رواية لعنة الخطيئة الفصل السابع عشر17والثامن عشر18 بقلم فاطمة أحمد


رواية لعنة الخطيئة الفصل السابع عشر17والثامن عشر18 بقلم فاطمة أحمد

الفصل السابع عشر : خليفة المنصب. 
__________________
جاء الوقت الموعود واجتمع كبار البلدة لتلبية دعوة العمدة وكلهم يتساءلون عن سبب إقامتها من الأساس
وهاهي نيجار تترجل من سيارة آدم وتطالع المبنى الفخم بإعجاب ثم تنظر لحكمت التي كانت تقف بوقار وهي ترتدي عباءة كحلية اللون ومطرزة تظهر من أسفل معطف طويل ووشاح يلتف حول رأسها محكمة إياه بدبوس فضي فعقدت حاجبيها بنقمة معترفة لنفسها بأن هذه السيدة حقا تملك من الهيبة الكثير فإذا كانت تحضى بإحترام رجال المجلس وهم يلقون عليها التحية بحرارة هي وحفيدها في هذه الأثناء كلما فما بالها إذا بالنساء ! 

قطع وصلة تفكيرها وصول سيارة تعرفها جيدا ليخرج منها صفوان تتبعانه زوجة عمها وسلمى التي تعلقت عيناها بها في شوق لم تستطع منعه من التسرب إليها لكنها آثرت التحلي بالهدوء حاليا وتحركت إلى الداخل خلف حكمت غير أن آدم قبض على معصمها وأعادها هامسا في أذنها بخشونة :
-  اقعدي عاقلة ومتعمليش أي تصرف يضرني أو يحطني في موقف محرج انتي هنا بصفتك حرم الصاوي مش بنت الشرقاوي فـ اتصرفي ع الأساس ده. 

تغضن وجه نيجار بضيق من أسلوبه وكلامه الباعثان في نفسها إزعاجا كبيرا بَيد أنها لم تبين له ذلك بل مالت شفتيها في إبتسامة صفراء ورشقته بنظرات باردة صقيعية :
- هفكر في كلامك مع اني مش متأكدة اذا همشي عليه ... ولا لأ. 

كز على أسنانه وفتح فمه ليرمي عليها كلماته لكنه توقف مستدركا بأن هذا ليس الوقت والمكان المناسبين للجدال مع هذه الماكرة فتركها مشيرا لها بالدخول دون أن يغفل عن رشقها بنظرة محذرة متوعدة ...

تم اِستقبال الرجال والنساء في قاعتين منفصلتين بينهما جدار متين وقد حرصت زوجة العمدة بمساعدة الخادمات على تحضير كل ماهو فاخر للضيوف من أجل تشريف زوجها دلفت نيجار ونزعت معطفها ليظهر فستانها الشتوي الرمادي الذي انساب على جسدها بنعومة ووصل إلى ركبتيها أسفله حذاء جلدي وطويل يخفي الجزء الظاهر من ساقيها ذو لون أسود شابه لون الحزام المعقود حول خصرها وصففت شعرها الذي يصل لأسفل كتفيها بتموجات منظمة غير غافلة عن وضع إكسسواراتها الرقيقة فكانت لافتة للأنظار بهيأتها المحتشمة الناعمة وبالتأكيد لم تكن هذه النعومة تشبه طبيعتها الجامحة ..

إشرأبت أعناق النساء نحوها مطالعين إبنة عائلة الشرقاوي وكنة عائلة الصاوي التي لم تظهر في أي تجمع لنساء البلدة منذ زواجها من آدم وفي الحقيقة لطالما انتشرت الأقاويل عن سبب إختفائها فمنهن من قالت أم حكمت تعذبها ومنهن من ادعت سماع الإشاعات عن زوجها الذي يذيقها شتى أنواع التعنيف الجسدي حتى تغير شكلها وأخفوها داخل السرايا كي لا تظهر معاناتها للعيان.
إلا أنهن الآن وبعد ظهور نيجار أمامهن بصلابتها المعتادة تأكدن من مدى خطأ تلك الأقاويل خاصة أنها تبدو في أفضل حالاتها. 

انتبهت هذه الأخيرة للنظرات والهمسات فزفرت بنفور تلاشى عند إبصارها لسلمى مجددا ولم تستطع هذه المرة منع نفسها من احتضانها هامسة بشجن :
- ازيك. 

بادلتها العناق بقوة بعدما كانت مترددة وردت عليها بشوق جارف :
- انا كويسة وانتي عامله ايه أخبارك ... انا قلقت عليكي اوي من آخر مرة شوفتك فيها. 

- أنا بخير. 
أجابت على سؤالها بهدوء وانزاحت عنها لتحضن جميلة وفي الحقيقة لم يكن عناقها في هذه اللحظة صادرا من قلبها لولا نظرات النساء المصوبة عليها من كل ناحية وهي لا تود أن تلاحظ أي واحدة مشاعر البرود بينهما. 
في خضم وصلة تبادل النظرات وكلمات السلام دلفت زوجة العمدة وتعالت عبارات الترحيب والإستقبال من كلا الطرفين...

في الجهة المقابلة كان الرجال يصافحون بعضهم بإحترام ووقار حتى دخل العمدة وغمغم بهيبة :
- السلام عليكم. 

ردوا عليه السلام ولم يغفل أحد عن النظرات المصوبة بين آدم وصفوان أحدهما كان يشتعل حقدا وكرها والآخر فضل تجاهله هذه الليلة حتى لا يفتعل مشكلة هو في غنى عنها، جلس العمدة على المقعد الوثير يقابل صفان من المقاعد ملأهم رجال المجلس فتنحنح وقال بصوت عالٍ كي ينتبه له الجميع من هذه القاعة والقاعة الأخرى :
- نورتونا يا جماعة الخير أكيد انتو مستغربين من العزومة ديه وبتتساءلوا عن السبب اللي خليني استدعيكم. 

قابلته نفس النظرات المحتارة ليتابع :
- اولا العزومة ديه مجتش فجأة أنا مخططلها من وقت طويل وكان الدافع وراها هو نفسه اللي أهل البلد بيفكرو فيه من ساعة ربنا راد يستعيد أمانته وخد ولدي سليمان لعنده. 

تباينت النظرات مابين متأسفة على ذكر وفاة بكر العمدة وأخرى مترقبة بدأت تستنير وتفهم سبب هذه الدعوة ليتحدث مجددا :
- زي الحضور ما عارفين أن المرحوم سليمان كان المرشح الأول للعمودية ورأينا عليه مختلفش عليه اتنين لكن كان نصيبي اني انا اللي ادفن ولدي مش هو اللي يدفنني وبالتالي كان لازم نختار خليفة تاني ليا عشان يتحمل من بعدي مسؤولية القرية ديه ويتقي ربنا في أهلها ورزقهم والإختيار كان صعب عليا لأن المرشحين من زينة شبابنا وعملو واجبهم وأكتر ... واحد بيكون ابن الصاوي والتاني ابن الشرقاوي. 

صمت مدوي تداعى في المكان سواء من النساء اللواتي شهقن بخفوت وقد أدركن بأن العمدة على وشك إعلان خليفته استقامت حكمت في جلستها بإحتراز وفعلت جميلة المثل أما نيجار فكان نصيبها من الدهشة كبيرا وفي نفس الوقت أصابها قلق وتلبك من الموقف العسير. 
 تدرك أن المرشحين الوحيدين هما صفوان وآدم وتدرك بأن كل ماحدث في السابق كان من أجل هذا اليوم ولو سألوها قبل اشهر من الآن عن الشخص الذي تتمنى أن يتسلم العمودية لكانت حينها ستنطق اسم دون تردد ولكن الآن ... الآن ... هي لا تعلم حقا من تريده. 
وحين فكرت في هذا الأمر وردتها خاطرة خبيثة هامسة لها بأن آدم لم يكن ليتزوجها سوى ليحتفظ بمكانته وإن حصل على المنصب الآن ربما يقطع الوصل المربوط بينهما !

لم يختلف الأمر كثيرا عند الرجال فلقد كان الترقب والجو المتوتر من نصيبهم خاصة على هاذان الإثنان اللذان كانا وكأنهما يجلسان على الأشواك كل واحد يحدق في الآخر بتطليعات ملتهبة ... لهب أشعل فتيله حينما نطق العمدة فجأة بصلابة :
- الشخص اللي هيبقى العمدة من بعدي هو ... آدم الـصـاوي.

وانقطعت النظرات المشحونة !! 
هلل رجال المجلس بمباركة لوريث المنصب برضا على هذا الإختيار ففي كل الأحوال لم يكن هناك من هو أفضل من آدم المتسم بالرجولة والذكاء والرحمة وأهم شيء أنه هو إبن زعيم القرية وحفيد العمدة الراحل لذا فإنه مناسب من ناحية النسب والصفات. 
نهض هذا الأخير يقبل يد العمدة بإحترام مغمغما :
- ثقتك هي شرف كبير ليا وان شاء الله اكون قد الثقة ديه.

ربت على كتفه باسما فاِلتف آدم للحضور ووقع نظره على صفوان الجالس بصمت وكأن الطير حط فوق رأسه، ينظر أمامه بعينين متقدتين جمرا وتقطران حقدا فظن أنه سينفجر الآن ويتسبب في شجار لكنه تفاجأ عندما نهض الآخر ومد يده مصافحا إياه بنبرة خافتة ربما لم يدرك أحد كمية الشر الموجودة بها سواه هو :
- ألف مبروك ... انت بتستاهل. 

 وأضاف بصوت عالٍ نسبيا :
- محدش كان هيليق بالمنصب أكتر من ابن الصاوي ولا ايه رايكم. 

ابتسم آدم باِستهانة مختلطة بالغرابة وصافحه متسائلا بداخله ترى مالذي يخطط له في هذه الأثناء فهو يعلم بأن صفوان يكاد ينفجر من شدة الغيظ الآن خاصة أنه انتهج كل الوسائل القذرة من أجل الوصول لهذا المنصب لذا يستحيل أن يتقبل القرار بهذه السهولة. 
قرر تأجيل التفكير إلى وقت لاحق عندما دعاهم العمدة للجلوس على سفرة العشاء وكانت عبارة عن طاولة فاخرة امتدت لما يتسع ثلاثين مقعدا واحتوت على أجود وأشهى الأطعمة والمقبلات جلس آدم على الجهة اليمنى للعمدة والذي همس له هذا الأخير :
- أنا مخدتش القرار ده إلا بعد تفكير طويل ومتأكد انك هتبقى قدها لأنك طالع لأبوك وجدك في أمانتهم ونخوتهم ربنا يرحمهم ويحسن اليهم. 

أمّن خلفه بصوت رخيم وشكره ليضيف الآخر مستطردا بجدية :
- يمكن صفوان يبقى مضايق من القرار مع انه متكلمش دلوقتي بس خد بالك مش عايز أي مشاكل تحصل. 

أومأ وتمتم وهو يلمح هيأة صفوان من طرف عينه :
- متقلقش حضرتك مشاكلنا احنا وعيلة الشرقاوي خلصت من زمان وأكيد صفوان مش هيعترض ع كلام العمدة. 
- اتمنى لأنه لو فكر يعمل حاجة غلط هيبقالي تصرف تاني معاه. 

بدأوا بتناول الطعام بهدوء وكان آدم يشعر بسهام تحرق وجهه فرفع عيناه وأبصر صفوان جالسا على الكرسي مقابلا له تماما على الجهة اليسرى من مقعد العمدة ويحدق فيه بجمود مريب أثار سخرية هذا الأخير بداخله وهو يفكر أنه على وشك الموت بنوبة قلبية لأن ما حدث يفوق قدرة تحمله. 

كاد يبادله النظرات بأخرى مستخفة لولا أن العمدة تحدث بثبات مقاطعا الوصل بينهما :
- بما أنك بقيت خليفتي فـ انت لازم تبدأ في وظايفك من دلوقتي يا آدم عشان يبقالك علم بكل تفصيل ومتنساش انها مسؤولية كبيرة عليك من بعدي. 
- ربنا يطول في عمرك. 

- محدش هياخد اكتر من اللي مكتوبله المهم انا كنت مروح بكره للجهة الغربية من البلد عشان اطمن على أحوال العايلات والعمال هناك انت عارف ان اوضاعهم مش ولابد من بعد الشتا القوية بتاعت الشهر اللي فات واشوف طلباتهم واحتياجاتهم بس دلوقتي مفيش داعي ليا انت هتروح بنفسك. 

أومأ آدم بإيجاب مباشرة :
- أكيد واساسا انا متعود اروحلهم كل فترة هما بيعرفوني كويس. 

هز العمدة رأسه موافقا إياه وتابع بقول ما أدهشه :
- وانا عارف قد ايه هما بيعرفوك وبيحبوك بس المرة ديه مش هتروحلهم لوحدك لا هتاخد حرمتك معاك وتخليها تتعرف عليهم وتشوف أحوالهم وتسمع شكاويهم وده ضروري بصفتها حرمة العمدة المستقبلي. 

أجفل بتفاجؤ ورمشت عيناه عدة مرات قبل أن يتحكم في رد فعله ويتنحنح كاتما غيظه :
- أكيد ... هعمل زي حضرتك ما طلبت وهوديها معايا. 

*** في الجهة الثانية وبعد الإعلان عن خليفة العمدة إبتسمت حكمت بوجه يشع ثقة وغرورا فوق غرورها الإعتيادي بينما اضمحلت معالم الحياة من وجه جميلة التي خافت من أن يفقد ابنها أعصابه  ويقدم على فعل مالا تحمد عقباه أمام الجمع الغفير فيصعب بعدها تدارك الأمر فـ انتظرت لدقائق مطولة سماع فوضى وأصوات شجار صادرة من قاع الرجال وارتاح قلبها عندما خابت. 

تنهدت باِضطراب وطالعت النساء اللواتي لم تدخرن وسيلة لتملق السيدة حكمت والمباركة لها بعبيرات مبالغ فيها وهي ترد عليهم من طرف أنفها كما يقال لتبتسم وتهنئها بود زائف :
- ألف مبروك يا حكمت هانم حفيدك بقى كبير البلد من بعد عمدتنا ربنا يطول في عمره وطبعا الفرحة مش سايعاكي دلوقتي. 

قبضت على عصاها التي تنتهي بقبضة ذات لون ذهبي وقابلت مباركتها ببسمة لم تصل لعينيها :
- الله يسلمك كل واحد بياخد اللي بيستحقه يا جميلة هانم واحنا الحمد لله رجالة الصاوي مصدر فخرنا من الجد للحفيد. 

قلبت نيجار عيناها بضجر من تكبرها واِنتبهت لقول إحدى النساء وهي تضحك بإصفرار مدعية المزاح :
- مبروك يا نيجار مع اني مش متأكدة لو لازم اباركلك ع فوز جوزك ولا اواسيكي ع خسارة ابن عمك للمنصب انتي ايه رأيك. 

همهمت لاعنة بداخلها ثقل دم هذه المرأة ثم أجابتها بقوة لتخرس لسانها المتطفل :
- ميهمش بقى اذا هتباركيلي ولا تواسيني الأهم تكون مشاعرك صادقة وده كفاية عندي. 

بعد عدة دقائق استأذنت نيجار للذهاب إلى الحمام من أجل غسل وجهها وحين عودتها تفاجأت بيد تقبض معصمها وتسحبها للجانب حيث الظلام ارتجت مجفلة وانتفضت بذعر وكادت تصرخ لكن يده كتمت فمها مانعة إياها فـثنت ركبتها وضربته أسفل الحزام دون أي تردد ليطلق صيحة ألم تبعها همسه المكتوم :
- يخربيتك انتي ايه لو قدرت اهرب من ايديكي مش هسلم من رجليكي يعني. 

استمعت لصوته واستنار عقلها بالإدراك فتمتمت بهلع دب في أوصالها  :
- صفوان ده انت. 

وضع اصبعه على شفتيه كعلامة على وجوب صمتها وتحامل على نفسه ليسحبها إلى ما خلف الجدار كي يستطيع رؤيتها في الإنارة الخافتة ثم همس :
- ايوة أنا مكنتش هقدر اكلمك بطريقة تانية علشان كده استنيتك تطلعي من الصالة وجبتك لهنا. 

نبض قلبها بعنف وشحب وجهها بخيالات مرعبة عن مجيء آدم الآن ورؤيته لها مع أكثر شخص يبغضه لذا دفعته عنها وتمتمت بعصبية متوترة :
- انت اتجننت مش عارف ان آدم هيفكر في مليون حاجة لو شافنا مع بعض ده لو حكمت مشافتناش بنفسها انا ناقصة يعني. 

لكنه شد كتفها وأجبرها على النظر إليها مغمغما بعنف :
- آدم بيه مشغول مع العمدة ورجال المجلس يعني محدش هياخد باله منك ولا مني.

لاحظت ملامحه المتصلبة ولم تستطع منع نفسها من الشعور بالحزن عليه لأنه خسر المنصب الذي لطالما طمح إليه ففتحت فمها كي تواسيه لكنه قاطعها بنبرة لا تحتمل الجدال :
- انا عارف هتقولي ايه كويس بس وفري كلامك لان الوضع ده مش هيستمر كتير.

زفرت أنفاسها المهتاجة متسائلة بتوجس :
- ازاي يعني انت ناوي ع ايه بالظبط.

- ناوي اخلص ع آدم والمرة ديه اتأكد من انه يموت بجد. 

نطق الجملة بنبرة إجرامية وملامح لا تمت للإنسانية بصلة فلم تكد نيجار تزن الكلمات في عقلها حتى وجدته يكمل وعيناه تقطران شرا :
- وانتي هتساعديني وبكامل إرادتك المرة ديه !
__________________
إنتهت الدعوة وعاد كل شخص لبيته وبمجرد دخول حكمت لسرايا الصاوي وقفت في منتصف البهو هاتفة بصوت عال يشع فخرا :
- الحمد لله اللي طول في عمري وخلاني اشوف اليوم ده واحس بالفخر لي حساه في اللحظة ديه ماشاء الله عليك يا حفيدي انت طول عمرك مصدر فخر ليا. 

ابتسم وانحنى مقبلا يدها بإحترام لتمسح على وجهه متنهدة :
- ربنا يبعد عليك العين الحسود وكل شر يا حفيدي الغالي. 

نطقت بالجملة الأخيرة مركزة بعينيها على نيجار التي فهمت مقصدها وصمتت لتقرعها حكمت بحدة :
- انتي واقفة عندك ليه يابت مبتعرفيش ان ام محمود روحت لبيتها ولازم انتي تقدمي الحلوان بدالها ولا محدش علمك الأصول قبل كده. 

- لا انا تعلمتهم بس يمكن حضرتك من الفرحة نسيتي انك أمرتي مجيش ناحية المطبخ نهائيا. 
أجابتها نيجار بملل وهي تشعر بالإختناق الشديد فرشقها آدم بتطليعات حارقة وقال من بين أسنانه :
- مفيش داعي للحلوان يا ستي حلاوتي الوحيدة هي وجودك انتي واختي جمبي، و اه بعتقد عارفة العمدة طلب مني ايه اعمله بكره ياريت تتكفلي بالتحضيرات.

- زوجة العمدة قالتلي انك هتروح للجهة الشرقية من القرية بكره مع البت ديه عموما متقلقش هعمل المطلوب ... ودلوقتي اطلع نام وارتاح. 

ودعها آدم وصعد للغرفة تتبعه نيجار التي ما ان دخلا سويا حتى قالت :
- مبروك على المنصب اللي خدته. 

تجاهل الرد عليها متعمدا فتنهدت وشرعت تنزع معطفها وتعلقه بإهمال وفي هذه الأثناء كان آدم يقف أمام المرآة مباشرة ليراها في الإنعكاس بهيأتها وقوامها المشدود بذاك الفستان الضيق الذي ظهر عليها كجلدٍ ثانٍ، تعلقت بها عيناه لهنيهة لم يدري فيها أنهما انجرفتا للمحظور من جسدها فألهبته رغبة أغلق عليها منذ زمن لكن سرعان ما اِستفاق وأشاح بصره عنها مغمغما بنبرة صلبة :
- اظن انك عارفة اننا هنروح بكره مع بعض عشان نشوف الأهالي ومش محتاج اقولك كل مرة ازاي لازم تتصرفي قدام الناس ديه. 

نهضت نيجار بعدما نزعت حذائها واقتربت منه بقدميها الحافيتين لتقف خلفه وتقول بثقة :
- متقلقش بعرف ازاي اتعامل كويس وبالمناسبة أنا كنت عاملة دوري حلو اوي النهارده والستات انبهروا بيا يعني صحيح انت بتكرهني بس انا عملت المطلوب مني عشان اشرفك وابسطك ... يا جوزي. 

لمس آدم الإستهزاء في نبرتها فاِستدار اليها وانحنى على وجهها هامسا ببسمة :
- هبقى مبسوط اكتر لو مذكرتيش كلمة جوزي ديه تاني. 

لكن ابتسامته اضمحلت فجأة حين نزل بعينيه إلى عنقها ورآه مزينا بقلادة ذهبية على شكل عباد الشمس ... نفس القلادة التي أهداها لها ذات يوم على البحيرة وارتدتها يوم طعنته وأحرقت بيت الهضبة !
كز أسنانه بكبت وتوحشت عيناه معيدا في ذاكرته تفاصيل تلك الجريمة المرتكبة بحقه فاِنقلبت ملامحه المنبسطة لأخرى حادة في ثواني لتتوجس نيجار من حالته وقبل أن تسأله عما حدث وجدته يقتلع القلادة بعنف منها ! 

انتفضت بخضة ونظرت لما بين يديه وهو يرمي عليها كلماته بعنف :
- ايه اللي ع رقبتك ده لبستيه ليه.

ارتبكت من صوته وأحست بالحروف تطير من لسانها فلم تجد ماتقوله ليكمل آدم بكبت ملقيا القلادة على الأرض :
- اوعى اشوفها ع رقبتك تاني مفهوم. 

- مش فاهمة سبب عصبيتك في ايه ديه مجرد قلادة وانت اللي جبتهالي هدية أصلا. 
بررت نيجار باِضطراب فتصاعد غضبه أكثر وقبض على ذراعها باصقا كلماته بصفاقة :
- وعلشان كده أنا مش عايز أشوفها لانها بتفكرني بالسوء اللي فيكي وازاي عملت قيمة لواحدة مبتستاهلش زيك انتي.

حدقت فيه بصمت قبل أن تسحب نفسها من يده وتنحني على الأرضية التقطت القلادة الملقاة ووضعتها في الخزانة ثم دنت منه مجددا مرددة بتنعت :
- انت لو مش عايز تفتكر قد ايه أنا وحشة يبقى ريح نفسك ومتبصليش عشان تضمن راحة بالك انما مش هتحشر نفسك في اللي يخصني أنا بلبس وبحط اللي عايزاه مش محتاجة رأيك فيه. 

- متستفزنيش !

- مش بستفزك ولا حاجة انت اللي مبتضيعش فرصة تضايقني فيها وانا عماله اقول عنده حق ومردش عليك. 

حذرها بقسوة وردت عليه هي بإنفعال وتابعت :
- ومفيش داعي تبقى مضايق من ذكرياتك معايا للدرجة ديه لأنك هتخلص مني قريب ... مش حضرتك بقيت خليفة العمدة رسميا وانت سبق ووافقت تتجوزني عشان متخسرش ترشيحك للمنصب يبقى واضح انك مخطط تطلقني او تعمل الأسوء بقى عشان قلبك يبرد وأنا مستعدة ومش خايفة منك. 

رمقها آدم باستنكار من عنهجتيها وإدعائها الدائم لإستعدادها لما يريد فعله بها حسنا هي تخبره بأنها لا تكترث لرأيه وأنها ستفعل ماتريده لذلك جذبها من مؤخرة رأسها حينما استدارت لتغادر وضغط بأصابعه على شعرها يلفح وجهها بكلماته الثائرة المتوعدة :
- عندك حق اتجوزتك عشان مخسرش المنصب يعني غصب عني بس هخلص منك بإرادتي في الوقت اللي بحدده أنا ممكن النهارده وممكن بكره وممكن مطلقكيش واخليكي خدامة تحت رجلي ... وبالنسبة لسمعان الكلام فـ انتي مجبرة تسمعي أوامري وتنفذيها بالحرف لأني بتحكم في نفَسك حتى ... يا مراتي. 

شد على شعرها أكثر فأغمضت نيجار عيناها محاولة كتم ألمها وعادت تفتحهما هامسة :
- مراتك بـ الاسم بس واحنا الاتنين عارفين طبيعة العلاقة ديه كويس.

رفع حاجباه مستخفا بها واقترب من أذنها يهمس بصوت رجولي ثقيل مرسلا قشعريرة في جسدها :
- يبقى هوريكي بنفسي طبيعة علاقتنا. 

أنهى جملته وهو يدفعها على السرير خلفها فشهقت بوجع من قوة السقوط واستندت على الفراش بمرفقيها محاولة الجلوس وهي ترى آدم يخلع كنزته الصوفية ثم يلقي بها بعيدا فجحظت عيناها وركزت بهما على صدره الصلب الذي جعلها تحبس أنفاسها بداخلها ولاحظ هو تلك اللمعة فيها فاِبتسم ابتسامة ذئب وأخذ يقترب منها بملامح لا تنوي خيرا بينما يردد :
- طالما شايفة انك مراتي بالاسم ومبقدرش اتحكم بيكي فـ لازم اغير المفهوم ده عندك واوريكي ازاي بخليكي تحت طوعي ... ياحبيبتي. 

ازدردت نيجار ريقها بصعوبة وحاولت القيام لكنه هجم عليها ممسكا كتفيها بقسوة وهو ينفث لهبا بأنفاسه الحارة ومالبث أن هجم على شفتيها يقبلهما بكل عنف !
أخذت بشراسة وضربت صدره مهاجمة ذاك الشعور الذي يصيبها كلما اقترب منها والذي عاشته معه ذات ليلة فأمسك آدم معصميها وأولاهما خلف ظهرها مكبلا إياهما بقبضة واحدة منه ودفعها كي تستلقي وجثم هو فوقها ... مسيطرا على حركتها تماما ...
_________________
أشرقت شمس اليوم الجديد باعثة نسمات دافئة وسط جو بارد فتمطعت في الفراش وفتحت عيناها بإرهاق ظهر على ملامح وجهها بوضوح وزعت بصرها في المكان بغرابة حتى تذكرت أحداث الليلة الماضية فتنهدت وسحبت الغطاء على جسدها باِمتعاض لتشعر بطرف السرير ينخفض فنظرت من فوق كتفها ووجدت آدم جالسا يلتحف برنس الحمام ويجفف شعره بالمنشفة وعندما لاحظ استيقاظها غمغم بنبرة عادية :
- قومي خدي شاور وانزلي ساعديهم تحت.

استلقت على ظهرها وهمهمت ببحة ناعسة :
- اساعدهم فـ ايه بالضبط.

- في ترتيب الحاجات اللي هنوديها معانا انتي نسيتي ولا ايه ستي جابت بنات يساعدو ام محمود في المطبخ فـ لازم تساعديهم انتي بردو عشان نلحق. 

أحكمت الغطاء الحريري عليها واعتدلت جالسة وهي تتمتم ممتعضة :
- بس ستك مانعاني ادخل المطبخ ومبتسمحليش اعملك كوباية شاي أكيد مش هتخليني أحط ايدي حتى. 

تأفف آدم بضيق واستدار إليها كليا فتوقفت كلماته في حلقه حين أبصرها بهيأتها المهلكة، بشعرها الأشعث وشفتيها المتورمتين والعلامات المنتشرة هنا وهناك وعينيها الناعستين كانت تنظر له بتزمت وعدم رضا فرسم الصرامة على وجهه قائلا :
- يبقى انزلي ساعديهم بأي حاجة غير المطبخ مش هتفضلي نايمة يلا. 

قام وارتدى ملابسه على عجالة وخرج أما نيجار فاِنكمش وجهها بغيظ منه وقلدته بحركة مضحكة :
- مش هتفضلي نايمة يلا ... بيتصرف كأن مفيش حاجة حصلت امبارح واحد همجي. 

قامت على مضض ترتب خصلات شعرها حتى استمعت لطرق الباب كادت تجيب لكن خطرت ببالها فكرة أجمل فاِبتسمت بمكر والتقطت كنزة آدم الواسعة التي رماها ليلة البارحة وارتدتها بسرعة مستمعة للطرق الذي مازال مستمرا ثم ذهبت وفتحت الباب وهي تتثاءب باصطناع :
- خير يا ام محمود بتخبطي كده ليه. 

تفاجأت هذه الأخيرة من هيأتها ونقلت عينيها المتطفلتان إلى داخل الغرفة وبدا حالها واضحا للعيان فتنحنحت بحرج طفيف :
- لمؤاخذة يا ست هانم ازعجتك بس حكمت هانم كانت بتقولي انادي عليكي عشان تنزلي تعملي شغل البيت على ما يرجع سي آدم وياخدك معاه. 

شهقت بدلال مصطنع وهمست وهي تعبث بخصلة من شعرها :
- هو آدم موصاكمش متطلعوش وتصحوني ده قالي بنفسه اني معملش حاجة النهارده بس أمري على الله هاخد دوش سريع وانزل. 

اضطربت أم محمود وخافت من أن يعلم سيدها بأنها جعلت زوجته تساعدهم فأسرعت بالقول :
- لأ خالص انا والله مكنتش بعرف انه رفض تشتغلي بعتذر منك يا هانم ااا تحبي اطلعلك الفطار لحد عندك ؟ 

كتمت ضحكتها وهي تفكر بمكر أن حكمت ستصاب بنوبة قلبية لو رأتها تحضر الفطور لغرفتها فنفت برأسها هاتفة :
- تؤ مفيش داعي يا ام محمود روحي شوفي شغلك. 

هزت رأسها بإيجاب وغادرت بخطوات سريعة لتغلق نيجار الباب وتضحك مرددة :
- متحمسة اشوف وش حكمت هانم لما تحكيلها ام محمود ع اللي شافته وسمعته قال بتنادي عليا عشان اعمل شغل البيت هو انا هصحى كل يوم من غير راحة عشان اغسل المواعين وامسح السلالم يعني. 

رمت نفسها على السرير مستمتعة بنعومته بدل الأرضية القاسية ثم رفعت طرف الكنزة لأنفها تشمه وتأوهت بعمق هامسة :
- ريحتك حلوة اوي.



الفصل الثامن عشر : غدر آخر. 
____________________
بعد انطلاق السيارات من المنزل بساعة واحدة توقفت سيارة آدم عند وصوله للجهة الغربية من القرية وترجل بوقار وخلفه نيجار التي دارت بعينيها في المكان تتأمله كان عبارة عن تلالٍ ممتدة على طول الأراضي الزراعية الواسعة وتعرج طريق طويل عبر الحقول والغابات، وانعقد على نفسه مع دغل من شجر الصنوبر ثم عبر حقول القمح حيث تشرف عليه شجيرات صغيرات لم يشتد عودها بعد ، لينزل إثر ذلك نحو وادٍ صغير ينهمر ماؤه سريعا في غدير فينبع من الغابة ويعود إليها من جديد. 
وتردد صوت الهواء البارد مع ضحكات الأطفال الراكضين خلف مُهر بني مكتنز، وركض خروف صغير على الطريق يتبع القطيع الذي حاد عنه أما الرجال فكانوا يعملون بجد و ضراوة تارة يتوقف أحدهم لأخذ أنفاسه ثم يتابع وتارة يتلكأ الآخر ليمسح عرقه ويعود من جديد ...

لمعت عينا نيجار باِنبهار وهمست :
- المكان ده بيجنن سحر بجد. 

سمعها آدم ولم يعلق عليها بل أشار لفاروق ومساعديه بإتباعه ودخلوا فاِنتبه لهم الأهالي وانشرحت وجوههم فجأة عند رؤية آدم وهرعوا نحوه في البداية توجست نيجار من التجمع واعتقدت لوهلة بأنهم سيتهجمون عليهم لكنها أخذت نصيبها من الدهشة حين رأتهم يهللون ويرحبون به بحرارة ! 

ابتسم آدم وبدأ يصافحهم باِحترام مجيبا على عبارات ترحيبهم :
- السلام عليكم ... اهلا بيكو ... ده نوركم شكرا. 

هتف أحد العمال ببهجة :
- يا نهار ابيض حلت علينا البركة يا آدم بيه نورتنا والله يا سيد الرجالة. 

هرع لتقبيل يده لكن الآخر سحب كفه سريعا وقال :
- استغفر الله ايه ده يا عم اسماعيل مينفعش كده. 

- قليل يا بيه مهما عملت مش هوفيك حقك  نسيت انك ساعدتني عشان اقدر اعمل العملية لإبني ده انا لولاك بعد ربنا كنت دفنته من زمان. 
رد عليه بعينين ممتلئتين بدموع الاِمتنان فربت آدم على كتفه بمؤازرة وسار معهم وهو يسأل عن أحوالهم وسير العمل ومن خلفه تسير نيجار مراقبة ما يحدث بتعجب وحيرة هذه أول مرة ترى فيها الناس يتجمعون حول أحدهم ووجوههم مشرقة إحتراما وليس خوفا ولكن ماذا فعل لهم آدم حتى يكسب محبتهم فهي لم ترَ من قبل شخصا استقبل صفوان بهذه الطريقة وفي الحقيقة حتى ابن عمها لم يعاملهم بلين أو يبتسم في وجوههم لطالما أخبرها بأن السيد لا ينزل إلى مستوى من هو أقل منه وأنها لن تحظى بالإحترام ان تساهلت مع العامة. 
لكن هذه المرة هي ترى شيئا مختلفا تماما عما سمعته وتربت عليه ...

وصلوا للمنازل وبدأ المساعدون بتوزيع الأكياس والحاجيات على كل واحد منهم وحرص آدم على تقديم المساعدات الإضافية للعائلات التي ليس لها معيل وعندما فرغ من هذا القسم تكلم أحد الرجال وهو كبير في السن ويكن له آدم معزة خاصة :
- كتر خيرك يابني ربنا يجزيك على حسب نيتك ويفرحك زي ما فرحت اليتامى دول ... بما انك خلصت تعالو تتغدو. 

كاد أن يرفض بأدب ويخبره بأنه لن يطيل المكوث لكن الآخر قاطعه مبتسما :
- انت عايز خالتك أم جميل تزعل منك ولا ايه ديه مقعدتش من الصبح وهي عماله تعملك الأكلات اللي بتحبها.

ضحك بقلة حيلة مستسلما للدعوة :
- لا كله الا زعل الحجة ماشي انا هجي معاك. 

نظر لنيجار التي كانت صامتة طوال الطريق وأشار لها بالإقتراب منه فلبت الطلب سريعا وهمست له :
- مين ام جميل ديه خلينا نمشي انا مبطمنش لما اقعد مع ناس مبعرفهاش. 

رد عليها بنظرة محذرة لتسكت ثم أخذها الرجل لمنزل قديم منعزل قليلا وأدخلهم وبمجرد أن رأته السيدة انتشرت معالم البهجة على محياها وتقدمت منه مهللة :
- يازين من زارنا يامرحب بيك حلت علينا البركة. 

قبل جبينها باِحترام متمتما :
- اخبارك يا أمي عامله ايه. 

- بقيت احسن بشوفتك يا زينة الشباب ده البلد نور بوجودك والله ... الأمورة ديه مراتك ؟ 
سألته أم جميل وهي تطالع نيجار فأومأ بإيجاب لتتقدم منها متلمسة شعرها بحنو :
- بسم الله ماشاء الله عليكي زي القمر ياحبيبتي والله وعرفت تختار يا ابني. 

احمر وجهها وهمست بكلمات شاكرة بالكاد وصلت لأذن آدم الذي تأمل حرجها باِستغراب وفكر بأنها تتقن تمثيل دور الفتاة الخجولة أيضا لكن نيجار لم تكن تمثل هذه المرة فهي حقا لا ترتاح في وجود أناس جدد وترتبك حينما تشعر بنظراتهم عليها خاصة نظرة آدم الآن والتي تكاد تحرق بشرتها. 

بعد تبادل عبارات السلام والترحيب جلس آدم مع فاروق ومساعديه للمائدة المخصصة لهم أما السيدة فأخذت نيجار لمائدة النساء وعرفتهن عليها بسعادة :
- هي ديه مرات الغالي زينة الشباب. 

رحبن فيها باِحترام زاد من استغرابها وجلست معهن لتهمس متسائلة :
- هي ليه الناس هنا بتحب آدم اوي كده. 

ردت عليها أم جميل بهمس مماثل :
- لأنه راجل بجد وخيره مغرقنا كلنا الناس بتحترمه من كتر جدعتنه ورحمته هو اللي كان بيجي يطمن ع احوال الكبير والصغير هنا وساعدهم وقت اتضررو من الاعصار ده غير انه متكفل باليتامى والعايلات المعتازة حتى المدرسة اللي ع اول الطريق ديه عمل مجهود كبير عشان يوافقو تنبنى والعيال تدرس. 

فغرت فاها بذهول وعدم تصديق وأحست بأن المرأة تبالغ وللعجب توقعت الأخرى ما تفكره به فضحكت هاتفة :
- في ناس بتعمل خير ومبتتكلمش عليه بيبقى بينها وبين ربنا وجوزك واحد منهم طول عمره بيهتم بالأهالي وبيعمل الواجب معاهم  لما ابني الوحيد استشهد فضل آدم يجي كل فترة يطل عليا ويسأل عن احوالي ويقولي اعتبريني زي ابنك يا أمي. 

تفاجأت بتصريحها عن استشهاد ولدها الوحيد وتساءلت بداخلها عن مدى قوة هذه المرأة وهي تتحدث عنه لدرجة أنها تضحك بعد خسارتها لفلذة كبدها فهل هي قوية إلى هذه الدرجة لو كانت هي مكانها لربما جُنت أو ماتت من شدة الحزن. 
وللمرة الثانية تشعر والدة الشهيد بما تفكر به نيجار فتنهدت واستطردت من دون التخلي عن ابتسامتها الودودة :
- أم الشهيد بتقلب صفحة الحزن وبتبدل قهرها لعزة وفخر بيه كفاية ان ابنها توفى في سبيل بلده وناسه وانا مش اول ولا آخر واحدة بيدخلولها ابنها في صندوق ملفوف بالعلم يابنتي. 

سقطت دمعة من عينها تأثرا بقوة إيمانها وصبرها فهمست بنبرة متحشرجة :
- حضرتك ست جميلة اوي يا خالة ربنا يجمعكم مع شهدائكم في الجنة. 

أمنت خلفها سريعا ثم غيرت الموضوع ممازحة :
- اتكلمنا كتير ونسينا الوكل يلا سمي الله ومدي ايدك قبل الغدا ما يبرد. 

قضت وقتا جيدا مع النسوة واستمعت بصحبتهن وبعد ساعة خرجت باحثة عنه فسمعت أصوات الرصاص من خلف المنزل ذهبت باتجاههم ووجدت آدم واقفا بإستقامة يحمل البندقية ويطلق على الكرات المطاطية التي تنطلق من بعيد بسرعة فائقة باتجاه السماء فيصيبها واحدة تلوَ الأخرى من دون أن يخطئ في هدف واحد حتى. 
هلل زوج السيدة وفاروق وصفق الصغار باِنبهار طفولي فاِبتسم هو ووضع مابيده على الطاولة بجانبه مغمغما :
- انا ملعبتهاش بقالي فترة والتدريب ده نفعني.  

- طول عمرك بتصيبها من أول مرة ومبتخيبش ماشاء الله عليك. 
قالها الرجل بإعجاب وهنا لمح آدم مجيء نيجار فحدث نفسه ساخرا :
- إلا عندها هي غلطت وخيبت. 

رشقها بنظرات حادة وأشار لها بالمغادرة لكنها ادعت بأنها لم تنتبه وتنحنحت مقتربة منهم بروية ثم قالت بنبرة رقيقة :
- تسمحلي اقف معاكم يا عمو.

نظر لها بضحكة :
- مفيش مشكلة بالنسبة ليا يابنتي بس اسألي جوزك الأول. 

نقلت بصرها لآدم مطالعة إياه بنظرة قطة أليفة وكأنها حقا زوجة مطيعة لا تتحرك إلا بإذنه فكتم فاروق ضحكته أما آدم ضغط على أسنانه متوعدا لها فيما بعد ثم أجاب :
- وانا كمان مفيش مشكلة بالنسبالي بس متتحركيش.

هزت نيجار رأسها موافقة ووقفت بجواره تراقبه وهو يملأ خزان السلاح بالرصاص حتى نطق أحد الأطفال مخاطبا إياها :
- حضرتك بتعرفي تعملي زي عمو يا ابله هو ضربهم كلهم ومعملش غلطة واحدة. 

فتحت فمها لتجيبه لكن هذا الأخير تولى الإجابة بدلا عنها :
- الابله بتعرف تضرب بالخناجر بس ملهاش في الحاجات التانية.  

حمحم فاروق وقلبت هي عيناها بضيق من مقصده وصمتت بينما تابع الآخر مضيفا :
- لو عايز تتأكد من قدراتها جيبلها خنجر وشوف بنفسك. 

لم يكن الطفل يفهم تلميحاته على أي حال لكن نيجار التي أحست به يريد اغضابها التقطت البندقية من يده متشدقة بثقة :
- خلينا نجرب ونشوف لو بعرف العب بالخنجر بس ولا في اسلحة تانية. 

رمقها بتهكم واستخفاف إلا أنها سرقت دهشة لحظية من عينيه حين وجدها تأخذ الوضعية الصحيحة للإطلاق وتثبت السلاح معتمدة على يدها وطول ذراعها وكتفها فبدأ العامل الذي يقف بعيدا عنه بإطلاق الكرات المطاطية من الآلة. 
 واحد ... اثنان ... ثلاثة ... عشرة ! 

انطلقت واحدة تلوَ الأخرى وشرعت نيجار تطلق النار مصيبة إياهم بجدارة ورغم أنها فشلت في بعض المحاولات لكنها أصابت الباقي وجعلت الحضور يندهش من هذه المرأة التي تجيد التصويب ليتكلم الرجل هاتفا :
- ماشاء الله هي ديه حرمة آدم الصاوي بحق. 

تقدم فاروق بضع خطوات وهمس في أذنه بجدية مضحكة :
- ديه طلعت بتصاوب كويس كمان انا بقول لازم تاخد بالك اكتر من بعد كده. 

حدجه آدم برفعة حاجب جعلته يتراجع للخلف فورا ثم نقل نظره لنيجار التي ابتسمت بثقة وقال بخفوت :
- مين علمك التصويب.

ردت عليه بنفس النبرة :
- بابا الله يرحمه كان بيوديني ع اماكن زي ديه من وانا عيلة وهو اللي بدأ يدربني بس بعد وفات صفوان كمل تدريبي. 

دقق نظراته عليها مفكرا بأن هذه الفتاة تتقن ركوب الخيل واِستعمال الخناجر وهذا النوع من التصويب الصعب بمهارة أيضا ولبرهة تساءل بداخله إن كان قد تم تدريبها خصيصا من أجل جعلها عنصرا فعالا في مؤامرات عائلتها أو أنها هي من تميل لهذه النشاطات. 
قطع سيل تفكيره مجيء أحد الأطفال راكضا وكان يعرف هويته جيدا فإقترب آدم مقللا المسافات بينهما وجثى على إحدى ركبتيه فاتحا ذراعاه ليحتضنه مرددا :
- ايه المفاجأة الحلوة ديه يا سليم اخبارك يا بطل. 

رد عليه "سليم" بسعادة :
- بقيت كويس لما شوفتك انا فرحت اوي يا عمو لما عرفت انك جاي لعندنا. 

داعب وجنته المكتنزة وقال :
- وانا كمان فرحت بشوفتك قولي عامل ايه في مدرستك. 

أجابه متفاعلا مع أسئلته تحت نظرات نيجار التي مالت شفتها في ابتسامة تلقائية هامسة :
- يعني حتى العيال بتحبه هو آدم عاملهم سحر ولا ايه. 

لكن سرعان ما بهتت ابتسامتها وانكمش وجهها حينما رفعت رأسها وأبصرت فتاة ترتدي ثوبا زهريا بسيطا قادمة من بعيد على عجلة مقتربة منهما جذبت يد أخيها وأبعدته عن آدم موبخة :
- انت بتعمل ايه هنا مش قولتلك متجيش تضايقه وتعمله دوشة ... عدم المؤاخذة يا بيه انا نبهته بس سلبم مسمعش كلامي ومعرفتش امسكه لما جري مني. 

نهض عن الأرض ورسم ابتسامة زادته وقارا وهو يطمئنها بروية :
- لا أخوكي مضايقنيش بالعكس انا بحب وجوده ... المهم ازيك يا آنسة حياة عامله ايه. 

احمر وجهها ذو البشرة البيضاء ونظرت إلى الأرض بخجل بينما تجيبه وهي تحاول إدخال خصلات شعرها الأشقر داخل الطرحة : 
- بخير الحمد لله يا آدم بيه أحوالي اتحسنت من وقت بدأت اشتغل في المدرسة وكل ده بفضل حضرتك. 

- ده بفضل ربنا يا حياة انتي مُدرسة شاطرة والعيال حابين وجودك معاهم. 

ابتسمت وقد زادها مديحه خجلا ورفعت رأسها تطالعه بعينان ملتمعتان ظهرتا لنيجار بوضوح فـ انتفضت ممسكة ذراعه وقطعت وصل النظرات وهي تردد باِبتسامة مصطنعة :
- أهلا وسهلا. 

حدقت فيها حياة بتساؤل لتجيبها هذه الأخيرة معرفة عن نفسها :
- أنا نيجار مرات آدم. 

خبُت إشراقها تدريجيا وأومأت برأسها مهمهمة :
- متشرفين وأنا حياة.
ثم أمسك يد شقيقها الصغير واستأذنت مغادرة ليسحب آدم ذراعه منها هامسا :
- انتي اتعودتي بقى ع كلمة مراتي ديه. 

ردت عليه ببساطة :
- ماهي ديه الحقيقة انا مش بكدب. 

ثم عضت على شفتها وتمتمت بدلال متعمد :
- وبعدين مش انت امبارح قولتلي اني مراتك وهتوريني بنفسك ايه طبيعة علاقتنا مع بعض ولا نسيت. 

زفر بحنق من لسانها الطويل وردِّها على كل كلمة منه بكلمة أخرى من دون أن تجد رادعا ... إنها حقا ماكرة خبيثة لا تعرف معنى الخجل. 
تنحنح منهيا الحوار واستدار لفاروق قائلا بصوت عالٍ :
- أنا مروح للأرض اللي هناك بقالي زمان مشوفتهاش.  

هز رأسه بإيجاب وتحرك ناحيته لكن آدم أوقفه مستطردا :
- مفيش داعي تجو معايا انا هروح لوحدي. 

- بس يا آدم بيه. 

- خلاص يا فاروق قولت محدش يلحقني انت شوف العمال هنا وانا مش هطول. 

وافق فاروق على مضض والتقط آدم سلاحه وهاتفه ثم فتح فمه كي يأمر نيجار بالعودة لمنزل السيدة أم جميل لكنها قاطعته بلهفة قبل أن يتكلم :
- انا هجي معاك. 

تغضن وجهه بضيق رافضا :
- اظن اني قولت محدش يلحقني يلا ادخلي لجوا ومتضيعيش وقتي. 

رفضت بإستماتة وتعلقت به متشدقة :
- مش عايزة اقعد لوحدي في مكان مبعرفش حد فيه وعلى فكرة حتى لو دخلتني غصب هتلاقيني جاية وراك. 

رشقها بنظرات حادة غاضبة وأوشك على توبيخها لكنه لاحظ تركيز الآخرين عليهما فتنهد بكبت جازا على أسنانه :
- هتفاهم معاكي بعدين يلا قدامي دلوقتي. 

انشرحت أساريرها واندفعت لجواره بحماس كأنه لم يهددها للتو وذهبا سويا للأرض التي تحدث عنها وحين وصلا طالعت نيجار المناظر الطبيعية المحيطة بهما وتنهدت متحدثة بصوت عال نسبيا :
- حلو الواحد يشوف المناظر ديه قدامه صح، الريف جميل اوي بجد. 

لم يعقب آدم عليها وصمت فاِلتفتت إليه متسائلة يإستدراك :
- صحيح هما ليه الناس هنا بيحبوك اوي دول كانو فرحانين بيك جدا ونفسهم يفرشولك الارض ورد انت عملتلهم ايه. 

توقعت أن يغتر ويتفاخر بإنجازاته التي أخبرتها بها تلك السيدة لكن خاب ظنها حينما رد عليها بجمود :
- معملتش حاجة غير واجبي والمحبة الصادقة ديه بتجي من ناس قلوبهم بيضا زي اللي شوفناهم هنا يعني انا مليش أي فضل عليهم. 

شحب وجه نيجار فجأة عندما ذكر المحبة الصادقة وأحست بأنه يرمي عليها اتهامات مبطنة ويعيد عليها ما اقترفته بحقه في السابق فاِلتزمت الصمت هذه المرة وخطت باتجاه بعض الشجيرات الصغيرة تتلمسها وهي تشد معطفها عليها كي تقي جسدها من لفحات البرد، وقف آدم بعيدا يحدق فيها بشرود ثم أدار عيناه لقطعة الأرض المقصودة وفجأة صدع صوت رنين هاتفه وكانت جدته هي المتصلة ففتح الخط :
- ايوة يا ستي. 

وصله صوتها المتجهم من الناحية الأخرى :
- انت فين دلوقتي. 

- في الأرض اللي كلمني العمدة عليها امبارح ليه في ايه. 

زفرت حكمت بعمق وقالت بنبرة ممتعضة :
- مكنتش هكلمك وانت برا واعكرلك مزاجك بس في حاجة حصلت وشغلتلي بالي ... واحدة من الحريم اللي كانو حاضرين في بيت العمدة جت من شويا تقعد معايا وفي نص الكلام قالتلي انها شافت بت الشرقاوي مع ابن عمها واقفين امبارح مع بعض. 

أظلمت عيناه واحتشدت أنفاسه على حين غرة مستمعا لها وهي تضيف :
- انا قلت فنفسي عادي ولاد عم واخوات وكانو بيطمنو مع بعض بس الست قالتلي ان صفوان كان متوتر وعماله يبص وراه وهو بيتكلم بشويش جدا علشان كده انا مقدرتش اتجاهل الموضوع واتصلت بيك بسرعة ... أنا حاسة انهم كانو بيخططو يأذوك وخايفة الكلب ده ياخدك ع خوانه ... الو ... آدم انت سامعني. 

الشيء الوحيد الذي سمعته حكمت في هذه الأثناء هو صوت متقطع يدل على إنهاء المكالمة من طرف ذاك الذي اشتعل غضبا وجنونا بسبب معرفته بأن زوجته المزعومة التقت مع عدوه اللدود في الخفاء فتحرك ينهب الارض نهبا حتى وصل إليها وجذبها بعنف من ذراعها لتشهق متأوهة :
- ااه في ايه. 

غرز آدم أصابعه في لحمها بقسوة أكبر حتى صاحت نيجار ملء صوتها محاولة بيأس التحرر منه وهي لا تعلم ماسبب تحوله هذا وفي ثواني دفعها هو بنفسه بعيدا عنه لتترنح وتصرخ :
- انت اتجننت ايه اللي عملته ده. 

تأوهت مجددا بينما تدلك ذراعها لكن آدم الذي كان يناظرها بوحشية إجرامية لم يكترث بألمها بل ازدادت عيناه قتامة مغمغما بصوت لا يحمل أدنى معالم التحضر :
- هسألك سؤال واحد ومش هكرره واوعى تفكري تكدبي ... انتي وقفتي مع صفوان وكلمتيه امبارح ولا لأ. 

تلاشى الغضب من وجهها تدريجيا وحلت مكانه الصدمة من سؤاله ومعرفته بالأمر فاِرتجفت يداها وزادت نبضات قلبها بعنف وكأنها في سباق، وشعرت بنظراته تحرقها كليا وهو ينتظر الإجابة منها ولعله لا ينتظرها حقا فهو يسألها وكأنه يعلم ماهي الحقيقة فعلا لذلك آثرت نيجار عدم تضييع جهدها في الإنكار فأخفضت عيناها مومئة بتنهيدة :
- ايوة كلمته.

وكأنها قضت على آخر ذرات تعقله ! 
حذرها عديد المرات لكنها التقت به في الخفاء، التقت بالرجل الذي حاك المؤامرات ضده وضحك عليه وهو يرسل ابنة عمه كي تلعب معه لعبة الحب، نفس الوغد الذي حاول قتله ومازال يخطط كي يفسد عمله ويخسر مالديه. 
وعند توالي هذه الأحداث في عقله شدها نحوه ثانية باصقا عليها كلماته الصارخة بجنون :
- شوفتيه ليه اتكلمي كنتو بتخططو لـ ايه عشان تؤذوني مكفاكمش الشر اللي عملتوه من قبل انطقي يلا انتي ازاي تتجرئي تعصي كلامي وتشوفي الـ*** قالك ايه بالضبط ووعدك بـ ايه ... ولا استني نغير السؤال انهي طريقة اقترحها صفوان عليكي المرادي عشان توقعيني انك تغريني وترسمي عليا دور الشريفة تاني ... يبقى ليلة امبارح كانت من تخطيطك انتي ووياه صح استفزتيني علشان اتعصب واقرب منك مش كده. 

حدجته نيجار بدهشة من تفكيره بها لكنه لم يمهلها الفرصة للدفاع فدفعها مجددا باِزدراء متمتما :
- بجد معرفتك هي أسوء حاجة حصلتلي في حياتي، انا بقيت اقرف من نفسي لأني حبيتك في يوم من الأيام. 

قتلها بكلماته ونكَّل بجثتها ... هذا ماشعرت به نيجار وهي تنكس رأسها بخزي متجرعة قسوته بمرارة لقد طعنتها نظراته في الصميم وأدركت كم هو يمقتها ولسبب ما لا تعرفه شعرت لوهلة وكأن العالم أصبح مظلما دفعة واحدة ...
وتذكرت لقاءها مع صفوان ليلة البارحة ...

 Flash back
 
 ( لاحظت ملامحه المتصلبة ولم تستطع منع نفسها من الشعور بالحزن عليه لأنه خسر المنصب الذي لطالما طمح إليه ففتحت فمها كي تواسيه لكن صفوان قاطعها بنبرة لا تحتمل الجدال :
- انا عارف هتقولي ايه كويس بس وفري كلامك لان الوضع ده مش هيستمر كتير.

زفرت أنفاسها المهتاجة متسائلة بتوجس :
- ازاي يعني انت ناوي ع ايه بالظبط.

- ناوي اخلص ع آدم والمرة ديه اتأكد من انه يموت بجد. 

نطق الجملة بنبرة إجرامية وملامح لا تمت للإنسانية بصلة فلم تكد نيجار تزن الكلمات في عقلها حتى وجدته يكمل وعيناه تقطران شرا :
- وانتي هتساعديني وبكامل إرادتك المرة ديه !

طالعته وكأنه مختل لا يدرك مايقوله وبقيت صامتة تحدق في مدى جديته حتى رفعت يداها كي تبعده عنها وقالت :
- هعتبر انك مقولتش حاجة وانا مسمعتش خالص ابعد عن طريقي. 

- تعالي هنا انتي رايحة فين. 
أمسكها وأعادها لمكانه مردفا بهمس غاضب :
- فاكراني بهزر معاكي ولا ايه انا بتكلم جد اتفقت مع واحد خبرة وانتي اللي عليكي انك ااا...

قاطعته نيجار بسخط :
- انت اتجننت خلاص فاكرني مجرمة وماشية اقتل في الناس هو ده اللي كنت عايز تتكلم فيه وانا افتكرتك قلقان عليا وبتسأل عن حالي بس يا خسارة انت مش هتتغير وخلاصة الكلام أنا مش هأذي آدم نهائيا ولا اجي ناحيته مفهوم. 

- ايه العنفوان ده كله خلاص حبيتيه نسيتي انتي بنت مين و ولائك بقى لعيلة الصاوي العيلة اللي سرقت حقنا مننا. 

لمعت عيناها بقوة متهدجة :
- ديه مش مسألة حب ولا ولاء الموضوع هنا انك فاكرني أداة لتنفيذ جرايمك في الاول خليتني اضرب آدم بخنجر مسموم وولعت في البيت ودلوقتي جاي تقولي ببساطة اني هساعدك عشان تقتله وقاعد تشرحلي عن خطتك كمان ... بص يا صفوان انا من زمان ارتكبت غلطة كبيرة ولسه لحد دلوقتي بدفع تمنها بس مش هكررها تاني ومش هعمل أي حاجة زي ديه. 
انا متفهمة قد ايه انت زعلان وحاسس نفسك مظلوم بس المواضيع ديه مبتتحلش كده لو ليك حق رجعه بنزاهة وشرف مش بالغدر. 

أطلق ضحكة هازئة وعلق عليها :
- ايه كل المواعظ ديه حق ونزاهة وشرف معقوله آدم قدر يسيطر عليكي للدرجة ديه نسيتي عملتي ايه من قبل عشان توقعيه. 

نفت نيجار برأسها مرددة :
- لا منستش ومحدش مخليني انساه اصلا بس اللي لازم تعرفه اني هقف معاك لما تطالب بحقك قدام الناس كلها ومتطعنش في الظهر غير كده لا يا ابن عمي. 

- اوف تمام انا بطلت اعمل اللي في دماغي ومش هجي ناحية ابن سلطان بس اعرفي انك بتغلطي وبتنجرفي ورا مشاعر فاضية يا بنت عمي اوعى تقعي في المحظور وترجعيلي معيطة. )

 Back
مدت اصبعها تمسح دمعتها التي نزلت كخط شلال رفيع وهمست بتحشرج :
- انا وصفوان ...

ولم تكمل، ولم ينتظر آدم إنهاء جملتها لأنه وبينما يقف مقابلا لها تماما تحرك للجانب الأيمن فاِرتد جسده للأمام بعنف وهو يشعر بلسعة نارية تخترق ظهره على حين غرة مخلفة آثارها على وجهه الذي احتقن فجأة...
أما هي فتوقفت عن الحديث بعدما سمعت صوت رصاصة يمزق السماء ثم لاحظت تصنمه الغريب الذي جعل أنفاسها تختنق وهي تتمنى لو يكون ما تفكر به خاطئا ولكنه مع الأسف ليس كذلك .. 

رأته نيجار بأم عينيها وهو يترنح فصرخت ملتقفة إياه قبل أن يسقط لكنها لم تستطع إحكام توازنها بسبب جسده الثقيل فوقعت معه وصاحت بلوعة :
- آدم ... آدم رد عليا. 

هدرت بفجع تناديه وحدقتاها تتبعان ملامحه الشاحبة، عيناه الواهنتان مرتكزتان عليها وشفتاه فقدتا معالم الحياة فهزت رأسها بذعر تضاعف عشرات المرات حين رفعت كفها الموضوع على ظهره الدافئ فوجدته أحمرا ! 
ولم تكد تستوعب مايجري تماما حتى رأت آدم يفقد وعيه كليا فأجهشت بالبكاء صارخة بأعلى صوتها :
- لا لا آدم متغمضش عيونك لاااا.  

تعليقات