دون أن تتخلى عن الحدة في صوتها وهي تستفهم :
- اومال مين عمل كده غيرك أنت اللي اقترحت نقتله يوم السفرية وفعلا في اليوم ده حاولوا يغتالوه لو مكنش انت هيبقى مين يعني انت عايز تجنني !
- مش انا الوحيد اللي بكرهه يا نيجار لأن في ناس كتيرة كانت بتطمح لمنصب العمدة وبتتمناه لنفسها فـلما سلمه هو لآدم حقدوا عليه وحبو يتخلصو منه.
راقبها صفوان وهي تقطب حاجبيها وتحرك حدقتيها من حولها كعادتها حينما تكون مترددة أو محتارة بشيء ما وأدرك تأثيره على أفكارها حتى لو لم يستطع جعلها تقتنع كليا لكن يكفيه ألا تكرهه وتفقد ثقتها به حين تتأكد من تورطه في محاولة الإغتيال.
فهو لاحظ انها بدأت بالميل ناحية آدم وإن تعلقت به هذه الغبية أكثر لن يكون الأمر بصالح صفوان ولن يقدر على استغلالها ضد عائلة الصاوي نهائيا.
تنفست نيمار بعمق وقد داهمها الصداع فأفلتت نفسها من قبضته مهمهمة :
- مش عارفة افكر كويس ولا اصدقك او اكدبك بس لازم تمشي مع اختك ومرات عمي قبل حكمت ما تعملهم حاجة أما انا هطلع لفوق دلوقتي.
همهم مستهجنا منهت وعقب بسخرية لم يتحكم بها :
- رايحة تطمني على حبيب القلب وتؤدي واجباتك الزوجية مش كده بس تصدقي دور الزوجة ده لايق عليكي اوي.
مطت شفتيها وتأففت وهي تتركه لتصعد إلا أنهما استمعت لصوت حكمت الصادر فجأة وهي تسأله بجمود :
- خير انت ضيعت طريق الحمام ولا ايه.
التف لها ورآها واقفة تحدق بهما بينما تقرع بعصاها عدة مرات على الأرض ليجيب :
- أيوة ونيجار كانت بتوريهولي ... بيتكم كبير اوي والواحد بيضيع جواه.
- علشان كده ملازمش يدخل في متاهة فاكرها سهلة ويضيع نفسه فيها.
اكتفت بالرد عليه بجملة مبهمة فهمها صفوان وأومأ مبتسما باِصفرار قبل أن يستأذن ويأخذ عائلته مغادرا.
وحين كاد يفتح باب سيارته قابله فاروق مطالعا إياه بغل واضح فتنحنح الآخر مستفهما :
- خير انت جاي لهنا ليه.
رد عليه مباشرة ودون أن يرمش :
- بتعمل جريمتك وبتجي بعدها تلعب دور الانسان الصالح عشان محدش يشك فيك، لعبة رخيصة بس جديدة عليك احسن من الهرب زي عوايدك، وعموما ده آخرك انك تستنى خصمك يغفل وتضربه من ورا ظهره وتجري تتخبى.
استمع له بصمت ثم لعق شفته السفلية وعاد يغلق باب السيارة مقتربا من فاروق بخطوات هادئة حتى وصل إليه وتنهد مرددا :
- تعرف ايه هي اكبر مشكلة بتصادف بعض الناس انهم مبيعرفوش حدودهم اللي مينفعش يتجاوزوها يعني الواحد منهم اول ما يلاقي شخص أعلى منه عامله معاملة زي البني ادمين بيقوم يصدق نفسه وينسى مستواه الحقيقي لا وبيفكر انه خلاص بقى واحد من الأسياد وده كله ليه ؟
لأن سيده قعده معاه ع نفس السفرة بس الحق على ابن سلطان لأنه بيحب يلعب دور الحنين لي مبيفرقش بين الخدام و البيه واهي النتيجة.
تشدق بألفاظ مهينة قصد تجريده من كرامته وإظهار قيمته الحقيقية له بَيد أن فاروق الذي لطالما عُرف بصلابته لم يتأثر قيد أنملة بل اكتسبت ملامحه الجمود وهو يرد عليه بكلمات موجزة :
- ملهاش دعوة بالمستويات يا "بيه" لأن في ناس مهما تغطت بالدهب هيفضل معدنها رخيص وميسواش قرش واحد وحضرتك أدرى.
ضربت جملته صميم صفوان الذي اتسعت عيناه بنقمة وأوشك على مهاجمته لكن فاروق لم يمهمله الفرصة حيث ألقى عليه نظرة مستهينة وتركه فشتمه بصوت منخفض هامسا :
- هيجي يومك انت كمان يا كلب عيلة الصاوي وساعتها هتعرف كويس مين اللي معدنه رخيص ومين لي معدنه غالي.
***
بمجرد مغادرتهم وقفت نيجار أمام حكمت وتشدقت بجدية :
- بما أنك بتقولي ع صفوان انه هو لي حاول يقتل آدم يبقى ايه لازمة تستقبليه في البيت من شويا.
- انتي هتقوليلي اعمل ايه في بيتي ؟
- لا خالص بس أنا مش فاهمة حضرتك بتعملي ايه بالضبط من ناحية بتهددي وتتوعدي ومن ناحية تانية بتستقبلي أعدائك وبتعامليهم كويس ولا كأنهم احبابك انتي بتخططي لـ ايه.
تساءلت نيجار بحيرة حقيقية فهي لحد الآن لا تفهم تصرفات السيدة ولا تستوعب هذه الدبلوماسية التي تتصرف بها ومدى قدرتها على التحكم في غضبها وحقدها ناحية أشخاص محددين.
لقد كانت تتوعد لها ولعائلتها البارحة فقط وحين رأتهم أمامها اعتقدت بأن الحرب ستشن في تلك الدقيقة إلا أن حكمت نجحت في ادهاشها ككل مرة وجعلتها تستغرب من شخصيتها الداهية وبذات الوقت تفاقم احترازها منها لكونها لا تقدر على توقع حركتها المستقبلية.
بينما ناظرتها الأخرى ببرود وأوشكت على التكلم لكن ليلى التي استيقظت بعد نومها المتأخر بسبب بقائها ساهرة طوال الليل وقفت أعلى السلم وصرخت بعصبية عند رؤيتها للمرأة التي خدعت شقيقها وطعنته :
- الخاينة ديه بتعمل ايه هنا !
نزلت ركضا وحاولت التهجم عليها فمنعتها حكمت لكنها لم تصمت وتابعت بينما تتململ بين يدي جدتها كي تتحرر :
- وكمان كان ليكي عين تبصي في وشنا وتتعاملي بشكل طبيعي ودلوقتي واقفة هنا ولا كأنك السبب في اللي حصل لأخويا.
هدرت حكمت بهدوء :
- كفاية يا ليلى.
تنهدت نيجار وقالت معترضة :
- معملتش لآدم حاجة ايوة غلطت من قبل وأذيته بس بجد المرة ديه مليش دعوة باللي حصل.
- انتي لسه بتتكلمي اخرسي !
صلحت ليلى بهياج متابعة :
- وانا اللي كنت مضايقة لأن تيتا بتعاملك بالطريقة ديه وصعبتي عليا دلوقتي عرفت ان عندها حق واللي عملته فيكي قليل أصلا لأن اللي زيك بتستاهل تموت ياريت اتحرقتي مع صورك والزبالة بتاعتك في اليوم إياه.
أظلمت عينا نيجار وتوحشت ملامحها بإستنفار للكلمات التي أُلقيت عليها فهمَّت برد الصاع صاعين لها إلا أنها توقفت مكانها مستدركة بأن لليلى الحق الكامل فيما تفعله وتقوله لا بد أن حكمت أخبرتها بالحقائق وهاهي أصبحت تكرهها مثل البقية.
بقيت صامتة تنتظر سكون موجة الغضب هذه حتى صرخت الجدة بصرامة :
- قولت كفاية يا ليلى أنا عارفة كويس انتي حاسة بـ ايه دلوقتي ومش هتكرهي البت ديه أكتر مني بس استني لحد ما اخوكي يصحى وهو هيعمل شغله معاها احنا كده كده مش هنسيب عيلة الشرقاوي متهنية ولا هنسكت عن حقنا.
زفرت نيجار بإعياء مفاجئ هادرة :
- أنا قولت اني مليش دعوة ومتفقتش مع حد عشان اؤذي آدم انا زيي زيكم اتفاجأت من الهجوم وخوفت لما لقيته واقع قدامي.
التفت حكمت وغمغمت بحدة :
- مادام ملكيش دعوة يبقى انتي كنتي واقفة مع ابن عمك بتعملي ايه فليلة العزيمة واتكلمتوا فـ ايه بالظبط واشمعنا حفيدي اتصاب مباشرة بعد ما انا اتصلت بيه وقولتله ع لقائكم.
اضطربت وتلكأت في وقفتها متوترة وهى ترى الأخرى تواجهها بالسؤال مباشرة وقد أدركت أن آدم علم من جدته بشأن اللقاء وغضب منها لهذا السبب فرمشت بعينيها مبرطمة :
- آدم أوْلى بالرد هطلع لفوق واستناه لحد ما يصحى واحكيله ع كل حاجة بنفسي.
سخرت منها حكمت معقبة :
- ايه الذكاء ده هو انتي فاكرة هسمحلك تشوفيه أصلا ... في أحلامك.
أشارت للغفير بحركة من اصبعها ففهمها وسحب نيجار للغرفة التي كانت بها وأغلق عليها لتصرخ بخنق وتضرب الباب عدة مرات بعصبية حتى وهنت ساقاها وأصبحتا كخيط من الهلام الرفيع وعجزت عن الوقوف أكثر فجلست على الأرضية الصلبة وغفت دون شعور منها ...
________________
فتح عيناه المثقلتان بصعوبة استجابة لتلك الضوضاء المحيطة به وقد انتشلته من إغمائه ... ألم ضاري هتك بالجزء الأيسر منه وتعسرت له أنفاسه ثم ذكرى باهتة استنار بها عقله قبل أن تشتد الضجة ويصله صوت رجولي يهتف بلهفة :
- آدم بيه صحي.
تأوه رازحا تحت عمق الألم المستمد من ظهره فظهر له وجه جدته من خلف أغشية عينيه التي بدأت تنقشع شيئا فشيئا وهدهده صوتها الرخيم :
- ابن الغالي انت كويس يا حفيدي حاسس بـ ايه ؟
- ستي.
تأوه مجددا وهو يميل على جانبه الأيمن ورفع يده يتحسس موضع الألم الصادر من خلف كتفه الأخرى فاِندهش حين تلمس الشاش الذي غلفها وامتد لغاية صدره ملتفا حول ظهره أيضا فهمس بتحشرج :
- ايه اللي حصل وليه ...
وانقطعت كلماته عندما هاجمته الذكريات واحدة تلوَ الأخرى بداية من سفره ثم ذهابه لمكان منعزل نسبيا عن القرية ... شجاره وصراخه عليها ... ثم سهم من نار يغرزه من الخلف ويوقعه أرضا ... وأخيرا استسلامه للموجة السوداء مستمعا لصراخها بإسمه ودموعها المنسكبة على وجهه ...
انتفض بتفاجؤ وقبل أن يبدأ بالسؤال وجد نفسه يغمر في حضن شقيقته الباكية التي كانت تقبله مرددة عبارات الشكر لأنه استيقظ فاِبتسم بصعوبة ومد يده يمسح دموعها هاتفا بصوت خفيض :
- انا كويس يا حبيبتي ... متعيطيش كده.
- حمد لله على السلامة يا آدم بيه ... حضرتك اتعرضت لهجوم و حد ضربك بالنار بس كويس ان الرصاصة مصابتش القلب.
قالها فاروق بعدما رأى الحيرة تكتسي ملامحه لينظر إليه الآخر متسائلا :
- لقيتو اللي عمل كده.
أجابت جدته هذه المرة :
- ملقيناهوش بس احنا عارفين كويس مين اللي خطط لقتلك.
أغمض عيناه بشدة مدركا قصدها ونطق إسمها دون شعور فاِمتقع وجه ليلى عند ذكرها وتمتمت بكره أهوج :
- الحقيرة ديه هي السبب في اللي حصلك يا ابيه هي حاولت تقتلك لتاني مرة وانت لازم تخلص عليها.
لم يجب عليها واكتفى بالشرود فحمحمت حكمت متمتمة :
- الكلام ده مش وقته سيبي أخوكي يرتاح وهنبقى نتكلم في المواضيع ديه بعدين.
أومأت موافقة على مضض ودلك آدم جبينه مرددا :
- انا نايم من امتى.
- من امبارح المسا الطبيب حقنك بمنوم قوي عشان تقدر تنام من غير وجع.
- وهي فين دلوقتي ؟
- في القبو.
سأل عن مكان نيجار وأخبره فاروق محترزا ليزفر آدم ويطلب منهم تركه يرتاح لأنه متعب وهذه لم تكن الحقيقة بالطبع لكنه كان يريد البقاء بمفرده وبمجرد خروجهم طحن ضروسه بغضب أهوج واشتعل قلبه حقدا إتجاهها وهمس :
- رجعتي عملتيها تاني رجعتي تطعنيني وانتي باصة في عينيا يعني بليل نايمة في حضني والصبح بتتفقي مع عدوي عشان تقتلوني انتي جنس ملتك ايه بالضبط عمري ما شوفت أسوء منك بس المرة ديه مش هفكر في منصب ولا اسم المرة ديه هاخد بتاري منك انتي والـ*** ابن عمك.
** بعد مرور ساعات.
أبعد صينية الطعام التي أجبرته جدته على إنهائها ووقف أمام المرآة محاولا وضع دعامة الكتف بنفسه لكن الألم صاحبه مجددا وهنا طُرق الباب ودلفت حكمت لتهتف باِستهجان حين رأت ما يفعله :
- انت بتعمل ايه المفروض تكون ع فرشتك دلوقتي.
أجابها بعدم اكتراث وهو لا يزال يحاول تركيب الدعامة :
- مش كفاية فضلت نايم من امبارح متعودتش افضل قاعد في الاوضة لوقت طويل كده وبعدين لازم افوق وأحاسب كل واحد اتسبب في حالتي ديه عشان يعرفو انه مش سهل حد يلعب مع آدم الصاوي.
تنهدت ودنت منه لتساعده بينما يتابع هو ببغض :
- كل لما افتكر اني اتصبت مرتين من الحيوان ابن الشرقاوي بحس دمي بيتحرق وبيزيد حقدي عليهم غدر بيا من تاني بدل ما يواجهني راجل لراجل بس هو ده طبع صفوان طول عمره جبان وبلا شرف لكن أنا هوريه العداوة الحقيقية بتبقى عاملة ازاي.
حدقت فيه حكمت مباشرة ورددت بنبرة جادة :
- متتهورش دلوقتي وتقلب الموضوع علينا خلينا نلاقي دليل الأول ونوريه للعمدة.
- لسه هستنى دليل ماهو واضح ان صفوان ورا اللي حصل ومش بعيد يكون بيخطط ازاي يهرب دلوقتي أساسا من كتر حقده عليا هيجي يتفاخر بجريمته قدامي.
- للأسف صفوان عرف يتصرف المرة ديه ومأظهرش خوفه ولا حقده ده كان عندنا النهارده الصبح وقت جه العمدة عشان يطمن عليك.
- نعم ؟ مش فاهم مين اللي كان عندنا ؟!
صاح آدم بصدمة وذهول غير مصدق لما يسمعه وظهرت بوادر الجنون على وجهه وهو يتخيل بأن أكثر وغد لي الحياة وطأ بيته بقدمه النجسة فتصلب جسده واحمرت عيناه بعصبية مغمغما :
- حضرتك مستوعبة بتقولي ايه ازاي تسمحوله يدخل وأنا متلقح ع السرير ومش قادر أقوم هو جه يعمل ايه وقالكم ايه !
قابلت إنفعاله بجمود وأجابته :
- جه ع أساس يزورك ويطمن على حالتك وقال ايه مصدوم من محاولة الإغتيال ومستعد يدور معانا ع الجاني.
- مضربتيهوش برصاصة في نص دماغه ليه أو على الأقل كنتو كسرتو عظامه الواطي !
- وهو ده اللي صفوان خططله كان عايز يظهر نفسه بريء وبيعمل الواجب ويطلعنا احنا الوحشين اللوم يتحط علينا وقت نهاجمه خاصة قدام العمدة وأنا فهمت نواياه من أول نظرة وعرفت اتصرف.
أسكتته بمنطقيتها ووجهة نظرها التي دائما ما تكون صحيحة فزفر بخنق متمنيا لو قام بقطع قدمي ذاك الوغد قبل أن يدوس عتبة الباب فهو لا يصدق أن الأحمق أصبح ذكيا ويجيد التلاعب مع كافة الأطراف من أخبره بلعب هذا الدور ومن يساعده في تحقيق مراده ... ترجم دواخله على شكل سؤال همسه بصوت منخفض فسمعته حكمت وقالت :
- فعلا الأفكار ديه غريبة ع صفوان يعني امتى لحق يخطط وينفذ ويعمل خطة احتياطية ولا كأن في حاجة توقفه واضح أن اللي بيساعده واحد ذكي وعارف طبيعة عيلتنا.
- قصدك ع نيجار صح.
تلفظ إسمها بنبرة قاتمة وتابع بشرود بعدما أفلتته جدته، وهو يتذكر انهيار نيجار حين أصيب :
- مش عارف اذا فعلا هي اتفقت مع ابن عمها ولا لأ حاسس بالشك في الموضوع ده.
- وشكك ده نابع من ثقة فيها ؟
هز رأسه نافيا على الفور :
- طبعا لأ انا مبثقش فيها ومتوقع الغدر منها في أي لحظة بس يعني ... لو صفوان متفق معاها يبقى كانت هتساعده فـ ايه بالضبط ديه محاولتش توديني لمكان من نفسها أو تخليني اغفل ومشوفش مين واقف ورايا على العكس كانت طول الوقت قاعدة مع الست أم جميل بعيد عني وأنا اللي قررت اروح للأرض في الوقت ده مش هي خدتني ليها.
وقفت حكمت تدقق في كلماته ولم تستطع للحظة معرفة إن كان تحليل آدم الآن نابعا من التفكير بمنطقية حقا أو أن قلبه بدأ بالخفقان نحو تلك الخبيثة مجددا ولهذا هو يدافع عنها.
كزت على أسنانها بعصبية لم تبينها ووجدت طريقة واحدة للتأكد مما تود معرفته فحمحمت وهتفت برصانة :
- اه ممكن ليه لأ اينعم صحيح بت الشرقاوي كانت واقفة مع صفوان لوحدهم في بيت العمدة والاتنين خايفين من ان حد يشوفهم بس ممكن كان بيطمن عليها ولا بيتكلموا في اي حاجة تانية.
حتى لما وقف معاها النهارده الصبح وكان بيقولها انه استأجر واحد ينفذ المهمة وطلب منها تساعده بس معتقدش أنه الموضوع بيخصك.
اتسعت عيناه بذهول واستنفرت حواسه مستجيبة للحديث الذي يسمعه فنظر لها مبرطما بعنهجية :
- وقف معاها امتى وقالها ايه ؟؟
ابتسمت بداخلها لنجاح خطتها ومع ذلك أخفت إحساسها وقالت بتلبد مصطنع :
- زي ما سمعت مني انا مسكتهم بالجرم المشهود ولو مش مصدق جدتك روح اسأل البنت ديه وهنشوف لو عندها الجرأة تنكر كلامي، ومع ذلك انت لو لسه مش مصدق أو عايز تغض نظر وتتجاهل عملتها اعمل نفسك مسمعتنيش.
ولم يسمع آخر جملتها فعلا ليس لأنه لا يود تصديقها بل لأنه خطف المسدس الموضوع على المنضدة وضرب طرفه على ركبته كي يثبت السلاح على وضع الإطلاق ثم انزاح عن مكانه ونهب الخطوات نهبا نحو الخارج تاركا إياها تبتسم بمكر شعَّ من عينيها ...
هبط آدم على السلالم وهو يشعر بالشياطين تدور حوله وقلبه يختض بعنف سافر مقسما على أخذ حقه هذه المرة ...
حينها وصل للغرفة المنشودة وركل الباب فرآها تستقيم واقفة بعدما كانت تجلس وارتسمت ابتسامة خفيفة على وجهها لم تكتمل لأن آدم أشهر سلاحه ضدها ...
وبعد دقائق سمع سكان السرايا صوت إنطلاق الرصاصة وهي تشق الجو من قوتها !!