رواية نيران الغجرية الفصل الحادي والخمسون51 والثاني والخمسون52 بقلم فاطمة أحمد
الفصل الواحد والخمسون : إنشطار القلب
أضواء خافتة زادت حلاوة اللحظة ، و نسمة خفيفة شحنت بحرارة جسدين ملتحمين ألقى الليل عليهما بستاره ، فأغمض عيناه يغوص في فجوة مجهولة ، يستقبل هجوما مفاجئا من المرأة التي كانت تصرح بكرهها ونفورها منه منذ وقت قليل فقط ، و لكن هذا الهجوم كان من نوع خاص !!
قلبه انخلع من مكانه ، و قلبها تمرد من تحت صدرها المتقافز فاِنشطر لنصفين ، نصف له و نصف ردم تحت انقاض آخر ذرات كره كانت توجهها اليه ، لتعترف بداخلها في هذه اللحظة أنها و اللعنة ... لا تزال غارقة في عشقه حد النخاع !
ومن خلف ستار مشهدهما استرقت النظر عليهما عيون متفاجئة و أخرى مستنكرة ، و حدقتان خضراوتان ماطرتان بدموع الجرح ، عينا ندى التي تماسكت بصعوبة طوال رقصتهما وهي ترى كيف يطالع عمار المرأة التي دمرت حياتها حتى قبلها غير عابئ بمشاعرها ...
تلك الذراعان كانتا تحاوطان خصرها هي في السابق ، و ابتسامته الوقورة كان يوجهها نحوها عندما كانا يرتادان للحفلات معا.
و رغم ان ندى تدرك جيدا بأنه لا وجود لفرصة تجمعها مع الرجل الذي تحبه إلا أنه لم يسعها سوى أن تحزن و تشعر بالقهر يجلدها وهي تراهما هكذا ! تنهدت بحسرة لتلمح يدا تمتد أمامها و صوت مألوف يقول :
- Will the princess let me dance with her? ( هل تسمح ليه الأميرة برقصة معها )
التفت الى يوسف فرأته يبتسم لها بلطف و إعجاب فبادلته إياها ووضعت يدها على خاصته ماضية معه لمنصة الرقص ...
على الجانب الآخر كان عمار لا يزال غير مستوعب لما حدث منذ قليل عندما راقصها حتى وجد نفسه يدمغ شفتيها بقبلة مفاجئة ارتعدت بها ضلوعه ، ابتعد عنها بعد ثوان و طالعها بصدمة ثم نظر الى الحضور وكتطان البعض مركزين عليهما أما البعض الآخر اعتبروه شيئا عاديا ولم يهتموا كثيرا.
و لكن الغضب الواضح على وجه والده و عمه جعله يتفطن فتمتم مستهجنا :
- انتي ... عملتي ايه.
ردت عليه ببساطة :
- انت اللي عملت مش انا.
- احنا هنهزر ماانتي اللي ضربتيني و خليت ... استني معقوله عايزة تسببي فضيحة تانية هنا و تقولي اني جبرتك و غصبتك ع البوسه كان لازم اتوقع.
تضايقت مريم من فكرة أنه لم يعد يثق بأي تصرف يبدر عنها و يعتبر كل شيء خطة او مؤامرة ضده ولكنها كفت النظر عن ذلك و ابتسمت هاتفة بسماجة :
- لا متقلقش مش هعمل حاجة وبعدين اوعى تكدب وتقول ان البوسه مش عاجباك.
عاد عمار الى طبيعته و رفع حاجبه مراوغا :
- لا عجبتني بس انا عايز اكتر.
تزعزعت ابتسامتها و ملأ التوتر و الإندهاش تقاسيم وجهها وكأن دلو ماء بارد ألقي عليها في منتصف فصل الشتاء لتدرك فجأة حقيقة الموقف الذي وضعت به نفسها فقط بسبب رغبتها في استفزاز الناس اللذين يعتقدون بأنها أصبحت بدون فائدة فعادت الى رشدها و همست :
- انا ... عايزة امشي.
أحكم عليها قيوده و ردد بمكر :
- ليه مااحنا كنا كويسين من شويا.
انفلتت ضحكتها المصحوبة بالخجل و أبعدته عنها برفق لكي تسير الى طاولتها تحت أنظار الحضور بينما تنحنح عمار و اشتدت ملامحه بالجدية ليتجه صوب رفاقه ...
و بعد انتهاء الحفلة ارتدت مريم معطفها و كانت ستغادر لولا أن اعترضت السيدة سعاد طريقها و أوقفتها ، طالعتها بدهشة و تعجب لم يدم طويلا عندما قالت الأخرى بهدوء :
- ديه اول مرة اشوفك فيها وش لوش ... نقدر نتكلم عادي و اطمن ولا في داعي اني اخاف انام و اصحى الصبح ع خبر كادب و افتراءات منك عن اني هنتك او شتمتك مثلا.
ضغطت على طرف حقيبتها بأصابعها و دحرجت عينيها في الاشيء لتتابع سعاد :
- متهربيش مني بصيلي بنفس الشجاعة اللي خلتك تطلعي اليوم اياه و تفضحي جوزك و عيلته قدام الناس و تفتري عليهم.
- حضرتك مش انا اللي طلعت الافتراءات او...
هدرت مريم مدافعة عن نفسها إلا أن الثانية قاطعتها :
- مش انتي اللي طلعتيها بس فنفس الوقت سكتي و منكرتيهاش و خليتيهم يتهمو عمار بحاجات هو معملهاش.
المهم انا مش جاية اعاتبك ع اللي فات بس اللي عايزاكي تعرفيه اني عمار بيبقى ابني حتى لو مخلفتوش بس عشت معاه طفولته و مراهقته و شبابه المرة اللي فاتت كلنا سكتنا لانه هو طلب يتعامل معاكي بنفسه ومحدش يدخل مابينكم و انا شايفة دلوقتي انكم بدأتو تحلو مشاكلكم بهدوء وياريت كنتي عملتي كده من الاول بدل ما تفضحي نفسك وتفضحيه.
بس صدقيني انتي لو فكرتي المرة ديه كمان تعمل نفس الشي ساعتها محدش هيسكت وانا هقفلك بنفسي و اتأكد من اني ابعدك عن ابني نهائيا و ادمرك انتي فاهمة ؟
جزت على اسنانها ووكزها كبرياؤها يحرضها على رد تهديداتها ولكن في النهاية تبقى هذه المرأة بمثابة والدة عمار كما أنها أكبر منها سنا لذلك غضت النظر و قالت :
- المشاكل بيني وبين عمار بتخصنا احنا الاتنين بس يا هانم و اطمني اللي حصل زمان مش هيتكرر ... و بالنسبة لتحذيراتك ف انا سمعت نفس الكلام من جوز حضرتك قبل سنتين لما دور عليا ولقاني و قالي ابعد عن ابنه لأنه هيبدأ حياته مع ست تانية و حكالي عن مغامرات عمار و قصصه مع الستات ف اطمني لاني مش هرجعله بعد كل ده ... الا لو اللي قاله رأفت بيه كدب ساعتها هيبقى في كلام تاني.
شعرت سعاد و كأن هذه الفتاة تتعمد تذكيرها بأنهم يخفون لقاءها مع رأفت في السابق وكيف أنه شوه صورة زوجها في عينيها متهما إياه بالفسوق و الخيانة ، و لهذا رمقتها من الأسفل للأعلى و ابتسمت ساخرة :
- مكنش ده حالك لما التقينا اول مرة في المول.
ذلك اليوم عندها كانت تتجول هي مع صديقتها و رأت عمار مع ندى فهربت للخارج و صادفت السيدة سعاد التي التوت قدمها فساعدتها بلطف و اطمأنت عليها ، تذكرت مريم ما حدث بينما تستطرد الأخرى :
- لما عرفنا ان عمار متجوز وقالنا انه هيعلن جوازه بعد ما يلاقيكي قلت عادي البنت غلبانة ومش هتعمل مشاكل بس اتوضح دلوقتي قد ايه كنت غلطانة.
تأملتها مجددا وهي تفكر بأن هذه الغجرية تمتلك الجمال الحاد و البسيط ، الشجاعة و الجُبن ، التمرد و الاستسلام ، الحب و الكره ، لا ريب في أن عمار تعلق بهذه المرأة ولم يستطع نبذها من حياته مهما فعلت.
تركتها و غادرت لترى عمار في الخارج فعرض عليهت اصطحابها الى القصر لترد بمضض :
- مفيش داعي انا مروحة مع الشوفير.
- طيب ماشي بس حضرتك بتبصيلي كده ليه في حاجة ؟
سألها بريبة لتعبس اكثر وهي تجيبه :
- انت ب رأيك ببصلك كده ليه ؟ يعني مش شايف الحركات اللي بتعملها الست جوا ؟
تنحنح عمار و غمغم بهدوء :
- مفيش حاجة حصلت خلاص انا اتعودت على حركاتها مبقاش في مشكلة بالنسبة ليا ... اتفضلي.
فتح لها باب السيارة بلباقة و استدار الى السائق متسائلا :
- فين رأفت بيه.
بيتكلم مع سليم يا فندم.
قضب حاجباه و ذهب حيث أشار اليه السائق و رأى والده واقفا مع سليم ويعطيه ظرفا من الواضح أنه يحتوي على مبلغ مالي ليخفيه الأخير في جيبه بسرعة ، اندهش عمار مما يهراه و كاد يتجه ناحيتهما و يسأل أباه عن سبب اعطاء هذه النقود له و لكنه تراجع و ظل يحدق بهما حتى تركهما و عاد لسيارته ...
__________________
مر أسبوع على الحفل ، و هاهو اليوم المنتظر بالنسبة لأحدهم.
نظر الى مرآة السيارة و هندم ربطة عنقه متسائلا :
- متأكدين ان شكلي مفيهوش حاجة غلط ؟
ضحكت شقيقته الكبرى بتعب من طرحه لنفس السؤال منذ خروجهم من المنزل فأجابت طفلتها لنار هذه المرة :
- طالع حلو اوي يا اونكل وليد.
بعث لها وليد قبلة في الهواء و نظر الى والده الذي قال :
- انا بقالي بحاول معاك كتير عشان تتجوز وانت مش راضي ايه اللي حصل فجأة عشان تعقل.
- نصيب يا بابا ... انا وقعت في البنت من اول مرة شوفتها و قولت مفيش داعي نأجل.
بعد دقائق وصلا لمنزل هالة و استقبلهم شقيقها ووالدته وبعد السلام والكلام دلفت العروس وهي ترتدي فستانا جميلا باللون الزهري مع حجاب أبيض ولم تضع الكثير من المكياج لأن جمالها الهادئ كان يطغى على اي زينة أخرى ... هكذا رآها وليد الذي ابتسم بمجرد دخولها و إلقائها السلام ثم تنحنح و حاول تمالك نفسه لكي لا يزعج أخاها بنظراته المستمرة.
تكلمت أخته "هدى" بلطف :
- بسم الله ماشاء الله العروسة قمر ربنا يباركلكم فيها.
انكمشت هالة بخجل و عبثت بأصابع يديها بتوتر تملكها عندما شعرت بالأبصار تحيط بها فرغم أن احمد و السيد سعد الدين تطرقا لمواضيع جانبية قصد التقليل من حدة الموقف إلا أنها كانت تشعر بعينا وليد المعلقتان عليها وكم رغبت في زجره أو إلقاء صحن الفاكهة عليه كي يكف عن هذا.
بعد دقائق قصيرة نهض الجميع و تركوهما سويا فقال وليد :
- كنت بشوفك حلوة وانتي متنرفزة من غير سبب ومش طايقة نفسك بس دلوقتي شايفك احلى بكسوفك ده ... انسة هالة ممكن ترفعي وشك و تبصيلي متخفيش.
نظرت اليه و ردت عليه مباشرة :
- انا مش خايفة.
ابتسم و بدأ بالتعريف عن نفسه حتى انتهى فبادرته بالسؤال :
- انت بتصلي ؟
هز رأسه بصدق :
- الحمد لله ، مش هكدب عليكي انا احيانا بصلي متقطع بس بحاول قدر الامكان اني التزم .. في سؤال تاني ؟
- ليه انا اقصد احنا كل لقاءاتنا كانت عبارة عن خناقات و مشاكل المفروض تبقى مش طايقني.
صارحته هالة بما يجول في خاطرها منذ معرفتها برغبته في الزواج منها ليجيبها الآخر بدون تردد :
- انا معتبرتش اللي حصل بيننا خناقة تقدري تقولي عليه سوء فهم ولو عايزة الصراحة انا اعجبت بيكي من اول مرة بس بعدين طرقنا بعدت عن بعض ولما رجعت شوفتك اعتبرتها اشارة من ربنا و قلت مش هضيع وقت اكتر غير كده.
اومأت و أردفت بتقطع :
- على فكرة انا كنت مخطوبة ومحصلش نصيب مش هتسألني ليه يعني ...
قاطعها وليد بجدية :
- مش عايز اعرف انا مش بيهمني الماضي يا انسة هالة و اتمنى لو وافقتي عليا انك تنسي خطوبتك من الراجل الاولاني و تعتبريني اول واحد في حياتك.
اندهشت من كلامه و لمعت عيناها بإعجاب لم تستطع منعه من التسرب اليها فاِبتسمت و أخفضت رأسها سريعا لكي لا يظهر له هذا ، تابعا الحديث قليلا حتى دخلت العائلة و اتفقا على الرد بعد يومين ...
_________________
- عملت المطلوب منك يا سليم.
تكلم عادل على الهاتف وهو يجلس في غرفته ليرد عليه الآخر :
- ايوة يا فندم الصبح كمان دخلت لمكتب رأفت بيه بحجة بسيطة و عمار بيه شافنا مع بعض ... بس لسه مش فاهم ليه بنعمل كده مع انهم لسه معرفوش بخيانتي ليه.
- قولتلك من قبل ان هيجي يوم تعترف فيه مريم لعمار بكل حاجة ساعتها يا اما هيقوم الدنيا و يكشف مين اللي قتل ابنه و هيبدأ منك انت يا اما هيشتغل بالساكت و في الحالتين هتكون اول واحد يشك فيه و احنا مهمتنا دلوقتي نبين تعاونك مع رأفت.
بعدين انا بقيت اشك ف ان عمار بقى بيعرف كل حاجة ايه مش شايف علاقته متحسنة ازاي مع مريم حتى هي مبقتش تهاجمه زي الاول.
غمغم عادل بقتامة يدرس كل تفصيل مهم و تابع :
- عمار ذكي و قادر يوصل لأي حاجة هو عايزها عشان كده انت لازم تحذر الدكتور و كل واحد اتعاون معانا و تقطع تعاملك معاهم و تبعدهم عن هنا لان احتمال كبير يكون بيخطط ضدنا ... و مين عارف ممكن يبقى حاطلنا Gps مثلا ف انت حاول تفحص كل حاجة تخصك و متتكلمش عن الموضوع ف اي مكان وخلاص.
- أمرك يا باشا.
اغلق الخط و نظر للفراغ بإقتضاب مفكرا بأن علاقة عمار و مريم التي تصلحت فجأة تنذر بأنه ربما قد تم كشف أوراقهما لبعضهما و بدآ يسعيان وراء الحقيقة ، لقد لاحظ هذا منذ شعر بأن تلك المرأة لم تعد تتحدث بأريحية في الشقة كما في السابق و حتى عمار لم يعد يزورها كثيرا هناك.
هل اكتشفا وجود جهاز التنصت ولهذا أخذا حذرهما أم أنه مخطئ في توقعاته ، ولكن حتى لو لم يصب فعليه المضي في خططه بعدما فشل في طرد عمار من منصبه.
عمار ... ذلك الشاب الذي بسببه يستيقظ كل صباح وهو خائف من أن يكون قد تذكر كل شيء فيغافله بضربة سكين على مستوى القلب أو رميا بالرصاص ...
Flash back
( قبل سنوات طويلة جدا ، و في تلك الشقة التي أتخذها مع حبيبته مسكنا لهما بعيدا عن أعين الناس.
كان معها داخل الغرفة بعدما تركت طفلها في الخارج و هاهما يتشاجران و تذكره للمرة الألف أنه بسبب نزواته وصلا لهذه المرحلة من القذارة و قلة القيمة فأصبحت تخون زوجها مع أخيه الذي ماتت فيه عشقا.
و عندما تركته فيروز و فتحت الباب انصدمت برؤية عمار الذي كان يمسك بكرته و يحدق بهما بعدم فهم فشحب وجهها و انسحبت الدماء من جسمها وقد ارتعدت أوصالها وهي تتمتم بتقطع :
- عمار ... حبيبي انت بتعمل ايه هنا.
لم يرد عليها و نظر الى عمه كمن يحاول استيعاب أشياء لا يصل اليها عقله فأزاحها عادل و انحنى عليه محاولا الابتسام قدر الامكان :
- حبيب اونكل كشف المفاجأة ولا ايه ... تعرف اني انا و ماما التقينا هنا عشان نخطط لحفلة عيد ميلاد باباك بس السوبرايز باضت دلوقتي ... الا لو عمار شاطر ومش هيكشف السر لبابا.
ضغط على كتفه في آخر جملة له فتأوه الطفل بألم بينما ينظر عادل لفيروز التي كادت تقع مغشيا عليها :
- يلا جيبي شنطتك عشان نمشي.
وقف وهمس لها :
- عمار ولد ومش هيفهم هنقدر نضحك عليه بسهولة بس انتي متبينيش حاجة.
لم يسعها سوى أن تهز رأسها بإيجاب و ذهبت للصالة تبحث عن حقيبة يدها بينما عاد عادل الى ابن أخيه و أمسكه من يده ليغادرا الشقة ، و في الطريق فاجأه الطفل بنبرة هادئة :
- عيد ميلاد بابي لسه فاضله كتير.
ضغط على يده و حاول تزييف ابتسامته مجيبا إياه :
- ايوة عارف بس احنا مخططين لحفلة كبيرة لازم نجهزلها بدري.
ردد مجددا بدون أن يرفع عيناه عن الأرض :
- كنت بتقول لمامي يا حبيبتي و حضنتها ... مش الحاجات ديه بتحصل بين المتجوزين بس ... ليه مامي مبتحضنش بابي و حضنتك انت.
هنا تبخر تماسك عادل المصطنع و كان في تلك الفترة شديد العصبية فقد زمام تحكمه في نفسه و انخفض لعمار قابضا على كتفه بصورة عنيفة بعض الشيء متسائلا بحدة :
- انت شوفت و سمعت ايه بالضبط ؟
هلع الطفل و أجابه بصوت متقطع :
- اا انا مشوفتش ح حاجة ... اا انا ...
ضغط عليه أكثر و انتقلت يده لعنق الصغير زاجرا :
- متكدبش.
لمعت عيناه بالرعب و امتلأتا بالدموع ليعترف في النهاية :
- انتو ... انتو كنتو بتشوفو بعضكم هنا ... مامي كانت بتكدب وبتقول انها رايحة لصاحبتها ... كانت بتجيلك انت ... انا ...
تأوه عندما ضغط عادل على مجرى تنفسه بدون رحمة و نضحت تقاسيمه بالإجرام هامسا بتهديد :
- انت مشوفتش ولا سمعت حاجة ... تعرف لو الكلام ده طلع لبره انا هعمل فيك ايه هخلي باباك يهزقك زي العادة لانك كداب و بتاع مشاكل انت اكبر مشكلة في حياة أهلك يا عمار.
- عادل انت بتعمل ايه سيب الولد !
ظهر صوت فيروز فجأة و التف اليها فتحرر منه الطفل و بمجرد انفلاته لم يلحظ من خوفه وجود الدرج فاِلتوت قدمه عند اول درجات السلم و في ثواني كان جسده الصغير يتكور حتى وصل للاسفل فاقدا الوعي ! )
Back
تلك اللحظات لا تزال موشومة في عقله ولن تغادره ، يتذكر كيف أنه لم يكن في وعيه ذلك اليوم بسبب تعاطيه لبعض الحبوب التي كان مدمنا عليها في تلك الفترة ، و شجاره مع فيروز زاد من غضبه و عندما رآه عمار تمكن منه الخوف الذي أخفاه بعنفه على الطفل فلم يجد نفسه إلا وهو يخنقه مهددا إياه حتى وجده يغرق في دمائه بسبب وقوعه من أعلى درجات السلم !
حينها هلعت فيروز و صفعته و صرخت عليه بهستيرية فهدأها و أخبرها بأنه ليس المذنب ، و أخذاه الى المشفى وكانت هي تبكي عليه طوال الطريق و تتهم نفسها بأنها السبب فيما حدث ، و عاشا ساعات عصيبة بين الخوف و الرعب و كذبت على العائلة بشأن أنها كانت مشغولة مع صديقتها ولم تنتبه اليه كيف وقع.
ولحسن الحظ أن عمار لم يتذكر شيئا عندما استيقظ وربما حدث هذا بسبب الإصابة التي على رأسه.
و توالت لقاءاتهما مجددا بصحبة عمار الذي اصبح كتوما و منعزلا بشكل غريب حتى قررت فيروز في يوم من الايام قطع علاقتها به نهائيا و بعدها اصابها مرض خطير توفت على إثره ... و خسر هو حبيبته...
__________________
داخل مكتب وائل ، جلست مريم بجانب عمار الذي كان يقول بإنزعاج :
- غريب اننا لسه معرفناش سليم بيتعامل مع مين ده الدكتور وعرفنا شغله ليه مجيبوش بقى لحد عندي و اخليه يعترف بطريقتي بدل مااحنا بنضيع وقت !
رد عليه الآخر بمنطقية :
- مش هتستفاد حاجة لان اللي زي المجهول ده مبيتعاملوش بشكل مباشر مع الناس اللي بتساعدهم يعني حتى لو جبنا الدكتور و السباك مش هيكونو عارفين غير سليم وده واضح جدا لاننا قدرنا نكشف سليم بسهولة بس البوص بتاعه لسه مقدرناش نقرب خطوة منه ... الا لو جبنا سليم نفسه و استجوبناه ساعتها ممكن نطلع منه حاجة مفيدة.
فكر قليلا ثم نفى بسخط :
- معتقدش هيعترف بسهولة وممكن الباشا بتاعه يخلص منه و يبلينا بيه.
- طيب انتو ملاحظتوش احتكاكه مع حد معين من الشركة مثلا او مع واحد من العيلة و لقيتو ان تعاملهم مع بعض مشكوك فيه ؟
ردت مريم هذه المرة :
- هو اول لما يجي للشركة بيفضل قاعد مع security men بره ولو دخل بيروح لمكتب عمار ... او مكتب رأفت بيه.
نطقت بالجملة الأخيرة ببطء و استدراك لتتابع :
- بقى بيدخل لمكتبه كتير في اخر فترة بس سمعنا التسجيلات وكل كلامهم مموه يعني كأنهم بيتكلمو بالألغاز.
- ازاي يعني.
- مثلا تسجيل امبارح رأفت بيه كان بيقوله انت عملت اللي عليك ولا لأ و التاني بيقوله اطمن يا فندم حاجات زي ديه يعني.
استهجن عمار و نظر اليها هاتفا بحدة :
- انتي بتلمحي ل ان ممكن يبقى والدي هو الشخص اللي بندور عليه ؟
تعجبت من تضايقه هذا و أجابته :
- انا برد على الاسئلة وبس بعدين انت مالك متعصب كده مش اتفقنا ع اننا نحط الكل في دايرة الاتهام حتى صحابك نفسهم.
طحن ضروسه بغضب و شدد قبضة يده بعصبية لكن ليس منها هي بل لأنه يتذكر تعاملات رأفت مع سليم في الفترة الماضية و أنه أعطاه مبلغا ماليا الأسبوع الماضي ، في الحقيقة هو لم يتوانى عن مراقبتهما بتركيز منذ تلك الليلة إلا أنه لم يجد شيئا ملموسا ضده.
و للحظة تخيل عمار بأن والده من فعل كل شيء و هذا جعل ضربات قلبه تتسارع بصورة عنيفة ! فهز رأسه و هتف بقوة :
- ايوة بس نخلي اهلي برا الموضوع اساسا هو بابا معرفش بقصتك غير بعد ما انتي هربتي و شافك لأول مرة ليلة الفرح يعني هو مستبعد مستحيل يأذي ابنه بالطريقة ديه.
حينها استنكرت مريم طريقته في الدفاع عن والده الذي سبق وأن شوه صورته في عينيها فهدرت بتهجم :
- ولو هو مستبعد ده ميمنعش ان المجرم واحد قريب منك و بسبب مشاكل شخصية معاك قتل ابني انا بس اللي بيسمعك دلوقتي بتتكلم عن ابوك ميصدقش انه نفس الراجل اللي قابلني بعد شهر من هروبي و قالي ...
ابتلعت حروفها فجأة و توسعت حدقتاها بإستيعاب متأخر لأن عمار و وائل كان قد ركزا عليها بإندهاش و ترقب للتتمة فاِزدردت لعابها و قالت بتهرب :
- احم الوقت اتأخر وانا لازم امشي.
أمسكها عمار من ذراعها بقوة :
- استني عندك ... انتي كنتي بتقولي ايه ؟
أغمضت مريم عيناها تلعن نفسها بداخلها ثم فتحتهما متشدقة بإضطراب :
- مقلتش حاجة انا كنت بقصد اننا اتقابلنا بعد الفضيحة و ...
تدخل وائل بجدية :
- حضرتك مقولتيش كده من شويا ... في حاجة لازم نعرفها يا مدام مريم.
أنكرت سريعا مردفة :
- لا مفيش ... عن اذنكم انا مروحة.
أفلتت نفسها من يده و غادرت المكتب غير منتبهة لعمار الذي تصاعدت الشياطين اليه وبدأت تحوم حول وجهه فلحق بها و سحبها نحوه قبل أن توقف سيارة أجرة ، انتفضت الأخيرة و استقبلت هجومه العاتي وهو يصرخ عليها :
- انا مش هسمحلك تتخبي زي كل مرة ... قوليلي انتي شوفتي ابويا امتى ؟
- يا بني ادم انا بقول اني...
- متكدبيش ! قولي الحقيقة.
هدر بأنفاس متلاحقة وهو يشعر بنفسه يعيش أسوء لحظات حياته و على وشك سماع ما سيفقده عقله مجددا ، فشدد على ذراعيها و أجبرها على النظر في وجهه مهمهما :
- مريم انتي خبيتي عني حاجات كتير قبل كده ومش هسامحك لو عملتي نفس الشي دلوقتي ... اللي قولتيه من شويا صحيح ولا لخبطة في الكلام بس.
أشاحت وجهها عنه بقلب ينزف لتذكرها ذلك اليوم المرير ، و تألمت بسبب ملامح عمار الذي يبدو وكأنه ينتظر سماع ما يطمئن قلبه و حقا كانت ستكذب عليه هذه المرة أيضا لكنها فكرت بأن هذا القدر من الكذب و اخفاء الحقائق يكفيها.
لذلك كانت مجبرة الآن على الإعتراف فتنهدت بينما تصرح :
- ابوك عرف مكاني بعد شهر واحد من هروبي ... في اليوم اياه كنت هتصل بيك واطلب منك تجيلي عشان احكيلك ع كل حاجة بس فجأة شوفت رأفت بيه و ... قالي انك كنت بتخونني ع طول مع ستات تانية ومجرد لما تزهق منهم كنت بتطردهم من حياتك بأسوء طريقة ومن غير رحمة.
ب اختصار هو حكالي عنك حاجات وحشة و بشعة جدا لدرجة اني اتأكدت مليون في المية من أنك الشخص اللي قتل ابني !
الفصل الثاني والخمسون
" أحيانا ... لا نحتاج للأعداء لكي نعرف معنى الأذى "
( - انتي مش اول واحدة دخل معاها عمار في علاقة زي ديه.
- انا مش محتاج اكدب عليكي لو حبيتي تقدري ترجعي و تسألي عمار اذا كلامي صح ولا غلط ... قولتلك انك مش اول بنت في حياته ولو شغلتي دماغك شويا هتفهمي اني بقول الحقيقة ...
عمار زيه زي أي شاب تاني عنده نفس المقومات هو عرف كتير قبلك و بعدك بس كانو للتسلية و حتى انتي زيهم لكن الفرق الوحيد انك كنتي صعبة المنال شويا علشان كده اضطر يكدب عليكي و اشتراكي من عمك بفلوسه. )
بينما تجلس بجانبه في السيارة ، راحت تسرد عليه أحداث ذلك اليوم بالتفصيل عندما كانت مريم ستتصل بعمار ففوجئت برأفت الذي صادفها و أخبرها بأن غلطة يجب عليها تصليحها لكي لا يضيع إبنه زير النساء ، و أخبرته أيضا بالمبلغ المالي الذي أعطاه لها مقابل ألا تخرج أمام عمار مجددا ...
لم تنسى أي حرف بل حرصت على إعلامه بكل شيء فهي لا تريد الوقوع في فخ الكذب مجددا.
و عندما انتهت ، نظرت اليه فوجدته بتقاسيم وجه جامدة ، عيناه مظلمتان ويبدو كمن كبر بعشرين سنة في بضع دقائق فقط.
لم ترد مريم أن تتواجه معه بهذه الطريقة لأنها تعلم مدى الألم الذي سيعاني منه عمار ، لقد تعرضت هي لنفس الخيبة في السابق من عمها و زوجته لذلك تعلم جيدا مقدار سوء ما سيشعر به.
أما عمار ... فلم يحد بصره عن المقود الذي يحدق فيه منذ ركب السيارة ، و لكن عقله كان مكان آخر كليا.
و قلبه انشغل بِعدِّ أجزائه التي انشطرت ومن الواضح أنه سيعجز عن لملمتها هذه المرة ، كان يشعر وكأن الجمرات تشتعل في صدره او سياط من نار تجلده بلا رحمة ، أو حتى ان العالم أظلم عليه فلم يعد يقوى على رؤية لون غير الأسود.
كم عدد الخيبات التي يستطيع المرء أن يتصدى لها في حياته ؟ أو كم العدد الأقصى للخيانات التي يتعرض لها الإنسان منذ ولادته لحين مماته ؟
لقد لاقى الكثير في منذ طفولته ، إهمال والده و خيانة أمه ، زوجة اتهمته بأبشع الأشياء و مؤامرات من قريب لا يعرفه ، و الآن يكتشف بأن الرجل الذي بدأ يفكر جديا في أن يسامحه ويفتح معه صفحة جديدة هو من طعنه للمرة الثانية !
ولم يكن جرح عمار بخصوص أن رأفت جعله يظهر بهيأة القاتل و أبعد زوجته عنه أكبر من جرح كرامته المهدورة و كبريائه الذي نزف دما لأن أباه قد قتله عندما شوه سمعته و نكل بجثته لسنتين !
احتشدت أنفاسه بداخله و تصببت قطرات العرق من جبينه و احمرت عيناه فبدى كوحش بشري جريح ، و قطع الغضب خلاياه ليضرب بقبضته على المقود و ينطلق بالسيارة بسرعة مخيفة أرهبت الجالسة بجانبه ولكن مريم لم تنطق بحرف أو تعترض لأنها رأت مدى آلام عمار في هذه اللحظة.
بعد دقائق وصلا الى الشركة و أرسلها عمار لقسمها أما هو فنهب الأرض وهو يمشي عليها بخطوات واسعة ووجه جامد لفت الأنظار اليه.
و عندما اقتحم غرفة مكتب والده الذي كان يرص علب الأدوية أمامه ليتناولها في الميعاد المحدد له من الطبيب ، رمقه بإزدراء و كره نضح من عينيه ليتعجب الآخر ويقول :
- في ايه يا عمار.
أغلق الباب و اقترب منه مغمغما بصوت قاتم :
- لسه فاضل ايه تاني معملتوش.
- نعم ؟
- انا عملتلك ايه خلاك تكرهني كده انت ازاي طلعت بالسوء ده ... ازاي هان عليك ابنك اللي عملت فيه كل حاجة وحشة من لما وعي ع الدنيا ... رد عليا !
نهض رأفت من مكانه و دنى منه بتوجس و رأسه ينذره بالشكوك التي غزته و تحقق شكه عندما صرخ عمار :
- انا عرفت كل حاجة يا رأفت بيه مريم قالتلي ع اللي عملته و قولته عليا.
- عمار انا ...
تهدج بتقطع لكن الآخر قاطعه على الفور مبتلعة الغصة المؤلمة بحلقه :
- لما خسرت ابني و مريم هربت انت شوفتني قد ايه كنت متوجع ومقهور عليهم ... ساعتها طلبت منك لأول مرة فحياتي انك تساعدني عشان تلاقيها بس جيت و كدبت عليا.
قولتلي انك ملقتهاش ونصحتني انساها بس انت ... انت لقيتها وقولتلها عني حاجات بشعة لدرجة ... مبقتش قادر حتى ابصلك.
وقف رأفت يستمع لكلمات عمار المتهمة و المعاتبة ، صرخ و ادمعت عيناه وهو يبدي مشاعره و انكساره من والده حتى قاربت أنفاسه على الإنقطاع فتمتم وقد بدأ يشعر بوخزات مؤلمة في صدره :
- انا عملت كده علشانك ... البنت مكنتش مناسبة ليك خالص وانا قصدت احميك منها.
اندهش من حديثه و استنكره بحدة :
- تحميني ؟ مين طلب منك تعمل كده انت مين عشان تقرر مين اللي تناسبني ومين اللي متناسبنيش !
ايوة طبعا لان من لما كنت ولد صغير اتعلمت امشي ع الخطوات اللي انت بترسمهالي اتعودت ع اني انفذ أوامرك ولما شوفت اني بدأت اعيش حياتي بعيد عن عيلتكم و اسمكم و مجتمعكم حسيت بالخطر و خفت ع السلطة بتاعتك علشان كده روحت لمريم و هددتها و حكيتلها عن حاجات محصلتش اصلا !
أنهى عمار كلامه و أولاه ظهره غير منتبه لوالده الذي استند على المكتب وهو يضع يده على صدره بتألم ثم وقف بجمود فجأة و عادت عقاله لصوبها وهو يربط الخيوط ببعضها البعض حتى همس :
- يبقى انت اللي عملت كده فعلا ... انا دلوقتي اتأكدت.
تجعد وجه رأفت بإستغراب و عدم فهم ليلتفت له الآخر و تلمع عيناه بالصدمة و الإتهام قائلا :
- محدش غيرك عرف بجوازي السري و عنوان بيتي وانت اللي كنت بتبعت رجالتك ورايا عشان يشوفوني بروح ع فين... انا كنت مستغرب اشمعنا انت ظهرت يوم هروب مريم بالضبط بس دلوقتي فهمت .... انت ... انت اللي قتلتلي ابني.
شحب وجه الآخر و ابيضت شفتاه برهبة من سوء الإتهام و ضاقت عليه ضلوعه بينما يترجع نظرات الحقد و الإزدراء من إبنه الوحيد ، يا الهي لم يتوقع يوما أن يكون سيئا في عيني ولده لدرجة يتهمه فيها بهذه الجريمة البشعة ، يقتل حفيده ؟ هل كرهه عمار وفقد الثقة والأمان به لهذا الحد ! مهلا هل مات الجنين مقتولا من الأساس !
أغمض عيناه من هول ما ينزل عليه ، و تزامنت وخزات قلبه مع حروف عمار المتثاقلة :
- انا شوفتك اكتر من مرة مع سليم اللي اتضح انه باعني وبيشتغل مع غيري وهو دفعله عشان يسمم مريم ... شوفتك وانت بتديله فلوس و سمعتك وانت بتكلمه عن المهمة اللي محدش لازم يعرفها بس فضلت بكدب نفسي.
قلت مستحيل ابويا يوصل للمرحلة ديه صحيح هو عمره مااعتبرني ابنه و احترم حياتي وقراراتي بس مش معقول يحب ينتقم مني ف ابني اللي لسه مشافش الدنيا.
بس دلوقتي كل حاجة اتكشفت ... و طلعت انت ورا اللي حصل.
هز رأسه نافيا بلهفة و تقدم منه خطوة بطيئة :
- لا يا عمار ... لا يا ابني انا ...
- أنا مش ابنك !
هدر الآخر صارخا بقهر غلبه الغضب و تابع :
- اللي يعمل كده ف اقرب الناس ليه ميستحقش يبقى أب يا رأفت بيه تعرف انا شايف ايه دلوقتي ؟ مجرم حرمني من كل حاجة في حياتي ضيعلي طفولتي وبعدني عن اللي بحبهم و جبرني اعمل حاجات مش عايزها ... شايف واحد عديم الرحمة كل همه مصلحته حتى لو هيأذيني ... شايف واحد قاتل.
و تصدعت ملامحه بكل معاني الكره و البغض في لحظتها وهو يبصق كلماته القاسية :
- مش هسامحك على اي حاجة عملتهالي ... انا بكرهك !
كانت آخر كلمات سمعها رأفت الذي أحس بروحه تنسحب منه وهو يشعر بالألم ينطلق من صدره الى ذراعيه و ظهره ، فضغط بيده على مكان الضيق و في لحظات كان يهوي على الأرض !
و تسربت الدماء من وجه عمار الذي تحول سخطه في ثوان الى فزع اشتد به و خوف قسم ضلوعه فانتفض جاثما على الأرض و رفع رأسه والده لركبه مرددا بصوت لم يكد هو نفسه يسمعه :
- رأفت بيه ... رأفت بيه ...
تسارعت أنفاسه برعب وهو يرى شحوبه المخيف فصرخ مناديا المساعدة قبل أن يعود و يطرق على وجه رأفت فلم يشعر بدموعه التي تساقطت بغزارة هاتفا :
- متسيبنيش ... ب ... بابا !
سكون
جسد مرمي على الأرض ... أصوات متداخلة و فوضى عارمة ... صافرة إسعاف تعلو بدرجة مزعجة صمت أذنيه ...
لم يكن يستوعب ما يحدث حوله و كأن طاقة سوداء حطت فوق رأسه و فصلته عن العالم ، فقط يمسك بيد والده المسجي على السرير داخل سيارة الإسعاف و يناظر ببهتان ملامحه الشاحبة التي تم تغطية معظمها بقناع الأكسجين ..
كان كل شيء يمر بسرعة الضوء ولم تبدو حالته أحسن من أبيه أساسا الفرق الوحيد بينهما أن رأفت كان مغمضا عيناه أما الآخر فلم يرمش حتى.
و عندما وصلوا للمستشفى و سارع الطاقم الطبي لإستقباله مدخلين المريض لغرفة العمليات حينها أمسك عمار بالطبيب بقوة و طالعه بحدقتين حمراوتين هامسا :
- اعمل كل حاجة عشان تنقذه ... هو لازم يعيش يا دكتور ... مينفعش يموت دلوقتي.
- احنا هنعمل كل اللي بنقدر عليه ادعوله.
همهم الطبيب بمراعاة لحالة الإبن ثم دخل للغرفة بينما يتأمل عمار الفراغ بأنفاس مختنقة متذكرا سقوط رأفت بين يديه منذ دقائق و كيف صرخ بجنون طالبا النجدة ، كل شيء حدث بسببه ، لم يكن عليه أن يكلم والده بهذه الطريقة السيئة خاصة وهو يعلم بوضعه الصحي كان يجب عليه أن يراعيه.
حسنا ولكن رأفت هو المجرم الذي قتل طفله و أبعد زوجته عنه ... كلا لم يقتل الجنين لقد أخبره بأنه لم يفعل.
لكن كل الدلائل تصب ضده من عليه أن يصدق الآن ؟ يا الهي كيف للإنسان أن يستطيع مجابهة كل هذا !
ضغط عمار على رأسه وهو يهزه بهستيرية قبل أن ينتبه ليوسف و وليد قادمان مع عادل الذي اقترب منه سريعا و هاجمه بغضب :
- ايه اللي حصل لأخويا انت عملتله ايه خلاه في الحالة ديه !
و عندما لم يرد عليه دفعه من كتفه هاتفا برعونة :
- مش كفاية المشاكل و الفضايح اللي سببتها لأبوك و لعيلتنا عايز منه ايه تاني.
وقف وليد في وجهه مغمغما بجدية :
- عادل بيه لو سمحت مش وقته الكلام ده.
جز على أسنانه بعصبية وهو يفكر بأنه لم يكن يتوقع أن يسوء الوضع بين عمار و رأفت لهذه الدرجة ، لقد توقع بأن يكون عمار قد اقترب من اكتشاف الحقيقة و بدأ في مراقبة سليم لذلك اتخذ تدابيره ولم يعد يتكلم في مكتبه او في أي مكان يستطيع الآخر الوصول إليه...
و من ناحية أخرى جعل سليم يشكو لرأفت كاذبا بأنه يعاني من مشاكل مالية و يحتاج مساعدته بدون ان يعرف أي حد و شقيقه الكبير لم يقصر و قدم له مبلغا ماليا أمام عينا عمار الذي ظن به سوءا.
و هاهي توقعاته قد تبين بأنها صحيحة عندما كان يمر على غرفة المكتب ووصل لأسماعه كلمات حمل و سم و جنين فاِتضح له بأن عمار ابتلع الطعم و ظن أن أباه هو المجرم و أنه يحقق في موضوع تسمم مريم منذ زمن طويل ، و ليس ببعيد عليه أن يكون قد وضع جهاز تنصت او كاميرا مراقبة في غرف الجميع !
قضب حاجباه و ابتعد عنهم وهو يقول مدعيا عدم المعرفة :
- لازم تعرف يا عمار لو حصل حاجة لأخويا هتبقى انت السبب.
ثم تركه و جلس على مقعد بعيد نسبيا بينما زفر يوسف وهو يربت على كتف صديقه قبل أن ينتبه لرنين هاتفه فاِستأذن و ذهب لمكان فارغ ثم أجاب :
- الو ايوة يا مريم.
كانت الأخرى تتلضى على الجمر منذ أن سمعت بما حدث للسيد رأفت بعد تحدثه مع عمار و أرادت الذهاب الى المستشفى لولا أن رئيس القسم لم يسمح لها بالمغادرة فإتصلت بيوسف و سألته مباشرة بمجرد أن فتح الخط :
- يوسف بيه ايه الاخبار رأفت بيه ماله حصله حاجة ؟
- دخلوه لأوضة العمليات و محدش طلع من ياعتها عسان يعرفنا بوضعه بس الواضح ان حالته خطيرة.
عضت على شفتها بإرتباك و تساءلت :
- طيب عمار ... عمار عامل ايه.
- هو كمان مش كويس و منهار جدا بس انا و وليد معاه وم هنسيبه.
رد عليها بقتامة و سكت لثوان قبل أن يطرح عليها سؤاله :
- انتي بتعرفي ايه اللي حصل بين عمار و اونكل رأفت ؟ لانكم كنتو مع بعض لما دخلتو للشركة وبعدين هو راح يكلم ابوه وكان متنرفز اوي what happened ؟
ازدردت لعابها لاعنة نفسها بداخلها لأنها السبب في كل ما حدث كان عليها أن تخبر عمار بطريقة مناسبة لكي لا يغضب الى هذه الدرجة وحده الله يعلم ماذا حدث بينه و بين والده لتكون النتيجة بهذا الشكل.
ثم تنحنحت و أجابته متهربة :
- لا احنا التقينا برا و دخلنا مع بعض مش عارفة اللي حصل مابينهم بس ممكن رأفت بيه كان تعبان من الاول يعني معتقدش ان عمار يكون السبب في حالته.
همهم يوسف بعدم اقتناع و ودعها منهيا المكالمة ثم ذهب الي حيث يجلس الآخرون ...
بعد لحظات حضرت ندى و سعاد التي كادت تتوقف أنفاسها من هول ما حدث لينهض عمار و يمسكها بينما تردد بإنهيار :
- ابوك حصله ايه رد عليا هو فين رأفت فين يا عمار.
رد عليها و أخبرها بأنه تعرض لنوبة قلبية ولم يخرج أحد بعد من غرفة العمليات ليطمئنهم و حاول تهدئتها وهو يقول لها بأنه سيكون بخير ، و في الحقيقة كان هو أكثر من يحتاج للمواساة في هاته اللحظة إلا أنه لم يكن محظوظا بالقدر الكافي ليحصل على هذه الرفاهية في خضم الأحداث خاصة عندما نهض عادل و اقترب منهما مرددا بإتهام :
- اسألي ابنك ايه اللي خلى ابوه يتعب كده بعد ما دخل لمكتبه وقعد يزعقله.
انتبهت لكلامه و نظرت لعمار من خلف دموعها المتكاثفة و همست :
- قصده ايه ... انت اتخانقت مع ابوك ليه و بسبب مين.
تدخل عادل مجددا وهو يرد بإستهجان :
- اكيد بسبب الست اللي واخداله عقله لانهم دخلو مع بعض للشركة و كان باين عليهم مش ناويين ع خير ابدا.
وضعت يدها على مكان قلبها و سألته بحدة :
- الكلام اللي بيقوله عمك صحيح ... رد عليا !
لم يعرف ان كان عليه النفي و الكذب عليها أم مواجهتها بالحقيقة و كيف أنه كشف سر رأفت وبما أنها زوجته فطبعا هي تعلم بما دار بين والده و مريم وعن الإتهامات التي رماها على إبنه.
و اختار أن يصمت حاليا إلا أن سعاد لم تسمح له وهي تصرخ بغضب :
- انت ايه فهمني ليه بتعمل كده في ابوك بسبب واحدة ملهاش قيمة معقول مش شايفه ازاي عماله يصلح علاقته معاك حرام عليك.
اقتربت منها ندى و أسندتها لتجلسها على المقعد و طالعت عمار بشفقة قبل أن تذهب لجانب زوجة عمها و تواسيها ...
__________________
لم تمر بضع ساعات اضافية إلا وكان قد انتشر خبر تعرض رجل الاعمال رأفت البحيري لوعكة صحية جعلته يصارع الموت و كعادة الأخبار الزائفة لم يخلو الأمر من الإشاعات حول وفاته و مرضه بسبب مشاكل في العمل او افلاس العائلة نتيجة انسحاب بعض المستثمرين في الشركة.
و تجمعت الصحافة أمام بوابة المشفى منتظرة لمح أي فرد من آل البحيري و لكن الأمن تدخل و خفف من حدة تجمهرهم الى حين صدور أوامر أخرى.
و بعد وقت مر عليهم كالسنوات خرج الطبيب وبشرهم بنجاح العملية و استقرار حالة المريض ولكن يجب عليه المبيت في غرفة العناية و متابعة وضعه بدقة ، خرجت تنهيدة راحة عميقة من أفواه الجميع و تنفس عمار الصعداء وكأنهم ألقوا دلو ماء بارد على لهيب قلبه ولم يشعر بنفسه إلا وهو يردد كلمات الشكر و الحمد حتى مر الوقت سريعا و جاء الليل محملا معه عبء التفكير المضني و المشاعر المتخبطة.
وقف أمام الحاجز الزجاجي ينظر من خلاله الى والده المسجي على السرير و عدة أسلاك موصولة به ثم أسند جبينه بتعب ليشعر بأحد يقف بجواره و كانت سعاد التي رفضت العودة الى القصر قبل أن يستيقظ رأفت فسألها عمار :
- ليه محدش قالي ان قلبه بقاله فترة تعبان.
- رأفت هو اللي مرضيش انك تعرف عشان عارف قد ايه انت مضغوط الفترة ديه و محبش يشغلك اكتر.
قضب حاجباه و التفت اليها متهكما :
- يشغلني ؟ يعني مرضه بقى بيشغلني دلوقتي يا سعاد هانم هي ديه حجتكم المرة ديه.
نظرت له الأخرى مستفهمة :
- قصدك ايه بالمرة ديه مش فاهمة.
- حضرتك كنتي عارفة صح.
- ب ايه.
تنفس عمار بعمق و واجهها مباشرة :
- ان رأفت بيه كان عارف مريم مختفية فين و قابلها و كدب عليها بخصوصي وخلاها تفكر اني واحد ...
لم يقوى لسانه على المتابعة فزفر بخنق و حدجها بنظرات كان من شأنها أن تربك سعاد فتنحنحت و أبعدت عيناها متمتمة :
- هو كان عايز يحميك بس ومش قصده حاجة تانية لانه عارف و فاهم انكم مختلفين عن بعض جدا ومحدش هيقدر يتعايش مع التاني.
جز على أسنانه و مرر يده على عنقه مغمغما :
- لسه بتقولولي عشان مصلحتي ... مصلحة ايه ديه فهميني انتو ازاي بتقدرو تعملو كده و انتي ... انتي يا سعاد هانم ع اساس انك بتحبيني و بتعتبريني زي ابنك يبقى ليه تخدعوني بالطريقة ديه !
شهقت سعاد بلوعة و ردت عليه مسرعة :
- لا والله انا معنديش أعز منك انت و ابوك و حتى ساعة لما عرفنا بجوازك بالسر كنا حاطين فبالنا احتمال تعلنو الزواج بس لما شوفنا حالتك و ازاي مريم ديه معملتش حساب لأي حاجة لما هربت رأفت قال ان واحدة زيها مستحيل تقدر تعمر معاك ... و فعلا ده حصل وشوفت بعيونك المشاكل اللي حصلت من ورا مريم ديه حتى متصلتش بيك ولا جت تطمن عليك يا عمار انت مستوعب نوعية البنت اللي بتخانق ابوك عشانها ؟
أمسكت يده ولكنه سحبها سريعا كأن صعقة كهربائية أصابته و ابتعد عنها بضع خطوات هامسا :
- انتو عرفتو امتى اني متجوز في السر ؟
- رأفت كان فاكر ان البنت ديه عشيقتك و عرفنا عنوان البيت يوم الحادثة ساعتها انتو اتخانقتو و قولتله انك متجوزها يا عمار انت مش فاكر ؟
بهتت ملامحه و شرد في تلك اللحظان و استطاعت ذاكرته التقاط ملامح رأفت وهو مصدوم عندما أخبره بأنه عقد قرانه على مريم ، اندهاشه كان يبدو حقيقيا حتى أن وجهه شحب وهو يردد كلمة الزواج بين شفتيه ، كيف يستطيع التمثيل بهذه السهولة ؟
أم أنه حقا بريء وليس له يد في الموضوع ، و لكن ماذا بخصوص مقابلته مع مريم و تعامله السري مع سليم و كذبه الدائم عليه يا الهي من يجب عليه أن يصدق الآن !
أسند عمار ظهره على الحائط خلفه و تأفف بملل و إرهاق محدثا نفسه :
- انا مش عارف اصدق ايه و مين مش فاهم لازم اعمل ايه ...
تأملته سعاد بشفقة و كادت تكلمه إلا أنه تركها و ذهب ليجلس في الرواق الفارغ مفكرا في الموضوع و فجأة طرقت على باله مريم وكيف أنها حقا لم تكلف نفسها عناء الإتصال به على الأقل ، هي تعلم جيدا بماذا دار بينه و بين والده و رأت خوفه و رعبه عندما رافقه للمستشفى اذا لماذا لم تسأل عنه ، هل هو لا يهمها الى هذه الدرجة بينما يفعل كل هذا من أجلها ؟
شعر بيد تربت على كتفه فرفع رأسه و رأى ندى تقف أمامه وهي تبتسم بعاطفة حاملة بين يديها كوبا من القهوة لتهتف :
- بما انك ناوي تفضل سهران فكرت اجبلك Coffee.
التقط الكوب شاكرا اياها و شرد مجددا فجلست بجواره و قالت :
- متقلقش يا عمار اونكل رأفت هيبقى كويس ان شاء الله الدكتور قال ان حالته مستقرة بكره يقوم بالسلامة.
هز رأسه ببطء لتصمت قليلا ثم تردف بتوتر :
- و كمان عايزة اعتذر منك بسبب اللي قاله بابي انت عارف قد ايه بيحب أخوه الكبير هو عما كده من قلقه و خوفه عليه.
ابتسم متمتما بإيجاز بينما يرتشف بعضا من محتويات الكوب :
- صدقيني كلام ابوكي مبيجيش حاجة جمب اللي مزعلني و منرفزني علشان كده مفيش داعي تعتذري.
اومأت وهي تشعر بالحزن عليه ولم تستطع منع مشاعرها عن الخروج من الصندوق الذي دفنتها به منذ مدة فأمسكت بيده الموضوعة فوق ساقه و هتفت بمودة :
- مهما حصل بيننا و مهما اتخانقنا و زعلنا من بعض افضل عارف دايما اني هبقى معاك فكل حاجة زي ماانت كنت جمبي في اوقات فرحي و حزني.
حاد بزيتونيتاه ناحيتها يطالعها بإمتنان قائلا :
- انتي ازاي بتقدري تبقي باللطافة و التفهم دول ... محظوظ اللي عنده واحدة زيك في حياته يا ندى.
ابتسمت ندى و ضمته اليها فأسند عمار رأسه على كتفها و حدث نفسه :
- ياريت كانت زيك.
_________________
ترجلت من سيارة الأجرة مطالعة بعض رجال الصحافة المجتمعين حول الباب فأولتهم ظهرها و طلبت احدى الارقام :
- مستر يوسف انا واقفة قصاد المشفى بس الصحافة هنا مش هقدر ادخل من غير ما ياخدو بالهم مني.
استمعت الى رده ثم اردفت :
- لو سمحت حضرتك عارف اني حاولت اطلع من الشركة بدري بس مسمحوليش لان عادل بيه منعهم انا ... عايزة اشوف عمار و اطمن عليه ... تمام شكرا انا مستنياك.
اغلقت الخط و غيرت اتجاه سيرها لتذهب في الطريق المعاكسة فتلتقي بيوسف الذي غادر من الباب الخلفي و قال لها بحذر :
- لازم تدخلي و تكلميه بسرعة و تطلعي فورا قبل حد مايشوفك يا مريم.
أماءت فورا و تحركت معه ليدلفا بدون انتباه أحد من الخارج ثم صعد معها للطابق الذي يتواجد به عمار و هتف :
- هتلاقيه قاعد في ال hallway جوا او في الاوضة اللي حاجزها يلا ادخلي.
ابتسمت مريم بشكر و ركضت الى حيثما أشار لترى عمار و تطمئن عليه ولكن فجأة توقفت قدماها و تسمرتا في الأرض عندما رأته يجلس بجوار ابنة عمه و يحتضنها ....
تفاجأت بهذا المنظر و ظلت تطالعهما بعدم استيعاب قبل أن تضغط على شفتها من الداخل بضيق و تستدير لكي تغادر ، ولكن توقفت على حين غرة متذكرة بأن عمار زوجها هي و مهما حدث بينهما ستبقى الأولى من بقية النساء.
كما أنها تعلم جيدا بأنه لا يكن مشاعر حب لندى تلك و حسب الطبيعة الغبية التي تخص عائلاتهم فهو يرى بأن احتضانه لها أمر طبيعي و نوع من المواساة فقط لذلك لن تسقط مريم في نفس الفخ مجددا و إن كان على احداهن دعمه ستكون هي وليس امرأة غيرها.
تنفست بعمق و اتجهت اليهما بخطوات ثابتة لتنتبه لها ندى و تتسع عيناها بدهشة من وجودها ثم وقفت مطالعة اياها بخنق.
أما عمار فغر فاه و همس :
- انتي ... بتعملي ايه هنا و دخلتي ازاي !
لم تجب عليه مريم فتنهد و رمق ندى بنظرات ذات معنى لتمط الأخرى شفتها مردفة :
- اوك مش هقول لحد انها جت ... انا مروحة دلوقتي و طلبت من يوسف يوصلني هرجع بكره الصبح عايز حاجة مني قبل ما امشي.
- لأ شكرا.
ابتسمت ندى و ضمته مجددا ثم حدجت مريم بتعالٍ و غادرت وهي تشعر بالضيق لمجرد رؤيتها ، بينما نظر عمار لتلك التي تقف ببرود ثم أمسك يدها و سحبها خلفه الى الغرفة المحجوزة ليدخل و يهتف بدهشة :
- انتي قدرتي تدخلي ازاي لو حد شافك ...
قاطعته ببساطة :
- اطمن محدش شافني مستر يوسف ساعدني.
اغتاظ منها ومن يوسف ليزفر بقوة مستطردا : - انتي بتعملي ايه هنا ؟ لو جاية تشمتي في الراجل اللي شاكين فيه او عشان ترمي عليا تهم الخيانة تاني ف للأسف انا مش حمل مناهدة دلوقتي و تقدري ...
قاطعته مريم مجددا ولكن هذه المرة وهي ترمي رأسها على صدره و تلف ذراعيها على كتفيه ، تجمد عمار بصدمة و شعر بشلل في أضلاعه و حواسه من فعلتها و معانقتها له ولم يكد يبدي ردا حتى سمعها تردد بخفوت :
- انا جاية بس عشان اشوفك و اطمن عليك بقالي من الصبح بحاول اوصلك بس مقدرتش ... انا عارفة انك مقهور و متعصب مني و ده حقك لاني لو واجهتك من زمان مكناش هنوصل للوضع ده.
بس افضل فاكر ان سواء والدك كان السبب في اللي حصل ل ابننا او لأ انت ملكش دعوة ومش مذنب.
أغمض عمار عيناه بسكون ولم يتحرك أبدا و لكنه أخفض رأسه ليدفنه في خصلات شعرها و كم تمنى لو يبادلها العناق غير أن هذا كان ثقيلا عليه.
لم يعد يقوى على حب او كره او قرب او ابتعاد ، هو لا يريد الآن شيئا سوى النوم و الاستيقاظ و رؤية أن كل شيء بخير.
صدقا لا يتمنى غير الراحة ....