رواية لعنة الخطيئة الفصل الثالث عشر13والرابع عشر14 بقلم فاطمة أحمد


رواية لعنة الخطيئة الفصل الثالث عشر13والرابع عشر14 بقلم فاطمة أحمد

الفصل الثالث عشر : نوبة. 
__________________
توقفت السيارة أمام باب منزلها فرفعت رأسها من على زجاج النافذة ونظرت له بشرود ممتزج بالحسرة ثم تنهدت وترجلت منها، نظرت للسائق الذي لم يتزحزح من مكانه بتعجب فشرح لها بنبرة جادة :
- البيه طلب مني استناكي هنا ومتحركش من مكاني لحد ما تخلصي. 

تأففت نيجار بضيق وغادرت أما هو فاِتصل بشقيقه فاروق وأخبره بأنه فعل المطلوب فقال له الآخر :
- ماشي يا محمد وزي ما نبهتك لو صفوان جه اتصل بيا فورا. 

- تمام مع ان المفروض انا مسؤول ع الهانم الصغيرة بس وبجيبها وبوديها ايه اللي يخليني سواق لمرات آدم بيه. 
برطم محمد وهو يزفر شاكيا ليردعه فاروق :
- ديه أوامر آدم بيه مينفعش تعترض وبعدين هو احتاجك في الموضوع ده لمرة واحدة بس ومش هتتكرر ... يلا سلام دلوقتي.  

*** بمجرد فتحها الباب ودخولها للبهو الواسع رفعت رأسها ممررة عينيها على كل ركن في السرايا لتنتبه لها سلمى التي كانت على الدرج فشهقت بذهول وهرعت راكضة إليها بينما تنادي ببهجة :
- ماما تعالي شوفي نيجار جت لعندنا. 

عانقتها بقوة مرددة كلمات الشوق وبادلتها نيجار بهدوء ثم أزاحتها عنها مبتسمة فأمسكت سلمى يديها بعدم تصديق مرددة :
- انا مش مصدقة انك جيتي وأخيرا احنا حاولنا كتير نتواصل معاكي بس مقدرناش ... قوليلي انتي عامله ايه ازاي سمحلك آدم تجيلنا احنا كنا خايفين عليكي اوي. 

جاءت جميلة وابتسمت ببهجة محتضنة إياها :
- حبيبتي وحشتيني ووحشتينا كلنا الحمد لله انك بخير قلقتينا عليكي اوي يابنتي. 

ابتعدت عنها متفحصة إياها وتحولت ملامحها للتوجس عند رؤية لاصق طبي صغير على جبينها فشهقت بريبة :
- ايه اللي حصلك مين عمل فيكي كده ... اوعى يكونو ضاربينك ! 

طالعتها هذه الأخيرة هاتفة ببرود أذهلها :
- وحضرتك كنتي متخيلة انهم هيرمو عليا الورد مثلا ؟ 

تدخلت سلمى مشيرة لهما بالجلوس والحديث فتنهدت نيجار وتحركت معهما حتى جلست على إحدى المقاعد وقابلتها زوجة عمها باِستفهام :
- احكيلي عامله ايه وعايشة معاهم ازاي بيعملو فيكي ايه احنا كنا خايفين عليكي واتصلنا بيكي اكتر من مرة ولما مقدرناش نوصلك فهمنا انهم خدو تلفونك منك. 

- لا مخدوهش آدم اللي كسره بس انتو اول ما معرفتوش تتواصلو معةيا استسلمتو ومرجعتوش سألتو عني صح ؟ 
ألقت عليها سؤالها بجمود لتجيب عليها جميلة بغرابة :
- طبعا سألنا عليكي وسلمى حبت تجيلك بس حكمت منعت حد مننا يدخل لبيتها ولما صفوان كلم آدم عشانك قاله انك بقيتي مراته والأفضل ننساكي. 

همهمت بعدم اكتراث وصمتت لتنظر لموضع جرحها قليلا ثم همست متوجسة :
- جوزك اللي ضربك كده صح ؟

تحسسته نيجار متذكرة مافعلته معها السيدة حكمت البارحة وردت بتجاهل :
- لأ مش هو ... انا طالعة لأوضتي شويا. 

تركتهما جالستان بحيرة منها حتى تمتمت سلمى بإحباط :
- باين انها لسه شايلة مننا عشان جوزتوها لـ آدم ديه مرضتش تبصلي في وشي حتى شوفي حالتها عامله ازاي ياريت لو معملناش كده. 

زجرتها جميلة بضيق :
- اومال كنتي عايزانا نعمل ايه نبعتك انتي لبيت الصاوي وياخدو تارهم مننا بيكي ! سيبك من الكلام ده واتصلي بأخوكي يجي علشان يشوفها. 

دلفت نيجار لغرفتها السابقة واتجهت مباشرة للخزانة وأخرجت حزمة من القماش ملفوفة بشريط أحمر ثم جلست على السرير وفتحتها بشوق فظهرت قطع  بينها منديل زهري دفنت أنفها به لتشم رائحته بعمق متأوهة :
- ريحتك لسه موجودة عليه يا ماما أنا كنت خايفة تروح ومرجعش اشمها ...

طبعت قبلتها عليه بشفتين مرتعشتين  ثم انتقلت لمجموعة الصور المرصوصة فوق بعضها بعناية بعضها كانت تجمعها مع والديها في طفولتها وبعضها في مراهقتها مع أمها فقط بعد وفاة أبيها، كانت السعادة تشع من وجوههم وضحكاتهم وملامحها هي لطيفة ومبتهجة... وبريئة. 
فكرت نيجار بهذا الشيء لوهلة ثم مررت اصبعها على وجه والديها متمتمة بشجن وحنين :
- وحشتوني اوي كل لحظة معاكو وحشتني  أنا لأول مرة بحس بفراغ ووحدة رهيبة للدرجة ديه كنت فاكرة اني ممكن اقدر اعوض فراغ غيابكو بوجود مرات عمي واخواتي بالرضاعة لدرجة اني صدقت الفكرة ديه بس اكتشفت اني ولا حاجة. 

نزلت دمعتها فسارعت لمسحها مستطردة :
- أنا مش زعلانة من صفوان ووالدته هما مهما حبوني مش هيكون نفس حبهم لبنتهم الحقيقية طبيعي يفضلوها عليا ... لكن فكرة ان مفيش حد متمسك بيا وبدافع عني وجعاني جدا لو انتو لسه عايشين مكنتوش سمحتو اروح كبش فدا ... لو عايشين انا مكنتش هدخل في اللعبة ديه اصلا.

قابلها الصمت الطبيعي فتنهدت بحرقة وبقيت تتأمل في صورهم حتى طُرق الباب ودخل صفوان بلهفة مناديا إياها :
- نيجار ! 

هرع إليها وجذبها نحوه ليعانقها قائلا :
- انتي كويسة عامله ايه ازاي الندل إياه سمحلك تزورينا. 

ردت عليه بإقتضاب ريثما تخفي بقايا دموعها :
- طلبت منه يسمحلي اجي وهو وافق بس لازم امشي دلوقتي لأنه منبه عليا عشان متأخرش.  

لملمت محتويات الحزمة وأغلقت عليها فأوقفها صفوان مستفسرا بتعجب :
- طب استني شويا انا جاي ع ملى وشي عشان أشوفك معقول تسيبينا بسرعة وتمشي ... اقعدي جمبي كده. 

أخذت نيجار مكانا بجواره على مضض وصمتت طالعها صفوان وضغط على كف يدها متمتما :
- على فكرة احنا مكناش ناسيينك زي انتي ما فاكرة على العكس سألنا عنك وقلقنا عليكي بس واضح ان ابن سلطان كان بيكيد فيا علشان كده منعك تكلمينا ومنعنا احنا نتواصل معاكي ... أنا فكرت اكتر من مرة اتهجم عليه واداهم بيته او اكلم العمدة بس ساعتها هيقولولي انك بقيتي مراته ومليش حق احشر نفسي مع اتنين متجوزين.

لم تُبدِ أية رد فعل وبقيت متجهمة وعابسة فتنهد وأدار وجهها إليه متابعا :
- أنا مستحيل اتخلى عنك صحيح جوزناكي ليه بس انتي عارفة اننا اضطرينا نعمل كده ... ردي عليا انتي عامله ايه معاه متقوليش انه بيضربك او...

قاطعته نيجار بنزق :
- وهتعمل ايه لو قولتلك ضربني وأهانني هتسحبني من إيدي وتقولي مفيش رجعة لبيته انا هطلقك منه ! 

إرتبك صفوان لهنيهة وأخفض رأسه ثم عاد وحدق بها مجيبا :
- انا مبقدرش اعمل ده دلوقتي الظروف مبتسمحليش الصلح مرهون بالجوازة ديه لو طلقك هيرجع يهاجمنا بطريقة مباشرة واحنا لسه مش مستعدين بس أوعدك اول ما اقف على رجليا هبعده عنك استحملي كام شهر بس. 

إبتسمت وطالعته مستنكرة :
- كام شهر ؟ انا فاكرة انك قولتلي استنى اصبر كام يوم وارجعك ودلوقتي بتقولي استحمل كام شهر ياترى المرة الجاية هتقولي استني عليا كام سنة ولا تقولي ده بقى نصيبك خلاص ولازم ترضي فيه. 

- لا انتي مش هتكملي معاه بصي انا خدت قرض من واحد معرفة وبدأت في صفقة كبيرة لو نجحت فيها التجار هيتكاترو عليا وينسو آدم فهو هيضعف وتقل مكانته وساعتها انا هكون الطرف الأقوى واقدر اطلقك منه. 
والكلام ده محدش بيعرفه غيري أنا وناس في الشغل قريبة مني ومحدش هيسمع بيه لأن لو الخبر وصل لإبن سلطان وعرف انا متعاون مع مين هنقع فمشكلة لانه اكيد مش عايزني ارجع منافس ليه. 

هتف صفوان مدافعا عن نفسه ومطمئنا إياها بما يتأمل حدوثه لتضعف عزيمة نيجار ويقل غضبها منه بعدما أدركت بأنه إن لم يستطع إعادتها لحياتها القديمة فعلى الأقل هو يفكر بها ... بقيت متجمدة مكانها ليبتسم الآخر ويحضنها مرددا عليها وعوده حتى انتهت زيارتها وعادت إلى سرايا الصاوي. 

صعدت للطابق العلوي وتوجهت إلى غرفتها تحت أنظار حكمت التي أوقفتها ملقية كلماتها عليها :
- رجعتي من بيت الشياطين ياترى اتفقتو ع ايه المرة ديه وابن عمك وصاكي تعملي ايه تقولي آدم بالسم ولا الخنق ولا ... تضربيه بسكينة.  

لم تجب عليها وكادت تكمل طريقها فأوقفتها مجددا :
- متغتريش بنفسك أوي كده ومتفتكريش ان حسابك هيكون مجرد تنظيف للبيت أنا لو عليا اطلع بروحك بس لازم أصبر عشان مضيعش اللي تعبت عليه سنين. 

رشقتها حكمت بكره نضح من عينيها بوضوح وجزت على أسنانها هاسّة بحقد :
- اول ماعرفت ايه اللي عملتيه مع آدم كان نفسي احرقك انتي وعيلتك في نار واحدة وحفيدي كان هيعمل كده فعلا لولا الظروف مسمحتلناش وقتها..
 بس بوعدك يابنت الشرقاوي اني اضيق الحياة عليكي واخليكي تتمني الموت ولا تطوليه عشان تعرفي انك لعبتي مع ابن سلطان اللي كانت تتهزله رجالة بشنبات وريس عيلة الصاوي.   

أنهت تهديدها وتوقعت أن تصمت ولا تجادلها كعادتها لكن نيجار خالفت ظنونها واِبتسمت متمتمة :
- حقك تنتقمي مني مش هقول ليه بس في الأول انتي حددي مين اللي هتنتقميله حفيدك آدم ولا آدم الصاوي. 

قطبت حكمت حاجباها مقتضبة فتابعت هذه الأخيرة برفعة حاجب متلاعبة :
- يعني انتي كل مرة بتفضلي تقولي ابن سلطان ابن اكبر تاجر والحفيد الوحيد لعيلة الصاوي ف انا مبقتش متأكدة لو زعلك كان عليه هو نفسه لأنه كان هيموت ولا على سمعة العيلة اللي هتتشوه لو حد عرف ان في واحدة غدرت بيه وطعنته. 

شهقت من وقاحتها ورفعت يدها كي تقبض على تلابيب فستانها فأمسكتها نيجار باصقة كلماتها بتهكم حاد : 
- انا لو مكانك عمري ماكنت هلاعب حد عزيز عليا واجبره يعمل حاجات غصب عنه عشان منصب طمعانة فيه مش انتي أقنعتي آدم يتجوزني عشان ميخسرش مكانته عند العمدة ومضطرة تستحملي وجودي عشان مصالحك اه اقصد عشان مصلحة حفيدك فبصراحة مبقتش عارفة مين اللي بيستغله فعلا أنا ولا حضرتك.     

ثم غادرت تنهب الأرض نهبا تاركة وجهاً اِمتقع بغل من تلك الوقحة سليطة اللسان ...
___________________
في مكان آخر. 
بينما كان يُشرف على أمور المزرعة ويساعد عُماله في تنظيف الإسطبل جاء إليه فاروق وبرفقته شخص ما فبادره بالإستفسار :
- عملت اللي قولتلك عليه ؟

هز رأسه بإيجاب :
- أيوة يا آدم بيه انا روحت لأرض صفوان بيه واستغليت غيابه وشوفت الحال عامل ازاي. 
- ولقيت ايه. 

- كانو بيشتغلو ع الجزء المحروق من البساتين وطلعو كلام بأن شغله هيرجع زي الأول وكمان أنا قدرت اسحب الكلام من واحد بعرفه وقالي سمع ان صفوان بيه خد قرض كبير وهيساعد نفسه بيه. 

- هو خد قرض من البنك يعني ؟

- لا يا بيه قال انه استلفه من واحد صاحبه حب يساعده. 

استمع آدم لكلماته بتركيز مفكرا في هوية هذا الشخص الذي أعطى له قرضا يكفي لإصلاح الأرض وبدء العمل عليها من جديد وهل هذا السبب الذي جعله يمتلك الشجاعة حتى يعقد صفقات مع تجار كبار، حسنا ربما هو يبالغ في تقدير الأمور ربما تلقى مساعدة من صديق بشكل إعتيادي لكن هل هذا يفسر إنسحاب التاجر عيسى من شراكته مع آدم الصاوي ويذهب لعقدها مع صفوان ؟

دلك آدم صدغيه لثوان وأشار للرجل بالمغادرة ثم قال لفاروق :
- عايزك تسأل ع الشخص اللي ساعد ابن عيلة الشرقاوي وتشوفلي هو مين لأني مش مستريح للموضوع ده. 

أومأ مطيعا أوامره :
- ماشي يا آدم هعمل اللي بقدر عليه ... صحيح مراتك احم اقصد نيجار هانم رجعت للبيت من شويا محمد وداها وجابها زي ما أمرت.

حدق فيه بإمتعاظ من إلقائه لقب الزوجة على تلك المرأة ورغم ذلك لم يتكلم فهي زوجته فعلا شاء أم أبى والله وحده يعلم عمَّ تكلما هي وإبن عمها الوغد وأي خطة شيطانية تعاونا عليها ...
___________________

فتحت باب الشرفة لتراقب مشهد الغروب ورغم برودة الجو الإعتيادية بما أن موسم الشتاء على الأبواب إلا أن سماء هذا اليوم كانت صافية إلا من بعض كُتل الغيوم الصغيرة وهذا ماجعلها تعجب خاصة أن مزاجها اليوم يعتبر جيدا بسبب إسترجاعها للحزمة التي تحمل ذكرياتها مع والديها ...

وقفت نيجار على أعتاب الشرفة تتأمل المنظر أمامها كان الأشجار التي تمتد على طول الطريق تتكللها ثمار التفاح الامعة، وأغصان الأشجار الأخرى التي كادت تفقد جميع أوراقها تتشابك منحنية ومتراصة مثل القبة...
بينما شعت السماء عند نهاية الطريق موشاة بألوان الغروب وكأنها نافذة مستديرة مخرّمة تقع عند آخر الممر وكان هذا المنظر كفيلا بجعلها تمدح شيئا واحدا في هذا المبنى وهو أنها موجودة في غرفة ذات إطلالة هائلة تشتت أفكارها السوداوية ولو قليلا. 

ضربتها نسمة باردة على حين غرة فرفعت نيجار وجهها مستقبلة إياها ببسمة حتى سمعت مناداة أم محمود لها فمطت شفتها ببلادة وخرجت إليها لتقول الأخرى :
- لمؤاخذة معلش تجي تساعديني تحت انا مش ملحقة ع الطبيخ وهما طالبين شاي دلوقتي. 
- ماشي. 

نزلت نيجار للمطبخ ووضعت أكواب الشاي على الصينية وتوجهت للصالة حيث تجلس حكمت مع حفيديها وعندما رآها آدم تجهم بشكل واضح وأشاح وجهه لكنها تجاهلت تصرفه وانحنت حتى تقدم له الكوب غير أن الجدة صاحت عليها بنقمة :
- انتي مين طلب منك تعمليه وتجيبيه لهنا ! يا ام محمود انتي فين تعالي. 

سمعتها الخادمة وركضت لها فورا لتوبخها حكمت :
- انا كام مرة قولتلك البت ديه متقربش ناحية الطبيخ ولا ناحية اللي بنشربه ايه مبتفهميش. 

شحب وجهها بخوف وأجابتها :
- لـ لا أنا ... أنا مكنتش ملحقة و...

قاطعتها بصوت أعلى وأشد قسوة :
- مش عايزة اسمع تبريراتك ديه آخر مرة تخليها تلمس حاجة بناكلها او نشربها ب ايديها القذرة ديه. 

تفاجأت ليلى من هجومها غير المبرر من وجهة نظرها وهمست :
- الموضوع مش مستاهل الانفعال ده يا تيتا مينفعش كده. 

رشقتها بنظرة محذرة ورفعت يدها تمنعها من المواصلة :
- متدخليش في اللي ملكيش فيه انتي مش عارفة حاجة ديه راحت النهارده لبيت أهلها والله اعلم اتفقت معاهم وحطتلنا ايه في الشاي عشان تخلص علينا مش بعيد عنها هي وعيلتها لأنهم متعودين ع الغدر.

إنقلب وجه آدم ونهض كي يجري مكالمة عمل بعيدا عنهن أما نيجار التي كانت تقف كالجماد غير مكترثة بإتهاماتها أخذت رشفة من الكوب قائلة بجمود :
- شربت اهو ومحصليش حاجة متخفيش انا لو حبيت اقتلك مش هخليكي تشكي فيا أصلا. 

حملت الصينية من جديد وأخذتها إلى المطبخ لتغسل الأواني أما حكمت التي بدأت الشياطين تحوم حولها بسبب عديمة الأصل تلك توجهت بأنظارها نحو الخادمة مغمغمة :
- انا مش واثقة فيها خالص النهارده رجعت وهي جايبة معاها حزمة قماش من بيت الشرقاوي والله أعلم جواها ايه احنا لازم نتخلص منه يلا اطلعي للأوضة فوق ودوري عليها وجيبيهالي فورا. 
- انا سألت عنها وقالتلي ان جواها حاجات ذكرى من أبوها وأمها. 
- انتي مسمعتيش انا قلت ايه ؟ 

حدثت فيها ليلى مستنكرة أما أم محمود التي كانت تعلم شكل الحزمة جيدا لأنها رأت نيجار ظهر اليوم وهي تحملها ركضت تنفذ أوامر سيدتها رغم عدم إرتياحها لما ستفعله دلفت وفتحت الخزانة ووجدتها في المقدمة فحملتها وأخذتها لحكمت هاتفة :
- هي ديه يا ست هانم. 

انكمشت أصابعها عليها بقرف ووقفت مفكرة في كيفية التخلص منها حتى وقع بصرها على صندوق الوقود فتوجهت ناحيته ورمت الحزمة على الأرض ثم دلقت عليها كمية معتبرة منه ومدّت يدها لعلبة الكبريت التي كانت بحوزة أم محمود، أعطتها هذه الأخيرة إياها لتصيح ليلى معترضة :
- مش للدرجة ديه يا تيتا حرام والله انتي بتعملي ايه. 

سمعتها نيجار فخرجت من المطبخ لترى مايحدث وكذلك آدم الذي أنهى مكالمته للتو ورأى جدته تكب الوقود على شيء من الواضح أنه يخص -زوجته- لكنه لم يهتم وكاد يصعد للغرفة لولا شهقة نيجار التي وقع نظرها على الشريط الأحمر الملقي في الأرض وعرفت ماهيته فورا فصرخت بهسيترية وركضت إلى كومة النار التي بدأت في الإنتشار وأدخلت يداها بها ! 

إنتفض آدم بصدمة ووجد نفسه يركض ناحيتها وينتشلها صارخا :
- انتي بتعملي ايه يامجنونة. 

تململت بين يديه بهستيرية هادرة بأعلى صوت لديها :
- لاااا ابـعـد عـنـي اوعى سيبني. 

دفعته بقوة لم يستطع مجابهتها بسبب صدمته مما يحدث وحاولت إطفاء النار بيديها كي تنقذ ما يمكن إنقاذه وبالكاد استطاعت سحب منديل أمها ليعود آدم ويمسكها آمرا بجلب الماء فهرعت ليلى والخادمة تمسك كلتا منهما دلوا ممتلئا وأخمدتا الحريق ولم يبقَ من أثره سوى كومة رماد تشهد على آخر ذكرى لنيجار من طفولتها مع والديها ...

ساد الصمت فجأة بعد العاصفة التي هبّت في السرايا وأصبح كل واحد منهم على حال...
ليلى التي بقيت منصدمة مما رأت للتو وحكمت التي وقفت بشموخ وإحساس كبير بالرضا بعدما استطاعت تحطيم نيجار وآدم الذي كان مذهولا وغير مستوعب لسبب حالتها المجنونة. 

أما هي، فكانت تجثو على ركبتيها بملامح ميتة تشخص بصرها في حزمتها المحترقة بعيون حمراء جافة و يدين محترقتين تمسكان بالمنديل المهترئ قليلا رفعته لأنفها ببطء كي تشم رائحة أمها لكنها لم تجدها ! لم تشم سوى رائحة الإحتراق وقد كادت تخنقها ...

كتمت أنفاسها ورفعت رأسها للشيطانة التي كانت تبتسم بظفر وسرعان ما ضحلت ابتسامتها عندما نهضت نيجار وانقضت عليها تقبض على عنقها بعنف صارخة بجنون :
- أنا هــقـتلـك هخلص عليكي !! 

جحظت عينا حكمت بصدمة وانتفض آدم يحاول إبعادها لكنها كانت كالممسوسة لا تسمع ولا ترى ولا تفكر في شيء سوى قتلها ولعلّ حكمت محظوظة لكون نيجار لا تحمل سكينا الآن وإلا لم تكن ستفكر مرتين قبل أن تشق عنقها !
عمت الفوضى واسترعت إنتباه الحراس في الخارج وفاروق الذي وصلته صرخات أهل المنزل فهرع إلى الداخل ليرى الكارثة التي تحصل..

تشابكت الأيادي محاولين تخليص السيدة الكبيرة من قبضة نيجار المصممة على إزهاق روحها بيديها المحترقتين ولكنها لم تكن تشعر بالألم بسبب إنفعالها بَيد أنها وجدت نفسها فجأة تُقتلع بقوة ثم ألقاها بعنف على الأرض وهدر بعصبية  :
- كفاية بقى ! 

وقعت حكمت وهي تسعل بتحشرج ممسكة برقبتها فاِنحنى الجميع عليها مهدئين إياها أما آدم فعاد وغرز أصابعه في ذراعها كي تقف وسحبها خلفه وسط استسلام غريب منها حتى دخل للغرفة ورماها بنفس العنف على السرير هادرا بوحشية :
- أقسم بربي لو مكنتيش واحدة ست كنت كسرتلك عظمك ف إيدي بس سبحان اللي مصبرني عليكي لغاية دلوقتي لكن هتتحاسبي أنا هندمك ع اللي عملتيه ده. 

اتكأت نيجار على كوعها الذي أُصيب عند دفع الآخر لها ونهضت فتوضح جرح جبينها الذي عاد ونزف من جديد إثر نفس الدفعة وتلك الندب الحمراء على يديها إضافة لشعرها المشعث ووجهها المكدوم وفستانها الذي استحال لونه إلى الأسود. 
حالتها المزرية جعلت آدم يتشوش للحظات قصيرة قطعتها هي بهمستها الميتة :
- انتو مبسوطين دلوقتي حالتي عجبتكم خلت قلبكو يبرد شويا. 

لم يجبها فتلألأت عيناها بالدموع وتابعت بصوت مهتز :
- لو حرقتوني انا وخلاص ليه قربتو من حاجتي لييييه ! 

صرخت بآخر كلمة وهي تدفعه فجز على أسنانه غاضبا ووجد نفسه يرفع يده كي يصفعها لكنه توقف بأعجوبة قبل أن تصل لوجهها وهسَّ :
- قولتلك كفاية اخرسي. 

نظرت لكفه وتدحرجت دموعها صائحة بحرقة :
- وقفت ليه عايز تضربني ؟ يلا اضربني ع وشي واشفي غليلك اساسا انت عملت فيا اسوء من كده ! 

انكمشت أصابعه على هيأة قبضة واحمرت عيناه بشدة متذكرا مافعلته بجدته فزفر هامسا :
- انتي جنس ملتك ايه بالضبط ها انتي ... بتطلعي أسوء ما فِيا. 

- كفاية كفاية انا تعبت انت عايز مني ايه بالضبط عايزين مني ايه سبق وقولتلك لو عايز تنتقم مني اقتلني وريحني بس ليه تخليها تحرق روحي ليه خلصتني من الذكرى الوحيدة الفاضلة من أهلي ليه حرام عليك.

- انتي بتقولي ايه انا مش فاهمك.

سألها بذهول عما تتكلم عنه لكنها انشغلت بضم المنديل وشمته مجددا لتدخل في نوبة بكاء فظيعة مرددة :
- مفيش ريحة ... انا مش قادرة اشم ريحة ماما ابدا ولا هرجع اشوف وشها هي وبابا ياريتني مجبتهاش من بيتنا انتو ليه عملتو فيا كده ليييه. 

استمع إليها وتوهج عقله بالإدراك وهو يربط الأحداث ببعض حتى توضح له الأمر، هل كانت تلك الحزمة تحوي على آخر ذكرياتها مع والديها وقامت جدته بإحراقها إذا هذا سبب فرحتها بذهابها لمنزلها لقد كانت تريد جلب حزمتها كي تبقى معها ولم تدري أنها ستفقدها فور وصولها ! 
راقب نيجار التي وقعت على الأرض مطلقة صيحات وشهقات ألم رافقتها دموعها الغزيرة كان إنهيارا لم يشهده من قبل عليها  حتى عندما تركها  للموت مع صفوان في بيت الهضبة هاهي نيجار تحترق بلوعة الفقدان ويكاد قلبها يتفتت من الألم ..
 
هذا ما أراده آدم دوما لكنه لسبب ما وعند خروجه والإغلاق عليها لم يستطع سوى إسدال رأسه على صفحة الباب والإستماع لصوت نشيجها وقهرها بوجه جامد ومشاعر تتَّسم ببعض الـ ... الحزن ! 
***** 
مرت ساعات ومازالت على وضعها جالسة على الأرض وتسند رأسها على السرير مشخصة عينيها في الفراغ ودموعها تنزل بسكون بعدما هدأت من وصلة جنونها ...

صدع صوت طرقات الباب يليها دخول ليلى وهي تقدم خطواتها ببعض من الحرج لأنها تتعامل معها للمرة الأولى منذ مجيئها لمنزلهم. 
رفعت نيجار بصرها نحوها فتنحنحت متمتمة وهي تشير إلى علبة الإسعافات التي بيدها :
- جيت عشان اساعدك لأن باين عليكي تعبانة أوي أنا هعقملك جروحك واحطلك مرهم على إيديكي. 

زفرت وهمست باِنطفاء :
- مش عايزة حاجة اطلعي برا.  

أجفلت ليلى من فظاظتها وساورها شعور بالضيق منها فكادت تغادر لكنها عادت وجلست جوارها مرددة :
-  عارفة انك زعلانة من اللي حصل رغم ان اللي عملتيه في تيتا كبير اوي ونفسي تتحاسبي عليه بس مع ذلك في جزء مني متفهمك صعب الواحد يفقد حاجات تخص أهله المتوفيين. 

شرعت في تعقيم جراحها بينما تتابع مستطردة :
- انا لحد دلوقتي مش فاهمة ايه دخلك لحياتنا فجأة وخلى ابيه آدم يتجوزك ومتنرفزة لأني حاسة في حاجة اكبر من عقد صلح بين العيلتين وانا مبعرفهاش. 
- وايه اللي مخليكي متأكدة كده ؟ 

أجابت ليلى ببساطة :
- لأن كره تيتا ليكي غريب حتى اخويا هو راجل وعمره ما دخل الستات في عداوته يعني لو مكنش بيعرفك من قبل ولو هو متجوزك جواز تقليدي عشان الصلح كان ع الأقل هيعاملك بما يرضي الله بس اللي شايفاه عكس كده تماما ... هو مبيطيقش يسمع سيرتك حتى.  

نظرت لها نيجار بجمود وكتمت تأوهها عندما بدأت الأخرى تضع المرهم على يديها ولحسن الحظ أن الحروق من الدرجة الأولى لذا لن تأخذ وقتا طويلا حتى تتحسن، أنهت تضميدها وخرجت متوجهة نحو ذلك الذي كان يقف عند الشرفة المطلة على الطابق الأول وقالت :
- عملت زي حضرتك ما قولتلي يا ابيه.

التفَّ إليها مومئا بإيجاب فتنهدت واقتربت منه متشدقة :
- انا مبقتش فاهمة ايه اللي بيحصل ده بظن ان مفيش أغرب من اللي عشناه النهارده. 

تنهد آدم موافقا إياها :
- اه فعلا كلامك صحيح.
- طب انت شوفت تيتا واطمنت عليها ؟
- ايوة هي بقت كويسة دلوقتي. 
- انت عارف ان حكمت هانم مش هتسكت لمراتك مش كده ويا عالم هتعمل فيها ايه ديه اتهجمت عليها قدامنا كلنا وكانت هتقتلها لو ملحقتهاش. 

صمت متذكرا الحوار الذي دار بينه وبين جدته بعد الذي حدث فتنحنح متمتما :
- الوقت اتأخر وانتي عندك كلية بكره الصبح يلا روحي نامي. 

همهمت ليلى بملل واحتضنته مبرطمة باِمتعاض :
- ماشي تصبح على خير. 

قبل آدم جبينها مبتسما وعند مغادرتها زالت إبتسامته معيدا أحداث اليوم بذاكرته ظل جالسا بضع ساعات حتى تجاوزت الساعة الثانية بعد منتصف الليل وهنا نزل إلى الأسفل ووقف عند الركام المحترق يتذكر  نوبة نيجار العصبية ودخولها في وصلة بكاء هستيري جعلت صوتها يُبح...

فرغم أنه مرت أسابيع عديدة على زواجهما إلا أنه لم يرَها هكذا من قبل لقد كانت تستقبل إهانات جدته ببرود وتقوم بسائر أشغال هذا المبنى الكبير دون إعتراض حتى يوم حبسها في القبو لم يلمح دمعة واحدة على وجهها فهل يعقل أن تكون متعلقة بذكرى والديها لدرجة إدخال يديها في النار بلا تردد ! 
زفر آدم مهمهما بينه وبين نفسه :
- كويس انها مكنتش شايلة سكينة ف إيديها وإلا مش عارف ايه كان ممكن يحصل. 

وأثناء شروده أبصر شيئا موجودا بين الرماد حمل بين يديه وكاد يتخلص منه لكنه توقف مطرقا لثوانٍ قبل أن يحسم أمره ويصعد لها...

كانت نيجار مستلقية على الأرضية مغمضة عينيها ودموعها الجافة تظهر بوضوح على بشرتها انحنى آدم مطالعا إياها ولاحظ يدها المضمدة تمسك المنديل المشهور فتنهد ووضع ماوجده بجوار رأسها ثم خرج أما هي ففتحت عيناها كي ترى ماوضعه وهنا اعتلت الصدمة ملامحها حين وجدت صورتها مع والديها ! 

قبضت عليها فورا ممررة عينيها عليها بلهفة كانت الصورة التي تجمعها معهما مهترئة قليلا ومحروقة من الطرف لكن وجه أمها وأبيها لم يصب بضرر يبدو أنها الشيء الوحيد الذي نجى من الإحتراق بعدما إعتقدت بأنها فقدت الألبوم بأكمله. 
التمعت عيناها بالدموع وهي تقبلها ثم ضمتها لصدرها هامسة :
- الحمد لله ... الحمد لله. 

إشرأب عنقها ناحية الباب محدقة به وهي لا تصدق أن آدم فعل لها هذا الإحسان بعد كل ما ارتكبته من سوء في حقه رغم كرهه لها إلا أنه تفهم حزنها وقهرها وجاء بنفسه ليضع الصورة بجوارها ...
ارتجفت شفتي نيجار وابتسمت باِمتنان لأول مرة متمتمة :
- متشكرة ... متشكرة اوي يا آدم. 


الفصل الرابع عشر : تناقض. 
__________________
مرَّ أسبوع على الحادثة ظلت فيه نيجار قابعة بغرفتها تحت تأثير ماتعرضت له بينما تابع البقية حياتهم بشكل طبيعي واليوم إستيقظت مبكرا وهي تشعر أنها في حال أفضل نهضت واغتسلت ثم رتبت الغرفة سريعا وخرجت لتصطدم بآدم بشكل عرضي. 
عادت للخلف بتفاجؤ ورددت :
- معلش مخدتش بالي منك ... صباح الخير.

تأملها ببرود لبضع لحظات ثم قال :
- أخيرا قررتي تطلعي من الاوضة وتشرفينا بحضورك. 

رفعت نيجار يداها أمام وجهه مجيبة بنبرة هادئة :
- مكنتش هقدر اعمل حاجة وإيديا محروقين بس الحمد لله الندوب خفت دلوقتي مش زي الأول. 

ثم تابعت بنبرة شابها الإمتنان وهي تنوي شكره على اللفتة التي قام بها عندما أعاد لها الصورة :
- احنا بقالنا كام يوم في وضع صعب ومجتش فرصة مناسبة عشان اكلمك بس بما اننا واقفين دلوقتي أنا عاوزة ااا...

- انتي عاوزة تعتذري من ستي وتطلبي العفو منها تمام أساسا ده اللي كنت جاييلك علشانه. 
أكمل آدم الجملة ممليا عليها ما يود منها فعله فاِتسعت عينا نيجار بدهشة تمكنت منها لقد كانت تريد شكره لأنه أحضر لها آخر صورة ظلت سليمة لكنه قاطعها وأخبرها بأنه جاء ليجعلها تعتذر من جدته ! 

هزت رأسها رافضة مباشرة :
- أنا مش هعمل كده. 

- وأنا مش بسألك عن رأيك ياحبيبتي  هتعتذري وتبوسي ايدها غصب عنك ولا عايزة تتحبسي زي المرة اللي فاتت اوعى تكوني فاكرة اني نسيت تهجمك على حكمت هانم لا أنا كنت ناوي في اليوم إياه اقطعلك إيديكي اللي اتمدت عليها بس قطع الإيد مش هيفيدنا لو معتذرتيش. 
 

رمقته نيجار بدهشة ممزوجة بالإستنكار لكنها رغم ذلك لم تبين له بل كتفت يديها ببعض متسائلة بملل :
- وهتعملي ايه لو معتذرتش ؟ انت عملت نفس الشي من فترة وأمرتني اعتذر ولما معملتش كده حبستني في اوضة صغيرة لحد ما اتخنقت ومع ذلك فضلت مصممة ع موقفي يبقى ايه اللي هيجبرني دلوقتي. 

ابتسم آدم بدهاء وتقدم منها يهمس مصطنعا الإستفسار :
- صحيح هو مش أخوكي دخل في صفقة مهمة ومسألة وقوفه ع رجليه من تاني معتمد عليها وسمعت كمان أنه خد قرض كبير من واحد بيعرفه ياترى ايه اللي هيحصل لو الأرض رجعت اتحرقت هي والرزق اللي عليها وخسر الفلوس اللي مستلفها بصراحة انا مش قادر اتخيل الكارثة اللي هتنزل ع راس صفوان. 

إختفت ملامحها الهزلية واعتدلت في وقفتها بتوجس متسائلة بداخلها عن كيفية معرفته لتفاصيل معلومات تخص عمل صفوان فعلى حسب ما أخبرها هو أنه لا أحد يعلم بإقتراضه سوى بضعة أشخاص فقط إذا كيف عرف آدم وهل سينفذ تهديده حقا ويحرق أرضه مجددا ؟

- ايه تحرق الأرض ديه هي شغلانة يعني وبعدين أنت فاكر انك هتقدر ترجع تحرقها من غير حد ما يكشفك ليه الدنيا سايبة. 
هدرت نيجار بحدة وأردفت :
- مستحيل اسمحلك تعمل كده وهخلي العمدة يعرف بتهديدك ده. 

تنهد واضعا يده بجيب بنطاله وقال :
- ماشي قوليله ونشوف هو هيصدقك ولا يصدقني انا وابقي عرفيه باللي عملتيه انتي وأخوكي من قبل وخلاني انتقم منكم ساعتها هنشوف العمدة هيدي الحق لمين. 

- ع اساس مش عارفة انك مش عايز حد يعرف باللي حصل ما بيننا عشان متتبهدلش مش ده اللي خلاك توافق تتجوزني ؟

- اللي خلاني اوافق اجيبك لبيتي هو رغبتي في العمودية لو انا رفضت طلب العمدة كان الكل هيفتكر اني مبحترموش أما عديم الشرف بتاعك هيكسب رضاه خاصة لو هو عمل نفسه موافق ع الصلح عكسي، بس انتي دلوقتي بقيتي مراتي يعني هكون في نظر العمدة واحد اتجاهل كرهه وغضبه وحب يعمل الصلح مع عدوه اللي غدر بيه وسرقه
أما انتي وعيلتك فـ مفيش داعي اقولك هتبقو ايه في نظره ونظر أهل البلد. 

هذه المرة استطاع آدم إفشالها بحجته القوية أي في حالة رفضها للإعتذار ستكون أمام إحتمالين أحلاهما مُرّ فإما سيفسد محاولات صفوان في الوقوف على قدميه مجددا وتظل هي صامتة وإما تعترض فيعلم العمدة بتعاونها مع إبن عمها ضد عائلة الصاوي. 
وقفت نيجار تتخبط كأمواج البحر ولم يسعفها التفكير في أي حل من جهة لا تريد التأسف للسيدة الشمطاء لأنها أحرقت قامت بإحراق روحها دون شفقة ومن جهة هي لا تريد إلحاق الضرر بصفوان إذا ماذا ستفعل الآن ...

كان آدم قادرا على رؤية عجزها ينضح من عينيها المضطربتين وتأكد أنه تمكن منها لذا أحكم القيد على ذراعها وجرَّها خلفه حتى وصلا إلى حيث تجلس حكمت التي كانت ترتشف من كوب الشاي ببرود يناقض الخبث بداخلها ... هذا ما فكرت به نيجار وهي تحاول التملص من قيده إلا أنه تركها بنفسه عندما دفعها بعنف حتى وقعت على ركبتيها وأمرها بخشونة :
- يلا اعتذري.  

نظرت له ليلى بتوجس وكذلك أم محمود التي كانت تخدمهما بينما انكمشت نيجار مكانها وضغطت على طرف ثوبها بكرامة مجروحة وهي تتمتم بصوت يكاد لا يصل الى أسماعها هي شخصيا :
- ا ... اسفة.

نهرها الآخر بقسوة :
- علي صوتك. 

رمقتها حكمت بخبث ورضا وهي تراها تجثو على ركبتيها بخنوع تطلب الصفح منها بوجه ذليل وعينين مكسورتين أما نيجار فكتمت دموعها ثم رفعت رأسها لتلك التي تبتسم بشماتة لتأخذ نفسا عميقا وتقول بصوت يغلفه الكبرياء رغم الموقف الذي وقعت به :
- بعتذر منك يا حكمت هانم مكنش ينفع افقد اعصابي وأخنقك بإيديا صحيح حضرتك اتعديتي على حاجتي بس مع ذلك كان لازم اراعي سنك ومردش عليكي بنفس طريقتك. 

ثم سحبت يدها وقبلتها بجمود تحت أنظار الجميع لتهتف حكمت ببلادة بعدما فهمت الإهانات المبطنة التي وجهتها نيجار عليها :
- شايف يا حفيدي ديه آخرة اللي يخاطر ويدخل واحدة متسواش لبيته بس كده كده مكنتش بتوقع أي أدب ولا أخلاق من بنت الشرقاوي وعموما أنا هغض نظر ع اللي عملتيه وديه آخر مرة ... لأن المرة الجاية هيبقى فيها موتك. 

انتصبت واقفة وتحركت كي تتجاوزها فاِصطدمت قدمها بنيجار التي ارتدَّ جسدها للخلف لكنها نهضت وكأنه لم يحدث معها شيء ونظرت لآدم قائلة :
- تمام عملت المطلوب مني عايز حاجة تانية ؟ 

حدجها بتجهم ولم يجب عليها فتقلصت شفتيها في ابتسامة ساخرة وعادت للغرفة ليتبعها هو بعد دقائق كي يأخذ هاتفه ويرحل إلا أن نيجار أوقفته بسؤالها :
- ليه خليتني اعتذر من جدتك وهي اللي غلطت نسيت انها حرقت الحزمة بتاعتي وصوري وكل ذكرياتي مع أهلي ! 

لم يُعر لها آدم بالا وتجاهلها مما جعلها تغتاظ فاِعترضت طريقه هاتفة بثورة :
- طالما شايفني غلطانة وبستاهل العقاب يبقى ليه بعدتني عن النار لما دخلت ايديا جواها ليه رجعتلي آخر صورة فضلت سليمة وحطيتها جمبي وليه حسستني انك ... انك حسيت بيا وتفهمت موقفي. 

حينها هز كتفه مجيبا ببساطة :
- لأن مينفعش حد غيري يأذيكي حتى لو كان انتي ... لو ايدك هتتحرق فـ انا اللي هحرقها ولو لازم تعيطي وتتقهري انا اللي هعمل فيكي كده 
 وبالنسبة للصورة بتقدري تعتبريها حسنة يعني انتي اشتركتي مع ابن عمك فلعبة قذرة وحاولتو تقتلوني لكن بالمقابل مهانش عليا اشوف حد بيتحرم من آخر ذكرى ليه من أهله حتى لو عدوي وده بيظهر الفرق بيني وبينكم. 

جحظت عيناها بذهول ولمعتا بخيبة درأتها سريعا ومع هذا كان هو قد لاحظها فضحك بسخرية معقبا :
- خير ياحبيبتي كنتي مستنية اقولك صعبتي عليا ومقدرتش اشوف دموعك ولا ايه ؟ معقول انتي فاكرة انك لسه واقفة قدام آدم القديم آدم اللي عاملك كـ إنسانة مش وسيلة توصله لأهدافه. 
ولا استني يمكن افتكرتي ان انهيارك وعياطك خلو قلبي يرجع يحن ليكي وهسامحك وكده ؟  

وقفت نيجار تستمع له بصمت بعدما عجزت عن إيجاد كلمات مناسبة في هذا الموقف فهي بالفعل اعتقدت لوهلة بأن كرهه ناحيتها أصبح أقل من السابق أو على الأقل لن يهينها كما يفعل عادة ولكنها الآن تقف تناظره بإحباط لا تعلم سببه نهائيا. 
وأكثر ما يؤلمها هو أن آدم جعلها تجثو على ركبتيها وتتوسل المغفرة أمام الجميع هي نيجار التي لم ترضخ لأحد يوما جاء هو ببساطة وأجبرها على التأسف من أكثر شخص أذاها ! 

عندما وجدها آدم كان بشكل ما قادرا على قراءة مدى تخبطها من عينيها وإدراك مايجول في خلدها ربما لأنه أصبح يعلم ماهية شخصيتها الحقيقية بعيدا عن ما كانت تمثله في الماضي. 

إلا أنه لم يكن يرغب في الجدال أكثر لذا تابع خطواته متجها لخارج الغرفة تاركا إياها تشتعل بعواصف تكاد تحرقها هي قبل أن تفعلها في الآخرين خاصة حين تذكرت تهديد آدم فعقدت حاجباها بقلق مبرطمة :
- لو نفذ كلامه ورجع حرق الأرض هيقع صفوان في مصيبة كبيرة وبعدين هو قالي محدش من برا بيعرف بالقرض وتفاصيل الصفقة يبقى آدم عرف منين عشان يساومني، أنا لازم احذره بس هعملها ازاي مفيش أي طريقة اتواصل بيها معاه. 

ظلت تحوم في الغرفة ذهابا وإيابا حتى خطرت ببالها فكرة فخرجت للفناء كي تتأكد من عدم وجود أحد ثم دلفت للمطبخ لتلاحظ أم محمود وجودها وتحمحم باِحتراز :
- معلش انتي عارفة ان الست حكمت منعتك تلمسي أي حاجة تخص الطبيخ لو عايزة تساعدي روحي امسحي برا. 

مطت نيجار شفتها باِمتعاض معقبة :
- انا جاية عشان افطر مكلتش حاجة من امبارح ولا ده كمان ممنوع ؟ 
- لا طبعا اتفضلي. 

وقع بصرها على هاتف الخادمة الموضوع فوق سطح المطبخ فتنحنحت واِدعت تجهيز فطورها بينما تفكر في خطة لجعلها تغادر حتى قالت : 
- اه صحيح انا بعتقد أن حكمت هانم كان بتنادي عليكي من شويا. 

نظرت لها باِستغراب :
- ايه ده بجد انا مسمعتهاش. 

- طيب روحي عشان متزعقلكيش بسبب تأخيرك. 
- هروحلها استني اجيب موبايلي. 

أوقفتها نيجار مصطنعة الحذر :
- بقولك هي عماله تناديكي وانتي قاعدة تضيعي وقتك هنا اطلعيلها احسن ما تتعصب علينا احنا الاتنين. 

أحست بالرهبة وخرجت فورا فتركت نيجار الصينية من يدها واِلتقطت الهاتف قديم الطراز تنوي الإتصال بصفوان حاولت تذكر رقمه بشكل صحيح وكتبته بأصابع مرتجفة لكن لسوء حظها سمعت صوت خطوات قادمة فألغت عملية الاتصال ورمت الهاتف بعشوائية مدعية الإنشغال في تجهيز فطورها.  
دلفت ليلى وناظرتها بهدوء قبل أن تجلس على المائدة متمتمة :
- باين شهيتك مفتوحة ع الأكل النهارده غالبا اعتذارك من تيتا جه عليكي بفايدة.

قلبت عيناها بضيق من هذه الصغيرة التي أفشلت خطتها لكنها لم تظهر ذلك بل رسمت إبتسامة مزيفة على وجهها وهي تجلس أمامها وتجيبها :
- اه يمكن ... هو حد يطول ياخد رضا ست البلد. 

استقبلت ليلى سخريتها المبطنة ببرود وأردفت :
- بصراحة اتوقعت أبيه يخليكي تعتذري ماهو مش معقول يسيب مراته تتهجم ع جدته ويسكت من غير ما يعاقبها بس اللي محيرني انهم اكتفو بـ اعتذار وبس كده خاصة تيتا. 

همهمت نيجار ببرودة أعصاب معقبة :
- يمكن مكتفوش بإعتذاري ويمكن جدتك قاعدة في اوضتها دلوقتي وبتفكر ازاي تنتقم مني. 
- ده أكيد. 
- غريبة انك من فترة عالجتي جروحي والنهارده جاية تتكلمي ع العقاب باين ان عيلة الصاوي كلها متناقضة وكل يوم في حال. 

رشقتها ليلى بنظرات هادئة مجيبة ببساطة :
- ديه حاجة وديه حاجة تانية اللي عملته كان علشان أنا بنت اصول سبق وقولتلك ان نفسي تتحاسبي ع تهجمك على جدتي وده مبيعنيش انك غلطانة انا لو مكانك وشوفت حد بيحرق ذكريات طفولتي هقتله فورا بس مع ذلك حكمت هانم هي ست البيت ده والحقيقة ديه مش هتتغير مهما عملت. 

إنها شبيهة آدم فعلا نفس الغطرسة والحركات والكلمات حسنا لقد إتضح أن أبناء الصاوي يمتلكون نفس الأفكار وشعارات (إتبع مبادئ الأخلاق حتى في العداوة) !
هذا مافكرت به نيجار وهي تحدجها بشرود لتكمل الأخرى بنفس النبرة : 
- على فكرة أنا خسرت بابا في طفولتي وماما اتوفت من سنتين يعني يتيمة زيك لكن بصراحة ابيه آدم فضل جمبي مسابنيش لحظة وحاول يعوضني عن غيابهم هو كان ولسه أحن واحد عليا ... وعلشان كده أنا مبحبكيش.

اندهشت نيجار من تصريحها المفاجئ ثم تمالكت نفسها ابتسمت بإستهزاء معقبة :
- ايه الصراحة ديه كلها. 

أوضحت لها ليلى وجهة نظرها بجدية :
- متفهمنيش غلط أنا معنديش كره لشخصك بالذات بس من لما دخلتي انتي لبيتنا مشوفناش لحظة هدوء و ابيه آدم مش مبسوط بجوازه منك خالص ده غير القصص اللي بتحصل بينك وبين تيتا يعني بصراحة وجودك هنا بيسبب مشاكل وحوارات احنا في غنى عنها. 

انزلقت ضحكة خفيفة من نيجار وهي تفكر أن هذه الفتاة لا تحبها لمجرد أن وجودها معهم يسبب الإزعاج إذا مالذي ستقوم به عندما تعرف بأنها طعنت أخاها المبجل وكادت تقتله ؟

قطع تفكيرها دخول أم محمود التي كانت تحمل أكياسا بيدها وقالت :
- وصيت الرجالة برا ع لحمة وخضرة عشان العشا ولسه واصلين دلوقتي ... صحيح أنا روحت لحكمت هانم وسألتها ع اللي عايزاه بس هي قالتلي انها مطلبتنيش. 

- اها يبقى أنا سمعت غلط. 
ردت عليها نيجار ببرود وهي تنهض متمتمة بعبارات مفادها أنها ستذهب لتنظيف صالة الإستقبال، وبمجرد مغادرتها ظهرت ملامح الخنق جلية على وجهها وجزت على أسنانها بينما تردد ساخطة :
- لو البت ديه مجتش من شويا كان زماني كلمت صفوان ونبهته.  

__________________
في بساتين عائلة الصاوي. 
إرتدى ملابسا مناسبة للعمل وبدأ في حمل صناديق الفاكهة إلى شاحنات النقل بحرص حتى أنهى الشحنة الأولى فاِستند بيده على الباب كي يلتقط أنفاسه بضع لحظات ثم مسح عرقه وأمر السائق بالإنطلاق. 
التفّ متابعا حمل البقية في الشاحنة الثانية حتى لاحظ أحد العمال ينحني واضعا يداه على ركبتيه وهو يلهث بعياء كان مراهقا توفى والده منذ فترة وأصبح هو المعيل الوحيد لعائلته لذلك شغله عنده كي يستطيع الصرف عليهم.

اقترب آدم منه والتقط الصندوق واضعا إياه في الشاحنة فقال الشاب بتلجلج :
- عنك يا بيه أنا هشيلهم بنفسي بعتذر لأني وقفت مش هعمل كده تاني. 

ربت على كتفه بجدية مطمئنا إياه :
- خلاص هناخد فترة استراحة عشان الغدا روح اغسل وشك وتعالى كُل مع الجماعة. 

هز رأسه بنعم ليستطرد الآخر مستفسرا :
- صحيح نسيت اسألك عامل ايه مع دروسك وامتحاناتك اوعى تقولي انك مبتروحش لمدرستك. 

- لأ انا بروح بس مش كل يوم عشان الشغل وكده و اه ع فكرة احنا عملنا الامتحان وطلعت الأول في الصف بتاعي. 
أجابه بسعادة ممزوجة بالخجل لكونه يحادث سيده في العمل فاِبتسم آدم برضا :
- جدع افضل ع طول كده وبإذن الله هتنجح.

أومأ الشاب بإيجاب وغادر مع البقية ليظهر فاروق فجأة ويناديه باِضطراب :
- آدم بيه ... في حاجة حصلت ولازم  تعرف. 

نظر له باِستفهام متسائلا عما حدث فدنى منه وقال محترزا :
- فاكر المستثمر اللي حضرتك اتفقت معاه عشان مشروع البناء في الأرض بتاعتك هو اتصل بيا من شويا وقالي أنه بطل يشتغل معانا. 

ذهل آدم واحتدت عيناه بغضب :
- ايه الكلام ده حصب ايه عشان يبطل يشتغل معانا وليه متصلش بيا أنا. 

- قالي انه اتصل بيك بس انت كنت قافل تلفونك. 

- ومع ذلك لازم يتواصل معايا شخصيا وبعدين ايه الجرأة ديه ازاي ياخد القرار ده من غير ما يتناقش معايا هو فاكر الموضوع لعبة ! 
هدر بعصبية مستشعرا بالإهانة وأضاف :
- ده تاني واحد بيتراجع عن صفقة معايا والاتنين دول كانو بيتمنو يتعاملو معايا من قبل والغريب انهم اتراجعو قبل يوم واحد من توقيع العقد مش شايف انها مش مجرد صدفة ؟ 

وافقه فاروق الرأي على الفور :
- كنت لسه هقولك نفس الكلام فعلا الكل كان عايز يشتغل معاك بس فجأة الاوضاع اتقلبت ... انا بفكر في احتمال يكون لصفوان علاقة  يعني التاجر عيسى فسخ الصفقة معانا واتفق معاه وسمعنا انه خد قرض من واحد بيعرفه ودلوقتي مش بعيد نسمع ع أن المستثمر عمل صفقة معاه. 

أطرق رأسه مفكرا وربط الخيوط ببعضها ليجد الأمر منطقيا لكنه رغم ذلك قال بأعصاب منفلتة :
- طريقة تراجعه عن الصفقة فيها إهانة ليا انا مكنتش هضايق لو كلمني وحليناها بالتراضي بس هو عمل غير كده تماما. 
أنا بفكر دلوقتي اروح لمكتبه واعلمه درس مينساهوش عشان يعرف مين هو ابن سلطان الصاوي بس كده هنبقى ضيعنا فرصة اننا نلاقي مين اللي عماله يسبب مشاكل في شغلنا. 

تنهد فاروق بإحباط :
- أنا بحثت في موضوع القرض اللي خده صفوان ومين اداله مبلغ كبير كده بس مقدرتش اوصل لحاجة اللي عرفته ان هو واحد من اصحاب المكاتب بس لسه معرفتش هويته. 

زفر آدم بخنق شاردا في هذه المعضلة حتى استدرك شيئا مهما وقال :
- سألت ع مراد اللي اتعاون معاه من قبل عشان يسرقو سبايك الدهب ؟ احتمال تكون ليه علاقة بالموضوع. 

همهم بنفي للفكرة :
- وانا شكيت في نفس الشي بس صفوان ومراد ملتقوش ببعض من وقت الحادثة انا بعتقد ان تعاونه معاه كان عشان ياخد الربح يبقى ايه اللي هيخليه يساعد صفوان ويديله فلوس عشان الأرض بتاعته بعدين انا دورت ع الماضي بتاعه وملقتش حاجة تخصه هو مجرد سمسار وسيط بين الزبون وصاحب الأصل بس يعني موظف عادي. 

همهم بتركيز ودهاء معقبا :
- وهو ده بيت القصيد عايز افهم ازاي سمسار بسيط مقدرناش نعرف عنه حاجة لو هو زي انت ما بتقول كنا هنوصل بسهولة لكل تفصيل يخصه بس حصل معانا العكس ومقدرناش نعرف غير الاسم المتسجل بيه. 

- طيب نعمل ايه دلوقتي. 

- كملو بحث عن مراد وحاول تعرف من الراجل اللي حاطينه في بستان الشرقاوي عن هوية اللي اتعاون مع صفوان واسأله مين بيدخل وبيطلع من هناك ممكن نلاقي طرف الخيط. 

ردد يإيجاب ملتزما بالأمر واستطرد :
- طيب وبالنسبة للمستثمر تحب نروقه عشان يتعلم ازاي يحترمنا ؟ 

برطم آدم رافضا :
- لا احنا كده كأننا بنظهرلهم قد ايه تأثرنا باللي بيعملوه وبعدين هو الخسران صفقته معايا كانت هتخليه يربح كتير بس هنشوف دلوقتي ايه اللي هيكسبه لما يشترك مع حد غيري. 

- انت بتشك في أنه هيتعاون هو كمان مع ابن الشرقاوي ؟

- يمكن اه ويمكن لأ بس نستنى ونشوف. 
قالها آدم بغموض واِبتعد عن فاروق قليلا ليهمس :
- يبقى انا كنت بحاول اسكت الفترة ديه عشان منبينش حاجة للعمدة بس انت لازم جلدك يحكك زي كل مرة صح ... ماشي يا صفوان اقسم بربي لدفعك التمن غالي لو طلع ليك يد في الموضوع انت وكل اللي بتتشددله. 

تعليقات