رواية نيران الغجرية الفصل التاسع والاربعون49 والخمسون50 بقلم فاطمة أحمد
الفصل التاسع و الأربعون : عاشق.
" كيف لأحلامنا الجميلة أن تتحقق ، وقد حالت بيننا القبيلة ...
وقيدتنا قلة الحيلة ...
ما أقسى الواقع ..
حين يضيق عن احتواء أحلامنا الجميلة !" # وحين_يجمعنا_القدر
- ازاي قدرو يحطو الجهاز ده جوا بيتي و يفضلو يتجسسو علينا من غير حد مايكتشف !
ردد عمار بسخط أهوج وهو يشعل سيجارته الرابعة بينما يجلس مع مريم مقابل مكتب وائل الذي طلب منهما الحضور الى مكان عمله فورا ، فتنهدت الأخرى بتعب مدلكة جبينها وهي تكاد تعتبر أن ما يحدث معها محض خيال فقط
لا تصدق أنها كانت طوال هذه السنين تحت مراقبة المجرم المجهول وبسبب تجسسه عليها عرف أنها حامل فتخلص من طفلها ، ولكن مالذي استفاده من كل هذا ولماذا قتل جنينا لم يرَ نور الشمس بعد بل و حرمها من إمكانية الحمل و الإنجاب مجددا.
لقد كانت كل هذه الفترة تتهم الشخص الخطا و تترك المنذب يجول و يمرح ساخرا من غبائها و هاهي تدفع ثمن خطئها ذاك ، فعمار لم يعد ينظر الى عينيها حتى !
رد وائل بجدية على تساؤل عمار :
- في طرق كتير تمكنه من انه يدخل لبيتك زي مثلا استغلو غيابكم عن الشقة و اتسللو ليها او واحد من الحرس بتوعكم دخل لجوا ...ولا ممكن يكون حد من اللي بتطلبهم عشان يضبطولك حاجة في الشقة السباك مثلا.
فكر عمار قليلا ثم اجابه :
- انا كل اللي كنت بطلبهم لشقتي ناس معروفة و بتعامل معاها من زمان مفيش حد منهم عنده علاقة بالتجسس و قدرة يزرع جهاز بالبراعة ديه.
- في واحد انا شوفته أول مرة و مرجعتش لمحته تاني.
كان هذا صوت مريم التي نظرت لهما على الفور بعدما تذكرت حادثة في غاية الأهمية فرمقها الآخر بتعجب لتشرح هي على الفور :
- لما روحنا سوا لبيت عمي و رجعنا بعدها بيوم ساعتها انت سبتني و مشيت وانا طلعت لوحدي ....
Flash back
( دلكت مريم رأسها بألم تزامنا مع الوصول الى طابق شقتها خرجت من المصعد فتقابلت مع رجل يبدو من ملابسه أنه عامل صيانة و بجانبه البواب ليبادرها الأخير بالقول :
- أهلا وسهلا يا هانم الاستاذ لسه مخلص شغله زي ما عمار بيه طلب.
تذكرت مريم أن زوجها أمر البواب البارحة بجلب عامل صيانة ليجري بعض التعديلات
في حوض المطبخ و أن يرافقه بعمله حتى ينتهي فإبتسمت بوهن :
- الله يسلم إيديكو يارب ... عن إذنكو. )
Back
استدار اليها عمار سريعا مرددا باِستدراك :
- فعلا انا طلبت واحد متعود اتعامل معاه بس البواب قال ان حد تاني جه مكانه لان الشخص اللي طلبته كان مريض في اليوم ده بس مسألتش عنه هو مين لاني انشغلت بمواضيع تانية فنفس اليوم.
ليلتها اعترفت هي لزوجها بأن ابن عمها ضايقها اثناء وجودهما في منزل والده و كان يتحرش بها في السابق و بعدها بأيام قليلة سمعت ان الأخير قد تعرض لحادث أدى لإصابته بشلل في ذراعه اليمنى.
يبدو أن هذا ما جعل عمار ينشغل عن الاستفسار عن هوية القادمين لشقته ، فكرت مريم وهي ترفع وجهها اليه بحيرة ثم تمتمت :
- عايزة اقول حاجة كمان ... انا في اخر شهرين قبل الحادثة كنت باخد بالي من وجود عربية سودا تحت بلكونة الشقة في الاول فكرت نفسي بتوهم بس الظاهر كنت غلطانة.
حدجها الآخر بدهشة و قال :
- انتي مقولتليش الكلام ده ليه قبل كده !
- قولتلك افتكرت نفسي متوهمة وبعدما هربت بدأت افكر في انه ممكن انت اللي باعت ناس تراقبني.
مسح عمار على وجهه كاتما الفاظ مسيئة يسعى لكي لا تغادر لسانه وهو يكاد يطلق مسبات الآن بالفعل ، صحيح أنه كان يرسل خلفها حراسه ولكن عندما تكون خارج المنزل ، أما ان تتم مراقبتها وهي داخل منزله ؟ من يملك الجرأة ليفعل هذا !
تأفف بحدة و رمى عليها كلماته :
- الاسرار اللي مخبياها عني خلصت ولا لسه في شوية كمان ؟ ولا في حاجات تانية عايزة تتهميني بيها.
رمقته مريم شزرا مجيبة بدفاع عن نفسها :
- انت مسبتليش اي فرصة عشان اكلمك اصلا كل لما اجي اقولك ع حاجة خبيتها عنك بيطلعلي مليون سبب يخليني اتراجع !
ساد الصمت بينهم لبضع ثوان ثم نظرت الى وائل و قالت :
- احنا هنعمل ايه دلوقتي الدكتور احنا بنعرف مكانه و سليم بقينا عارفين انه جاسوس و كمان الراجل اللي ركب جهاز المراقبة هنقدر نعرفه بسهولة ... ناقص ايه علشان نتحرك ؟
رد عليها وائل بجدية :
- احنا لازم نشتغل بهدوء و منخليش المسؤول عن كل ده يكتشف اننا بندور عليه عشان ميقدرش يهرب او يخفي اي دليل بيدلنا عن مكانه ... الصبر واجب.
هزت مريم قدميها بعصبية و علقت على حديثه مستنكرة :
- اصبر ؟ عديم الانسانية حرمني من ابني و خلاني اعيش في كوابيس وانا معملتوش حاجة ولا أذيته انا مبعرفوش حتى بس هو عمل اسوء جريمة ممكن تحصل في أم ... و خلاني اغلط.
اختفت آخر حروفها المرتجفة داخل حلقها وهي تكتم غصة خنقتها و دمعت عيناها فلم يجد عمار إلا وهو يضع يده على خاصتها ويحكم القبض على كفها بتقاسيم وجه حازمة و كأنه يخبرها بأن إيجاد ذلك الوغد و محاسبته وعد قطعه على نفسه.
طالعته مريم بقلة حيلة و بؤس ارتسم في عينيها بينما يقول وائل :
- انا عارف ان الموضوع صعب على حضرتك بس مفيش ف ايدينا حاجة غير نعملها الحادثة قربت تقفل السنتين ومش بالسهولة ديه نقدر نفتحها تاني و نعرف كل طرف فيها.
تنهدت مريم و هزت رأسها ليخبرها عمار بأن الوقت تأخر ويجب عليها العودة للشقة ، عارضت في البداية ولكنه أقنعها و أرسلها في سيارة أجرة بعدما تأكد بأن لا أحد يتبعها و بعدما غادرت جلس الأخير و نظر الى رفيقه قائلا :
- بقى واضح ان اللي عمل المشاكل ديه حد قريب جدا مني و ممكن يبقى واحد من عيلتي.
نطق آخر جملة بصعوبة ثم أردف :
- من فترة كنت براقب سليم بس مظهرتش عليه حاجة تدل ع انه خانني لكن بما ان اللي باعته واحد بيعرفني و عارف طريقة تفكيري احتمال كبير يكون فهم الخطوات اللي ناوي اعملها و اخد تدابيره عشان يظهرلي ان سليم راجل وفي.
طرق وائل بقلمه على سطح المكتب مفكرا :
- ده اكيد علشان كده مفيش حاجة ظهرت ع سليم يبقى كده مراقبتنا ليه مبتنفعش لازم نغير طريقة تفكيرنا و متنساش اننا دلوقتي سابقينه بخطوة احنا صحيح مبنعرفش هو مين بس على الاقل بقينا عارفين انك متراقب و خطواتنا الجاية هتكون عبارة عن اننا نلعب عليه و نخليه يفتكر انه لسه بيخدعنا.
هز عمار رأسه و شرد في شيء ما سرعان ما درأه عن عقله ثم ارخى اذناه للآخر يستمع لما يقوله ...
_________________
في المساء.
دخل عمار الى القصر ووجد العائلة متجمعة على مائدة العشاء فصعد لغرفته مغيرا ملابسه و عند خروجه تقابل مع ندى التي كانت ستنزل الى الأسفل ، نظرا لبعضهما قليلا قبل ان يتنحنح هاتفا :
- ازيك يا ندى.
هزت رأسها ببطء دون كلام فبادلها بنفس الحركة و سبقها في المشي حتى أوقفته فجأة منادية اياه :
- عمار.
استدار اليها بتساؤل فاِقتربت منه وضغطت على يدها شاردة في مكالمة والدها عندما سمعته وهو يقول لأحدهم بأنه يخطط لإقالا عمار من منصبه ، و احتارت في مسألة البوح له بالأمر أم لا لذلك صمتت مترددة ليقضب الآخر حاجباه مستغربا :
- في ايه يا ندى عايزة حاجة مني او محتاجة اي مساعدة اتكلمي متخفيش.
ضغطت على شفتها باِرتباك وفي النهاية قالت له :
- انت عامل ايه في شغلك ... سمعت انك كنت غايب في اخر فترة.
رمش بعينيه مرتين محاولا معرفة مايدور بخلدها و لكنه أجاب على اي حال :
- صحيح انا حضرت فرح واحد معرفة من الاسكندرية بس بتسألي ليه في حاجة ؟
بللت ندى شفتها لتهتف دفعة واحدة :
- يعني انا كنت بسمع بابي وهو بيقول لاونكل رأفت انه مضايق من غيابك الغير مبرر و اعضاء المجلس اشتكو كمان و ده ممكن يأذيك في شغلك فقلقت عليك ... That's it.
لم تستطع الاعتراف بخطط والدها بطريقة مباشرة لذلك حاولت التلميح له قدر الامكان كي يأخذ تدابيره ، و بالفعل استمع اليها عمار و تنهد بسأم من عمه الذي أصبح فجأة يود الوصول الى منصبه في الشركة بطرق ملتوية مثل تحريض السيد رأفت و اعضاء مجلس الادارة و الزبائن ضده.
ثم ابتسم لها قائلا :
- مفيش داعي تقلقي يا قطن صحيح انشغلت بحاجات عرضية بس خلاص دلوقتي فضيت ... و هركز في شغلي جدا.
هتف بآخر جملة بنبرة متوعدة لم تتبينها وهي تبادله الابتسامة ثم تنزل و يتبعها هو ، جلس الإثنان فهمست له سعاد :
- انت اتأخرت اوي النهارده.
همهم بدون تركيز :
- كانت عندي مشاغل يا سعاد هانم.
هزت رأسها بغير رضا ولم ترد التعمق في التفاصيل ف اختارت الصمت حتى نطقت فريال بحشريتها المعتادة :
- الظاهر انت كنت مشغول لدرجة نسيت ان بكره الذكرى السنوية بتاعت والدتك الله يرحمها.
ضغط عمار بأصابعه على الشوكة التي يلتقطها و حاول رسم ابتسامة صفراء على وجهه وهو يرد عليها :
- لا انا لسه فاكر ... اكيد حضرتك مش هتهتمي بذكرى والدتي اكتر مني يعني.
توتر الجو قليلا و لمعت عينا رأفت بحزن التقطته سعاد بسهولة فقالت :
- الله يرحمها احنا هنطلع صدقات و نتمنالها الرحمة.
- امين.
همهم الجميع خلفها و ساد الصمت الموحش قبل أن يقوم عمار و يذهب الى الحديقة الخلفية ، وقف يستقبل نسمات الهواء الباردة وهو يدخن حتى سمع صوت خطوات قادمة و تفاجأ عندما وجده رأفت الذي أخذ مكانا لنفسه بجانبه و ظل يتأمل الظلام حتى قال :
- انت كل مرة بتجي تقف لوحدك هنا لما تبقى زعلان او بالاخص لما تجي سيرة مامتك.
اطفأ عمار سيجارته بينما يردد ببرود :
- اول مرة اعرف انك واخد بالك من تصرف بعمله في حالات معينة.
حدجه رأفت مؤكدا :
- انا عارف كل تفاصيلك يا عمار وبقدر اعرفك وانت مبسوط او وانت زعلان ومضايق.
دحرج الآخر مقلتاه في المكان بربكة قبل أن يسأله على حين غرة :
- حضرتك كنت بتحبها ... اقصد والدتي.
تفاجأ رأفت من سؤاله و بهت قليلا ليقول :
- ايوة ... طبعا كنت بحبها.
- طب وهي.
استفهم مجددا و هذه المرة ركز عليه بنظراته التي اربكت الأخير و جعلته يتنفس بعمق عدة مرات قبل أن يردف :
- ايوة حبتني ... و حبتك جدا انت كمان لدرجة جابتك نسخة عنها.
وضع يده على كتفه ولده متابعا :
- و انا بردو حبيتك يا عمار ... انت مبتقدرش تتوقع انا عملت ايه عشانك و علشان تبقى مبسوط و مرتاح حتى لو اتخدت طرق صعبة و قاسية بس كل ده عشان في الاخر تطلع راجل زي دلوقتي.
حينها لم يتوقع رأفت أن يبدي الآخر اي ردة فعل ، و لكن عمار صدمه بأن ابتسم له بخفوت و كأنه يخفف عنه ألم تأنيب الضمير ثم طالع الأشجار من حوله وهو يفكر بأنه ... من غير الممكن أن يكون والده تمادى في اخطائه لدرجة أن يقتل طفله !
___________________
في مساء اليوم التالي.
جلس داخل سيارته المركونة على طرف الشارع يراقب مغادرة آخر فرد من المقبرة وقد كان عمار الذي جلس طويلا يتحدث معها بكلام لم يصل لأسماعه.
و عندما غادر عمار ، ترجل هو و خطى ببطء نحو قبرها المكلل بالورود و النباتات التي كانت تعشقها في الماضي ، و جلس على حافته مشاركا دموعه مع قطرات المطر الخفيفة تحت القمر المختبئ خلف الغيوم ...
ارتجفت يده التي امتدت لجيب بنطاله مخرجا منها صورة قديمة لسيدة فائقة الجمال ، بملامحها الفاتنة و ابتسامتها الأنيقة التي سحرته في الماضي ، و التمعت عيناه بدموع الحسرة مجددا وهو يهمس للتربة الباردة :
- فيروز ... مهما عدت السنين مش قادر انساكي ... ملامحك و ضحكتك و شخصيتك ... انتي هتفضلي جوا قلبي و مستحيل تطلعي منه.
ملس بيده على اسمها المحفور على شاهد القبر و تأوه بألم مردفا :
- انتي موتي مرة واحدة بس انا موت اكتر من مرة ... لما اتجوزتي راجل غيري ولما خلفتي من غيري ولما حطو الكفن عليكي ... و من ساعتها وانا بتقهر على حبي اللي مجبور اخبيه و مبينش وجعه لحد.
انتي كنتي كتيرة على واحد زي رأفت يا فيروز ... واحدة زيك كان لازم تبقى معايا انا بس هما بعدونا عن بعض و اضطرينا بسببهم ناخد طريق غلط علشان نعيش حبنا بس انا مش ندمان ... عمري ما هندم على حبي ليكي.
ضغط على الصورة المهترئة و دمدم بهمس خشن :
- انا مش هسامحهم لانهم اخدو حبي الوحيد مني ... صحيح انا عرفت كتير غيرك في الوقت اللي كنت فيه معاكي و عشان كده انتي كرامتك انجرحت و قررتي ترتبطي بغيري بس فين المشكلة ماهو انا كنت بحبك انتي بس و الباقي كانو تسلية بالنسبالي شوفتي ايه اللي ضيعناه من حياتنا بسبب قرار خدتيه في لحظة تهور لما قولتي انك هتتجوزي رأفت اللي طلب ايدك ؟
هو طول حياته بياخد حاجة غيره وانتي كنتي بتاعتي وهو طمع فيكي بس قلبك كان ملكي انا و حتى جسمك.
نزلت دموعه بغزارة و تحشرج صوته المتألم الذي اعتاد اخفاءه كي لا يعلم أحد به ، و غلغل اصابعه بداخل التربة الرطبة جالسا معها بضع دقائق قبل ان ينهض ويسير الى سيارته بملابس متسخة و أعين محمرة بفعل البكاء.
أخذ مكانه و أسند رأسه على المقود بتعب و حزن ممتزج بالحقد و الغضب ثم نهض و فتح باقي الصورة المطوية ليظهر مع السيدة شاب في العشرينات يحتضنها و يمسك بيده وردة من نفس نوع الورود الذي على قبرها ....
فاِبتسم و مرر أصابعه على وجهها قبل أن يقلب الصورة و يتراءى له تاريخ ذلك اليوم عندما كانا معا و التقط لهما أحد المارين صورة للذكرى ...
ثم ملس على حروف اسمها المكتوبة بخط يدها الأنيق بجوار اسمه ... " فـيـروز ، عــادل " ...
__________________
ستوووب انتهى البارت
رايكم فيه
مريم و عمار هيقدرو يجتمعو تاني عشان يوصلو للمجرم ؟ و هل عمار هيكشف سليم بعدما يغير طريقة تفكيره ؟
هل هيجي يوم و عمار يشك في ابوه اللي بدأ يقرب منه ؟
رايكم في اخر مشهد ؟ هل كنتو تتوقعو هوية عشيق فيروز و ياترى ايه سبب انفصالهم و ازاي ؟
رايكم وتوقعاتكم للأحداث القادمة
: ما بعد الصدمة.
( قبل 36 سنة.
داخل شركة حديثة النشأة جلس السيد الكبير "عيسى البحيري" مع إبنه رأفت مقابل صديقه القديم الذي عاد من فرنسا مؤخرا و قرر ابرام عقد معه لإنشاء مشروع متوسط الميزانية و الذي سيكون نقلة كبيرة بالنسبة اليهم اذا استطاعا النجاح فيه.
و بينما يتناقشان أرخى رأفت أذنيه لوالده بعدما همس له :
-- اخوك فين يا رأفت المفروض يكون هنا من ساعة.
تنحنح و عدل نظارته الطبية مجيبا اياه بكذب :
- كان سهران بليل مع الملف اللي ادتهوله يا بابا و مقدرش يصحى بدري النهارده بس متقلقش حضرتك يدوب كام دقيقة ويكون هنا.
تنهد الآخر بحنق بينما سكت رأفت وهو يتوعد لشقيقه الأصغر الذي قضى الليلة الماضية في الخارج مع أصدقائه و ترك له هو مهمة إنجاز عمله و يا ليته جاء مبكرا اليوم على الأقل لم يكن سيستمع لزفرات ابيه المستمرة.
طرق الباب فجأة و سمع صديق والده يردد :
- اهلا يا فيروز اتفضلي يا حبيبتي.
- Bonjour.
عند التقاط أذنه لهذا الصوت الأنثوي الناعم رفع رأفت رأسه بتلقائية و فتح فمه كالأخرق وهو يرى أمامه تلك الفتاة الجميلة ذات الشعر البني الذي سرحته على الطريقة الفرنسية و العينين الزيتونيتين تقف بقامتها الطويلة بفستانها الكلاسيكي الأبيض و تبتسم برسمية تنم عن مدى غرورها و ثقتها بنفسها ...
كانت هذه الآنسة ذات هالة تنشر أثرها في الأنحاء سريعا وربما هذا ما جعل رأفت يقشعر عندما حدثه والدها مرددا :
- احب اعرفك ديه فيروز بنتي دارسة في باريس و متحصلة على شهادة ماجستير في ادارة اعمال و بتعرف 4 لغات و ده رأفت اللي حكيتلك عنه.
- اا ... اهلا بحضرتك شرفتينا.
تمتمم الأخير بهدوء ومد يده فصافحته فيروز بجدية :
- الشرف ليا مسيو رأفت.
جلست معهم و بدأت تكلمهم على المشروع الذي ستبدأ فيه معهم و طوال النقاش كان رأفت يستمع اليها باِهتمام و اعجاب أقرب للاِنبهار لأنه لأول مرة يرى امرأة تجمع بين الجمال و الذكاء و الثقة الى هذه الدرجة و هذا ما اتضح من خلال مناقشتها لهم عن فكرتها و اعطائهم الحجج المقنعة ...
حتى انتهى الاجتماع و نهضت فيروز قائلة :
- انا عندي شغل دلوقتي بستأذن من حضراتكم.
اشار عيسى لرأفت بأن يرافقها للخارج ولكن الأخيرة رفضت بأدب مخبرة اياه بأنه لا داعي لإتعاب نفسه ، و اثناء مغادرتها ذلك المبنى فوجئت باِصطدامها بأحد الأشخاص فاِرتدت الى الخلف ليهمهم الآخر :
- انا اسف يا ... انسة.
تمتم عادل بتحشرج عند رؤيتها و اردف بدون شعور :
- مش اسف اوي يعني.
قضبت فيروز حاجبيها بعدم فهم :
- Pardon ?
ابتسم و تأملها بنظرة سريعة قبل أن يحمحم و يصافحها معرفا عن نفسه :
- انا عادل ابن عيسى البحيري ... مين حضرتك ؟
- و انا فيروز.
تمتمت بترفع و غادرت تاركة اياه يطالع اثرها باِعجاب ، و توالت الأيام وهما يلتقيان في الشركة كان عادل الشاب الوسيم المرح الذي يملك هالة تؤثر على الكثير من النساء بلطافته و فوضويته و مع أن فيروز قد لاقت اعجابات عديدة من الرجال إلا انها لم تتأثر بأحد بهم.
غير أنه حين انتهج عادل أسلوب البرود بعدما كان يصادفها مرات عديدة و يغازلها شعرت فيروز بالإستغراب من تغيره و باتت تنزعج من ابتعاده و وقوفه مع الموظفات.
ولكن كبرياءها منعها من اظهار ذلك و مثلت عدم الإهتمام به لفترة طويلة نسبيا حتى وقعت في شباكه و سعدت حينما سحبها نحوه يوما و اخبرها بأنه يحبها و منذ ذلك الوقت وهما على علاقة معا حتى صدمت فيروز في إحدى المرات عندما رأته يخونها مع صديقة له.
في تلك اللحظة انقلبت حياتهما على عقب حين انفصلت عنه ولم تلقي بالا لاِعتذاراته لأنه بفعلته الشنيعة جرح غرورها الذي حافظت عليه طويلا ...
مرت اشهر على فراقهما حتى نال عادل الصدمة القاسية في حياته عند تقدم شقيقه لطلب يد فيروز بدعم من والديه و الأقسى هو ان الاخيرة وافقت ...و تزوجا ليصبحا يعيشان في نفس المنزل !
مرت السنين و كانا قد أنجبا طفلا عبارة عن نسخة مصغرة من أمه ، و عاش عادل اسوء ايامه وهو يرى حبيبته مع أخاه الكبير حتى انه تزوج ب امرأة أخرى لعله ينسى فيروز ولكنه لم يستطع وهي ايضا لم تفعل لأنه وبعد سنوات قليلة عاد قلبها ينبض بحبه بعد تودده المستمر لها خاصة أنها كانت تعيش مشاكل و ضغوط كثيرة مع زوجها الذي تجعله يشعر وكأنه نكرة لا يحظى من حبها و احترامها شيئا ...
و بعدها حصل كل شيء بسرعة و بدأت الخيانات تفتح أبواها للإثنين ... )
___________________
*** عودة للحاضر.
- انا مشوفتش وشه بس احيانا لما بقعد افتكر بحس اني سامع صوت الراجل اللي كان معاها و احيانا بتجيلي مشاهد ضعيفة جدا بلاقي نفسي واقف قدامه و بكلمه وانا طفل بس وشه مضبب مش باين و فجأة المشاهد ديه بتختفي .. مش عارف اذا اللحظة ديه انا عشتها حقيقي ولا كنت بتخيلها.
ردد عمار بسلالة وهو يستلقي على الأريكة فطرقت ريماس بالقلم على سطح المكتب قائلة :
- ركز اكتر و حاول تفتكر اخر حاجة انت لسه فاكرها هي ايه.
تنهد مخرجا الهواء من أنفه و عمل على تصفية ذهنه بشكل جيد مسترجعا الأحداث التي عاشها منذ سنوات طويلة ثم همس بتهدج :
- كنت قاعد مع تيتا و امي جت و قالت انها رايحة لواحدة صاحبتها و هتوديني معاها ... و احنا في العربية فجأة بقت تسوق بسرعة و تلف وشها لورا وهي متعصبة بعدين هديت ووصلنا للشقة اللي متعودة تروحلها وكانت مفهماني ان عندها شغل ولازم اقعد استناها برا لحد ما تجي.
- كنت شايف ايه ع وش مامتك لما كانت رايحاله ؟
- حسيتها قلقانة و مبسوطة فنفس الوقت و في لهفة كبيرة باينة فعينيها زي ... زي لهفة مريم لما كنت بروحلها بعد غياب شهر وشهرين ... انا فاكر في اليوم ده طلبت مني اقعد في الصالة ومدخلش للأوضة لان عندها شغل مهم مع صحابها بس انا حسيت بالملل و الخوف كمان من القعدة لوحدي علشان كده قومت ووقفت قصاد باب الاوضة ... ديه كانت تاني مرة اعملها لأني فأول مرة سمعتها وهي بتعبر عن حبها ليه بس المرة ديه ...
( - انتي مش شايفة انك بتعملي مخاطرة كبيرة لما تجيبي ابنك معاكي ؟
- و اعمل ايه يعني رأفت مكنش هيسمحلي اطلع لوحدي هو من غير حاجة بقيت احس انه بدأ يشك فيا و بعت ورايا الحراس بتوعه بس انا قدرت افلت منهم.
- طيب عمار ممكن يقول لأبوه ع كل حاجة هنعمل ايه ساعتها.
- لا انا منبهة عليه ميتكلمش عن اي حاجة بتحصل هنا بعدين انت ليه محسسني اني مش مهتمة مع ان انا اكتر واحدة هتتأذى لو علاقتنا اتكشفت ... لولا اللي عملته حضرتك زمان مكناش هنضطر نعيش في الخفاء و مكنتش واحدة زيي ليها سمعتها و قيمتها بين الناس تنزل مستواها للدرجة ديه و تخون جوزها مع...
- فيروز حبيبتي انا مبقصدش والله وخوفي عليكي اكبر من خوفي ع نفسي انتي عارفة بحبك قد ايه ولو على علاقتنا ف انا طلبت منك تطلقي من رأفت و نتجوز بس انتي مرضتيش.
- لو اطلقت هياخد مني ابني يا استاذ وبعدين انت هتقدر تسيب بنتك و مراتك و تجي معايا ؟ سكت ليه ولا معندكش الجرأة تجاوب.
- فيروز انتي ليه بتقلبي المواضيع كده ايه اللي وصلنا للنقطة دي اصلا انتي عارفة اني بعمل كل حاجة علشانك.
- مش عارفة بس انا مش حاسة نفسي كويسة ... عايزة اروح.
سمع عمار صوت خطوات تقترب و فجأة فتح الباب .... )
انتفض في مكانه شاهقا و فتح عيناه بسرعة فقامت ريماس و أعطته كوب الماء ليرتشف منه ثم أمسكت يده المرتجفة مهدئة اياه :
- خلاص متضغطش على نفسك كفاية كده النهارده.
ازدرد ريقه و هز رأسه باِرهاق :
- لا انا كويس خلينا نكمل.
- اوك ... قولي انت شوفت مين لما الباب اتفتح.
ضيق حاجباه بسخط :
- مش فاكر اي حاجة حصلت بعد الباب ما اتفتح انا فاكر اني فنفس اليوم صحيت ولقيت نفسي في المشفى و أمي بتقول لأبويا اني وقعت من الدرج لما كنت بلعب وفعلا دماغي كانت متخيطة وكنت حاسس بوجع كبير بس مش فاهم ازاي ده حصل و ليه نسيت اللحظة اللي بعد فتح الباب.
نظر اليها و تابع :غ
- انا حاسس اني شوفته بس مش فاكر هو مين يا دكتورة.
طالعته ريماس وهو متشنج هكذا و يبدو كمن يصارع نفسه ليسترجع تلك الدقائق التي مسحت من ذاكرته فعادت الى مكانها و قالت بجدية :
- انت لو فعلا شوفته بس مش فاكر اللحظة ديه و اتمسحت من ذاكرتك يبقى احتمال كبير يكون عندك اضطراب مابعد الصدمة ( Post-traumatic stress disorder ).
شعر عمار بالغرابة و تساءل بعدم فهم :
- يعني ايه.
اعتدلت في جلستها و بدأت بالشرح له بأسلوب سلس عن ماهية هذا الاضطراب.
يسمى اضطراب ما بعد الصدمة أحيانًا اضطراب الكرب التالي للرضح، وهو اضطراب القلق المرهق الذي يحدث بعد التعرض لحدث صادم أو مشاهدته.
وقد يتضمن الحدث تهديدًا حقيقيًا أو متوقعًا للإصابة أو الموت، ويمكن أن يشمل ذلك حدوث كارثة طبيعية، أو حرب، أو اعتداء جنسي أو جسدي، أو وفاة غير متوقعة لشخص عزيز، أو أي صدمة أخرى.
ويعاني الأشخاص الذين لديهم اضطراب ما بعد الصدمة من إحساس قوي بالخطر، مما يجعلهم يشعرون بالتوتر أو الخوف، حتى في الحالات الآمنة، ويمكن أن يحدث اضطراب ما بعد الصدمة لأي شخص في أي عمر.
إذ يظهر كرد فعل على التغيرات الكيميائية في الدماغ بعد التعرض لأحداث مؤلمة، ولا يكون اضطراب ما بعد الصدمة نتيجة لخلل في الشخصية أو ضعف.
أنهت ريماس تعريفها لهذا الإضطراب مردفة بعملية :
- الشخص المصاب بالاضطراب ده بتظهر عليه عدة اعراض بتفكره بالصدمة اللي عاشها ، مثلا حالة اعادة التجربة اللي بيعاني فيها المصاب من استرجاع الحدث بشكل متكرر من خلال ذكريات الماضي اللي بيحس وكأنه بيعيشها تاني ، كوابيس عن الحدث ده و ديه عدم الراحة النفسية و الجسدية لما يفتكر حاجة تخصه.
اللامبالاة العاطفية والانعزال عن الناس
فقدان الذاكرة للحدث الفعلي و عدم القدرة على التعبير عن المشاعر.
طالعها بتركيز وهو يشعر وكأنها تتحدث عنه هو لأن جميع هذه الأعراض قد عاشها بالتفصيل من بعد ذلك اليوم.
تأوه عمار مستمعا لإضافتها :
-بتحصل كمان نوبات من الغضب و الاحساس الدايم بالخطر و انعدام الأمان و مشكلة في تذكر الحدث و نوبات هلع بتتسبب في الدوخة و الإغماء و الصداع ، و ده نفس اللي بيحصل معاك يا عمار احتمال كبير جدا تكون شفت الراجل ده فضربك او عملك حاجة تخلي عقلك الباطني يتخذ وضع الحماية و يمسح الذكرى ديه من دماغك.
تصبب جبين عمار من العرق فرفع يده يمسحه بجمود وهو يفكر في كلامها و يجد أنه منطقي حقا لذلك تنحنح يجلي صوته الخشن هاتفا :
- لازم اعمل ايه علشان ارجع افتكر كل حاجة يا ريماس ... قوليلي ازاي اقدر افتكر اللي حصل !
حينها ردت عليه :
- قولي الاول انت مستعد تعرف هو مين ... من خلال كلامك حسيت ان مامتك كانت بتحس بالذنب من اللي بتعمله و بتلوم الراجل ده على حاجة عملها في الماضي يعني هي كانت بتحبه من قبل مايدخل والدك لحياتها و بعدين هي اتجوزت وهو اتجوز و خلف.
ممكن الراجل ده يبقى واحد قريب منكم يا عمار.
توقعته بأن ينفجر فيها غضبا ولكن على العكس اومأ لها عمار بإيجاب قائلا :
- وانا كمان حاسس بكده ... و الصراحة مش عارف اذا انا مستعد اواجه حقيقة هويته ولا لأ خايف يطلع واحد انا بعرفه كويس ... ساعتها مش حستحمل يا ريماس و هخنقه مباشرة.
- انت ليه ركزت على الخنق ؟ قصدي ممكن تؤذيه بأي طريقة تانية.
سألته ريماس مستغربة فرد عليها الآخر ببساطة :
- في ساعات غضبي اول حاجة بتتحرك هي ايدي لاني مباشرة بلف ايديا حوالين رقبة الشخص اللي قدامي ومبسيبوش غير وهو بيطلع في الروح.
يعني في مرة اتخانقت مع واحد في الكلية و خنقته من غير ما احس وكمان لما شوفت مريم واقفة مع ابن عمها ومقربين من بعض انا عملت نفسي مش شايفهم بس استنيته يروح لبيته و لفيت ع رقبته قماشة رفيعة وبعدها دبرتله حادث ، فنفس الليلة خنقت مريم في نوبة من نوباتي ولولا اغمى عليا كنت قتلتها ... اخر مرة طبقت اسلوب الخنق على سليم لما عرفت انهم كانو بيلحقوني وكده ... حكيتلك عن المواضيع ديه قبل كده.
رمشت ريماس بعينيها وهي تشعر بأنها اصيبت بالبكم لثوان قبل أن تستعيد رشدها و تحمحم مبتسمة باِرتباك :
- حكيتلي اه بس انا افتكرتها ردات فعل تلقائية مش أسلوب انت بتنتهجه لما تتنرفز.
صمت عمار و تأملها قليلا قبل أن يدخل الإثنان في نوبة ضحك قوية و يعيد الأخير رأسه الى الخلف بتعب ....
________________
بعد يومين ، و داخل مكتب عمار في الشركة.
طرق باب غرفته و دلفت مريم التي تجهمت ملامح وجهها عند رؤيته وهو يعبث بجهاز الابتوب الخاص به فاِقتربت منه مرددة :
- انت كنت فين اليومين اللي فاتو و متصلتش بيا ولا جيت للشقة ليه.
حاد بعينيه ناحيتها رافعا حاجبه بتعجب من حديثها فأدركت مريم ما قالته و شرحت له مقصدها :
- يعني كان المفروض تدور ورا اللي اسمه سليم ده و تعرفني بكل جديد بس انت متجاهلني ولا كأني ...
رفع عمار يده في الهواء بتحذير عن ارتفاع صوتها وهي تتكلم بتعجرف زائد فبلعت كلماتها الباقية بتنعت و قلبت عينيها لتجده يغمغم بثبات :
- اولا انا مش متجاهلك و كنت هجيلك اليوم المسا عشان الموضوع اللي بيننا.
و ثانيا قضيت اليومين دول وانا بدور ورا الدكتور اللي المشفى و الراجل اللي دخل للشقة وركب أجهزة التنصت و عرفت ان الدكتور اللي أشرف على عمليتك عنده سوابق و عمليات مشبوهة بيعملها في السر اما الراجل طلع فعلا ملوش علاقة بالمهنة اللي دخل لبيتنا بسببها و الاتنين دول اتواصلو مع سليم اكتر من مرة.
أولت مريم كل تركيزها اليه و جلست مقابلة اياه وهي تقول :
- طيب احنا قاعدين ليه المفروض تجيبهم و تخليهم يعترفو بمين اللي محرضهم علينا.
- كنت هعمل كده فعلا بس جه فبالي ان الشخص اللي قادر يوصل لنص بيتي و يسببلي مشاكل كتيرة عنده القدرة يلعب علينا تاني و يخفي نفسه بسهولة ، مش بعيد يخلي سليم و الدكتور و السباك يكدبو علينا و يخبو هوية الرئيس بتاعهم علشان كده انا عايز اعرفه بنفسي من غير ما استجوبهم.
تنهدت مريم بعمق و تمتمت :
- بس الموضوع كده هيطول و قاتل ابني هيفضل برا مستمتع بحريته بعد كل جرايمه.
تشققت ملامحها بالحزن لدى ذكر طفلها فلمعت زيتونيتاه بعاطفة مفاجئة و كاد عمار يمسك بيدها الموضوعة على سطح المكتب و يواسيها إلا أنه أدرك نفسه في آخر لحظة و قال بهدوء بينما ينهض عن كرسيه :
- متقلقيش مش هيفضل متخبي كتير مسيره يجي يوم يتكشف فيه.
لاحظت مريم تهربه منها و انسحابه بعيدا لكي لا ينظر لداخل عينيها فتنهدت مقنعة نفسها بأن هذا لا يهمها ، ولكن عند اضاءة هاتفه بوصول رسالة تملكها الفضول ولم تستطع السيطرة على رغبتها في التجسس لذلك نظرت اليه وهو يوليها ظهره ثم انحنت على الهاتف قليلا و قرأت الكلمات المكتوبة على الإشعار من الخارج ...
" انا اسفة مش هقدر اشوفك في ميعادنا بكره لان في كام حاجة لازم اخلصها ... لو ممكن تجيلي اليوم المسا الساعة 7 عشان نتكلم زي العادة " اسم المرسل - ريـمـاس.
الفصل الخمسون : فتيلة النار.
" كل ما فيه كان يركض نحوها لكنه - للعجب -
نجح في أن يبقي جسده واقفا مكانه "
نرمين نحمد الله من بعيد قوس قزح
رددت كلمات الرسالة بين شفتيها بصدمة صعقتها و أربكت خلاياها خاصة ان هذه الفتاة المدعوة ريماس هي نفسها التي تحدث معها على الهاتف تلك الليلة و أخبرها بأنه محتاج اليها بعدما اعترفت له هي بمسألة الجنين ، فتصلبت عيناها على الشاشة وقد شعرت بوخز مؤلم بقلبها أدى الى تأوهها بخفوت قبل أن تستدير ناحيته و تدنو منه متحدثة :
- كأنك واخد مني موقف ومن غير سبب كمان.
همهم عمار بينما ينظر من الشباك الزجاجي :
- موقف ؟ اشمعنا.
- بحسك متغير معايا من ساعة لما عرفت بموضوع السم.
- مش ده اللي كنتي عايزاه اني مقربش منك ولا اضايقك تمام انا بعيد عنك اهو عايزة ايه تاني.
رد عليها ببلادة أشعلت نار الغيظ بداخلها و كتبت لها سيناريوهات لعمار وهو يقرر الارتباط بأخرى بسبب غضبه منها فأردفت بتنعت :
- بس انت متعصب مني لاني كنت متهماك بقتل ابني ... مش راضي تبص في عينيا حتى و عماله اسحب منك الكلام بالعافية.
ضغط عمار على يده وقد أظلمت عيناه فجأة لأن كلماتها ذكرته بالتفاصيل عن مسألة اتهامها له بكل وقاحة فنفث الهواء من فمه مغمغما :
- انا مشغول تقدري تتفضلي دلوقتي.
هزت مريم رأسها رافضة و صممت على محادثته لذلك امسكت ذراعه و ادارته نحوها مرددة بعنفوان جريح :
- هو انت ليه بتحاول تقلب كل حاجة عليا و ترجعني انا الغلطانة ؟ تمام انا ممكن اكون معملتش خطوة صحيحة لما خبيت عنك بس متنساش اني كنت لوحدي و خايفة خاصة بعدما قولتلي انك هتلاقي حل لمشكلة الحمل بعدها ابني مات و انت ارتبطت ببنت عمك و دلوقتي في واحدة.....
حدجها عمار بدهشة وهو يناظرها بغير تصديق كأنها مخلوق فضائي ثم قاطعها قبل أن ينتبه لمقصدها من جملتها الاخيرة :
- لسه بتلقي اللوم غليا و بتتهميني عشان تطلعي نفسك بريئة انتي ازاي عايشة بالنرجسية و الغرور ده ازاي كنتي راسمة عليا دور الغلبانة و مقدرتش اكشف حقيقتك من كل عقلك بتقوليلي ببساطة انك شكيتي فيا عشان رفضت حملك في البداية وبعدها خطبت واحدة تانية بعد مراتي ماهربت ؟
- ايوة شكيت و اي واحدة مكاني ...
بررت مدافعة عن نفسها فتمتم بداخله " لا تزال تنكر اخطاءها " ، ثم اقترب منها في لحظة و قبض على ذراعيها ساحبا إياه نحوه و صارخا بنبرة قوية :
- اخرسي فاهمة اخرسي و بطلي تدافعي عن نفسك مريم انتي مدركة عملتي ايه و ايه اللي ضيعتيه مننا بسبب حقدك ؟
وبكل وقاحة لسه بتقولي شكيت فيك طيب سيبك من قصة رفضي للحمل فهميني انا عملتلك ايه من يوم ما ارتبطنا يخليكي تفتكري اني ممكن اؤذي طفل لسه متولدش !
صحيح علاقتنا كانت متوترة جدا في اخر فترة بس متقدرش تنكري اني كنت بعاملك بهدوء و حنان دايما و عمري مافكرت اؤذيكي ب ايديا ولا بلساني ولو ده حصل فكان بسبب غضب لحظي وكنت برجع اعوضك عنه.
وانتي عملتي ايه هربتي من غير ماتسمعيني و احتميتي بعمك اللي مقدرش يمنع ابنه من التحرش بيكي و بخالتك اللي فضلت سنين طويلة بعيدة عنك.
هو انا كنت وحش وواطي للدرجة ديه ؟ لسه لحد دلوقتي مش مستوعب ازاي فكرتي فيا بالطريقة البشعة ديه حسستيني وكأني واحد ...
ابتلع بقية حروفه و طالعها بعينين حمراوتين تحملان الكثير من الغضب و العتب ... و الخذلان.
ولكن أكثر ما آلم مريم هي نظرة النفور التي رشقها بها فجعلتها تشعر وكأنها دميمة لا تصلح بعدما شوهت صورتها بداخله ...
أفلتها عمار و انحنى يسند يديه على سطح المكتب متأوها بثقل :
- عارفة ايه اكتر حاجة بتوجع ... ان بعد الفضيحة اللي عملتيها و افتراءاتك و كرهك و المشاكل اللي حصلت بسببك انا اتحديت نفسي عشان مؤذكيش و منعت عيلتي من انها تعملك حاجة عشان من جوايا كنت متأكد ان مريم اللي عرفتها مستحيل تضر حد من غير سبب و ممكن اكون صح عملت حاجة وجعتك و كسرتك لدرجة تحبي تنتقمي مني.
و في الاخر حصل ايه ؟ طلعت الست اللي حاولت احميها معتبراني واحد قتل ابنه عشان مصالحه الشخصية و ضيعت من حياتنا سنين و ضيعت فرصة اني الاقي المجرم الحقيقي بسهولة من غير حتى ما تدي لنفسها الفرصة عشان تقلب الدنيا عليا و تستجوبني و تتأكد اذا شكوكها صحيحة ولا غلط.
كلا هي لم تفعل ... نعم لقد هربت بالفعل و التجأت لغيره و لكن بعدما هدأت بدأت تفكر في احتمالية براءته و كانت ستتصل به ذلك اليوم لولا مجيء أبيه و اخبارها بكل قسوة بأنها لم تكن سوى واحدة من نسائه الكثيرات اللواتي يتمتع بهن و أنه على استعداد بأن يتخلص من اي امرأة دون رحمة اذا هددت مصالحه ..
في ذلك اليوم انحفر ظنها السيء فيه بداخل قلبها و تأكدت شكوكها ، لولا السيد رأفت لتصل الى هذه النقطة اذا لماذا تتحمل الوزر بمفردها بيد أن والده يعد الخائن الأكبر في هذه القصة !
مسحت بأصابعها خيوط الدموع التي نزلت من عينيها و همست بصوت مبحوح محاولة السيطرة على الارتجاف الذي يشوبه :
- انا حطيت احتمال اكون غلطت و ظلمتك ... و حاولت في مرة اتواصل معاك بس ...
- بس ايه ؟
سألها عمار بلهفة و ترقب نضحا من وجهه ففتحت فمها لتخبره بأن رأفت قابلها و أخبرها عن مدى بشاعته وكم أنه لا يهتم بشيء سوى بمتعته و نفوذه ، إلا أنها تراجعت في اخر لحظة مفكرة بأن عمار قد اكتفى من الخيانات و المؤامرات التي تعرض لها.
هي تعلم بأن علاقته مع والده ليست جيدة كثيرا و لكنها لاحظت أيضا مدى التقدير الذي يكنه عمار للآخر من خلال حديثه عن كفاءته انجازاته في الاجتماعات التي تنضم اليها و رأت كم أن عمار فخور بالسيد رأفت حتى لو لم يظهر هذا.
لذلك هو لا يستحق أن ينكسر بهذه الطريقة و يكشف بأن الرجل الذي أنجبه هو نفسه من شوه سمعته بقسوة ، لا أحد يستحق هذه الخيبة !
فأخذت مريم قرارها بالتراجع و هتفت بخفوت كاذبة :
- بس شيطاني غلبني خاصة لما عرفت انك خطبت ندى و غضبي منك خلاني اقنع نفسي بأنك الشخص اللي خانني و قتل ابننا.
أغمض عمار عيناه بيأس و هنا طرق الباب و دخل وليد على حين غرة و خلفه سكرتيرته التي كانت متوترة فقضب الأخير حاجباه و تساءل :
- في ايه ؟
طالعهما وليد بسخط و ردد :
- لو مفيش ازعاج لحضرتك ممكن تجي ثواني في مشكلة ... مجلس الإدارة اتقلب عليك تاني و من الصبح وهما بيتكلمو عن غياباتك و اهمالك لشغلك علشان كده قررو يعملو تصويت بخصوص فصلك من المنصب بتاعك !
__________________
توقفت سيارة الأجرة بعدما وصولها لوجهتها فدفعت للسائق ثم دخلت الى منزلها لتجد أخاها قد جاء مع زوجته وها هما يجلسان مع والدتها فقالت بتعب و ملل بينما تنزع حجابها :
- خير ايه اللي جابكم لبيتنا.
زجرتها والدتها ليقهقه الآخر قائلا :
- بطلي لماظة يا هالة و اقعدي عايزين نكلمك في موضوع مهم.
نظرت لهم هالة بترقب و جلست مضيقة عيناها :
- خير ان شاء الله ... اخر مرة انت كلمتني بالشكل ده كان في عريس متقدملي.
ابتسم احمد و هز رأسه بتأكيد :
- جبتيها المرة ديه ايوة في عريس متقدملك.
عبست ملامحها و ردت عليه مباشرة :
- مش موافقة.
مطت والدتها شفتها بغيظ :
- يابنتي اسمعي الاول انتي معرفتيش اسمه حتى.
تنهدت هالة بضيق و تمتمت بغير اهتمام لتنهي الموضوع و تذهب الى غرفتها :
- طيب اسمه ايه.
- وليد سعد الدين.
بهتت هالة و فتحت فمها بعدم استوعاب بينما راح احمد يحدثها عن عمله و عائلته و كيف أنه رآها في المدرسة عندما ذهب ليحضر ابنة شقيقته فأعجب بها اضافة لرؤيته لها في السابق رفقة صديقتها مريم لذلك طلب يدها من أخيها الذي التقى به في مكان عمله و كلمه عن رغبته الزواج منها.
بقيت هالة تستمع اليه و عقلها يعيد تذكر لقاءاتها مع المدعو وليد الذي كانت تراه رجلا مستفزا يتعمد مضايقتها لقد كانت ترشقه بكلمات غاضبة بإستمرار فأنى له أن يعجب بها و يرغب في الارتباط بها !
أفاقت من شرودها على كلام احمد الجاد :
- بصي يا حبيبتي انا عارف انك مش مقتنعة بسبب تجربتك السابقة بس مش هتندمي لو قابلتيه لو حصل قبول بينكم اللهم بارك ولو محصلش ساعتها كل واحد بيروح في حال سبيله.
أضافت أمها بتأكيد :
- ايوة يا هالة والله الشاب قعد كتير بيحاول يقنع اخوكي عشان يجي يتقدملك رغم انه قاله ممكن ترفضي.
هنا تدخلت زوجة أحمد في الحوار :
-معقول من اول مقابلة بينكم حبك كده و صمم يتجوزك ده ولا كأنه عارفك بقاله سنين.
قلبت هالة عينيها بسأم من حشريتها المعتادة ثم ردت عليها باِبتسامة صفراء :
- لا مش اول مقابلة انا شوفته قبل كده لما كنت بروح لمكان شغل صاحبتي اما بالنسبة لاصراره انتي بتقدري تسأليه ليه مصمم عليا كده لما يجي يشوفني.
احمد :
- يعني افهم انك موافقة تعملو رؤية شرعية ؟
نهضت من مكانها مجيبة اياه بضحكة بينما تلتقط حقيبتها و بقية أغراضها :
- ايوة حددو اليوم المناسب بقى يكش تضبط المرادي و اخلص منكم.
القى عليها شقيقها وسادة بيده لتهرع الأخرى نحو سريعا و تجلس على سريرها مفكرة بهذا الشاب و هي تحدث نفسها :
- ده احنا يدوبنا شوفنا بعض اربع ولا خمس مرات و كل مرة بديله كلمتين من قفايا و امشي معقوله يعجب فيا ... اوعى يكون شبه صاحبه.
شهقت هالة بذعر ثم استكانت مردفة :
- لا صحيح هو مستفز بس مغلطش معايا قبل كده و ساعدني اكتر من مرة وكان محترم مش شرط يبقى طاووس زي عمار ده.
_________________
جلس رأفت على رأس الطاولة بهدوء و على طرفيه عمار و عادل ، وليد و يوسف و بقية أعضاء المجلس بعدما صدر قرار بالتصويت على انهاء مهام عمار البحيري المدير التنفيذي للشركة.
في البداية تحدث أحد الأعضاء عن تقصير عمار في عمله و كيف أنه يكرر غياباته بسبب أمور لا تهمهم ولا تفيدهم ، اضافة لأن هذا كان الانذار الثاني بعدما صدر الأول منذ اشهر قليلة و تعهد بأن يولي تركيزه التام لعمله بحيث لن يتلقى شكوى أخرى.
غير أنه عاد و ارتكب نفس الأخطاء مجددا و بسببه تعطلت الكثير من الأشغال و لهذا قرر المجلس بأن يجري تصويتا ليحسم الأمر.
فقال عادل الذي كان المسؤول عن قيام هذا الإجتماع :
- احنا مبننكرش انجازات المدير السابقة و حتى بعترف انه قدر يحل المشاكل في وقت قصير بس اهماله تاني في الاشهر الاخيرة خلانا نتعرض لخساير كبيرة و الماضي مش هيفيدنا فحاجة علشان كده ... انا بصوت لإنسحابه من منصبه.
رمقه عمار بطرف عينه بجمود بينما قال رئيس مجلس الادارة " رأفت " :
- مين تاني بيصوت للإنسحاب.
رُفعت أربع أيادٍ أخرى ثم جاء وقت التصويت لصالح عمار فرفع يوسف يده بدون تفكير و تبعه ثلاثة آخرون و واحدا اضافيا ليقول رأفت :
- خمسة مقابل خمسة ... وليد بيه انت اللي هتحسم.
توقع الجميع أن يشهد لصالح عمار على الفور ولكن هذا الأخير كان ينظر للطاولة أمامه بشرود و للحظات شعر نفسه مترددا بشأن التصويت ، من جهة فإن المدير هو صديقه ولكن من جهة أخرى هاهو يرى ان المدير نفسه لم يعد مهتما بعمله و ينشغل فقط في زوجته و اشياء اخرى لا يعلم هو عنها شيئا.
لهذا قبض على يده مفكرا لثوان قبل ان يحسم قراره فيتنهد و يرفعها متمتما :
- انا شايف ان المدير محتاج فرصة اخيرة ولو مرجعش زي الاول انا هبقى اول واحد يصوت لإنسحابه ... بس حاليا بصوت لصالح عمار البحيري.
تنفس رأفت براحة بينما احمرت عينا عادل من و الغيظ و اشتدت قبضته بغضب من فشله في هذا الاجتماع مجددا فنهض و غادر القاعة و لحق به عمار بعد دقائق ليدخل الى غرفته و يقول :
- ديه تالت مرة بتحاول تطلعني من الشركة بس زي كل مرة حضرتك فشلت ... يا عمي.
ضغط عادل بأصابعه على الكرسي بحقد ثم ابتسم و استدار له ساخرا :
- انت بتسمي اللي حصل فشل ؟ فوزك كان طبيعي اساسا لان معظم اللي صوتولك يا صحابك يا واحد من عيلتك.
- و انت كمان واحد من عيلتي بس اللي شايفه انك واقف ضدي.
- انا بدي الأولوية لشغلي يا عمار و الواضح جدا انك مبقتش قد المسؤولية و في الحالة ديه الافضل انك تتنازل عن منصبك بس طبعا ده صعب لان الواسطة اللي عندك في الشركة كبيرة.
- يعني الدافع الوحيد هو الشغل و ده اللي مخليك عايز تسحب المنصب مني صح انا مش مصدقك ليه يا ترى.
ردد عمار بتهكم و عقد حاجباه مدعيا التفكير للحظات قبل أن يضيف :
- يمكن عشان انت من الاول كنت حاطط عينك على اللي عندي وكنت عايز انا و ندى نتجوز للسبب ده بس بعد انفصالنا جشعك اتحول لحقد و رغبة في الانتقام فبقيت حضرتك عايز تحرمني من كل حاجة سواء شغل او فلوس او سمعة.
اقترب منه لثوان و استطرد مستجوبا إياه :
- او في سبب تاني انا معرفوش يا عمي ؟
بهت وجه عادل و شعر بنفسه يتعرق من هذا الحصار و السبب الذي يجعله يرغب في نزع كل ما يملك.
و للحقيقة أنه بالفعل كان يسعى منذ البداية لحرمانه من كل امتيازاته لأنه لم يكتفي بكونه إبن الرجل الذي أخذ حبيبته منه بل يريد أيضا أخذ ماهو من حقه ، هذه الشركة كانت سببا في تعرفه على أجمل امرأة رآها في حياته و أحبها كما لم يحب أنثى غيرها و لكن رأفت سرقها منه و تحصل على جميع الامتيازات و المديح و المناصب.
ثم جاء إبنه الذي ورث صفات والديه معا و استولى على المنصب الذي ظل يحلم به طويلا و جرح ابنته و تركها فجعله يشعر بالغيظ منه ، و بقدر محبة عادل لإبن حبيبته إلا أنه يحقد عليه بنفس القدر أيضا لأنه كان من المفروض أن يكون عمار طفله هو من فيروز و ليس طفل رأفت !
- قولي يا عمي في سبب تاني يخليك تكرهني ؟
كرر عمار سؤاله و اتكأ على سطح مكتبه بينما ينظر الى عمه الذي حدق فيه مباشرة و أجابه بجدية :
- انا مبكرهكش بس في حاجات انت مش عارفها منها انك مش قد المسؤولية اللي ادوهالك انت اخرك تجري ورا مراتك و نزواتك.
جز على أسنانه بعصبية و همس له :
- لو كلامك صحيح مكنتش وصلت بجهدي للمكان ده مش زيك اخرك تدور على غلطاتي و تدبر ناس تصوت ضدي ... حضرتك لو عايز اللي بملكه يبقى اشتغل من قلبك عشان تستحقه ساعتها انا بنفسي هتنازلك عن المنصب.
رفع يده عن المكتب و رشقه بنظرات أخيرة قبل أن يغادر الغرفة سريعا ، و بمجرد خروجه اخرج هاتفه و اتصل بأحدهم ليقول بعد ثوان :
- الو ايوة يا وائل ... اه انا لقيت فرصة اخيرا ... ركبت الجهاز تحت المكتب بتاع عمي ومن غير ماياخد باله ..
__________________
ستوووب انتهى البارت
رايكم فيه و بآخر مشهد
هل ممكن علاقة وليد و عمار تتضرر ؟
هالة هتوافق على وليد ؟
رايكم بالأحداث القادمة
خبث بريء.
- تمام انت متأكد عمك مشافكش وانت بتحطه ؟
رد عليه بجزم :
- ايوة متأكد كنت حريص اخليه يبص في وشي و مياخدش باله من ايدي وهي بتركب الجهاز تحت مكتبه ، اساسا مكنتش هعمل كده بس في اخر فترة بقيت اشك في اي حد مع ان احتمال انه يكون عمي متواطئ في قتل ابني صغير جدا بس على الاقل هقطع الشك باليقين.
دخل الى غرفة مكتبه وهو يتحدث متذكرا أنه حرص على تركيب جهاز تنصت حتى في غرفة والده ، و بالمقابل كان عمار قد أخذ جميع احتياطاته في السابق عندما غير هاتفه و سيارته و مستلزماته و تأكد من أن غرفته هنا و في القصر تخلو من أجهزة التنصت و المراقبة و مازال حريصا على الفرز كل فترة كي يتجنب الأخطاء التي وقع بها سابقا.
تنهد عمار و نهض ذاهبا الى وليد الذي وجده جالسا مع يوسف فأخذ لنفسه مكانا بجانبه و قال :
- اهلا باللي كان هيوديني فداهية النهارده لولا تراجع في اخر لحظة.
نظر له وليد بطرف عينه و علق :
- مع انك مبتستاهلش.
رفع حاجبه و سأله بجدية :
- يعني بجد كنت ناوي تصوت ضدي صح ... مش شايف ان مواقفك ديه اوفر شويا
زفر ووضع القلم من يده مرددا بطريقة مباشرة :
- لا مش اوفر بس انت مش واخد بالك من تصرفاتك في اخر فترة فين عمار اللي كان بيسهر الليل عشان مشروع هو مسؤول عنه و اجتماعاته مبتخلصش و كل شهر يجيب زباين جدد دلوقتي انت بقيت واحد مش عارف هو بيعمل ايه سرحان على طول و بيجري ورا واحدة أذته و سببتله مشاكل تمام انا عارف انك بتحبها بس انك تدمر نفسك بسببها ده هيبقى قمة في الغباء لان اللي اسمها مريم دخلت الشركة عشان تحولك للشخص ده و نجحت فعلا.
جز عمار على أسنانه و عقد حاجباه بغضب فقام و جذب وليد من ياقة سترته مهمهما بتهديد :
- ايه يالا اللي بتقوله ده انت اتجننن هو مين الغبي اللي بتتكلم عليه.
حدق فيهما يوسف بتوجس و حذر و عاد الى الخلف بإحتياط في حال ما إن تشاجرا بينما قال الآخر بدهشة :
- يعني من كل كلامي انت سمعت اللي عايز تسمعه وخلاص بقولك ايه سيبني و الا والله هفرمك.
- تعالالي يا روح خالتك.
هتف عمار وهو يضربه برأسه بعنف فاِرتد وليد الى الوراء بألم قبل أن يعود و يلكمه في وجهه ، انتفض يوسف و التقط جهاز التحكم لكي ينزل الستائر فلا يراهم أحد من الخارج ثم ردد بهلع :
- انتو بتعملو ايه اهدو شويا.
بعد دقائق كان عمار يرمي قارورة الماء البلاستيكية لصديقه قال بألم وهو يرتب شعره المشعث :
- مش فاهم ليه العنف ده كله يعني كأنك جاي من الشارع.
تهكم وليد و أشار الى شفته التي نزفت مهمهما :
- لا وانت متحضر اوي بص شوف عملت فيا ايه الاول.
صدر تأوه مكتوم فجأة فاِلتفت الإثنان ليجدا يوسف الذي اصابته ضرباتهما وهو يدلك رأسه هاتفا :
- انتو منكم لله بقالي ساعة بحاول ابعدكم عن بعض و في الاخر تجي الضربة فيا انا ... Savages!
- ماهو مبيقدرش غير علينا احنا اما الناس التانية بيفرشلهم الطريق ورد.
برطم وليد متابعا وقد عاد وجهه يتجهم :
- كمان متستناش منه يقلق عليك معروف انه نسي صحابه من زمان.
تأفف عمار بخنق و جز على أسنانه مغتاظا منه :
- انت يالا بتقول الكلام ده ليه مين قالك اني نسيتكم كل ده عشان اتلهيت في كام حاجة ماانت عارف ايه اللي حصل.
التفت له وليد مجيبا اياه بإحباط :
- ايوة عارف ومش بقولك معندكش حق بس انت بدل ماتجي و تحكيلي زي لما انا بحكيلك ع كل حاجة عملتلك ايه يا عمار عشان تبقى مش واثق فيا كده حتى يوسف نفس الشي كأننا مش صحابك.
تدخل يوسف بهدوء :
- بس يا وليد انت عارف ان عمار مبيتكلمش كتير عن اللي بيخصه مش قلة ثقة بس هو طبيعته كده.
وليد :
- عارف بس على الاقل كان بيحكيلنا عن حاجة حصلت و ضايقته مثلا انما دلوقتي مش بيعبرنا حتى وبعدين مين قالك انه كتوم انا بقيت اشوفه بيتعامل مع ناس جدد و بيروح ضيف لعيلة مراته في الاسكندرية و اتصالاته مبتخلصش اشمعنا احنا يعني.
تجهم عمار و طالعه بصمت مفكرا بكيف له أن يحدثه عن مشاكله و خصوصياته التي هو بنفسه يجد صعوبة بالتفكير بها لكن انزعاج صديقه كان واضحا فتنهد و أردف بمنطقية :
- وليد انا صحيح مش بتكلم كتير بس ده موضوع مش متعلق بالثقة انت عارف انك و يوسف اعز اصدقاء ليا و صدقني هيجي وقت احكيلكم فيه عن كل حاجة ، و ثانيا انت مين قالك اني مش معبركم صح انا بعيد بس لسه مهتم بيكم مثلا عارف ان حضرتك ناوي تتقدم للبنت اللي كانت عاجباك.
اندهش وليد و ظهرت علامات التساؤل على وجهه ليوضح له الآخر بينما يستريح على الكرسي :
- شوفتك اكتر من مرة وانت واقف بعربيتك قصاد ال School اللي بتدرس فيها لمار بنت اختك و كنت مستغرب انت رايح هناك بدري ليه بس لما افتكرت ان صاحبة مراتي بتشتغل في المدرسة ديه وبعدها سمعتك وانت بتكلم والدك في التلفون و بتقوله انك ناوي تخطب و طلبت منه ينزل لمصر عشان يروح معاك هو و اختك فهمت كل حاجة.
رمقه وليد للحظات ثم ضحك و قال :
- معقوله انت عارف طيب انا حكيت ل چو وكنت هحكيلك بردو بس افتكرتك مش هتفضالي زي العادة ... والله انا اول ماعرفت ان خطوبتها اتفسخت غصبت نفسي استنى كام يوم بعدين روحت اتقدملها و ان شاء الله توافق تقابلني ادعولي.
مط عمار شفته وشعر بالإمتعاض لأن صديقه واقع في حب الفتاة التي تكرهه و كانت تحرض مريم ضده في كل فرصة و تطلق عليه ألقابا غريبة لكن لا بأس سيتحملها على اي حال ، التفت ليوسف على حين غرة و قال له بهدوء :
- وانت مش ناوي تخطب او ترتبط مفيش واحدة في حياتك.
أحس الآخر بالإضطراب من نبرته خاصة أنه في آخر مواجهة بينهما لمح له عمار بالإبتعاد عن مريم وهو بالفعل قرر عدم الاحتكاك بها لذلك اصبح يتجنب التحدث معها في أمور خارج العمل.
و لكن نظرات عمار دائما ما تجعله يشعر وكأنها تعري دواخله و تكشف عن أفكاره فحاول تمالك نفسه قدر الإمكان وهو يرد عليه :
- لا لسه ... يعني ملقيتش البنت المناسبة.
هز رأسه و استطرد :
- سمعت انك بقيت تخرج مع ندى كتير و بتقضو وقت طويل مع بعض.
هز كتفه ببساطة و أخبره بأنه عندما التقى بها مرة في الشارع وهي حزينة تكلم معها قليلا و ارتاحت معه ندى فاِتخذته صديقا وهو ايضا نفس الشيء ، فهز عمار رأسه باِستوعاب و فتح هاتفه ليجد رسالة ريماس ولم ينتبه إلى وليد الذي وقعت عليه عيناه بالخطأ و قرأ إسم الفتاة دون أن يلاحظ محتوى الرسالة فرفع حاجباه متمتما :
- ريماس ... مين ديه.
أغاق الآخر الهاتف مهمهما :
- و انت مالك.
رشقه باِستنكار و أردف :
- هي ديه انشغالاتك اللي كنت بتتكلم عليها ... ندى مريم ريماس يابني اتهد و ارحم نفسك شويا.
ضحك يوسف بينما قلب عمار عيناه و استأذن مغادرا لكي يتصل بطبيبته و يطلب منها أن تلتقي به في الخارج ان كانت تستطيع فهو لا يريد الجلوس بين أربع جدران اليوم.
و لم ينتبه الى تلك التي جاءت من خلفه كي تسأله عن حاله بعد الإجتماع فسمعت مكالمته مع المرأة وهو يطلب منها أن تلاقيه خارجا !
___________________
- بعيدا عن مريم مين من الستات كنت بتعتبرها مقربة ليك او على الاقل لما تشوفها متحسش بنفس درجة الخطر اللي بتحسها و انت مع التانيين.
سألته وهي تسير بجانبه على ضفة نهر النيل و تطالع الناس من حولها فصمت عمار مفكر قبل أن يجيبها :
- تيتا الله يرحمها كنت برتاح جدا وانا معاها خاصة لما تنيمني على ركبها و تقرالي قرآن ، عانيت جدا بعد وفاتها ولولا المهدئات اللي باخدها كان وضعي هيبقى أسوء.
- طيب ومين كمان.
- سعاد هانم مرات والدي ... رأفت بيه اتجوزها بعد وفاة أمي بكام شهر الصراحة مكنتش بحبها في البداية و اعتبرتها خطفت مني ابويا لانه بقى عصبي جدا بعد موت ماما ومش بيطيق يشوفني بس لما شوفت حنانها و ازاي كانت بتطمن عليا وتجي تزورني في المدرسة الداخلية بقيت احس بشوية راحة معاها ... سعاد هانم كانت متجوزة قبل كده و اطلقت عشان مش بتخلف ف اعتبرتني ابنها لكن انا مكنتش برتاح معاها لدرجة اقعد احكيلها و اشكيلها مثلا.
همهمت ريماس فأضاف :
- اخر واحدة هي ندى بنت عمي و صديقتي ... مش معقول قد ايه بتنشر السعادة و الطاقة من حواليها انا كنت بحس معاها و كأن الدنيا پينك بالنسبة ليها اكبر مشكلة عندها هي ازاي تجيب فستان سهرة محدش لبسه قبل كده او ان وزنها يزيد ب اربع او خمس جرامات.
- يعني كل الستات دول كانو بعاد عن خانة المرأة بالنسبالك و حتى ندى انت دايما بتحكي عليها بصفتها بنت عمك او صديقتك عمرك ما حكيت عنها كخطيبة او زوجة ... معقوله مفكرتش فيها قبل كده زي اي شاب بيفكر في مراته ؟
- لا انا كنت بعتبرها اختي و عقلي مانعني تماما من اني افكر بيها بشكل تاني وحتى كنت بفكر ازاي هتجوزها وانا لسه شايفها بالطريقة ديه ومش عارف ازاي ندى حبتني صراحة ... رغم البنات و الستات اللي حواليا بس تقريبا انا عمري ما حسيت بالرغبة اتجاه اي ست الا مريم.
- طيب انت كنت بتثق في الستات دول يعني جدتك و مرات ابوك و ندى و مريم ... عندك ثقة كاملة فيهم ؟
قلب عمار عيناه بتملل :
- انا مبثقش في اي حد في الدنيا خاصة لو كانت ست.
اتسعت عيناها بذهول و استنكار :
- يعني مبتثقش فيا ؟
كتم عمار ضحكته و حاول الرد عليها بحيادية كي لا تنزعج :
- الصراحة لما جيتلك اول مرة و بدأت احكيلك حسيت بالندم و قلت مش هرجع تاني بس وقتها لاحظت ان قلبي ارتاح شويا لما خففت الحمل فلقيت الحل اني معتبركش ست ولا اعتبرك انسان اصلا ... انا اعتبرتك ملاك ربنا بعتهولي عشان يسمعني و يساعدني وصدقيني لولا الطريقة ديه مكنتيش هتلاقيني واقف قدامك دلوقتي.
حدجته ريماس بعيناها الملونتان ثم أشاحت بصرها عنه مبتسمة ليقول هو بإرهاق فجأة :
- دكتورة انا طلبت نقعد برا مش نفضل نمشي بالساعات.
ابتسمت و ردت عليه :
- احيانا انك تمشي وانت ساكت بيبقى افضل من جلسة فيها 10 ساعات لان التوتر و الاضطراب اللي جواك ممكن يطلع ع شكل مجهود بدني ... انا بستخدم الطريقة ديه لما اكون مضايقة و محتاجة افرغ قلبي.
رفع عمار حاجباه و سألها بتعجب :
- هو انتي كمان بتضايقي و بتزعلي ؟
- ليه انا مش انسانة تعدي عليها فترات صعبة.
- مش قصدي كده بس يعني انتي دكتورة و الطريقة اللي بتتكلمي و بتنصحي بيها بتخليني احس انك قادرة تحلي كل حاجة.
تنهدت و تمتمت وهي تعيد خصلات شعرها الى الخلف :
- اي شخص في الدنيا مهما كانت طبيعته و شغله مكتوب عليه انه يعيش السعادة و الحزن وده بيبقى امتحان ليه في حياته ، انا طول عمري سعادتي مرتبطة بسعادة غيري وبعدما اشتغلت بقت اكبر فرحة بالنسبة ليا لما اشوف الحالة اللي عندي بتتحسن و اعرف ان مجهودي مكنش ع الفاضي.
انا قضيت سنين طويلة من حياتي وانا بسمع مشاكل الناس و بحاول اعالجهم ، كنت بفرح لما انجح و بزعل و تجيلي خيبة امل كبيرة من البعض ، يمكن عدت عليا حوالي 900 حكاية او اكتر من لما بدأت اشتغل من عشر سنين في النتيجة انا انسانة بردو وحتى بصفتي دكتورة و في حياتي الشخصية كمان اتجرحت جامد و قلبي اتكسر اكتر من مرة.
رمت عيناها نحوه و تابعت :
- هو ممكن نعيش في الدنيا ديه من غير ما تزعل او تتأذى اصلا ؟ بس انا عارفة ان البني ادم بيكبر بالتجارب ديه و كل فوز و خسارة متعلقين بجروحك يا عمار.
توقف عن السير و تحولت نبرته للسكون وهو يهمهم بشرود :
- يعني تجاربي هي اللي هتقويني صح ... طيب انا من الناس اللي فرحتك ولا اللي زعلتك ؟
ردت عليه بمراوغة :
- انت شايف ايه يعني لو قارنت حالتك دلوقتي مع حالتك في الماضي هتحس ب ايه.
هز كتفاه بعدم معرفة هاتفا :
- والله معرفش ... يعني انا بقيت اقدر اتحكم في اعصابي اكتر و اشوف الحقايق بطريقة افضل حتى ابويا مبقتش احس بالحقد و الكره اتجاهه زي الاول ... بطلت الوم نفسي ع حاجات مليش ذنب فيها و حتى كوابيسي قلت و بقيت اقدر انام من غير مهدئات ... بس مع ذلك لسه بعاني من صداع و بتجيلي احيانا ذكريات بتخص طفولتي بس بتتمحى من دماغي فورا وفنفس اللحظة مش فاهم ليه.
- لان اضطراباتك بدأت تخف و بالتالي ذكرياتك في اليوم اياه بدأت ترجع بس مش بشكل كلي لانك لسه متعافيتش كويس.
احتشدت أنفاسه بداخله و سأل بترقب :
- هو ممكن يجي يوم افتكر فيه كل حاجة حتى وش الراجل اللي كان مع أمي ؟ هعمل ايه لو طلعت بعرفه بجد.
رفعت ريماس رأسها اليه ولأول مرة تشعر بأنها لم تجد جوابا مناسبا ، فماذا ستقول لشخص يسألها عن تصرفه حين يعرف هوية عشيق أمه الذي دمر طفولته و شبابه ؟
_____________________
بعد مرور يومين.
داخل قاعة فاخرة خاصة بالطبقات المخملية ، أقام مدراء إحدى الشركات حفلة بمناسبة مرور سبعين سنة على افتتاحها و دعوا باقي المؤسسات من نفس القطاع او من قطاع مختلف و منها شركة آل البحيري.
حضر السيد رأفت و عادل و المساهمون و باقي أعضاء مجلس الإدارة و حتى بعض من المتدربين اللذين أظهروا مهاراتهم في فترة تربصهم فحضرت مريم التي دعاها يوسف بنفسه و هاهي تقف مع زميلتها وهي ترتدي ثوبا أسود أنيق مع حذاء ذو كعب بنفس اللون وقد رفعت شعرها في تسريحة جميلة و تركت بعض الخصلات منسدلة على وجهها.
رفعت رأسها تنظر للأجواء الفخمة و تتعجب من مدى ترف هذه العائلات التي تصرف الملايين ببذخ فقط كي تتفاخر بنفسها لكن هذا لم يمنعها من الإنبهار بجمال الديكور و كيف أنهم حرصوا على توفير كل شيء.
تنهدت مريم و نظرت لزميلتها التي تقول :
- كل ده عشان يبينو قد ايه الشركة ديه قوية و كبيرة و ناجحة في الاخر الفلوس اللي صرفوها ديه هترجعلهم بالأضعاف لما المدراء اللي عزموهم يطلبوا يتعاقدو معاهم.
همهمت بموافقة و فجأة ساد الهرج عندما هرع الصحفيون بكاميراتهم الى الباب الخارجي يلتقطون الصور لأفراد عائلة البحيري اللذين وصلوا للتو ، و ظهر عمار ببدلته السوداء وهو يبتسم برسمية و يأخذ الصور مع عائلته ثم مع نساء أخريات و يعبر متجها الى صاحب الحفل ، رشقته مريم بنظرات حادة مغتاظة وهي تتذكر مكالمته منذ يومين و الرسالة التي وصلته و الآن يحتك بالفتيات دون خجل من نفسه ثم يقول أنه لم يخنها في السابق
يا الهي كيف يعتبر أن تعامله بأريحة مع النساء شيء لا يمت للخيانة بصلة ؟ حسنا لقد تبين أن كلام رأفت صحيح و عمار ماهو إلا زير نساء لعين.
في الناحية الأخرى كان عمار يقف مع رجال و سيدات أعمال يحدثهم بدبلوماسيته المعتادة وهم نفس الشيء حتى لمح صاحب الحفلة مع زوجته ذات الأصول الإيطالية والتي لا تبدو من جمالها و اناقتها أنها في الخمسينات من عمرها فاِستأذن و اتجه إليهما مبتسما :
- ثروت بيه اهلا بحضرتك.
صافحه الآخر على الفور :
- اهلا يا عمار بيه.
نظر الى السيدة لينحني مقبلا يدها بنُبل و ابتسامة ساحرة :
- جميلة البارتي سنيورة سوزان.
ابتسمت و رددت بحبور :
- عمار ايه الوسامة ديه انت واخد قلوب الستات في الحفلة.
هز رأسه بلباقة :
- مفيش بعد جمال حضرتك.
استأذن زوجها و غادر لتنظر سوزان اليه و تعاتبه على غيابه عن المناسبات طوال هذه المدة و أخبرها هو بأنه كان منشغلا في أمور عدة فرمت عينيها الى الفتاة التي تناظرهما من بعيد و همست :
- مش ديه مراتك.
اومأ عمار بهدوء لتردف :
- البنت جميلة اوي استنى.
أنهت كلامها وهي تذهب اليها وسط تعجبه بينما اعتدلت مريم في وقفتها بتوتر عندما رأتها و تمتمت :
- سوزان هانم.
- انتي بتعرفيني.
- محدش هنا مبيعرفكيش انا معجبة اوي بحضرتك خاصة مساهماتك في مساعدة الأيتام و الناس اللي معندهاش مأوى و اتمنى ابقى زيك في يوم من الأيام.
همهمت و علقت :
- انا متأكدة انك هتوصلي لكل اللي انتي عايزاه المهم تقدري المكان اللي انتي فيه و تسعي لأنك تنجحي ... و عموما لولا عمار مكنتش هقدر اعمل حاجة يعتبر هو اكتر واحد ساعدني في شغلي.
نظرت لها بدهشة و حملقت به لتومئ بشرود :
- ان شاء الله.
تركتها سوزان وغادرت لتدلف فجأة الى القاعة ندى البحيري وهي تتأبط ذراع يوسف الذي التقى بها في الخارج و عرض عليها بلباقة الدخول برفقتها لتسمع هنا كلمات إحدى الفتيات :
- شوفو بنت عادل بيه و فريال هانم جمال و نسب والله عمار ضيع فرصة عمره لما متجوزهاش.
ردت عليها الأخرى بنبرة لم تظن انها ستصل لأسماع الآخرين :
- اه والله زي اللي طرد النعمة معقول في حد يسيب بنت زي ديه و علشان مين واحدة جميلة بس في الأحلى منها بكتير و الأغنى و الأنظف ... انا لو مكانه هقعد اتحسر على حياتي اللي ضاعت.
- حتى الست اللي فضحته عشان تظهر نفسها ع حسابه محدش معبرها و عمار عامل نفسه مش شايفها من لما دخل.
- وهو هيبصلها ازاي اصلا بعد اللي عملته مش بعيد يرميها قدام اي عربية معدية في الطريق.
انطلقت الضحكات من خلفها لتضغط مريم على يدها بعصبية و تحتد عيناها بغضب عصف بها و فكرت لثوان أن تذهب اليهن و تقطع شعر كل واحدة منهن ولكنها تمالكت نفسها بصعوبة و رغم هذا لم تستطع منع ملامح الحزن من التسرب الى وجهها.
و لاحظها عمار الذي كان يراقبها بطرف عينه منذ مجيئه و استغرب من شحوب وجهها و تقوس شفتها للأسفل كعلامة على أنها تكتم شيئا ضايقها...
فتوجس من ذلك و خشي ان يكون أحدهم قد رمى عليها كلمات مزعجة لذلك تحرك من مكانه و سار ناحيتها إلا أن مريم التي رأته التمعت عيناها بالتحدي عند تذكر كلمات اولئك النسوة اللواتي قلن أنه لن يعبرها فمشت هي ايضا تقلل المسافة بينهما حتى وقفا أمام بعضهما البعض وسط نظرات عائلة البحيري و يوسف و بعض من الحضور
رفعت رأسها اليه باِضطراب و التمعت عيناها بتوتر التقطه عمار سريعا فسألها :
- ايه اللي حصل انتي ...
قاطعته مريم وهي تلفظ كلماتها دفعة واحدة :
- عمار ... حط ايديك حواليا.
- افندم ؟
- لو سمحت.
زفر عمار و حاوط خصرها مثلما طلبت منه تزامنا مع انطلاق موسيقى هادئة فبدأ الإثنان يرقصان معا وشيئا فشيئا أصبحت يدا عمار أكثر حنانا وهو يقبض عليها بنعومة و يقربها نحوه بينما تبتسم مريم بغرابة توجس له ليسألها بحذر :
- انتي بتخططي ل ايه و ايه سر الابتسامة اللي ع وشك ديه.
ضحكت برقة رغم زيفها إلا أنها ألهبت قلبه فازدرد لعابه و قربها نحوه اكثر لتبتسم الأخرى باِتساع وهي تشعر بالنظرات المصوبة عليهما و تهمس فجأة :
- عمار ... انا اسفة.
اندهش و ظن بأنها اصيبت بمرض ما أو انها أصبحت تتعاطى حبوبا مشكوك في أمرها فتهدج بريبة :
- على اللي عملتيه.
حينها هزت رأسها بنفي مجيبة :
- لا ... اسفة ع اللي هعمله دلوقتي او مش اسفة انت أدرى.
و في نفس اللحظة تحت الأنوار التي أصبحت خافتة و عندما لم يكن يفصل بين وجههما سوى سنتيمترات قليلة ، عضت مريم على شفتها بإغراء و عينان ملتمعتان ثم ضربت بقدمها ساق عمار بدون أن ينتبه أحد لهذا فصعق الآخر و بتلقائية أخفض رأسه بدرجة صغيرة فقط ... كانت كافية لجعل شفتاه تلتصق في شفتي مريم في قبلة مفاجئة وسط القاعة و بشكل يظهر وكان عمار هو من بادر بتقبيلها !