الفصل الخامس عشر : تهجم.
_________________
مرَّ أسبوع آخر كان فيه الجو مستقرا بعض الشيء داخل السرايا، لم يحدث أي احتكاك بين حكمت ونيجار التي عجزت عن إيجاد فرصة أخرى للتواصل مع إبن عمها وتنبيهه
أما آدم فكان مشغولا في بساتينه ينتظر أي نتيجة مفيدة من فاروق الذي كان يبحث خلف صفوان والشخص الذي يساعده.
في صباح يوم جديد كان أفراد العائلة متجمعين حول مائدة الفطور حينما دخلت الخادمة وبدأت بتوزيع الأطباق بعناية ونيجار تقف بعيدا نسبيا تنتظر أي أوامر قد تصدرها السيدة حكمت فهي لا تريد أن تكون غائبة فتضطر لسماع توبيخاتها.
وبالفعل نطقت هذه الأخيرة وهي تعتدل في جلستها بوقار :
- بخصوص العزيمة اللي عملناها لحريم كبار البلد امبارح في واحدة منهم طلبت مني اتوسطلها عندك عشان ولدها الكبير هو عايز يعمل مشروع مستقل وبعيد عن والده وبتسأل لو بيقدر يدخل في شراكة معاك ...
قطب حاجباه بتغضن هاتفا :
- مين ده وبعدين هو لو عايز يشتغل معايا مجاش بنفسه كلمني ليه من امتى الحريم بتتوسط عشان رجالتهم وولادهم.
- وانا قولتلها كده فعلا بس هي قالتلي ولدها مش عارف انها هتحكيلي هو فتح الموضوع معاها وكان متردد يجي يكلمك ... ده بيبقى سامح ولد الحج جمال.
- مش ده اللي كان بيدرس في المدينة وفتح محل هناك ؟
- ايوة نفسه ورجع من شهرين علشان يكمل شغله هنا انت ايه رأيك.
سألته حكت بجدية ليجيبها بلا مبالاة :
- هشوف لو جه لعندي وساعتها هفكر في الموضوع ... يلا انا هروح دلوقتي عندي شغل كتير ولازم الحق عليه.
نهض عن الطاولة ومرَّ على نيجار دون النظر إليها فأوقفته نيجار بتلقائية :
- استنى انا هجيبلك البالطو بتاعك.
حدجها آدم بغرابة لأنها علمت بأنه يريد الصعود للغرفة لإحضاره لكنه لم يهتم كثيرا بهذا وبعد لحظات عادت نيجار ومدت يديها تعطيه البالطو الخاص به فتنحنح وأخذه منها ثم غادر.
بينما نهضت ليلى آخذة مستلزماتها وخرجت هي أيضا كي تذهب لجامعتها وجدت محمد شقيق فاروق واقفا وعندما رآها فتح الباب مغمغما بجدية :
- اتفضلي.
شكرته ببضع كلمات ثم ركبت وأسندت رأسها على زجاج النافذة كان محمد صامتا طوال الطريق ولم ينظر لها قط عكسها هي التي كانت تطالعه بطرف عينها من حين لآخر وداخلها مليء بالمشاعر المتناقضة.
لقد جاء هذا الشاب منذ سنة وبدأ بالعمل كسائق لديها يأخذها صباحا ويعيدها مساءً دون التفوه بحرف واحد وهذا ما جعل الفضول يراودها ناحيته ودون شعور منها أصبحت تترقب موعد حضوره لربما تراه يتخلى عن القشرة الصلبة المحيطة به.
حمحمت ليلى محاولة منها لتبادل أطراف الحديث معه :
- كأن الجو حر النهارده أنا حاسة بسخونية كده.
انتظرت حتى يجيبها لكنها تفاجأت بمحمد يُنزل زجاج النافذة وهو يطالع الطريق أمامه فجزت على أسنانها بغيظ من بروده وحدثت نفسها :
- يعني ده اللي فهمه من الجو حر ده تلاجة ولا ايه.
كتمت شعورها بداخلها وصمتت محافظة على ما تبقى من كرامتها لكنها شهقت فجأة حينما توقفت السيارة على حين غرة وارتدت هي للأمام بذعر متمتمة :
- في ايه !
ركز محمد بعينيه على السيارة التي توقفت معترضة طريقه وأطلق مسبة بداخله ثم التف لها وسألها بجدية :
- انتي كويسة حصلك حاجة ؟
- لا انا كويسة بس مين ده.
ردت عليه وهي تشير للرجل الذي خرج فقال الآخر بوعيد :
- هشوف هو مين متطلعيش من العربيه.
ترجل واقترب من ذاك الغريب والذي لم يكن سوى مراد وردد بغضب :
- خير انت مش شايف العربيات قدامك ولا البيه فاكر الطريق ده بتاعه.
حدق به مراد بهدوء ثم رمى بصره على الفتاة الجالسة في السيارة متأملا إياها ولاحظ محمد ذلك فقبض على يده مغمغما بحدة :
- انا اللي بكلمك هنا بُصلي انا.
استفاق من شروده وتنهد قائلا :
- لمؤاخذة ده غلطي لو عايز مني تعويض فـ أنا جاهز.
استنكر ردة فعله وغطرسته الواضحة وكاد يدخل معه في شجار لكنه لم يرغب في افتعال المشاكل في وجود شقيقة رب عمله لهذا حاول تهدئة نفسه وردد :
- ابقى خد بالك تاني مرة عشان متتسببش في حادث ودلوقتي ممكن تبعد عربيتك عشان نمشي !
تركه وركب السيارة مجددا لتسأله ليلى بتوجس :
- مين ده وانت قولتله ايه.
أجابها محمد بنزق :
- معرفش مين البلوة ديه بس شكله مش في وعيه خلاص سيبك منه حضرتك متأكدة انك بخير ؟
أومأت ببسمة وهي تشكر ذلك الغريب لأنه جعل محمد يتخلى عن جموده ويتحدث معها :
- اه الحمد لله محصليش حاجة بس ممكن نمشي لأننا تأخرنا.
- أكيد.
انطلق مجددا بينما ظلت نظرات مراد تلاحقهما مركزا على ليلى حتى اختفى أثرهما وفجأة رن هاتفه ففتح الخط :
- نعم يا صفوان.
رد عليه الآخر بضيق :
- أنا قعدت مع المستثمر أحمد بيه بس مقدرناش نتفق ع الشروط وفوق ده كله عايز ياخد النسبة الأكبر من الربح ولما رفضت قالي انه مش هيقدر يوقع ع العقد في الوضع ده.
- ايوة انت عايز ايه يعني.
- هكون عايز ايه مش انت أقنعته يتراجع عن الشراكة مع ابن سلطان ورشحتني ليه اقنعه دلوقتي يتساهل معايا.
مط مراد شفته بتهكم وعقب عليه :
- لا والله ايه رأيك اشتغل بدالك بالمرة وانت تاخد كل حاجة ع الجاهز ! بص انا عملت اللي عليا وخليت احمد بيه ينسحب من شراكة الصاوي بحجة آدم مشغول في عدة مشاريع حاليا ومش هيقدر يلتهي معاه بس اقناعه والاتفاق معاه مسؤوليتك انت وبعدين حضرتك كنت فاكر أن الموضوع سهل كده ولا ايه ده بيبقى مستثمر كبير وأكيد مش هيتساهل معاك.
- اشمعنا ابن سلطان قدر يتفق معاه بسهولة بيفرق ايه عني !
- احنا هنضحك على بعض يا شرقاوي انت فين و آدم فين ده سمعته سابقاه وأراضيه واسعة ومعندوش ديون مش زيك انت.
تقوس حاجبا صفوان بضيق واستشعر الإهانة منه فجز على أسنانه مغمغما :
- ايه لزوم الكلام ده وبعدين أنا ليا سمعتي زيه والديون قربت اقفلها كمان مش فاضل غير حاجة بسيطة.
رد عليه مراد بتأكيد :
- وده اللي عايز اوصله انت قفلت ديونك بفلوسي أنا ورجعت عملت أرضك بفلوسي برضو علشان كده خد بالك تضيعهم ع الفاضي لأني ساعتها مش عارف ممكن اعمل ايه فاهم !
كاد صفوان يتكلم لكنه سمع صافرة إنهاذ المكالمة فلعنه بداخله وتمتم :
- ماله ده كمان مش طايق هدومه ليه هو هيفضل شايف نفسه عليا كده ... لولا حاجتي مكنتش هقبل مساعدته مراد فاكرني ناوي افضل في منافسة مع آدم ونعمل مسابقة مين الأفضل ومش فاهم اني بستغله علشان وضعي يتحسن شويا وارجع اخلص من ابن سلطان بس معلش كل حاجة ليها وقتها.
_________________
داخل سرايا الصاوي.
كانت نيجار ترتب الغرفة وتلملم الملابس المنثورة هنا وهناك وهي تتمتم :
- ديه أول مرة آدم بيسيب هدومه ع الأرض كده شكله كان مستعجل فعلا وملحقش يرتبهم زي عوايده هو أصلا منظم اكتر مني.
استقامت في وقفتها وفتحت الخزانة لترى إن كان هناك قطع غير مرتبة لكنها تذكرت أن آدم سبق وحذرها من العبث بأشيائه الخاصة فكادت تتراجع إلا أن فضولها تغلب عليها ووجدت نفسها تتلمس مستلزماته من الملابس والساعات والعطور، قربت إحدى الزجاجات من أنفها وشمَّتها لتبتسم بتلقائية هامسة :
- معقولة ده نفس البرفيوم اللي كان بيستخدمه ...
Flash back
( قبل سبعة أشهر.
امتطت الفرس وركضت به نحو البحيرة التي يلتقيان بها عادة وعند وصولها ربطت فرسها على جذع الشجرة وبدأت تمرر يدها عليها بشرود حتى قالت :
- مش مطمنة للي بعمله ده يعني كنت مخططة اقعد مع آدم واسحب الكلام منه عشان اعرف هو هيخبي السبايك فين بس مقدرتش والقصة شكلها قلبت جد ... أنا خايفة انه يفتكرني واحدة بتحب تتسلى ويحاول يقرب مني ساعتها مش هقدر استحمل ويمكن اهاجمه.
تنهدت بإحباط مضيفة :
- ياربي انا مش عارفة الموضوع ده هيخلص عـ ايه يا "مهرة" بس اللي بعرفه اني لازم الاقي مكان السبايك وبكده آدم هيقع في وضع صعب جدا وصفوان يقدر ياخد مكانه انتي ايه رأيك.
صهلت الفرس بإنزعاج وكأنها تفهمها فضحكت نيجار وقالت :
- كأنك مش موافقة يا مهرة اوعى تكوني حبيتي آدم وصعب عليكي ده مينفعش خالص لأنه عدو عيلتنا واحنا مستعدين نعمل أي حاجة عشان العيلة مش كده.
اخترق خلوتها مع فرسها صوت ركض الحصان فاِلتفتت ووجدت آدم يدخل للمكان قفز من على حصانه وربطه بجانب مهرة ثم قال :
- انا اتأخرت عليكي صح بس كنت في اجتماع مع العمدة علشان كده مقدرتش اوصل بدري.
ابتسمت وهزت رأسها بتفهم مصطنع :
- ولا يهمك بس الاجتماع طول خير في مشكلة.
سألته محاولة حثه على الحديث إلا أن آدم رد عليها بعدم اكتراث وهو يشير لها للسير بجانبه :
- متشغليش بالك قوليلي انتي عامله دلوقتي كنتي بتكحي جامد من يومين.
حمحمت نيجار مجيبة :
- بقيت أحسن بفضل الدوا اللي اديتهولي انا عادة مبينفعش معايا أي علاج تاني بس المرة ديه ضبطت معايا.
- كويس حمد لله على سلامتك.
نظر لها بتفصيل جعلها تتوتر مدت يدها لتعيد خصلة من شعرها خلف أذنها فسقط القرط على الأرض لتنخفض هي كي تلتقطه وانحنى آدم في نفس الوقت وهنا أصبحا قريبان من بعضهما البعض واستطاع أنفها التقاط الرائحة الرجولية المنبعثة منه بشكل أفضل فنالت إعجابها و احمرَّ وجهها بحرج طفيف نتيجة لذلك.
لكنها سرعان ماتمالكت نفسها ووقفت مرددة بينما يعطيها هو القرط في يدها :
- شكرا.
- العفو. )
Back
عادت من ذكرياتها بملامح منبسطة سرعان ما تشجنت عندما فُتح البلب ودخلت السيدة حكمت بوقار مطالعة كل ركن في الغرفة حتى استقرت عيناها عليها فكتمت نيجار ضيقها من دخولها بهذه الطريقة وسألتها :
- خير يا حكمت هانم في مشكلة عايزاني اعمل حاجة ؟
نظرت للملابس بين يديها وقالت بهدوء :
- ايه اللي فـ ايدك ده.
ردت عليها هي ببساطة :
- زي حضرتك ما شايفة انا بلم الهدوم اللي محتاجة غسيل بعد ما رتبت الأوضة وهنزل دلوقتي عشان اغسلهم.
همهمت حكمت وعلقت عليها ساخرة :
- الواضح ان دور الزوجة المطيعة بدأ يعجبك الصبح بتجري تجيبي بالطو حفيدي وحاليا عايزة تغسلي هدومه ولا ديه طريقة جديدة عشان تقدري توقعيه في شباكك من تاني.
شعرت نيجار بالإستفزاز ولسعتها كرامتها للجواب خاصة أنها مازالت حاقدة على هذه العجوز الشمطاء بسبب ما فعلته بمستلزماتها، لكنها استطاعت تمالك نفسها بأعجوبة وردت عليها ببسمة باردة مستفزة :
- والله أنا بعمل المطلوب مني مش انتي بردو اللي بقالك شهرين مشغلاني خدامة في السرايا الكبيرة ديه فيها ايه لما اخدم جوزي نفسه و اخد بالي منه.
صمتت قليلا ثم تابعت بتحدي :
- إلا لو حضرتك خايفة يرجع يتعلق بيا بجد ويطلع عن شورك.
دنت منها حكمت بضع خطوات حتى وقفت أمامها مباشرة وطالعتها بإحتقار ثم هتفت :
- من ناحية يتعلق بيكي من تاني فـ انسي لأن ولاد الصاوي لو غلطو مرة مش هيعيدوها في التانية وانتي حاليا مجرد واحدة ملهاش قيمة بتخدم أهله الصبح وبتخدمه هو بليل وقت يجيبه مزاجه ليها يعني متطمعيش في الأكتر بس خدي بالك من حاجة واحدة ومتنسيهاش.
سكتت نيجار منتظرة إنهاء حديثها لتفعل حكمت ذلك وهي تحذرها بعينين حادتين :
- اوعى تفكري تحملي وتخلفي منه مفهوم لأن نسل الصاوي مستحيل يستمر من عيلة الشرقاوي ولو مسمعتيش الكلام وجربتي تلعبي بديلك ساعتها اتأكدي من اني هندمك.
لكن هذه الأخيرة لم تركز على تهديدها بل نصبت اهتمامها على الكلمات الأولى وهمست بغرابة :
- احمل و اخلف ؟ ازاي يعني.
سمعتها حكمت وقطبت حاجباها بإستنكار :
- ايه هتعملي نفسك غبية قدامي ومبتعرفيش الستات بتحمل ازاي ! سيبك من اللعب ده وافهمي تحذيري و اوعى يا بنت الشرقاوي تفكري تتحديني.
ألقت عليها نظرة ساخطة وغادرت بينما وقفت نيجار تفكر قليلا حتى اتسعت عيناها بدهشة محدثة نفسها :
- يعني حكمت هانم مبتعرفش ان آدم مقربش مني غير فـ ليلة الفرح وبعدها سابني انام ع الأرض ! ده انا كنت فاكرة انها عارفة وبتشمت فيا بس طلع العكس تماما وحاطة في دماغها احتمالية الحمل كمان.
وقفت للحظات محاولة التفكير في الأمر ثم ابتسمت بتهكم ونزلت إلى الأسفل بينما تردد :
- قال حمل قال ع أساس هموت واخلفلكم ماهو ده اللي ناقصني.
وضعت الملابس في الغسالة وانشغلت في القيام بأشغال أخرى حتى لمحت أم محمود تضع هاتفها جانبا والذي نادرا ما تتركه وصعدت بسلة الغسيل النظيف الى السطح قصد نشره، عضت نيجار على شفتها باِحتراز وتوجس قبل أن تحسم أمرها وتلتقط الهاتف ثم تدخل إلى المطبخ وتطلب رقم صفوان لم يجب على المكالمة من أول مرة وهذا ماجعلها تعيد الإتصال بسخط ليرد عليها :
- الو مين معايا.
- صفوان ديه أنا.
همست نيجار باِضطراب فتجمد صفوان مكانه بدهشة سرعان ما تلاشت وردد على الفور :
- نيجار ديه انتي ازاي اتصلتي ومنين.
- من تلفون الشغالة بقالي كتير بحاول اتصل بيك ومقدرتش اعملها غير دلوقتي.
- خير في حاجة انتي اتصلتي ليه.
رفعت حاجبها بغرابة واستهزاء معقبة :
- مكنش ده أول سؤال انا مستنياه.
ضرب جبينه بغلظة واعتذر :
- اسف كنت لسه هسألك ان كنتي كويسة ولا لأ بس اتصالك فاجأني جدا.
تنهدت متجاوزة الأمر وأطلت برأسها للخارج تتأكد من عدم وجود أحد بينما تهمس بحذر :
- انت سبق وقولتلي انك دخلت في صفقة وخدت قرض من واحد عشان تقدر تصلح الأراضي اللي اتحرقت بس الواضح ان آدم عرف بالموضوع ده وبيدور ع الشخص اللي ساعدك لأنه هددني من اسبوع بحرق الأرض لو منفذتش كلامه.
تغضنت ملامحه بضيق مفكرا في كيفية معرفة آدم بهذه المعلومة، حسنا سيكون عاديا لو علم بها اليوم فالأخبار تنتشر بسرعة في القرية لكن نيجار ذكرت مرور أسبوع كامل أي حينما كان الأمر مخفيا عن الجميع اذا كيف استطاع هو اكتشاف مسألة اقتراضه بتلك السرعة.
وعند سماعه بالتهديد قبض على يده بعصبية متشدقا :
- يحرق ايه هو فاكر نفسه هيقدر يعمل كده تاني أنا هقتله قبل ما يتجرأ يعملها.
زفرت نيجار مغمغمة :
- معرفش بس هو كان واثق جدا من كلامه ابقى خد بالك يلا هقفل دلوقتي واوعى تتصل ع الرقم ده لأنه مش بتاعي ... سلام.
أغلقت الخط وأعادت الهاتف لمكانه في نفس اللحظة التي وجدت فيها حكمت تنزل على السلم فاِصطنعت مسح المنضدة لتقف الأخرى أمامها وتقول :
- انتي خلصتي شغلك ؟
حمحمت وردت عليها بنبرة أكسبتها بعض الهدوء :
- لسه فاضل شويا في حاجة تانية اعملها ؟
رمقتها حكمت بنظرات غامضة وهتفت :
- أيوة، الراجل المسؤول عن الطلبات غايب النهاردة والمؤونة قربت تخلص علشان كده عايزاكي انتي تروحي تجيبيهم.
اتسعت عيناها بدهشة وفغرت فمها بعدم تصديق لما تقوله فعادت تسألها كي تتأكد من أنها لم تسمعها بشكل خاطئ :
- عايزاني أنا اجبلك الطلبات !
حدجتها الأخرى بعنهجية مستنكرة ذهولها :
- مالك تنحتي كده ليه اوعى يكون الشغل ده مش قد المقام.
استعادت نيجار رشدها ونفت رأسها بإمتعاض مرددة بشك :
- يعني طلبك غريب انا جيت لهنا بقالي شهرين ونص مسمحتوليش فيهم اخرج من البيت غير مرة واحدة ازاي فجأة كده عايزاني اطلع واتمشى في الشوارع كمان.
- لأن ده اللي انا رايداه كل حاجة بتحصل هنا بتبقى بمزاجي وأنا دلوقتي عاوزاكي تنفذي أوامري وتروحي تجيبي طلبات البيت وياويلك لو نقصتي حاجة او اتأخرتي نص ساعة وتكوني هنا.
هدرت بلهجة حادة جعلت نيجار تأخذ نفسا عميقا كي تكتم غضبها ولا تتهجم عليها مجددا ثم تشدقت من بين أسنانها :
- أمرك يا هانم بس آدم عارف اني هخرج ولا حضرتك مقولتيلوش.
مالت شفة حكنت في إبتسامة غامضة استرعت توجس الأخرى خاصة عندما ردت :
- أكيد وهو بنفسه عايزك تعملي الشغل ده بدل الغفير.
لم تكن نيجار غبية لتصدق نيتها السليمة بهذه البساطة فهي تعلم جيدا بأن السماح لها بالخروج يكمن خلفه سبب لا تعلمه ومع ذلك لم تجد فرصة للرفض فأخذت ورقة المستلزمات وخرجت تسير في الأزقة بعقل شارد حتى طرأت الفكرة ببالها وقالت :
- معقول آدم عاوز يختبرني لو هحاول اروح لبيتنا أو اتواصل مع حد فيهم علشان كده خلاها تبعتني لبرا ؟ وممكن كمان يكون باعت واحد ورايا يراقبني.
تلكأت في مشيتها وجالت بأنظارها حولها بسرعة كي تتأكد من شكوكها غير أنها لم تجد أحدا في المكان.
وفي الحقيقة قد كان الزقاق فارغا بدرجة موحشة أثارت ريبتها خاصة أن الوقت قارب على الغروب فبدأت تسرع وفجأة توقفت عند رؤيتها لمجموعة من النساء وهُن يقطعن طريقها.
طالعت نيجار أجسادهن الضخمة وملامحهن الموحشة بريبة مستشعرة الخطر خاصة من نظراتهن الحادة عليها فقبضت بيدها على ثوبها وأسرعت في خطواتها كي تتجاوزهن إلا أن واحدة من النساء منعتها من المرور وهي تردد :
- على فين يا ست الحسن.
جاءت الأخرى متابعة بضحكة مائعة :
- هتمشي كده من غير ما نوجب معاكي.
وفي لحظة وجدت نيجار نفسها وسط دائرة من هؤلاء النسوة اللواتي كان الشر ينضج من وجه كل واحدة منهن مما جعل نبضات قلبها ترتفع وفمها يجف لكن مع ذلك ابتسمت بإستفزاز معلقة :
- مش قطاع الطرق دول كانو رجالة ولا الحريم خدت الصنعة منهم وبقيتو تشتغلو معاهم عموما لو جايين ع طمع فـ مع الأسف معنديش حاجة اديهالكو دوري على غيري بقى.
همهمت المرأة الأولى مشيرة للأخريات بنظرات تلميحية وهي تقول :
- بس احنا مش عايزين غيرك مش انتي المحروسة نيجار بردو.
وهنا تأكدت بأنهن يستهدفنها هي شخصيا لشيء غير السرقة فدفعت إحداهن كي تهرب لكن الأخرى أمسكتها لترفع نيجار يدها في ذات اللحظة وتنزلها على وجه المرأة صارخة :
- اوعى ايدك !
وضعت يدها على مكان الصفعة متحسسة إياها ثم احمر وجهها بملامح إجرامية وأشارت لرفيقتها بإمساك نيجار التي حاولت قدر الإمكان ضربهن وبالفعل أصابتهن في أماكن متفرقة وهي مصممة على عدم الإستسلام لآخر ذرة من طاقتها إلا أنه مثلما يقال الكثرة تغلب الشجاعة وفعلا قامت النسوة بالسيطرة على حركتها بعدما خدشت هذه وصفعت هذه وركلت تلك ...
ثم صاحت بألم حين وقعت ضربة قوية على وجهها تلتها أخرى وأخرى ورغم ما تتعرض له نيجار حاليا إلا أنها ظلت تقاوم حتى سمعت واحدة تضحك بتفاخر مرددة :
- اضربوها كويس يا حريم حكمت هانم وحفيدها متوصيين بيها جامد.
رمقتها هذه الأخيرة بصدمة غير مستوعبة ما قيل وبسبب غفلتها المؤقتة استطعن إلقاءها أرضا وانهالت عليها النسوة بالضرب وسط مقاومتها الفاشلة حتى نفذت طاقتها وتوقفت عن الجدال لتغمض عيناها أخيرا ... وقد سقطت دمعة ساخنة منهما.
الفصل السادس عشر : ألغام.
_________________
" لا تنسَ أن تكون حذرا ... وأنت تخطو فوق ألغام الكراهية! "
صدر طنين مزعج من حولها فرمشت عيناها بخفة واختار العقل العودة إلى الواقع بعد رحلة الاوعي التي عاشتها ...
وبحلق جاف وأنفاس شائكة أطبقت كالسلاسل الحديدية على صدرها باعدت جفنيها، وتعطلت مداركها العقلية لثوان عندما ارتطمت نظراتها في السقف قبل أن تشعر بألم يكاد يفتك برأسها فتبدأ أحداث التهجم عليها تتدفق لذاكرتها رويدا رويدا.
وهنا انتفضت نيجار بذعر تمكن منها مستوعبة بأنه كان حقيقة وليس كابوسا خاصة عند انتشار الألم في جسدها لتنتبه إلى ذلك الصوت الذي تمقته بشدة وهو يردد :
- حمد لله على السلامة.
صدرت هذه الجملة من حكمت التي كانت واقفة بجانب السرير وتحدق بها من فوق بنظرات خبيثة تحمل كُتلا من الشرّ فنظرت لها نيجار بذهول انقشع تلقائيا وحل مكانه الجمود حينما انحنت عليها الأخرى وابتسمت بقتامة مغمغمة :
- شوفتي آخرة اللي يتجاوز حدوده معايا يا بنت الشرقاوي ... بيتضرب ضرب البهايم زيك كده.
كانت حكمت في أوج رضاها وهي تراها بهذه الحالة التي تشفي غليلها وتذكرت كيف اتفقت مع أولئك النسوة على مهاجمة نيجار ثم أرسلتلها للخارج عمدا وضربوها.
وبعدما فقدت الوعي أعادتها للسرايا وهاهي جالسة بوجه مكدوم وجسد مضروب ... مُهانة ذليلة !
بينمت التمعت عينا نيجار بحرقة وأحست بالدم يكاد يخرج منهما وهي تطالعها بحقد أهوج بنظراتها الصقيعية وانكمشت ملامحها مكشرة بوحشية لدرجة أن حكمت ظنت بأنها ستتهجم عليها مجددا أو تنهار وتدخل في نوبة بكاء هستيرية ، بيد أنها تفاجأت حينما رأت نيجار تبتسم ببلادة وتهسّ أمام وجهها مباشرة :
- لا، أنا شوفت واحدة بتكدب وتخدع عشان تاخد حقها لأنها مش قادرة ترجعه بطريقة تانية من بنت في سن حفيدتها بس بصراحة خيبتي ظني أنا كنت متوقعة تاخدي بتارك مني بطريقة تليق بمقامك.
صمتت لبرهة مطالعة إياها من الأعلى للأسفل بشكل مستفز ثم تابعت بضحكة مستهزئة :
- خليتيني اطلع ولميتي عليا كام واحدة من الشارع عشان يضربوني ... مش حضرتك كبرتي ع الحركات ديه بردو.
اتسعت عينا حكمت لوقاحتها وجرأتها حتى بعد ما تعرضت له واحتقن وجهها بغل واضح أما هي فاِبتسمت بجلادة جعلت هذه الأخيرة تعتدل في وقفتها وتغادر الغرفة لينقشع شموخ نيجار ويحل مكانها الإنكسار وتبدأ أوصالها بالإرتجاف تتبعها دموعها التي نزلت واحدة تلوَ الأخرى شاهدة على قهرها تتذكر كيف ضُربت وقالت إحداهن أن التهجم عليها كان بتوصية من حكمت و آدم.
هل هذا ما آلت إليه الأمور هل تحولت من نيجار القوية إلى فتاة ذليلة تتعرض لشتى أنواع العنف ولا تصدر صوتا وهل ذاك الذي أعاد لها صورة والديها هو نفسه من خطط لهذه اللعبة !
عادت دموعها تنزل بشكل مضاعف وامتلأت روحها بالحقد حينما همست بنبرة متحشرجة :
- انت يا آدم تعمل فيا كده انت اللي مكنتش بتطيق نسمة الهوا تضرب وشي بس انا اتفاجأت ليه كنت متوقعة منك ايه يعني.
بعد بضع دقائق فُتح الباب ودلف آدم بهدوء ليجدها تتوسط السرير وتضم قدماها لصدرها واضعة رأسها على ركبتيها بصمت وسكون، رشقها بنظرات باردة ثم وضع هاتفه ومفاتيحه مغمغما :
- مش المفروض تكوني تحت عشان تشوفي طلبات ستي ولا الهانم واخدة اجازة النهارده.
نزل صوته على أذنيها كحمم من نار وأحست بقلبها يمتلئ كرها وبغضا في هذه اللحظة فرفعت رأسها ببطء ونظرت له وهو يوليها ظهره وينزع معطفه ثم تشدقت بنبرة اتسمت بالبلادة :
- لا أنا واخدة فترة نقاهة قصيرة عشان اقدر استرد طاقتي ... وهحرص على انك تاخد واحدة زيها.
نطقت آخر جملة وهي تحدق في التحفة الطينية الموضوعة على المنضدة لتنهض بهدوء وتلتقطها كان هدفها واضحا وهو رد الضربة إليه وهذا ما كانت ستفعله حقا حينما رفعتها في الهواء تنوي الهبوط بها على رأسه لولا أن آدم استدار فجأة وقبض على يدها في آخر لحظة صائحا بذهول غاضب :
- انتي بتعملي ايه !
- سيبني انا هاخد بتاري منك واندمك على اللي عملته بقولك سيبني !
صرخت نيجار في وجهه بشر وتوعد بينما تتخبط كي يفلتها بلا فائدة بينما ناظرها الآخر بعدم استوعاب وكأنها مخبولة حتى استطاع جعلها توقع التحفة لتنكسر إلى أشلاء ليهدر بحدة :
- انتي اتجننتي واعية للي بتهببيه ده عايزاني اكسر عظامك دلوقتي عشان ترتاحي.
دفعها بعنف فتراجعت هي للخلف لكنها بقيت تصرخ وتهدده فنهب آدم الخطوات الفاصلة بينهما نهباً وعيناه تقدحان شررا إنطفأ على حين غرة وهو يبصر أخيرا صفحة وجهها المكدومة ! تسمر مكانه يطالعها ببلاهة لحظية متسائلا :
- ايه اللي ع وشك ده.
مطت شفتها بإستنكار من وقاحته وإدعائه الجهل فأجابته بحدة :
- نتايج خطتك العظيمة انت وحكمت هانم ايه معجبتكش عايز تزود عليها ؟
لم يصله مقصدها واضحا بل زاده جهلا ليردد بذهول وهو يفكر في شيء واحد فقط :
- ستي اللي عملت فيكي كده انتو اتخانقتو !
رغم كرهه لشيطنتها وعدم ترددها في أذية أي شخص أمامها لكنه متيقن بأنها لن تسمح لجدته بضربها بهذه الطريقة دون مقاومة لذا لم يكن يعلم إن كان هذا هو السؤال الصحيح، في حين أن نيجار صاحت بغطرسة بعدما أوشكت على الوصول للجنون :
- انت من امتى بتدخل في ألاعيب قذرة زي ديه على الأقل متعملش نفسك مش فاهم يعني مكفاكش تخليني انزل على ركبتي واعتذر من جدتك وأبوس ايدها ومكفاكش تهينني قدامهم كلهم وتعاملني كواحدة ملهاش قيمة جيت في الاخر وخليتهم يضربوني ... مش كنت بتتكلم ع الغدر وبتقول عني خاينة وخبيثة ومليش أمان قولي انت فرقت ايه عني بعد اللي عملته !
ضربت صدره بإنهيار متابعة :
- لحد امتى هتفضل تنتقم مني كرهك هيخلص امتى اقتلني مرة واحدة وريحني بتستغل اني مبقدرش ارجع لبيتنا وقاعد تعذب فيا كفاية بقى كفاية.
تفاجأ آدم من هجومها وكلماتها غير المفهومة كأنها تكلمه بلغة أخرى ليفقد عقال صبره ويمسك ذراعها بقوة مغمغما :
- أنا مش فاهم كلمة من اللي بتقوليه ولا عارف بتحكي عن ايه اتكلمي زي الناس وفهميني لأني ااا...
قاطعه صرخة من نيجار لكن هذه المرة كانت صادرة عن ألمها وهي تحاول إبعاد يده فقضب حاجباه بشك هامسا :
- في ايه مالك.
لم ترد عليه وقد بدأت تشك في حقيقة تعاونه مع جدته لأن صدقه كان واضحا ومع ذلك التزمت الصمت فزفر بصبر نافذ وبدأ بفتح أسرار بلوزتها تحت دهشتها من تصرفه حتى نزعها كليا وألقاها على الأرض ليذعر آدم وهو يرى العلامات الزرقاء متفرقة على عنقها وكلتا ذراعيها !
وزع بصره بينهم وبين وجهها دون أن ينبس ببنت شفة بعدما ألجمت الصدمة لسانه وأحس ببوادر الجنون تلفحه حتى تشدق بدهشة :
- ايه كل ده مين عمل فيكي كده وامتى ... اتكلمي !
نطق آدم آخر كلمة بصوت عالٍ اخترق باب الغرفة ليصل إلى الأخريات فاِلتمعت حدقتاها بدموع ترفض النزول وردت عليه بصلابة :
- روح اسأل جدتك اللي خلتني اطلع برا البيت بحجة الطلبات وبعتت حريم تمسكني وتضربني بالشكل ده.
- متكدبيش.
- أنا مش بكدب ستك المحترمة اللي الكل بيشهد بوقارها وإحترامها خلتهم يتكاترو عليا والنتيجة اهي زي انت ما شايف.
ردت عليه بثقة ليشد شعره بأعصاب تالفة وعقل مرهق من كمّ الأحداث التي عاشها اليوم والآن تصدمه هذه الفتاة بحادثة جديدة دون أن يستوعب متى خرجت من السرايا وتعرضت لكل هذا وعادت لتقف أمامه وتخبره بالتفاصيل وكيف حدث أصلا وأين هو من كل مايحدث ؟
انحنى آدم فجأة والتقط البلوزة الملقية على الأرضية وألبسها إياها ثم سحبها من يدها حتى وصلا لغرفة الجدة طرق الباب ودخل قبل أخذ الإذن منها فنظرت له تلك الجالسة على الكرسي الهزاز وقالت برخامة :
- خير ياحفيدي انت جاي تمسي عليا.
رد عليها بسؤاله وهو يشير إلى نيجار بحدة :
- الكلام اللي قالته ديه صحيح انتي بعتيها برا البيت وخليتي الحريم تضربها ؟
لم يظهر عليها الإضطراب أو أي محاولة منها للإنكار بل رفعت رأسها بشموخ مجيبة بشكل مباشر :
- ده اللي كان لازم يحصل.
أسدل جفونه مغطيا الخيبة التي غزت عيناه لثوان ثم فتحهما وأشار لنيجار بالخروج كادت تعترض وتعاند لكن ملامحه المكفهرة أرجعتها عن محاولتها فزمت شفتيها وغادرت على مضض إلا أنها وقفت عند الباب مجربة سماع ما سيقولانه.
أما في الداخل رشقها آدم بنظرات واجمة وغمغم من بين أسنانه :
- انتي ازاي تعملي كده وتحطيني في الموقف ده ازاي تخلي شوية **** يتهجمو على بنت الشرقاوي ويوصلوها للحالة ديه.
لم تكترث حكمت بعتابه بل كل ماكان يهمها في هذه اللحظة ويرضيها هو أنها أخذت بثأرها من عديمة الأصل تلك وجعلتها تفقد وعيها من الألم، لذا وقفت أمامه مباشرة وهدرت بتنعت :
- البت ديه غلطت معايا وخدت العقاب اللي بتستحقه وخليها تشكر ربنا لأني مقتلتهاش ورجعتها جثة لأهلها.
- وأنا مش راجل ملي عينك عشان ياخدلك حقك منها مش جبتها وخليتها توطي ع ايدك تبوسها وتعتذر منك قدام الكل !
- انت راجل وسيد الرجالة ياحفيدي بس أنا عمري ماكنت هكتفي بإعتذارها وأنت عارف الحاجة ديه كويس !
- وطالما شايفاني راجل ليه تحطيني في موضع الغبي اللي مش عارف بيحصل ايه فـ بيته ازاي تطلعيها برا البيت رغم اني نبهت عليكو مليون مرة متخلوهاش تعتب خطوة واحدة.
إعترض متشدقا بإستنكار حاد لتختفي قشرة حكمت الصلبة وينكمش وجهها بحقد مبرطمة :
- اوعى تكون صعبت عليك ؟ نسيت عملت فيك ايه والوجع اللي خلتك وخلتنا نعيشه نسيت أنها ضحكت عليك وكانت هتقتلك البت ديه بتستاهل كل شر والمرة الجاية هخليهم يكسرو عظامها.
- هي مراتي أنا.
- أيوة نفسها قليلة الرباية وعديمة الأصل.
- هـي مـراتـي أنـا !!
هذه المرة صرخ آدم بعنف وسخط كمن تلبسه عفريت وتابع برعونة غير آبه بوصول صوته للبقية :
- مهما حصل ومهما كانت الطريقة اللي اتجوزنا بيها ميمنعش أن نيجار شايلة اسمي وأي حاجة تمسها بتمسني لما تبعتي ناس تضربها فـ ده هيبقى تعدي على حرمة آدم الصاوي وسمعتي ومكانتي أنا اللي هتضرر يا حكمت هانم.
سمحتلك تعملي فيها ما بدالك ومتدخلتش يوم حرقتي صورها جيتلك ووعدتك اني اخليها خدامة تحت رجليكي وتعامليها بالطريقة اللي حضرتك عايزاها لحد ما اطلقها وتغور في داهية بس بشرط الأحداث ديه متتجاوزش عتبة بيتنا بس انتي عملتي ايه ؟ اتخيلي اللي حصل النهارده يوصل للعمدة ولا لعيلتها هيبقى ايه موقفي.
كل هذه الكلمات نزلت على أذن نيجار التي كانت تسترق السمع إليهما وأحست بالسعادة حين وجدته يصرخ ويخبر حكمت بأنها زوجته لكن سرعان ما اضمحلت تعبيراتها المنشرحة وتحولت لغضب ممزوج بالإحباط عندما قال بأنه يفكر في سمعته ومكانته.
أهذا هو سبب عصبيته وإعتراضه هل كان جل إهتمامه متمثلا في إحتمالية وصول الأخبار إلى العمدة فيتضرر.
حسنا وماذا كانت هي تتوقع هل اعتقدت بأن آدم حزن عليها وغضب من أجلها ؟ ابتسمت بمرارة لا تدرك سببها وعادت إلى غرفتها أما في الداخل طالعته حكمت بدقة وتفرست في عينيه جيدا حتى ظن بأنها ستُعري دواخله وهنا تلفظت بما جعله ينصدم للمرة الثانية على التوالي :
- وهتفضل ع رأيك لما تعرف انها لسه بتحاول تغدر فيك ؟ نيجار خدت موبايل أم محمود النهارده الصبح واتصلت بصفوان ولو مصدقتنيش روح اسألها وخلينا نشوف لو عندها الجرأة عشان تنكر.
أغمض آدم عيناه وأغلق فمه كاتما شتيمة لاذعة ولعن نيجار بداخله قبل أن يفتحهما ويردد نفس الكلام :
- كنت متأكد انها هتحاول تتواصل مع الـ*** ده بس متوقعتش انها هتقدر تعملها بسرعة كده.
ومع ذلك ايوة لسه عندي نفس الرأي يا ستي ومش عايز اسمع عن الموضوع ده تاني ... ودلوقتي تصبحي على خير.
إنحنى وقبَّل جبينها وغادر بينما ظلت هي واقفة وتشخص بصرها في الفراغ حتى همست :
- أنا شوفت شوية خوف عليها فعينيك قدرت أشوف ازاي هي صعبانة عليك بس مينفعش مستحيل اسيبها تمشيك ع هواها.
________________
فتح باب الغرفة ودلف فوجدها جالسة على طرف السرير تحدق في الفراغ بشرود وبمجرد رؤيته نهضت من مكانها وقابلته مباشرة قائلة بلهجة قوية :
- انتهيت من نقاشك مع الست هانم ياترى خططتو لـ ايه المرة ديه تقتلوني وتخبو جثتي ولا المحترمة بتفكر في حاجة تانية غير القتل.
رفع حاجباه محذرا إياها :
- اتكلمي عليها كويس ده أولا وثانيا مفيش داعي تقلقي لأن الموضوع ده مش هيتكرر تاني.
- لا والله كتر خيرها معلش يعني انت فاكرني ايه بالظبط شايفني واحدة بتضرب وتسكت عادي ؟
- لا شايفك واحدة بتقدر تاخد حقها ومبتفكرش مرتين قبل ما تحاول تضربني بالفازة ع دماغي وده اللي كنتي هتعمليه من شويا لو موقفتكيش بس معلش اعتبريها مقابل لعمايلك فيا مش انتي بردو غفلتيني وضربتيني بخنجر مسموم وسبتيني مرمي جوا النار.
رد عليها آدم بنبرة مستهزئة أجفلت نيجار لوهلة ثم عادت وضمت يديها ناقمة :
- ده لأن الست إياها قالت كلام بمعنى أنك متفق انت وستك عليا مكنتش بعرف انك برا الموضوع ومع ذلك مش هسكت والكلام ده هيوصل للعمدة وساعتها ابقى وريني بتقدر تعمل ايه مش حضرتك شايل هم العمدة.
قصدت هي تهديده بما يخافه ولكن آدم الذي كان شبه متأكد من أنها وقفت خلف الباب واستمعت لحديثه مع جدته رمقها بتطليعات ساخرة معقبا :
- والكلام هيوصل للعمدة ازاي هتتصلي بصفوان تاني وتقوليله الحقني دول ضربوني وعنفوني ؟ مالك متفاجأة كده أنا فعلا بعرف انك اتصلتي بإبن عمك النهارده الصبح بس مفكرتيش فـ اني من الأول قاصد اهددك عشان تخافي وتتواصلي معاه بس تعرفي ايه ... لجانب انك غدارة وملكيش أمان طلعتي كمان واحدة غبية.
شهقت نيجار بدهشة وإستهجان للإهانة الموجهة إليها بينما أضاف هو هاتفا :
- الندل اللي معتبراه أخوكي باعك ليا عشان ميضحيش بأخته الحقيقية ووافق يحطك معايا في أوضة واحدة وهو متخيل أنا ممكن اعمل فيكي ايه بس مهتمش واعتبرك كبش فدا لكن مع ذلك انتي لسه بتساعديه وبتخاطري بسلامتك عشانه معقول للدرجة ديه معندكيش كرامة وإحترام لذاتك ولا المسكينة بتعمل كل ده عشان يعتبروها واحدة منهم بعد ما أهلها الحقيقيين اتوفو.
سكت يسترد أنفاسه ثم تابع بقسوة غير آبه بوجهها الذي شحب من هول ما أُلقي على مسامعها :
- طب أنا هسألك وحاولي تكوني صريحة معايا لمرة واحدة انتي لو رجعتي اتصلتي بصفوان دلوقتي وقولتيله الحقني آدم وجدته ضربوني بتقدري تضمني أنه هيسيب اللي فـ ايده ويجي ياخدك ويقول مش هسيب اختي معاه و في داهية السلطة والعمودية، ولا هيقولك معلش استحملي كام يوم زيادة لأني مشغول ومش ملحق.
اهتزت حدقتا نيجار بجرح أليم وأحست بقلبها ينجلد بسياط من نار وهو يضربها بالحقيقة المرة في وجهها ..حقيقة أنها بلا مأوى ولا أحد سيستقبلها في المنزل التي هي فرد منه ! وأن الأخ الذي ضحت بالكثير من أجله رماها بنفسه ولا يتوانى في كل مرة عن تخييب أملها وهي الآن لا تملك خيارا سوى الصمت لأنه وببساطة صفوان لن يُنصفها نهائيا.
لم تتكلم ولم ترد عليه بكلمة واحدة كي تهاجمه بعدوانيتها المعتادة مثلما توقع، بل تركته وتوجهت إلى الخزانة مخرجة من داخلها الأغطية وأفرشتها على الأرضية لتنام عليها مولية ظهرها له بعدما أخذت المنديل المشهور وضمته بيدها،فتأملها آدم لبضع لحظات ثم زفر وغادر المكان وهو يشعر بالإختناق ...
___________________
بعد مرور يومين وداخل بساتين عائلة الصاوي.
كان يشرف على العمال ويراقب أشغالهم بينما يمسك دفترا في يده ويسجل كمية الفواكه والخضر الجاهزة للنقل في الحال والكميات المخزنة وهو يردد بجدية :
- الشحنة ديه هتروح للحج محروس دلوقتي بالكمية اللي طلبها اهي فاضل شحنة الحج عثمان وديه هننقلها بكره ... كلمت عيسى يا فاروق ؟
أجابه الآخر بإيماء :
- أيوة وزي حضرتك ما وصيتني أنا قولتله انك رفضت طلبه ومادام سبق وفسخ العقد معانا مش هنقدر نرجع نتعامل معاه من تاني حتى لو تراجع عن الشراكة مع صفوان.
همهم برضا متذكرا التاجر الذي تخلى عنه فجأة وعقد مع صفوان ثم عاد له بحجة أن الزبائن لم يستسيغوا الفواكه الآتية من بستان الشرقاوي وكانت مبيعاته أقل من المعتاد حينما كان يشتري من عنده لكنه رفض الإتفاق معه مجددا وأخبره بأنه لا يود تجارا لا قيمة للكلمة التي تخرج من أفواههم.
فعاد فاروق وتكلم مستفسرا :
- بس اللي مفهمتوش طالما عيسى قالك انه مستعد يفسخ الشراكة مع ابن الشرقاوي ليه موافقتش و اهو تبقى ضربت عصفورين بحجر منه بترجع تتعامل مع أقوى التجار ومنه تخلي صفوان يخسر.
رد عليه ببساطة وعملية :
- لأني اكتشفت أن عيسى ده اتراجع عن التعامل معانا بسبب شخص أقنعه ويمكن طمعه بوعود تانية وأنا مش مستعد اشتغل مع انسان كلمة توديه وكلمة تجيبه مبحبش اللعب ده والمخاطرة في شغلي عشان اجاكر حد حتى لو هو عدوي اللدود.
وبعدين احنا لسه بندور على مين كان بيحاول يضرني في الشغل ولما الاقيه ساعتها يبقى يحلها الف حلال.
إقتنع بوجهة نظره وابتسم برضا معقبا :
- عندك حق انت اكتر واحد بيخلص في شغله وكنت متأكد أننا مش هنقع مع ان انسحاب عيسى والمستثمر المفاجئ أثر علينا لكن الشحنة اللي اتفقنا عليها جديد هتخلينا نعوض الخسارة.
أومأ آدم بإيجاب وربت على كتفه هاتفا :
- ربك مبيسيبش حد يافاروق احنا دورنا نشتغل بضمير والباقي بـ إيد ربنا سبحانه وتعالى ... بقولك انت وصلت صناديق الفواكه والخضر للبيوت المعتازة زي ما وصيتك صح وكمان الحبوب والبقوليات.
- أكيد ده أنا تابعتهم بنفسي امبارح والعايلات فضلوا يدعولك ووصوني اسلم عليك.
- كويس متقصرش معاهم يا فاروق وشوف أحوال العمال بتوعنا خاصة الشباب اللي لسه بتدرس خد بالك منهم.
- متشلش هم.
نهض آدم وبدأ بالسير حتى تفاجأ بوجود صفوان يقف مقابلا إياه !
ورغم إندهاشه من مجيئه على غفلة إلا أنه رسم على وجهه الجمود وتقدم منه مغمغما :
- نورت أرضي المتواضعة يا صفوان خير ايه سر الزيارة السعيدة ديه ولا أقولك اتفضل وادخل الأول.
سحب صفوان ذراعه قبل أن يلمسها الآخر وقال بغلظة :
- سيبك من جو الرسميات ده وخلينا نتكلم في موضوعنا بعتقد انت عارف أنا جاي ليه.
كتم إبتسامته بداخلة وإدعى الجهل وهو يهتف :
- مش فاكر اني عارف حاجة تخص سبب زيارتك خير في حاجة ؟
أخذ نفسا عميقا ولفظه على دفعات متفرقة كي يهدأ ولا يفتعل مشكلة أمام الجميع فيظهر نفسه بمظهر الأحمق، ونظر له مباشرة وسأله دون مقدمات :
- انت بتراقبني صح وحاطط جواسيس عليا كمان.
- اوف جواسيس مرة واحدة كده معقوله انا عملت كل ده.
قالها بذهول مصطنع ثم استطرد بتلميح :
- ايه اللي خلاك تفكر في اني براقبك مانا بعيد عنك وكافي شر نفسي اهو.
لم يستطع الآخر تقديم حُجة مناسبة فبماذا سيخبره هل يقول بأن نيجار هي من اتصلت به وأخبرته أن آدم يعلم بتعاملاته ومسألة القرض من شخص مجهول وهددها بحرق الأرض أيضا.
منذ إتصال ابنة عمه وصفوان في حالة استنفار يفكر بـ كيف عرف تفاصيل عمله ومَن نقل له هذه المعلومات ومتى لقد أوشك على الإصابة بالجنون حرفيا وهو يحاول اكتشاف الورقة الرابحة في يد آدم ومجددا وللمرة التي لا يعلم عددها هاهو يسبقه بخطوة بعدما اعتقد صفوان بأنه سيهزمه ...
كان الآخر مدركا جيدا لما يفكر به وشعر بالرضا وهو يراه يتخبط محتارا إلا أنه لم يُرد إراحته وإخباره بأنه علم بمكالمته مع نيجار لهذا تنحنح وهتف بأسف مزيف :
- الواضح انك تعبان وتفكيرك مشوش علشان كده شغال خيالات وهبد من لما جيت بس معلش أنا متفهم حالتك من جهة شغلك في النازل وحتى المساعدات مش نافعين معاك ومن جهة خايف تقع في الديون من تاني ده صعب بردو.
انتفض صفوان بغيظ واقترب خطوة ينوي مهاجمته لكنه توقف قبل الوصول إليه أما آدم فبقي يطالعه دون أي حركة حتى زفر الآخر بحقد وتركه مغادرا المكان بسرعة وبمجرد ركوبه في السيارة التقط هاتفه وبقي يطالع إحدى الأرقام بتردد قبل أن يحسم الأمر ويتصل قائلا بلهجة صلبة :
- ايوة يا مليجي ده أنا صفوان الشرقاوي ... يمكن احتاجك في خدمة قريبا.
________________
بعد مرور بضع ساعات قام مساعد العمدة بالإتصال بآدم وصفوان وأخبرهم بأن هذا الأخير سيقيم عزيمة فاخرة يوم الغد ودعاهما هما وعائلة كل واحد منهما كما إستدعى كبار المجلس في القرية مع عائلاتهم أيضا ويجب على الجميع تلبية الدعوة ...
إستغرب الإثنان وتساءلا عن السبب ولكن على أي حال أخبرا العائلتين.
وبعد صعود آدم إلى الغرفة دخلت نيجار خلفه وهي تردد :
- يعني أنا كده لازم اجي معاك صح.
تنهد بضيق من مجرد التفكير في ذهابها معه لتبتسم وتفتح الخزانة ثم تستطرد بحيرة مصطنعة من أجل استفزازه :
- بس البس ايه انا عندي فساتين وعبايات كتيرة لسه متلبستش اختار ايه طب انهي لون بيليق عليا أكتر.
- لو في لون بيجمل القلوب والنفوس كنت قولتلك البسيه بس طالما مفيش يبقى البسي أي حاجة.
رد عليها آدم بعجرفة فاِغتاظت منه وهمست :
- على أساس انتو اللي هنا قلوبكم ونفوسكم سليمة ومفيهاش غلطة.
وصلت الجملة لمسامعه لكنه لم يكن يود الجدال معها الآن بسبب إرهاقه فاِختار تجاهلها وبدأ في تبديل ملابسه دون ان يعيرها إكتراثا.
تأملته نيجار بصمت ومن غير دراية منها وجدت عيناها تتحركان على كل إنش يخص جذعه العاري بداية من صدره الصلب وذراعاه اللتان إكتسبتا قوة وضخامة واضحة بسبب الأثقال التي يحملها وينقلها يوميا، حتى ظهره مشدود ومتناسق حسنا لا بد أنه إضافة للمال والسلطة فإن عمله في البساتين والمزرعة أكسبه جسدا رياضيا بحق ... ورجولة مفرطة.
تنهدت بإعجاب فاِنتبه ونظر إليها بإستفهام لتحمحم مستفيقة لنفسها وتدعي العبث في مقتنياتها حتى هتف مستدركا بتجهم :
- بما اني مضطر اخدك معايا فـ مش محتاج احذرك اوعى تحاولي تعملي حركة ممكن تندمي عليها وأهم حاجة متظهريش اللي بيحصل بيننا لحد انا وانتي زوجين طبيعيين اتجوزنا عشان الصلح وعايشين مع بعض عادي من غير مشاكل ... فاهمة ؟
- عايزني اظهر بالشكل ده قدام حكمت هانم كمان ولا معازيم العمدة بس.
- ستي اكتر واحدة عارفة اللي بيننا أساسا.
تجاوزها متوجها للسرير كي ينام إلا أنها قاطعته من خلفه :
- علشان كده انت مخبي عنها حقيقة اللي بيحصل في الأوضة ديه ؟
قطب آدم حاجباه بعدم فهم فتابعت نيجار بدهاء :
- ستك مبتعرفش انك مقربتليش غير ليلة الفرح ومن يومها وكل واحد مننا بينام فمكان منفصل عن التاني ديه حتى جت بنفسها وحذرتني من الخلفة يعني هي مش عارفة اللي فيها.
كتم شتيمة بداخله ودلك صدغيه بإمتعاض لأن هذه الماكرة من الممكن أن تخبر جدته بالحقيقة فتغضب الأخيرة لأنها كانت تود منه أن يذل نيجار في كل مرة يقترب منها ولا تدري بأنه لا يطيق الإقتراب منها حتى.
لهذا رمقها بحدة محذرا :
- وأنا قولتلك من البداية انها كانت ليلة وراحت لحالها ومش هقرب ليكي تاني وانتي عارفة ليه كويس.
- تمام بس ليه خبيت عن ستك ديه كانت حاطة في بالها احتمالية الحمل كمان.
- انتي علقتي ع الموضوع ده ليه اوعى تكوني عايزة ليلة الفرح تتكرر تاني.
تشدق بها ساخرا وهو ينتظر منها المجادلة والقول بأنها لا تريد ذلك لكن نيجار فاجأته حينما أجابت بإندفاع :
- وانت مش عايز يعني ؟
رفع آدم إحدى حاجبيه بغرابة لتستوعب هي ما قالته وتندهش من نفسها فإستطردت بتلعثم محاولة الحفاظ على ما تبقى من ماء وجهها :
- بقصد انك بتتكلم ع أساس اني هموت عليك متقلقش حتى انا بفكر زيك ومش هحكي لحكمت هانم خالص.
رفعت اصبعيها ومررتهما على شفتيها كعلامة على غلقهما وعدم إفشاء السر ثم انسحبت لفراشها تحت نظراته حتى تنهد مبعدا عيناه عنها وإنشغل بالتفكير في أمر العزيمة ... ترى مالذي يريد العمدة فعله بعدما قام بدعوة كبار القرية مع عائلاتهم ولما قام بها من الأساس ؟!