رواية جمال الاسود الفصل الاول1والثاني2 بقلم نورا عبد العزيز


 رواية جمال الاسود الفصل الاول1والثاني2 بقلم نورا عبد العزيز 

أشرقت الشمس صباحًا وبدأت تخرج العاملات من جناحهم الخاص بالطابق السفلي داخل قصر ملكي أقل ما يقل عنه انه لأحد الملوك وكلا منهن ترتدي زي العمل الرسمي عبارة عن بنطلون أسود وقميص أبيض فوق مئزر أبيض اللون حول الخصر من الجزء السفلي للبدن وبدأ كلا منهن فى عملها المعتادة من التنظيف والترتيب والمطبخ أصبح فى حالة من النشاط لتجهز الإفطار، كان القصر ملكي ومصمم بالألكترونيات والأجهزة الالكترونية على أعلى مستوي خصيصًا أن "جمال المصري" مالكه يملك شركة من أكبر شركات التكنولوجيا والألكترونيات فى الشرق الأوسط، جهاز أمن عالي ويمكن أن يصنع له الأجهزة الألكترونية ما تريده، دلف رجل أربعين من باب المنزل فى تمام الساعة السابعة وقال بهدوء:-

-صباح الخير يا حنان

 

أجابته رئيسة الخدم “حنان” بنبرة هادئة:-

-صباح الخير يا شريف، هتخرجوا أمتي؟


تبسم بعفوية وهو يسير نحو الدرج قائلًا:-

-كمان ساعة ونصف، جهزوا الفطار وأنا هصحيه وعلى ما يخلص فترة الرياضة ويلبس يكون الفترة والقهوة جاهزين  


أومأت إليه بنعم ليصعد إلى الطابق العلوي وكان هادئًا تمامًا على عكس الطابق السفلي، سار فى الرواق حتى وصل إلى الباب الموصود فى الوجهة وفتحته بخفوت ثم دلف بعد أن أغلق مقابض الباب برفق وأتجه إلى الغرفة الأخرى من الجناح وكانت غرفة النوم تتوسطها فراش كبيرًا جدًا يسعى لأكثر من خمسة افراد لكن بداخله فردًا واحدًا، سار إلى الفراش وهمس بنبرة خافتة هامسًا:-

-مستر جمال، الساعة ستة ونص هنتأخر


ألتف “جمال” فى فراشه بخفوت شديد ثم قال بجدية رغم صوته العابس:-

-خلاص يا شريف صحيت، روح وأنا هجي وراك


غادر "شريف" الغرفة تاركًا "جمال" يستعد وفى طريق مغادرته قابل الخادمة تحمل بدلة رسمية خاصة بـ "جمال" ليقول:-

-بسرعة كل دا بتجهزي هدومه والحمام 


أنحنت له بلطف وقالت بنبرة هادئة:-

-أسفة


أومأ إليها بنعم وغادر، قليلًا من الوقت، بدأ "جمال يومه بغرفة الرياضة الخاصة به ليبدأ جولته الرياضية ثم خرج منها إلى الحمام ليأخذ حمام دافىء وبهذا الوقت كانت الخادمة كانت أختارت من أجله العطر ورابطة العنق التي يجب أن يرتديها، خرج من المرحاض وكان كل شيء جاهز بدل ملابسه وصفف شعره حتى سمع صوت "جين" المُتحدث الألي المسؤول عن النظام الأمني فى القصر:-

-صباح الخير يا سيدي، هل أخبرك عن جدولك اليوم


-لا شكرًا لك يا جين


برمج "جين" على اللغة العربية الفصحي من أجل العملاء فى جميع البلدان العربية بأي لهجة يمكن أن يساعدهم، ترجل "جمال" من الأعلي مُرتديًا بدلة سوداء اللون ويرفع شعره الأسود للأعلى ويداعب لحيته بأصابعه بجدية، جلس على المقعد فى مقدمة السفرة وبدأ يتناول طعامه و"شريف" يتلوى عليه جدول أعماله اليوم وهو مُستمعًا جيدًا إليه حتى توقف عن تناول لقمته وعقد حاجبيه بأختناق بعد أن بدأ "شريف" فى نهي حديثه بجملة تزيد من غضب قائلًا:-

-النهار دا هتوصل أرملة أخوك على الموعد المتقف عليه عشان نفتح الوصية


رفع "جمال" عينيه الخضراء للأعلى بقوة وحزم مما جعل "شريف" يبتلع لعابه بقوة خوفًا من رد فعله وكلماته القادمة، تنهدت بضيق وهو يخفض نظره مُجددًا للطبق يكمل طعامه ببرود ثم قال:-

-جاية عشان الفلوس رغم أنها أختفت من يوم موت أخويا اللى هو جوزها، خليها تجي لكن مستحيل تحصل على جنيه واحد مني 


غادر المكان فتنهد "شريف" بضيق شديد مما هو قادم وهذا الرجل سينفذ كل كلمة يتفوه بها وإذا كان حسم أمره على ألا تأخذ منه شيء فسيفعل دون أن يوقفه شيء ودون أن يخشي المحاكم أو القانون، خرج خلفه ليراه يصعد بسيارته بالمقعد الخلفي والسائق يغلق الباب له فصعد "شريف" بجوار السائق ثم قال:-

-خلينا نمشي يا صادق

 

بدأ "صادق" فى القيادة و"جمال" صامتًا طيلة الطريق إلى شركته شاردًا بهذه الزوجة التي تزوجها أخاه عرفيًا دون أن يعلم عنها أحد والآن بكل وقاحة تعلن زواجها منه لأجل المال فقط..


________________________________ 


داخل سيارة الأجرة كان هناك رجل يجلس على مقعد السائق وبجواره فتاة تملك من العمر تسعة عشر عامًا تنظر من النافذة وشاردة بجسدها الصغير المُلتصق بالباب المجاور وكأن تخشي الأسترخاء في مقعدها بسبب هذا الرجل الموجود جوارها فقال بنبرة حادة:- 

-إياكي تفتحي بوءك بكلمة واحدة، والأحسن تنفذي الى قلت عليه من سكات


لم تجيب "مريم" عليه بل فتحت نافذة السيارة وأخرجت رأسها منها تاركة الهواء يضرب رأسها ويجعل شعرها الحرير يتطاير مع الهواء الطليق وتضع ذراعيها النحيلين أسفل رأسها فتنهدت بصمت شديد، تأفف والدها "حمزة" من برودة هذه الفتاة وقال:-

-الله يلعنك، أمتي هخلص منك يا مريم؟


دلف "شريف" إلى مكتب الشركة الخاص بمكتب "جمال" وكان مُنغمسًا فى عمله بين أوراقه المنثورة على سطح المكتب وهو يراجع كل أملاكه حتى لا تأخذ هذه الزوجة شيئًا منه فصرخ فى محاميه الجالس على المقعد أمام المكتب قائلًا:-

-أعمل اللى تعمله مش مشكلتي لكن الحية دى لا يمكن تأخد منى جنيه


نظر المحامي إلى "شريف" بضيق وعجز عن فعل شيء لهذا الرجل الشرس ليقول بهدوء:-

-أهدأ يا مستر جمال، إحنا منعرفش أيه هى وصية أخوك الكبير 


وقف "جمال" من مقعده وسار بعيدًا بعقل على وشك الأنفجار كالقنبلة الموقوتة بداخله ثم تمتم قائلًا:-

-أهدأ!! كلكم عارفين أن مختار بيحب الستات وكل شهر يتجوز واحد من الكباريهات والكازينهات، دلوقت المفروض أن واحدة ركلام.. مجرد فتاة ليلجاية تأخد فلوسي وتعبي وتشاركني فى شركتي وبيتي، مختار نزواته كانت بعدد أنفاسه حتى لو كان كبير العاهرات بيجروا وراءه عشان الفلوس وأنا أنظف الفضايح ورايا وأدفع لدي وأرضي دي عشان متروحش لصحافة ودلوقت أنا جمال المصري أقعد مع عاهرة عشان تساومني 


نظر "شريف" إلى "راغب" بصمت شديد ثم قال:-

-إحنا هنحل المشكلة بمجرد ما نشوفها ونتكلم معاها، ممكن تقبل مبلغ ونخلص لكن مشكلتنا دلوقت أننا منعرفش هي مين ولا أزاى ممكن نساومها، أهدأ لأان بمجرد ما نعرف هي مين هنلاقي الحل


دلفت "أصالة" السكرتيرة الخاصة بالمكتب، امرأة فى منتصف الثلاثينات مُرتدية بدلة نسائية وكعب عالي بحذائها وتلف حجابها الوردي الذي يخفي خصلات شعرها جميعًا ثم قالت:-

-اتصل المنزل يا مستر جمال بيقولوا أن هناك ضيوف عايزينك وتليفونك مُغلق


كز "جمال" على أسنانه بضيق شديد لم يحتمله مما أرعب مساعده فأسرع "شريف بالحديث قائلًا:-

-ماشي يا أصالة روحي أنتِ دلوقت


غادرت "أصالة" المكتب فوقف "راغب" وسار نحو "جمال" المُشتعلًا غضبًا من داخله ثم قال:-

-خلينا نروح يا مستر جمال و رجاءًا تمالك أعصابك عشان نعرف هم عايزين أيه ونقدر نحل الموضوع


عاد "جمال" إلى مقعد مكتبه بغضب شديد وفتح رز سترته ثم قال بحزم:-

-أنا عندي شغل، خليهم يستنوا أنا مش تحت أمرهم لما أخلص أبقي أروح ليهم


تنهد "راغب" بضيق شديد وقد عجز تمامًا على فعل أى شيء مع هذا الرجل العنيد ثم غادر المكتب وهكذا "شريف" تاركين خلفهم "جمال" يكمل عمله وكانت الساعة الخامسة عصرًا، ظل "حمزة" جالسًا فى الصالون بجوار "مريم" يتطلع بالقصر بعينيه وهو لا يُصدق ما يراه وأن هذا منزل زوج ابنته المتوفي فهو كان على علم بأنه ثري لكن بهذا القدر من الثراء الفاحش لم يكن يتخيل هذا، جاءت لهم "حنان" وخلفها خادمة تحمل صنية عليها طبق الكعك والعصير ثم وضعتها أمامهم على الطاولة، لم ينتظر "حمزة" كثيرًا بل أنقض علي الطاولة يأخذ الكعك ويتناوله بشراهة مما أدهش "حنان" وجعلها تشمئز منه ثم عادت إلى الخلف تراقبهم عن كثب فقالت الخادمة بأشمئزاز:-

-مستحيل دول يكون قرايب مُختار بيه، دول حثالة


نظرت "حنان" للخادمات اللاتي يتسامرون وقالت بأختناق:-

-أنا مش قادرة أصدق اللى شايفاه


أخرجت هاتفها من جيبها وسارت بعيدًا لتتصل بـ "شريف" تخبره بما يحدث وقالت بأختناق:-

-أنهم حثالة وخصوصًا باباها متسول يا شريف


أومأ "شريف" إليها بهدوء وهو يحاول كبح ضيقه مما يسمعه وهو يجلس فى مقدمة السيارة و"جمال" فى الخلف يستمع له ثم قال بجدية:-

-متقلقيش خليهم بس تحت عينيك وإحنا فى الطريق


أومأت إليه بنعم ثم أغلقت الهاتف وعادت بنظرها إليهم وخصيصًا إلى "مريم" هذه الفتاة الصامتة وكأنها إنسان إلي لا يتحرك أو يتنفس حتى، فقط جالسة عاقدة ذراعيها أمام صدرها مُنذ أن دخلت القصر من أربعة ساعات فالآن أصبحت الساعة التاسعة والنصف مساءًا ولم يمل "حمزة" أبدًا ويطلب الرحيل بل يأخذ رأحته فى هذا المنزل وكأنه مالكه، تتطلع بهذه الفتاة ذات العيون الذهبية ولا تصدق كيف لرجل فى عمر "مُختار" الذي تجاوز منتصف الأربعين من عمره أن يتزوج من فتاة بعمرها لم تكمل العشرين حتى، دلف "جمال" بصحبة "شريف" و "راغب" إلى القصر لتستقبلهم "حنان" قائلة:-

-حمدا لله على سلامة يا مستر جمال...


نظر "جمال" إليها بضيق وقال بنبرة صارمة:-

-هم فين؟


أشارت "حنان" على غرفة الصالون المُستقلة فى نهاية القصر ليسير إلى هناك ومعهم "حنان" تقول بقلق:-

-جوا لكن من الواضح أن باباها طماع ومش عايز غير الفلوس وبس


نظر "جمال" إليها بضيق ثم سار إلى الغرفة لتفتح له الخادمة الباب ودلفوا ثلاثتهم ليقف "حمزة" من مكانه فتطلع "جمال" به ثم رأي امرأة أربعينية تقف جواره فى صمت مُرتدية عباءة سوداء وتلف حجاب أسود اللون فقال "شريف" بهدوء:-

-مساء الخير

 

قبل أن يُجيبه سأل "جمال" بضيق موجه حديثه إلى هذه السيدة قائلًا:-

-أنتِ مراته،مش كدة؟


هزت رأسها بلا ثم أفحست الطريق لليمين قليلًا ليرى فتاة نحيلة صغيرة وبشرتها بيضاء كالأطفال وشعرها البني الطويل الذي يصل إلى ساعدها بنعومتها الحريرية مسدول على الجانبين يحيط بوجهها الصغير ذو الملامح الصغيرة، فتاة قصيرة تشبه عقلة الأصبع، مما أدهش الجميع وأذهلهم وسؤالًا واحدًا طرأ على عقولهم جميعًا كيف لطفلة أن تكن زوجة رجل يملك من العمر 46 عامًا ليقول "جمال" بصدمة ألجمته:-

-أنتِ مراته؟


أومأت "مريم" إليه بنعم وهى تتطلع به رجل يصغر زوجها بسنوات تقريبًا فى منتصف الثلاثينات من عمره بجسد عريض ممشوق ورياضيًا، طويل القامة فإذا وقفت جوارها فبالكاد ستصل إلى ساعده وكوع ذراعه، بشرته قمحاوية وعينيه الخضراء تزيده جمالًا لكنه تحمل من الغضب بركانًا أرعبها من مكانها وجعل قلبها ينتفض رعبًا وخوفًا من مواجهته فعادت للخلف خطوة تختبيء خلف هذه المرأة المصاحبة لها لتجيب هذه السيدة "سارة" قائلة:-

-اه هي مراته أو بالأحري أرملته


تطلع "شريف" بها وقال:-

-أنتِ أمها؟


هزت "سارة" رأسها بلا ثم قالت:-

-لا، مربيتها 


تطلع بها "جمال" لكن قاطعه صوت "حمزة" يقول بحماس:-

-أنا أبوها أتشرفت بيكم 


مد يده إلى "جمال" ليصافحه لكن "جمال" كان كلوح ثلجي باردًا ولم يصافحه بل وضع يده فى جيوب بنطلونه بغرور شديد وسار إلى المقعد كي يجلس عليه ووضع قدم على الأخرى ثم قال:-

-أتفضل أقعد، خلينا نتكلم ونخلص من القرف اللى بيحصل دا


جلس "حمزة" وجذب أبنته بقوة لتسقط جواره بسبب جسدها الصغير مما جعل "شريف" يندهش من معاملة هذا الرجل لأبنته فقال:-

-لحظة ممكن نأجل أى حاجة أنا حابب أتكلم معها شوية قبل أى حاجة


أغلق "حمزة" قبضته بقوة على يدي "مريم" ثم قال بنبرة قوية خشنة:-

-ممكن تتكلم معاها قصادي لأن بكل الحالات بنتى مبتتكلمش أقصد خرساء


كان "جمال" ينظر للجهة المجاور وبعد أن سمع هذه الكلمة ألتف برأسه إليهم بدهشة ليقول بصدمة ألجمته:-

-خرساء، مبتتكلمش وجبانة واقفة تترعش من الخوف وجاي تقولي أن  أخويا زير النساء أعجب بها وكمان أتجوزها، أخويا اللى بيجري وراء أى تاء مربوطة ووراء أجمل نساء العالم، دي نكتة مش كدة... أنا مستحيل أصدق أن الجوازة دي تمت أصلًا


كاد "حمزة" أن يتحدث لكن أستوقفه "شريف" بهدوء قائلًا:-

-هوضح لحضرتك حاجة، إحنا مش هنفتح الوصية ولا هنتكلم فى أى ورث إلا بعد ما أقعد معها ونتكلم لوحدنا ولو المشكلة فى مرضها دى مشكلتي أنا مش حضرتك


تردد "حمزة" كثيرًا فى الموافقة ثم نظر إلى ابنته بقلق وأشار إلى "سارة" وقال:-

-ماشي أتكلم معاها لكن خذ معاكم مربيتها سارة لأن أصل هي بتخاف من الغرباء وخصوصًا الرجالة ومش هتروح معاك حتى لو أنا قلت لها تروح


أومأ "شريف" له بنعم وترك "راغب" مع "حمزة" وخرج من الغرفة معهم ثم ذهبوا إلى المكتب ليُحدثها وبعد حوار طويل بينهم فُتح باب المكتب ودلف "جمال" قائلًا:-

-لسه مخلصتش أنا عايز أنام؟


لكنه صُدم عندما سمع صوت فتاة أدعي والدها أنها بكماء تقول بصوت مُرتجف:-

-أنا مش عايزة فلوس منكم لكن ممكن تديني حصاني، صدقني مش عايزه منكم غيره


تقدم "جمال" إليها مصدومة من كلماتها وصوتها الذي خرج من جنحرتها بعد أدعى والدها بأنها "بكماء" فأدرك أن هناك لغز لهذا الشيء، قال بصدمة ونبرة باردة:-

-قُلتي أيه؟


ألتف "شريف" إليه بقلق شديد مما سمعه من هذه الفتاة وقال:-

-مستر مختار أداها حصان هدية فى عيد ميلادها وبعته لهنا من ثلاث شهور، هى عايزاه


تأفف "جمال" بضيق وهو يزحزح رابطة عنقه بأختناق ثم قال:-

-أديهولها ، لو دا اللى هي عايزاه خليها تأخده ونخلص من القرف دا أنا معنديش طاقة أتحملهم أكثر من كدة


ألتف لكي يغادر المكتب مُعتقدًا أن الأمر أنتهى ولن تأخذ شيء منه أكثر ولن تدخل معه فى مجادلات لأجل الورث لكنه توقف فجأة عندما شعر بيدي قوية تتشبث به بقوة وكانت يدي "سارة" مربيتها تقول بترجي:-

-رجاءًا متخلهاش تروح مع الرجل المجنون دا، دا مش أب دا مجنون ومريض نفسي حتى لو هترمينا فى الشارع بعد ما يمشي مش هنعترض لكن على الأقل متخلهوش يأخدها


نظر "جمال" إليها بتعجب وهو لا يفهم ما هذا وما سبب هذا الرجاء، أستدار بنظره إلي "مريم" وكانت واقفة منكمشة فى ذاتها بخوف، لا يفهم ماذا يحدث؟ جذب "جمال" يده من يدي "سارة" بأشمئزاز وقال:-

-أطلعوا برا قصري حالًا... وصلهم للباب يا شريف


تنحنح "شريف" بقلق من رد فعل هذا الرجل متصلب القلب وعديم الرحمة بعد أن جمع شجاعته وقال بجدية:-

-لكنها هي مش هتمشي من هنا


توقف "جمال" لبرهة عن السير بصدمة من معارضة "شريف" له وألتف إليه قائلًا بصدمة:-

-شريف، أنت قُلت أيه؟


أبتلع "شريف" ريقه بصعوبة بالغة ثم قال:-

-هي بتقول أنها حامل من أخوك أستاذ مختار وبكرة الصبح هأخدها للمعمل عشان نحلل عشان كدة مش هتمشي من هنا؟


تأفف "جمال" بضيق شديد من هذه الكارثة التى حلت به، ألم يكفي كونها زوجة ترغب بالورث لكن الآن هناك طفل ولوح بيديه غاضبًا أثناء مغادرته ويتمتم قائلًا:-

-دا اللي كان ناقصني طفل من عاهرة

 

غادر المكتب لينظر "شريف" إلى "مريم" وقال بلطف:-

-متقلقيش أنا هساعدك 


خرج للخارج معها وجعل "حنان" تأخذها للطابق العلوي ثم دلف إلى غرفة الصالون وقال:-

-ممكن تروح أنا خلصت كلام معها وبكرة هنفتح الوصية 


أومأ "حمزة" إليه بهدوء ووقف من محله يحدق بالخلف نحو الباب قائلًا:-

-فين بنتي؟


تبسم "شريف" وهو يضع يديه فى جيوبه بغرور قائلًا:-

-فوق مش هتخرج من هنا لأنها ببساطة فرد من عائلة مستر جمال المصري


أتسعت عيني "حمزة" على مصراعيها وأنتفض من مكانه فزعًا ويصرخ بقوة قائلًا:-

-ايه؟ أنا ههد البيت دا على دماغكم لو مرجعتوليش بنتي


خرج للخارج ركضًا ليقول "شريف" ببسمة خبيثة قائلًا:-

-ممكن تروح يا راغب و نتقابل في الشركة يوم الأحد


غادر "راغب" مُبتسمًا وهو يفهم ما سيفعله "شريف"، خرج "شريف" للخارج وكانت "حنان" تقف فى مُقدمة الدرج تحاول منع "حمزة" من الصعود بخوف شديد فهذا الطابق لن يصعد به أحد سوى "جمال" وخادمة واحدة تنظفه و"شريف"، قالت بجدية:-

-مفيش طلوع فوق مستحيل أسمح لك


دفعها "حمزة" بقوة بعيدًا صارخًا بها:-

-أبعدي عن طريقي يا ست يا مجنونة أنتِ، انا مش عايز غير بنتي


صعد للأعلى بوجه غاضب عابسًا وهو يناديها قائلًا:-

-مريم، أنتِ فين يا مريم؟


بدأ فى فتح أبواب الغرف، ذعرت "حنان" من هذا الأمر ثم قالت:-

-ربنا يستر


تبسم "شريف" بمكر شديد وقال:-

-متقلقيش يا حنان هو هيقابل الأسد وبصراحة يستاهل، رجل متخلف ومجنون بستقوي على الضعيف لكن من دلوقت مش هقابل فى وشه غير جمال، خلينا نشوف قلبه الميت دا هيتحمل ولا لا؟


فتح "حمزة" باب الغرفة بصدمة ورأى "مريم" بداخلها بين ذراعي "سارة" ترتجف بعد أن سمعت صوته يناديها من الخارج، أسرع نحوها بغضب سافر كالثور الهائج ومسكها من مقدمة رأسها وغرة شعرها بقوة وهو يقوة بعنف شديد:-

-دا اللى اتفقنا عليه يا زبالة، أنا قُلتهم انك خرساء وروحتي أتكلمتي معاهم، قُلتي أيه ها؟ قلت ليهم أيه؟


ذرفت الدموع من عيني "مريم" بضعف شديد وخوف يحتلها بكل أنش فى جسدها وبدأت تصرخ باكية من الألم بعد أن أوشك على أقتلع خصلات شعرها من رأسها من قوته وتهتف قائلة:-

-أبعد عني، أرجوك أنا هعمل اللى تقولي عليه بس بلاش تضربني تاني والنبي


نظر إليها وهو يجذبها من رأسها بقوة مع طريقه للخارج قائلًا:-

-أضربك!! لا يا مريم أنتِ الضرب مش هينفع معاكي أنا هقتلك وأخلص منك نهائي المرة دي؟


رفع رأسه عنها ليري وجه "جمال" أمامه بقميصه الأبيض وبنطلون، كان قميصه مفتوح وصدره عاري بعد أن أستوقفه صوت هذا المُختل أثناء تبديل ملابسه، أبتلع "حمزة" ريقيه بصعوبة من نظرات "جمال" وقال:-

-أنا هأخد بنتي..


لم يكمل كلمته بل أستقبل لكمة قوية على وجهه من قبضته "جمال" أسقطته أرضًا داخل الغرفة وسقطت "مريم" معه بعد أن جذبها فى سقوطه من شعرها المُتشبث به.. أسرعت "سارة" إليها بلهفة وأخذتها من يديه بذعر بينما أخذ "جمال" والدها من ملابسه فصرخ "حمزة" بضيق شديد قائلًا:-

-أنا هأخد بنتي ومحدش يقدر يمنعني


دفعه "جمال" لخارج الغرفة بقوة ليسقط "حمزة" مرة أخرى على الأرض فى الرواق وصاح به بأنفعال شديد قائلًا:-

-مين اللي سمح لك، ها!! مين سمح لك تطلع هنا من الأساس؟


وقف "حمزة" بغضب سافر وهندم ملابسه حادق بوجه "جمال" وهو يقول:-

-أنا مش عايز حاجة من بيتك غير بنتي والباقي هنسيبه للقانون


شعر "جمال" أن هذا المتسول المتعطش للمال يُهدده مما زاد من غضبه وبركانه، تطلع به وهو يسير نحوه كى يأخذ ابنته وكأنه لا يخشي وقوف "جمال" على باب الغرفة، وقف "جمال" يحدق به بسخرية من جراءته وقبل أن يتحدث شعر بأنامل صغيرة تتشبث بقميصه من الخلف بمنتصف ظهره فألتف برأسه كى يراها تختبيء خلفه وتمتمت بحزن وعينيها تترجي عينيه كنبرة صوتها الضعيف قائلة:-

-متسبهوش يأخدني لو سمحت


شعر "جمال" بقشعريرة فى جسده من نبرتها ورجاءها وقبل أن يجيب عليه رأي "حمزة" يمسك يدها الآخرى بقوة ويجذبها من خلف "جمال" بقوة ويقول:-

-أنا هعاقبك على أفعالك يا مريم وعصيانك ليك هتشوفي


شعر "جمال" بيديها تزيد من جذب قميصه بقبضتها وتزداد تشبثًا به فمسك يد "حمزة" وأبعادها عنها وهو يشعر بإهانة من هذا الرجل وكبرياء الرجل الموجود بداخله وغروره قد هُزم بتحدي "حمزة" له، أفلت يد "مريم" منه وأخذه من ملابسه بقوة للأسفل وهو يقول:-

-وريني هتأخذها من بيتي أزاى؟


دفعه للخارج وقبل أن يتحرك "حمزة" من مكانه شعر بيدي تمسكه من الخلف وعندما نظر رأي رجال الأمن والحراسة ليعلم بأنه لن يأخذها من هذا المنزل إلا إذا أعطاها "جمال" له برغبته، غادر القصر مرتعبًا خوفًا من ابنته وما ستقوله وتفعله هناك ربما تهدم كل ما خطط له، ألتف "جمال" بضيق شديد وهو ينفض قميصه بأختناق لما يحدث فى حياته الهادئة، رأى "شريف" يقف بجوار "حنان" أمام الدرج ليتأفف بضيق شديد واضح لهما ثم صعد للأعلى فرأى "سارة" تقف أمام الغرفة و"مريم" بالداخل يراها جالسة هناك أرضًا جوار الفراش، تحاشي النظر إليهما ومر لتستوقفه "سارة" وهى تقول:-

-لحظة من فضلك 


ألتف "جمال" إليها بأختناق وقال بتهكم:-

-أنا عارف أنه يوم مش فايت من أوله، عايزة أيه تاني؟


قالت "سارة" بلطف وعينيها تنظر إلى "مريم" قائلة:-

-أنا أسفة على الأزعاج فعلًا لكن ممكن سؤال، الحصان فين؟ حصانها هي عايزاه وبعدها ممكن نمشي وكمان شكرًا لحضرتك جدًا على اللى عملته عشاننا


ألتف كي يذهب إلى جناحه مُتجاهل كل كلمة تفوهت بها وقال بنبرة صارمة:-

-فى الأسطبل تحت


دلف لغرفته بينما أسرعت "سارة" للداخل وجلست جوار "مريم" لترفع "مريم" نظرها للأعلي حيث مربيتها أكثر شخص لين عليها ويعاملها بلطف فقالت:-

-هيحصل أيه؟ أنتِ أكتر واحدة عارفة أن الموضوع مش هيمر بسلام؟ حمزة هيرجع عشاني من تاني


مسحت "سارة" على رأسها بلطف شديد ثم قالت:-

-متقلقيش يا صغيرتي أنا معاكي ومستحيل أسمح لحد بأذيتك، خلينا نأخد صانك من هنا ونمشي قبل ما حد يكتشف أمرنا ونهرب بعد حتى لو أضطرت أخذك لأخر العالم أن حكم الأمر ، وأحميكي قبل ما يعرف جمال بحقيقتنا وحتى قبل ما يدور شريف ورانا ويشك فى كلامنا معه، لازم نمشي قبل ما يبدوا يفكروا فى موت مختار وقبل ما حد يعرف أنه أتقتل، لحد دلوقت الخطة ماشية صح زى ما خططنا، أجمدي يا مريم وأنا هحل المشاكل كلها ونخلص من الماضي واللي فات أتفقنا...


الفصل الثاني 

عانقتها "مريم" بضعف شديد وخوف يحتلها من الداخل من القادم وما سيحدث عما قريب، طوقتها "سارة" بحب مُحاولة إخماد نيران قلبها المُرتعب خوفًا من القادم ثم همست إليها قائلة:-

-حصانك تحت، أنا سألته ممكن تروحي له 


خرجت "مريم" من بين ذراعيها بسرعة البرق وتلاشي الخوف وعادت للحياة كسمة صغيرة عادت للمحيط بعد ان أنقطعت أنفاسها فى صراع الخروج منه، تتطلع بها بحماس وقالت:-

-هروح أكيد، عن أذنك


تبسمت بسعادة وهى تقف من مكانها لتركض للخارج ولأول مرة تظهر بسمة على شفتيها مُنذ رحيل "مُختار"، ضحكت "سارة" بعفوية على عودة طفلتها إلى طبيعتها البريئة، كانت تركض على الدرج كطفلة صغيرة جميلة نالت حريتها فرأتها "حنان" وشعرت بأنها ترى فراشة جميلة حلقت بجناحيها فى السماء بعد أن نالت حريتها وبسمتها العريضة تجذب كل من تراه فقالت بدهشة من تبدل حال هذه الفتاة:-

-على فين، أساعدك؟


توقفت "مريم" بحرج من هذه المرآة وركضها هكذا فى هذا المنزل الغريب وقالت:-

-عايزة أروح الأسطبل 


أشارت "حنان" إلى أحد الخادمات الواقفة هناك وقالت بجدية:-

-هي هتساعدك وتوصلك هنا، وصليها للأسطبل وأرجعي على طول


أومأت الخادمة لها بنعم ثم ذهبت فى المقدمة لتبتسم "مريم" بسمة لطيفة خافتة إلى "حنان" كشكر وأمتنان على مساعدتها، خرجت خلف الخادمة حتى وصلت إلى الأسطبل وكان خلف القصر وهناك سياج كبير لركوب الخيل بجوار منزل خشبي يسكنه الخيول، أسرعت بالركض إلى هناك لتمر من جوار الخادمة وتصبح هى فى المقدمة، تبسمت الخادمة عليها وسارت خلفها بعفوية، دلفت للأسطبل وكان هناك عامل "حاتم" فور رؤيتها تعجب من وجود غريبة هنا ليقول:-

-أنتِ مين؟ ممنوع حد يجي هنا أطلعي برا


لم تجيب عليه بل نظرت إلى حصانها ورأسه تظهر من فوق السياج الخشبي المغلق عليه فتبسمت بفرحة عارمة تغمرها وقالت:-

-أنا مالكة إيلا


بدأ الحصان يصدر صيهله ويقفز بأقدامه فرحًا لرؤيتها وكأن هذا الحصان يبادلها نفس القدر من العشق والشوق، أسرعت إلى هناك فأومأت الخادمة إلى العامل بنعم وأن سيد القصر قد سمح لها بالفعل بالمجيء إلى هنا فمن سيعترض، نظرتها كأنها تخبره بموافقة "جمال" على ذلك، رفعت "مريم" يدها إلى الأعلى بينما قربت "إيلا" رأسها إلى يد مالكتها تداعبها فقالت الخادمة بدهشة بعد أن سمعت أسم الحصان:-

-فرسة، حصان أنثي


أومأ "حاتم" لها بنعم فمُنذ حضور هذه الفرسة إلى هنا وهو من يرعاها ويهتم بأمرها لذا يعرف هذا الأمر وقال بحماس:-

-من يوم ما جيت هنا بقالها ثلاثة شهور ولا مرة شوفتها فرحانة كدة، كل مرة كنت بطلب الدكتور عشان يشوفها لأن أكلها ضعيف وحتى صهيلها مسمعتهوش فى معظم الأوقات، فتحت لها الباب أكثر من مرة عشان تجري وتحس بالحرية فى المكان لكنها كانت واقفة محلها سر، دلوقت بس عرفت مالها وعلاجها اللى الدكتور مقدرش يدهولها، صاحبتها! إيلا كانت عايزة المالكة عن الحرية


 فتحت "مريم" الباب الخشبي الجراج بقوة رغم ضعفها وهو الحاجز بينهما وربتت على ظهر "إيلا" فرستها البنية الجميلة ذات الشعر الطويل كصاحبتها مما جعلت من لمستها الحماس ينطلق بها وبدأت تقفز بسعادة وتهز رأسها كأنها تطلب من "مريم" الصعود على ظهرها، تبسمت "مريم" وجلبت مقعد صغير لتضعه جوارها وصعدت على ظهر "إيلا" وتنفست بأرتياح وهى تقول:-

-وحشتينى يا إيلا، مش هتتخيلي حياتي فى غيابك عاملة أزاى


أوقفها "حاتم" بضيق شديد قائلًا:-

-علي فين، ممنوع ركوب الخيل بالليل دى أوامر جناب البيه....


لم تعطيه "إيلا" المجال لأستكمال حديثه وركضت بسرعة جنونية بـ "مريم" كأنها تحتفل بعودة صديقتها ومالكتها وتشاركها الفرح، خرج "جمال" من المرحاض بعد أن أخذ حمامًا دافئًا وأرتدي تي شيرت أسود اللون وبنطلون أزرق ليجد كوب قهوته موجودًا على الكمودينو فأخذه ودلف إلى الشرفة يرتشف القليل منه وهو يتكأ بذراعيه على داربزين الشرفة ويفكر كثيرًا فيما هو قادم وماذا يجب أن يفعل بهذه الفتاة وغدًا سيفتح الوصية غير كونها حامل قاطع تفكيره وشرود صوت صهيل الفرس بقرب منه، ألتف لزواية الشرف وأتسعت عينيه عندما رأي الفرسة تخرج من منزل الخيول مُسرعة وبحماس وعلى ظهرها "مريم" أستقام فى وقفته وهو يسير معها بل يركض معهما بعينيه، دلفت "إيلا" إلى السياج وكأنها تعود للحياة والركض بحماس وسعادة و"مريم" فوقها تلاشي الخوف والأرتجاف منها تمامًا كأنها تبدلت وأصبحت فتاة أخرى، كانت كفارسة ماهرة فى قيادة الخيال وتمسك فى شعر "إيلا" الطويل بحب وشعرها الناعم يتطاير مع جسدها النحيل الذي يقفز مع ركض "إيلا"، لم ينكر "جمال" أبدًا كونها جميلة لكن تساءل أجمالها يستحق أن يتزوجها رجل بعمر والدها؟، فإذا كان هو والذي يصغر أخاه بعشر سنوات فلن يقبل أبدًا بطفلة مثلها زوجة له، ماذا قدم "مختار" لها كي تقبل به؟ كان هذا السؤال يلازمه دومًا طيلة الليل وهو يراقبها حتى مرت ساعتين أو أكثر فجلس "جمال" على المقعد يراقبها فى جلوسه حتى تعبت وأخذت "إيلا" إلى المنزل الخشبي لتدخل "إيلا" وتعود وحدها للقصر، لم ينام "جمال" هذه الليلة وكان تفكيره يأخذه للأسوء، أيجب أن يتخلص من جنينها؟، بدل ملابسه صباحًا وأرتدي قميص أبيض وبنطلون جينز ثم ترجل للأسفل وكان "شريف" قادمًا فتعجب لما يرتديه "جمال" فقال:-

-رايح فين؟ النهار دا إجازتك ولا وراك شغل معرفهوش


أغلق "جمال" ساعة يده بأحكام وهو يجيب عليه قائلًا:-

-رايح معكم للمستشفي خلينا نخلص


أتسعت عيني "شريف" وهكذا "سارة" على مصراعيها وبدأ الأرتباك يظهر عليهما فقال "جمال" بجدية:-

-هي فين؟


أجابته "سارة" بتوتر شديد قائلة:-

-أهي جت 


رفع رأسه ليراها تنزل على الردج مُرتدية نفس ملابس الأمس بنطلون جينز وتي شيرت أبيض بنصف كم وحذاء رياضي أبيض اللون فهى لم تجلب معها أى ملابس أو أغراض لها، ذهبوا أربعتهم معًا للمستشفى فى سيارة "جمال" فلم يستطيع "شريف" أو "سارة" والخوف من هذا الرجل صنع بداخلها ثقبًا كبيرًا من الخوف بعد أن يعلم "جمال" ما ينوا عليه، وصلوا للمستشفي ولم ينتبه أبدًا إلى سيارة الأجرة الخاصة بـ "حمزة" التى توقفت خلفهم وهو يراقبهم، وصلت "مريم" بأرتباك شديد إلى غرفة الطبيب وكان صديق "جمال" ليقول:-

-اتفضلي


نظرت "مريم" لهما بقلق شديد مما جعل "جمال" ينظر إليها وهى لم تدخل كما طلب الطبيب ليقول بحزم ولهجة صارمة:-

-أدخلي خلينا نخلص من الموضوع دا 


تعجب "شريف" لكلمته التي لم يفهمها فدلفت "مريم" وحدها بعد أن منعت الممرضة وجود "سارة"، أخذ "شريف" "جمال" من ذراعيه إلى درج الطوارئ وكان المكان فارغًا ليقول بقلق:-

-حضرتك قصدت أيه بنخلص من الموضوع؟ ناوي علي أيه يا مستر جمال؟


أجابه "جمال" ببرود شديد قائلة:-

-هتجهض، ونخلص من الطفل دا، لازم أنزله أنا مش هقبل بطفل من عاهرة يكون فرد من عائلتي ووصمة عار ليا

 

أستشاط "شريف" غيظًا من تصرفه دون أن يرجع له وقال بأنفعال دون أن يتمالك غضبه لأول مرة أمام "جمال":-

-من قال لك أنها عاهرة؟ وبعدين عذرًا لكن حضرتك أزاى تتصرف من غير ما ترجع لي وتأخذ قرار زى دا.


صاح "جمال" غاضبًا بأنفعال وهو يشير بسبابته نحو الباب قائلًا:-

-عاهرة يا شريف، قبلت تتزوج برجل من عمر أبوها عشان فلوسه بس، باين عليها أنها طفلة منضجتش لسه ولا تعرف حاجة عن الحياة لكن أول ما شافت فلوس لمعت فى عينيها وقالت تبدأ الحياة بمعلقة من الذهب وراحت له، ممكن تقولي الطفل اللى فى بطنها ذنبه أيه؟ ذنبه أيه أن يتولد من أب فاسد مُتعاطي للمخدرات ومفيش فى سيرته اللى باقية له غير كل أعماله السيئ ومن أم محتاج أتكلم عنها أديك شايف العينة، وفى الأخر أنا هكون عم له وتربطني علاقة أبدية بالناس دي، لا يا شريف أنا مش هسمح بدا نهائيًا، الطفل لازم ينزل ونخلص بقي وبعدها ممكن أديها مبلغ كرم مني وتعوض على أبنها اللى راح وصدقني مش هترفض لأن الفلوس هي الهدف من الأساس فى جوازها من مختار


خرج "جمال" من الباب إلى حيث الرواق وكان كالثور الهائج مُنفعلًا بجنون وعلى وشك قتل "مريم" بهذه اللحظة وهى سبب كل ما يعيشه وتدمير حياته الهادئة، جلست "مريم" بخوف على الفراش مُعتقدة بأنها ستجرى فحصًا بأشعة السونار لكنها صُدمت عندما وضعت الممرضة حنقة فى وريدها لتسألها "مريم" بقلق:-

-أنتِ بتعملي أيه؟


أنهى الممرضة الدواء من الحقنة فى وريدها وهى ترفع رأسها إلى "مريم" لتقول:-

-بخدرك ولا هتجهضي الطفل من غير تخدير؟


صُدمت "مريم" من كلماتها وقبل أن تصرخ أو تتفوه بكلمة واحدة كانت قد غبت عن الوعي بمفعول المخدر وجهزتها الممرضة لتجرى الجراحة، وصل "شريف" للغرفة خلفه وهو يقول:-

-يا مستر جمال صدقني هتندم، هى مش زى ما أنت متخيل نهائيًا، أنا..


قبل أن يكمل حديثه خرج الطبيب من الداخل ونظر إلى صديقه ليقول:-

-جمال!! من اللي قالك أنها حامل ؟


نظر "جمال" لـ "شريف" و"سارة" الواقفة مكانها بقلق ثم سأل بقلق:-

-هي مش حامل؟


نظر الطبيب له بدهشة من سؤاله ثم قال بجدية:-

-هتكون حامل أزاى يا جمال وهي بنت وملمسهاش حد


أتسعت أعين الجميع فيما عدا "سارة" التى تعلم جيدًا أن "مريم" ما زالت بعفويتها لم يلمسها رجلًا من قبل حتى زوجها المتوفي لم يقترب منها، لكنها تفوهت بصدمة قاتلة:-

-أنت عرفت أزاى أنها بنت!!؟


أسرعت للغرفة بصدمة قاتلة لترى "مريم" نائمًا على الفراش وملابسها جوارها وترتدي زى الجراحة مما جعل عينيها تدمع حزنًا وإشفاقًا على هذه الطفلة التى لم يشفق عليها أحد والجميع يتسبب فى إهانتها وألمها حتى هذا الرجل الذي لم تقابله سوى بالأمس لم تتسبب له بأى أذي صنع لها هو أذي لم تقبل به أى امرأة فى حياتها، ظل "جمال" وافقًا فى صدمة مُتجمدًاوكأن عقله شل مكانه وجسده جُمد فى الأرض، لم تكن عاهرة كما قال بل فتاة عفيفة وشريفة، أتهمها أسوء أتهام بكل مرة يتفوه بالحديث عنها، أم "شريف" ظل واقفًا مصدومًا فهو كان على علم بأنها لم تكن حامل وهو من أخترع هذه الكذبة حتى يبقيها فى القصر بعد أن سمع حكايتها لكن عفويتها لم يتوقعها أبدًا، ألبستها "سارة" ملابسها وهى فاقدة للوعي ثم مسحت على رأسها بحنان وقالت:-

-سامحيني يا صغيرتي، أنا اللي سيبتك لوحدك ووثقت بهما ونسيت أنهم رجالة ميتوثقش فيهم، متقلقيش أنا هأخدك بعيد عنهم كلهم، هنبعد عن كل اللي أذوكي ووجعوكي أوعدك


قبلت رأسها بحنان ودفء، حاولت حملتها كى ترحل لكنها لا تقوى على حملها فذهبت إلى زواية بالغرفة لتجلب المقعد المتحرك الموجود هناك وعادت إلي الفراش، دُهشت عندما رأت "جمال" يحملها على ذراعيه كطفلة رضيعة وألتف كى يخرج بها لتتقابل عينيه مع "سارة"، تطلعت به بضيق شديد وأشمئزاز من فعلته وقالت:-

-أنت بتعمل أيه، أبعد عنها وإياك تفكر تلمسها مرة تاني، أنت زيهم ومتختلفش عنهم ولا عن قذارتهم، الرجالة كلها زى بعض بنفس الوخشية ما بتصدقوا تلاقوا واحدة ضعيفة تستقوا عليها وكل واحد بطريقته


أجابها بحدة ونبرة غليظة قائلًا:-

-قذارة!! ليه هو أنا جيت أكشف علي عذريتها ولا أتهمتها فى شرفها وقولت ابن حرام، أنتوا اللي قولتوا أنها حامل وأنا مش عايز طفل منها يكون فى عليتي


تبسمت "سارة" بسخرية على كلماته وقالت:-

-وأنا تقتل طفل فى رحم أمه بريء مش قذارة ووحشية، مفيش مبرر يا فندم للي عملته، أنت متختلفش عنهم 


لم يجيب عليها وخرج من الغرفة حاملًا "مريم" بين ذراعيها، جسدها النحيل باردًا كمكعب من الثلج وبخف ريشة صغيرة كأنه يحمل دمية صغيرة وليست بشرية أو ربما قوة عضلاته ما جعلته لم يشعر بثقل جسدها، فتح باب السيارة الخلفي ووضعها على الأريكة ثم صعد جوارها و"سارة" جلست فى الأمام بجوار السائق ليعود بهما "صادق" إلى القصر بعد مُغادرة "شريف" غاضبًا من تصرف "جمال"، كان ينظر من النافذة ويفكر فيما يحدث وكيف تكن زوجة أخيه الفاسد ولم يلمسها يومًا هذا أمر لا يصدقه عقل بشري يعلم جيدًا حقيقة "مُختار" وإن الحقيقة التى يصدقها العقل هى أنها لم تكن زوجة أخيها وأصطنعت هذا الزواج العرفي لتأخذ منه الورث، توقف عن الشرود فى تفكيره الخبيث الماكر عندما شعر بشيء ثقيل على قدمه وكانت رأسها قد سقطت عليه، لم يحاول جاهدًا أبعادها فألتفت "سارة" من مقعدها مُحاولة إبعاد "مريم" عنه وهو ينظر من النافذة لكنها لم تنجح بسبب جلوسها فى الأمام، أستوقفها "جمال" بسؤاله الماكر قائلًا:-

-أمتي أتجوزت من مختار؟


نظرت "سارة" إليه بضيق وهى حقًا الآن ترغب بقتله مثل "حمزة" تمامًا وقالت ببرود:-

-صدق أو متصدقش لكنه اتزوجها يوم عيد ميلادها الثامن عشر


سأل "جمال" بعبوس شديد بعد أن تطلع بوجه "سارة" فى المرآة:-

-وامتى عيد ميلادها؟


أجابته "سارة" بأختناق وهى تفهم ما يرمي إليه بأسئلته:-

-يوم 10 / 1


تبسم بسخرية وهو يفهم كذبتها ثم نظر إلى وجه "مريم" النائمة على قدمه فاقدة للوعي ويقول:-

-اتجوزت أخويا من سنة ونصف وملمسهاش مرة واحدة حتي


استشاطت "سارة" غيظًا من حديثه وقالت:-

-قولتلك صدق أو لا، الأمر يرجع إليك محدش هيجبرك


وصلوا للقصر فحملها "جمال" على ذراعيه وصعد إلى غرفة الضيوف التى أصبحت غرفتها من الأمس ثم وضعها بالفراش برفق شديد وتطلع بملامحها قليلًا وقال:-

-أنا عارف أنك مخبية كتير، جواكي مليئة أسرار وغموض وواثق من دا لكن أيه هي قصتك يا مريم؟ فضولي بيقتلني عشان أعرف اللي جواكي ومخبية أنتِ ومربيتك


ألتف لكى يغادر لكن أستوقفه صوتها المبحوح ضعيفًا جدًا يكاد سمع كلماتها وهى تقول:-

-أنقذني أرجوك!


ألتف إليها بذهول ليراها تفتح عينيها ببطيء وتقول بضعف تستغيث به:-

-ساعدني!


شعر بقشعريرة قوية تصيب جسده وقلبه أنقبض قبضةً قوية وهو ينظر بعينيها الضعيفة لا يعلم لما يشعر بألم شديد فى صدره وشيء قوي بداخله يسير إليها وينجذب إلي ضعفها بقوة ليشعر بخوف سافر داخله فهرب مُسرعًا من غرفتها...

_________________________________


كان جالسًا فى غرفة المكتب مساءًا فصاح "جمال" بضيق شديد قائلًا:-

-أديني سبب واحد خلاك تصدق كذبتهم يا شريف وتقع فى فخهم؟


تنحنح "شريف" بتوتر وهو جالسًا أمام "جمال" على المقعد المجاور وقال بنبرة خافتة:-

-أنا أسف على الموقف اللي حطت حضرتك فيه، لكن صدقني أنا حست بصدق فى كلامهم والبنت ميبانش عليها أنها بتشتغل فى الدعارة ولا حتى عمرها دخلت كباريه وتقدر تغري رجل، أنا شوفت فى وشها براءة وطفولة مقتولة من العذاب، أزاى هتغري رجل أو حد تحاول تثيره وهي بتخاف من كل الرجالة وبتترعب من وجودهم على طول متعلقة بذراع مربيتها، عقلي وعيني مصدقوش اللي بيتقال؟


صمت "جمال" قليلًا قبل أن يجيب عليه ومرر أصابعه بضيق على ذقنه ولحيته حركته المُفضلة عندما يفكر وقال:-

-ماشي، معاك 24 ساعة بس تعرف ليا عنها كل حاجة، لكن أفتكر 24 ساعة بس لو مجبتليش اللى يقنعني ببراءتها هرميها برا باب قصري يا شريف


أومأ إليه "شريف" بنعم ثم وقف لكي يغادر من المكان لكن أستوقفه صوت "جمال" القوي يقول:- 

-أتصل براغب وقول يعتذر النهار دا عن فتح الوصية أنا مش هفتح الوصية قبل 24 ساعة وخلال هذا ال24 ساعة أعرف كل حاجة عنها مهما كلف الأمر


تبسم "شريف" بحماس شديد لهذا الرجل ثم قال:-

-زي ما تحب يا مستر جمال


غادر "شريف" المكان بينما دلفت "حنان" إلى المكتب وسارت فى خطوات هادئة حادقة بهذه الرجل الذي تحولت حياته الهادئة لفجوة كبيرة مليئة بالمشاكل والكوارث، كان "جمال" مغمض العينين ومُتكأ بظهره على ظهر المقعد من الخلف مُنهكًا بحق، وقفت قرب المكتب بهدوء ثم تنحنحت بخفوت تنذره بوجودها ليقول دون أن يفتح عينيه:-

-فى أية تاني يا حنان؟


تحدثت بنبرة هادئة:-

-أتصل الأمن وبيقولوا أن والد الهانم الصغيرة مريم بيتخانق معهم  على باب القصر عايز يدخل ويشوفها


فتح عينيه مع كلماتها وعقله لا يفكر سوى فى شيء واحدًا وهو رجاء "مريم" منه بألا يترك "حمزة" يأخذها وطلبها منه بأنقاذها، كل هذه التصرفات تنذره بوجود شيء خبيث وسيء بوالدها ولهذا تخشاه أكثر من أى رجل أخر فقال بضيق:-

-روحي أنتِ دلوقت


وقف من مكانه وخرج من مكتبه مُتجهًا إلى الأعلي حيث غرفتها وطرق الباب قليلًا حتى سمع صوت "سارة" تأذن له بالدخول، فتح الباب بلطف ودلف ليراها ما زالت نائمة فى فراشها مُنذ أن جلبها صباحًا من المستشفي لكن الأن قد فتحت عينيها لكن ما زال جسدها كما هو دون حركة فقال بحرج من فعلته:-

-باباكي تحت وحابب يشوفك!


كلمات قليلة تفوه بها لكنها فعلت الكثير بها فجعلتها كلماته تنتفض من فراشها وهى تقول بخوف:-

-لا... سارة أعملي حاجة رجاءًا


نظر إلى "سارة" التى وقفت حائرة لا يمكنها فعل شيء الآن وإذا أمر "جمال" بخروجهما من منزله سيخرجون دون معارضة، شعرت "مريم" بعجز "سارة" لتنظر إليه وهو واقفًا وذهبت نحوه بحزن شديد وتقول:-

-أنا عارفة أني كذبت عليك بموضوع الحمل وفعلًا أنا أسفة لك بس ممكن متخلهوش يأخذني وممكن تعاقبني على كذبتي زى ما تحب 


تطلع "جمال" بعينيها الباكية ويديها المتشابكتين أمام وجهها وتترجاه بكل ضعف أن يعاقبها لكن لا يسمح لوالدها بأخذها، نظر "جمال" إليها وقال بخبث:-

-أعاقبك!! أزاى ممكن أعاقبك ؟ أنا مبقدرش أتحمل المخادعين


مسحت دموعها بأناملها الصغيرة ثم قالت:-

-والله زي ما تحب، حتى لو حبت تخلينى خادمة هنا فى القصر مش هعارضك أقسم لك


تسائل كثيرًا ماذا يفعل بها "حمزة" لتفضل الخدمة فى منزله وتكن خادمة علي أن تكن سيدة القصر ولا تذهب معه فقال:-

-معقول!! بعد ما بقيت سيدة القصر بفضل أخي المرحوم أجي أنا أخليكي خادمة القصر.....


_________________________________ 

وصل "شريف" إلى المزرعة التى كانت تعيش بها "مريم" قبل أن تذهب للقصر، ترجل من السيارة ليري عامل الحديقة يرعي الزرع والخضرة فأقترب منه ليقول:-

-مساء الخير!


نظر العامل له بهدوء مُستغربًا وجود شخص داخل المزرعة فقال:-

-مساء النور يا بيه، أمر؟


-أنا كنت جاي أسأل عن مريم؟

قالها "شريف" بنبرة هادئة لكن رغم هدوءه أشتعلت نيرة الخوف والرعب بهذا الرجل ليعطيه ظهره بخوف من التفوه بشيء ثم قال:-

-أنا معرفش عنها حاجة، من ساعة ما أتجوزت البيه الله يرحمه وهي مخرجتش من باب البيت ممكن تسأل الشغالة هناك، حل عني يا بيه أنا مناقصش مشاكل 


حديثه وخوفه جعله "شريف" يشعر بريبة فى الأمر وتأكد بأن هناك شيء غامض وخطير خفي يجعل هذا الرجل يرفض الحديث معه، أتجه إلى المنزل عازمًا أمره على كشف الحقيقة ومعرفة الماضي الذي تحمله "مريم" داخلها وكما يبدو بأنه ليس بأمر هين نهائيًا 

يتبع 

                     الفصل الثالث من هنا


تعليقات



<>