الفصل الواحد والثلاثون : انشطار.
__________________
"يولد الإنسان حُرّا حتى يقع في الأسر، أسر سلطان أو أسراً بسبب الحب، وربما بسبب دين لم يسدد.
والأسوء أن تأسره فكرة خاطئة فيموت وهو على قيد الحياة! " # حنان_لاشين
ما أصعب لحظة البوح بعد عناء من الكتمان ... حين تود التخلص من عبء الزخم العاطفي الذي يثقل روحك كلما جئت لتنطق فتتراجع خوفا ... ثم تأتِ لحظة لم تكن في الحسبان وتتشجع بها فتنزاح الجمرة من يدك ... وتنتقل لِيد شخص آخر !
قلبها كان يطرق في حلقها كمطارق تسد الطريق عن أنفاس ازدحم صدرها بها وعيناها تمتلئان بلآلئِ عاطفةٍ لم تكن تعرفها قبل الوقوع في عشقه ... قبل إدراكها بأن الحياة ليست عبارة عن سلطة ومصالح فقط ... وبأن من كرهته يوما واتهمته بالقسوة والشرِّ سيصلح تشققات روحها المغلقة بالخطايا عن طريقه أصالته ودفئه.
بيد أن الدفء اختفى فجأة حينما سحب كفه من يديها وأظلمت عيناه بنظرات باردة صقيعية !!
تراجع آدم خطوة للوراء يطالعها بجمود جعلها تجفل وتهمس باِستعطاف :
- مش هتقول حاجة ؟
توقعت أن يكذبها أو يغضب ويذكرها بخيانتها لكنه خيَّب ظنها عندنا تجهم وجهه كمن سمع شيئا مضجرا وابتعد ليضع أغراضه على المنضدة من دون أن يجيبها أو يلقي لها اكتراثا، تعجبت نيجار من تصرفه واقترب منه قاطعة المسافة بينهما ثم أمسكت ذراعه وقالت :
- هو ده ردَّك عليا ع كلامي ساكت ليه.
- أنا هعمل نفسي مسمعتش وانتي كمان اعتبري نفسك مقولتيش حاجة.
أجفلها ببرطمته الخشنة وكأنه بالفعل لم يسمع شيئا حساسا فاِستفز بتجاهله نيجار التي قطعت طريقه وأصرت عليه كي ينتبه لها فتأفف آدم ورمقها بملامح باردة حملت السخرية وهو يعلق :
- انتي شكلك رايقة النهارده فقولتي خليني العب شويا واضيع وقتي بس مع الأسف انا مليش مزاج في مواضيع تانية محتاج افكر فيها.
- العب !
رددت نيجار نفس كلمته بين شفتيها بعدم استيعاب تحول لاِنفعال وهي تهدر بعنفوان :
- لو سمحت بطل تتصرف بالطريقة ديه !
- اومال عاوزاني اعمل ايه وانتي قاعدة تستهبلي عليا مش فاهم ايه الجرأة ديه كلها اللي تخليكي تحاولي تلعبي معايا نفس لعبتك القديمة بكل وقاحة ... ولا لسه شايفاني غبي زي الأول وبصدق كل كلمة منك ؟
زمجر بغضب تحرر من نياطه بعدما عجز عن تهدئة نفسه شاعرا بالإهانة لأنها تعامله على أنه أحمق يُلدغ من الجحر مرتين وفي الحقيقة فهو الآن يكبح نفسه بصعوبة لكي لا يفقد أعصابه وينفجر عليها مسببا بذلك جلبة تسترعي انتباه سكان القصر.
ولهذا آثر آدم المغادرة وعدم البقاء مع وقحة مثلها إلا أن نيجار شهقت وتحدثت بنشيج متوسلة عاطفته :
- بص أنا عارفة انه صعب تصدقني بعد اللي عملته وبعرف كمان انك شايفني واحدة خبيثة وكدابة بس والله العظيم يا آدم أنا تغيرت ومبقتش زي الأول عينيا فتحت بعد ما كنت عميا وقدرت اشوف قد ايه انت راجل كويس وجدع وبتستاهل ... بتستاهل انك تتحب.
انتحرت دموعها مسببة وديانا طويلة على وجنتيها واختنق صوتها في حلقها فاِبتلعت غصتها وتابعت بتحشرج متألم :
- أنا معشتش الإحساس ده من قبل عمري ما اتأثرت بحد وحسيت معاه بالحب والأمان زي اللي عشته معاك حتى وانت معاديني وعمري ما حاولت اكسب حد بيكرهني ومبيثقش فيا بس انت غير ... حاولت كتير امنع نفسي واقنعها أننا مبننفعش لبعض بس قلبي انجذبلك غصب عني وفهمت اني حبيتك.
انت بتعرف اني كنت هموت ساعة ما جبت سيرة الانفصال ؟ حسيت بالدنيا عماله تلف بيا وفضلت اعيط وادعي تحصل اي حاجة تمنع الطلاق قلقي وخوفي كان على علاقتنا مش على صفوان أو العمدة أو أي حد تاني.
لم تجد نيجار إجابة منه أو بالأحرى وقف آدم بتخشب وملامح جامدة لا يقرأ منها شيء وهذا ما جعل نيجار تطمع في بصيص أمل خافِت لترفع يدها وتضعها على صدره متوسلة إياه بحرقة :
- عارفة ان غلطتي في حقك صعب تنغفر وندمي مش هيرجع الماضي وعارفة بردو اني بطلب المستحيل دلوقتي بس أرجوك اديني فرصة عشان اعوضك واثبتلك صدق مشاعري فرصة واحدة وبوعدك مش هتندم ... لأني بحبك وعاوزة اكمل حياتي معاك.
صوّب عيناه على تشبثها به ورجفة يدها المستترة وجال في ذاكرته لأول مرة أخبرتها فيه أنها تحبه.
عندما عرض عليها الزواج وأجابته بالموافقة عند البحيرة ليهمس لها بحبه فتبتسم بصعوبة وتجيبه بأنها تحبه أيضا، حسنا ربما سيبدو اعترافه لنفسه الآن غريبا ولكن عند تذكره لتصرفاتها المتلجلجة وعيناها المتلبدتان يدرك بأنها لم تكن أشياء منطقية تبدر عن شخص أحبَّ بصدق فكيف تجاهل شكَّه ووقع في الفخ بسهولة وهو من عجز أقوى أعدائه عن الإيقاع به !!
ولهنيهة صغيرة جدا دامت لثوانٍ أحسَّها دهرا اضطرم آدم بالتردد ممزقا بين كبرياء جافٍ وحُبِّ أكثر جفاء إلى أن حسم أمره واقتلع يداها من صدره محررا نفسه، ومغادرا الغرفة !!
وقفت نيجار قابضة على كفيها بحسرة هوجاء شطرت روحها لنصفين وهي تعلم جيدا بأن طريقها للوصول إلى قلبه سيكون صعبا وربما قريبا من المستحيل لكنها لن تفشل وستظل تحاول ... لأن آدم رجل يستحق السعي حقا.
_________________
عاد إلى المنزل بعد ليلة قضاها في الخارج واستمع لضجيج من المطبخ وصوت الخادمة وهي تحدث إحداهن فرفع حاجباه وبرطم بخفوت :
- معقول صحيت بدري النهارده.
ومثل المنوَّم قادته قدماه اليها معتقدا بأن نيجار هناك لكن خابت توقعاته حين اصطدم بعمته بشكل عرضي عند الباب فتراجع خطوة مستمعا لتقريعها وهي تضع يدها على قلبها :
- خضتني يا آدم.
تنحنح مبتسما باِعتذار وألقى عليها تحية الصباح ثم نظر للداخل مستطلعا وجودها من عدمه لتنتبه حليمة وتقول :
- مراتك لسه منزلتش بعدين بتدور عليها هنا ليه مش كنت معاها فوق ... استنى انت منمتش في البيت ولا ايه ؟
دلَّك عنقه المتشجنة وتثاءب بنعاس مجيبا :
- لا قضيت الليلة في المحل عشان كان عندي كام حاجة لازم اخلصها بسرعة.
تعاطفت معه مدركة بأنه كان يود الهروب من الجو المشحون بالشجار والضغط المستمر عليه فربتت على كتفه بمواساة وأردفت :
- مراتك مغلطتش امبارح مش عاوزاك تفتكر اني بقول كده عشان اطلع صورة جدتك وحشة بس فعلا نيجار كانت في حالها وحكمت هانم جت تتهجم عليها وأنا كنت شاهدة.
قصَّت عليه تفاصيل الحادثة وكيف استعارت نيجار الهاتف منها لأنها قلقت من تأخره وأرادت محادثته فاِقتحمت جدته المكان وأهانتها وذلتها، وبطبيعة الحال فإن تلك التي قضت أياما تحاول فيها تجاهل كلام حكمت المسموم نضب صبرها في النهاية ودافعت عن نفسها.
استمع آدم إليها بتركيز ومع كل كلمة كان يتجهم أكثر حتى زفر وغمغم بخنق :
- أنا شكلي مش هرتاح من وجع الدماغ ده هلاقيها من الناس برا ولا اللي جوا.
انتبهت حليمة لجملته وتذكرت كلام نيجار البارحة عن وجود خطب بينه وبين شخص ما فأخفضت صوتها وسألته بفضول :
- خير في مشكلة مع العمال بتوعك ولا ابن الشرقاوي السبب ؟
- لا ده الشاب اللي كان بيتعاون معاه عشان يدمروني بس مبعرفش ايه علاقته بيا أصلا.
أجابها آدم بتهكم فاقم شكوكها وكادت تستفهم مجددا غير أنه سبقها هو بسؤاله :
- صحيح انتي بتعرفي واحدة اسمها فردوس سليمان ؟ ديه بتبقى والدته وهو قالي اسأل ستك عليها.
ارتبكت حليمة وازدردت لعابها باِضطراب ظهر عليها لتقرر أن تخبره بكل شيء في هذه اللحظة لكنها توقفت عندما رأت حكمت تنزل من الدرج وتطالعهما لهما بوجوم :
- صباح الخير يا حفيدي ... هترد عليا ولا هتتجاهلني بما اني الست الوحشة في السرايا ديه.
تبادل آدم النظرات مع حليمة قبل أن يبتسم ويقترب منها مقبلا يدها :
- واحنا نطول نسلم على حضرتك ؟ صباح النور يا ست الكل.
ملّست على وجهه بحنان ناقض جمود تقاسيمها وتوجهت لقاعة الإفطار تتبعها الخادمة بهرولة لتكمل تحضير الطاولة بينما ربتت العمة على كتفه وهتفت :
- رايحة اساعد الشغالة احسن ما حكمت هانم تطلع عصبيتها عليها ... وبعدين هحتاج اقعد معاك عشان في كلام مهم لازم احكيهولك.
- ماشي.
صعد آدم إلى الغرفة ودخل ليرى نيجار ترتب الفراش نظر لها بهدوء متذكرا مواجهتهما فابتسمت وتصرفت بإعتيادية هاتفة :
- صباح الخير ... شكلك تعبان اوي تحب اجهزلك الحمام ولا هتنام الاول ؟
- احم لا أنا مش هنام هستحمى واروح للبستان مباشرة.
- تمام ثواني ويبقى جاهز.
اختفت لبضع دقائق وعادت معطية إياه لوازم الاستحمام فأخذهم منها ودلف للحمام وهو مستغرب من هدوئها لقد اعتقد بأنها ستتجاهله أو تبدأ في ترديد نفس كلامها بالأمس لكن كالعادة فإن نيجار فتاة التناقضات ولا أحد بقادر على التنبؤ بتقلباتها.
عاد بعد قليل وطفق ينشف شعره وهو لا يزال مرتديا روب الاستحمام بينما تجلس الأخرى على السرير مراقبة إياه بشكل مريب إلا أنه تجاهلها وبدأ في ارتداء ملابسه وهنا نهضت وأخرجت كنزة خفيفة مرددة :
- اللون ده بيبقى أحلى عليك.
حادت شفة آدم في ابتسامة مستنكرة وأجاب :
- بس أنا مبحبوش.
اقتلعه من يدها ورماه على الفراش واستخرج طقما آخر من الخزانة فكتفت يداها ببرود واستطردت :
- مش بطال اختيارك حلو بردو.
فكرت بداخلها أن كل ما يرتديه سيبدو لائقا على جسد وكتفين عريضتين مثل الذي عنده !
- مالك متنحة فيا كده ليه.
أفاقها آدم من شرودها وهو يلاحظ استمرارها في التركيز على صدره العاري لتهز كتفها وتميل بكتفها على طرف الخزانة معلقة :
- ايه انا حابة ابص ع جوزي وهو بيغير هدومه عيب ؟
تأفف من لسانها السليط وتابع مايفعله مرددا :
- لا استغفر الله انتي فين والعيب فين.
وحين أوشك على الخروج بعدما أخذ لوازمه أوقفته نيجار وطلبت منه الإذن لكي تذهب لشراء بعض اللوازم من السوق همَّ آدم بالرفض فورا لكنها سبقته على الفور :
- لو سمحت متنساش انه بقالي مدة طويلة منزلتش ناقصني حاجات كتير وخاصة يعني مبقدرش ابعت ام محمود عشانها ... وبتقدر تبعت معايا اي حد لو انت مش واثق فيا.
أطرق مفكرا بوجوم ورأى أنها محقة في رغبتها بالتسوق بنفسها لأنها تضطر في كل مرة أن توصي الخادمة على أغراض معينة أو تنتظر مجيء أصحاب المحلات من النساء وعرض سلعِهن لتبتاع من إحداهن، فتنهد بضجر ورفع اصبعه في وجهها منبها :
- تروحي وترجعي بسرعة واوعى تعملي اي حركة من حركاتك فاهمة.
صفقت بحماس غريب عنها وأومأت موافقة :
- فاهمة أكيد متشكرة اوي.
ثم مدّت يدها نحوه وبسطتها باِنتظار جعله يحدق بها من دون فهم فقلبت عيناها بامتعاض وضجر :
- قولتلك عايزة اشتري مش طالعة اشحت يعني محتاجة فلوس.
وبالفعل بعد مناهدات مع حكمت خرجت نيجار لأول مرة منذ أشهر وشرعت تتجول في المحلات تبتاع ما يعجبها حتى مرت ساعات وامتلأت يداها بالأكياس، حملهم السائق ووضعهم صندوق السيارة قائلا باِحترام :
- حضرتك لسه عاوزة تروحي لمكان تاني ؟
لوَّحت يدها بمعنى أنها اكتفت اليوم وطلبت منه العودة للمنزل وفي أثناء عودتهما على الطريق المطل على المزارع والبساتين أخرجت نيجار رأسها متأملة المناظر الطبيعية الجميلة ببسمة وجالت في ذهنها ذكريات لأيام كانت تمتطي بها فرسها وتركض بلا هوادة متسابقة مع الرياح، لمعت عيناها بشوق وتذكرت حين غطت وجهها وصعدت على التلِّ وهناك التقت بآدم لأول مرة، وقتها أعجبت بشهامته وكيف أنه عرض عليها المساعدة وعدم تركها وحيدة مع إصابتها من دون أن يتعدّى عليها بنظراته حتى ...
مالت شفتها بحزن واحباط وفجأة شهقت وصاحت بحزم :
- اقف هنا بسرعة.
انتفض السائق بخضة ممتثلا لأمرها ولم يكد يسألها عن السبب حتى خرجت وحدقت في مكان بعيد تعرفه مثلما تعرف اسمها ... كومة الأشجار تلك المحيطة بالبحيرة التي تشهد على لقاءاتهما في الماضي !!
- رايحة ع فين يا هانم آدم بيه هيطين عيشتي لو عرف اني ضيعتك.
سألها السائق بخوف وهو يراها تبتعد عنه متجاهلة نداءاته واستعد للإتصال بسيده فاِستدارت إليه بنفسها وقالت :
- متقلقش هو هيعرف لوحده انا فين.
واختفت بين الأشجار !!
ارتجفت يده واتصل بآدم يخبره بما حدث وبعد دقائق اقتحمت سيارة الآخر المكان وترجل صارخا بعصبية :
- انت يا غبي مش انا وصيتك توديها وتجيبها فورا سبتها تروح ع فين ؟!
- والله يا بيه أنا حاولت امنعها بس الهانم مرضتش تقف وكملت طريقها وقالتلي ان حضرتك هتعرف مكانها.
أسرع المسكين في التبرير له وكتم في داخله حقيقة أن زوجته امرأة مخيفة بحق وخشي أن يتبعها فتفعل له شيئا.
بينما نظر آدم لحيث أشار وقطب حاجباه بتعجب هامسا بصوت يسمعه هو فقط :
- راحت للبحيرة ؟
***
سلكت طريقها الوعر كثيف الأشجار متتبعة صوت خرير المياه وزقزقة العصافير حتى وصلت إلى غايتها ووقفت تتأمل الشلال الصغير الذي يصب في بحيرة صافية تحيط بها الأشجار والنبات من كل جانب ثم تنهدت وجلست تحت ظل أطول واحدة متفرسة في المياه ...
لا تزال تتذكر أول مرة رأت بها هذه البحيرة، كانت تعمل معه في البستان وتشرف على نقل صناديق الفاكهة في رابع يوم لها ثم خرجت تنتقل فوق فرسها وتتأمل المناظر أمامها لتلتقي بآدم، ابن عائلة الصاوي الذي كشف هويتها وعلم بأنها هي نفس الفتاة التي رآها على التل ذات مساء ومع ذلك لم يحاول مضايقتها بسخافة أو يقترب منها بل يتجاهلها وكأنها غير موجودة.
حينها اقتربت منه وسألته بفضول إلى أين يذهب ومالذي يوجد خلف تلك الأشجار فاِبتسم وأخذها لحيث كان متجها وفاجأها ببحيرة لم ترى جمالا كجمالها من قبل ...
توالت عليها الذكريات تدق قلبها بقسوة وتغضنت ملامح وجهها باللوعة وارتجفت شفتيها مستعدة للدخول في موجة بكاء أخرى والندم ينهش روحها حتى ذكرياتها معه لا ترحمها.
لم تدم عزلتها مع أفكارها طويلا لأنها استمعت لصوت خطوات تقترب منها فاِبتسمت بدموع وهمست من دون رفع رأسها :
- عرفت مكاني زي العادة.
أشرف عليها آدم من فوق مطالعا هيأتها المزرية ثم زجرها بتوبيخ :
- ايه جابك لهنا مش ع أساس تسمعي الكلام ومتروحيش لأي مكان تاني ولا ماصدقتي لقيتي فرصة عشان تلفي وتدوري بمزاجك !
تأفف بغيظ واستدرك هامسا كأنه يحدث نفسه :
- وفوق ده كله بتقولي صدقني ليه هي خلت فرصة لحد عشان يصدقها.
- مكنتش مخططة اني اجي لهنا بس مقدرتش امنع نفسي المكان ده فيه ذكريات كتيرة وحلوة بتفكرني بحبك ليا زمان ... انت ايه رايك ؟
هتفت نيجار بحنين قتله آدم في مهده مجيبا عليها بقتامة :
- عن نفسي هو بيفكرني بقد ايه انا كنت غبي وبجري ورا وهم من واحدة رسمت عليا الحب عشان تحقق مصالح ألد أعدائي ... كل كلمة وكل نظرة بفتكرها بتخليني اكره الأيام ديه.
انسابت دمعة منها فسارعت تمسحها بلوعة ليجلس الآخر بجوارها ويوجه نظره للبحيرة مستطردا بهدوء ظاهري :
- في اليوم اياه يعني يوم كتب كتابنا وبعد ما ضربتيني بالخنجر صحيت ولقيت نفسي وسط النار، في الاول مستوعبتش ايه اللي بيحصل أو مصدقتوش كنت تايه وضايع اوي وللحظة افتكرت انه كابوس.
غامت عيناها وأهنفت هامسة اسمه بصدر مشروخ، كانت هذه أول مرة يواجهها باليوم المشؤوم من دون غضب وحقد فلطالما ذكَّرها بسوئها ووصفها بالغدر والخيانة لكن لم يسبق وأن شاركها إحساسه، وعِتابه !
- ساعتها غمضت عينيا وأنا مستسلم للموت وقلت لو اللي حصل حقيقة فأنا بتمنى محدش يقدر يساعدني ... بالنسبالي كان الموت بالسّم والنار أهون من الغدر.
هدر بخفوت غافلا عن جروحها النازفة.
- احلفلك بـ ايه عشان تصدق اني مكنتش بعرف بالسم اللي في الخنجر ولا انهم هيولعو في البيت انا كنت فاكرة انها مجرد ضربة خفيفة وصفوان هيعالجك بعد لما ياخد سبايك الدهب.
- انتي بجد فاكرة ان الخنجر المسموم والنار هما كل مشكلتي ولا بتستهبلي ؟
رمقته بحيرة وضحها آدم ساكبا ما بجعبته :
- اتمنيت اموت لاني اكتشفت ان البنت اللي حبيتها واديتها كل مشاعري وعملت المستحيل عشانها غدرت بيا ودخلت لحياتي من الاول عشان عيلتها مش ده اللي قولتيهولي وقت طعنتيني انك بتعملي اي حاجة علشان عيلتك ؟
وانا كمان كنت مستعد اعمل اي حاجة عشان سعادتك وراحتك عمري ماكنت هبتزك بأهلك او اجيب سيرتهم بسوء قدامك كنت مخطط اعيشك مبسوطة ومرتاحة بعيد عن عداوة الصاوي والشرقاوي بس اكتشفت قد ايه كنت غبي وسمحت لواحدة ست تلعب بيا.
أنكست نيجار عيناها مجلودة بذنب عظيم وتثاقل نبضها وهي تتشرّب حقيقة ندالتها، لم تكن لتوقفه أو تدافع عن نفسها فلا تبرير يستطيع تبرئتها.
- عندك حق أنا كنت غرقانة في كرهي وأنانيتي حتى لما افتكرتك مُت محستش بالذنب قد ما حسيت بالخوف من اني اتكشف وقلت كمان اني هرجع اعمل نفس الشي لو الزمن رجع لورا ... بس بعد ما عشت معاك وشوفت بعينيا مدى احترامك وشهامتك وقد ايه الناس بتحبك عرفت وقتها أن قيمة الانسان ومكانته بتتحدد بمعدنه وطبيعته وانك بتستاهل كل حاجة اتقدمتلك.
ساعتها بقيت احترمك ومع الايام بدأت اتعلق بيك وبعدها حبيتك.
هز آدم رأسه رافضا التفكير في جدية حديثها وغمغم بنبرة غير قابلة للنقاش كأمر مسلَّم به :
- حب ؟ انتي عمرك ماحبيتيني اصلا انتي حبيتي حبي ليكي وصعبانة عليكي نفسك عشان اكتشفتي انك خسرتي واحد كان بيعشقك و علشان كده عماله تحاولي عشان نرجع زي الأول بس عمره ما هيحصل.
لا انا هنسى انك خدتيني كوبري عشان تحققي أهدافك ولا انتي هتنسي فكرتك عني واللي هي اني واحد مغفل اتخدع منك في يوم من الايام.
تنهدت نيجار ومدَّت يدها لوجهه وأدارته نحوها مبتسمة بعنفوان وصدق :
- أنا بعرف حقيقة مشاعري دلوقتي زي ما كنت بعرفها زمان ومتأكدة منها اوي يعني حتى لو رفضتني وفضلت بتكرهني وبتنفر مني مش هستسلم هعمل أي حاجة عشان ارجع اشوف نظرة الحب في عيونك.
سكتت قليلا تطالع جمود وجهه وعدم تأثره وأكملت بشجن :
- لأن الموت بقى أهون عليا من اني افضل بعيدة عنك.
وختمت اعترافها بقُبلة ناعمة استقبلها الآخر باِستسلام !!