رواية نيران الغجرية الفصل الحادي والستون61والثاني والستون62 بقلم فاطمة أحمد
الفصل الواحد و الستون أسفل زخات المطر.
" من في اِستطاعته أن يقنع عيني بأنها لن تراكِ ؟
حتى تكف البحث عن ملامحك في وجوه العابرين وفي شرود الغرباء ! "
أحيانا تطرح علي روحي سؤالا ... هل الألم يقاس ؟
إنه ليس جسما صلبا لكي يكون لديه معايير لحسابه و بوسعنا قياسه ، و لكن هو ضرر يصيب جسد الإنسان ولا يزول سوى بالمضادات.
حسنا و ماذا عن ألم الروح ؟ في أي جزء يصيب.
هو فراغ يحتكم نقطة ما في عضو من أعضاء الإنسان ، غالبا ما يكون القلب فيشققه و يتآكله يوما عن يوم لتضل آثاره إلى الجسد فلا يصبح بوسع المضادات و الأدوية علاجه ، إنه لا يزول ، ولا يُنسى ، ولو مرت عليه مئات السنين ...
ولم تنسى هي ذلك الألم و لكنه تضاعف في تلك اللحظة حينما بدأت تسرد له عما عاشته ، عن الحقائق و الأوجاع التي لن تزول ، يدها على موضع قلبها تقبض و تشد عليه لعل تلك الغصة التي تنغرز به كالخنجر تتداعى و تنهار ...
أخبرته عن كل شيء حرفيا ، عن نقلها إلى المستشفى في الإسكندرية و إخبارها من قبل الطبيب المشرف عليها بأن المادة التي أخذتها أثرت عليها بشكل سيء جدا و نسبة حملها مجددا قريبة من الصفر ، مريم لن تنسى ذلك اليوم الذي فقدت فيه أملها بأن تصبح أما ..
أن يكون لها طفل تحمله بين يديها و يناديها ب "أمي" ، لن تستطيع منح ذلك الحق لنفسها لأن جسدها المتضرر يرفض ذلك ، هذه هي الحقيقة ولن تتغير !
- انا اسف.
تشدق بها وهو يشعر بنفسه يلقي كتلة نار من فمه و الدموع تحرق عينيه تأبى النزول...
هو لم يعش ألما بهذا القدر من قبل ، لم يسبق و أن شعر بالعجز الى هذه الدرجة.
حقيقة أن مريم لن تتمكن من الإنجاب ثانية تقتله ، فمابالها هي التي فرحت بحملها بمفردها و عانت لوحدها ، لا يزال يتذكر ذلك اليوم عندما وجدها ملقية على الأرضية وسط دمائها.
حينها شعر بروحه تسحب منه خاصة وأنه كان بالإمكان أن ينقذها لولا أنه لم يجب على اِتصالاته.
مريم لديها الحق الكامل في أن تكرهه و تحقد عليه ولو كان مكانها لفعل أكثر مما فعلته هي و الأدهى أن الذي أذاها هو فرد من عائلته فكيف سينظر اِلى وجهها !
ليته لم يقابلها يوما ، على الأقل لم تكن لتتعرض لكل هذا الأذى ، لم يكن سيُجبرها بطريقة غير مباشرة على أن تتزوجه فتعاني و تبكِ و تتألم و تخسر طفلها بسبب عمه المجرد من الإنسانية.
مسحت الأخرى دموعها و نظرت اليه ليتابع بإختناق :
- اسف لاني قتلت فرحتك بالبيبي ... و لأني مقدرتش الحقك و انقذك ، اسف لاني عرضتك لكل الأوجاع ديه و مكنتش معاكي ... اسف لانك وقت لما اتصلتي تستنجدي بيا انا كنت مع واحدة غيرك حتى لو مش بإرادتي.
شهقت بغصة و ردت بتحشرج :
- و انت ايه ذنبك اصلا.
- ذنبي هو في اني مكنتش قد الثقة اللي اديتهالي ... و ذنبي اني مشكيتش في سبب اجهاضك رغم ان كمية الدم اللي نزفتيه بيخلي اي واحد يستغرب و يفهم ان الاجهاض الطبيعي مكنش هيبقى بالسوء ده ، بس صدقيني يا مريم انا ساعتها مكنتش مركز غير في خوفي من اني اخسرك مكنتش واعي للي بيحصل بسبب تأنيب الضمير اللي عشته في اللحظات ديه و ...
توقف عندما تخلى عن فكرة إخبارها بأنه كان لا يزال قابعا تحت هلوسة الأدوية و بالتالي لم يكن سينتبه لوجود مؤامرات تحوم حوله وهو في تلك الحال.
شهقت مريم منخرطة في البكاء وقد زادتها الأمطار التي بدأت بالهطول منذ قليل استعدادا لتوديع موسم الشتاء إرتجافا فنزع عمار معطفه بدون تردد و وضعه عليها لكي يقيها من البرد الذي لم ينجح معطفها الخفيف في إخماده ...
ثم ضم وجهها بين يديه و همس بأكثر نبرة صادقة في العالم :
- انا مكنتش معاكي في أصعب لحظاتك بس اوعدك اني هعوضك يا مريم ... هدوق العذاب لكل واحد فرط فيكي و أذاكي و أعيشك بعدها في سعادة بوعدك اني مش هسيب الدمعة تنزل من عينيكي تاني بس نصبر لحد ما اوصل للي عايزه.
- ليه انت عرفت حاجة جديدة بتقدر تفيدنا ؟
- مش هكدب عليكي و أقولك لأ بس علشان خاطري متسألنيش ايه هي و ازاي عرفت قريبا هوصل لهدفي و ساعتها انتي هتعرفي كل حاجة وتقدري تنتقمي من اللي كان السبب فوجعك.
بس أهم حاجة دلوقتي تشيلي من بالك فكرة انك مش هتعرفي تخلفي انا بعرف دكاترة اا...
قاطعته مريم قبل إكماله لجملته عندما انقلبت ملامحها المتألمة لأخرى جامدة وهي تهتف :
- مش عايزة اشوف دكتور ولا عايزة اتعالج لأن النتيجة واضحة.
اندهش عمار من كلامها و اِستنكر رفضها لتلقي العلاج و لكنه كان يعرف سبب هذا فأمسك يدها و ضغط عليها مغمغما بمواساة :
- انتي هتعرفي النتيجة منين وانتي محاولتيش تتعالجي أساسا ؟ الطب اتطور و في حالات كتيرة زيك اتعالجت.
هزت رأسهت برفض كامل للفكرة و عصفت عيناها بدموع الجرح هاتفة :
- و في حالات اكتر زيي متعالجتش وانا وانت عارفين ده كويس فلو سمحت بطل تتكلم في الموضوع ده لاني مش مستعدة اتأمل و استنى حاجة مش هتتحقق ... انا مبقتش اقدر اخلف و ديه حقيقة عارفاها و متقبلاها كمان يعني مش محتاجة تتزين.
صمتت تسترجع أنفاسها المسلوبة و تجمع شجاعتها لكي تقول ما تنوي عليه و في النهاية لفظت كلماتها القوية التي أخفت وراءها عاصفة من القهر و الهوان :
- و بالمرة انت تفهم ان مفيش مني أمل يعني بما انك مبقتش رافض فكرة الخلفة و عايز يبقى ليك ولد ف أنا بقولك من دلوقتي شوفلك زوجة تانية تكون ...
- ايه الكلام ده انتي مستوعبة و سامعة نفسك بتقولي ايه ؟!
- ايوة مستوعبة ... طلقني.
- إخرسي !
تشدق مزمجرا بخشونة وقد اِنقشع بؤسه ليتحول الى غضب مستعر فتلجلجت مريم أمام هجومها العاتي و تناثر تماسكها على أعتاب اللهب الأخضر الذي اِستعر في عينيه ... كان يبدو همجيا ... و لكن هي محقة ... لقد عانت من مرارة هذا النقص لما يقارب سنتين و تقبلت الفكرة ...
إلا أن عمار كان لديه رأي آخر ، قلقد رأت في عينيه اللمعة التي ألقاها على أولئك الأطفال في الحديقة و أدركت قدر رغبته في أن يكون أبا ، و لكنها لن تستطيع تحقيقها لذلك الخيار الوحيد المتاح هو الإبتعاد ، ستبتعد عنه و تحرره من قيود شفقته عليها لأن كبرياءها لن يرضى ببقائه معها لمجرد شعوره بالذنب أتجاهها.
أما الآخر فقبض عليها و سحبها ناحيته هاساً بوحشية :
- ديه رابع مرة بتقولي فيها طلقني اول مرة لما اتخانقنا وتاني مرة لما قولتيلي انك حامل وانا رفضت ساعتها شتمتيني ومسبتيش كلمة إلا وقولتهالي.
و المرة الثالثة وقت رجوعك بعد ما فضحتيني قدام الناس و بردو انا رفضت ... تفتكري بعد كل ده هطلقك لانك مش بتخلفي انتي مجنونة !
نظرت مريم لأصابعه المتشبثة بذراعها ثم تنقلت بنظراتها لعينيه القادحتين لترتفع صرخة روحها الصامتة و تنتفض متحررة من أسر يده هاتفة بحرقة :
- اول مرتين انت رفضت لأنك مكنتش عايزني اتحرر من قيودك و ثالث مرة رفضت عشان محققش مرادي و تضطر تديلي تعويضات مادية كبيرة بعد ما تطلقني وكمان لأنك كنت عايز تفهم الأول سبب كرهي ليك
بس دلوقتي انت متمسك بيا ليه يا عمار ؟ خلاص مبقتش عايزة غير اني اعاقب المجرم اللي دمرني و بعدها امشي ومتشوفنيش تاني.
زفر بخشونة ثم اقترب منها هادرا بعصبية :
- انتي فاكرة مثلا اني كنت رافض الطلاق عشان التعويضات الغبية اللي بتتكلمي عليها ؟ مريم انا ثروتي كلها مبتجيش حاجة مقابل نظرة واحدة منك ... عايز اكمل حياتي معاكي افهمي بقى !
ارتعشت شفتاها من همست التي كادت تحط عليها و لكنها تمالكت نفسها و تراجع للخلف مرددة بتحشرج :
- ليه ... رد عليا ليه عايز تكمل حياتك معايا وانت كنت رافض تعلن عن جوازنا اصلا فهمني ايه اللي اتغير وانت ... انت نظراتك ليا اتغيرت ليه.
نزلت دموعها مختلطة مع قطرات المطر وقد وهنت ساقاها و أصبحتا كخيط رفيع من الهلام لا تقويان على حمل ثقلها ، فجأة وبدون تخطيط منها تحولت من مريم التي قررت إنهاء العلاقة إلى تلك الغجرية التي كانت تستنجد من حبيبها عاطفة تداوي ثقتها المعطوبة ...
ولكن بماذا سيخبرها ، هل يريد منها البقاء لأنها تحمل اِسمه فقط أم كبرياءه كرجل سيرفض أن يتم التخلي عنه بهذه السهولة ، أو ربما لأنه يشفق عليها فهو اِقترب منها بعدما فقدت أعصابها في غرفة التحقيقات و كادت تقتل ذلك الطبيب عديم المهنية.
و لكن عمار لم يكن يود بقاءها سوى لأنه يحبها ، هكذا فكر هو بداخله وقد اِزداد تشبثه بها و سعيه للإنتقام لها غير أنه وجد صعوبة و ترددا في الاِعتراف ، لا يعرف كيف يطلب منها البقاء و لكن سيطرته التي اِكتسبها من تعوده على إلقاء الأوامر جعلته يغمغم بخشونة :
- انتي مراتي اعتقد ده كفاية عشان مطلقكيش ومش هعمل كده لأنك انتي عايزة.
قبضت على يدها بغضب عاتٍ و انقبضت حواجبها متمتمة بإستهجان :
- اه يعني هتطلقني لما انت اللي تبقى عايز صحيح انا نسيت اني واقفة قدام عمار البحيري اللي محدش بيديه أمر.
- هو ده اللي فهمتيه من كلامي ؟ هتبقي مبسوطة لو انفصلنا.
تساءل عمار بصبر نافذ فهدرت الأخرى بحدة :
- انا مش ناوية احلل و افسر كلامك خلاص يا عمار حررني منك كفاية كده ديه حتى علاقتنا مش مفهومة وحتى لو قررنا نكمل مع بعض مش هينفع بعد كل اللي حصل و عيلتك مستحيل تتقبلني و حتى الظروف مش هتجمعنا وانا مستحيل افضل معاك لاني صعبانة عليك ... كفاية بقى.
اِنقضت حروفها في نهاية جملتها و غصت نبرتها فتحركت تخرج الى الطريق باحثة عن أي سيارة أجرة وفي هذه الأثناء وجدت يدا تقبض عليها و تلفها ناحية صاحبها الذي صرخ عليها أسفل زخات المطر الغزيرة :
- انتي بأي حق بتقولي على علاقتنا مش مفهومة وانا يهمني في ايه لو عيلتي اتقبلتك أو لأ ! انا متخليتش عنك في وقت اللي عيلتي و صحابي كانو بينصحوني ابعدك عني صبرت عليكي و مرضتش حد يقربلك وحتى منعت نفسي من اني اؤذيكي و في الاخر جاية تقولي انك صعبانة عليا هو انتي غبية للدرجة ديه ومش فاهمة !
عضت مريم على شفتها بكبرياء من إهانته و نفضت ذراعها عنه لكنه أعادها إليه صارخا بجنون :
- طيب مادام عايزاني اطلقك ماشي هقولك الكلمة اللي انتي عايزاها.
حينها تزعزع كيانها الذي اِشتعل من قربه و عصفت عيناها حينما أدركت بأنه سينفذ لها طلبها و يفعل ما تريده ، فهزت رأسها بنفي مدمدمة :
- سيبني امشي.
- ليه مش عايزة انفذلك طلبك ؟
- متقولهاش في وشي ... سيبني لو سمحت انا عايزة اروح.
اِبتسم عمار بعنهجية مطالعا دموعها التي تماهت مع جود السماء و شعرها المبلل فتململت بعنف بين ذراعيه صارخة :
- بقولك سيبني.
- مش عايزة اقولك اا...
- لا مش عايزة !
صاحت مريم بذعر وقلبها يوشك على التوقف عندما شعرت به يكاد يرمي على يمين الطلاق ، و أحست به يتوقف فعلا حينما نطق عمار بصوته المحموم كلمات لم تكن لتتخيلها :
- مريم ... أنا بــحــبــك !
____________________
ستووب انتهى البارت
انا فعلا بذلت مجهود كبير عشان اكتبه في الوقت اللي مبلاقيش فيه فرصة للراحة فممكن انتو تلاقوه قصير بس انا تعبت فيه حرفيا.
رايكم بالفصل و توقعاتكم للأحداث القادمة بما ان الرواية قربت تنتهي.
: الحدث يعيد نفسه من جديد.
__________________
كم قلبا نبض بعنف على هذه الأرض التي يقفان عليها ؟ كم يدا ارتجفت و كم نفسا قُطع من حلاوة الإعتراف ؟
هنا في الظلام تحت السماء التي غسلتهما بوبلها واقفان على جانب الطريق الفارغ يناظر كل منهما الآخر بشغف منقطع النظير و وَلَهٍ ألهب جسديهما.
كان الوضع برمته كحلم جميل بعيد عما يحاكيه الواقع ، في قرارة نفسها ظنت بأنها تتخيل أو عقلها الباطني صور لها كلاما تمنته طويلا رحمة بها و بروحها الممزقة ألما.
ولكن مع مرور الدقائق والشعور بلفحاته الساخنة التي تضرب بشرة وجهها وتقع برودته تأكدت من أن هذا حقيقي ، فرفعت عيناها إليه مصعوقة عاجزة عن النطق لتجده يهمس بصوت أجش :
- انا بحبك ... اتعلقت بيكي من اول مرة شوفتك فيها و انجذبت ليكي كنت فاكر ان ده اعجاب ببنت مشوفتش زيها من قبل بحكم استايلها و كلامها المختلف عن البنات اللي بعرفهم و فضلت اقنع نفسي بالفكرة ديه بس كل يوم كنت بفكر فيكي.
لما هربتي مني مبطلتش ادور عليكي وانا خايف على قلبي يتوجع ببعدك ، حتى بعد اللي عملتيه مقدرتش اؤذيكي ولا انتقم منك مقدرتش افرط فيكي و ساعتها عرفت اني بحبك.
لا بعشقك ، سواء كنتي الغجرية الهادية اللي اتعرفت عليها اول مرة ولا التانية اللي هي عكسها تماما.
- لأ ... لأ.
خرجت الكلمات متقطعةً من فمها وهي تشيح وجهها عنه غير مستوعبة لما تسمعه و لكن عمار ضمها ناحيته مجددا يتابع بهدوء :
- انا عارف ان صعب تصدقي كلامي لاني سبق و وجعتك و أهنتك لما اعترفتيلي بحبك بس اقسم بالله يا مريم انا رفضي مكنش غير بسبب الخوف حسيت اني مش مستعد اجرب الحب ده لان اللي عشته كان ... كان صعب اوي و خلاني مثقش في حد بس اتأخرت عشان افهم ان انتي غير كل الناس ... انتي مراتي و حبيبتي و ملكي انا ومش عايزك تبعدي عني.
انفرطت دموعها بتأثر من حديثه و نبرته المتهدجة ، زيتونيتاه اللتان ترمقانها بلوعة أرضت أنوثتها المنكسرة بداخلها حتى كادت تعانقه ولكن ذاكرتها التي اِستدعت أحداثا من ماضيها الأليم معه ، و مخاوفها و عقدتها من الرفض جعلوا مريم تبتعد عنه سريعا غير أن عمار الذي أدرك ما تمر به في هذه اللحظات قبض عليها مغمغما :
- انا عارف انك لسه مجروحة و صعب تتقبليني كحبيب و ده حقك بس انا مش هتخلى عنك و زي لما قطعت طريق طويل عشان اوصل للنقطة ديه و اقدر اعبر عن مشاعري من غير تردد مستعد اقطع طريق اضافي من الصبر.
- عمار انا ...
تهدجت بإضطراب ثم نظرت اليه و تابعت :
- انت بتحبني بجد ولا بتقول كده عشان ...
قاطعها فورا قبل إكمال جملتها :
- بحبك بجد و بقولك الكلام ده دلوقتي لاني مش عايزك تسيبيني انا حياتي مبتكملش من غيرك.
تنهدت مريم ببؤس مهمهمة وقد تملكت منها الحيرة :
- بس بعد اللي حصل صعب اتقبل مشاعرك ديه انا خايفة افتحلك قلبي تاني و ترجع تجرحني ... خاصة انك لسه مش صريح معايا و دايما بحسك مخبي عني سر كبير ومش عايز تشاركني بيه.
ضم عمار وجهها بين يديه و أسند جبينه على خاصتها ليغمض عيناه وهو يردد :
- بس صارحتك بأكتر حاجة كان صعب عليا اقولها و صدقيني انا بعمل مجهود كبير علشان احسن من نفسي و بحاول أعوضك عن كل دمعة نزلت من عينيكي بسببي.
أغمضت عيناها هي كذلك مستمتعة بنبرته الرجولية و أنفاسه التي تلفح بشرتها ، و لوهلة فكرت بأنه حقا أصبح مختلفا عما كان عليه في السابق و يهتم بمشاعرها و عواطفها كأنه يحاول الإعتذار عما بدر عنه من جفاء في الماضي.
و لكن هي لا تزال خائفة ، لقد وعدت نفسها بإقفال قلبها و عدم التلفظ بكلمات الحب له مادامت حية إلا أن هذا الأخير لم يتوقف يوما عن الخفقان بضراوة عندما تكون بجانبه ، تخاف أن تثق به مجددا ثم يعود و يصدمها بتصرف ما.
ماذا تفعل الآن و كيف تتصرف ، هل تمنح لنفسها فرصة للحب مجددا أم تستمر بدفعه بعيدا ؟
و بعد دقائفق من الصمت ، تلفظت مريم بشغف يائس مستسلم :
- اعتقد اني مش هعرف اهرب اكتر من كده ... و انا كمان بحبك يا عمار ... لسه بحبك زي زمان و اكتر.
ولم تكد تنهي جملتها حتى انحنى عليها بهوس فاِستقبلت قبلته و بادلته بمثلها ، إشتدت يداها على قميص سترته الذي التصق به كجلد ثانٍ بفعل الأمطار فتبينت منه عضلات جسده المشدودة و راحت تغوص معه في عناق الأرواح هذا لتشعر وكأن الأرض سحبت من تحت قدميها ، مغيبة و مسيرة كدمية متحركة تشابكت خيوطها ببعضها البعض.
كهالكة متشبثة بحافة الهاوية فتعانقت أصابعها مع أصابع أول يد امتدت لها فتشبثت بها باِستماتة ... أصابعه هو ... يده التي اِنتشلتها من الجحيم ساحبة إياها إلى الجنة ...
___________________
- وبعدين يا هالة هفضل مستني لحد ايه.
تمتم بها وليد بضيق وهو يضع كوب القهوة على الطاولة أمامه فنظرت له باِستغراب بينما يردف هو :
- احنا مخطوبين بقالنا كتير ولسه متقدمناش خطوة واحدة انا عايز نعمل الفرح و تبقي مراتي و حلالي ده غلط يعني.
احمرت وجنتاها فأخفضت عينيها و شابكت أصابع يديها معا بخجل دارته وهي تحمحم هاتفة :
- مش غلط بس يعني انا مش جاهزة لسه ناقصني حاجات كتير.
وليد :
- وانا قولتلك اني مش عايز غيرك انا الحمد لله ربنا كافيني عندي فيلا مفروشة و مستنياكي تنوريها بس و جهازك ابقي كمليه بعد ما تدخلي بيتي اساسا مفيش حاجة هتنقصك وانا معاكي ايه لازمته التأجيل ده.
صمت قليلا ثم استدرك مستفهما بوجوم :
- هو انتي مش عايزاني او حاسة نفسك ندمانة لأنك وافقتي ترتبطي بيا.
رفعت هالة رأسها سريعا و ناظرته بدهشة من قوله و في الحقيقة انزعجت من تفكيره ولكن حزنه الواضح على وجهه جعلها تهدأ و تسايره :
- انا لو كنت ندمانة مستحيل ابقى قاعدة معاك في بيتنا دلوقتي و تأجيلي مش لأني مش عايزاك بالعكس ... في فترة خطوبتنا اثبتت اني عملت الصح لما وافقت عليك احترمتني و غيرت نمط حياتك عشان ربنا الأول وبعدين عشاني و مغصبتنيش اعمل حاجة انا رافضاها يعني انت راجل بتستحق التقدير و الاحترام و ...
و الحب ، هذا ما كانت تريد هالة قوله وهي تعترف له كم أنه رجل صالح و خلوق يحاول تحسين نفسه حتى أنه اتصل بها الأسبوع الماضي فرحا وهو يخبرها أنه قد التزم بأداء الصلاة ولم يعد يشعر بالكسل عندما يحين الفرض بل على العكس تماما.
كما أنه يحترمها هي وعائلتها وقد رأته كم يحب والده و شقيقته و اِبنتها اذا لا خوف عليها مع رجل لا يفرط في أهله ولكن ليس على حسابها ، على عكس خطيبها الأول الذي كان ضعيف الشخصية لا يتحرك إلا بإذن والدته و أخته و إذا أخبرتاه بشيء عنها يتصل بها و يوبخها بدون أن يستفهم منها أو يسألها عما حدث و إذا أخبرته بعدم رغبتها في أن يتعامل معها بأريحية تامة بحكم علاقتهما التي لم تصل الى الزواج يستهزئ بها و يقول لها أنها " دقة قديمة ".
هي تحب وليد ، لقد أدركت هذا جيدا منذ وقت طويل و أيقنت أنه الرجل المناسب لها لكن الآخر لم يكفه هذا لأنها على قدر كرم نظراتها الناضحة بالحب كان لسانها بخيلا فسألها بلهفة :
- هالة انتي بتحبيني زي ما انا بحبك صح ؟
ابتسمت بخجل و حماس أهوج مجيبة إياه بمراوغة :
- هبقى اجاوبك على سؤالك ده يوم فرحنا.
- فرحنا ؟
- مش انت قلت انك عايز نعمل الفرح بعد اسبوعين ؟ انا موافقة.
و بالفعل تم الزواج و أقام لها حفلا في قاعة ضخمة حضر فيها الأقارب و الأصدقاء و رجال الأعمال ، تأنق العريس في بدلة فخمة سوداء و هندم لحيته بطريقة أبرزت وسامته أكثر عمار و يوسف ارتدا بدلا كحلية و وقفا بجانبه بينما ينتظر هو نزول العروس.
في الطابق الأعلى من القاعة كانت خبيرة التجميل تضع اللمسات الأخيرة على هالة وقد اِرتدت فستانا أبيضا ضيق من الأعلى و يتسع بعدها في تموجات ناصعة مع حجاب بنفس اللون وكعادتها لم تتكلف في التزيين كثيرا ، طالعت نفسها في المرآة لتستمع لوالدتها التي دمعت وهي تهتف :
- زي القمر ماشاء الله عليكي يا حبيبتي.
احتضنتها هالة بتأثر و كادت تبكي لكن مريم حمحمت و قاطعتهما سريعا لكي تنتشلهما من قوقعة ألم الوداع :
- لا متعيطوش عشان الميكاب وبعدين مش جه الوقت عشان ننزل.
انسلخت والدة هالة من حضن ابنتها وهي تمسح الدموع العالقة بين جفنيها ثم أخبرتهما بأنها ذاهبة لتحضر شقيقها كي ينزلها و يسلمها لعريسها وبعد مغادرتها وقفت مريم أمام صديقتها و طالعتها بصدق أخوي :
- حبيبتي طالعة قمر الف مبروك ربنا يسعدك و تعيشي حياة سعيدة مع اللي بتحبيه.
ابتسمت هالة بتأثر قائلة :
- و عقبال لما تفرحي زيي يا روما و تلبسي الأبيض.
التمعت عيناها بألم و إحساس بالنقص دارتهما سريعا وهي تهتف :
- انا خلاص مكنش من نصيبي اني افرح والبس الأبيض و اكتب كتابي قدام كل الناس بس ان شاء الله حظك يبقى أفضل من حظي بكتير وليد راجل و بيحبك وانا متأكدة أنه هيسعدك.
هالة :
- وليه مش نصيبك اينعم جوزك طاووس وكان نفسي تعذبيه اكتر قبل ما ترجعيله بس خلاص انا اتأكدت انه بيحبك ومستعد يعمل كل حاجة علشانك و مين عارف يمكن يعملك فرح كمان ... بيني و بينك انا لسه مبطيقهوش.
ضحكت مريم بخفة مرددة بينما تعدل طرحة صديقتها :
- مش عارفة انتو مش طايقين بعض ليه هو بيعتبرك عدوته وفاكر انك بتحرضيني عليه وانتي بتفضلي تنتقدي فيه يلا مش مهم انتي النهارده فرحك ومتفكريش فحاجة غير انك تنبسطي.
طرق الباب و دخل احمد ليقبل جبينها و ينزلها الى الأسفل فتصدح التصفيقات من الحضور و يخفق قلب وليد بعنف عند رؤية الملاك التي أنارت حياته و ستحمل إسمه بعد قليل فقط.
و قد كان ، عند عقد القران تعالت التصفيقات بحرارة مجددا و نهض وليد مقبلا جبين هالة بعمق هامسا :
- الف مبروك علينا أخيرا اتحقق حلمي اللي بقاله سنين.
دمعت عيناها و تمتمت بعشق خالص :
- الله يبارك فيك اوعدك اني اكون الزوجة و الحبيبة اللي اتمنيتها ... وليد أنا بحبك !
*** وقف بعيدا متأملا إياها وهي تستمتع مع مجموعة من الفتيات و وزع نضراته عليها وهي ترتدي فستانا أزرق من الحرير ذو أكمام طويلة بحمالتين غليظتين تنخفضان من على الكتف قليلا مظهرة بذلك عنقها الذي زينته بعقد من الألماس ، كانت تضع زينة خفيفة وقد تركت شعرها منسدلا فبدت في غاية الجمال إلا أن هذا أزعجه أكثر خاصة عند ملاحظته مظرات بعض الشباب عليها فأشار إليها برأسه لكي تأت اليه لتتعجب بها و تقترب منه متسائلة :
- في ايه يا عمار ده فرح صاحبك انت واقف بعيد كده ليه.
أحاط خصرها بيده جاذبا إياها نحوه و همس :
- مش احنا كنا متفقين ع انك تحطي شال على كتافك ليه الكلام مبيتسمعش.
- انا نسيته صدقني وبعدين الجو حر و الفستان مستور اصلا و طويل اهو.
همهم بغيظ ثم جز على أسنانه مغمغما :
- طب لمي الليلة و بطلي تنطي من مكان لمكان لأني بدأت اتعصب ولو خفيف الدم صاحب اخو هالة مبطلش يبص عليكي هروح اعمله خريطة في وشه ماشي.
ارتبكت مريم من تهديده و رمقت بطرف عينها ذلك الشاب الذي لم يتوقف عن التحديق فيها بجرأة حتى أنه حاول التودد اليها منذ قليل ولحسن الحظ لم يلمحه عمار لأنه كان مشغولا بتهنئة وليد ، زفرت بتوتر و تشدقت :
- و هو امتى بصلي يا عمار بيتهيألك بس و متنساش ده فرح صاحبك بلاش تعمل مشكلة من مفيش و بطل تبصلي كأني عملت جريمة.
قالتها بضيق من نظراته المتهمة كأنها هي من تغري الرجال هنا فتدارك عمار نفسه و تنحنح قائلا :
- انا بس مضايق لاني مضطر اتعايش مع فكرة ان في ناس غيري هتشوف جمالك ده ... طالعة زي الأميرات بتجنني يا مريم سحرتيني بجمالك.
أرضى غرورها الأنثوي بكلماته المتغزلة و زيتونيتاه اللتان تقدحان بالإعجاب و الحب ليؤجج لديها زخما عاطفيا لا يقاس ، اِبتسمت بكبرياء و همست بنبرة خافتة :
- و انت زي عادتك مفيش حد قدك في الوسامة و الكاريزما بتوعك.
لمعت عيناه بشرارة تعرفها مريم جيدا فوضعت يدها على صدره مردفة :
- مش هتجي ترقص معايا.
كاد يجيبها ولكنه لاحظ ذلك الشاب الذي لا يزال يطالعها بجرأة ووقاحة ليس لها مثيل فإشتد فكه و ابتسم بهوس مجيبا :
- روحي انتي وانا هعمل حاجة مهمة و اجي وراكي.
اومأت برأسها و ذهبت تختلط مع الحضور أما هو فإتجه ناحية الشاب و حمحم بخشونة لكي ينتبه اليه :
- انت يا استاذ.
رمقه الآخر بتساؤل ليكمل بحدة :
- محدش علمك ان من الأدب متبصش على بنات الناس بالهمجية ديه خاصة لما تشوفهم مع حد بيخصهم انت مش شايفني واقف معاها اومال مش راضي تنزل عيونك ليه.
رفع حاجباه بإستهزاء و سخرية :
- ومين انت علشان تعلمني الأدب انا ببص ع البنت اللي بتعجبني ملكش دعوة.
ضحك عمار بخفة و دلك عنقه مهمهما :
- لا انت مش چنتلمان خالص ... مفيش مشكلة تعالى برا نتفاهم اصلي مش سامعك من الديجي.
** بعد دقائق عاد عمار الى القاعة وهو يعدل سترته و ربطة عنقه التي أتلفت فلمح عمه عادل يقف بعيدا و يطالع هاتفه بعصبية و ارتباك ليبتسم وهو يتذكر ما تسبب به طوال الأيام الماضية من خسائر مادية و مالية كبيرة سواء عن طريقه هو مباشرة أو بإستعانته ببعض المنافسين الذين سرب لهم معلومات عن صفقات عادل فأطاحوا به في سوق الأسهم.
و أخيرا بدأ يبعث إليه من أرقام و عناوين مجهولة رسائل تفيد بأنه شخص يعرف ما ارتكبه من جرائم و مستعد لتسريبها إن لم يعطه أموالا طائلة ، في البداية رفض عادل الإنصياع و استهان به لكن سرعان ما صعق عندما أرسل له عمار صورة لأحد المستندات التي تخص تعامله مع سليم و مختلف العمليات غير المشروعة التي قاما بها معا ومن بينها قتل طفل إبن أخيه.
حينها جن جنون عادل و فقد أعصابه ليبدأ بتكسير غرفته و عندما حاولت زوجته فريال تهدئته صرخ عليها و طردها ليقضي ليلة عصيبة ما بين الغضب و الخوف.
و هذا هو اليوم الأخير ، آخر ليلة حرية في حياة عادل البحيري لن ينتظر أكثر من ذلك تبقى له فقط إعتراف صوتي منه و ستكتمل جميع الدلائل بحيث لا يمكنه إدعاء بأن الأوراق و المستندات الإثباتية مزورة لذلك تواصل مع وائل و أخبره بأنه سيقدم على الخطوة الأخيرة ليقول له الآخر :
- بردو مش عايز حماية على الاقل لو حاول يؤذيك.
أجاب بوعيد :
- لأ انا عايز افضل لوحدي مع عمي و اول ما نخلص من التسجيل هجيبهولك بنفسي اساسا حتى لو نجح في انه يهرب هنمسكه بردو.
- ديه مخاطرة كبيرة.
- أنا من عيلة البحيري يا وائل ومبخافش من المخاطرة و التهديد.
أنهى المكالمة و اتجه الى مريم التي ضحكت بسعادة عندما رأته فسحبها لساحة الرقص يخاصرها و يلتصق بها ، أخفض رأسه لعنقها يشم عبيرها و يقبل خصلات شعرها فهمست الأخرى بحرج :
- الناس بتبصلنا و الصحافة بدأت تصور يا عمار.
انسلخ عنها مجبرا و طالع عيناها بعمق أثار ريبتها فسألته بتوجس :
- مالك في ايه انت كويس.
أماء لها بإيجاب و تحدث بثبات :
- مريم انتي عارفة ان مهما حصل هفضل أحبك صح.
- انت كده بتخوفني.
- لا متخفيش بس عايز اتأكد من انك واثقة بحبي ليكي.
ردت عليه بلوعة :
- طبعا عارفة وانا كمان بحبك.
إبتسم بغموض و عانقها ثم لمح ندى التي كانت ترقص مع يوسف و تبدو عليها السعادة الشديدة فتنهد براحة لأن تأنيب ضميره ناحيتها زال ، و حبيبته بين يديه الآن ...
__________________
" لو مجيتش و جبت معاك الفلوس مش هديك الأدلة اللي اتفقنا عليها "
كان عادل يقرأ الرسالة مرارا و تكرارا غير منتبه لوجهه المتصبب بالعرق ، منذ أيام ظهر هذا المجهول الذي يدعي بأنه يعلم كل شيء عنه و أثبت له صدق كلامه لكن من أين و كيف يعرف هذه التفاصيل أم أن سليم أخفى الأدلة عند هذا الشخص قبل أن يموت.
لا يهم لقد اتفق معه على أن يعطيه جميع الأدلة مقابل ما يريده و لكن عادل لا ينوي السكوت هذه المرة ، فكر بهذه الطريقة وهو يطالع المسدس الذي كان يخفيه في صندوق سيارته ثم تنهد بقسوة ووعيد :
- النهارده هعرف انت مين و اخلص عليك مش انا اللي بيتلعب بيا.
إنطلق بالسيارة متجها الى العنوان المتفق عليه وقد كان عبارة عن مكان مهجور بين الأشجار و الصخور و الأتربة ثم استكان محدقا في الجوار جيدا وقد ثبت السلاح أسفل سترته و جلس ينتظر الشخص المجهول بعدما جهز رجاله و جعلهم يختبئون في مواقع قريبة من هنا ، و لكن كانت الصدمة من نصيبه عندما سمع صوت احتكاك العجلات نظر الى المرآة الأمامية و هذا ليس لأن ذلك الشخص قد أتى بل لأن هذه السيارة هو يعرفها جيدا ، إنها سيارة عمار !
إصفر وجه عادل و سحبت الدماء من عروقه مطالعا إياه ولم يدري بنفسه كيف ترجل ووقف مقابلا له يحدق فيه بينما الآخر يرمي عليه نظرات كالجليد ، اعتقد لهنيهة أنه يحلم أو ربما توتره يبعث له هلاوس لا علاقة لها بالواقع و لكن مع مرور الثواني تأكد من أنه حقيقة فخرجت الحروف من فمه متقطعة :
- ع ... عمار.
ازدرد لعابه و ضاقت أنفاسه وهو يسأله :
- انت ... بتعمل ايه هنا.
- المفروض انا اللي اسألك انت بتعمل ايه ... مستني حد معين.
سأله بتهكم حاد ليستفيق عادل و يعتقد بأن المجهول راسل عمار أيضا و جعله يلتقي به هنا فقال بحذر :
- انا عارف انت بتفكر في ايه بس اللي جابني لهنا قصده يوقع بيني و بينك و يتهمني بحاجات مش عاملها عشان الفلوس.
في هذه اللحظة ارتفع صوت ضحكات عمار و تشدق ساخرا :
- فلوس ايه يا عادل بيه ده انا اللي جايبك بنفسي ... انا اللي كنت ببعتلك و سحبت للمكان ده.
و قبل ما تبدأ تنكر انا خلاص عرفت كل حاجة سليم اللي زرعته وسط رجالتي و بدأ يراقب تحركاتي و جهاز التنصت و السم اللي دخل مراتي للمشفى و قتل ابني و حتى قتلك لسليم لما ندم و حب يعترف ... خلاص كل حاجة اتكشفت يا ***
صرخ عمار بآخر جملة و تابع بعد فقدانه لأعصابه :
- انت ازاي عملت كده ازاي هونت عليك و ليه معقول كل ده علشان اتجوز بنتك و الفلوس متطلعش لبرا أو لاني خدت المنصب اللي بتحلم بيه طيب ما انت كان عندك كل حاجة زوجة و بنتين و منصب و شهرة ليه أذيتني انا طيب مراتي و ابني عملولك ايه و أخوك اللي حبيت تلزق جرايمك فيه مصعبش عليك !
نفى عادل برأسه مرتبكا :
- لا انت فاهم غلط اا ...
قاطعه على الفور بحدة :
- بطل كدب مفيش داعي للف و الدوران اكتر يا عادل ازاي لسه قادر تنام بليل وانت قاتل و ظالم ناس كتير فهمني ليه عملت كل ده واحنا كلنا كنا بنحبك و نحترمك.
في هذه اللحظة أدرك أنه لا مجال للإنكار أكثر و الكذب على شخص يعلم كل شيء وخاصة أن رجاله موزعين في كل الإتجاهات لذلك سيضطر لإنهاء عمار لذلك لا ضرر من الإعتراف الآن فبكل الأحوال لن يصل هذا الكلام لطرف آخر.
التمعت عيناه بالشر و تقدم منه مغمغما بصوت قاتم :
- بتحبوني و تحترموني ؟ انت و أبوك خدتو مني كل حاجة حياتي و شغلي وحتى طموحاتي انت كنت الاول في العيلة دايما لأنك الإبن اللي هيكمل مسيرة آل البحيري أما انا عندي بنات وبس فمكنش ليا قيمة زي اللي عندك.
خططت عشان اجوزك بنتي عشان تتحقق الوصية و ناخد الورث اللي سابه والدي بس انت زي الغبي ضيعت كل حاجة و روحت جبت بنت من الشارع و اديتلها اسم عيلتنا بس انا مسكتش و ايوة بدأت اراقبك و اعرف خطواتك عشان تفضل تحت سيطرتي و في النهاية اتخلصت من ابنك ولما قربت خطتي تنجح و تتجوز ندى رجعت طلعت ال*** اللي مسميها مراتك و اقسم بالله انا كنت ناوي اقتلها نهائيا و جربت لما سربت الغاز في الشقة بتاعتكم بس أبوك وقفني و ساعدها من غير ما تحس وانا مبقتش عارف اعمل كده تاني عشان ميشكش فيا.
حاولت افرق ما بينكم و اؤذي مريم في الشغل بس انت عينيك كانت دايما عليها و بتحميها حتى لما كلفتها بشغل يخليها تقعد في الشركة لحد المسا عشان اتهمها بسرقة الملف هي تعبت وانت روحت جري ليها بس انا مستسلمتش و قضيت على كل اللي وقف في طريقي و منهم سليم اللي خلصت عليه بسهولة .... يعني انت طلعت عارف الحقيقة طول المدة ديه و ساكت صح فكرت انك ممكن توقعني بس انت غلطان مش عادل البحيري اللي بيوقع.
نرجسي ، فكر عمار بإشمئزاز بأن النرجسية منتشرة وسط أفراد عائلته وهو نفسه كان يعاني منه ، عادل يعتقد دائما بأنه ليس هناك ذكي غيره ولكن هذه المرة هو مخطئ و قد أثبت له هذا عندما ضغط على زر إنهاء التسجيل في هاتفه و بعثه لوائل مرددا :
- لا انت وقعت يا عادل خلاص و اهو التسجيل اتبعت كمان.
حضرتك بتفكر حالسا برجالتك اللي المفروض محاوطيننا و هيجم وياخدوني او يقتلوني صح ؟ مشكلتك انك لسه فاكرني غبي ومش جايب خبر لحاجة يا استاذ انا بقالي ايام طويلة بخطط لليوم ده مع المحقق و البوليس و رجالتك دلوقتي في طريقهم للحبس عقبالك.
أنهى جملته بقهقهة مستفزة فجن جنون عادل و أخرج مسدسه ينوي التصويب عليه ولكن عمار باغته بحركة سريعة وضربه برأسه على وجهه بعنف تسبب في نزيف أنفه ثم انتشل السلاح من يده سريعا مشهرا إياه ضده وهو يزمجر :
- كفاية لعب بقى انت اتجاوزت حدودك خلاص يا عادل تعرف انا فكرت ف ايه لما عرفت انك ورا كل حاجة و لما عرفت كمان ان مريم اتأذت اوي من الحادثة و لسه متأثرة بيها ؟ كنت جاي وناوي اقتلك بس اتراجعت في اخر لحظة لأنك مبتستاهلش اوسخ ايدي بدم واحد معدوم الضمير و الرجولة زيك و اضيع حياتي انا و مريم بسببك.
انت بتستاهل تموت موته شنيعة ومحدش يقدر ينقذك انا بقرف لاننا مشتركين في نفس الدم بس ...
توقف عن الكلام عندما داهمه صداع رأسه و حاوطته لقطات متقطعة من الماضي ونفس المشهد الذي تذكره منذ أيام لعادل وهو يصرخ عليه لكن هذه المرة إستطاعت ذاكرته عَرض تفاصيل جديدة و منها كلمات الوغد الذي راح يصرخ عليه " اوعى تقول لحد ع اللي شوفته و الا هخليك تندم و ابوك هيبعدك عن هنا و أمك تسيبك انت فاهم ! "
اختنقت أنفاس عمار و هاجمه دوار قوي و سالت قطرات العرق من جبينه و عنقه لكنه تحامل على نفسه و بقي موجها السلاح نحو عادل هامسا :
- انت امتى ... امتى قولتلي الكلام ده و ليه.
قضب حاجباه بتشنج و حذر وهو لا يفهم ما يحدث مع عمار لكنه يدرك جيدا ان الأخير ليس في كامل قوته لذلك بدأ يقترب منه ببطء متسائلا :
- كلام ايه مش فاهم قصدك.
أغمض عمار عيناه بتشوش يستقبل مشاهد سريعة و غير مرتبة لكن أمه و عادل كانا مشتركان فيها فإضمحل توازنه و أوشك على السقوط إلا أن عادل أمسكه و سحب منه المسدس قبل أن يدفعه ليسقط على الأرض و يقبض على عنقه بعنف مرددا بنبرة إجرامية :
- قولتلك انا محدش بيقدر يوقعني يا عمار و قولتلك كمان من قبل اني مش هنسى اي حاجة عملتها في حقي.
اعتقد أن الآخر سيقاوم ولكنه على العكس تجمد محدقا به وكأنه لا يتعرض لمحاولة خنق الآن هذا لأن عقله كان يتعرض لنكسة ما بعد إضطراب الصدمة عندما يتعرض المريض لنفس الحدث الذي صدمه في الماضي فيبدأ بتذكر كل شيء حدث بتلك اللحظة و هاهو عمار فعلا يرى نفس المشهد مجددا عندما كان عادل يقبض عليه وهو طفل و يخنقه مهددا إياه ثم دفعه من أعلى السلم و سقط ... نعم السلم ... والدته و الصوت الرجولي الذي سمعه برفقتها ...
(- انت شوفت و سمعت ايه بالضبط ؟
هلع الطفل و أجابه بصوت متقطع :
- اا انا مشوفتش ح حاجة ... اا انا ...
ضغط عليه أكثر و انتقلت يده لعنق الصغير زاجرا :
- متكدبش.
لمعت عيناه بالرعب و امتلأتا بالدموع ليعترف في النهاية :
- انتو ... انتو كنتو بتشوفو بعضكم هنا ... مامي كانت بتكدب وبتقول انها رايحة لصاحبتها ... كانت بتجيلك انت ... انا ...
تأوه عندما ضغط عادل على مجرى تنفسه بدون رحمة و نضحت تقاسيمه بالإجرام هامسا بتهديد :
- انت مشوفتش ولا سمعت حاجة ... تعرف لو الكلام ده طلع لبره انا هعمل فيك ايه هخلي باباك يهزقك زي العادة لانك كداب و بتاع مشاكل انت اكبر مشكلة في حياة أهلك يا عمار.
- عادل انت بتعمل ايه سيب الولد !
ظهر صوت فيروز فجأة و التف اليها فتحرر منه الطفل و بمجرد انفلاته لم يلحظ من خوفه وجود الدرج فاِلتوت قدمه عند اول درجات السلم و في ثواني كان جسده الصغير يتكور حتى وصل للاسفل فاقدا الوعي ! ).
إنه هو ... نعم لقد تذكر ... الرجل كان عادل و تلك المرأة هي والدته ...
اصفر وجه عمار بدرجة مريبة و اتسعت عيناه مصعوقا وهو يهمس :
- كان انت ... انت اللي كنت مع ماما ...
الفصل الثاني والستون : أنى للماضي أن ينسى.
_________________
كان المشهد يعاد بحذافيره أمامه ، و بنفس التفاصيل حرفيا.
الرجل الذي رافق كوابيسه طوال السنوات السابقة و كان كظل أسود نغص عليه حياته و حولها إلى رماد هو نفسه صاحب اليد التي تقبض على عنقه الآن قصد قطع أنفاسه ، إنه عمه ! شرخ جديد يصيبه وخيانة أخرى تجزعه و لكنها كانت من أسوء الخيانات !
غامت عيناه تحشرج مدمدما بكبت :
- انت اللي كانت أمي بتخون بابا معاه ... ازاي ...
انقشع غضب عادل و تحول لذهول فأطلق سراحه و تراجع الى الخلف يناظر عمار الذي بدأ يستعيد نفسه و أصبح متأرجحا بين الصدمة و الخذلان ، لم يكفه كل ما جعله يخسره بل اتضح أيضا أنه خان أخاه بأبشع طريقة !
اللعنة كيف حدث هذا ، إنه شقيقه الذي تربى معه و أعطاه محبته كيف خدعه و اِنتهك شرفه ثم تابع حياته ببساطة هكذا ، اتضح أن الوغد الذي بحث عنه طويلا كان يعيش معه تحت نفس السقف و يأكل معه على مائدة واحدة و لكنه لم يعرفه.
يا الهي ما أبشع الحقيقة ، ليته لم يتذكر و ظل يعيش على تلك الكوابيس التي كانت أهون بكثير بل يا ليته مات عندما دفعه عادل من أعلى السلم في ذلك اليوم.
بقي عمار جالسا على الأرض مطالعا الفراغ بنظرات ميتة ووجه متخشب حتى انقشعت الغمامة السوداء عن عينيه و حولها الى عادل الذي تلجلج و تراجع للخلف فنهض الآخر و همهم بصوت قاتم :
- انا افتكرت ... انت اللي حاولت تخنقني وبسببك وقعت من على السلم انت اللي ... كنت مع أمي و حذرتني مقولش لحد.
- انت بتقول ايه اتجننت يعني انا مش فاهم قصدك.
تهدج عادل بإضطراب ووجه شاحب كالموتى محاولا المراوغة وهو لا يصدق لحد الآن أن اليوم الذي كان يخافه قد وصل و تذكر عمار كل شيء بسبب مواجهتهما إلا أن تقاسيم عمار الذي نهض على قدميه بينت له عدم وجود مجال للكذب أو الإخفاء ، و رغم هذا ظل يردد :
- لسه مبطلتش تخاريفك ديه.
هز الآخر رأسه هاتفا بجنون :
- نفس الوش ونفس الصوت ... انا كنت مدرك ان الشخص اللي كان معاها هو حد بعرفه بس تطلع انت ...
ارتعشت يده على زناد المسدس مصوبا إياه على عمار لكن في النهاية أخفض هاتفا و هو يتنهد :
- يعني في النهاية افتكرت كل حاجة اهو ... ذاكرتك صحيت اخيرا.
تعرف اني بعد الحادث كنت كل يوم بصحى من النوم و اطلع من اوضتي وانا مستعد لأخويا اللي هيجي يحاسبني لاني زقيت ابنه من على السلم بس الأيام عدت وانت كبرت وبقيت معتمد ع نفسك يعني كنت هتواجهني بنفسك لو افتكرت كل حاجة بس بردو توقعاتي متحققتش ... لكن دلوقتي اخيرا الانتظار انتهى.
حدجه عمار بذهول و غضب هستيري وهو يسمعه يعترف بكل سفالة ، و في اللحظة التي اقترب منه كي يهاجمه أوقفه عادل مشهرا السلاح ضده :
- اوعى تتحرك والا هفجر دماغك !
جز على أسنانه مضطرا للتوقف مفكرا بأنه على الأقل يجب عليه التريث من أجل لعنه و التأكد من أن عمه سينال جزاءه بما أن عمار سيموت هذه الليلة في كل الأحوال بهذا المسدس المصوب عليه.
لكنه لم يتحمل وهو يهمس بصوت مختنق :
- ليه ... يا *** انت ازاي عملت كده ازاي بتخون أخوك ... انت خنته مع مراته بدل ما تعتبرها زي أختك.
استهجن عادل و صاح بغضب :
- فيروز مش أختي و مش انا اللي خنت أبوك لأ هو خانني لما اتجوز البنت اللي بحبها و خدها مني !
رمقه الآخر بعدم فهم بينما تابع عمه بألم متذكرا الماضي :
- كانت شركتنا لسه صغيرة لما أبويا حب يستثمر مع شركة صاحبه و اجبرني اروح معاه هو و رأفت علشان نوقع ع العقد وانا رحت غصب عني بس مكنتش اعرف ان اليوم ده هيبقى أجمل يوم فحياتي.
التمعت عيناه بالدموع و ملامحه بالحنين هاتفا :
- شوفتها و انا داخل جري لاني اتأخرت و خبطت فيها ساعتها حسيت بالزمن اتوقف ... كانت لابسة فستان أبيض خلاها زي الملاك و عينيها فيهم لمعة قوية بس بتشدك ناحيتها سحرتني بجمالها و شخصيتها ويوم عن يوم اتعلقت بيها اكتر و حبينا بعض بس انا غلطت معاها و كان تمن الغلطة ده غالي.
تحشرج صوته و انقلب وجهه العاشق بهوس لآخر حاقد وهو يضغط على فكه مغمغما :
- رأفت اللي كنت معتبره زي أخويا راح اتقدملها وهي لأنها كانت زعلانة مني حبت تسترد كرامتها وتنتقم مني فوافقت عليه ... هو صحيح مكنش بيعرف اننا بنحب بعض لاني سبق وكنت واحد بتاع علاقات عابرة و بحب الجمال ف افتكر ان مشاعري ليها كانت اعجاب سطحي بس معرفش اني كنت بموت كل ليلة وهي معاه في نفس الأوضة.
لما حملت و خلفتك مكنتش عارف اذا لازم عليا أحبك لأنك ابن اخويا ولا أكرهك لأنك ابن الراجل اللي سرق حبيبتي مني فقررت اسافر لاني مش هقدر اعيش مع الوجع ده ساعتها اتحركت مشاعر فيروز اخيرا وانا قدرت اجذبها ناحيتي تاني و الباقي انت بتعرفه كويس.
على فكرة من بعد الحادث بدأت فيروز تنفر مني و شويا شويا بدأت لمعة الحب تختفي من عينيها لحد ما قررت تعترف بكل حاجة ....
Flash back
( - سيب ايدي بقولك انت بتعمل ايه !
صاحت بعصبية محاولة التملص من يديه لكنه أوقفها صارخا :
- اسيبك عشان تروحي تعترفي بكل حاجة لرأفت عايزاه يخرب بيتنا.
- أيوة هعترف و اقوله اني كنت بخونه متخفش مش هجيب سيرتك ولا اخربلك بيتك مع مراتك و بنتك بس انا خلاص مبقتش مستحملة اعيش بالذل ده كتير ... انا فيروز اللي الكل بيترمى تحت رجليها من نظرة واحدة وسخت نفسي علشان راجل مكنتش عنده جرأة يوقف في وش أخوه ويقوله انه بيحبني و عايز يتجوزني و بسببك ابني وقع من على السلم و اتأذى انت مش شايف حالته بقت عاملة ازاي و كله لأنك رجعت دخلت لحياتي و بوظتها.
هدرت فيروز بحدة لكن عادل رمقها بإستنكار هاتفا :
- بسببي ليه انا غصبتك تخدعي جوزك و توهميه انك مروحة لصاحبتك و تستغلي ابنك عشان تعرفي تطلعي من البيت بسهولة ؟ فوقي يا فيرو احنا كل حاجة عملناها كانت بتخطيط منك.
صعقت ملامحها و تسمرت مكانها تستقبل هذه النظرات و النبرة الجديدة منه ، لقد كان يحدثها بتعجرف و إستحقار ، نعم لقد استشعرت هذا في صوته وكأنه يخبرها أنك انت التي قمت بعدة خطط و خدع لكي تأتِ لي.
فإرتجفت شفتاها و غص قلبها بألم دارته سريعا وهي تقول بنبرتها القوية المعتادة :
- تمام ده غلطي لوحدي وانا مستعدة اتحمله انا هقول لرأفت اني كنت بخونه ومش هتهمني الفضيحة ولا السمعة لاني أذيت نفسي بنفسي لما أذيت جوزي و ابني معايا ... هعتذر منه و اديله الحرية يعمل فيا اللي عايزه ممكن يقتلني و ممكن يطلقني و ياخد عمار مني بس صدقني يا عادل انا مبقاش يهمني خالص.
- انتي ليه بتعملي كده مش كنتي بتحبيني و اتفقنا تطلقي منه عشان اتجوزك ليه بتضيعي علينا الفرصة ديه ؟
- انا حتى لو اطلقت منه مش هتجوزك لاني كنت بحبك يا عادل بس بحب ابني اكتر و يوم اللي وقعته من غير رحمة بدأت اكرهك ساعتها.
- يعني كنتي عايزة مني اسيبه عشان يمشي يقول لأبوه اني كنت معاكي انتي مجنونة اساسا كل اللي بيحصل ده بسببك لانك لو متجوزتيش رأفت عناد فيا كنا هنبقى سوى ومع بعض دلوقتي و عمار كان هيبقى مني انا مش من أخويا ! و دلوقتي بردو جاية تعندي معايا.
وضعت يدها على رأسها بعصبية ثم دفعته عنها مرددة :
- انتهى الكلام ما بيننا انا هروح لعند رأفت و اعترفله خليني اخلص من الكابوس ده.
حدجته بغضب و التفت لكي تغادر و قبل أن يمنعها عادل وجدها تتوقف من تلقاء نفسها و عيناها تتدحرجان في المكان بدوار حتى وقعت على الأرض مغشيا عليها ! )
Back
نزلت دمعة حارقة من عينيه مكملا :
- خدتها وجريت بيها للمشفى و ساعتها عرفنا بمرضها و للاسف هي كانت في مرحلة متقدمة جدا منه ومش هنقدر نعالجها يومها فيروز منزلتش ولا دمعة و قالت ان ده عقاب من ربنا على اللي عملته ومش عايزة تموت بسهولة لا هي عايزة تتعذب فكل لحظة عشان تتعاقب ... و ماتت بعدها بكام شهر.
كان قلبه كجمرة من النار ألقيت داخل جسده فأحرقته ، شعر بالدموع تخنق عيناه و سوط من اللهيب يجلده بقسوة وهو يستمع لكلامه.
لقد ندمت والدته على خيانتها و فضلت طفلها على حبيبها كانت تريد التكفير عن ذنبها اتجاهه بعد وقوعه لأنه لم يهُن عليها ، و لكن هل هذا يكفي من أجل مسامحتها و نسيان ما حدث ؟
اللعنة لقدر تدمرت حياته و أصبح كالاشيء عانى طويلا من الكوابيس و أفسد علاقته بالمرأة التي يحبها و هذا كله لأن المرأة القوية داست على كبريائها في سبيل من تحبه ثم عندما أرادت التوبة لم يسعفها الوقت و ماتت !
أغمض عيناه ببطء يعتصر دموعه التي أصبحت كالوديان من كثرتها ثم حدق في عادل و همس :
- اقتلني.
- ايه ؟
- لو قتلتني دلوقتي هتقضي حياتك كلها في الحبس بس لو مقتلتنيش اوعدك اني هخليك تموت بأبشع طريقة يا عادل.
شعر بالإستفزاز و العجز يحومان حوله فتلكأت يده على السلاح وهو ينوي فعلا التخلص منه لأنه لا يوجد خيار آخر الآن ، اللعنة كيف وقع في الفخ و انقلبت الأمور عليه كان من المفترض أن يكون هو من يخدع عمار طوال هذه الفترة و يجعله يعيش في حيرة لا يدري من العدو ومن الصديق لكن بسبب غفلة واحدة منه تحطم ما بناه في السنوات الماضية و انقلبت الأدوار ليصبح عادل الضحية.
و الآن ماذا سيفعل و كيف سينجو من قضبان السجن حتى و إن قتله !
لاحظ عمار إضطرابه و حيرته فنضحت منه عيناه مدى رغبته في الإنتقام و أصبحت ملامحه إجرامية تنوي قطع أنفاسه لا محالة ، لذلك قاوم الصداع الذي يكاد يفتك برأسه و تقدم منه بخطوات بطيئة فأطلق عادل رصاصة مرت من جانبه صارخا :
- قولتلك متتحركش انت مبتفهمش !
إبتسم بهوس و قال بينما يلعب على أعصابه :
- مفيش داعي تفكر في طريقة للهروب لأنك وقعت خلاص المفروض تفكر في حياتك اللي هتقضيها بين اربع حيطان و صورتك اللي هتتشوه و عيلتك اللي هتكرهك لما تعرف اللي عملته ... صدقني ساعتها محدش هيبص في وشك حتى.
- اخرس انا عادل البحيري اللي لحد امبارح بس كنت مخليك عايش في حيرة و بتعيط على ابنك و مش عارف تقف على رجليك حتى انك أهملت شغلك وكنت هتخسر كل حاجة ايه معقول نسيت بالسرعة ديه.
- بطل تبص لأمجادك في الماضي و تتحسر عليها انا دلوقتي اهو واقف قدامك بعد ما اتجاوزت كل اللي حصلي بس انت بص لحالتك ديه و شوف قد ايه بقيت ضعيف و ذليل جرايمك كلها اتكشفت و طلعت ندل و خاين لأخوك كمان اعتقد مفيش صفة *** من ديه عشت طول عمرك قليل و في المرتبة الثانية و هتفضل كده و نهايتك هتبقى أسوء بكتير كمان.
همهم ببرود مصطنع وهو يتعمد التقليل منه لكي يغضبه لأنه يعلم بأن نرجسية آل البحيري تجعلهم يصابون بالجنون عندما يشعرون بالعجز و الفشل.
فكان له ذلك عندما رأى وجه عادل يحمر بجنون ليقترب منه بغير حساب مزمجرا :
- لا عاش ولا كان اللي يخليني في المرتبة التانية انت فاهم انا طول عمري السيد عليكم و أذكى واحد فيكم و هفضل كده بس انت اللي ....
لم يسعفه الوقت لينهي جملته لأن عمار باغته بضربة على ذراعه جعلته يسقط المسدس و ما كاد يتأوه بألم حتى عاجله بضربة أخرى على رأسه ليرتمي جسده على الأرض ، إنحنى عليه عمار و قبض على عنقه بقوة قاصدا قتله وهو يصرخ بعدائية :
- انا استنيت اليوم ده كتير قضيت طفولتي و شبابي وانا بحاول افتكر وشك و اخيرا افتكرتك وعرفت انك السافل اللي لعب بحياتي و خلى الماضي و الحاضر بتوعي كابوس ... انت بتقول كنت بحب فيروز ليه انت بتعرف يعني ايه حب ازاي قدرت تبص في وش اخوك و مراتك و بناتك بعد ما خنت ثقتهم و ضحكت عليهم !
إختنقت أنفاسه و إحمر وجهه بألم فحاول أبعاد يدي عمار عنه لكنه لم ينجح من أول مرة حتى استطاع دفعه و توالت بينهما الضربات و اللكمات و كان عادل ينوي الوصول الى المسدس ولكن الآخر سبقه و ضغط على الزناد ينوي قتله و الإنتقام لكن في اخر لحظة جالت صورة مريم في ذهنه عندما أخبرته قبل مجيئه إلى هنا بأنها تنتظره.
صدقا هو لا يهمه السجن لأنه سينتقم لشرفه ولن يندم لكن هل وغد مثل عادل يستحق أن يضيع حياته مع حبيبته من أجله ؟
و أثناء هذا التفكير سمع صافرات الشرطة فضرب الأرض بقدمه حانقا لأنه لم تسنح له الفرصة لقتله ، أما عادل فعندما رأى السيارات تقترب منه أدرك أنها النهاية لا محالة غير أن غريزة البقاء كانت موجودة بداخله لذلك و كمحاولة بائسة منه هرب الى سيارته صائحا بجنون :
- مستحيل اقع في ايدكم.
تفاجأ عمار و ركب سيارته هو الآخر ثم انطلق يجري خلفه مهمهما :
- مفيش مكان تهرب ليه خلاص كل الطرق اتقفلت في وشك يا عادل.
رن هاتفه بإتصال من وائل و عرف بأنه يطلبه لكي يخبره بإلزامية التوقف و عدم مطاردته لذلك ألقى بالهاتف بعيدا عنه محاولا السيطرة على ألم رأسه و ظل يلحقبه ، بينما عادل فكان يقود بأقصى سرعة لديه وهو يتوعد يداخله على الإنتقام من كل فرد أذاه و أخذ حقه لكن في خضم شروده و نظره المستمر الى الخلف قصد رؤية عمار لم يلاحظ وجود عمود كهربائي أمامه و عند رؤيته انتفض بصدمة و ضغط على الفرامل لكن حركته المفاجئة تسببت في فقدانه السيطرة على القيادة و في لحظة كانت العجلات تحتك في الأرض بقسوة ثم انقلبت سيارته عدة مرات تحت صراخه حتى اصطدمت بالأشجار الموجودة على طرف الطريق وقد تحولت السيارة لخردة !
____________________
" حادث مروري مريع يودي بحياة رجل الأعمال عادل البحيري و يقتله في عين المكان " ، تلكأت عيناها على الخبر الحصري فشهقت بعنف و انتفضت مكانها مصعوقة مما تقرأه حتى خُيِّل لها بأنها تتوهم و لكن تكرار الخبر في عدة مواقع و قنوات أكد لها بأن هذا صحيح لتضع يدها على فمها بذهول و تهمس :
- عادل بيه اتوفى ازاي لسه من شويا كان مع رأفت بيه في الفرح !
نهضت عن السرير و ارتدت ملابسها على عجل و غادرت البناية متجهة الى المستشفى التي ذكرت في الأخبار فوجدت الصحافة تغزو البوابة الأمامية و السيارات الفاخرة تحيط بالمشفى لتدرك بأن أفراد العائلة متجمعة هنا ، لم تستطع الدخول و فكرت بالإتصال به لكنها تراجعت و قررت الإنتظار الى حين هدوء الوسط.
*** داخل المستشفى كانت العائلة منهارة و تحت الصدمة سعاد تقف بجانب رأفت الذي كادت خفقات قلبه تتوقف لكنه تماسك بصعوبة ، و فريال التي تكفلت أختها بتهدئتها أما ندى فتعرضت لإنهيار عصبي ووقعت مغشيا عليها ليسندها يوسف و يحتضنها مواسيا إياها وهو لا يكاد يصدق بأن الزفاف إنقلب الى جنازة بهذه السرعة و تحولت الفرحة لحزن و فقدان.
و من بعيد كان عمار واقفا يحدق فيهم بجمود و نظرات ميتة خالية من الحياة ، لا يزال يتذكر ما حدث قبل ساعات حينما واجه عمه فإعترف له بجرائمه و خيانته و قبل أن يأخذ جزاءه و يعاقب تعرض لحادث فضيع أودى بحياته على الفور !
لقد كان الحادث مريعا جدا و شعر للحظة بأن القدر أنصفه و حقق له كلامه عندما أخبر عادل بأنه سيموت بأبشع الطرق ، هو يكاد لا يصدق لغاية الآن من الأساس لدرجة ظن فيها بأنه يحلم في لحظة واحدة انقلبت حياته و أدرك بأن عشيق والدته هو عمه الذي كان يعتبره مثل أب له و في اللحظة الموالية وجده جثة هامدة داخل سيارته دون حتى أن يتسنى له معاقبته بما يستحق ، لقد مات بسرعة وهو لم يستحق هذا الشرف أبدا !
تنهد عمار بشحوب و إرهاق ليفيق على لمسة من يد أحدهم فإستدار ووجد وائل الذي كان يطالعه بشفقة داراها سريعا وهو يغمغم بهدوء :
- البقاء لله.
أومأ ببطء متمتما :
- انا مش فايق دلوقتي ممكن ...
قاطعه الآخر سريعا :
- انا جيت علشان أعزيك يا عمار و هنبقى نتكلم في موضوعنا فوقت تاني ... بس دلوقتي انت لازم تقعد و ترتاح لان حالتك مش بخير.
جلس عمار على المقعد خلفه بينما طالعه وائل وهو لا يدري ما يجب عليه قوله الآن ، لقد خططا معا لسحب الإعتراف الصوتي من عادل و اتفقا على مكان اللقاء و فعلا تحصل على التسجيل الصوتي لكن قام عمار فجأة بإغلاق الخط فلم يتمكنا من التنصت عليهما أكثر كما أغلق الجهاز الذي يوصله إلى موقعه فوجد صعوبة في الوصول لمكانهما بعدما غير مكان اللقاء في آخر لحظة لسبب هو لا يعلمه.
لكن الذي يدركه جيدا بأنه قد حدث شيء كبير بينهما و أدى ذلك لإنهيار عمار بهذا الشكل فلا يعقل أن يكون جامدا هكذا وهو يعلم منذ وقت طويل بأن عمه هو نفس الشخص الذي كان يترصد له و أذاه بأبشع الطرق ...
بعد دقائق غادر وائل و بقي عمار بمفرده ، أسند رأسه على الحائط خلفه و أغمض عيناه يتذكر ما حدث و كل كلمة قالها عادل قبل وفاته و يكاد لا يصدق بأنه حقيقي !
فكيف ترتفع مستوى الدناءة في الشخص لدرجة أن يقيم علاقة مع زوجة أخيه بحجة أنها كانت حبيبته يا الهي كم هذا مقرف يقسم بأن مجرد التفكير في هذا الأمر يجعله يشعر بالغثيان و رغبة في التقيؤ حسنا ربما لو توقفت جرائمه عند قتل طفله لحزن على موته لمجرد أنه كان يعتبره أبا في يوم من الأيام.
و لكن الآن بعدما عرف بحقيقته القذرة يحزن فقط لأنه لم يستطع قتله بنفسه.
بعد قليل جاء يوسف و قام بتعزيته فشكره بهدوء و أوصاه بعدم الاتصال بوليد فهو لا يريد إفساد فرحته في اليوم الذي انتظره طويلا و كان له ذلك و بينما يجلس عمار وحيدا شعر فجأة بيد توضع على وجهه و اعتقد أنها مريم ففتح عيناه سريعا لكن ظنه خاب عندما رأى سعاد التي طالعته بحنانها المعتاد.
اضطربت ملامح وجهه و خفق قلبه بتوتر متسائلا :
- في ايه بابا كويس ؟
كاد ينهض ليطمئن عليه خوفا من أن يكون قد تعب ثانية لكن سعاد أوقفته قائلة :
- أبوك كويس يا حبيبي انا جيت اطمن عليك لاني شايفاك عامل ازاي دلوقتي.
ترقرقت عيناها الحمراوتان بالدموع و تحشرج صوتها الباكي :
- احنا كلنا عايشين في صدمة ومش مصدقين ان عادل اتوفى ده كان معانا من كام ساعة بس ده قضاء ربنا ومبنقدرش نعترض عليه.
هز رأسه بخفوت لتمرر يدها على وجهه متابعة حديثها الذي يبعث في نفسه الراحة دائما لطالما كانت هي مثل البلسم على جراحه تسنده و تطيب روحه حتى وهي في أعز إحتياجها للمساندة تماما مثلما كانت جدته صحيح أن بعضا من الذين جمعته معهم قرابة الدم غدروا به ولكن الله عوضه باِمرأة مثل السيدة سعاد وقد اعتبرته هي إبنها و فعلت المستحيل لتكسب حبه و احترامه !
ربتت عليه سعاد مجددا و نهضت لكي تغادر لكنه أمسكها بتلقائية هاتفا :
- ماما ... متمشيش.
وقفت مكانها متسمرة بصدمة و خُيل لها بأنها تتوهم لكن لمسته ليدها جعلتها تلتفت إليه بعينان متسعتان فوجدته ينظر إليها مغمغما :
- لما جيتي لبيتنا اول مرة انا كنت كاره وجودك ومش متقبلك افتكرتك هتؤذيني و تبعدي بابا عني بس لما شوفت حنانك و عطفك اللي مشفتوش من أقرب الناس ليا و مساندتك و حنانك عرفت ان مش شرط تبقى بيننا صلة دم علشان تعتبريني ابنك وانا اعتبرك والدتي ... انتي أمي.
شهقت بكبت و انهالت عليه تعانقه بقوة و تبكي بتأثر ، لقد انتظرت أن تسمع هذه الكلمة طويلا منذ زواجها الأول و الذي انتهى بالطلاق لأنها لا تستطيع الإنجاب و عندما طلب رأفت يدها للزواج علمت جيدا بأنه يريدها لكي نقطة الفراغ في حياته فقط ورغم هذا وافقت لأنها ستحظى بتجريب إحساس الأمومة و يشهد الله عليها أنها لا ترى عمار سوى كإبن لها.
ابتعدت عنه بعد دقائق وضمت وجهه مهمهمة :
- انا مش عارفة ازعل ع اللي حصل ولا افرح لأنك اعتبرتني أمك بس صدقني انت حققتلي اللي بقالي سنين بحلم بيه.
قبل جبينها بإحترام و أجابها بصوت مبحوح :
- و حضرتك ادتيلي الحب اللي بيحتاجه كل طفل انا عارف اني كنت سيء معاكي و جرحتك اكتر من مرة لما كنت في فترة مراهقتي و أذيتك بالكلام بس حضرتك عمرك ما حسستيني اني مش ابنك و سامحتيني على اغلاطي علشان كده انا مهما شكرتك هيفضل قليل في حقك.
أمسك يدها و قبلها فإعتصرت سعاد دموعها و طلبت منه بنبرة أقرب للرجاء :
- قولي الكلمة ديه تاني خليني اسمعها منك.
- ماما.
قالها عمار بغير تردد و عانقها مجددا وهو يشعر براحة كبيرة ، هذه أول مرة يسمح فيها لأحد بالإقتراب منه عندما يكون غاضبا ومنكسرا حتى أنه منذ قليل فقط كان يتوق لمغادرة المستشفى و البقاء بمفرده تحت سيطرة هواجسه لكنه علم كم يحتاج لشخص يقف بجانبه الآن و كانت هي ... والدته التي لم تلده !
بعد دقائق ابتعدت عنه و مسحت دموعها مرددة :
- انا مش عايزة اسيبك لوحدك هنا بس لازم اشوف باباك.
- وانا هجي معاكي علشان اطمن عليه.
نهض ليسير بجوارها لكن سعاد أوقفته متحججة بأنه لا داعي لهذا الأمر الآن ثم ذهبت و تركته مستغربا لكن استغرابه زال و حل مكانه التشتت عندما لمح مريم من بعيد تسير ناحيته بلهفة فعقد حاجبه معتقدا بأنه يتوهم حتى وقفت هي أمامه و عانقته سريعا دون أن تقول كلمة.
ظل الآخر صامتا للحظات و يداه في الهواء ليستوعب في النهاية بأنها حقيقية ، ابتعدت عنه بعد ثوان هامسة :
- انت كويس انا قلقت عليك و معرفتش ...
- انتي دخلتي ازاي ؟
عاجلها بالسؤال بجمود فإبتسمت مجيبة :
- انا كنت قاعدة برا و شافني واحد من الحرس بتوع عيلتك اتصل بمرات والدك المدام سعاد وبعد ما خلص كلام معاها جه لعندي وساعدني ادخل اكيد هي اللي قالتله يعمل كده.
هز رأسه بإيجاب لتلاحظ مريم سوء حالته فأمسكت يده و أخذته لرواق فارغ و ظلت تردد عليه كلمات التعزية و المواساة حتى غمغم فجأة بصوت قاتم :
- طلع عمي الراس المدبر اللي عمل الجرايم ديه في حقنا و سممك و قتل ابننا وكان ورا كل حاجة حصلتلنا.
شهقت مريم ... و تصلبت مكانها كما لو أنها تلقت رصاصة أبادتها ، مادت بها الدنيا وشعرت بنغزة تصيب منتصف قلبها فإتسعت عيناها مصعوقة و ارتدت للخلف تهمس بتقطع :
- ايه ... مين ...
- انا كشفته من وقت طويل وكنت مستني الفرصة عشان نجمع كل الدلائل ضده ... هو مات قدام عينيا.
رد عليها بوجوم و طفق يسرد لها كل ما حدث بداية من حل شفرة سليم الى مواجهة عمه حكى لها كل شيء محتفظا بالسر الأخير لنفسه ... و عندما انتهى نظر اليها ووجدها تطالع الفراغ بجمود ، بأعين دامعة و روح مفطورة.
لا تصدق بأن ذلك الوغد الذي قتل طفلها و حرمها من إحساس الأمومة كان يتواجد من حولها لأشهر طويلة و يتعجرف عليها ملقيا عليها نظرات مشمئزة و تلميحات مهينة كأنها هي من أخطأت بحقه وليس العكس !
عم زوجها هو المجرم لقد كان أمامها وهي لم تعرفه و عندما أدركت هويته كانت قد فقدت الفرصة في الإنتقام و أخذ قصاص جنينها لأنه مات و انتهى الأمر !
لمعت عيناها بالغضب و قبضت على تلابيب قميص عمار مهمهمة بتحشرج و دون وعي لكلماتها :
- انت ازاي ... ازاي خبيت عليا و ليه ... ليه حرمتني من فرصة اني انتقم منه يا عمار ... ازاي سمحتله يموت قبل ما يتعاقب !
طالعها بملامح باردة دارى خلفها إنكساره ثم قال :
- مش هلومك لان معاكي حق في غضبك انا خبيت عليكي عشان متفقديش اعصابك قدامه قبل ما ندبر ريكورد ليه وهو بيعترف بجرايمه بس فجأة الموضوع طلع عن سيطرتي وهو حاول يهرب بس عربيته اتقلبت في اخر لحظة ... فياريت تقدري وضعي حاليا و تبطلي تلوميني لان حالتي مش هتبقى أسوء من حالتي.
نزع يدها من قميصه و استند على الجدار خلفه بدون حرف اضافي لتنظر له مريم وقد استوعبت بأن الشخص الذي تكرهه و تحزن لأنها لم تجد فرصة للانتقام منه هو عم عمار الذي عاش معه تحت سقف واحد حتى كاد يتزوج إبنته ، فوهنت ساقاها و تهدل كتفاها مستسلمة للخدر الذي شاب جسدها و مرت الدقائق عليهما وهما صامتان لا تسمع سوى أصوات أنفاسهما ...
- أنا حاسس نفسي في لعبة.
همهم بنبرة خالية من الحياة وهو ينظر اليها بملامح متخشبة ثم تابع مبتسما بهوس :
- لعبة مين اكتر حد ممكن يؤذي عمار و يخونه و اللي يكسب يتفضل و يطعنني في ظهري بشرط اللعيبة تكون بتقربلي.
أمطرت عيناها بالدموع من حالته وهي تدرك جيدا أنه ليس في وضع متوازن و التاع قلبها الذي تأرجح بين عيش ألمها على صغيرها أو مواساته بحكم أن المجرم الذي بحثا عنه طويلا كان عمه ، ثم درأت عنها حيرتها و اختارت الوقوف بجانبه في هذه اللحظة ووضع غضبها و حزنها جانبا لكنها رأت شفتاه تتسعان في بإبتسامة مزدرئة مغمغما بجمود فضيع :
- محدش منهم نظيف ... ولا بيستاهل حبي ليه.
- عمار اهدا أرجوك.
غمغمت باكية وهي تحاول إحتضان رأسه حتى ترحمه من وطأة بشاعة الموقف الذي أقحم فيه ، لكنه كان متخشبا كالجثة بعينان حمراوتين خاويتين و سرعان ما نظر اليها هاتفا بكبرياء مكسور :
- متخفيش عليا مش هموت نفسي ... انا عمار البحيري اللي محدش بيقدر يكسره و بالنسبة ليا الموت أهون من كل اللي عشته.
انشطر قلبها نصفين محدقة فيه بنحيب وصل لمسامعه فإستقام في وقفته و حاول إبعادها عنه لكي يغادر فهو لن يتحمل فكرة أن تراه بهذا الضعف ، لقد سبق و عاش كل أوجاعه بمفرده لن يسمح لأحد بإقتحام قوقعته حتى لو كانت المرأة التي يحبها.
و لكن مريم أوقفته هاتفة بدموع :
- انا عارفة انت بتحس ب ايه يا عمار ممكن وجعك مختلف عن وجعي لأنك اتخذلت من أقرب الناس ليك ومش هقدر أفهمك بس انت مش مضطر تعيش ألمك لوحدك شاركني فيه و خليني اشيل عنك شويا زعق و اتعصب و هزق و كسر بس متفضلش جامد كده.
كلماتها كانت كالقطرة التي أفاضت الكأس فأخذ نفسا عميقا ساحبا إياه لرئتيه و أشاح وجهه ليدرأ عنها ضعفه و لكنه لم يلاحظ أن غشاوة عينيه لم تعد كذلك عندما سقطت عبراته أمامها مبللة وجهه فصعقت مريم و جزعت من تلك الدموع الحارة الغاضبة و ارتجفت يداها بهول ما تراه.
لقد بكى ، شهقت بلوعة وهي تفكر أن هذه أول مرة ترى فيها دموعه فضمت وجهه بين يديها و أجبرته على النظر ناحيتها متمتمة بحرقة :
- انت إنسان عندك طاقة محددة ومش مجبور تفضل قوي ع طول خليني اشيل عنك الحمل ولو لمرة واحدة.
تهدل كتفه و خذله تماسكه المصطنع لتنهمر دموعه أكثر و يهمس :
- مريم انا تعبت ... بجد تعبت ومش قادر استحمل اكتر من كده حاسس اني مش هقدر اقف على رجليا تاني خلاص انتهيت.
هزت مريم رأسها تنفي سريعا و ضغطت عليه هاتفة :
- بس انا معاك دايما ومش هسيبك ولا هخذلك تاني ...هبقى رجليك لو مش هتقدر تمشي و عيونك لو مش قادر تشوف و لسانك اذا حسيت نفسك مش عارف تتكلم ... أنا بحبك و هفضل جمبك و اسندك لما تحس نفسك مش قادر تستحمل.
كانت تتكلم بقوة غير مبالية لكمية الدموع المتساقطة على وجهها فناظرها عمار بشك و عدم تصديق بعدما تزعزعت ثقته بها و بالجميع مجددا بسبب ما عرفه و لكنه في هذه اللحظة كان يحتاجها أكثر مما مضى ، و قرر رمي حمله على أحد غيره و مشاركته ألمه لأول مرة فإستسلم لها و أنحنى برأسه على كتفها فإلتقفته مريم سريعا محتضنة إياه و بداخلها تتمنى لو تنتقل كل أوجاعه إليها ...
__________________
مر أسبوع على إقامة جنازة عادل البحيري و هدأت الأوضاع في الخارج و تناسى الجميع موضوع وفاة رجل الأعمال لينشغلوا بأمور أخرى ...
ولكن الوضع كان مختلفا داخل قصر آل البحيري بعدما كُشف بأن عادل كان يقود بسرعة جنونية في مكان معاكس لوجهته اليومية و أن سيارات الشرطة كانت تلحق به رفقة عمار أيضا فإنقضت عليه فريال تصرخ و تتهمه بأنه من تسبب في قتل عمه انتقاما منه بسبب خلافاتهم في العمل إلا أن هذا الأخير لم يظهر رد فعل بل بقي يحدجها بنظرات أربكتها و جعلتها تقول بحدة :
- انت ساكت لأنك مش لاقي حاجة تقوله صح متفاجئ لأننا كشفناك على حقيقتك !
هاجمته منال التي جاءت للبلد عند سماعها بموت أبيها فصاحت بغضب :
- ما تنطق يا عمار و تقول ليه البوليس كان بيجري ورا بابا وانت معاهم و ازاي عمل الحادث وهو طول عمره بيعرف يسوق.
بقي صامتا فقرر رأفت تولي زمام الحديث هذه المرة و نطق بالذي فاجأهم جميعا حتى ابنه نفسه :
- عادل و عمار كانو سوى ليلة الحادث صحيح لأن ابني كان بيحاول يومها يسحب منه اعتراف ع جرايمه اللي عملها في حقه و حق عيلتنا كلها.
- ايه الكلام اللي بتقوله ده !
تنهد رأفت و بدأ بسرد كل الحقائق عليهم دون أن يهمل تفصيلا واحدا لدرجة أن وجه عمار شحب وهو يتخيل بأن والده كشف خيانة شقيقه مع زوجته و سيدلي بهذا الخبر عليهم ومع أن هذا لم يحدث و لم يخبرهم أيضا بمسألة إجهاض مريم إلا أنه كان متفاجئا و يتساءل كيف علم بكل شيء هكذا ، ساد الصمت في الأجواء لتنهض ندى و تصرخ بعصبية :
- انتو كدابين اختلاسات ايه و قتل ايه عايزين تفترو على بابا براحتكم لانه ميت ومش هيعرف يدافع نفسه معقول تنزلو للمستوى ده.
تابعت منال بنفس العصبية :
- هو ازاي اقنعك يا عمي بالكدبة ديه حضرتك مصدق ان أخوك اختلس و عمل حاجات غير قانونية.
- عمار مقاليش حاجة بالعكس هو كان ناوي يخبي الحقيقة عشان ميشوهش صورة ابوكم في عينيكم بس وائل اللي كان بيحقق في القضية ديه قالي ع كل حاجة يوم الجنازة فحال لو حبينا نرفع قضية و نحجز على أملاكه كتعويض ... عمار رفض و قال انه مش عايز حاجة فكان لازم وائل يكلمني بما اني أكبر واحد في العيلة وانا كمان مش عايز حاجة يا منال لاني بعتبرك انتي و ندى زي بناتي بالضبط و فريال زي أختي و عارف انكم ملكوش دعوة باللي عمله عادل ... وبتقدرو تشوفو الاثباتات بعينيكم لو مش مصدقين.
هنا تكلم عمار بهدوئه المعتاد بينما يحدجها هي من بين الجميع :
- بس اكيد فريال هانم مش محتاجة دليل يا بابا لانها عارفة كل حاجة من الاول مش كده.
اتسعت عيناها بذهول و تلجلجت نافية بدفاع :
- لا طبعا انا ...
- مفيش داعي تكدبي لاني سمعتكم من اسبوعين وانتو بتتكلمو في الموضوع دخو بتحذريه يكشف نفسه.
توالت الصدمات على أفراد العائلة ولم تجد الأخرى ما تدافع عن نفسها به فطأطأت رأسها تعطي بذلك اعترافا صريحا عن صدق حديثه إلا أن منال التي رفضت تلقي هذه " الإهانة " اقتربت منه صائحة :
- لو كلامك صحيح ليه متواصلتش مع البوليس مباشرة انت قعدت تلعب عليه وتوقعه في الفخ ليه يا عمار.
- عشان كان عندي حساب تاني معاه.
- حساب ايه ؟ والله لو عايز تصفي حسابك مع كل واحد أذاك كان المفروض تبدأ بمراتك اللي فضحتنا و أهانتك و خلت اللي ما يسوا يتفرج عليك و يفتري ع عيلتنا مش هي كمان عملت المسرحية ديه علشان الفلوس و التعويضات لما عرفت انك خلاص هتتجوز غيرها ؟
هدرت منال مستهزئة فجز على أسنانه و اقترب منها مزمجرا بخشونة :
- لو هم مريم الفلوس مكنتش رضيت بالشروط اللي حطيتها في اول جوازنا ولا رضيت تعيش في الخفاء بس هي كرهتني و حبت تنتقم مني لأني اذيتها وجرحتها وكمان لان الجنين اللي سقطته مكنش بسبب مشاكل صحية زي ما انا كنت فاكر ... لا الحادثة كانت مقصودة و ابننا مات بسبب أبوكي اللي بعتلها شوكولاطة مسمومة مع سليم و أوهمها اني انا اللي عملت كده.
انتفضت النساء بصدمة ليكمل بعنهجية و فقدان أعصاب :
- بسبب ابوكي مراتي فضلت سنة ونص وهي بتعاني لوحدها سقطت وعرفت انها مش هتقدر تحمل تاني بسهولة علشان كده حبت تنتقم مننا وعندها حق لانها مشافتش الخير من ساعة لما كتبت كتابي عليها.
تبلمت منال و انتهت الحروف من لسانها مثل الجميع و أولهن سعاد التي ضربت يدها على صدرها مصعوقة بهذه الحقيقة كيف لا وهي تعلم جيدا معنى الحرمان من الأولاد لكن الفرق أن مريم كانت ستنجب لولا أنها تسممت و من عم زوجها أيضا يا الهي مالذي يحدث في هذا القصر لقد اتضح بأن الأسس التي قام عليها مهترئة !
لم يهتم عمار بصدمتهم و غادر القصر وبعد ساعات كان يقف بجوار ريماس في أحد الأماكن العامة و يقول بتجهم :
- انا قولتلهم كل حاجة مكنتش عايز اتكلم لان المسألة ديه حساسة بالنسبة لمريم وعارف انها مش هتحب تتحط في موضع الضعيفة قدام عيلتي بس انا متحملتش ظلمهم ليها اكتر من كده كفاية انها معاتبتنيش ع سكوتي طول المدة ديه و وقفت جمبي في الوقت اللي كانت فيه اكتر واحدة محتاجة لحد يواسيها.
زفر بضيق و نظر له مستطردا :
- وكمان انا حاسس نفسي مش قادر ابص في وش حد بعد ما عرفت ان أمي كانت ... بتخون والدي مع أخوه مش قادر اتعايش مع الحقيقة ديه ولولا الجلسات اللي عملناها الاسبوع اللي فات كان ممكن اعمل حاجة فنفسي.
هزت رأسها بتفهم وهي ترمقه بنظرات ثابتة متذكرة اياه عندما جاءها منهارا و غاضبا يصرخ مرددا بأن كل الناس مخادعون ولا يستحقون ذرة حب أو ثقة ... يومها انصدمت هي عندما علمت بأن الرجل الذي لم يترك شيئا سليما في حياته و أذاه بكل الطرق الممكنة هو عمه ! و بصعوبة كبيرة استطاعت تهدئته لكنها لم تقدر على جعله يخرج من قوقعة الإزدراء التي أغرق نفسه بها فهو يشعر بالذنب لأنه عجز عن محاسبة عمه قبل موته كما أنه مشفق على والده الذي تلقى الخيانة من الطرفين.
تنهدت و تمتمت بتعقل :
- بطل تلوم نفسك يا عمار مش ذنبك ان والدتك اتجهت للطريق الغلط بحجة الحب و ممكن موت عمك فحادثة العربية كان لحسن حظك عشان متستسلمش لغضبك و تعمله حاجة فتضيع حياتك و بالنسبة لمريم فهي بتحبك و فاهمة ان خيانة المقربين منك بتوجعك ب اعتبار ان عمها اتخلى عنها ومقدرش يحميها وقت تحرش ابنه بيها ووقت ضغطه عليها عشان توافق تتجوزك.
- بس انا حاسس اني ... معرفش بس كأن بقى في جوايا فراغ كبير مش قادر امليه ... ببقى عايز انسى كل حاجة و ابعد عن هنا بس فنفس الوقت مبقدرش.
- انت عايز تنسى ماضيك و تكمل حياتك طبيعي بس متنساش ان مفيش حاضر و مستقبل بدون ماضي يا عمار و مهما كان اللي عشته خليه يبقى دافع عشان تكمل و متهربش منه ولا تتجاهل وجوده حاول تتقبله و متلومش نفسك عليه ... زي ما بيقولو " ادفع نفسك كل يوم فسقوط ريشة لا يعني سقوط الطائر "
هتفت ريماس بتلقائية ليلتفت اليها ويحدجها لحظات قبل أن يهمس بشرود :
- الجملة ديه انا سامعها من قبل.
- اكيد قريتها في كتاب من كتب مراتك.
- لأ ... انا سمعتها مقريتهاش وكمان من وقت طويل.
قالها بتشتت و استدرك مردفا :
- و عينيكي دول ... كأني شايفهم من قبل كمان.
تلجلجت ريماس و لم تسعها خبرتها المهنية لإخفاء الإرتباك الواضح على تقاسيمها فسألها عمار بتشكك :
- هو احنا اتعاملها مع بعض قبل كده ؟ ليه حاسس اني شوفتك من فترة طويلة.
حسنت لم يعد هناك مفر إذا ، تنهدت ريماس بإستسلام و نظرت له مبتسمة :
- كان في مكتبة في المدرسة الداخلية بتاعتك بتقضي وقتك فيها أيام الويكاند انت فاكرها ؟
- ايوة.
- طيب فاكر حفيدة صاحب المكتبة اللي كانت بتجي تقعد معاك و ترشحلك كتب هي قرأتها و تجبرك تقراها و بتمتحنك فيها كمان.
اتسعت زيتونيتاه بدهشة و نظر اليها متذكرا تلك المراهقة الجميلة التي كانت تهون عليه وحدته حينما كان والده يرفض قضاء أيام عطل الأسبوع في القصر فيبقى وحيدا في تلك المدرسة ، بالفعل كانت تجلس بجواره و تحكي له عن كتبها و تشرحها له ثم تحضر كوبين من الشوكولاطة الساخنة و تقضي الوقت معه وهي تستمع لصوته وهو يقرأ لها من كتبه المفضلة ، هل يعقل أن تكون هي ريماس ؟ نعم إنها نفسها بشعرها البني الحريري و لون عينيها الممزوج بين الأخضر و الرمادي يا الهي كيف لم يستطع معرفتها من قبل.
لاحظت ريماس تجمده و اعتقدت أنه غضب منها فقالت بتوتر :
- بص انا عارفة انك مبتحبش تحكي مشاكلك لواحد انت بتعرفه بس صدقني انا كنت ناسياك خالص ولما جت ليا اول مرة افتكرتك بحكم اني كنت بسمع عن اسم عيلتك كتير و مكنتش عايزة اقولك عشان تحس براحة وانت بتتعالج عندي يعني مش علشان ااا ...
قطعت كلماتها فجأة عندما ابتسم عمار ثم ضحك مرددا بغير تصديق :
- بجد انتي نفس البنت اللي انا كنت بستناها كل ويكاند عشان تجي للمكتبة ؟ في ثالث سنة ليا سمعت ان جدك اتقاعد و زعلت لاني مش هقدر اشوفكم انتو الاتنين بس متوقعتش اني ارجع اشوفك عمي عيسى فين دلوقتي.
- جدو اتوفى من 4 سنين مع الاسف.
- بجد انا مكنتش اعرف البقاء لله.
ردد بحزن لكونه ذلك العجوز كان يحمل في قلبه محبة ألقاها عليه بدون حساب في أيام مراهقته و كان يجلب له سائر الكتب التي يريدها لذلك كان يحبه حقا وكم أراد لو استمر في العمل ليراه دائما.
أخذ نفسا عميقا و نظر لريماس قائلا بصدق :
- مش هقدر ازعل منك لاني متأكد انك خبيتي عليا عشان اخد راحتي معاكي و من حسن حظي ان القدر جمعني بيكي تاني وكنتي السبب في اني اتحسن ... ثم استطرد ضاحكا بخفة :
- وانا بقول ازاي الدكتورة ديه بتقدر تفهمني بسرعة اتاري متعودة من زمان من لما كنتي بتقعدي تصرعيني بكلامك وتقوليلي احكيلي ايه اللي مضايقك انتي فاكرة.
ضحكت ريماس بدورها مومئة بإيجاب و وضعت يدها على خاصته هاتفة بصوتها الرقيق :
- وقت اللي شوفتك اول مرة حسيت اني بعرفك و قدرت افتكرك بسرعة تصدق اني فضلت زعلانة فترة طويلة عشان مبقتش اقدر اقعد معاك بس لما جت للعيادة فرحت و اتوترت فنفس الوقت ... و دلوقتي انا مبسوطة لانك عرفتني.
طالعها عمار بإبتسامته المهلكة و اقترب منها يعانقها بتلقائية مرددا :
- وانا كمان مبسوط اوي تعرفي عايز اعرفك ع مريم بس بخاف تتفقو عليا.
بادلته الأخرى العناق وهي تضحك ليبتعد عنها بعد لحظات في نفس الوقت الذي اختفت فيه ابتسامته ... وهو يرى مريم تقف بجوار صديقتها و تطالعه بصدمة !!