رواية نيران الغجرية الفصل الثالث والعشرون23 والرابع والعشرون24بقلم فاطمة أحمد


 رواية نيران الغجرية الفصل الثالث والعشرون23 والرابع والعشرون24بقلم فاطمة أحمد


الفصل الثالث و العشرون : نيران الغجرية.
_________________

إن مقولة :" أنظر للجزء المملوء من الكأس ، ولا تهتم بالجزء الفارغ ...
لم تكن مجرد عبارة ، هناك جزء فارغ فعلا ، و و شخص فارغ لا يستحقك !"

صدر صوت عال إثر صفقه لباب الشقة بعنف ، مناقض تماما لهدوئه وهو يلج إلى الداخل ممسكا بيدها ، ملامحه جامدة جمود الصقيع ، و عيناه ملبدتان بقتامة كغيوم تنذر بِهبوب عاصفة رعدية ...

و فجأة تغير كل شيء ، عندما دفعها إلى الحائط غارزا أظافره بكتفها فتأوهت بصمت و ناظرته بسوداوتيها الخائفتين وكأنها ترى وحشا أمامها ، أو هذا ما بدى له. 

ثم أدهشها عندما إبتسم بريبة وهمس وهو يمرر أنامله على وجنتها هامسا بإسمها ببطء بعث الرجفة داخلها :
- مريم الحلوة. 

لم تعلق بل اكتفت بمطالعته ليضحك بهوس و ينزل بيده إلى عنقها مكملا :
- بنت الغجر تعبت من الهرب .... و رجعت علشان ترتاح. 

و هنا فقط ، إختفت إبتسامته و حلت محلها ملامح مرعبة و كأن هناك شياطين عاتمة إكتنفته و سيطرت على روحه. 
ثم أطبق بحركة بسيطة على مجرى تنفسها ، و زادت حتى أصبحت قبضته تضغط عليها بعنف ، فإحتبست أنفاسها و جحظت عيناها بهلع شبيه بذلك اليوم حينما رآها مع إبن عمها فحاول خنقها ...

و كم جعله هذا ينتشي إلى درجة لا يستطيع أحد تصورها ، فهاهي الغجرية عادت باصمة على عقد عذابها ... عذابها الذي سيحرص على جعله درسا كافيا لها. 

نفث أنفاسه في وجهها بغضب وهو يغمغم بسوداوية :
- كنتي فين طول المدة ديه ... ردي عليا ! 

صرخ في آخر جملة تزامنا مع إغماض عينيها و إرتخاء جسدها لتسقط مغشيا عليها بين يديه ، فشهق عمار عائدا إلى صوابه و خاف من أن يكون قد بالغ في تعنيفها لدرجة إغمائها هكذا. 
فطرق بيده على وجنتها عدة مرات هاتفا بإسمها قبل أن يحملها و يتجه بها صوب السرير يضعها عليه بعناية. 

ناداها مجددا فهمهمت مريم و إفترقت جفونها ببطئ شديد هامسة بصوت مبحوح :
- ع ... عمار. 
ثم أغمضت عيناها من جديد. 

أخذ عمار نفسا عميقا بعد تأكده من سلامتها ثم جلس مقابلا لها وهو يشد على شعره بجنون غير مصدق لما يحدث. 
تذكر ما عايشه منذ ساعة عندما إتصل به أحد رجاله و أخبره أن المرأة التي كلفهم بالبحث عنها ها هي تجلس على ضفة نهر النيل فلم يدري كيف سيطر على صدمته و تمالك نفسه ليغادر القصر دون أن ينتبه أحد. 

و حينما وصل حيث المكان المطلوب ظل دقائق يتأملها من بعيد غير مصدق إلى أنها أمامه ثم نهب الأرض نهبا وهو يتقدم نحوها حتى جذبها إليه يطالع صدمتها برؤيته ، فأمسك ذراعها و تحرك دون كلمة واحدة و على عكس ما توقع فلقد كانت صامتة ولم تتحدث قط حتى ظن أنها أصيبت بالبكم ! 

تأوه عمار بإختناق وهو يرخي ربطة عنقه ثم إلتقت عيناه بوجهها الساكن ، اللعنة كم إشتاق إلى هذه الملامح و هذا الشعر و الجسد.
بقدر غضبه إلا أنه لم ينكر فرحته المجنونة وهو يراها في بيته و على فراشه مجددا ، يكاد يظن أنه يعيش إحدى أحلام اليقظة و أنها غير موجودة. 

و لكن عند التركيز بها أكثر ، و سماع صوت أنفاسها الثابتة و خشخشة خلاخيلها التي كانت تتحرك أدرك عمار أنها حقيقة ... حقيقة موشومة بالكذب و الألاعيب حضرت متأخرة زيادة عن اللزوم ! 

انتفض ينحني عليها و مقلتاه تنهلان كل إنش من وجهها بشوق ، يده لم تترك جزءا من وجهها و جسدها إلا و لمسته كأنه يؤكد لنفسه بأنه يراها بالفعل.
 سحقا بقدر غضبه منها يشعر بالحنين إليها و رغم ذلك لم تنطفئ نيرانه بعد لن يهدأ قبل إستجوابها و معرفة أين كانت و كيف إستطاعت الإختفاء بهذه البراعة و لماذا ؟!! 

إنتشله من ظلماته صوت أنينها الخفيض وهي تحرك جفونها حتى إستطاعت فتحهما لتجده يشرف عليها من الأعلى مطالعا إياها فشهقت و استندت على يدها محاولة الجلوس.  

و بمجرد أن إعتدلت وجدت عمار يسحبها نحوه و يقبلها بوحشية هلعت منها ، غلغل أصابعه بداخل شعرها بعنف مقصود و قبض بيده الأخرى على خصرها حتى شعرت بعظامها تكاد تنفلق إلا أنه لم يتركها بل ظل يقبلها حتى إنقطعت أنفاسهما و هنا إنفصل عنها لتصدر مريم شهقة قوية تتوسل منها الهواء. 

تأوهت بألم عندما أمسكها من ذراعيها صارخا بجنون وقد إنفلتت أعصابه من عقالها :
- كـنـتـي فين ردي عليا ! انطقي و إلا هقتلك اتكلمي !

نزلت خيوط شفافة من عينيها وهي تخفض رأسها فنهض و رمى أول شيء قابل يده مكملا بهستيريا :
- انتي ازاي جتلك الجرأة ترجعي تظهري قدامي تاني من بعد ما هربتي فهميني !!

شياطينه إستعرت بداخله و أصبح من المستحيل السيطرة عليها كل الأفكار السوداء تغزو عقله الآن جزء منه يحرضه على تعنيفها و الجزء الآخر يناشد هدوءه و تعامله معها بروية بقدر إشتياقه لها ! 
إلا أن عمار فشل في تهدئة نفسه بل زادت نيرانه إشتعالا وهو يهدر بقسوة :
- سنة ونص و انتي مختفية أنا قلبت الدنيا عليكي و كل مرة بفكر ان ممكن تكوني اتأذيتي ببقى هتجنن و انتي ... انتي ...

إنقض عليها يوقفها معتصرا لحمها بين أصابعه هامسا :
- كنتي مع مين الفترة ديه كلها ؟ ردي عليا مين اللي ساعدك تسيبيني و متسأليش على اللي حصلي مين ده ؟! 

أخيرا فتحت مريم فمها و تبعثرت حروفها وهي تبرطم بإختناق :
- كنت في قرية قريبة من القرية اللي عايش فيها عمي ... عند واحدة زميلتي من الكلية و ... 

- كــدابــة ! 
زمجر عمار بشراسةة وهو يضغط على ذراعيها و يخضها بخشونة مقصودة متابعا :
- متكدبيش يا مريم أنا بعرف كل زمايلك و بعرف كل اللي كنتي بتتواصلي معاهم و .....

إنتفضت مريم و حاولت وضع يديها على صدره تملسه بلهفة :
- صدقني يا عمار أنا مبكذبش عليك ده اللي حصل فعلا ... زميلتي ديه من أقرب صحابي و كان بقالي فترة طويلة مكلمتهاش بس لما شافتني افتكرتني و أنا من غير ما أحس لقيت نفسي بطلب منها تبعدني عن هنا وهي مرفضتش و خدتني معاها ساعدتني. 

كان سيسألها عن التفاصيل أكثر لكن عند ذكر أنها كانت بحاجة للمساعدة و الإبتعاد أعتصر قلبه لدرجة شعوره بغصة مؤلمة تطبق على أنفاسه فهمهم بأنفاس مضطربة :
- عملتي كده ليه ... فهميني يا مريم انتي سبتي دبلتك و روحتي ليه إيه اللي خلاكي تعملي كده معقول عشان خسرتي البيبي ... طيب ما هو كمان إبني. 

لأول مرة منذ مقابلتها اليوم شعر بتصلبها أسفل يديه و إرتعاشها بجمود سرعان ما إضمحل عندما نزلت دموعها و مالبثت أن أجهشت في البكاء :
- كنت موجوعة أوي ... للحظة فكرت ان حياتي انتهت خلاص و معرفتش أعمل ايه و لقيت نفسي طالعة اجري بس ربنا سترها معايا و لقيت المساعدة أنا قضيت المدة ديه عايشة مع صاحبتي و أمها فنفس الشقة مقابل أدفع الايجار و أنا اشتغلت علشان أقدر اتكفل بمصاريفي بس ... 

توقفت و رفعت رأسها له ممررة يدها على وجهه برقة :
- مقدرتش انساك ... كل يوم و كل ليلة كنت بفكر فيك حسيت بالندم لأني سبتك و حبيت ارجع بس كل مرة بخاف و اتراجع لحد ما رجعت القاهرة من يومين و عرفت انك ... انك هتتجوز. 

تجمد جسده و إنطفأت لمعة زيتونيته الغاضبة عند سماع هذه الكلمات منها ، و لأول مرة يقف عاجزا بهذا الشكل عن تفسير موقفه بل حتى النظر إلى عينيها. 

و أخيرا نفث عمار نفسا عميقا مغمغما بتوجس من ردة فعلها :
- أنا فرحي النهارده ... بعد ساعتين بالضبط.

راقب ملامحها وهي تتحول إلى الصدمة و علامات الألم ترتسم بوضوح على وجهها ، ثم لوت شفتها بإبتسامة منكسرة وهي تهتف بتأكيد أكثر منه تساؤلا :
- و العروسة هي بنت عمك ندى صح ؟ 

اومأ بإيجاب و مد يده ليلمسها فإنتفضت مريم مبتعدة عنه تردد بحرقة :
- كنت عارفة ان ده هيحصل و أنا اللي رجعت زي الغبية و يوم فرحك كمان كان لازم افهم من الأول انك بتحب بنت عمك و انا ولا حاجة بالنسبالك ...

قاطعها عمار بلوعة :
- لأ يا مريم انتي مراتي انا دورت عليكي كتير اوي و عمري ما نسيتك صحيح أنا هتجوز بس انتي هتفضلي معايا مش هسيبك تضيعي مني تاني.

حاولت التملص منه إلا أنه لم يسمح لها و بعد محاولات طفيفة إستطاع عمار جعلها تتوقف عن الصراخ و البكاء فجلس معها على السرير ثم ضغط بيده على وجهها متمتما :
- اهدي و خلينا نتفاهم. 

- نتكلم في ايه ؟ خلاص انت هتكتب كتابك و تعمل فرح كبير و أنا هفضل نكرة ملهاش لازمة. 
تكلمت بنبرة مبهمة إستغرب منها.

تنهد بحدة و شدد ضغطه على وجنتيها هامسا :
- متقوليش على نفسك كده انتي مراتي الأولى و كون اني لسه لحد دلوقتي محاسبتكيش على اللي عملتيه و ببررلك كمان ده بيعني انه ليكي معزة كبيرة في قلبي. 
بس انا خلاص خطبت ندى و هتجوزها مينفعش اتراجع قبل ساعتين من الفرح أنا مبقدرش أعمل فيها كده. 

لم تعلق عليه و أخفضت عينيها فأحس بإستجابتها ليقرر تطبيق الإبتزاز العاطفي عليها و إستغلال تشتتها فهمهم بتريث :
- مريم انتي قولتيلي من قبل أنك بتحبيني و استحملتي العيشة ديه علشاني ... ردي عليا انتي لسه بتحبيني ؟ 

إعتقد أنها ستنكر في البداية و لكنها لم تفعل بل هزت رأسها مومئة بإيجاب دون تردد فإبتسم براحة و إستطرد :
- طيب اللي بيحب حد بيعمل أي حاجة علشان يبقى مبسوط و مرتاح معقول انتي مش عايزة راحتي. 

- يعني انت هتبقى مرتاح و مبسوط لما تتجوز واحدة غيري ؟ 

سألته بجفاء فأحس بخلاياه ترتد بعنف و أعصابه تشتد ليطلق زفيرا غاضبا مدعيا الهدوء :
- لأ .... هبقى كده لما انتي تفهميني و تقدري موقفي يا مريم. 

إلتزمت الأخرى الصمت ثم أطرقت رأسها للأسفل تاركة إياه يتلضى بنيرانه العاتية متحفزا لكل حركة تصدر منها ، حتى تنهدت هامسة :
- لو كان ده بيريحك ... فأنا موافقة. 

- انتي بتتكلمي بجد ؟
هتف بها في صدمة وقد شعر بوجود خطب ما بها فرغم أنه كان يود كثيرا أن توافق و حتى لو لم تفعل كان سيجبرها على تقبل ذلك رغما عنها ...
إلا أن إستسلامها هكذا بعيدا عن الجدال حال دون شعوره بالرضا الذي يطمح إليه. 

إنسل عمار من شروده عندما إنتبه إلى مريم وهي تردف ناظرة إلى عينيه مباشرة :
- أنا بحبك يا عمار رغم انك وجعتلي قلبي لسه بحبك و زي ما استحملت تعيش معايا بالسر هستحمل تتجوز عليا ... المهم انك متسيبنيش.

و أخيرا إنبثقت الإبتسامة من شفتيه وهو يتأملها ، لا تزال مريم هشة سهلة الإنقياد تحت إمرته ، لا تزال تتمنى رضاه. 
ربما هذا بسبب إدراكها لخطئها بالهروب منه ، أو محاولة لإستعطافه لكي لا يحاسبها على فعلتها لاحقا ، و لكن هذا ليس مهما الآن. 

و كان رده عليها أنه دنى منها حتى حطت أنفاسه الثائرة على صفحة وجهها ، ثم ضمه بين يديه مطبقا على شفتيها يقبلها بنهم إستعر به أياما طويلة و توهج أكثر الآن ....
بينما إستكانت هي لمقاييده فلم يغفل عن عدم إستجابتها له ، فرجح ذلك إلى أنها لا تزال حزينة بزواجه من أخرى رغم طاعتها له حاليا. 

حررها بعد دقائق حينما فقد زمام تحكمه على نفسه و شرع محاولا إزاحة طرفي فستانها لتضع مريم يدها على صدره متمتمة بأنفاس متسارعة :
- انت ... اتأخرت على ميعادك. 

كتم عمار تأففا مغتاظا ثم هز رأسه و انتصب واقفا يسحبها معه لتقابله :
- انا همشي دلوقتي بس هحاول أجيلك بكره الصبح قبل ما ... نسافر أنا و ندى. 

همهمت بإيجاب و ضمها مجددا يدس أنفه في حضنها مشبعا أنفه من عبقها قبل أن ينسل منها ثم يمرر أنامله على بشرتها المتوهجة :
- مريم ... انتي متأكدة انك كويسة و موافقة على جوازي. 
- معنديش صلاحية أمنعك أساسا. 

أجفلته بهمستها التي إكتسبت لمحة جامدة جعد حاجبيه لها فتغافل عنها و إسترق النظر إلى عنقها الذي يحمل آثار أصابعه. 
من الجيد أن مريم لم تلاحظ تحت خضم كل هذا التوتر عنفه معها و تجاهلته ، فكر بذلك ثم غمغم :
- أنا رايح ... خدي بالك من نفسك. 

ثم إلتف مغادرا عنها بخطوات هادئة و حين وصل للباب ألقى نظرة أخيرة عليها ثم فتحه و عاود إغلاقه عقب خروجه. 

و هنا فقط ... إختفت غشاوة الحزن عن عينيها الدامعتين و ظهرت آخرى جامدة ترسل نيرانا بقدر خمودها منذ قليل ... 
ثم رفعت أصبعها تتحسس عنقها المتورم و إرتسمت إبتسامة غامضة على تقاسيمها ...

________________________

إقتحم القصر بهدوء بعدما إتصل برجاله و كلفهم بوضع حراسة مشددة تحت العمارة و مراقبة الداخلين و الخارجين و خاصة أي سيدة تحمل نفس مواصفات زوجته ...

ثم مرر عينيه في المكان بسأم مدركا لنافورة التقريع التي ستنفجر فور أن تراه عائلته ، بعدما أخرج هاتفه عقب مغادرته للشقة فوجد كمية مهولة من الرسائل و الإتصالات من والده و زوجته و يوسف و وليد ، بالتأكيد إنتبهوا إلى إختفائه و توجسوا خيفة من ذلك. 

و بالفعل قابلته سعاد تسأله بإنفعال عن سبب إختفائه المفاجئ فأجابها كاذبا بأنه تذكر بعض الأعمال المعلقة فأنجزها سريعا. 

صعد إلى فوق و عند مروره من غرفة ندى سمع صوت ضحكاتها مع صديقاتها ، و هنا إلتصقت قدماه بالأرض و تشنجت عضلات وجهه يهمس لنفسه : مالذي تفعله أنت ؟ 

شهق عمار بلوعة و دخل إلى غرفته بعنف شاهقا أنفاسا حادة ، ما هذا الذي يرتكبه الآن كيف سيعقد بعد دقائق عقد زواج مبني على الكذب و يخدع ندى. 

مريم عادت إليه ولا يوجد داع لتعقيد حياتها أكثر ، أما عروسه فهي إبنة عمه التي يعزها ...
الفتاة الوحيدة التي تعامله بأريحية و تسعى للتخفيف عنه دائما ، كيف سيجعلها زوجة ثانية له دون مراعاة قرابتهما ، كلا هي لا تستحق أن يرتكب هذا الفعل المشين بها أبدا ... 

فتح الباب تزامنا مع همس جملته الأخيرة فإلتف ليرى رأفت ينهب المسافة بينهما وهو يقترب منه جازا على أسنانه :
- أنت روحت فين و مكنتش بترد علينا ليه انت عارف أنا عملت ايه علشان محدش يحس بغيابك ... 

قاطعه عمار بوجوم :
- أنا هلغي الفرح لأن الجوازة ديه مش هتحصل ... مريم رجعت و أنا مبقتش لاقي سبب يخليني اخبي على بنت عمي الحقيقة !!

****

بدأ الحفل ، و إكتضت ساحة الزفاف الضخمة المصممة بحرفية ساحرة بالمصورين و الصحفين ، و المدعوين ذوي النفوذ الضخمة من رجال أعمال و شخصيات هامة في البلد.
وسط حراسة أمنية مشددة سهرت على حماية خصوصية الحفل و ذلك بمنع المعازيم من إلتقاط الصور عبر هواتفهم و منع دخول أي شخص إلا بعد التأكد من حمله لدعوة زفاف الإبن الوحيد لرجل الأعمال رأفت على الإبنة الصغرى لعادل البحيري. 

سكن الضجيج لوهلة قاطعته شهقات إنبهار ثم تعالت التصفيقات من كل صوب عند ظهور العروس المنتظرة ، ندى بفستانها ذو التصميم الإيطالي ناصع البياض يلتف حول قدها بنعومة و يهبط إلى الأسفل بتدرجات خفيفة. 
و قد أظهرت فتحته من الأعلى بشرتها الصافية و عقد الألماس الذي يحيط بعنقها مع أقراطها باهضة الثمن. 

إشرأبت كل الأعناق نحوها تطالع العروس التي تشبهت بالأميرات ، ندى البحيري من الفتيات اللواتي نادرا ما تجمعن بين أكثر من ميزة فهي ذات حسب و نسب و جاه ناهيك عن حظها في إمتلاك جمال يجعل الناظر يسبح بإسم خالقها و أكثر ما يميزها رقتها و فن تعاملها مع الآخرين ...

طالعت الأخيرة بطرف عينيها إنبهار المعازيم و إبتسمت بثقة قبل أن تلتمع مقلتيها عند رؤيتها له يتقدم مع عمها بكامل أناقته ، و فجأة تخللت فرحتها بعض التوجس عند ملاحظتها لوجوم عمار المختبئ خلف إبتسامته الواهية و فكرت في أنه يبدو مستاء قليلا و لكن سرعان ما درأت عنها هذه الهواجس مقررة الإستمتاع بليلتها المنتظرة ...

وقف عمار أمامها و عيناه متشحتان بالجمود ليسمع عادل يهتف بتفاخر :
- أنا هديك النهارده أغلى جوهرة عندي بنتي الغالية اللي كان صعب عليا افرط بيها بس أنا بثق فيك و علشان كده قبلت أجوزهالك ... خلي بالك منها يا عمار و متزعلهاش يابني.

نظر إلى عمه الذي وقف بجانب إبنته يحيطها بذراعيه بسعادة و على الجهة الأخرى وقفت زوجته فريال أما منال فكانت تقف إلى جانب السيدة سعاد ترحب بالضيوف.
ثم أجلى بنظرات على عدسات الصحافة و تنحنح بخشونة هاتفا :
- ندى في عينيا يا عمي متشلش هم. 

ضم رأسها بيديه و طبع قبلة على جبينها هامسا لها بأنها تبدو كالملائكة وسط التصفيقات التي إنبعثت و ملأت الأجواء ، قادها إلى الكرسي الخاص و ذهب هو يستقبل التهاني حتى قابله يوسف و وليد بوجه مترقب. 

رفع عمار حاجبه مستهجنا :
- في ايه انتو هتاكلوني ؟ 

سارع يوسف بسؤاله مباشرة و دون تلميحات :
- انت طلعت و روحت فين فجاة عمي و طنط سعاد رنو علينا و سألونا اذا كنت معانا ها انطق انت كنت فين. 

إنزعج من نبرة الإستجواب هذه إلا أنه إدعى الامبالاة مغمغما :
- كان عندي شوية مشاغل خلصتهم و جيت.

إقتضب وجه وليد بحيرة لم تطمس ضيقه رغم ذلك :
- مشاغل ايه ديه اللي احنا ملناش علم بيها يا بني ده احنا افتكرناك هربت من فرحك و قعدنا ندور عليك ! 

وضع يوسف يده على كتف رفيقه متمتما :
- خلاص يا وليد مش وقته الناس بدأت تبص علينا و العروسة شكلها خدت بالها.

حول عمار حدقتاه إلى ندى و أرسل لها إبتسامة مصطنعة قبل أن ينشغل مع من يلقون عليه المباركات.

و بعد قليل كانت تقام مأدبة عشاء ضخمة ضمت عددا هائلا من المعازيم و بدأت السهرة التي ساهم في إحيائها العديد من فنانين و المطربين إلى أن حان وقت مراسم عقد القران. 

تملص رأفت مع سعاد من الحشود و ذهبا إلى عمار لإخباره بوجوب كتب الكتاب الآن فأومأ بتريث و أشار إلى ندى بلباقة لتتقدم قبله. 
تخللت يدها بداخل ذراعه و سارت بجانبه و مع كل خطوة قادها فيها عمار كانت ذكرياته منذ ساعات قليلة تغزوه بقوة ...

Flash back 

( إلتف ليرى رأفت ينهب المسافة بينهما وهو يقترب منه جازا على أسنانه :
- أنت روحت فين و مكنتش بترد علينا ليه انت عارف أنا عملت ايه علشان محدش يحس بغيابك ... 

قاطعه عمار بوجوم :
- أنا هلغي الفرح لأن الجوازة ديه مش هتحصل ... مريم رجعت و أنا مبقتش لاقي سبب يخليني اخبي على بنت عمي الحقيقة !!

توسعت عينا رأفت و تشنجت أضلاعه وكأن الصدمة شلت حركته ، إرتد خطوة للخلف هامسا بتقطع :
- ا ... ايه ؟ 

رفع رأسه له و إستطرد :
- امتى و ازاي ديه كانت ... ديه كانت مختفية !

إستغرب عمار ردة فعله وقد بدى و كأنه خائف أكثر منه منذهل و لكنه أجابه على أي حال :
- من كام ساعة بس ، لقيتها في الشارع و وديتها على شقتنا القديمة اللي بنعمله ده غلط أنا لازم اوقف اللي بيحصل.

تدارك رأفت صدمته و بدأ يفيق لما يحدث فأمسك بذراعه يمنعه من التحرك و هدر في حدة :
- انت اتجننت جاي دلوقتي تقولي هلغي الفرح ايه ناوي تفضحنا ؟ 

نفث عمار أنفاسا متسارعة بغضب وهو يهتف بتجلد :
- نلغيه دلوقتي أحسن ما أخدع ندى و اضطر أعيش و أنا مخبي عليها و على الناس الحقيقة اللي هي أن مريم ...

قاطعه رأفت برعونة قاسية :
- لسه بتقولي مريم ! تطلع مين مريم ديه و تجي ايه جمب بنت عمك عشان تبطل تتجوزها علشانها هي رجعت ظهرت دلوقتي ليه أساسا ولا لما عرفت بجوازتك جاية و ناوية تبتزك عايزة فلوس صح ؟ 

إحمرت عيناه و تشنجت قسمات وجهه من إهانته لها ولكنه حاول إبتلاع كلماته و عدم التطاول عليه فتسمع باقي العائلة بما يجري ، و كذلك عجزا عن إجابته فحتى هو لا يعلم سبب عودة مريم في هذا التوقيت بالذات.
و إن كان قدومها قبل يومين من الزفاف و ظهورها قبيل ساعات قليلة محض صدفة أم مخطط له ، و لكن مريم لا تجيد حياكة الخطط وهو سيعلم عاجلا أم آجلا بما تخفيه ، ليس الآن. 

أغمض عيناه يكبت رغبة كبيرة في الصراخ ثم حاول تهدئة أعصابه لذلك دلك عنقه بحركات عشوائية هامسا :
- انا اللي لقيتها مش هي اللي جاتلي ... و أنا مبقارنهاش مع ندى لأن واحدة منهم بتبقى مراتي و التانية بنت عمي اللي عماله اخدع فيها و ده غلط اللي بنعمله ده كله غلط ندى متبستاهلش تدخل كزوجة تانية وهي مش عارفة .... ولا مريم بتستاهل.

تجاهل رأفت ذكر سيرة تلك البربرية و جرب التريث و الشرح له بشكل جيد :
- اسمعني يا عمار احنا وصلنا لنقطة مبنقدرش نتراجع منها خلاص كتب الكتاب فاضل عليه كام ساعة بس ولو اتلغى احنا هنتفضح و ندى هتتفضح و ممكن يحصلها حاجة.

وهنت ثورة عمار و بدأت إنفعالاته في الإنخماد ليدرك الآخر ذلك فتابع الضغط عليه :
- انت فاكر انك لو لغيت الفرح هتحميها ؟ بالعكس انت كده بتدمرها سيرتها هتبقى على كل لسان و الناس مش هترحمها هيطلعو عليكم إشاعات كتيرة خاصة انكم عايشين في بيت واحد انت راجل و سمعتك مش هتتأذى كتير بس ندى ست وممكن يقولو عليها أي حاجة ... ده مش بعيد يفترو عليها ويقولو انك غلطت معاها علشان كده اتخليت عنها في آخر لحظة.

- بس أنا مش هسمح...

قاطعه بحزم :
- انت مش هتقدر توقفهم ولا تمنعهم من انهم يتكلمو لو عايز تحمي عيلتك و بنت عمك بالأخص ف لازم تكمل و لو على مراتك الأولى انت ممكن بعد وقت تعرف ندى بالماضي بتاعك ساعتها حتى لو حبت تطلق ده مش هيشكل خطر على سمعتها زي دلوقتي لو طلعت وقولت انك بطلت تتجوزها ... )

Back 

و إختار الصمت ... من أجله و من أجل عائلته و إبنة عمه ... و من أجل مريم.

مع الأسف لن يستطيع مجابهة ألسنة الناس و منعهم من التطاول بالكلام عليهم لو قرر إلغاء الزفاف لذلك سوف يصمت ، سيتزوج من إمرأة أخرى ، سيخدع إبنة عمه سيصمت لا خيار له غير هذا.

تنفس عمار بسخط مكبوت و إستمع إلى صوت التصفيقات من كل حدب فأشاح وجهه منتبها للمأذون الذي أرخى المنديل الأبيض على يده المتعاقدة مع يد والد العروس و أرهف الجميع السمع و النظر إلى طقوس عقد القران ...

و فجأة توقف كل شيء ، عندما انتظر المدعوون ترديد عمار لتعهدات الزواج وراء المأذون إلا أنه لم يفعل ، بل كان يستمع بخبل إلى صوت ما ، صوت مميز يستحيل أن يخطئه ...
و شيئا فشيئا ارتفعت الأصوات حتى تأكد أنه لا يتوهم فمادت به للأرض و صمت أذناه بطنين عنيف.
فرفع رأسه كالملسوع وقد توسعت عيناه فطفق يحوم بها هنا و هناك يطالع بنظرات مضطربة الموجودين يبحث عن صاحبة الخلخال الذي يرن ، ووجدها ..

كانت تتقدم بخطوات متمهلة نحو المنصة بفستانها الأحمر ذو التصميم الغجري بحمالات تنزل على الكتفين مظهرة القلادة ذات العقيق التي تزين عنقها ، و أقراط ثقيلة تتحرك بإتزان مع شعرها المموج و رغم قناع الوجه الذي لا يظهر سوى عينيها الكحيلتين و شفتيها الملونتين بالأحمر القاني إلا أنه عرفها ! 

داهمه إحساس أن قلبه سيتوقف لا محالة ، تزامنا مع همسة من أبيه الذي تعجب جموده على حين غرة ، لكن عمار لم يكن مدركا لما يحدث أو حتى لندى التي ألقت عليه نظرات مستغربة متوجسة ...
فقد هب واقفا يطالعها كالمهووس الذي لا يكاد يميز بين الخيال والحقيقة ، و في لحظة واحدة ، تحطم الخيال و تحول إلى كابوس تجلى في مريم وهي تنزع القناع عن وجهها الجامد بشر ثم تكمل خطواتها الرشيقة !

- مريم !
همس عمار بجنون فأجفل رأفت و تشنجت قسماته ، أما عادل فإنتصب واقفا يبرطم بتحفز :
- ممكن افهم في ايه الناس بتبص علينا. 

لم يجبه أي احد منهما فالصدمة عقدت لسانيهما و أخيرا تدارك عمار نفسه فهب نازلا من على المنصة ينهب الأرض بخطوات واسعة بإتجاهها تحت همسات الحضور. 

كل العيون كانت تراقبها ، رأفت الذي هاجمته ذكرى مع تلك البربرية قبل سنة فكاد يصاب بأزمة قلبية ، و سعاد و فريال رغم أنهما رأياها من خلال الصور فقط ولا يذكران شكلها كثيرا إلا أن ردة فعل عمار أوضحت لهما عن هويتها. 
و ندى التي تمتلك قدرة فائقة على تذكر الوجوه و الأصوات قد عرفتها على الفور و تذكرتها وهي بين يدي عمار الذي كان يقبلها بجنون في رواق المطعم ففغرت فاها و إرتدت إلى الخلف بلا وعي. 

ومن بين كل تلك الوجوه التي تعرف مريم سواء كزوجة أو عشيقة ... لم ينتبه أحد إلى  الأعين التي تطالعها بذهول وعدم تصديق عند رؤيتها للمرة الثالثة هذا الأسبوع فإتضح أنها على معرفة بأقرب أصدقائه ... إنها عينا يوسف ! 

وصل عمار إلى يتأملها برعونة وقد إحتد نسق أنفاسه فهمس بحدة :
- انتي بتعملي ايه هنا ؟

ربما جاءت إلى هنا لكي تذرف الدموع و تترجاه ألا يتزوج نعم بالطبع ما ستفعله هو يعرفها جيدا.
 إلا أن صدمته التالية كانت وهي تتملص ببرود من يده الممسكة بذراعها و هبت تصعد على درجات المنصة تحت أنظار الحضور وقبل أن يستطيع أحد إيقافها إنتشلت مكبر الصوت الموضوع على الطاولة و إستدارت إلى الأعين التي تراقبها و عدسات الصحفيين على وجه الخصوص فظهر خاتم "الأوبال" الذي يزين يدها بشكل واضح. 

و إبتسمت ، تلك الإبتسامة التي تحمل شرا و حقدا و إستمتاعا مريضا بما سيحدث الآن ، ثم ركزت مقلتيها الجامدتين على عمار وهي تتشدق بكلماتها :
- مساء النور ، أولا انا بتمنى تكونو مبسوطين بالحفلة الجميلة ديه اللي اتعملت علشان فرح إبن أكبر رجال الأعمال على بنت عمه و حبيبته ندى البحيري. 

صمتت لثانيتين تراقب ردود الفعل خاصة على عمار الذي وقف متصنما كالحجر ولم يقوى حتى على التحرك ، ثم تابعت بنبرة مستهزئة :
- مع اني زعلانة من عمو رأفت علشان معزمنيش أشارك أقرب الناس لقلبي في أهم يوم ليهم بس مع ذلك أنا جيت بنفسي ماهو مش معقول محضرش فرح ... جوزي.

شهقات متفرقة صدعت في المكان و علتها أصوات الكاميرات وهي تلتقط الصور بجنون ثم همهمات مذهولة و أخرى مستنكرة لما يجري و أعين تطالعها كأنها مريضة عقلية فتابعت مريم بعدما ألقت نظرة بطرف عينها على العروس المدمرة تماما :
- نسيت أعرفكم بنفسي ... انا مريم عبد الرحمن ده كان اسمي الكامل قبل ما اتجوز أنا و عمار البحيري من 4 سنين عشت فيهم معاه في السر لأنه كان مكسوف يعلن عن جوازه من واحدة ليها أصول غجرية و بتنتمي لطبقة مش من مستواه و اختار يخدع بنت عمه و ياخدها زوجة مثالية ليه و وسيلة يفتخر بيها قدام المجتمع.
أنا طبعا فرحانة علشانه لأنه حتى لو أنكر وجودي في حياته بس مش هبقى زيه و أعمل نفسي مبعرفوش و علشان السبب ده أنا هنا النهارده حبيت أعمل بأصلي و أباركله و اتمناله حياة زوجية سعيدة مع مراته الجديدة و امشي فورا اصل مش عايزة ادايق حد بوجودي ... الف مبروك يا حبيبي و سهرة ممتعة للكل !!



الفصل الرابع و العشرون : الوجه الجديد.
_______________

صفق بحرارة لمن علمك القسوة ... ثم أصفعه بقوة لكي يعلم أنك تعلمت !! " .فصاحة كلام.

أحيانا يقابل الإنسان إستسلام الطرف الآخر على أنه خنوع ، فيزداد في طغيانه و تجبره ، لا لشيء فقط لأنه متأكد من أن الخانع لا يملك قوة لمجابهته ، أو وسيلة للضغط عليه فهو يتحكم بسير حياته لدرجة أنه يتجبر ويصل به الأمر لعد أنفاسه.
و كل هذا لأنه - حسب منظوره - يملك الحق في إخضاع من ينتسبون له دون التفكير في أنه سيأت يوم ... و يتحول الخاضع المنكسر إلى قنبلة تدمر ما حولها بغير حساب !

حالة من الهرج سادت في المكان و زاد عليها جنون الصحافة التي تهافتت تصور الحدث المهول الذي جرى داخل جدران قصر البحيري و أمام أعين مئات الأشخاص.
إمرأة تداهم حفل زفاف المدير التنفيذي لشركات الصناعة و إبن رجل الأعمال و تدعي أنها زوجته السرية ... فضيحة من العيار الثقيل ضربت سمعة عائلة البحيري و سيتم تداولها لسنين قادمة !

فرغ القصر أخيرا من المعازيم و الصحافة ، و لم يبقى سوى وليد و يوسف اللذان جلسا مع رأفت و سعاد في صالة القصر بالأسفل و ملامح الصدمة لم تنضب من وجوههم بعد ما حدث ... اما عادل و فريال و منال لا يزالون في غرفة ندى التي إنهارت و فقدت وعيها منذ ساعة.

نظرت السيدة سعاد إلى زوجها الجالس بوجوم و حركت رأسها بعدم تصديق وهي لا تزال تحت إثر ما وقع ، ثم حولت عينيها للطابق العلوي و بالتحديد إلى غرفة عمار المتواجد حاليا مع تلك المرأة التي فضحته و فضحت العائلة بأكملها.

لو أنها فكرت لأربعين سنة قادمة لما تخيلت أنهم سيتعرضون إلى هذا الموقف يوما ما ، السر الذي أخفته مع زوجها لمدة سنة ونصف خرج إلى الوسط و أحدث إنفجارا دمر من حوله ، الفتاة التي تزوجها عمار و إختفت فجأة عادت و بجعبتها الكثير ، يا إلهي مالذي يحدث.

أخذت نفسا عميقا و زفرته متمتمة وهي تنهض :
- هطلع اطمن على ندى.

توقفت فجأة عندما رأت عادل و فريال ينزلان على السلم و ملامحهما لا تبشر بالخير إطلاقا فوقف رأفت بجوارها أيضا مستعدا لمواجهة غضبهما اللذان هما محقان فيه.

قابله عادل بوجه أحمر من الإنفعال و عينين لا تخلوان من الغضب و التهديد :
- انا ... عايز ... شرح للي حصل من شويا ... عايز تبرير من ابنك على اللي عمله في بنتي و فعيلتنا كلها.

بلل رأفت شفته وهو ينظر له بحيرة غير قادر على الرد بجواب مناسب ، ولكنه جرب الإنكار كمحاولة أخيرة فتمتم :
- عمار مستحيل يكون عامل كده ... اكيد البنت ديه بتكدب او ...

قاطعه عادل بصراخ أثار حفيظة الآخر :
- الوحيد اللي بيكدب هنا هو انتو ! لو ابنك كان بريء فعلا و مش متجوز من قبل منطقش حرف واحد ليه لما الست ديه طلعت ع المنصة و قالت انها مراته ؟ 
فهمني عمار سحبها وراه و دخلها اوضته ليه لو هي بتكدب ؟ بنتي اتعرضت للموقف ده ليه فهمني !

توجس وليد من صراخه و نظر إلى يوسف لكي يخبره بوجوب مغادرتهما الآن إحتراما لخصوصية العائلة فوجده جالسا يطالع الفراغ بشرود طرأ عليه منذ إقتحام زوجة عمار لحفل زواجه.
و لكنه سرعان ما أجلى إنتباهه إلى عادل الذي صاح بعصبية مريرة :
: أنا اتعرض للموقف ده قدام كل الناس ؟ هبص في وشهم ازاي بعد دلوقتي و بنتي مين اللي هينسيها فضيحتها ! بس انتو ...

ثمت للحظة ثم أردف مستدركا :
- رأفت انت مش باين عليك متعصب ولا مصدوم من قصة جواز ابنك السري و حتى مراتك ... انتو كنتو عارفين ؟

شهقت فريال بصدمة وهي تحول بصرها إلى سعاد تستجوبها بإتهام واضح :
- انتي كنتي عارفة فضايح ابن جوزك و سكتي معقول ؟ ازاي قدرتي تعملي كده انا كنت فاكرة انه عمار كان عنده عشيقة بيروحلها بس انه يطلع متجوزها و تنيمونا على ودانا ...
فهموني ازاي قدرتو تعملو كده في بنت بريئة زي بنتي !

لاح الصمت عليهم إلا من صوت أنفاسهم المنفعلة بينما تابع عادل :
- عمار بقاله متجوز من امتى و انتو عرفتو امتى ولا كنتو معاه من الاول والجواز ده رسمي ولا مجرد ورقتين عرفي ؟

سحب رأفت كمية من الهواء و أخرجه ببطء مغمغما بإستسلام :
- عمار كتب كتابه على البنت ديه من حوالي 4 سنين وانا لما عرفت اتعصبت و قررت ابعدها عنه بس هي سبقتني و اختفت من نفسها فجأة ، افتكرت ان قصتها خلصت و مش هيشوفها عمار تاني بس حصل اللي حصل.

نظر إلى شقيقه مكملا بجدية :
- صدقني قصتها كانت منتهية ابني غلط و جري ورا نزوة راح اتجوز بنت لا اصل ولا مستوى ليها بس فاق و قرر يصلح غلطته و اختار شريكة حياة تليق بيه.
اللي اسمها مريم ديه حته مبتسواش وانا هعمل اللي اقدر عليه عشان احاسبها هخليها تندم على الساعة اللي فكرت تعمل فيها كده و ابعدها عن حياة عمار و ندى.

___________________
قبل فترة.

بمجرد انتهاء عرضها المسرحي ، انقلب الحفل لحرب جملت كل أنواع الهرج والمرج.
انهالت الصحافة عليهم ملتقطة الصور ثم تهجمت على أفراد العائلة بهمجية طارحة عليهم آلاف الاسئلة اما الحضور فبعضهم إكتفوا بالتفرج و البعض بالهتافات المصدومة و الممتعضة لأن هواتفهم انتزعت منهم قبل الدخول فعجزوا عن إلتقاط الصور و نقل الفضيحة بأنفسهم.
حينها هب رجال الأمن يخرجونهم من القصر و فجأة أمرهم عمه عادل بإمساك هذه المرأة المجهولة ، و لأن عمار يعلم تماما ما سيتم فعله بها قرر التخلي عن صدمته مؤقتا فقام بشدها من ذراعها و سحبها نحو جناحه في الطابق الثاني لكي يمنع أحدهم من أذيتها.

ولج إلى غرفته ممسكا إياها من ذراعها ثم أقفله بالمفتاح فأفلتت نفسها منه دون أن تنطق بحرف او تغير ملامح الجمود من على وجهها.
أما هو فكان يشتعل شرارا و النيران تنضح من عينيه بشكل واضح ، يطالعها و كأنه لا يعرفها ، و كأن ما عاشه منذ قليل مجرد كابوس بطلته لا تربطها صلة بتلك المرأة الهادئة الضعيفة.

لا يزال حتى الآن غير مصدق لإقتحام مريم الحفل و قلبه رأسا على عقب ، كيف خططت و خرجت من الشقة و إستطاعت الدخول ... و الأهم هو لماذا !

نفث عمار الهواء وهو يمسح جبينه المتعرق :
- انتي ... انتي عملتي ايه ... ازاي قدرتي تهربي من الشقة و تدخلي للحفل ده
انتي مستوعبة نتايج اللي اتسببتي فيه ... مريم ...

هتف بإسمها في آخر جملته و قد انقطعت أنفاسه فيها لكم المجهود الذي يبذله الآن من أجل التحدث ، إلا أن الأخيرة لم تتأثر بل بدت جامدة وهي تناظره بشماتة و كره لم يتخيل يوما أنه سيراهما عليها ، ثم تابع من بين أسنانه :

- انتي فاكرة باللي عملتيه هتلوي دراعي و تخليني اجيبك تعيشي معايا و مع عيلتي في القصر غصب ؟

حينها إنفلتت منها ضحكة ساخرة تخللتها مرارة لم يتبينها :
- صدقني انت اخر انسان ممكن ارضى اعيش معاه تحت سقف واحد بعد اللي عملته فيا.

رد عليها بضحكة هستيرية وقد بدأت أعصابه تنفلت و الصداع يداهم رأسه بقوة ، عيناه لا تكادان تريان شيئا سوى بقع سوداء و أصوات مشوشة تخترق أذنيه فأولاها بظهره و أمسك صدغيه يمسدهما بحركات خرقاء ..

آخر شخص تتمنى أن تعيش معه ، حقا ؟
منذ متى أصبحت مريم لا تكترث لوجوده معها لا بل متى تغيرت و أصبحت بهذا السوء هل هذه من كانت مستكينة بين يديه منذ ساعات فقط حينما أخبرته أنها موافقة على زواجه بغيرها طالما أنه سيبقى معها ...
كيف إستطاعت خداعه بهذه الطريقة ؟

أفاق عمار من حواره الداخلي و إستدار إليها وهي تهتف بشدة :
- مصدوم صح و بتفكر ازاي مريم اتحولت و بقت كده ، بتقول لنفسك ازاي الست اللي عاشت تحت رحمتك لسنين و منطقتش بحرف لما عرفتها انك هتتجوز و قالتلك هستناك تجيلي فجأة كده ظهرت و فضحتك وسط الناس ؟

تقدمت منه مريم و همست بالقرب من شفتيه :
- كانت لعبة مني ... ظهوري قدامك و كلامي و عياطي كلهم لعبة قدرت أخدعك بيها و اطلعك بالشكل ده قدام عيلتك.

حدج عيناه بها غير مصدق ثم رفع يده يدلك عنقه بحركات مشتتة و عقله لا يستوعب مدى الشر الذي منها ، هل خُدِع من قِبَل تلك الضعيفة المنكسرة التي كانت تترجاه في يوم من الأيام بأن يمضي وقتا أطول معها ؟ 
الغجرية التي لم تكن تعرف سوى كلمتي نعم و حاضر أصبحت تخطط و تلعب عليه ؟ 
و كل هذا لأنه قرر الزواج مجددا ، أليست هي من هربت منه بعد إجهاضها ولم يجدها في أي مكان إذا لماذا تلومه الآن ؟ 
كيف واتتها الجرأة بل وكيف إستطاعت الدخول إلى القصر رغم الحراسة الأمنية المشددة ؟

مسح عمار التشتت عن وجهه و تشنجت نظراته الساخرة عليها وهو يهتف :
- ايوة فهمت انتي لعبتي عليا عشان تنتقمي مني لأني كنت هتجوز عليكي صح ؟ بس كأنك نسيتي ان انتي اللي هربتي مني و اختفيتي سنة ونص.

ثم تدارك سريعا ممثلا البرود :
- انا كنت شاكك في موضوع صاحبتك اللي لجأتي ليها بس دلوقتي اتأكدت و يا عالم كنتي مع مين طول الفترة ديه بس يا حلوة ...

إقترب منها و مد يده يتلمس وجنتها متابعا بهمس :
- خطتك ديه مش مدروسة كويس لأني مش هنسالك اللي عملتيه ده و حتى لو اتغاضيت انا غيري مش هيعمل كده.

أبعدت مريم يده عنها بنفور مغمغمة :
- انت بتقصد ايه.

رسم إبتسامة أخفى وراءها غضبا يكاد يحرقها لينحني على أذنها متمتما ببطء :
- يا غبية ، انتي ناسية فرح مين اللي بوظتيه ، فاكرة نفسك حاجة عظيمة عشان جمعتي كام صحفي و قولتيلهم انك مراتي ؟ 
معقول فاكرة انك هتفلتي من عيلتي بعد اللي عملتيه ؟ ههه اقل حاجة ممكن تتعمل فيكي أنهم يدمروكي و يخلوكي مش قادرة تبصي في وش الناس ولو سألتيني عن رد فعلي هقولك يا ويلك مني ... هندمك على الساعة اللي فكرتي فيها تتسببي في الفضيحة ديه.

لم تكن مريم متأكدة من أنها إستطاعت طمس إهتزاز عينيها اللحظي عنه ، و الذي كان كردة فعل طبيعية بعد سماع تهديده.
لكنها درأت ذلك و حاولت غرس الثبات بنبرتها وهي تبتسم بجحود :
- فاكرني هخاف و اترجاك لا خالص انتو مش هتقدرو تعملو حاجة و حتى لو عملتو ميهمنيش بعد ما اخدت حقي منك و وريت حقيقتك للناس .

كادت أصابع عمار تنكسر من شدة القبض عليها و فكر للحظة بوضع يده على عنقها و خنقها إلا أنه شوش تفكيره و جرب تهدئة نفسه لكي لا يرتكب جريمة الآن ، المهم أن يستجوبها و يعرف منها كيف فعلت هذا ولماذا و إلى ما تخطط إليه لاحقا.

بيد أنه لم يفعل لأنه سرعان ما أجفل عندما سمع أصواتا عالية و ضجيجا حادا يأتي من الأسفل فإستطاع تمييز صاحبه فورا ، عمه عادل كاد يتعرض لنوبة قلبية بعد الفضيحة التي تعرض لها و لا شك أنه سيشعل نارا لن تخمد إلا بجثة أحدهم ... و هو الآن يخاف ان تكون مريم تلك ال " أحدهم ".
بالتأكيد سيحاول عقابها الآن بينما الأخيرة تقف أمامه و تتحدث بعجرفة عن عدم إكتراثها بما سيحدث !

مسح عمار على وجهه بعصبية و قبل أن يعلق هتفت مريم بثقة :
- محدش منكو بيقدر يعملي حاجة انتو كلكم اتفضحتو ولو اتأذت شعرة مني هتتأذو معايا.

أنهت كلامها و تحركت لكي تغادر و لكنه قبض على معصم يدها و أعادها إليه مغمغما بحدة :
- ايه الثقة اللي بتتكلمي بيها ديه تطلعي مين انتي اصلا عشان نتأذى لو اتأذيتي ؟

ردت عليه بذكاء لعب بأعصابه :
- الناس كلها كانت شاهدة على المسرحية اللي عملتها ولو حصلي اي حاجة بعد دلوقتي هيعرفو مين السبب ، وبعتقد عيلة ميهمهاش غير سمعتها مش هتجازف باللي فضل منها فساعة غضب صح ؟

حاولت التحرر منه مجددا إلا أنه عاد و أمسكها بخشونة :
- انا لسه مخلصتش كلامي عشان تمشي فهميني انتي رايحة فين بعد اللي عملتيه أقل حاجة ممكن تتعمل فيكي دلوقتي لو طلعتي قدامهم أن مرات عمي تخنقك ولو معملتش كده جوزها و ابويا هيبعتو عربية وراكي تخبطك وانتي مروحة ومحدش هيقدر يثبت انه حادث مفتعل فاهمة !

إنقبض فكها و إهتزت عينا مريم مجددا بذعر إلتقطه عمار بسهولة فإستغل الوضع و سحبها خلفه ليهبط إلى الأسفل. 
و هناك قابلته العائلة التي إنتفضت بغضب عند رؤيتهما فسحبها وراء ظهره بحركة تلقائية إستغربت لها مريم.

تقدم منه عادل ببطء ووقف أمامه يتنفس بخشونة قبل أن يهمس :
- قول أن اللي حصل كدبة و البنت ديه عشيقتك السابقة و حبت تلعب لعبة على حسابنا ... قول أني متخدعتش فيك ... رد عليا يا عمار و قول أنك متسببتش في فضيحة لبنتي !

صرخ بآخر جملة وهو يمسكه من تلابيب بذلته مكملا بصياح :
- أنا هــقــتلك ! هقتلك انت و ال**** اللي واقفة وراك ديه يا عمار.

- عادل.
هتف رأفت وهو يحاول إبعاده عن إبنه و تابع بنبرة متلجلجة :
- الأمور مبتتحلش كده اهدا علشان نعرف نحل اللي حصل.

- ايه اللي هيتصلح بعد ما بنتي اتفضحت بسبب ابنك و بنت الشوارع ديه.
هدرت فريال بعصبية وهي تتجه نحو مريم تنوي التهجم عليها تحت شهقة سعاد و توجس وليد و يوسف ..

و لكن عمار شكل حاجزا بينهما هاتفا بجدية :
- مريم هتطلع دلوقتي من البيت من غير محد يلمسها لأن اي حركة هنعملها من هنا ورايح هتتحسب ضدنا مادام الموضوع لسه جديد و ملحقش يتنسى.

إلتفت إلى عادل متمتما :
- عمي ... أنا هشرحلكم كل حاجة بس سيبوها تمشي دلوقتي.

كاد يصيح معترضا ولكن الأخير سارع للتبرير بكلمان كاذبة :
- الصحافة لسه برا و غلط نعمل اي حاجة دلوقتي ... علشان بنتك و العيلة يا عمي.

لم يدع له مجالا للإعتراض بل إرتد وجهه نحو مريم ليخبرها بوجوب مغادرتها إلى شقتهما و عدم الذهاب إلى أي مكان آخر ولكنها سبقته عندما وضعت يدها على صدره هامسة بمكر :
- انا مروحة لشقتنا يا حبيبي هستناك.

و في ثانية تحولت تقاسيم وجهها الساخرة إلى أخرى حادة وهي تلتف للمغادرة ، إلا أنها أجفلت لثوان عندما قابلت عيناها ذلك الواقف الذي يطالعها بإستكانة ..... يوسف !!

__________________

صراخ ... توبيخ ... عصبية و جنون ... 
كل هذه الإنفعالات تكالبت على عمار الذي جلس يتلقى مهاجمات عمه و زوجة عمه الكلامية بعدما إعترف بزواجه السري ...

في الحقيقة لم يلتزم عمار الصمت لأنه عاجز عن الرد ... و لكنه قرر أخذ الطرف المتلقي إحتراما لمشاعرهم ... فهو من جهة يعلم بأن العائلة محقة في رد فعلها نحوه ..
و من جهة أخرى عقله مشغول بتحليل الحادثة التي يكاد يجن منها الآن !!

دخل رئيس الأمن بعدما أمره عادل بالحضور وسرعان ما اتجه الي قبض عليه يكاد يخنقه وهو يصرخ بسخط :
- انت شغلتك ايه فهمني ازاي ال**** ديه قدرت تدخل كده وانتو مكشفتوهاش !

رد عليه بإحترام وهو مخفض رأسه :
- يا فندم البنت كانت معاها بطاقة دعوة للفرح و مظهرها مبيوحيش غير ع انها ضيفة عادية ... مقدرناش نشك فيها للحظة.

- وانتو متأكدتوش اذا بطاقة الدعوة كانت اصلية ولا مزيفة ايه بهايم هنعلمكو شغلكم ؟
هدر رأفت بجحود فطأطأ رئيس الأمن رأسه وهو يعلم جيدا أنه قصر في عمله.

أفلته عادل وهو يدفعه إلى الخلف مهددا بوعيد :
- اتأكدو ان الغلطة ديه مش هتعدي على خير و كل فرد منكم هيتحاسل ع تقصيره في شغله ... انتو من النهارده مرفودين و اعتبرو نفسكم مش هتلاقو شغل تاني في اي حته ... امشي من وشي !

غادر الأخير بإستسلام أما عمار فكان لا يزال غارقا في أفكاره عندما تشنج وهو يستمع إلى برطمة عادل الساخطة :
- اللي حصل لعيلتي و لبنتي بالأخص مش هنساه أنا هدفع الهمجية ديه التمن غالي و أنت ... أنت هتتحاسب معاها كمان.

لم يعترض رأفت هذه المرة وهو يلقي الكلام الأخير على إبنه :
- متقلقوش عمار هيصلح غلطه و يداري على الفضيحة ديه خلي الجو يهدا شويا وبعدين عمار هيطلع يقول للصحافة ان كل اللي حصل كدب في كدب.

رفع عمار رأسه يحدجه بنظرات هوجاء فلم يبالي الآخر وهو يتابع :
- هيقولهم انه كان ماشي معاها و فركشو لما شاف أنها بتاعت فلوس ومش مناسبة ليه و اول ما قرر يتجوز و يستقر طلعت تهدده و تفتري عليه.

تمتم عمار من بين أسنانه و عقله لا يستوعب أنه سيجبر على أن ينكر زواجه و يردد كلماتهم على لسانه كالببغاء :
- رأفت بيه ...

تشدقت فريال بغضب :
- كل اللي حصل ده بسببك و بسبب كدبك احنا اتفضحنا و بنتي اتقهرت في اكتر يوم سعيد ليها و كله بسببك انت و البنت ال ..

قاطعها وهو ينتصب واقفا و بوادر الجنون بدأت تنفلت من عينيه :
- مرات عمي لوسمحتي بلاش الكلام ده دلوقتي انا عارف اني غلطت لما خبيت الحقيقة بس مكنش قصدي اخدع ندى ... انا لما خطبتها علاقتي مع مريم كانت شبه منتهية و مشوفتهاش من سنة ونص تقريبا و كنت فاكر اني مش هرجع اشوفها تاني عشان كده قررت متكلمش في موضوع منتهي.
الوحيدة اللي بتستحق ابررلها هي ندى و انا هشيل غلطي لوحدي مفيش داعي حد تاني يتحاسب مكاني.

حتى وهو متعرض لفضيحة و غدر كبير من زوجته التي قلبت الدنيا فوق رأسه إلا أنه لا يزال خائفا من أن تتعرض للأذى منهم او حتى يتم إلقاء كلمة سيئة عليها ! 
هذا ما فكرت به سعاد وهي تشاهد تخبط عمار ما بين الصدمة و الغضب ، لم يسمح لزوجة عمه بشتمها و حتى أنه عارض والده عندما أراد إلقاء كل اللوم على المسماة مريم ...
اللعنة حلت و عمار قد وقع في حب تلك الغجرية منذ زمن و إنتهى الأمر !

تعليقات



<>