الفصل الثالث
ملقي بجسد واهن على الأرضية الصلبة ، بعينين نصف مفتوحتين و أنفاس متقطعة تُلفظ بصعوبة كمن أُدحم وجهه داخل كيس فطفق يتوسل الهواء ...
يشعر بدمائه تغلي وبعروقه تتآكل كأن هناك شيء غير الخنجر ينخره ... خنجر ؟
نعم، نيجار طعنته، هذه حقيقة وليس كابوسا ظن أنه عاشه عندما استيقظ منذ دقائق ليجد نفسه في الغرفة التي جمعته بها ...
صدر من بين شفتيه المتصلبتين أنين خفيض تماهى حين لمح ألسنة من النار تتسلل تدريجيا وقد بدأت تحرق الشباك ! ثم تصاعد اللهب لينتقل إلى السقف فتراءت له من بين لفحاته صورتها ... وهي تبتسم له وتعانقه ... ثم أخرى وهي تخبره كم أنها تحبه ...
و أخيرا، صورتها وهي تغرز خنجرا في خاصرته، أو قلبه !!
حينها فقط أسدل يده إلى جانب خصره المدموم، و سكنت حدقتاه الخاليتان من الروح وهو يلفظ أنفاسه المتبقية ملونا همسته الأخيرة بمرارة :
- نيجار.
________________
قبل ساعات.
فور إنهاء مكالمته مع سيد عمله ورفيقه زفر بنزق ممتزج بالتوتر ثم خرج من غرفة العمل الملحقة بالسرايا وسار بخطوات مستعجلة مبرطما :
- انا مش عارف ايه اللي مخليه يحب بنت الشرقاوي ويتجنن عليها كده ! خايف يودي نفسه و يوديني معاه في داهية ربنا يستر.
توقف فجأة عندما كاد يصطدم بشكل عرضي بالجدة حكمت فتراجع للخلف فورا مدمدما باِعتذار لتطالعه الأخرى بنظرات حسابية ضاعفت إحساسه بالاِرتباك تلتها كلماتها :
- انت مروح ع ملى وشك كده فين يا فاروق.
تنحنح مفكرا بكذبة سريعة تنقذه منها الآن ثم أجابها :
- انا رايح اشوف الارض اللي هنبدأ نشتغل عليها لأن آدم بيه وصاني اطمن لو كان في حاجة ناقصة ولا لا.
- طيب حفيدي مش موجود دلوقتي تقدر ترتاح كام ساعة كده مش هتضر.
اكفهرت ملامح فاروق بذهول وكاد يعارضها متحججا إلا أنها حسمت النقاش عندما تحركت بصرامة وتجاوزته متجهة إلى المطبخ السفلي وهي تردد بنبرة غير قابلة للجدال :
- تعالى ورايا.
بعد لحظات كان يجلس على الطاولة أمامها يحدق في كل ركن بالمطبخ إلا بها هي ، بينما حدجته حكمت بجمود أحرق أعصابه أكثر حتى قالت موجهة حديثها للخادمة :
- جيبيله كوباية مياه يا أم محمود علشان يبل ريقه ويرجع لون وشه بعدين اطلعي برا.
نفذت الأخرى أمر سيدتها سريعا وخرجت فساد الصمت بينهما حتى تمتم فاروق بإرتباك :
- حضرتك ممكن تسمحيلي اروح لو مفيش حاجة مهمة ؟
- ليه انت عندك ايه تعمله انا بنفسي سمحتلك تاخد استراحة .. إلا لو عندك حاجة تانية ناوي تعملها علشان كده انت مستعجل.
تشدقت حكمت بدهاء معتاد منها ورشقته بنظرات تحذره من الكذب عليها، ثم اِستطردت :
- انا ملاحظة من فترة عليكم انت و آدم انكم مخططين تعملو حاجة من ورايا علشان كده مكنتوش بتسيبو بعض طول الاسبوعين اللي فاتو وامبارح سمعته بيكلمك وبيقولك تنجز المطلوب منك ومتخليش حد ياخد باله ... و على فكرة حكاية الارض اللي رايحلها دلوقتي انا عارفة انها كدبة ف يلا من غير كلام كتير قولي عايزين تعملو ايه.
تبكم فاروق وشعر بخلايا عقله تتوقف عن التفكير وهو يستمع إلى كلماتها بذهول غير مستوعب بأنها لاحظت كل ماكان يجري منذ مدة !
يبدو أن لا نفع للتهرب الآن لكنه لا يستطيع خيانة آدم والإفشاء بسره إذا ماذا سيفعل وكيف سيتصرف.
تنهد بيأس وهو يرطب شفته السفلى بلسانه ثم عقد يداه مبرطما :
- بعتذر منك بس انا مش هقدر اقول حاجة لحضرتك لأن الموضوع طلع من ايدي لما آدم بيه يرجع ااا...
قاطعته حكمت بضرب يدها على سطح الطاولة وتبعها هتافها بصوت غاضب :
- كفاية كده انا مش قاعدة بلعب معاك ! انت عارف كويس اني بعتبرك زي حفيدي وعمري ماشوفتك مجرد شغال عندي علشان كده متخيبش ظني فيك لان لو ادم اتضرر بسبب سكوتك مش عارفة ساعتها ايه اللي هعمله فيك !
_________________
بحلول الليل واِرتداء السماء الحلة السوداء
كانت قد توقفت السيارة عند بوابة سرايا الشرقاوي لينظر إلى تلك القابعة بجواره تضم ذراعيها وتسند رأسها على زجاج النافذة بشرود ثم يهتف بجدية :
- احنا وصلنا يا نيجار.
انتفضت بخفة محدقة به وهزت رأسها بعشوائية من دون أن تتكلم أو تتحرك فتنهد صفوان مردفا :
- انا عارف انك مضايقة وخايفة بس مش عايزك تعملي في نفسك كده وتندمي افتكري دايما انك عملتي الصح علشان عيلتك.
- بس مع ذلك مكنتش عايزة الأمور توصل لكده.
غمغمت بصوت بليد شابه بلادة قلبها الذي أصبحت تشعر به وكأنه حجر خاصة بعد فعلتها هذه، إلا أن صفوان أخذ نفسا عميقا وزفره بمهل هاتفا بمسايرة :
- محدش كان عايز ده يحصل احنا اتفقنا في البداية تقربي منه وتعرفي مكان السبايك عشان نقدر ناخدهم و ينزل من عيون العمدة بعدين تسبيه بس آدم كان حريص اوي ومجابش سيرتهم خالص علشان كده انتي اضطريتي تمثلي انك موافقة على عرض الجواز عشان نقدر نوصل للبيت بسهولة وناخد الذهب منه.
لولاكي انتي مكنش حد مننا قدر ياخدهم افضلي فاكرة ان ليكي الفضل في اننا استرجعنا كرامة عيلة الشرقاوي.
أنهى كلامه بطبطبة خفيفة على يدها وكأنه يؤكد مدى صدقه فكان من شأنه تخفيف الذنب من عليها وإقناعها بأن ما فعلته صحيح.
نعم لقد لعبت على آدم سلطان الصاوي ورسمت عليه الحب لكي تصل إلى مرادها وستفعلها مجددا إن عاد الزمن للوراء ، لكنها الآن خائفة منه وترتعب خشية أن يصل إليها وينتقم منها.
لذلك نظرت إلى إبن عمها و سألته بقلق :
- طيب انت قولتلي هتسفرني بعيد عن هنا قبل ما آدم يفوق هروح امتى لاني خايفة يقدر يوصلي ويؤذيني.
أشاح صفوان نظره عنها لثوان ثم عاد ونظر إليها مبتسما :
- متقلقيش انا هدبر الوضع ومحدش هيعرف يوصلك اهم شي تتعاملي عادي قدام أمي وسلمى ومتبينيش ان في حاجة حصلت اتفقنا.
عضت نيجار باطن شفتها السفلى وهي تشعر بالشحنات السلبية تؤثر عليها فتجعل وتيرة نبضها تنخفض ونفسها يضيق، ولسبب ما لم تسترح لكلامه إلا أنها لم تملك خيارا آخر سوى تصديقه وإقناع نفسها بأن كل شيء بخير فأخذت نفسا عميقا ثم زفرته على دفعات مهمهمة بكلمات مفادها بأنها موافقة على ما يقوله وغادرت ...
بينما بقي الآخر يراقب دخولها إلى منزلهم وفجأة اِعتلت إبتسامة مستهزئة شفتاه متمتما بتهكم خبيث :
- قال آدم هيوصلي ويأذيني مش عارفة انه مش هيفوق اصلا لانها خلصت عليه بنفسها وانا كملت عليه لما ولعت في البيت ومش هيلاقو غير آثار جثته المحروقة.
رن هاتفه فجأة وكان المتصل مراد ففتح الخط كي يبشره بما فعله غير أن الآخر غمغم بصوت آمر :
- تعالى للمكتب عندي فورا.
رفع صفوان حاجبه بتعجب منه خاصة عندما أغلق في وجهه لكنه ذهب إليه على أي حال وفور وصوله ودخوله إلى غرفة المكتب قال مهللا بملامح فخورة بإنجازه :
- مبروك علينا اخيرا خلصنا من ابن سلطان ولازم نحتف...
رافق كلمته الأخيرة صرخة متألمة صدرت عنه عندما اقترب مراد منه ولكمه بعنف على وجهه، اِرتد إلى الخلف قليلا وصاح بإستهجان غاضب :
- انت اتجننت !
لكن مراد الذي كان الغضب ينضح من عينيه بشكل مريب لم ينصت إليه وهو يهب ليجذبه من ياقة قميصه هادرا بعنف :
- انت عملت ايه يا غبي ازاي تتجرأ تبعت بنت عمك عشان تطعنه وتولع في البيت ؟
- ومالك متعصب كده ليه المفروض تفرح لأن خطتنا نجحت.
أجابه صفوان محاولا إزاحته عنه لكن الآخر لم يتزحزح وهو يصرخ :
- احنا متفقناش على ده انا اتعاونت معاك علشان نقدر ناخد سبايك الدهب ونحط آدم في موقف صعب قدام العمدة وسمعته تتشوه مقولتلكش روح اقتله وكمان تولع فيه مين قالك تعمل كده ومن غير ماترجعلي !
نجح في إبعاده ونظر إليه مستهجنا :
- انا قولتلك قبل كده اني هنتقم منه ع اللي عمله فيا قدام الناس ونفذت كلامي ولو على خوفك من اننا نتكشف ف متقلقش انا دبرت كل حاجة عشان يعتبروها عملية سطو من جماعة تانية ومحدش هيعرف ان لينا ايد في اللي حصله ... بس مش فاهم سبب غضبك للدرجة ديه اللي يشوفك وانت متعصب كده هيقول أنك زعلان عليه.
تجاهل مراد جملته الأخيرة حين اِستدار يوليه ظهره زافرا بقوة وقطرات العرق تتصبب من جبينه ثم اِلتف له مجددا مستدركا بسخط :
- بالنسبة للسبايك انا بعت عربيات النقل ودخلتهم للمستودع بتاعي وهنبقى نتفق نعمل فيهم ايه بعد ما الاوضاع تهدا ... ودلوقتي اطلع برا عندي شغل اعمله.
ضغط على يده بعصبية وكاد يحاسبه على وقاحته لكنه فكر بأنه لا يجدر به إفساد علاقتهما الآن لأنه لن يستطيع إنجاز المهمة بحذافيرها دون مساعدة مراد واِستعمال نفوذه فقرر السكوت حاليا إلى حين قضاء مصلحته.
لذلك هز رأسه بإيجاب وخرج بينما طفق مراد يلعنه ثم اِتصل بأحد رجاله وأمره بنبرة حاول جعلها ثابتة قدر الإمكان :
- روح شوف الأوضاع هناك وقولي ايه اللي بيحصل ... و اتأكد لو كانو لقو آدم ولا لا.
أنهى المكالمة واضعا هاتفه على سطح المكتب ووقف متسمرا مكانه وعقله شارد في أحداث كثيرة ...
________________
إنقضت الليلة وبزغت شمس يوم جديد على الجميع ... إلا عليها هي ...
كانت جالسة في غرفتها تمشط شعرها حين سمعت ضجة تصدر من البهو في الأسفل فخرجت تستطلع الأمور لتجد فردا من الحراس واقفا أمام سلمى وزوجة عمها التي كانت تسأله بإرتياب :
- انت متأكد من الكلام ده ؟
- ايوة يا ست هانم احنا سمعنا اللي حصل امبارح بليل وافتكرناها إشاعة بس من شويا واحد من رجالتنا شاف العمدة مروح لبيتهم و ع الاغلب هما مش عايزين الموضوع يتعرف دلوقتي على ما يتأكدو.
ضربت جميلة على فخذيها بجلل منتحبة :
- يالهوي لو كان صفوان ليه يد في اللي حصل محدش هيخلصه من إيد بيت الصاوي المرة ديه.
شعرت نيجار ببرودة قاسية تلفح بشرتها فجأة فاِرتعشت دون شعور منها وضغطت على فستانها تستمد منه طاقة وهمية كي تتمالك نفسها، ثم تكلمت ساعية لإخراج حروفها كاملة :
- في ايه ماله صفوان ؟
تركت سلمى والدتها تحدث الحارس ودنت منها هامسة بإرتياب :
- الدنيا قايمة قاعدة ده في بيت ولع ف الهضبة امبارح المسا وبيقولو ان البيت ده لعيلة الصاوي و آدم كان جواه وقت مسكت النار فيه ... ومات.
الفصل الرابع : شعلة الخطيئة
"إن الناس صناديق مغلقة .. !! مهما رأيتم منها،يظل عمقها مخفيا ومظلما.. فلا تنخدعوا بنصف حقيقة الذي تراه من البشر،
أو بما يبدونه لك...
هناك دائمًا خير لا يُرى، وشرٌ لايُستبان..!!"
- بيقولو ان البيت ده لعيلة الصاوي و آدم كان جواه وقت مسكت النار فيه ... ومات.
وكأن الزمن توقف من حولها، وسحبت الأرض من تحت قدميها دفعة واحدة فسقطت غارقة في الفراغ الذي هاجمها على حين غرة حين تلقي الكلمات التي أردتها في مقتل...
طالعتها بخواء مجفل وشرعت تحرك شفتيها كي تستفسر عن الأمر لكن دخول صفوان جعلها تركز عليه بينما ينظر لهن ببرود يحسد عليه :
- في ايه انتو واقفين ليه كده.
إتجهت جميلة ناحيته وصرخت غاضبة ملتاعة :
- انت ليك علاقة باللي حصل لحفيد حكمت ؟
- انتي بتقصدي ايه يامَّا ايه اللي حصل ... ااا حكاية النار اللي مسكت في آدم وهو قاعد في بيت بعيد عن هنا لا مسمعتش غير دلوقتي بس افتكرتها إشاعات هي القصة طلعت بجد ولا ايه ؟
رد عليها متجاهلا نظرات نيجار الموجهة له بينما قبضت عليه جميلة بعصبية :
- بقولك ايه كلمني كويس ومتستهبلش عليا ده آدم ابن سلطان وحفيد الست اللي ممشية البلد بصوابعها انت عارف كويس هي هتعمل ايه فيك وفينا لو شكي طلع صحيح.
زفر صفوان بملل ثم أزاحها من عليه مغمغما بسماجة :
- متقلقيش يامَّا انا مليش علاقة بجد ولسه متأكدناش اذا اللي بنسمعه صحيح ولا كدب ... المهم انا طالع لأوضتي اريح شويا ولو في جديد عرفوني علشان نروح نعزيهم ده واجب بردو.
تركها واقفة تحدجه بصدمة وذهب إلى غرفته باِبتسامة منشرحة وصدر متسع من السعادة، كاد يجلس على فراشه لكنه تفاجأ بالباب يفتح بعنف ملتصقا بالحائط من الخلف وظهرت نيجار هادرة بتوحش :
- ايه اللي سمعته انا تحت هو الكلام ده صحيح النار مسكت في بيت الهضبة و آدم جواه ؟ رد عليا انا بكلمك !
صرخت بأقصى قوتها عندما وجدته غير مكترث فنظر لها صفوان بهدوء ثم وقف أمامها مجيبا :
- ايوة صحيح وانا اللي ولعت فيه.
نفت برأسها بسرعة واِرتجفت شفتاها بهستيرية قائلة :
- احنا متفقناش على ده ... انت قولتلي انك هتاخد السبايك وبعدين تعالجه بنفسك وتتفاوض معاه عشان ترجعهاله مقابل ان هو يرجعلك الاراضي اللي سرقوها مننا ... مقولتش انك هتقتله.
لم يظهر عليه التأثر بصدمتها بل على العكس تماما كان يبدو عليه اِستنكار رد فعلها وحين سمع آخر جملة إنفلتت منه ضحكة مستفزة ليردد :
- بس مش انا اللي قتلته انتي اللي عملتي كده.
- بطل كدب الطعنة كانت خفيفة ويدوب تخدشه وتخليه يغمى عليه.
رفع صفوان كتفاه باِستمتاع مصححا لها فكرها :
- ايوة فعلا الطعنة كانت سطحية بس الخنجر اللي ضربتيه بيه مسموم وانا بنفسي غطسته في سم قوي يخليه ميقومش منها ... يعني انتي اللي قتلتي آدم وانا كل اللي عملته اني غطيت ع جريمتك بس.
نضى اللون من بشرة نيجار لتصبح شاحبة كالأموات وتحجرت معدتها بعنف فتك بها للحظات فاِختل توازنها وترنحت ليلتقطها الآخر قبل أن تقع.
لكنها دفعته سريعا كأنه شيء تقرف منه ثم همست بإرتجاف :
- ازاي ... ازاي تعمل فيا كده ...
رد عليها صفوان مستهزئا :
- ومالك عامله كده ليه اوعى تكوني حبتيه بجد علشان كده قلبتيها مناحة.
رفعت رأسها إليه وطالعته بعيناها الحمراوتان هنيهة ظن فيها أنها ستصمت وتغادر لكنها صدمته عندما رفعت يدها ونزلت بها على وجهه في صفعة عنيفة تسببت بجرح شفته !
تأوه بألم مرتدا للخلف وقبل أن يقوم برد فعل معاكس قبضت عليه نيجار من ياقته صارخة بشراسة رغم دموعها التي تنزل دون توقف :
- انت قاعد تستهبل عليا وبتقولي حبيتيه ! انت مش مستوعب اني بقيت قاتلة خلصت على واحد غدر ازاي جه من قلبك تلعب عليا اللعبة الرخيصة ديه انا وثقت فيك وخاطرت بنفسي علشانك وفي الأخر تطلع بتلعب عليا.
حدق فيها بجمود كاتما غيظه كي لا يتهور ويضربها فتزيد أحوال هذه المجنونة سوءًا وتُقدم على ما لايحمد عقباه...
لذلك فكر بأن عليه تهدئتها الآن ليستطيع السيطرة عليها فأحكم قيده على ذراعيها متحدثا بنبرة لينة لعله يحجم غضبها:
- انتي عملتي اللي لازم بنت عيلة الشرقاوي تعمله ابن سلطان و جدته أذونا كتير وسرقوا مننا حقنا واحنا انتقمنا منهم أخيرا وهنخليهم يبكو بدل الدموع دم عشان كده لازم تبقي مبسوطة وفخورة بنفسك.
تهكمت بحدة وتحركت كي تفك قيوده عليها لكن صفوان شدد عليها متابعا :
- متنسيش ان عمك وجدك ماتو بحسرتهم على العمودية والزعامة و آدم لو فضل عايش كانو هيخلوه الذراع اليمين للعمدة وزعيم علينا عشان كده كان لازم يموت يا نيجار ... صحيح انا خبيت عليكي بس ده علشان مكنش عندي وقت اقنعك كان لازم اقرر بسرعة.
لذلك اهدي شويا وبطلي التصرفات ديه مينفعش حد يسمعنا ومتنسيش ان احنا الاتنين عملنا كل حاجة مع بعض يعني لو حد مننا اتكشف التاني هيروح في داهية.
كان يرسل إليها تلميحات مبطنة بأنه أشركها في جريمته وبذلك لن تكون لها فرصة التحدث أو الاِعتراف بما اِقترفه هو.
ويبدو أن نيجار فهمته ولثوان شعرت بأنها تريد أن تبصق عليه إلا أن الشعور بالغثيان من قربه غلبها فتحررت منه ورفعت اصبعها في وجهه هاتفة بحدة :
- عمري ماهسامحك يا صفوان وهخليك تدفع تمن اللي عملته فيا غالي بس لما يجي وقته.
مسحت دموعها بتجلد وخرجت تصفق الباب خلفها تاركة إياه يتحسس شفته النازفة بألم حتى مالت في إبتسامة خفيفة ليتمتم :
- ولية قادرة ... بس بتستحق تبقى بنت عيلة الشرقاوي.
***
دلفت لغرفتها ركضا و استندت على التسريحة تسحب الهواء إلى رئتيها وترزح تحت وطأة الصدمة التي تلقتها منذ قليل !
وقعت في فخ صفوان وقتلت آدم ... آدم الذي أوقعته في شباكها بطلب من إبن عمها لكي تستطيع الوصول للذهب الذي سيسلمه بعد بضعة أشهر...
آدم الذي عرف بصلابته ورجاحة عقله اللتان جعلتاها تتوقع فشل خطتها في كل مرة ولكن تبين أنه مثل سائر الرجال الذين يصيبهم العمى بسبب الحب ...
آدم الذي أخبرها بأنه سيواجه عائلتيهما من أجل أن يكونا معا ووثق بها لدرجة أخذها إلى مكانه السري وتقليل عدد الحراسة كي لا تشعر بكسر خصوصيتها ولم يكن يعلم بأنها تعمدت جعله يقللهم حتى يعجز عن حماية البيت.
إلا أنه قد إتضح بأن روحه قد سلبت مع ذلك الذهب أيضا !!
تأوهت نيجار بغصة ورفعت رأسها فقابلتها المرآة وواجهتها حقيقتها ..
حقيقة بأنها قاتلة، قضت على عدو عائلتها الذي طمح للزواج منها ، فظلت تحدق بملامحها حتى توصلت إلى حلَّين، إما أن تعترف وتأخذ جزاتها، وإما أن تسكت ضميرها وتحتفل بنجاحها...
ومع الأسف ... كان خيارها هو الحل الثاني فإستقامت في وقفتها ومسحت عبراتها المتساقطة وقد أطفأت شعلة ضميرها...
________________
وقف مستندا على الشرفة التابعة لغرفة مكتبه وهو يراقب سير دخان السيجارة التي أوشك على إنهائها حتى سمع طرق الباب يليه الدخول فقال بصوت مرتفع نسبيا دون الإلتفاف وراءه :
- تعالى يا صفوان.
تقدم الآخر حتى وقف خلفه متهدجا :
- مبسوط لأنك هديت ومبقتش متعصب زي امبارح ... مع اني عتبان عليك لأن مش معقول تعامل شريكك بطريقة وحشة عشان حاجة متستاهلش.
لم يكن مراد في مزاج يسمح له بالتعامل مع ثرثرته الخرقاء فتجاهلها ونظر إليه قائلا بجدية :
- عدى يومين على القصة اللي حصلت بس مطلعش صوت من بيت سلطان الصاوي مش ع اساس طلعت إشاعة موت آدم والناس روحو لحكمت هانم عشان يعزوها اومال هي أنكرت ليه وقالت ان آدم بخير بس سافر عشان شغل ؟
رد عليه صفوان بثقة :
- ده لأنها عارفة ان سبايك الذهب اتسرقت ولو العمدة عرف هيوديهم في داهية عشان كده هي كدبت ع الكل وقالتلهم ان حفيدها مسافر ودلوقتي العمدة فاكر ان الذهب ف أمان مع ابن سلطان.
حدق فيه بصمت حائر لعدة ثوان يحاول فيها الإقتناع بما يسمعه، ولاحظ الآخر ذلك فسأله :
- انت مش مصدق ان آدم مات ؟
تنهد مراد مفصحا عما يجول داخل عقله :
- مش مقتنع بسكوت حكمت هانم هي بتعز حفيدها اوي وبتحاول تحميه دايما اومال سكتت ليه المرة ديه وقدرت تتمالك نفسها.
ارتفع جانب من شفته للأعلى وهو يجيبه ساخرا :
- لا حكمت مش ساكتة بس هي عاملة كده بتبقى مستنية الفرصة المناسبة عشان تهاجم ... وغالبا هي لسه مش فاهمة علاقتنا بالحادث و اول ما تعرف هتهاجم عشان تسترجع السبايك وتنتقم لإبنها.
- مين قالك انها مش عارفة ؟
- أنا اتأكدت من ده النهارده الصبح...
flash back
( راقبه من زجاج السيارة وهو يجلس على إحدى المقاعد بشرود فإبتسم وخرج متوجها إليه، ثم أطل عليه من فوق هاتفا بأسف مصطنع :
- العوض بسلامتك يا فاروق.
التف خلفه بتفاجؤ وسرعان ما إنكمشت تقاسيم وجهه بوحشية هادرا بحدة وهو ينتصب واقفا ليقبض على ياقة قميصه :
- يا ندل يا **** انت ازاي تتجرأ تجي هنا !
ضحك صفوان بإستفزاز ثم رفع يداه في الهواء ببراءة :
- انا جاي أعزيك لاني عارف معزة المرحوم عندك هو كان معتبرك صاحبه مش الخادم بتاعه بس.
شدد الأخير الخناق عليه مغمغما من بين أسنانه :
- انا عارف انك انت اللي عملت كده انت اللي هاجمت بيت الهضبة وولعت فيه وبسببك انت آدم ...
بلع آخر كلماته بصعوبة لتنشرح أسارير صفوان هاتفا بمكر :
- انت كده بتعترف انه بجد مات صح اومال ليه مخبيين الحقيقة كنا ع الاقل هنعمل الواجب ... في الاول والاخر المرحوم كان هيبقى صهري وبيننا عيش وملح.
- انت ... انت ...
همس فاروق بتقطع مطالعا إياه بعدم تصديق ثم طفق يسترجع أنفاسه مفكرا بصوت عال حتى قال بإدراك :
- انت كنت عارف ان آدم هيتجوز نيجار عشان كده قتلته ... ونيجار كمان كانت ...
قاطعه صفوان ببرود بعدما أزاحه عنه ودفعه للخلف بعنف :
- لا ده موضوع بين الرجالة متجيبش سيرة الحريم خاصة نيجار ديه حتى كانت هتبقى عروسة بيت الصاوي لولا فشلك في حماية العريس ... مش كنت هتبقى شاهد ع كتب الكتاب بردو.
ظهرت على فاروق ملامح الإرتباك من تلميحه ليتابع الثاني بدهاء :
- حكمت مش عارفة بالتفاصيل صح ديه فاكرة انه كان هناك عشان شغل بس ياترى هتعمل ايه لما تعرف ان فاروق الخادم المخلص بتاعها كان مشترك مع حفيدها في اسرار خفية ومقالهاش عن حاجة لانها لو عرفت كانت أكيد هتقنع حفيدها يتراجع وبالتالي يفضل عايش وسبايك الدهب تفضل ف أمان.
صرخ فاروق بعصبية :
- متفرحش اوي كده انا هروح وأقولها ع كل اللي حصل ساعتها انت هتدفع تمن اللي عملته.
- لو ناوي تقولها فعلا مكنتش هتسكت لحد دلوقتي بس انت خبيت الحقيقة قبل الحادث وخبيت عنها بعد الحادثة بردو لأنك عارف كويس ان حكمت هتحملك المسؤولية وتوديك في داهية أنت وأهلك.
- انت عايز مني ايه دلوقتي ؟
- تسكت ... عايزك تسكت وتعمل نفسك مش عارف ازاي آدم انتقل لرحمة ربه ومين السبب و السبايك عند مين وبكده هتبقى بتحمي نفسك قبل ما تحميني انا... )
back
تابع صفوان بعدما إنتهى من سرد ما حدث بينه وبين مساعد آدم هاتفا بروية :
- انا بظن فاروق مش هيسكت كتير وحتى لو سكت هي هتعرف عاجلا ام آجلا علاقتنا بالحادثة بس عبال ما تعرف هنكون احنا كسبنا وقت نهرب السبايك ونتقاسمهم مابيننا و اول ما صبر العمدة يخلص ويطالب بالدهب بتاعه انا هظهر بدور الشهم اللي عايز يساعده في أزمته المالية و استرجع مكانة عيلتي عنده.
رفع مراد حاجبه بتعجب :
- مش شايف انك بتخاطر وخطواتك سريعة زيادة عن اللزوم خد بالك عشان متتقلبش عليك كل حاجة في الآخر.
- متقلقش انا بقالي كتير بخطط للموضوع ده بس بتوقع انك خايف مع ان اللي بيشوفك بيقول ان انت يستحيل تخاف من حاجة.
تهكم مراد بسخرية معقبا عليه بينما يخرج سيجارة أخرى من العلبة :
- الخوف كويس بيدل ع انك لسه انسان من لحم ودم وبتعرف تفكر بس اللي مش كويس هو انك تدخل في دوامة انت مش قدها عشان تثبت انك مبتخافش ... علشان كده انا بقولك خد بالك.
_______________
"يُعرف الناس بالقرب لا بالمراقبة وتُبنى العلاقات بالود الخالص ، لا بالتودد المفتعل.."
خرجت من الحمام بعدما إرتدت منامتها ووقفت أمام المرآة تجفف شعرها بالمنشفة مفكرة ... مرَّت ثلاث أسابيع على الحادث ولم يطرأ جديد بعد، الجميع يبحث عن آدم بعدما إنتشرت إشاعات مفادها بأنه هرب والسيدة حكمت تصر على أنه ذهب إلى المدينة من أجل مهمة عمل وسيعود قريبا وبحوزته أمانة العمدة.
لكنها الوحيدة التي تعرف أنه لن يعود فهو مات مقتولا، وهي من شاركت في جريمة قتله.
زفرت نيجار بضجر من أفكارها وطفقت تحاول إستعادة رشدها مهمهمة :
- ازاي قدرت اعمل كده ازاي قتلته ياربي ... بس انا مكنتش اعرف ان الخنجر مسموم لو عرفت مستحيل كنت هعمل كده ودلوقتي حصل اللي حصل و مفيش فايدة ف اني اندم.
توقفت عن تجفيف شعرها ورمت المنشفة ثم فتحت هاتفها تتصفح الشقة التي استأجرتها فهي قررت السفر إلى المدينة كي تحمي نفسها من عائلة الصاوي لأنها لا تثق في المدعو فاروق وتعلم جيدا بأنه سيكشف كل شيء لسيدته والعمدة عاجلا أم آجلا لذلك يجب عليها الهرب.
بعيدا عن جرائمها وكابوس آدم وصفوان والجميع...
تنهدت نيجار بتعب وذهبت كي تنام بعدما رفضت الجلوس على طاولة العشاء رغم عدم وجود صفوان عليها إلا أنها لا تملك الشهية للأكل.
رفعت الوسادة كي تعدلها لكن سرعان ما صرخت وهي تقفز بهلع بعدما لمحت دمًا على يدها، أو هذا ما كانت تظنه !
إزدردت ريقها بإرتجاف وقد بدأت قطرات العرق تتشكل على جبينها ثم نظرت لأصابعها الملطخة باللون الأحمر لتكتشف أنه نتج عن طلاء الأظافر الذي يبدو أنها تركته مفتوحا فوقع على الفراش أثناء تحركها عليه وإنسكب...
أغمضت عيناها تزفر براحة وهرعت تغير الأغطية بأخرى جديدة لكن هذه المرة إنتبهت لوجود قلادة كان قد أعطاها آدم لها في السابق فإلتقطتها متأملة إياها بإستغراب :
- مش انا ضيعتها يوم الحادثة ايه اللي جابها عندي ... يمكن مكنتش ضايعة وحد لقاها وحطها ع سريري هبقى اسألهم بكره.
شعرت بالبرودة تلفح بشرتها في نفس الوقت الذي لمحت فيه باب الشرفة موارب لتتأفف وتتجه ناحيته كي تغلقه، وحين إقترابها خُيِّل لها أنها رأت ظلا يتحرك ففتحت الباب فورا كي تنظر من هو لكنها وجدت الشرفة فارغة.
إلتفت يمينا ويسارا تتأكد من عدم وجود أحد حولها حتى إقتنعت بأنها كانت تتخيل حقا فعادت لفراشها وأغمضت عيناها مستسلمة للنوم ...
*** بعد مرور بضع ساعات.
إستيقظت على صوت رنين الهاتف بوصول رسالة لتفتح عيناها بإنزعاج وعند قراءة إسم المرسل زفرت بخنق متمتمة :
- صفوان عايز ايه دلوقتي مش هو ...
وتبعثرت حروف كلماتها الأخيرة !
أحست كما لو أن أحدهم طعنها في منتصف قلبها ! فتشنج في نفس اللحظة التي إحتشدت فيها أنفاسها بحلقها وهي تصرع برؤية مقطع فيديو لصفوان وهو يتكوم على الأرض تنقض عليه أقدام من العدم تركل جسده ووجهه دون رحمة حتى إختلطت دماؤه بتراب الأرضية المكوم فوقها.
شهقت نيجار بعنف تكرر مشاهدة الفيديو وبصعوبة بالغة إستطاعت طلب رقمه، وبمجرد فتح الخط وجدت نفسها تصرخ بأعصاب تالفة :
- انت مين وصفوان فين انتو عملتو ايه في أخويا ؟!
ساد الصمت إلا من صوت أنفاسها المختنقة وأنفاس ذلك الذي أجاب عليها، ثم أغلق الخط و بعث رسالة أخرى إليها ففتحتها على الفور تنهش الحروف بعينيها الحمراوتين " لو عايزة أخوكي يفضل عايش يبقى لازم تجي لحد عنده عشان تساعديه وإلا هبعثهولك جثة "
نزلت دموعها كالشلال ونفت برأسها بذعر لتكتب له " انت مين وعايز ايه "
"انتي شكلك مش عايزاه يعيش"
"لا لا خلاص انا هعمل اللي انت عايزه بس ارجوك متعملوش حاجة قولي انت فين"
"احنا في المكان اللي نهبتو فيه رزق غيركم ... صدقيني لو عدت ساعة وملقتكيش قدامي مش هيرجعلكم حي وأوعى تفكري تقولي لحد او تطلبي مساعدة"
هل يحبس صفوان في بيت الهضبة ! ولكن لماذا ؟
فكرت نيجار بأنه فاروق أو أحد رجال حكمت التي من الواضح أنها علمت بما حدث لحفيدها لهذا خطفت صفوان كي تنتقم، ولكن مالذي عليها فعله الآن هل تذهب بمفردها في هذا الوقت المتأخر وتقع ضحية فخهم أم تستنجد بأحد وبالتالي سيُقتل إبن عمها.
شدت نيجار على شعرها بعصبية ثم حسمت قرارها وهرعت ترتدي ملابسها على عجل وتغادر السرايا من الباب الخلفي خفية، ثم توجهت نحو المكان الذي ترقد فيه فرسها وركبت عليها لأنها تعلم جيدا بأن السيارة ستصدر صوتا وبالتالي سوف ينتبهون لها.
إنطلقت بالفرس تعدو بها وسط الأراضي الزراعية وتشق تلافيف الليل محاولة التغلب على رعبها وبعد مدة معتبرة وصلت إلى الهضبة فدخلت سريعا عند سماع أصوات ضرب تصدر من الطابق العلوي.
كان البيت مهترئا ويملؤه الرماد نتيجة الإحتراق الكبير الذي شهده فساهم ذلك في زيادة خوف نيجار لكنها تحاملت على نفسها وصعدت بدموع منادية :
- صفوان ... صفوان !
قابلت أمامها غرفة مفتوحة لتلج إليها بإرتجاف مرددة للفراغ :
- لو فاكر اني هخاف واعيط تبقى غلطان ... أيا كان انت مين انا هحاسبك ع اللي عملته ده ولو طمعان ف عيلة الشرقاوي تحميك بتبقى غلطان جدا هما مبيساعدوش حد بس أوعدك لو رجعتلي أخويا احنا هنسامحك ونعوضك كمان.
لم تسمع سوى السكون المرير حتى بدأت تفكر جديا بأنها داخل كابوس مرعب ومايحدث هو من نسج خيالها فقط، ساورها الإحساس بالإختناق نتيجة إستنشاق رائحة الرماد وكادت تخرج لكنها سمعت صوتا يأتِ من الشرفة فهرعت ناحيتها هاتفة بلهفة :
- صفوان.
في هذه اللحظة سمعت أحدهم يغلق الباب ثم يقف خلفها وصوت أنفاسه يقترب منها رويدا رويدا وهنا أدركت بأنها وقعت في فخهم حقا وهاهو المتربص يحاصرها داخل منزل مهترئ يبعد عدة كيلومترات عن منزلها !
لم تفكر نيجار مرتين وهي تستل سلاحها الأبيض من غمده المدسوس في كم معطفها وإستدارت بسرعة حتى تشق أول ما يعترضها إلا أن يده سبقتها وقبضت على خاصتها بعنف فصاحت بإنهيار تنازعه :
- سيب إيدي ... بقولك سيبني وإلا هقتلك !
- ده أنا عندي أموت ولا اني اسيب ايدك ياحبيبتي.
إنطلق صوته القاتم يشق الظلام فتيبست نيجار مكانها وأسقطت السكين من يدها هامسة :
- لا ... مستحيل ...
أغمضت عيناها تعتصر دموعها المرتعبة وأعادت فتحها فتراءى لها ضوء القمر المنعكس على المكان وبالضبط على وجهه الذي رغم عدم وضوحه إلا أن عيناه كانتا كفيلتان بإظهار هويته ، إنه آدم !
لم يتسنَّ لها الإستيعاب لأنها بلمح البصر وجدت نفسها تقف عند حافة الشرفة إثر دفعة قوية منه تليها ركلة موجهة على الحاجز الخشبي المهترئ الذي تحطم سريعا فوجدت نيجار نفسها معلقة في الهواء و لاشيء يبعدها عن السقوط سوى يده التي تمسك خاصتها...
أصاب جسدها حالة من الهلع وإزدادت ضربات قلبها بدوي مؤلم وهي تُحس بدمائها تنسحب من جسدها وساهم في ذلك الهواء البارد الذي يضربها دون هوادة مبعثرا شعرها وثوبها ...
تجمدت دموعها أسفل رموشها مستشعرة ذراعه الأخرى التي تلتف حول خصرها فظنت أنه سيعيدها إليه لكنها صعقت عندما وجدت أصابعه تزحف على بشرتها وترتفع لتقبض على عنقها، ورويدا رويدا بدأت ترتفع قدماها عن الحافة حتى لم تعد تشعر بهما...
ومن بعيد سمعت نيجار صوت آدم يعلو على صوت لهاثها والرياح حولهما، بينما يقول بصوت بارد صلب إلى أقصى درجة :
- قوليلي يا حبيبتي ... ايه اللي بيمنعني دلوقتي من اني أشيل ايدي من عليكي ؟