
رواية البحث عن عريس صالح للانجاب الفصل الاول1 بقلم خديجة السيد
دخلت هبة المساعده لتجد الظلام يحاوط المكان ماعدا مصباح صغير مشتعل! عقدت حاجيبها باستغراب وهي تسألها بعدم تصديق
= اوعي تقوليلي أنك ما اكلتيش حاجه من امبارح الاكل زي ما هو اللي جبتهلك؟
أسندت نانسي المنهمكة بالتطريز جسدها على ظهر المقعد وهتفت بامتعاض بالغ
= ما تركزي شويه يا هبة هتلاقي فيه نص سندوتش متاكل أكيد مش جايبه كده يعني من المحل.
هزت هبة رأسها باعتراض وقالت بحنق
=انتٍ بتستعبطي؟ انتٍ من امبارح على نصف ساندوتش وكوبايه القهوه اللي مش عارفه عددها يا بنتي انتٍ لو جري ليكي حاجه المفروض ما نتفاجئش انا حاسه في مره هنفتح عليكي الصبح نلاقيك حصلك حاجه بعد الشر من كتر الضغط اللي بتعمليه لنفسك اول ما يكون عندنا مسابقه شغل .
زفرت نانسي المشغولة بالتطريز وعلامات الضيق متجلية على وجهها ثم ناظرت مساعدتها بالعمل ويدها اليمنى وتنهدت عن عادتها المستفزة لأعصابها
= جري إيه يا هبة يعني انتٍ مش عارفاني ولا أول مره اسهر عشان الشغل واديكي قلتيها بنفسك ان احنا كمان عندنا مسابقه مهمه فلازم الشغل ده يلحق يخلص قبل بالليل .
التفتت بوجهها المحتقن لنانسي هادرة دون أن تتوقف عن هز ساقها
=نانسي انتٍ بقالك قد ايه قاعده القعده دي وقافله على نفسك كمان عشان ما تشوفيش حد ولا حد يشوفك وتخلصي الشغل، يا حبيبتي ما في داهيه الشغل المهم صحتك
ما فيش حاجه هتنفعك في الآخر! وبعدين انتٍ عارفه دي المسابقه الكام واحنا ما شاء الله عمرنا ما فشلت ولا واحده.. ما جتش يعني على مره .
هزت رأسها باعتراض وأجابت بصرامة شديدة
=كله مسابقه بالنسبه لي كانها اول نجاح واسم بابا الله يرحمه هيفضل يرن بكل مسابقه و يطلع الأول وشغلنا يتصدر بره وعندي الاحلام ملهاش نهايه، فاهمه ولا لا؟؟ وانا دي طريقتي في الشغل.. ما فيش حاجه في قاموسي اسمها الفشل حتى لو هاجي على نفسي
ثم أضافت نانسي هاتفه بجدية شديدة
= علي العموم خلاص فاضل حاجات بسيطه اتحركي انتٍ بس بسرعه اتصليلي الاول بي مستر عزمي عشان يجي يتمم على الشغل البيه عمل فيها تعبان وقالي انا اشتغلت اكتر من 12 ساعه وادى لنفسه اجازه من غير ما يرجعلي لولا انه شغله مهم وبحتاجه كنت رفدته على الحركه دي.. وبعد كده شوفي الموظفين جم ولا لاء عشان كل واحد يتمم على شغله.. وبالذات عارضات الازياء .
ثم رفعت قليلاً رأسها وقالت بتحذير شديدة اللهجة
= وما تنسيش تنبهيهم ان الغلطه عند نانسي ما فيهاش آسف ولا معلش على طول ياخد بقيت حسابه ويمشي انا ما بحبش الاستهتار في شغلي ابدأ.. يلا عشان عاوزه كل حاجه تجهز والمسابقه هكسبها وهنطلع الاول بشركتنا وشغلنا زي كل مره.
بيأس توجهت هبة لتلبية طلبها، وفي هذه الأثناء قامت نانسي وسحبت كرسيًا إلى الطاولة وصعدت عليه لتفتح الدرج وتبحث عن خيط أحمر بعد عدة محاولات وجدته.. ثم هبطت تستكمل عملها، لكنها فجأة أمسكت ببطنها وشعرت بتعب شديد. ومع ذلك، تحملت الألم واستمرت في العمل، على الرغم من زيادة الألم ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تشعر بهذا الألم.
فاليوم هو اليوم الأهم بالنسبة لها، ومن المستحيل أن تترك كل شيء بعد كل هذه التجهيزات التي قامت بها وتذهب للكشف.. برأيها، العمل هو الأهم في حياتها ويمكن تأجيل كل شيء آخر ما عدا نجاحها و طموحاتها.
❈-❈-❈
بعد عده ساعات من العروض الكثيره داخل الحفله قد جاء وقت إعلان الفائز، وقف ذلك الشخص فوق المنصه وبدأ يتحدث بلباقه
=ودلوقتي هنعلن اسم الفائز او الفائزه؟ طبعا نحب نشكر كل الناس اللي شاركت معانا في المسابقه العالميه والمشاركه في حد ذاتها مكسب ليكم لان هنا مرحبنا في الصاله اكبر مصممين عارضات ازياء من كل البلاد بس طبعا اللي هيكسب معانا هو اللي هيكون من نصيبه الأكبر اكبر حصه في التعامل معاه.
كانت نانسي تنتظر الإجابة بلهفة شديدة، شعرت بتوتر مفرط وابتلعت ريقها بصعوبة كانت تخشى أن تصاب بحسرة كبيرة بعد كل هذا المجهود الذي بذلته إذا لم تكن هي الفائزة. ومع ذلك، بدأ الشخص الآخر يتحدث بغموض وتشويق ممل، مما زاد من توترها
= والفائز هو او الفائزه!؟.
تحركت نانسي مكانها على مضض، وقد شعرت بارتفاع ضغطها وكثره الالام ببطنها تتعالى.. و ظنت ذلك من التوتر فمسحت على وجهها وهي تقول بعدم صبر
=هووف ما بحبش جو التشويق الاوفر ده ما يقول الاسم على طول! لازم يلعب باعصابنا وبعدين انا خايفه ليه انا عملت شغل محدش حواليا قدر يعمله في الوقت القياسي ده زيي فانا هكسب يعني هكسب .
هتف مرددًا بصوت مرتفع جداً في المكبر
= نانسي أمجد الشرقاوي خدت اللقب للمره العاشره على التوالي! هي وشركتها يو اس.. مبروك أستاذة نانسي على النجاح الكبير ده .
تنفست بارتياح كبير وسعادة، ثم تحركت تقف نانسي أعلى المنصة تلقي كلمتها بعدما
حصلت على جائزة تكريميه لافضل مبيعات وتصميمات لهذا العام في الوطن العربي.
تعلقت عيني هبة بها وابتسامة واسعة
تشق طريقها نحو شفتيها، هي والفريق وتعالا تصفيق الحضور بعدما أنهت كلمتها.
بينما على بعد مسافة قريبة بنفس المكان، هتف احدهم بضيق شديد وغيره
= هي ما فيش مره بتخسر! كده اوفر بصراحه لولا ان احنا باين قدامنا شغلها والكم اللي هي عملته في وقت قياسي كنا قلنا انها بتدفع عشان تكسبها
تطلعت سيدة ما نحوه باستنكار هادرة
=على رايك والله، دي ما بتريحش نفسها ابدا ده ابوها ما كانش كده الله يرحمه صحيح كان بيكسب بس مره يخسر او مرتين كده لكن دي من ساعه ما مسكت الشغل مكانه وهي زي القطر هتقف امتى وتسيبلنا شويه، واكله السوق مننا بصراحه جامد .
تجلى الامتعاض على وجه اخري وقالت بترفع
= الغريبه انها وصلت سن ال 30 بالنجاح الكبير ده بس ولا اتجوزت ولا فكرت تجيب أطفال، ده ما شاء الله ثروتها دلوقتي تلاقيها كبيره مين هيورث كل ده بعدها.. كل مره بقول هتقف لحد هنا واكيد هتعمل عيلة.. دي بقت لوحدها وبعدت عن الناس خالص .
أردف طرف ثالثاً مرددا موضحاً بجدية
= يا جماعه هي اختارتها صح عارفه ومتاكده الجواز هيوقفها عن نجاحها والخلفه كمان ما هي اصلها لما تتجوز وتخلف هتقعد يجي ثلاث سنين تقف فيهم! وحتى لو حاولت تجيب مربيه ولا حد يشيل عنها برده هياثر عليها.. ما هو نجاح وعيله مع بعض عمرهم ما هيكونوا مع بعض اكيد في طبه منهم هتهبط وهي اختارت طبت النجاح والشهره .
ثم أضاف نفس الشخص بصوت جاد بتفكير
= وبعدين اعتقد حتى لو هي فكرت في الموضوع هتشوفه فين ده اللي هيحبها و يتجوزها ويتقبل واحده بالشهره الكبيره دي وميغيرش منها اكيد هيقول لها يا انا يا شغلك وهي طبعا هتختار شغلها، والدها الله يرحمه كان كده على فكره شغله رقم واحد في حياته وهو اللي علمها كده، عشان كده ما اتجوزش ولما مراته ماتت وما عملش علاقات تانيه و لولا انه انشغل في شغله كان زمانه اتجوز تاني وخلف.. ولا من كتر ثروته كنا كل يوم سمعنا عن نزوه جديده عملها .
بادلته الجالسة مقابله النظر بحنق ثم قالت ببغض شديد
= هي للدرجه دي العيله دي عندهم الشغل اهم من الاطفال و الأسرة بس الامور دي مش دايمه برده العيله ليها طعم وهما السند في الحياه، يبقى على كده اللي سمعته بقى صح انها لما يكون عندها مسابقه جديده بتقفل على نفسها المكتب وتقعد بالشهور ولا بتاكل ولا بتشرب غير فين وفين عشان توصل للنجاح الكبير ده انا فاكره ايام الجامعه كان معاها اصحاب كتير كلهم اختفوا من حياتها وشافوا حياتهم او هي اللي بعدت عنهم عشان توصل لمكانتها دي يعني حتى الصحاب ما لهمش مكان في حياتها ولا حب ولا عيله ولا اطفال.. نجاح وبس.
عقدت الأخري حاجيبها للاعلي قليلاً بتفكير ثم قالت
= بس والله معاك حق النجاح والعيله مع بعض ما يكسبوش لازم هنيجي على واحده منهم وانا عن نفسي هختار عيلتي
برق الحقد من عينيها الأخري وهي تتمتم
= بس بنت اللذينه الصحافه والاعلام هيفضلوا يتكلموا عليها يجي شهرين ما هو محدش في عالم الأزياء عملها قدها ووصل للمكانه دي بنت المحظوظه ده زمانها دلوقتي طايره من السعاده.
❈-❈-❈
في منزل بسيط في أحد الحواري الشعبيه،كان يعمل بالتلفاز حفله نانسي والاعلام والصحافه كانوا يتحدثون عن نجاحها الباهر.. ثم ارتفع صوت بخشونة مرددًا
= يلا يا أمي انا حضرتلك الاكل، عايزك تخلصي كل الاكل ده وتاخدي العلاج وبعد كده تخشي تنامي وانا هنزل اشوف شغلي عشان اتفقت على ورديه تانيه
اقتربت منه وهي تتحرك بكرسيها العجل، وقد
طفح الذنب وتأنيب الضمير على ملامح أمه وهي تناظر أبنها الذي بدا كأنه أكبر من عمره بعشر سنوات من تحمل المسؤوليه بمفرده، ثم قالت بصوت حزين
=يا ابني ليه كده انت بتتعب من الورديه الواحده بطل تضغط على نفسك عشاني و عشان العلاج اللي خلاك بطلت تستنى تعيين من اي شركه بعد ما اتخرجت واشتغلت حته آمن في فلل ولا عارفه بيسموها ايه دي .
أبتسم أحمد بهدوء وهو يرد ببساطة
=اسمها كومباود يا ماما وبعدين مين قال لك ان متضايق اصلا اني اشتغلت الشغلانه دي المرتب الحمد لله كويس ونافعنا، ثم ان خلينا صراحه مع بعض هستنى ايه اكتر من كده عشان اتعين ولا في حد في الزمن ده بيشتغل بشهادته!
ثم وضع الطعام أمامها و أضاف بيأس وإحباط
= يلا معلش بقى يا ريتك ما علمتيني ولا دفعتي الفلوس دي كلها في تعليمي اللي ما جاش بفايده في الآخر.. الايام دي اللي يشتغل في شركه كبيره لازم يكون معاه واسطه
فتطلعت بعينيها وقالت بإحساس قاتل بالذنب
= هقول بس ايه؟ ربنا يوفقك انت واللي زيك
عارف انا متاكده ان شاء الله ربنا هيجبر بخاطرك وهيراضيك وهتبقى حاجه كبيره اوي! وبكره تقول امي قالت
لوي شفته بسخرية وهو يقول باستخفاف
= اه لسه حكايه الحلم إياه اللي كل يوم تحلميه وتحكيلي عليه انك بتشوفيني عمال الم فلوس كتير ما لهاش نهايه، انتٍ بس لو تسمعي كلامي وتتغطي كويس وانتٍ نايمه هتبقي كويسه والله .
ردت بتضرع واثق في قدرة المولى على تدبير شئون خلقه
=بتتريق على امك يا احمد؟ طب ايه رايك أن كلامي صح ومن دعواتي ليك ليل ونهار ربنا مش هيردني وهيعوضك عشان انت استحملت عشاني كتير،كفايه يا حبيبي فسخت خطوبتك عشان تعالجني بفلوس الجواز بعد ما اتفقت على كل حاجه ولحد دلوقتي ما اتجوزتش وكل ما افتح معاك الموضوع ما ترضاش وتقولي هسيبك لمين؟ ولا هامن عليكي مع اللي هتجوزها دي .
قبل يدها بحنان وقال برضا واضح من صوته و ملامحه
= انا مش بعمل جمايل انا برد اللي انتٍ عملتيه معايا زمان يا امي! ابويا لما مات انتٍ اشتغلتي كل حاجه لدرجه بقيتي تخدمي في البيوت عشان توفري ليا احتياجاتي وده كان السبب في تعبك كمان! وبعدين عاوزاني اعمل ايه لما الدكتور قالي ان انتٍ محتاجه عمليه في اسرع وقت افكر ساعتها في جوازي ولا فيكي
تطلعت لوجه أبنها أحمد المشرق وتمتمت له بحزن ويأس
= وايه الفايده يا حبيبي ما انت عملتلي العمليه من هنا وتعبت تاني وطلعت محتاجه عمليه تاني للقلب! واديك عمال تصرف علاج قد ايه ومن ناحيه تانيه بتحاول تستلف وتعمل جمعيات عشان توفر تمن العمليه.. و العمر جري بيك واديك عديت ال ٣٠ ولسه ما اتجوزتش.. ده حتى خطيبتك القديمه لما بطلع من البلكونه بشوفها وهي بتزور امها وبقى معاها عيلين وبتحسر عليك كنت بقول زمان دول احفادي لولا انك سبتها وهي ما رضيتش تستنى معاك .
تنهد بضيق مكتوم مِمَّا جعله يقول بدفاعية وهو يشيح بنظره عن نظرات أمه المتهمة
= ماما ده اسمه نصيب وبعدين ما تلومهاش هي معاها حق برده! زي اي بنت نفسها في حاجات كتير تتجوز وتتستر واهلها نفس الكلام فهتعمل ايه لما فجاه خطيبها يقول لها استني معايا ثلاث سنين تاني ولا اكثر ولا مش عارف قد ايه هو نفسه عشان يجمع فلوس تانيه للجواز؟ كان لازم تسيبني طبعا.. وكويس ان ده حصل ما اديكي قلتيها بنفسك انا لسه بجمع فلوس العمليه تاني يبقى كنت هتجوز ازاي ولا اصرف على العيال اللي هجيبها دي منين.
ارتسم الحزن والضيق عليها فحضنها من كتفها واجتذبها لصدره هامسا بحنو
= ما تفكريش في حاجه يا ست الكل انا والله ما زعلان و راضي، وعارف قد ايه نفسك تشوفي احفادي بس يا ريتني كنت اقدر اعمل كده ولا عاوزين بقى اظلم معايا واحده وما اقدرش اصرف عليها و ادين اكتر انتٍ اولى عندي دلوقتي.. وبعدين اللي معهوش ما يلزموش! وانتٍ عودتيني على كده انا مش ظالم عشان اجيب واحده مش قادره اصرف عليها ولا اخليها تخدمك وانا اللي المفروض ابرك واولى بيكي .
رمته أمه بنظرات حنان و ابتسمت له بامتنان قبل أن تتحدث بأمل
=ما عشان طيبه قلبك دي انا متاكده ان الحلم حقيقي وهيحصل في يوم وربنا هيجبرك و الفلوس اللي انا بشوفك بتعدها في الحلم دي هتبقى حقيقه! وهتبقى حاجه كبيره زي الناس اللي بنشوفهم في التلفزيون دول
رفع حاجبيه بملل ليقول بخشونة
= انا بقول احسن تاكلي وتاخدي العلاج عشان انا خلاص فاضلي ربع ساعه بالظبط وانزل
هزت رأسها بقله حيله ولم تعترض مجدداً لكن عندما نظرت الى ما في التلفاز تساءلت بتعجب
=هو ايه يا ابني اللي انت بتتفرج عليه وجايبه ده؟ انا مش اول مره اشوفك بتتفرج على حاجات زي كده مين دي وايه الحفله دي!
اضطربت ملامح أحمد وكأنها انتشله من خلوته هاتف بتوتر مبالغ
=هاه، عادي اصل الست اللي بتاخد الجائزة دي معانا في الكومباوند بشوفها على الحقيقه قدامي، فمش عارف ليه بحس بانبهار كل ما اشوفها زي يعني بتوع السيما كده والمذيعين
فانا بحاول بالصدفه شفتها فما صدقتش نفسي مع انها مش اول جائزه تاخدها اصلها ما شاء الله شاطره أوي وبتحب شغلها وما فيش مره مسابقه بتدخلها الا لما تنجح فيها.
نظرت للتلفاز ثم ناظرت أبنها بطرف عينها وهي تردف بنبرة ماكرة
= ايه يا احمد عينك منها ولا ايه؟ اول مره اشوفك مهتم بحد كده.. بس تعرف هي حلوه اوي صحيح، بس يا ابني شكلها غنيه أوي ومش من مقامنا
لف الإحباط احمد وقال لأمه بقلة حيلة
=انتٍ بالك راح لايه يا ماما انا بقول لك مبهور عشان بشوفها في التلفزيون وبشوفها بعد كده في الحقيقه قدامي مش اكتر، وبعدين حتى لو فيه فكرك يعني اللي زي دول بيبصلنا؟ ده انا شغال عندهم.. وبعدين هي مش شايفاني خالص اصلا فين وفين لما بتسلم عليا حتي
انخفضت عينا احمد ولفمها نحو التلفاز بشرود قائلا بصوتٍ أجش
= بس لما سألت ليه اسلوبها كده استغربت من كلام الناس قالوا وقت ما يكون عندها شغل مهم بتحضره مش بتبقى حاسه بالناس اللي حواليها و بتستخسر الشوايه اللي هتقف تتكلم معاك فيهم وتقول احسن توفرهم في شغلها.. مش بقول لك بتحب شغلها أوي بس ست غريبه .
أطلقت عينا الأم سهام الازدراء والاستخفاف من تصرفات تلك الفتاه وترجمتها بانها متكبره
= بلاها احسن من كلامك عليها حسيتها متكبره ومش شايفه غير نفسها! حتى السلام مستخسره ده ايه ده؟ اللي عطاها يعطينا يا سيدي ما كلنا في الآخر بني ادمين زي بعض..
أعترض أحمد بروح تواقة وبصوت منخفض وبالكاد يخرج مفهوما
=لا يا ماما بالعكس مش متكبره ولا مغروره خالص دي ممكن تكون احسن واحده في الكومباوند كمان، اصلها وقت ما تكون مش عندها ضغط شغل كتير بتهتم بتسلم على اللي حواليها ولو عرفت في مشكله تحلها وتقف جنبك بس في نفس الوقت بتحب تبقى لوحدها وبعيد عن الناس كانها ليها عالم لوحدها، مش بقول لك شخصيه غريبه .
احتدت الدماء في وجنتيها غضبا من اهتمامه ولمعت عين أبنها وهو يتحدث عنها وتراقص اللهب في مقلتيها الداكنتين باسي عليه فلا تريد أن يتألم من التعلق والحب، وقالت بدعاء
داخلها
= يا رب لو في قلبه طلعها، انا عمري ما شفته بيتكلم على واحده كده وعينيه بتلمع حتى خطيبته القديمه، يا خوفي لا تكون بتحب يا احمد وما لقيتش الا اللي اعلى منك هتتعب يا ابني وانت فيك إللي مكفيك .
❈-❈-❈
عادت نانسي الى منزلها بداخل الكومباوند، بينما اسرعت إليها الخادمة مرددة
=حمد لله على سلامتك يا ست نانسي انا جهزتلك كل حاجه طلبتيها مني في البيت وهمشي بقى محتاجه حاجه تاني مني!.
نظرت نانسي إليها بضيق شديد وكأنها كانت تعتقد ستجد احد يبارك لها نجاحها اليوم! فلم تجد اي شخص يخبرها بذلك او تحتفل معه وتخبره كم كانت تعاني الفترات السابقه حتى تصل الى ذلك النجاح والمجهود الذي بذلته، صحيح لم يكن النجاح الأول لها؟ لكن ملت من فكره نجاحها الصامت ذلك، فهي من عودت نفسها على ذلك.
فجميع الموظفين رحلوا يحتفلون مع اصدقائهم وعائلتهم واحبابهم! لكن هي لم تجد احد تشاركه ذلك النجاح، رغم أنهم أحياناً كانوا يحاولون الاحتفال بالشركه سويا لكنها كانت ترفض وتفضل العزله! فلما الان فقط بدات تشعر أن حياتها ممله وهي وحيده بروتينها المعتاد.. ربما لان لم يكن النجاح الاول وليس نجاح سهل! وبدات تشعر حقا بانها تحتاج الى شخص في حياتها، حتى لو مؤخراً لكن تشارك أبسط الأشياء لديها.
افاقت على صوت العامله وهي تكرر باستغراب
= يا ست نانسي هو حضرتك مش سامعاني؟!.
هزت رأسها برفض بغمّ ثم قالت بصوتٍ منهك وهي ما زالت تمسك الجائزه بيديها
=لا يا خيرية متشكره تقدري تمشي انتٍ خلاص.
بعد رحيلها من المنزل، انهارت ملامح نانسي وتراخت جالسه على اقرب كرسي ونظرت حولها عندما وجدت نفسها وحيدة ولا تعرف مع من تشارك نجاحها الكبير اليوم! ارتعشت شفتها السفلى وهي تهتف بوهن
=يعني سايبه كل اللي حواليكي وجايه في حته الخدامه اللي على قدها مركزه في شغلها عشان عيالها ومش فاضيه تتابع تلفزيون و حتى لو تابعت هتابع اخبار عن الازياء و الموضة وتشوف حاجه زي كده وتباركلك ؟!.
بعد مرور ربع ساعة، تمددت نانسي على فراشها فاتحة عينيها وبدت في أضعف حالاتها منذ تلك اللحظة التي وجدت نفسها وحيده ولا احد تشاركه نجحها الباهر وهي تعيش كالأموات وأنها خسرت كل شيء في حياتها السابقة.. اصدقائها.. خطيبها السابق.. فرصة لتكوين عائلة..
وكل ذلك لأجل العمل والنجاح والشهرة! هل كان يستحق الأمر أن تخسر كل شيء من أجلهم؟ هل تلوم والدها بأنه جعلها تعيش بتلك الطريقه لا تثق في احد وعملها هو امانها الوحيد وسندها وليس الناس !!.
همست لنفسها بنبرة حزينة بملامح شاردة
=خلاص يعني هستسلمي للواقع و ما فيش حد تحكيله عن نجاحك وشعورك اليوم عامل ازاي؟ ولا عن نجاحك اللي فضلتي تسعي فيه سنين.
اعتدلت فجاه و تهالكت على حافة فراشها مائلة للأمام فغطى شعرها ملامحها ثم تراخت يدها الممسكة بالجائزة حتى أوقعتها أرضا..
و سرعان ما نهضت وهي تردد بصوت مخنوق
= لا أنا مش قادره اقعد اكتر من كده لوحدي ولا استحمل الوضع ده انا هروح اعمل اي حاجه بره ان شاء الله اروح ازور بابا في المقابر دلوقتي واتكلم معاه زي ما بعمل.
❈-❈-❈
استغرب غفير المقابر حضور نانسي بذلك الوقت لكن لم يتحدث وفتح لها البوابه ورحل،
زمّت شفتيها بقهر لترك أبيها الحياه مبكرا إذ لا تشعر أنها شبعت منه أبدًا، لكنها طالعت القبر وقالت بصوت حزين
= ازيك يا بابا وحشتني اكيد طبعا مستغرب ان انا جايه بوقت زي ده؟ بس للاسف مش جاي احكيلك عن نجاحي زي كل مره واقول لك كويس انك علمتني اهتم بشغلي واخليه اهم من اي حاجه في حياتي انا جايه اعاتبك لاول مره .
ازدردت تلك الغصة المسننة في حلقها ثم أضافت بصوتٍ ثقيل
=انا عامله نجاح كبير أوي النهارده والكل بيتكلم عنه! و الكل بيتمنى يكون مكاني دلوقت وبيحسدني على اللي انا فيه لكن مش عارفين ان لما اقفل الباب عليا بعمل ايه و احساسي!. انا لأول مره احس بالوحده يمكن عشان طول الوقت مرميه في شغلي..
هزت رأسها بضيق وهي ترمق القبر بنظرات الخيبة الممزوجة بالغضب.. هاتفة بحسرة
= بس لما استلمت الجايزه اللي ما بقتش عارفه عددها من كتر نجاحي واتكتب اسمي ضمن أشهر ازياء العالم وشركتي اتصنفت رقم واحد في عالم الموضه والاكثر مبيعات! لقيت نفسي بلف حواليا وبجري عاوزه اشارك حد نجاحي واحكيله قد ايه تعبت عشان اوصل للي انا فيه بمجهودي واني فرحت في اللحظه دي أوي! بس فجاه كل ده انطفى اول ما لقيتش حد معايا مش عارفه اتصل بمين احكيله؟ مش لاقيه صحاب؟ولا حبيب؟ ولا زميل شغل؟ ولا في حد قريب مني اشاركه النجاح ده .
التقطت أنفاسها ثم هتفت بصوتٍ متحشرج قهرًا على حالها ووضعها الآن
=العيب مش فيهم على فكره الدنيا وحشه آه بس مش كلهم يعني أكيد، انا اللي سمعت بنصيحتك وعملت زي ما كنت بتعمل وزياده كمان، قفلت على نفسي أوي بعدت عن الصحاب و أني اكون صديقات حتى في عملي
او اعمل عيله! ركزت على الشهره والنجاح بس لدرجه حسيت انها هتاذيني، انا قسيت علي نفسي بالفعل، ممكن لو حد سمعني يستغرب كلامي بس لو مكاني هيفهمني الحاجه لما بتزيد عن حدها بتقلب ضدي!.
سرعان ما انهارت وهي تغمر وجهها بين كفيها تبكي بقوة، لقد خسرت أن تسعي لفعل أسره أو اصدقاء للضروره حولها؟ وكل ما كانت تملكه من أجل سعادة مؤقتة تتمثل بيومين أو ثلاثة كانت تقضيهم في منزلها وحدها أيضا في الماضي.. والآن رغم أن نجاحها الكبيرة علمت بحقيقه غير متوقعة.. حقيقة أنها ستموت وتعيش وحيده فقد خسرت كل شيء..
أضاعت كل شيء بيدها بالحياة المقبولة التي كانت تعيشها.. فكانت تعيش بالماضي مع اصدقاء و الكثير من الناس حولها وهي من ابتعدت عنهم متعمده! بعد وفاء والدها و تحملها للمسؤوليه بمفردها.. تمنت لو يعود بها الزمن فلا تفعل ما كانت تفعله عندما قطعت كل الصله بالناس وتفرغت للعمل فقط .
ارتفع صوت نحيبها بمرارة وهي تردد
= تفتكر في امل ممكن اصلح حاجه؟ ولا خلاص حياتي كلها ضاعت و هتقف لحد هنا.. طب ايه اللي يمنعني؟ ان احاول ارجع اصدقائي واشوف حد كويس يشاركني حياتي
مسحت علي قبر والدها بوداع و باختلاج فؤادها المحروقة ونزيف قلبها المنهمر بغزارة راجياً من الله أن يعوضها فلا تتحمل تلك الحياة بعد اليوم.. رغم انها كانت بختيارها!.
❈-❈-❈
بالمساء، كانت الالام التي تشعر بها نانسي هذه المره لا تحتمل ابدأ، حتى انها ساقت السياره بصعوبه حتى وصلت وقبل ان تصعد الى الكومباوند الخاص بها وقفت لحظات تاخذ أنفاسها بألم حاد في الحديقه، وهي تضغط على بطنها بقوة شديدة من الالام..
في ذلك الأثناء لمح أحمد نانسي عادت، فوقف مكانه لدقيقة محتار ومتردد يفكر هل يقترب منها ويهنئها أم يتراجع؟ ربما لم يتقابلون الا قليلاً جداً فمن الممكن لا تعرفه، او بالتاكيد لا تراه من الاساس فأخذ نفسا قبل أن يقترب ويقول بصوتٍ خفيض متلعثم وهو بالكاد يخرج
= ازيك يا استاذة نانسي، مبروك!.
رغم ألم معدتها لكن مالت زاوية فمها بابتسامة وهي ترد بدهشة
=نعم مبروك على ايه؟
ازدرد أحمد ريقه وأجاب بحذر
= على الجائزه اللي خدتيها انا شفت حضرتك في التلفزيون وشفت الحفله وقد ايه شغلك كان جميل وتستحقي النجاح فعلا
تطلعت نانسي به بنظرة متأثرة وعينين بارقتين ولفَّت الصدمة ملامحها وهي تقول
=انت بجد تابعت الحفل وشفتني قصدي يعني ما توقعتش حد هنا ممكن يكون مهتم بحاجه زي كده.. او حتى راجل يكون مهتم بالموضه والازياء .
بدأ العبث والشقاوة يتلاعبان بملامحه الحلوة فتسارعت دقات قلبه لتضخ الدم الى وجهه مباشرة وهو يقول بحرج
=اه ما انا زيهم ما ليش فيها بصراحه بس بالصدفه وانا بقلب شفتك، حتى والدتي استغربت اهتمامي بحاجه زي كده وقعدت اقول لها ان انا بشوف نفسي الشخصيه دي حقيقي قدامي في شغلي، عشان كده مهتم حاسس يعني كاني بتكلم مع ممثله ولا مذيعه اصل اول مره اشوف حد في التلفزيون على الحقيقه قدامي.
منحته نانسي نظرة ممتعضة قبل أن تقول له
اه فهمت ماشي شكراً وابقى سلملي على والدتك كمان.. اتفضل دي حاجه بسيطه اعتبرها حلاوه نجاحي النهارده.
زحفت الحمرة لوجهه بإحراج قبل أن يعترض بصدمة
انا مش بقول لك كده عشان عاوز فلوس والله لا ما لوش داعي متشكر وبعدين مفروض انا إللي اجيبلك حتى هديه مش حضرتك و
لم ترد عليه فكانت منهكة من بين أنفاسها اللاهثة من الوجع، و وحدتها البادرة بلا رحمة، فجسدها لم يتحمل أكثر من ذلك وانهارت نانسي أرضا ودموعها تتابع السيلان بصمت قاتل..
ابتلع ريقه وبدت علامات الصدمة متجلية عليه وهو يصيح بخوف
أستاذه نانسي.. مالك أستاذه نانسي! يا نهار ابيض دي مش بترد خالص اعمل ايه كلهم مشيوا كان لازم يعني اقف معاها اباركلها دي ماتت دي ولا ايه .
ذهب أحمد بنانسي الى اقرب مستشفى بسرعه
فأجرت لها بعض الفحوصات الاعتيادية قبل أن يطلبون عده فحوصات لازمه آخري، وبعض المسكنات لتستيقظ.
بهُت وجه نانسي وتمتمت لها بعصبية منفعله
في ايه يا ياسمين بقيلك اكتر من نص ساعه عماله تزعقيلي وتعاتبيني عشان من اول ما تعبت ما جيتش كشفت هكون مالي يعني شويه تعب وقلت هيروح لحاله هو انا اول مره اتعب يعني
قطبت ياسمين حاجبيها بغيظ من ص