رواية لعنة الخطيئة الفصل الخامس5والسادس6 بقلم فاطمة أحمد


رواية لعنة الخطيئة الفصل الخامس5والسادس6 بقلم فاطمة أحمد

الفصل الخامس : بداية الحساب. 

الذعر، الذعر، الذعر ... هو كل ما تشعر به الآن ، اِستوطن الخوف جسدها واِرتجفت شفتاها بشدة بل هي بأكملها ترتجف، ليس بردا بل خوفا ...
لم تكد تستوعب وقوفه أمامها حتى وجدت نفسها قاب قوسين أو أدنى من الموت وظنت بأنها تتخيله لكن هذا صوته وهذه لمسة يده ما يعني أنه حي حقا ...

حاولت نيجار تحريك رأسها غير أن يد آدم المطبقة على عنقها ضغطت عليها أكثر  فتوقفت فورا خوفا من أن تنزلق من بين ذراعه وتسقط...
صوته البارد بعث فيها رهبة اِرتعشت بسببها وتأكدت من جديته التي لا تحتمل المزاح لتغمض عيناها مجددا منتظرة الموت ...
وعندما أيقنت بأنها ستحلق في الهواء بعد بضع ثوانٍ فقط شعرت بجسدها يندفع إلى الأمام على حين غرة فتقع على الأرضية الصلبة !

أطلقت نيجار صرخة ألم صاحبها تحسسها لنفسها غير مصدقة بأنها لم تطر في الهواء، ثم نظرت له مهمهمة كمن ترى وحشا أمامها :
- ازاي ... انت ازاي ...

لم تقدر على تكملة سؤالها فإبتسم الآخر وإنحنى عليها هامسا :
- ازاي انا لسه عايش ؟ عمر الشقي بقى ياحبيبتي ده انا رجعت عشانك حتى.

رفع يده يملِّس على وجنتها مردفا :
- هو انا موحشتكيش ولا ايه.

نفضت يده عنها سريعا وتراجعت زاحفة إلى الوراء بوجه شاحب وأنفاس مسحوبة تطالعه كمن رأت شبحا أمامها وكان هذا يبدو  عليها جيدا فتبسم آدم متأملا إياها باِستمتاع ورضا حتى تمالكت نيجار نفسها ورددت بتحشرج :
- ازاي ده ... انا ...
- انتي ايه ؟
- صفوان ... فين صفوان انت عملتله ايه.

قضب آدم حاجباه بعتاب مزيف :
- طب احنا قاعدين نتسلى مع بعضينا ايه اللي جاب سيرة صفوان دلوقتي ... ده حتى الجواب مش هيعجبك.

اشتعلت النيران في عيني نيجار واِحتدت ملامحها بغضب مرددة :
- بقولك صفوان فين انت عملت ايه في اخويا ؟!

هنا اِختفت تعبيرات الهزل من وجهه وعادت تقاسيمه ترسم حقدا أهوجا اِمتلأ قلبه به حتى ذعرت نيجار وتوقعت أن يقوم بقتلها، غير أن آدم عاد في ثانية لبروده مغمغما :
- قلقانة على شريكك طبعا، ماشي مادام ملكيش نفس تقعدي معايا يبقى هقوم اوديكي بنفسي لعنده.

إلتقط معصمها بعنف وأوقفها ساحبا إياها خلفه حتى دخلا لإحدى الغرف وصعقت نيجار عندما وجدت صفوان يجثم على الأرض بتقاسيم دامية وقوى خائرة لكنه حين لمحها من بين جفونه الشبه مغلقة تقف أمامه عاد وفتح عيناه المتورمتان  هامسا :
- نيجار.

صاحت نيجار بلوعة منادية بإسمه وإنتفضت متجهة إليه لكن آدم شدد قبضته عليها وأعادها لجواره مرددا :
- ايه رايك بالمفاجأة ديه حلوة مش كده.

حاول صفوان النهوض إلا أنه لم يستطع فإكتفى بالإستناد على مرفقه موجها نظراته نحوهما ليغمغم بصوت يكاد يسمع :
- سيبها ... متأذيهاش.

لاحت على وجهه إبتسامة متوحشة وهو يقول :
- بصي يا نيجار احنا إستفضناه عندنا من كام ساعة وعملنا معاه واجب الضيف بس معرفش ليه صفوان مضايق مننا ومش عايز يقعد معانا شوية كمان.

تململت بين يديه محاولة التنصل من قيده لكن آدم لم يتأثر ولم يتحرك إنشا واحد فصرخت بفقدان أعصاب :
- انت عايز ايه ؟! 

كان الإجرام ينضح من عينيه بوضوح، لم تنكر نيجار هذا وهي تراه يوزع نظراته بينها وبين جسد صفوان المكوَّم بلا حول ولا قوة وهذا ما جعل جسدها يرتجف وأسنانها تصطكّ ريثما تنتظر أن يرفع السلاح الذي يمسكه بيده الأخرى ويرديها قتيلة. 
بَيد أنها خابت حينما أشاح آدم وجهه عنها لهنيهة دامت بضع ثوانٍ ثم عاد وحدق بها مغمغما :
- السبايك اللي سرقتوهم بعد ما داهمتو البيت وولعتو فيه ... انا عايز اعرف انتو وديتوهم ع فين. 

لم يتسنى لها اِستيعاب ما يقوله لأن تأوهات صفوان الضعيفة صدرت في ذلك الوقت وهو يردد بتقطع :
- هي مبتعرفش حاجة عنهم ... قولتلك سيبها ... مشكلتك معايا انا.

اِنزلقت ضحكة مستهزئة من آدم الذي علق عليه هاتفا بتقدير زائف :
- لا راجل ماشاء الله عليك، بس انا بقى بحب احشر الحريم في عداوتي مع الرجالة عشان اوصل لهدفي اعمل ايه ديه طبيعتي، ودلوقتي ردي عليا يا حبيبتي وقوليلي انتو خدتو سبايك الدهب ووديتوهم ع فين.

تدحرجت الدموع من عينيها وقد إشتد خوفها من الموقف الذي هي واقعة فيه الآن وشعرت بقدميها كخيط من الهلام لا تقدران على حملها فوهن جسدها لكن آدم أوقفها بقسوة مغمغما :
- يلا يا فاروق.

فاروق ؟ رفعت نيجار وجهها لتلاحظ وجوده للتو وتزيد صدمتها بعدما كانت تعتقد بأنه قد إتفق مع صفوان ليخفيا حقيقة موت آدم ولا يتضرر أحد منهما.
إذا هل قام فاروق بهذه الخدعة مع ادم من البداية وزيفوا موته كي يوقعوهم في الفخ ؟
 لم تجد نيجار الفرصة للتحليل لأنه سرعان ما رأته يحمل عصا ضخمة ويوجهها ناحية رأس صفوان فصرخت بهستيريا :
- صـفـوان لا ارجوك وقف متعملش كده ابوس ايدك يا آدم متقتلوش.

أشار له آدم بالتوقف ثم وجه كلامه إليها بحدة :
- طالما مش عايزاني اموته يبقى لازم تقوليلي وديتو سبايك الذهب ع فين ومين اللي ساعدكم.

هزت رأسها نافية بهستيرية صارخة :
- معرفش ... انا مش عارفة فين السبايك صدقني مش عارفة.

تنهد بملل وعلى حين غرة وجدته نيجار يرفع يده ويطلق على صفوان فتنطلق منها هي صرخة حارقة إخترقت الجدران وأفزعت الطيور في أعشاشها ! 
حاولت التملص منه وهي تضربه بمرفقيها وتصرخ بجنون كمن مسّها الخبل كي يتركها إلا أن آدم لم يتأثر بحالتها التي كان ليموت لو رآها بهذا الشكل قبل شهر فقط، بل قبض على وجهها بعنف وأجبرها على النظر إليه هاسًّا بنبرة خالية من الآدمية :
- هسألك لآخر مرة ولو مجاوبتنيش اوعدك مش هيبقالكو قبر يلمكم انتو الاتنين. 

ثم أفلتها فسقطت على ركبتيها بإنهيار تبكي بلوعة وهي تردد :
- في واحد اسمه مراد هو اللي خد السبايك وخباهم عنده عشان يبيعوها. 

إنحنى عليها وسألها بتأهب :
- مين مراد ده وخباهم فين وعلشان ايه.

- معرفش مين هو ... كل اللي بعرفه انه بعت رجالته يداهمو بيت الهضبة وهو خد الدهب وخباه عنده عشان يبيعوه وبعدين صفوان يعرض مساعدة مادية ع العمدة وينقذه من المشكلة اللي هيقع فيها بسببك وبكده يقدر ياخد مكانك.
- يبيعوهم امتى ؟
- كانو متفقين يبعتوهم في شاحنات الليلة ديه لمكان تاني وغالبا هيعدو من طريق *** بس أنا مش متأكدة.

طفقت نيجار تلقي مابجعبتها دون حساب بل وحرصت على إخباره بكل تفصيل تعرفه لعله يرضى بالدرجة الكافية التي تجعله يشفق على صفوان ويتركه في حال سبيله، بينما شرد آدم في حديثها وقد غامت عيناه بسحابة سوداء وأحس بنقمة هوجاء في قلبه إتجاه من حرقت روحه وطعنت رجولته.
إنها جالسة أمامه وكل مافيها يحفزه على فقدان السيطرة على نفسه، هي بوجهها وعينيها ودموعها ...
 بصوتها الذي كان بمثابة موسيقى بالنسبة له في الماضي وبشعرها الذي كان يموت شوقا ليتلمسه براحته ولكن الإختلاف هو كيفية رؤيته لها الآن فلقد كان يراها في السابق كحبيبة وزوجة...

أما الآن فهاقد إنقشع القناع عن وجهها وتبيَّن المسخ بداخلها، ساقطة مخادعة لعبت عليه لعبة الحب بكل نذالة ثم غدرت به محاولة قتله وكل هذا من أجل المال فقط ...

حدق آدم للمرة الأخيرة في وجهها بعينان مشروختان كأسد مجروح ثم تصلبت ملامحه ونهض يسحبها ليلقيها على جسد إبن عمها هادرا بقسوة :
- ديه فرصتك عشان تلحقو تودعو بعض قبل ما تموتو. 

إنتفضت نيجار وصاحت بهلع :
- انت قولتلي هتنقذه لما اعترفلك بالحقيقة ازاي هتسيبنا دلوقت وتمشي ؟ آدم انت عمرك ماخلفت بوعدك.

متعجرفة ... أنانية ... وقحة وعديمة الإتزان !
أن تنتظر منه المساعدة وتلومه على تركه لها بعدما طعنته يوم زفافهما كأن تطلق النار على أحدهم ثم تغضب منه لأنك أهْدرت رصاصة بسببه ! 
لم يكترث آدم بها أو يلتف لينظر إليها، بل إكتفى بإمالة رأسه قليلا ثم غمغم بجمود :
- يبقى ده هو شعور الواحد لما يتغدر فيه ... فاروق املي البيت ده بنزين وولع فيه. 

تحرك ليغادر وقد رافقته صرخات نيجار طوال طريقه إلى الخارج والتي جعلته يشعر برضا كبير وحينما كاد ينطلق بسيارته أوقفه أحد رجاله قائلا بجدية :
- آدم بيه حارس العمدة اتصل بيك وقال انه طالبكو انت وصفوان الشرقاوي تروحو لعنده بعد بكره عشان تخلصو إجراءات الصفقة اللي اتفقتوا عليها. 

رد عليه بجدية :
- مبقاش في صفوان انا هروح لوحدي. 

تدخل فاروق في الحوار قائلا :
- بس يا آدم بيه الصفقة محتاجة وجودكم انتو الاتنين بما أن عيلة الشرقاوي جزء منها ولو عرف العمدة انك قتلته هو وبنت عمه هتحصل مشكلة كبيرة ده غير اننا مش متأكدين اذا هنعرف نسترجع الدهب ولا لأ. 

طحن ضروسه بأنفعال وحدق فيه مجلجلا :
- يعني ايه انا مضطر انقذ ال*** اللي خططو لقتلي وده عشان نعرف نكمل الصفقة مع التجار ؟ مبقاش يهمني تكمل ولا لأ أهم حاجة عندي دلوقتي صفوان وأخته يموتو جوا لوحدهم بعد ما يتعذبو كفاية. 

كان فاروق متفهما تماما لغضبه وحتى أنه يوافقه فيما يريد فعله لكنه لن يسمح لحقده بأن يجعله يخطئ مجددا ويقترف شيئا يندمون عليه لاحقا لهذا دنى منه هامسا بصوت خافت :
- الصفقة ديه مهمة لينا كلنا يا آدم وهتنقلنا لمكان أعلى ولو متنفذتش هنقع في مشكلة كبيرة ، اهدى ومتخليش غضبك يسيطر عليك استنى لحد لما الصفقة تتم وبعدها اعمل اللي انت عايزه. 

أغمض عيناه بعدم رضا عما يسمعه رغم علمه جيدا بأن فاروق محق ثم فتحهما وتشدق بنزق موجها كلامه لمساعده:
- جيبوله طبيب يعالجه هنا و اوعى اللي حصل ده يطلع لبرا، وانت يا فاروق كلم الرجالة تحاوط طريق *** وأول لما الشاحنات تظهر اعملوا الازم. 

__________________

ومع بزوغ الفجر وإنبلاج أول خيوط من ضوء النهار، رن هاتفه يقطع خلوة الصمت المخيم على جميع أنحاء المنزل فرمش بعينيه اللتين أغلقتا منذ ساعتين فقط ثم فتحهما ووقع نظره على الجسد المسطَّح على السرير لينهض من مقعده فورا ويغادر الغرفة مجيبا على الإتصال بتوجس :
- خير في ايه ؟

وصله صوت الطرف الآخر يلهث بإرهاق :
- الحق يا مراد بيه في جماعة تهجموا علينا واحنا مروَّحين لمكان التسليم معرفش مين هما. 

إنتفض مراد بذهول وكان قاب قوسين من الجنون عندما جلجل بحدة :
- ايه اللي بتقوله ده هجوم ايه وامتى ومين اللي عمل كده ! السبايك فين ؟ 

- سامحنا يا بيه مقدرناش نحافظ عليهم احنا كنا عاملين حسابنا وواخدين معانا عدد كبير من الرجالة عشان نحمي الشحنة بس هما خدونا على خوانة وكانوا أكتر مننا ومقدرناش نعرف مين الريس بتاعهم. 

أطلق مراد سُباباً لاذعا وهو يلكم الجدار أمامه بسخط حاول كتمه قدر الإمكان حتى لا تنتبه له تلك النائمة في الداخل ثم أغلق الخط وغادر المنزل متجها إلى الموقع الذي أرسله مساعده لينصدم حينما رأى عدد المصابين المستلقيين على الأرض وآخرون يقفون بوجوه مكدومة خائبة.
إقترب من رئيسهم وأمسكه من تلابيب قميصه متشدقا بغضب :
- انتو عارفين حجم المصيبة اللي وقعتوني فيها يا شوية فشلة ازاي يقدرو ياخدو ثروة منكم وانتو واقفين تتفرجو عليهم زي ال***

أنكس الآخر رأسه بخضوع متمتما :
- صدقني حضرتك احنا حاولنا نقاوم بس حاصرونا من الجهتين واستولوا على الشاحنات اللي معانا بنعتذر منك.

جز مراد على أسنانه بإنفلات أعصاب ثم دفعه بعيدا عنه صارخا :
- هيفيدني ب إيه إعتذاركم ده ! 

زفر بوحشية مطلقة مستوعبا حجم المصيبة التي تعرض لها وفي ثواني عاد إلى بروده الإعتيادي وهو يردد :
- في حد غيركو كان عارف انكو هتنقلو السبايك أوعى يكون حد منكو طلع الخبر لبرا ؟ 

أرسل إشارات إتهام وتهديد عبر إستفهامه الأخير وفهم مساعده ذلك فأجاب بجدية :
- كل اللي دخل في المهمة ديه موثوق يا باشا محدش منهم يقدر يخوننا ومحدش كان عارف بالتفاصيل غيرنا احنا و صفوان. 

- صفوان ...
همهم مراد ناطقا إسمه وقد إستنار عقله بإدراك نضح من عينيه المشتعلتين وهو يتمتم :
- صفوان إقترح عليا نعدي بعربيات النقل من الطريق ده عشان الحراسة عليه قليلة وهو مختفي من امبارح ومبيردش على إتصالاتي ... معقول يكون ...

ضرب رأسه بعصبية مفكرا في إحتمالية أن يكون صفوان نصب له فخا وهاجم رجاله ليحصل على سبائك الذهب ويحتفظ بهم لنفسه فقط ، فتنفس بحدة ووجه أوامره لمساعده قائلا بصوت عالٍ :
- انا عايزكم تعرفو صفوان وتجيبوه في أقرب وقت ... اقسم بالله لو ليه علاقة باللي حصل هخليه يتمنى الموت وميطولوش !

__________________

بعد شروق الشمس وإتضاح معالم اليوم الجديد وصلت الشاحنات إلى المكان المطلوب فوقف قبالتها بملامح جامدة لا يُعرف منها شيء وعيناه مرتكزتان عليها ، وبمجرد توقفها خرج سائقوها ليفتحوا الأبواب الخلفية فتظهر السبائك المصطفة فوق بعضها البعض بترتيب ولمعان إنعكس على أعين الناظرين ... 
دنى فاروق منه وهتف مبتسما :
- الحق رجع لأصحابه أخيرا كانو فاكرين أنهم هيقدرو يسرقونا وإحنا نفضل ساكتين بس دلوقتي عرفو هما غلطو مع مين. 

- الدهب متسرقش.
غمغم آدم بقتامة ونظر إلى الآخر الذي ظهرت الحيرة على وجهه فتابع :
- أنا اللي قدمته ليهم بنفسي وخليتهم ياخدوه مني بسهولة ... لولايا مكنتش حصلت حاجة زي ديه أبدا. 

أنكس فاروق رأسه حتى لا تتضح تعبيرات الشفقة على ملامحه فينزعج منه سيده، ثم تمالك نفسه وهتف بمواساة :
- متحملش نفسك ذنب كل حاجة ده مش غلطك ... والمهم أنك طلعت سليم من اللعبة ديه وهتدفعهم تمن اللي عملوه. 

- مكنتش هطلع سليم لو أنكو ملحقتونيش في آخر لحظة ...

 Flash back 
 ( يوم الحادث.
بعد حصار حكمت لفاروق والضغط عليه حتى يخبرها إلى أين سيذهب ومالذي يخطط له آدم رفض أن يتكلم فغضبت وإنتفضت تصرخ عليه حتى يفصح عن الحقيقة ولا يضيع وقتها. 
إنتفض فاروق بهلع من إنفعالها ولعن نفسه بداخله لأنه جعل من حاله بيدقا بين الجدة والحفيد كل منهما يعطيه أمرا مختلفا عن الثاني ويجب عليه هو ألا يخالف أحدهما ، وأخيرا فتح فمه ليتحدث إلا أن رنين هاتفه قاطعه فنظر إلى الشاشة و إرتعب عند معرفة هوية المتصل.
ولسوء حظه إنتبهت حكمت لتشنجه فسحبت الهاتف من يده على حين غرة وأجابت مكانه لتسمع الطرف الآخر يردد :
- السلام عليكم ، انت فين يابني مش قولتلي هتجي توديني لبيت صاحبك عشان اكتب كتابه اومال لسه موصلتش ليه مش هقدر اضيع وقت اكتر احنا ورانا مصالح عايزين ننجزها.

بالكاد إستطاعت حكمت إغلاق الخط بعد الحديث الذي سمعته ثم وضعت يدها على صدرها موضع قلبها مهمهمة بهذيان :
- مأذون وكتب كتاب ... مين اللي هيكتب كتابه ؟

أغمض فاروق عيناه بإستسلام ملقيا ما بجعبته :
- آدم ... اقصد آدم بيه هيكتب كتابه النهارده في السر عشان عارف انك مش هترضي ولا عيلة البنت هترضى ... وحضرتك عارفة كويس مين البنت ديه.

- بنت الشرقاوي. 
همست حكمت بإدراك وقد بدأت تربط الخيوط ببعضها بداية من تذكرها يوم جاءها آدم وأخبرها بأنه يرغب بنيجار ويريدها زوجة له ورفضها هي للموضوع ، ثم إستمرار خروجه السري في منتصف الليل لمكان مجهول وأخيرا معرفتها بأنه ينوي عقد قرانه عليها، على نيجار التي تملك من الخبث الكثير ! 

استقامت واقفة وصاحت بصوت أرعبه :
- انت اتجننت فاهم ايه اللي بتقوله ده ! نيجار مين اللي يكتب كتابه عليها انتو بتعملو ايه معندكمش حد يحكمكم ولا ايه فاكرين الدنيا سايبة.

نهض فاروق فورا وهتف مبررا يدافع عن نفسه :
- انا حاولت كتير اقنعه يتراجع ويستنى الأمور تهدا بعدين يخطبها حسب الأصول بس هو ااا...

قاطعته حكمت برعونة :
- يا أهطل ديه مش مسألة مشاكل بين العيلتين ويمكن تتحل وانا مرفضتش عشان كده اصلا، بس نيجار ديه عمري ما اطمنتلها من اول ماشوفتها من شهور واقفة مع آدم حسيت أن في حاجة هي ناوية عليها.

- مش فاهم قصد حضرتك.

- انت مسألتش نفسك ازاي نيجار اتقلبت مرة واحدة وبقت تحب آدم بعدما كانت بتكرهنا وتتهمه انه سرق حق عيلتها من الاراضي والبساتين ؟ مسألتش نفسك ازاي ممكن توافق تتجوزه في السر وتجي لداري وهي عارفة اني مبحبهاش وازاي هتقف قصاد عيلتها اللي متعلقة بيهم وكل ده علشان واحد مشافتوش غير من كام شهر...

- يعني ... يعني في حاجة تانية غير اللي احنا فاكرينه ؟
تساءل فاروق بصدمة مدركا كم هي محقة في كلامها وحتى هو لم يكن مرتاحا لعلاقتهما إلا أنه صمت أمام إصرار آدم الذي أصبح مثل الأعمى أمام تلك الفتاة...

ورغم هذا هز رأسه بإنكار وتشدق بتريث :
- يا حكمت هانم حضرتك عارفة ان آدم بيه راجل ذكي وواعي اكيد لو في حاجة زي ديه مكنش هيحبها ويثق فيها آدم مش شخص بيقع في فخ واحدة ست.

مالت شفة حكمت للأعلى بإستهزاء مدمدمة بصوت لا يسمع :
- لا هيقع ... أبوه عملها من قبل و إبنه هيعملها دلوقتي...

وغالبا نيجار تنوي الدخول لبيتها واللعب عليهم كما تريد ونقل أخبارهم لصفوان كي يستطيع إيذاءهم ! ورغم أن هذا يبقى مجرد احتمال فقط إلا أنه عليها منع الزواج ريثما تتأكد من صحة شكوكها.

قطع سيل أفكارها رنين هاتف فاروق الذي كان مايزال بين يديها فأجابت فورا صارخة :
- انت ايه اللي رايح تعمله ده انت اتجننت !

أغمض آدم عيناه مطلقا مسبة من بين أسنانه مدركا بأن جدته علمت بالأمر فتنحنح متكلما :
- ستي انا ...

قاطعته حكمت بلهجة شديدة :
- بلا ستي بلا زفت انت سبق وقولتلي انك عايز تخطبها وأنا رفضت يبقى ازاي تعمل كده من دماغك انت مش مستوعب خطورة اللي بتعمله ديه بنت الشرقاوي ازاي تأمنلها وتروح تكتب كتابك عليها في السر كده فاكر اني مش هقدر اعرف ! 

ورغم الموقف الذي وضع فيه الآن إلا أنه رفض بإستماتة الإنصياغ لها وهدر بجدية :
- لو وافقتي وساعدتيني نقنع عيلتها مكنش ده هيحصل انا بحبها ومش هصرف نظر عنها زي ما طلبتي مني وهتجوزها يا حكمت هانم.

- آدم انت مش فاهم انا حاسة ان في حاجة هتحصل وشاكة ف ااا...

لم يدعها تنهي كلامها وأغلق الخط فجن جنون حكمت وفقدت زمام تحكمها في أعصابها لتنهار واقعة على الكرسي بصدمة مما يفعله حفيدها الذي لطالما عرف بحكمته ورصانته. 
وبعد دقائق تمالكت نفسها وهمست بالصراخ وهي تغادر المطبخ متجهة ناحية الباب الخارجي :
- امشي نروحلهم دلوقتي ونوقف اللي عايز يعمله ده هو غاطط فين ؟

- في بيت الهضبة.
رد عليها فاروق بإستعجال وهو يركض خلفها لكنه توقف فجأة يمنع إصطدامه بها بعدما توقفت هي على حين غرة و إلتفت محدقة فيه بذهول ممزوج بالإنفعال :
- في بيت الهضبة ... البيت اللي حاطين فيه سبايك الدهب ؟ 

وقبل أن يجيبها فُتح الباب فنظرت حكمت بلهفة منتظرة أن يكون آدم هو القادم لكن خاب ظنها عند دخول حفيدتها الصغرى ليلى التي لاحظت إضطراب الجو فتساءلت بحذر :
- في ايه يا ستي ؟ 

لم تتح الفرصة لحكمت بالكلام حين رأت السائق محمد والذي هو شقيق فاروق يدخل للسرايا مرددا بهلع :
- في مسلحين هجمو على بيت الهضبة يا ست حكمت ومعاهم شاحنات نقل ... وآدم بيه قاعد هناك لوحده ... ) 
 Back

ينقطع سيل ذكريات فاروق وحمد ربَّه لأنه إعترف للسيدة حكمت قبل فوات الأوان وعند علمهم بإندلاع حريق في بيت الهضبة تحاملت الجدة على نفسها وإندفعت تركب السيارة بصلابة تليق بها وتأمرهم بالقيادة واللحاق بحفيدها. 
وحين وصولهم وجدوا أن بعضا من رجالهم نجحوا في إخماد النار نسبيا فأمرت حكمت البقية بمساعدتهم ليتم الأمر وتصعد باحثة عن حفيدها ... و تراه ملقيا على الأرض وسط دمائه ووجهه لا يبشر ببقائه على قيد الحياة ! 

كادت تنهار باكية عليه لكن حين تأكدها من وجود النبض به مسحت دموعها بتجلُّدٍ وصاحت في فاروق الذي كان يقف مطالعا آدم بصدمة :
- تعالو طلعوه من هنا وجيبو الحكيم بسرعة ... و ابعت حد يروح يتأكد من السبايك ....

 Flash back
 ( وقفت قبالته وهو نائم بلا حول ولا قوة بينما يعالجه ذلك الطبيب وهي ترشقه بنظرات ملتاعة وضعف يداعب قلبها لأول مرة منذ سنوات. 
 رفعت رأسها ناحية فاروق وأشارت له حتى يخرج معها ثم همست  :
- واضح أن الهجوم على آدم متخططله من زمان وهدفهم كان أنهم ياخدو سبايك الدهب ويخلصو عليه ... وده اللي حصل.

إعتصر فاروق عيناه بندم وذنب يمزقان نياط قلبه وأردف :
- كل ده بسببي لو عملت واجبي و...

قاطعه حكمت بصلابة :
- الكلام ده مبيفيديش حد دلوقتي إحنا لازم نعرف مين اللي عمل كده بس نطمن على آدم الاول. 

رافق جملتها خروج الطبيب قائلا :
- الضربة مصابتش مكان حيوي في جسمه الحمد لله بس ...

تحفز فاروق وإنتفضت حكمت متسائلة :
- بس ايه ؟ 

أجابهما قائلا بإضطراب :
- الجرح ملتهب بشكل غريب وسخونيته عالية ... أنا بعتقد أن السلاح اللي اتضرب بيه مسموم. 

إنتفض الإثنان بحرقة بينما يتابع :
- انا عالجت الجرح وخيطته و اديته إبرة تخليه ينام وميحسش بالوجع بس لازم تاخدو بالكم من صحته وكويس أنه مفضلش فترة طويلة جوا النار والرئتين متضررتش بسبب الدخان. 

أكمل تعليماته عليهما وغادر، وعادت حكمت إلى المنزل تتدبر أمر الإشاعات التي إنتشرت بشأن موت آدم وجاء العمدة مستفسرا عنه فأخبرته بأنه سافر في مهمة عمل بعدما خبأ السبائك في مكان آمن... ) 
 Back 

قطع رنين الهاتف غرقه عندما كان سينجرف في ذكريات لحظة إستيقاظه فنظر له ليجد جدته تتصل ورد عليها :
- أيوة يا ستي.

- أنت كويس طمني عليك عملت ايه. 
قابله سؤالها فورا ليجيبها بتريث :
- انا استرجعت الدهب منهم وعرفت أن في واحد كان متعاون مع ولاد الشرقاوي وهبدأ تدور عليه واعرفه. 

- الحمد لله كنت عارفة أنك مش هتخيب ظني بيك ... طيب وبالنسبة للشياطين اللي خدتهم لعندك أنت خلصت عليهم صح. 
- لأ. 
- إيه ؟ مش انت كنت ناوي تقتلهم معملتش كده ليه ؟ 

- العمدة طلبنا احنا الاتنين يا ستي وأنا لو قتلت صفوان كنت هضطر اشرح السبب للعمدة وإنتي عارفة إني مش عايز حد يعرف باللي حصلي بسبب نيجـ ... بسبب غبائي. 
ردد بكلمات حاقدة ناقمة على نفسه قبل أن تنقم على غيره ثم تحجج بإنشغاله وأغلق الخط ليسأل فاروق مباشرة :
- هما قاعدين في انهي داهية دلوقتي ؟ 

أدرك أنه يقصد نيجار وإبن عمها فتوجس خيفة من إقدامه على مالا يحمد عقباه وأراد نصحه إلا أن آدم إستطرد مغمغما :
- متقلقش أنا مش هعمل حاجة بس عايز اطمن على عديم الشرف بنفسي. 

*** قضت الليلة بطولها تبكي خوفا على نفسها وعلى إبن عمها الذي كاد يموت ،في البداية إنهارت أعصابها وإنفجرت في بكاء مرير وهي تجد نفسها وحيدة مع صفوان الذي كان يلفظ أنفاسه الأخيرة غير أنها تفاجأت بإقتحام بعض الرجال للمكان وأخذهم لصفوان كي يتعالج ورغم عدم فهمها لما يحصل إلا أنها كانت إكتفت حاليا بنجاة إبن عمها...

والآن هاهي تجلس في هذه الغرفة الرطبة بجانب صفوان النائم لا تعلم ماذا سيحدث معها، رأسها يكاد ينفجر من شدة التفكير في آدم وكيف لم يمت وظهر لها فجأة كشبح الكوابيس. 
وقلبها يختض بين ضلوعها بذعر متخيلة ماسيُقدم عليه معهما، هل سينهي حياتها مثلما كادت تفعل هي أم ينتقم منها بطريقة أخرى. 

زفرت نيجار بإختناق وكومت وجهها بين كفي يديها بتعب تتوسل زوال ألم رأسها لكنها إنتفضت على حين غرة عند فتح الباب ودخوله بهيئته الضخمة عليها، وقفت وإتسعت عيناها البنيتان برعب تحدق في آدم الذي كان يحدجها بملامح أبعد ما تكون عن الإنسانية لدرجة أنها أحست بالدموع تتجمع بين جفونها فحادت نحو صفوان بتلقائية تتوسل مساعدته لكنه لم يكن في وضع يسمح له بالتحرك إنشا واحدا حتى ! 


الفصل السادس 


( شهق بضعف وهو يرمش بعينيه قبل أن يفتحهما ويحرك حدقتاه بعشوائية حتى وقعتا على ضوء النهار المنبعث من الخارج، تسارعت خفقاته وحاوى التحرك لكنه لم يستطع سوى إصدار تأوه مكتوم إسترعى إنتباه فاروق الذي نام على المقعد بجواره وحكمت التي كانت واقفة أمام النافذة بوجوم. 
فأقبل عليه الإثنان بلهفة حتى يطمئنا عليه ومسحت السيدة حكمت على وجهه بحنان جلي ظهر على نبرتها وهي تهتف بلوعة :
- حمد لله على سلامتك ياحفيدي. 
- حمد لله على سلامتك يا آدم بيه. 

حدجهما بتركيز منعدم بدأ يتدفق رويدا رويظا مع تسلل آخر لقطات عاشها قبل فقدانه الوعي لذاكرته، فنضب اللون من عينيه واحتشدت أنفاسه لهجوم الذكرى المنبثقة من بين حناياه حينما عُرض نفس المشهد أمامه كأنه يعيشه مجددا، مشهد نيجار وهي تلقي نظرات سامة عليها ثم تطعنه ! 

شهق آدم مندفعا للمس مكان الطعنة يتأكد من أن ماعاشه حقيقي ورغم أنه ضغط على جرحه الحديث لكنه لم يأبه به لأن المحترقين بالنار لا يشعرون بوخزة الشوكة، وناره هو كانت المرأة التي عشقها وجازف بكل شيء لأجلها فغدرت له !! 
أسدل جفناه وإحساس الخيانة ينهشه من الداخل ليكلمه فاروق بترقب :
- آدم بيه انت كويس حاسس بأي وجع ؟ 

- نيجار. 
همس بإسمها وإنكمشت تقاسيم حكمت بينما فهمه الآخر على نحو مختلف فغمغم بهدوء :
- انت بتسأل نيجار فين ؟ احنا مشوفناهاش غالبا صفوان هو اللي داهم البيت وخدها معاه غصب بس متقلقش... 

قاطعه بنبرة ميتة :
- نيجار اللي عملت فيا كده ...) 

**عودة إلى الحاضر. 

تراجعت نيجار خطوة للخلف وحاولت التحدث فخرجت كلماتها على هيئة حروف متقطعة :
- أنا ... أنا بحذرك وبقولك أنك هتندم لو بتفكر تؤذيني ... اللي حصل يومها مكنتش عايزاه بس ... متقربش مني. 

تماهى صوتها مع آخر كلمة عندما وقف آدم أمامها وجذبها من ذراعها لتلتصق به، شحب وجهها وشهقت مجفلة فوضع أصبعه على شفتيها يمنع صدور حرف منها هامسا :
- هشش إهدي. 

تسربت دموعها كخيوط شفافة فتنهد آدم بغير رضا وشرع يمسحها بحنان مفرط معقبا :
- ليه الدموع ديه بس ياحبيبتي إنتي عارفة إني مبحبش أشوفك بتعيطي. 

عقدت نيجار حاجباها بتوجس كأنها تطالع مخبولا فارًّا من مستشفى المجانين وإحترزت متوقعة أي ضربة منه لكنه على عكس ماتوقعته جذبها إليها أكثر حتى لم تعد تفصل بين شفتيهما سوى سنتيمترات قليلة وللحظة خُيِّل لها أنه سيقبلها عنوة لكي يكسرها فطفقت تتململ بين ذراعيه بهستيرية توهجت بها ليحكم آدم قيده عليها مبتسما بهوس :
- قولتلك اهدي ومتخفيش ياحبيبتي انا مش هعملك حاجة انتي عارفة غلاوتك عندي ... تعرفي انك وحشتيني اوي. 

تقلص حاجباها ببلاهة كأنها تطالع مخبولا ولكن الصدمة إكتسحتها بجدارة حين سمعته يتابع مستدركا :
- حتى من كتر شوقي ليكي حطيتلك هدية غالية عليا في اوضتك عشان لما تشوفيها تفتكريني انتي كمان.  

أي هدية يتحدث عنها، فكرت نيجار بإستغراب وسرعان ما إنتفضت بهلع متمتمة :
- القلادة اللي ضاعت مني يوم كتب الكتاب وفجأة لقيتها في أوضتي ... معقول انت ... ازاي ... 

لمعت عيناه بهوس خطير فهزت الأخرى رأسها بذعر غير مصدقة أنه قام بإقتحام غرفتها بينما كانت تستحم إذا هي لم تكن تتخيل عندما شعرت بشخص يتحرك في الشرفة ! 
- انت ناوي على ايه وايه اللي بتحاول تعمله ... ليه ضربت صفوان وكنت هتسيبه يموت بعدين جيت وعالجته ... وليه بتتصرف بالطريقة ديه. 

صمتت تراقب تعبيراته ثم إستطردت بعنفوان :
- لو عايز تنتقم مني اقتلني دلوقتي انا واقفة قدامك اهو وبتقدر تعمل فيا اللي عايزه. 

بقي آدم ينظر لها بعمقٍ سحبها نحوه بدون إرادة منها لترى مقدار النقمة والكره المشع من حدقتيه البنيتين وفي اللحظة التي ظنت فيها أنه سينفذ كلامها ويقتلها وجدته يفلت قيدها مدمدما بخشونة :
- خدي ابن عمك وارجعو لبيتكم وأوعى حد يسمع باللي حصل امبارح وإلا هيبقى آخر يوم في حياتك انتي وهو.
_________________
 بعد مرور يومين. 
توقفت السيارة أمام باب السرايا فترجل منها ودخل رفقة فاروق ليجد صوتا أنثويا يعلو مناديا بإسمه ثم تظهر شقيقته ليلى التي هرعت نحوه محتضنة إياه بعنفوان :
- ابيه آدم أنا مش مصدقة أنك واقف قدامي. 

إبتسم آدم وهو يبادلها العناق ويداعب شعرها بحنو هاتفا :
- أنا هنا ياحبيبتي وحشتيني اوي. 

رفعت وجهها إليه دون أن تفلت يداها من حوله :
- وانت وحشتني اوي يا ابيه انت كنت فين سبتنا وروحت ليه ديه الناس كانت بتقول أنك ... أنك مت في بيت الهضبة اللي اتحرق وتيتا مخبية الحقيقة عننا. 

رافقت دموع ليلى كلماتها الأخيرة وعادت تشدد عليه فتنهد بوجل متذكرا ذلك اليوم الذي كاد يموت فيه حقا، طبع قبلة عليها مطمئنا إياها حتى هدأت وتنحت جانبا تفسح الطريق لجدتها التي سارت إتجاههما بشموخ مرددة :
- نورت يابن الغالي. 

هز آدم رأسه بإحترام ثم أحناه حتى يقبل كف يدها، وبعد السلام والإطمئنان عليه صعدت ليلى حتى تنهي مراجعة دروسها أما حكمت فإسترجعت ملامح الجدية ونظرت إليه تسأله :
- انتو خلصتو اللي عليكم ؟ 

أماء برأسه مجيبا عليها :
- ايوة انا بعت السبايك للعمدة واتفقنا يسلمهم للتجار بتوعه بعد الاجتماع بتاع المسا حضرتك عارفة اني تواصلت معاه من كام يوم وقدرت اقنعه اني قاعد في المدينة بسبب مهمة شغل وهو وثق فيا وقالي ابعتله الدهب اول ما ارجع للبلد. 

تدخل فاروق في الحوار متنهدا :
- كويس اننا قدرنا نسترجعهم قبل ميعاد التسليم مش عايز افكر ف ايه اللي كان هيحصل لو مسحبناش الكلام من نيجار و...

- متجيبش سيرتها ! 
قاطعه آدم بحدة مستعرة أجفلته فتدارك نفسه وصمت بينما تحدثت حكمت :
- انت هتلتقي بإبن الشرقاوي في الاجتماع النهارده وهتضطر تتعامل معاه علشان كده لازم تتحكم في أعصابك وتستحمل وجوده قدامك ... انا فاهمة قد ايه عايز تنتقم منهم وعارفة انك كنت ناوي تقتلهم بس الموت هيبقى أسهل عقاب ليهم يا آدم وهما لازم يتعذبو وكل واحد منهم بيبقى متمني الموت وميطولوش. 

غامت عيناه بشرود طمسه وهو ينهض مغمغما بقتامة :
- متقلقيش انا هتحكم في غضبي واتعامل مع صفوان بشكل طبيعي اصلا انا كده كده مكنتش هطلع الموضوع لبرا لأني مش عايز حد يعرف قد ايه كنت غبي وخليت واحدة ست تلعب بيا وتوقعني في فخها ...ودلوقتي عن إذنك هطلع أجهز نفسي. 

ألقى جملته وصعد إلى غرفته تاركا حكمت تحدق في الفراغ بحقد أهوج إسترعى ترقب فاروق الذي جلس ينتظر أمرها فقالت :
- انا هدفع عيلة الشرقاوي تمن كل قطرة دم نزلت من حفيدي أما نيجار ديه ليها حساب لوحده.

****
بعد سماع كلام الطرف الآخر على الهاتف أغلق الخط ورماه على السرير صارخا بعصبية :
- كل حاجة اتدمرت ابن سلطان رجع السبايك للعمدة والصفقة هتتم ومراد بطل يتعامل معايا وآدم ممكن يكشف للعمدة اللي حصل معاه ولو معملش كده ف احنا لازم نستنى ونشوف هيعمل ايه عشان ينتقم مننا !

ضغط على رأسه بهستيرية وإلتفت خلفه ملقيا إتهامه الغاضب :
- كل ده حصل بسببك انتي يا نيجار لو محكيتيش لآدم عن الطريق اللي هتعدي من عليه شاحنات السبايك مكنش هيعرف يجيبهم. 

أغمضت عيناها بضيق من نفس الكلام الذي يردده عليها منذ إستيقاظه ثم فتحتهما مرددة بحدة :
- انت بتتهمني وكأني عملت كده عشان نفسي مش عشان آدم ميقتلكش ! متنساش انك كنت واقع وبتطلع في الروح ولو اني مقولتلوش عن مكانهم كنت انت نايم في قبرك دلوقتي يبقى ليه قاعد تتعصب عليا. 
وبعدين انت ناسي انك ورطتني في الخطة ديه وخليتني أدخل لحياة آدم عشان سبايك الدهب وبسببك وقعت نفسي في مشكلة معاه يعني بدل ما تفكر ازاي تحميني منه قاعد تفكر في نفسك بس ! 

زفر صفوان بخنق وحاول تمالك أعصابه فهتف بروية :
- انا عارف انك خاطرتي بحياتك بسببي بس مع ذلك معتقدش ان ابن سلطان هيقدر يعمل حاجة وممكن هو لسه بيحبك علشان كده مقتلكيش. 

مالت شفتا نيجار في تهكم منه وخطت نحوه مطرقة بأصبعها على صدره وهي تردد :
- انت لو شوفت وشه لما كان هيحدفني من على البلكونة ولو شوفته وقت لما ضربك بالنار وساومني بيك مكنتش هتقول كده. 

- متخفيش انا هحميكي وهنقدر نسترجع اللي خسرناه بعد ما نعمل خطة تانية ونوقعه. 
أكد لها صفوان حتى يطمئنها لكن ملامح وجهها لم تلِن بل إزدادت حدة وهي تغمغم بتحذير :
- مليش دعوة بالكلام ده انا خلاص طلعت برا اللعبة ديه ومبقاش يهمني مين يكسب ومين يخسر اللي يهمني دلوقتي هو اني اسافر في أسرع وقت قبل ما آدم و حكمت هانم يوصلولي ويؤذوني. 

حكَّ ذقنه بطرف اصبعه ممتعظا من هذه الفكرة التي أقلقته حقا فنيجار الآن معرضة للخطر وربما ستدفع حياتها ثمنا للعبة التي أدخلها بها عنوة عندما طلب منها أن توقع آدم في شباكها وتسحره إلى درجة أن يثق بها ويأخذها بنفسه لمكان السبائك. 
ثم نظر لها وحاوط كتفيها مغمغما بصلابة :
- أنا وعدتك اني هحميكي ومخليش حد يؤذيكي يا نيجار ثقي فيا. 

إهتزت حدقتا عينيها بإنكسار متذكرة بأنه أخبرها بنفس الشيء شابقا لكنه جعلها تطعن آدم بسكين مسموم حتى تكون مشتركة معه في جريمة القتل فدرأت ضعفها المؤقت سريعا ثم أزاحت يداه وتراجعت للخلف معقبة عليه :
- اتمنى تكون قد وعدك المرة ديه. 

إستدارت مغادرة الغرفة تاركة إياه بمفرده وسط أفكاره فأخذ نفسا عميقا وزفره على مهل مفكرا في حل لهذه المعضلة، وفجأة إلتقط هاتفه وأتصل بمراد الذي رد عليه بخشونة :
- خير مش انا قولتلك مش عايز اسمع صوتك تاني.  

كتم تأففه منه وقال محاولا إستمالته :
- مراد انت عارف ان آدم خطفني وضربني وهدد بنت عمي بيا عشان كده هي اضطرت تقول اللي بتعرفه وتنقذني يعني انا مليش دعوة ومكنتش ناوي اتكلم خالص. 

- وانا مليش دعوة بردو متنساش ان الضرر طالني زي ما طالك وخسرت كتير كمان وكل ده عشان وثقت فيك. 

- بس احنا بيننا اتفاق عشان ندمر عيلة الصاوي ازاي تقدر تلغيه دلوقتي. 

- احمد ربك لأني اكتفيت بإني الغيه ومجيتش قتلتك ومتنساش ان اتفاقنا كان ع اساس ادور ع مكان الدهب وابعتلك رجالي يساعدوك تداهم البيت وبعدين نتقاسم حقه بس انت حبيت تتذاكى وعملت خطة عشان تقتل آدم وياريت نجحت فيها لا فشلت بجدارة وورطتني معاك علشان كده انا مش عايز اعرفك تاني مفهوم !   

فتح صفوان فمه حتى يدافع عن نفسه إلا أنه سمع صافرة الهاتف تعلن عن إنهاء المكالمة فأطلق مسبة ساخطة يلعن فيها آدم ومراد والجميع !
__________________ 

داخل القاعة الكبيرة الخاصة بالإستقبال في منزل العمدة، وعلى طاولة إمتد إتساعها لما يكفي عشرين مقعدا ترأسها العمدة ذو الخامسة والستون عاما الذي جلس بهيبة واضحة للعيان يسند عصاه على كرسيه بينما يجلس بجواره آدم وعلى الطرف الآخر صفوان أما بقية الكراسي فتوزعت على التجار المشتركين في الصفقة. 

ساد الصمت حينما تنحنح الأخير طالبا إنتباه الجميع ثم قال بصوت جهوري : 
- نورتو بيتي المتواضع يا جماعة الخير، ده آدم سلطان الصاوي صاحب البساتين اللي بنصدرلكم منها الخضر والفواكي ويعتبر إيدي اليمين وفي مقام إبني وده صفوان الشرقاوي إبن المرحوم محمود ومن اكبر عائلات البلد وصاحب بساتين الجهة الشمالية ... و دول تجارنا الكرماء اللي بنتعامل معاهم بقالنا سنين وعمرهم ما خيبو ظننا بيهم. 

إرتفعت الهمهمات من جميع الأطراف مرحبين ببعضهم وشاكرين العمدة الذي أردف :
- الحمد لله ربنا كرمنا والصفقة تمت وسبايك الدهب موجودة في الشاحنات بتوعكم والنقل هيتم وسط حراسة كبيرة آدم وصفوان مسؤولين عليها أنا حطيت ثقتي فيهم وعارف انهم قدها. 

رفع كل منهما عيناه مطالعا الآخر بقتامة لكن حدة وغضب آدم تغلبا على نظرات صفوان التي غلبها التوتر من أن يقوم بفضح فعلته بعد إنتهاء الإجتماع، ورغم هذا لم يظهرا ماهية دواخلهما بل أكملا تناول الطعام في هذه الوليمة التي قام بها العمدة على شرف إتمام الصفقة وتابعا التحدث معه ومع بقية التجار مدعيين تفاهمهما البارد. 
وبعد ساعات قليلة كان منزل العمدة الفخم قد فرغ من التجار فعاد وجلس على مقعده هاتفا بهدوء :
- ودلوقتي يا ابن الصاوي قولي انت كنت فين وايه حكاية بيت الهضبة اللي اتحرق ومين المسؤول ع اللي حصل. 

تشنج صفوان وأحس بضربات قلبه تزداد عنفا فإزدرد لعابه وإعتدل في جلسته ينتظر الإتهام الذي سينزل على رأسه ويجهز الردود التي ستكذبه. 
غير أن الصدمة كانت من نصيبه عندما رد آدم بصلابة :
- محدش مسؤول عن الحريق حضرتك الحادثة مش بفعل فاعل بس حصل تسرب للغاز جوا البيت والحراس مخدوش بالهم وده خلى النار تولع فيه بس الحمد لله اني كنت نقلت السبايك لمكان تاني قبلها بيوم عشان كده فضلو في أمان.  

إشرأب عنق العمدة ناحيته بنظرة حسابية غير موقنة من حديثه فلقد توقع أن يقوم بإتهام صفوان أو أي أحد آخر لكنه فاجأه بقول نفس الكلام الذي قالته السيدة حكمت حينما سألها عما حدث. 
حمحم وهتف مستطردا :
- بس الناس قالت انك كنت هناك وفي اللي قال انك مُت انا مش فاهم الإشاعة ديه انتشرت ازاي وانت في المدينة. 

أدرك آدم بأنه لم يصدقه بالكامل فحدجه قائلا بثقة :
- الناس ملهاش شغل غير انها تطلع كلام فارغ حضرتك عارف ان منافسيك كتار ممكن واحد منهم حب ينشر الإشاعة ديه عشان يأثروا على عيلتي وسمعتك أنت تقع في الأرض. 

- يعني انت متأكد ان ده كل اللي حصل مفيش حاجة تانية ؟ 

نفى برأسه مجيبا ببرود :
- ايوة متأكد ... وبالمناسبة أنا عايز اشكر صفوان لولاه مكنتش الصفقة هتتم هو اللي جاب معدات آمنة وعندها جودة كبيرة عشان ننقل السبايك عليها وهو اكتر واح أشرف على أمن الطريق اللي هتعدي منه. 

إنتصب واقفا ودنى من صفوان ثم مد له يده حتى يصافحه :
- أنا بتمنى نفتح صفحة جديدة مع بعض. 

لو كان بمقدوره الآن لوقع على الأرض صارخا بجنون من الهراء الذي يسمعه، أو ينقض عليه ويسأله عن ما إذا كان يريد حرق أعصابه وإصابته بالخبل. 
هل آدم يخفي حقيقة طعنه وحرق المنزل وسرقة الذهب ؟ ولكن لماذا إنه يستطيع بكل بساطة تأكيد إتهامه فيجعل العمدة ينزع منه صلاحياته ويطرده ولن يلومه أحد إن قام إبن الصاوي بقتله إنتقاما لدمه المهدور إذا لماذا يقوم بهذه التمثيلية. 

إبتسم آدم على هيئته وكم راق له الضياع الذي يراه في عينيه فتنهد وهتف بأسف مصطنع :
- الواضح انه مش عايز يصالحني براحتك انا مش هجبرك. 

- صفوان ! 
ناداه العمدة بخشونة محذرة وأشار له برأسه فوقف أمامه رامقا إياه بعشوائية قبل أن يمد يده له ويصافحه بصمت ... صمت لم يدم طويلا حيث وصله إتصال من أحد العمال لديه فإستأذن وأجاب عليه ليسمع الآخر يردد عليه بأنفاس متقطعة :
- الحقنا يا صفوان بيه النار ولعت في البساتين والزرايع اتحرقت مفضلش منها حاجة !! 

تعليقات